جلست حليمة وقد حملقت في الفراغ بلا وعي!، وما لبثت أن ضربت كفا بكف في ذهول تام مما سمعت، فتحت فنار باب الدار واقتربت من أمها تصيح بتذمرٍ: أمي، أنتِ هنا وأنا أبحث عنكِ؟ لمَ تركتيني بقصر الملك ورحلتِ ألم أخبرك أن تنتظريني؟ يبدو أن حليمة لم تسمع ما قالت، كانت على حالها تحملق بالفراغ لا تتكلم، فتعجبت فنار من أمرها وهي تجلس إلى جوارها متسائلة: أمي ما بكِ؟، هل حدث شيء؟
حركت رأسها ونظرت لها بصمت، ولما طال صمتها، سألتها بنفاد صبر: يا أمي تحدثي أرجوكِ، ماذا هناك؟، وماذا كان يريد منك الملك تيم؟ نهضت حليمة ومشت إلى الزير وأخذت تملأ الإناء وتجرعته دفعة واحدة، ثم قالت وهي ترفع وجهها إلى السماء: يا الله، أنا لم أصدق! لم تصدقين ماذا بالضبط يا أمي؟ يا إبنتي، الملك، تيم، قال... قطعت جملتها وتنهدت، ثم أردفت بغير تصديق: لم تصدقِ ماذا طلب منّي الملك يا فنار!
استأنفت فنار وقد ازداد فضولها: ماذا، ماذا يا أمي طلب، تكلمي أرجوووكِ! نظرت لها مطولًا ومن ثم قالت بهدوءٍ: الملك طلبك أنتِ يا فنار! ابتسمت فنار وهي تجلس متنهدة بارتياح وكأنها كانت تتوقع هذا، ثم قالت وهي تضع ساقا فوق الأخرى بثبات: يا الله، أنا كنت متيقنة من هذا، أخيرًا يا جلالة الملك! توسعت عيني حليمة بشدة وهي تقترب منها هاتفة بصدمة: ماذا قلتِ أنتِ؟!، أنتِ كنتِ تعلمين أنه سيطلبك؟ كيف!، كيف يا فنار؟
ضحكت فنار وهي تصفق بيدها وقالت: يا أمي الملك كان يبتسم لي وهذا يحدث قليلا مع أي أحد، وشعرت أنه يبحث عن خادمة بمواصفاتي أنا، لذا كنت متأكدة أن الملك سيطلب منك أن أكون خادمة في قصره الجميل. جلست حليمة وضحكت بشدة بينما تردد من بين ضحكاتها: يخرب هذا العقل يا فنار، أنتِ ذكية للغاية، الملك بالفعل يبحث عن فتاة بمواصفاتك ولكن ليس لتكون خادمته يا إبنة بطني! ليس خادمته؟، إذن ماذا سأكون.
عادت حليمة تتعجب وهي تواصل حديثها بذهولٍ: زوجته..! ضحكت فنار بتهكمٍ وهي تقول: يا أمي لا تمزحين معي وتسخرين مني، تحدثي وقولي ماذا سأكون في قصر الملك؟ راحت حليمة تهتف بصدق: يا إبنتي أقسم لكِ بالله العظيم أن الملك تيم يريدكِ زوجة له على سنة الله ورسوله! لطمت حينذاك على صدرها ووقفت فاغرة فاها بدهشةٍ شديدة، ماذا قالت أمها؟ ماذا يريد الملك؟ هل تحلم؟ هل أمها تمزح معها؟
لكنها أقسمت لها بالعظيم!، ولم تكن تقسم حليمة بربها كذب أو مزاح! إذن هي صادقة، الملك ذاته يريد فنار زوجة له، بأي عقل قال وبأي قلب؟! نطق فاها بصدمة عارمة: رباه!، زوجة له، كيف؟، كيف يا أمي كيف؟ تعجبت مثلك تمامًا يا فنار ولم أصدق حين قال هذا الكلام، فقال لي هكذا اختار قلبي، اختار فنار! اختار فنار! لا أصدق لا أصدق.
كانت أيريس نائمة حين بدأ الحديث بينهما، لكنها استيقظت بعد دقائق وحضرت الحديث بصدمة وفي صمت لا تصدق هي الأخرى، ومن يصدق؟ حاكم المملكة يطلب فتاة فقيرة مثلها، لمَ؟.! نظرت فنار إلى أختها وقالت ترمش بعينيها: هل سمعتِ يا أيريس؟، الملك تيم!. هزت الأخرى رأسها ومازالت تحاول استيعاب ما قيل، لتقول بخفوت: سمعت أختي، لعل الله أراد ذلك وذلك على الله يسير! فقالت حليمة بهدوءٍ: ونعم بالله الملك العلي، سبحانك سبحانك!
