رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل العشرون والأخير
صرخ بشار بقوة وهو يضع كلتا يديه على عينيه اللتين أظلمتا فجأة وبدون سابق إنذار! لم يصدقه تيجان في بداية الأمر وظن أنه يمزح.. حيث قال بضجر بشار كف عن الاعيبك هذه، أنت تمزح مزاح، سخيف صرخ يشار مجددا لا، لا يا أبى، أقسم أني لا أرى شينا توسعت عينى تيجان الذي انتفض في جلسته وركض إلى إبنه يهزه بعدم استيعاب، ثم قال بقلق ماذا يا بشار؟ ماذا يا إبنى؟ أنت ما الذي تراه الآن إذن؟
الظلام. كانت هذه الكلمة للملك تيم الذي دخل الآن إلى حجرة بشار وعلى شفتيه ابتسامة ظفر. بينما يكمل ضاحكا الظلام يا تيجان. إبنك يرى ظلام ولن يرى الضوء مرة ثانية اقترب تيجان منه وقد فغر فاه بتعجب فيما يردد تيم. الملث تيم: هكذا صدح صوته الجهورى بثبات. ليقول تيجان بدهشة متسائلا ، ماذا؟ أنت ترى؟ كيف؟ ألم؟..
قاطعه بصرامة قاتلة: لم افقد بصرى بعد يا تيجان اليس هذه خطة ابنك القذر، ويا له القدر، قلت لك من قبل يا تيجان من! حفر حفرة لآخيه وقع فيه، ولم تحذر. جن جنون تيجان حينذاك وهو ينظر الى ابنه الباك في حسرة. ضغط على شفتيه قائلا باهتياج: هذا يعني أنك من عميت ابني؟ ووضعت له تلك البودرة؟
عقد تيم يديه خنف ظهره وهو يقول مبتسما بسخرية: إذن انت تعترف بجريمة ابنك القدر يا تيجان. حسنا ولكن ليس أنا من عميته، الله الذي يرى.
ويسمع هذا عدل الله، لآن برغم قذارته لم أوذيه في يوم وانت أيضا بل أكرمتكما ببيتى واعطيتكما حق ليس لكما وجزائي كان مؤامرة دنيئة لآجل أن أفقد بصري، لا تستغرب لقد كشف الله لى خطتكما ورأته الخادمة وهو يضع لى هذه البودرة بالطعام، وكل ما كان يجب علي فعله هو أن أضع الطعام جانبا وما إن يشعر بشار بالجوع، يكون هذا الطعام اللذيذ من نصيبه..
هتف بشار مهتاجا وهو يشعر بالضياع أنت، أنت الذي فعلت بي، الله ينتقم منك يا تيم بتسم تيم ساخرا وقد قال بجمود: ينتقم النه من الظالمين يا بشار، وأنا لم أظلم، فقط أذقتك من نفس الكأس. كاد تيجان ان يهجم عليه من شدة غيظه. الا انه وجد من يهاجمه بشراسة وقد كان رعد الذي اندفع مدافعا عن صديقه، صرخ تيجان وهو يتوسل الى تيم بأن يبعد هذا الوحش عنه ويتركه فقط ليعيش..
توقف يا رعد. هتف تيم وهو يستدير آمرا أحد افراد حراسته: يدخل الاثنان الى الزنزانة ولن يخرجا منها ابدا انصرف خارجا من الحجرة وهو يتنفس بارتياح.
توجه إلى الحدائق خاصته حيث أنه اشتاق للهواء والشمس الساطعة ورائحة الورود فيها، ما ان خرج الى الحديقة حتى وجد زوجته الصغيرة فنار وهي تثب على قدميها وتقطف حبات المانجو من الشجرة. ثم تتناولها بتلذذ وهي تجلس على حجر كبير يجاور الشجرة. كظم تيم غيظه وراح يتجه نحوها بخطوات متمهلة الى ان وصل اليها.