استفاقت فنار من صدمتها قليلًا وهي تقول بتساؤل: ولكن يا أمي هل ستوافق الملكة قسمت؟ أم هي موافقة بالفعل عليّ؟ لا أعلم فنار، ولكن لطالما تكلم الملك إذن هي موافقة بالتأكيد. وقالت أيريس بجدية: ثم إن الملك تيم يأخذ أي قرار وينفذه حتى وإن رفضت أمه. ولكن إذا كانت رافضة ستتعذب إبنتي فنار بشدة. أسرعت فنار تهتف بسعادة عارمة: الملك تيم سيحميني يا أمي، الملك تيم، الملك تيم!
أخذت تدور حول نفسها والفرحة تغمر قلبها الصغير بينما تصفق بيديها وهي تردد: ما هذه الروعة، أنا سأتزوج من الملك! ثم توقفت وقد قالت بحزن: ولكن لمَ أنا تحديدًا يا أمي، أنا سمراء اللون وهو وسيم للغاية كيف؟ وما الذي أحببه في!
جلست الملكة قسمت قبالة إبنها تيم وأخذت تنظر له منتظرة الأمر الذي يريدها لأجله.. أما عن تيم فقد تحدث قائلًا بثبات دون أن يرمش له جفنا: سأتزوج. تهللت أساريرها واتسعت ابتسامتها بشدة وهي ترد عليه: جيد جداً يا إبني، مبارك مقدما يا تيم، هل أقنعتك جلنار بهذه السرعة؟ نظر لها ثم واصل بكلام مبهم: أقنعتني بماذا يا أمي؟ فأجابت: بزواجك من الملكة روكسانا شقيقة أوار، هي جميلة للغاية وتليق بك واختيارك موفق.
زفر تيم بعنف، ثم حاول ضبط أعصابه وهو يقول: توقفي يا أمي، أنا لن أتزوج روكسانا ولم ولن أحبها! تغضن جبينها، فيما تسأله باستغراب: إذن من ستتزوج يا تيم؟ نهض والتفت موليها ظهره وراح ينظر من النافذة، بينما يكتف يديه خلف ظهره قائلًا بهدوءٍ تام: سأتزوج فنار يا أمي. نهضت وقد قلِق فؤادها وهي تسأله بحذر: من هذه؟ فأجاب بنفس الثبات: هذه إبنة حليمة، بائعة التوت. فضحكت مُكملة: أتمزح؟
لا أمزح، قلبي يريد فنار إبنة بائعة التوت ولن أتخلى عن ذلك. أنت جننت بالتأكيد يا تيم، لن أسمح لك أبدًا، ستلوثنا على آخر الزمان؟ التفت يواجهها بحدة: لا أريد إلا حقي، وحقي أن أتزوج من ينبض القلب لها وهو قد نبض لفنار، لا يهمني من تكون، يهمني أن تبقى لي لطالما كانت من الأشراف. هزت رأسها بعدم تصديق وقد أوشكت على الصراخ:.
لا أصدق، ماذا سيقولون الناس؟ ماذا يا ملك مملكة الأسد؟، أتتزوج من فقيرة أمها تبيع التوت؟! وليس هذا فحسب، بل إنها سمراء لم تلق بجمالك ولا جمال العائلة كيف سنعيش مع هذه الحشرة؟ أمي، أنا من سأعيش معها، ليس أنتِ. صرخت بوجهه في غضب عارم: أنت مجنون!، لن تتزوجها أبدًا ما حييت يا تيم. بل سأتزوجها، لن تمنعيني أنتِ! برقت عيناها بشراسة وهي تهتف بانزعاج: هل تتحداني؟ فقال صائحا:.
لم أتحداكِ، أردت زوجة وهذا لا يخص أحد، عذرًا أمي لن أخضع لكِ ما دمت لم أفعل الخطأ ولن تحرمي ما حلله الله! أخذت تهز ساقها في غضب جم وهي تحدجه بشراسة قاسية، فيما تقول بعنف: ستلاحقك لعنتي في كل مكان وغضبي عليك إلى يوم الدين إن لم تتراجع عن هذه الخرافات! هز رأسه موافقًا وقال بضيقٍ: شكرًا لكِ يا أمي، سأدعو الله أن يلين قلبك وترضين عنّي ولكن فنار ستكون زوجتي في أقرب وقت عذرًا منكِ!
دقات عنيفة على باب الدار أفزعتهن، فنهضت حليمة لتفتح وإذا بسيدة عجوز تهتف بامتعاضٍ: أهلا يا حليمة، أتيت إليكِ لأعرفك أن لم تبعدِ ابنتك الضائعة عن إبني لسوف أفضحكن! قالت حليمة بغضب: ماذا تقولين؟، من إبنك هذا؟ إبني محروس يا حليمة، وتلك إبنة الحرام التي تربينها أنتِ تغازله وتأتي إلى بيتنا بعد أن أنام ليلًا وتحاول ايقاع ولدي في شباكها. صرخت حليمة بوجهها وهي تقول:.