لم تشعر هي بوجوده لكنها ما لبثت ان نظرت، إلى ساقيه المقابلان لوجهها. شهقت ورفعت وجهها إلى الاعلى لتنظر الى وجهه. نهضت وهى تلقي بحبة المانجو من يدها قالة بتوتر: ماذا؟
اقترب منها اكثر وقال بجمود: ماذا قال الطبيب بالامس؟ نظرت الى الارض بتحرج في خجل. بينما قبض على ذراعها بقبضة عنيفة وهو يعيد عليها السوال اجيبى ماذا قال الطبيب؟ تألمت من قبضته على ذراعها قليلا. ثم اخبرته قال، أن المانجو، ستشعرني بالالم وهذا خطأ على جنيني.
هز راسه وهو يشدد من قبضته على دراعها بينما يجذبها إليه قانلا بحدة تعلمين ذلك وتفعلين عكسه. إذن لك عقاب صارم يا فنار، صارم للغاية.
نفسى اشتهتها فقلت أن واحدة فقط لن تفعل ضررا.
تركها وتراجع للخلف ثم استدار ماشيا وتجاهلها عمدا، فركضت خلفه وهي تنادي عليه إلا انه كأنه لا يسمعها. ظلت هكذا حتى وصلا الى حجرتهما. راح يجلس على كرسيه وملامحه متجمدة بغضب.
اقترب منه وهى تلهث جراء ركضها خلفه. ثم قالت لم لم ترد علي سيدي ألم تسمع مناداتي؟ ابتعدي فنار لن ابتعد سيدي قبل أن تسامحني.
لم يرد عليها واحتفظ بصمته الغاضب. بينما تدللت فنار وهى تبتسم قائلة لن استطيع العيش يا سيدى، انت الحياة والحب والحنان، والهواء وكل شيء، إذا خاصمتنى ساموت.
نظر لها رافعا حاجب من حاجبيه قائلا: متى تعلمت الدلال؟ تخضبت وجنتاها وهى تنظر الى الارض بخجل، فيما تقول برقة: منذ أن احببتك سيدي. قبض على رسغها. ثم سحبها نحوه فاستقرت على ساقيه. فشهقت وهى تحاول الفرار من حصاره إلا أنه منعها وهو يقبل وجنتها قائلا: منذ ان احببتك سيدى، هكذا اذن يا فنارتى. هيا قوليها اريد أن اسمعها... تلجلجت في قولها وهى تنظر الى عينيه الحبيبتين هامسة: ماذا اقول؟ فنار نطقت بخجل: سيدى.
ضغط عى شفتيه وهو يدفعها برفق قابلا بحزم سأكمل الخصام. هيا انهضي تشبثت به وراحت تهمس سريعا أحبك سيدى احبك. ضحك مقهقها وهو يضمها اليه وقال: تيم، تيم فنار.
هزت راسها وهى تخبره بود نعم ولكن احب ان اناديك سيدي. اتركنى عنى راحتى ارجوك. امرك يا سمرائي ثم صمت قليلا وهو يصطنع الجدية في حديثه قانلا ما هذا فنار، هل ازداد وزنك ام ماذا، لقد آلمتني. كشرت فنار عن جبينها وقد شعرت بالاحراج وهى تقول بحزن: هذا بسبب الحمل سيدي ضحك وهو يقول حمل ماذا؟، هذا على أساس انك كنت قبل ان تحملين من الرشيقات؟ اتسعت عيناها وهى تقول فاغرة شفتاها: سيدي. لا يهم يا فنار، هذا شىء يسعدنى.
يسعدك أن اكون بدينة؟ نعم هل لديت اعتراض؟ حركت راسها ضاحكة وهى تردف لا، إذن أنا أريد أن آكل الآن، ممم لحم مشوى، وخضراوات طازجة وارز وخبز و... ضحت وهو يمسح على شعرها الأسمر متابعا ليس قبل ان تعدي لى قهوتى يا قهوتى.