إلزمي حدودك يا امرأة، إبنتي أشرف فتاة في هذه المملكة أنتِ تهزين وتتحدثين عن إبنتي، أقسم إن يتكلم عنهما أحد بسوء لقتلته. ضحكت العجوز بتهكمٍ قبيل أن تخبرها: اسأليها إذن وستعرفين وتتأكدين من كلامي، ابنتك الشريفة تحوم حول إبني وجيرانك يعرفون هذا. ازدردت حليمة لعابها وقد قلقت بالفعل، هل تتحدث العجوز بصدق؟، هل ستخذلها ابنتها وبالفعل كما تقول هذه؟
نادت عليها بغضب، وحضرت أيريس وهي ترتعش، ووقفت كمن سيُحكم عليه بالموت الآن وهي تسألها أمها بجدية: هل تعرفين إبن هذه المرأة؟ وكانت خيبة الأمل حينما هزت رأسها ب نعم! لطمت بشدة على صدرها وشهقت، لقد خذلتها ووضعتها في موقف لا تحسد عليها، أما أيريس فكانت تبكي بحسرة و فنار تعانقها وتضمها إلى صدرها وكأنما تخبئها عن العالم بأحضانها، وتكلمت العجوز بثقة:.
ألم أقل لكِ يا حليمة؟، ابعدي ابنتك وعلميها كيف يكون الحياء! ثم استدارت ماشية وانصرفت وتركتهن في حالة يُرثى لها، وبعد أن دخلن دارهن مجددًا حتى قامت بصفعها عدة صفعات بينما تصرخ بها: ماذا فعلتِ بنا، لمَ؟، أنتِ، أنتِ يا أيريس؟ ازدادت الأخرى بكاء هيستيري وهي تتوسل لها بقولها: سامحيني، بالله سامحيني جذبتها من شعرها وهي تلقيها على الفراش وتهتف: أسامحك؟، لقد وضعتِ رأسي بالطين.
انهالت عليها ضربا وكانت فنار تتلقى الضربات بدلا منها وهي تتوسل لأمها أن تكف عن ضربها، لكن حليمة كمن فقدت وعيها وظلت تضربها بشدة إلى أن فقدت وعيها بالكامل...
هذا بالتأكيد جن! تحدث تيجان في غضب شديد وهو ينظر إلى زوجته التي أكدت على كلامه قائلة: لقد ذبحني يا تيجان، تخيل أن تكون زوجة إبني حشرة مثل هذه؟ حبيبتي، أنا أشعر بكِ، معك كل الحق، هذا لابد له من وقفة. قالت بحسرة: ماذا أفعل يا تيجان؟ فقال بخبث: الحل معي، ولكن هل ستوافقين؟ ما هو؟!
هذا تخريف، لا تنسى أنه إبني! تحدثت قسمت والغضب يعصف بعينيها الشرستين، بينما وقف الأخير متحدثا في المقابل بلا مبالاة: أعلم أنه إبنك يا قسمت، ولكن هو سيلوثك على آخر الزمان وسيتزوج من فتاة فقيرة، أفقر من أقل خادمة في القصر!، والحل هذا إن لم يعجبك هناك غيره! أنت جننت بالتأكيد، تريدني أوافقك على قتل إبني؟، هذا إبني يا تيجان إبني، هل تفهم؟! ضحك حينذاك بخبث دفين وراح يحاوط كتفيها بذراعه فيما يقول:.
هل صدقتِ؟، أنا أمزح معك يا حبيبتي، تيم ليس إبنك وحدك بل إبني أيضًا رغم سخافتهُ معي، كنت أختبر حنانك ليس أكثر! تنهدت قسمت بارتياح وابتسمت بينما تقول: صدقتك يا تيجان، الحمد لله! ثم تابعت متسائلة: ما الحل الثاني إذن؟! لمعت عيناه بوميض خبيث ثم استطرد بجفاء: نقوم بقتل الفتاة! اتسعت عيناها بصدمة عارمة: ماذا قلت؟ الذي سمعتيه! ولكن، لكن، يا إلهي، قتل!
هذا هو الحل الوحيد يا قسمت، وهذا بدلا من أن تشاهد المملكة سخافة ابنك الملك وهو يتزوج تلك البلهاء! ولكن يا تيجان هذا حرام! قهقه ضاحكا متهكما عليها بشدة، ومن ثم استأنف من بين ضحكاته: لأول مرة أعلم أنكِ تعرفين شيء إسمه حرام يا قسمت، أضحكتيني! زفرت بحدة وهي تعتدل في جلستها بصمت، أما هو فتابع بجدية: ما رأيك؟ فقالت بنبرة مهزوزة بعض الشيء: افعل ما شئت، ولكن أنا سأبعد! هذا من أجل إبنك يا قسمت، ثم إنكِ حُرة!
أنا لم ولن أقتل! دعني أنا ولكن ستدعمينني في ذلك تساءلت في ريبة: كيف؟! أجاب وهو يحوم حولها: ستقولين ل تيم أنك موافقة على زواجه من هذه الفتاة، حتى يثق بكِ تمام الثقة، ثم أتحرك أنا.
جلست جلنار جوار شقيقها تيم، ثم قالت وهي تحاول تهدئتهُ: اهدأ يا تيم، فضلا اهدأ قليلًا، أمي تقصد راحتك لكنك لم تفهمها. نظر لها هُنيهة في صمتٍ قاسِ، ثم قال بعد لحظات: أين راحتي التي تتحدثين عنها جلنار؟، أنا أريد أن أتزوج وهذا حقي، ممن هذا يخصني لا يخصها! نعم أخي ولكن، سيكون هذا صعب جدًا علينا جميعا. زفر بعنف ثم صاح: يارب السماوات!، حتى أنتِ يا جلنار! ربتت على كتفه وقالت:.
أخي أنا أريد سعادتك، لا تغضب مني أرجوك، لكن قل لي ما الذي أعجبك بهذه الفتاة؟ أجابها على مضض: أعجبتني وكفى. حسنا أخي، لن أضغط عليك، أنا تسعدني سعادتك فقط. لاذ بهما الصمت لعدة دقائق، قبيل أن تردف جلنار بهدوءٍ: هل سيقام حفل زفاف أم ماذا؟ فردُ نافيًا: لا أريد حفل، أريدها فقط متى ستتزوجها؟ غداً ردت باندهاش: غداً؟، بهذه السرعة؟ فقال: ولمَ لا؟ مطت شفتيها بهدوءٍ ثم قالت: انتظر لتتعرف عليها ولو قليلًا، تحدث معها!
واصل بجدية: لقد تحدثت معها أكثر من مرة، أنا أعلم كيف تكون أعلم جيدًا. أومأت برأسها إيجابًا، وتابعت: حسنا أخي، زواجا مباركا إن شاء الله!
نثرت فنار قطرات المياه على وجه أيريس التي راحت في ملكوتٍ آخر وبدا أنها مُغيبة تمامًا عن الوعي، كانت تنهمر كأنهارٍ فوق وجنتاها وهي تقول بصوت متحشرج: أيريس، استيقظي بالله. وهناك في آخر الغُرفة جلست حليمة تلطم على فخذيها وهي تبكي حسرةً على من ربتها بكامل الرحمة والمودة والحب، ومن ثم أعطتها الثقة الكاملة بقلبٍ مُطمئن، فتفاجأت بأنها خذلتها وطعنتها بأحد سكين دون أن تشعر!
يا الله، حمدا لله على سلامتك يا أيريس، لقد انقلع قلبي عليكِ هتفت فنار بهذه العبارة وقد غزت الابتسامة وجهها، ثم التفتت إلى أمها تُكمل بسعادة: أمي، فاقت أيريس. أشاحت حليمة برأسها إلى الجهة الأخرى وواصلت البكاء بقلبٍ منفطر، زفرت فنار بيأس وهي تعاود النظر إلى أيريس وتضع يدها فوق جبينها النديّ، جلست جوارها وهمست في حنوٍ: هل أنتِ بخير أختي؟
لم تتكلم الأخرى إنما انفجرت باكية بشهقاتٍ متقطعة عالية، فاحتضنتها وهي تبكي واخطلت الدموع في آسى بينما تهمس فنار: لقد قلت لكِ يا أختي، ليتك لم تطعِ قلبك المسكين. أرسلت أيريس بصرها وصلطته على حليمة التي مازالت تبكي بحرقة وهي تقول مرددة بلا توقف: يا خيبة آملي فيكِ يا خيبة آملي. ما كان منها إلا أنها نهضت بإعياء، بخطواتٍ واهنة وراحت تركع أمامها وانحنت على قدمها تقبلها، فأبعدتها الأخيرة وهي تنهرها:.
لا تفعلي! سامحيني، بالله سامحيني يا أمي، لن أفعل مرة أخرى نطقت بندمٍ ودموعها آخذة في الانهمار وقلبها اجتاحه ألم مزق النياط... وقالت فنار بدورها: سامحيها أمي... قاطعتها غاضبة بشدة: اصمتي انتِ، حسابك قادم لانك كنتِ تعرفين وتركتيها تغوص في الوحل، صبرك يا فنار! ابتلعت فنار ريقها بخوف، ثم قالت وهي ترتجف: أمي لا تكوني قاسية القلب، لقد أخذت أيريس عقابها منك فسامحيها إذن!
رمقتها بنظرة قاسية، فصمتت ومن ثم ابتعدت عنهما وخرجت خارج الدار، ركضت فنار خلفها وراحت تهتف: إلى أين يا أمي؟ التفتت حليمة واقتربت منها قائلة: سأسير قليلًا حتى لا أموت بالحسرة منكما. حماكِ الله يا أمي لا تقولي هذا ال... قطعت كلامها وهي توكزها: اسكتي وادخلي البيت وإلا أكلتك بأسناني الآن يا فنار زفرت فنار بتذمرٍ وكادت تنصرف لكنها أوقفتها قائلة: اطعمي أختك واعتني بها.
وسارت دون إضافة أخرى، فابتسمت فنار وهي تُحدث نفسها بخفوت: هذه الأم صارمة وحنونة، يا الله اصلح ما بينها وبين أختي.
دخل بشار حجرة أبيه بعد أن حيّاه مبتسما، لكن تيجان لم يبادله الابتسامة ونهره قائلًا: تعال يا رجُل كشر بشار عن جبينه وهو يقول: لم السخرية يا أبي؟!، لقد أتيتك بخبر كالصاعقة سيحطم أحلام تيم. انتبهت حواس تيجان وهو يسأل باهتمام: ما الأمر؟ قال بشار وهو يجلس ضاحكا: هذه الفتاة الضائعة التي يريدها، اتضح أنها فتاة سافرة، لقد فضحتها امرأة تخشى على ابنها منها تيجان بتعجب: أنت متأكد يا بشار!
نعم أبي، الخبر وصل لي والمملكة تتحدث عن هذا، لا أعتقد أنه إذا عرف سيتزوجها! ابتسم تيجان وقال: أتى الحل دون تدخل منّا، الحمد لك يا الله.
ما هذه الخرافات التي تهذي بها أنت وإبنك؟! قالها تيم وهو يجلس واضعا ساقا فوق الأخرى على كرسيه الضخم، بينما يرتشف من قدح القهوة خاصته وهو يتابع مرددًا: أجب؟! فقال بشار وهو يرمقه بعدائية: المملكة كلها تتحدث عن ذلك وبإمكانك التأكد! ابتسم تيم مستهزءًا به وهو يطالعه من أسفله لأعلاه بينما يقول ساخرًا: ولنفرض أن هذا صحيح، ما شأنك وما شأن أبوك؟! فتح تيجان عينيه على وسعهما وقد هتف:.
ماذا تقول أنت!، نقول أنها سيئة السمعة وأنت تقول ما شأننا، إذن شأن من؟ أرسل لها نظرات تتوهج بشراسة وهو يرد عليه باقتضاب: شأني أنا! نحن نعيش معك ولست وحدك لتقول ذلك، هذه ستلوثنا! إن لم يعجبك ارحل يا تيجان أنت وابنك! قالها بمنتهى الهدوء وهو يرتشف من قدح قهوته باستمتاع، فاستشاطا غضبا من إسلوبه الثلجي ذاك، بينما يُكمل تيم: والآن اخرجا من هنا.
كز كلاهما على أسنانهما في غضب ناري وانصرفا بالفعل يغليان حقدًا، أما تيم فقد قست نظراته وهو يحملق بالفراغ وما لبث أن هتف مناديا: يا سليمان. حضر سليمان لتوه قائلًا بنبرة مهذبة: أمرك سيدي فقال آمرا بجمود: احضر لي فنار إبنة حليمة حالا. أمرك سأحضرها فورًا. انصرف سليمان في سرعة متجها صوب دار حليمة بينما نهض الملك يتابع الحدائق عبر النافذة خاصته...
بعد مرور نصف ساعة.. كانت تقف أمامه ورأسها للأسفل وتغمض عيناها بشدة، وعلى بعد مسافة قريبة كان كُرسيه وهو يجلس عليه بهيبته يتفحصها كعادته حينما يراها، هتف آمرا: اخرج يا سليمان ولا تطرق هذا الباب إلى أن أأمرك أنا. انصاع سليمان وخرج سريعا من الحجرة، جلس تيم بأريحة أكثر في كرسيه وهو يقول بهدوءٍ تام: اقتربي فنار اقتربت ومازال رأسها متدلي للأسفل بينما تقول بطاعةٍ: أمرك سيدي الملك.
ارفعي رأسك يا فنار وفتحي عيناك ازدردت لعابها وراحت ترفع رأسها ببطء، إلى أن فتحت عينيها وطالعته بريبة وقد تورد وجهها خوفا وخجلا وهي تقول بعينين دامعتين: سيدي لقد سمعت سليمان يتحدث عني بسوء وقال إني سيئة السمعة وأن مولاك تريدني من أجل هذا، أقسم لك إنني لم أفعل شيء ولم أعرف أحد ولم... قطع جملتها صائحا: اصمتي فنار، ما هذا؟ أنتِ تتحدثين كثيرا وسريعا اهدئي! أمرك سيدي.
نهض عن كرسيه فجأة فابتعدت وكادت تركض إلا أنه صاح بحدة: توقفي فنار! وقفت ترتعش وهي تراه يزداد اقترابا منها، اقترب واقترب إلى أن وقف أمامها مباشرة ودنا منها قليلًا وهو يقول هامسًا: لست مُتهمة فنار، أنا أعلم كل شيء، أعلم أن هذا الكلام يُقال على أختك، أنا سأتصرف في هذا الأمر ولم أدعوكِ لهذا! رفعت نظرها إليه في خجل شديد بينما تسأله بارتباكٍ: لمَ دعيتني سيدي؟ ابتسم ابتسامة رائعة بينما يردد غامزًا بحُب:.
أصبح تنفُسها غير مُنتظم وهي تطالعه ببلاهة ونظرات مُضطربة، لم تستعب ما قاله لتوه! لمن الشوق ولمن اشتاق هو؟! لمن النظرة والابتسامة والحُب؟ لا تُصدق! هي لا تصدق!، هذا الملك تيم حقا أم أنها تحلم؟! هذا الملك تيم يتغزل بها أم أنها تتوهم؟! لوهلة شعرت أن الدنيا تدور بها واجتاحها دوار عنيف وكادت تسقط، وبالفعل سقطت لكن بين ذراعيه العضلين.. خفق قلبه بجنون وظل محاوطها بينما يهمس بثباتٍ رغم قلقه:.
فنار؟، فنار استيقظي ماذا أصابك؟، فنار تحدثي! لكن لا حياة لمن تنادي، فنار في عالم آخر جراء سحر كلماته.. يا الله!، فنار! أخذ يضرب وجنتها برفق فلم تستجب أيضًا!، فما كان منه إلا أن حملها بين ذراعيه القويتين وسار بها إلى أقرب أريكة قابلته، وما لبثت فنار أن استيقظت من دوارها وهي تحملق به بصدمة، ثم تلفتت حولها !، ما هذا.؟!
هو يحملها، يقترب منها كأنه يحتضنها ولمَ كأنه هو بالفعل يحتضنها! وقريب للغاية قرب مُهلك ومُميت.. شهقت بصوت عال وهي تحدجه بذهولٍ وما لبثت أن راحت في ملكوتٍ آخر مرة ثانية.. وبدا الموضوع للملك مُسليا ممتعا فضحك عاليا وهو ينحني ويضعها على الأريكة، ثم توقف عن ضحكاته الرجولية وأخذ يهتف بمشاكسة: هيا انهضي الآن فنار وإلا ناديت ل رعد يوقظك هو بطريقته!
نهضت مفزوعة وجلست بخوف شديد تتحاشى نظراته، اتسعت ابتسامته وهو يكتف ساعديه أمامه يطالعها بإعجابٍ، ثم قال بنبرة متزنة: هل أنتِ بخير الآن فنار؟! هزت رأسها وأجابته: نعم، بخير سيدي. ماذا حدث لكِ؟ لا شيء أنا بخير سيدي هل تأذن لي بالانصراف؟! منحها ابتسامة هادئة وهو يقول بصوت جهوري: إلى أين؟، تريدين تركي وأنا الذي أبحث عن وصالك؟ شهقت مرة أخرى وهي تنهض بارتباكٍ بينما تفرك كفيها ببعضهما قائلة بخجل:.
م، مولاي، آآ، أنت، أنت... أنا عُشقت السمراء يا فنار، ما الغريب ولمَ الارتباك! ازدردت ريقها وكل هذا تعتقد أنه حلم، هذا من المستحيل أن يكون حقيقة كيف؟! ستظل تتساءل كيف حدث! سيدي، أنا أحلم، والآن أمي ستوقظني، هذا حلم أليس كذلك! قطب تيم ثم صاح بها: هذه حقيقة، أنا الملك وأنتِ الفقيرة والحُب ليس له سُلطان، افهمي إذن! عضت شفتها السفلى وطأطأت رأسها واشتعلت خجلًا، بينما قال في هدوء حازم:.
لن تخرجي من هنا، أنتِ أسيرتي من اليوم حركت رأسها وهي تسأله بقلق: ما معنى هذا يا سيدي؟ معنى هذا أنكِ ستكونين زوجتي اليوم، هذا قراري ولا رجعة فيه، عليكِ أن تقولي سمعا وطاعة، أفهمتِ؟ اتسعت عيناها جراء حديثه الصلب!؟، ستتزوج اليوم وأسيرته؟، ولن تخرج؟، ما الذي يحدث معها! كادت تتكلم إلا أنه أوقفها بقوله الصارم: لا تتحدثي، سأحضر أمك وسنعقد القران وزوجا مباركا يا عروسي.
أخذت تسير جيئةً وذهابًا بغير هدى بفؤادٍ قلق حزين للغاية، لقد ذهبت فنار إلى الملك وتعتقد أنه يُحاسبها ولم تأت أمها بعد إلى الدار، وهي لا تعرف ماذا تفعل.. هبط الدمع من محجريها بتدفق وأخذت شهقاتها تهتاج، فقط لو أحد يمد يده لها سوف تتشبث بها وتنهض، ثم تستنجد وتتعلق فتعبرُ الطريق وتسير.. فقط تريد السماح، تعترف أنها خاطئة كما أنها لم تكن ملاك بجُناح... يا ليت أمها تُسامح ويا ليت الناس يغفرون!
طرقات خافتة على باب الدار انتشلتها من شرودها، فراحت تركض لتفتح ظنا منها أنها فنار قد أتت.. فتفاجأت به هو! محروس!، يقف أمامها ونظرات الندم تنبع من عينيه، يذم شفتيه باحراج، ثم ينطق بأسى: أيريس، سامحيني ليس لي يد في الذي فعلته أمي، لم أكن أعرف أنها ستأتي وتفعل! ارحل. صرخت بوجهه وأكملت من بين دموعها: ارحل ويكفي إلى هنا، ارحل أنا لم أعد أريدك! يبدو أنه مصمم على اكمال مشوار حبه معها، لذا قال هادئا:.
تعلمين إني أحبك، ولن أتحمل ابتعادك عني، فلا تفعلي بالله. قلت لم أعد أريد حبك، وقلت ارحل. كز على أسنانه، إنها تعاند، ومن هذه لتعانده؟! لابد أن تخضع وأن أنفها ينزل سابع أرض، هكذا قال. وعَزم على ذلك، بل وبدأ في التنفيذ! حيث دفعها بجسده إلى داخل الدار ومن ثم أوصد الباب، وراح يهجم عليها بلا شفقة، مزق ثيابها فصرخت باستغاثة، كتم فمها، فعضت كفه بشراسة أنثى تدافع عن أغلى ما تملك!
صرخ جراء عضتها فتركها، انتهزت الفرصة وركضت إلى الباب فلحق بها وجذبها إليه ودفعها مجددًا، ينقض عليها بكل ما يمتلك من قوة، وهي ضعيفة بفطرتها!
لم تعد قادرة على مقاومته لكنها مازالت تعافر وتصرخ، وقد جاءها النجدة حيث كُسر الباب فجأة وولج المُنقذ آخذًا إياه إليه وكيل له عدة لكمات متتالية بلا رحمة، فتنهدت الصعداء وأخذت تلتقط أنفاسها وهي تنكمش على نفسها بخوفٍ شديد، أخرجه خارج الدار ودفعه إلى رجال الملك وقال بغضب عارم: خذوه إلى الزنزانة إلى أن أأتي له هذا الحيوان. وعاد يلتفت إلى تلك الباكية، ثم قال بجمود وتساؤل: أنتِ بخير؟!
هزت رأسها دون تجبه، فقال بحدةٍ: انتهى الأمر، لا تبكِ سينال جزاؤه! ازدادت بكاء وهي تهز رأسها بهستيرية، بينما يُتابع: الحق ليس عليه، بل الحق على من فرطت في كرامتها من أجل من لا يستحق! وما إن أنهى جملته انصرف تاركا إياها تبكي ونظرات الاستغراب تتبعه!
افهم يا ولد! حملق بشار في وجه أبيه ببلاهة بينما يقول بطاعة: أمرك أبي، لكني لا أفهم ماذا تقصد؟ تنهد تيجان بنفاد صبر ثم قال بجدية: كلامي يعني أني أريدك تأخذ جلنار لصالحك، ترسم عليها الحب، دللها، علقها بك، كن معها دائماً هل فهمت الآن؟ نعم فهمت، أنا كنت أنوي هذا لعلمك. لوى فمه وتابع: أريني شطارتك إذن! ستنبهر أبي. أتمنى ذلك يا أخيب شخص بالمملكة كلها. كشر بشار عن جبينه وتأفف قائلًا:.
لمَ يا أبي، دائماً تنعتني هكذا، سأريك من أكون! ولجت قسمت فقطعت حديثهما وهي تقول بقهرة: هل سمعت الذي سمعته يا تيجان؟ ماذا حبيبتي؟ قالت قسمت بانهيار: تيم سيتزوج اليوم من هذه الفتاة، كيف سنتصرف الآن؟ قطب جبينه وقال بلا مبالاة: ماذا يعني، نحن نعلم هذا ما الجديد، لا تقلقي سأتصرف وأنهي عليها قبل أن يأتي الموعد. نهرته قائلة: كيف وهي معه الآن في حجرة عمله؟، لن يدعها تخرج وسيدعو المأذون وأمها فورًا!
فغر فاه وهو يردد: رباه!، كيف حدث وكيف أتت؟ لقد فشلت الخطة! افعل شيئا يا تيجان، أنا قلبي انشطر من القهر! لا أعرف يا قسمت لا أعرف، لقد تشوش عقلي!
تركهما في حجرة عمله وخرج لينعما بالحديث بخصوصية أكثر، راحت فنار ترتمي في حضن أمها وبكت بخوف وهي تقول: أمي كيف توافقين على بقائي هنا كما أمر الملك، أنا أريد أن أعود معك لا تتركيني بالله يا أمي. ربتت الأم على ظهرها وابعدتها عنها قليلًا حتى تتمكن من رؤيتها وراحت تمسح الدمع السائل على خديها بحنان ثم قالت:.
اهدئي حبيبتي، أنا سأتركك هنا بأمان، أنتِ في حماية الملك ذات نفسه، كيف تبكين الآن وأنتِ التي كنتِ تحلمين بشخص مثله، فما بالك به هو!، وتبكين! فركت يديها في بعضهما وهي تواصل: أنا لا أصدق ما أنا فيه يا أمي، أنا خائفة للغاية! لا تخافي يا فنار، تأقلمي مع وضعك الجديد وكوني للملك كما يريد هو رأى فيكِ ما لم يرَه في أنثى أخرى فلا تخذلينه..
صمتت فنار وهي تتحرك بعينيها في الحجرة بريبة، ، واصلت حليمة وهي تربت على وجنتها: صدقيني هذا أفضل لكِ، الناس يا إبنتي صارت تتكلم عنا بالسوء من فعلة أختك، بل قالوا عنك أيضاً ولم يرحمنا أحد، سأدعو الله أن يرزق أختك كما رزقك سأشتاق ل أيريس يا أمي، بالله عليكِ لا تقسي عليها واغمريها بحنانك.
لن تخرج من السجن بعد اليوم. هكذا هتف سليمان وهو ينظر إلى ذاك الملقى أمامه بازدراء، فيما يكمل بقسوة: لن ترى النور مجددًا وهذا جزاء يعتدي على أنثى كما فعلت يا مجرم. صرخ محروس بهستيرية، لقد ضاع مستقبله وانقلبت حياته وأصبح مصيره السجن.. لم أعتدِ عليها لقد كان ذلك بكامل إرادتها وتلك لم تكن المرة الأولى! ركله سليمان بقدمه، فتأوه الأخير بألم وهو يصيح باستغاثة، بينما يقول سليمان:.
لقد كانت تصرخ وتستنجد يا كذاب، اللعنة عليك حقير. هي كانت تتصنع الشرف صدقني، بإمكانك أن تسألها وتسأل المملكة عن أخلاقها وستعرف سيدي. سدد له لكمة قوية أخرسته ومن ثم تركه وانصرف يلهث بعنف..
ساعتان قد مرا.. كانت فنار تجهزت على أكمل وجه، وارتدت فُستان أنيق لم تر مثله من قبل، مطرز بحبات من اللؤلؤ اللامعة، وطرحة كبيرة تبلغ أكثر من طول الفستان ذاته، وانساب شعرها الأسمر الحريري خلف ظهرها ووُضع التاج المُضيء أعلى قمة رأسها، وبينما عيناها تكحلتان وشفتاها تزينتان بالأحمر القاني، لم تضع شيئا أخر فبدت بسيطة للغاية رغم جمالها الخلاب..
انتهت خادمتها التي خصصها الملك تيم فقط للاعتناء بها من زينتها ومن ثم ألقت نظرة راضية عليها وهي تقول بإعجاب: يحميكِ الله يا جلالة الملكة، سمارك لم يزدك إلا جمالا وتألقا ستأخذين عقل الملك اليوم نظرت فنار إلى نفسها في المرآة بتعجب شديد!، تحدث نفسها بدهشة أشد: من هذه؟ من جلالة الملكة تلك؟ لقد كانت بالأمس في حال والآن حال!.
تزوجت من حاكم المملكة منذ ساعة فقط بحضور أمها، أصبحت زوجته رسميًا وملكة كمثله أيضاً! ابتلعت ريقها وهي ترى الخادمة تنصرف من الحجرة، الحجرة التي ستجمعها بالملك، كانت الغُرفة تبرق من جميع الاتجاهات وكأن الجدران من الألماس، وهناك سرير كبير تحيطه ستائر ناعمة لونها أبيض، وأرض الغرفة كأنها زجاج حساس...
وفجأة وجدت الباب يُفتح وتدخل خادمة أخرى تجر عربة صغيرة بها الطعام خاصتهما، راحت تضع العربة بمنتصف الغرفة وخرجت دون كلام.. عضت فنار على شفتها السفلى وقالت برهبة: يا الله، ما الذي يحدث، أنا أحلم، مؤكداً أنه حلم! فتح الباب مجددًا ينبئها بأنه حقيقة، هي لا تحلم، وها هو الملك يقترب منها، يقترب جدا.. بينما هي تبتعد كلما اقترب، ابتسم لها وقال رافعا أحد حاجباه: تعالِ إلى هنا.
حركت رأسها بالنفي وهي ترتجف من الخوف، فضحك متفهما موقفها، أخذ يقترب أكثر، فركضت!. وقف مذهولا من فعلتها وقال بصوت جهوري: ماذا تفعلين فنار، هيا اقتربي لا، لا سيدي أنا ليس سيدك الآن أنا زوجك. ازدردت لعابها تحاول استيعاب ذلك، لكن رغما عنها لم تستعب ما يقول، ، بينما يُتابع: إن لم تتوقفي وتقتربي س... قطعت جملته وهي تخبره باكية: إني خائفة سيدي، خائفة للغاية. منحها ابتسامة حانية وهو يطمئنها بقوله:.
لن أؤذيك يا فنار، اقتربي وستري بنفسك. أومأت برأسها واقتربت بخطواتٍ بطيئة للغاية، فتقدم هو منها وجذبها إليه فشهقت تقول برعب: ماذا ستفعل؟ ضحك مقهقها باستمتاع وهو يردد: خفيفة الظل أنتِ يا زوجتي، ما أجملك يا سمرائي، أحبك! فغرت فاها بصدمة وهي تشير إلى نفسها: أنا! أومأ لها برأسه وقال مؤكداً: نعم أنتِ... وختم كلامه بقبلة فوق جبينها عميقة جعلتها تغمض عيناها بشدة وتتنفس سريعاً ثم تسقط مغيبة بين ذراعيه...