ولجت أيريس الى دارها الجديدة بقدمها اليمنى بعد أن جهزت الدار وفرشت كما تمنت وحلمت.. تنهدت بسعادة غامرة وهى تتلفت يمنة ويسرة في فرحة طاغية. بينما يتابعها سليمان بعينيه وهو يتحرك خلفها بتلهف عاشق، ابتسم ملء فاه وهو يسألها بحب: ما رأيك بدارك الجديدة يا حرم السيد سليمان؟
ابتسمت برقة وهى تجيب عليه في خجل: رائعة جدا، لا اصدق أن هذا البيت هو بيتنا، هذا اجمل مما تخيلت وتمنيت. شكرا لك سليمان على كل شىء فعلته لاجلي. اقترب سليمان وراح يحاوط وجهها بكلتا يديه هاما: الشكر لله على وجودك جواري، أحبت يا أيريس.
ابتسمت بتوتر وهى تراه يميل عليها ينوي تقبيلها، همست بارتباك سليمان... ماذا؟ لقد عقدنا بالآمس حبيبتى.
أومات برأسها موافقة وقد قالت قبيل أن تبتعد عنه قليلا اعرف، ولكن لم يتم الزفاف، دعنا ننتظر فضلا يا سليمان ابتسم وقال بنبرة دافئة: كما تحبي حبيبتي، دعنا ننتظر.
أمي.. هتف تيم الذي دخل إلى حجرتها واتجه جالسا القرفصاء عن سريرها. فنظرت له بذهول وهى تهتف باشتياق: ابني تيم ابتسم وراح يقبل كفها بهدوء. فيما تهتف قسمت من بين دموعها تيم انت ترى؟ هز رأسه مؤكدا وهو يتعمق النظر إلى وجهها بينما تسمعه يقول برفق لم افقد بصري يا أمي وتلك كانت خدعة مني لعدة أسباب ومعرفة اشياء ما..
ابتسمت بوهن وهي تمشي بأناملها فوق ملامحه وهمست: حمدا لله، لقد انقلع قلبى عليك لم فعلت ذلك يا تيم؟
ما علينا أمي، المهم الان انك عرفتى تيجان على حقيقته واخيرا تخليتي عنه. أومات براسها في حزن. ثم قالت اسفة في ندم: المعذرة يا إبني، لقد ظلمتك كثيرا يا تيم بسببه، أرجو ان تعفو عنى. بلى يا امى لا تطلبي العفو مني، ودعنا ننسى ما فات ونبدا حياتنا من جديد ولعل القادم افضل. ربتت على رأسه وقد قالت بحنان لا حرمنى الله إياك يا تيم.
أقيم في المملكة حفل زفاف أسطوري تكفل به الملك تيم كإهداء منه ل سليمان ذراعه اليمين وصديقه. كما سعدت المملكة جميعا لتلك الزيجة السعيدة، وكاد قلب السيدة حليمة أن يخرج من مكانه من شدة سعادتها فها قد تزوجت ابنتها الثانية، كما الاولى لرجلان بحق. احتضنتها فنار بقوة واختلطت دموع الفرح بالحبيبة ايريس. كما صافح تيم صديقه بمودة وهو يقول بمحبة: مبارك سليمان.
ابتسم الاخير وراح يعانقه بامتنان مع قوله سيدي لا أعرف كيف اشكرك. لم افعل شيئا سليمان، استمتع بلحظاتك. التفت الى زوجته ايريس وقبل جبينها بحب وهو يهمس بجانب اذنها: مبارك حبيبتى.
ابتسمت له ابتسامة خجولة واسعة ونكست رأسها تتأمل فستانها الرقيق المطرز بحبات من اللؤلؤ. ثم عادت تنظر له وهى ترتعش خجلا هامسة بصدق: احبك سليمان.
اخذها بأحضانه وضمها بقوة، فيما يقول بنبرة واعدة: لن أتركك ما دمت حيا.
مرت عدة شهور أخي، إنها تحرك يديها. همست جلنار بهذه الجملة وهي تحمل الصغيرة التي وضعتها فنار منذ قليل. وراحت تجلس بها على الاريكة وهى تضمها إلى صدرها بحنو قائلة إنها جميلة، جميلة جدا أخي ابتسم تيم وراح يميل على زوجته النائمة بجواره على الفراش واقترب بوجهه من وجهها هامسا: بالطبع جميلة، لطالما كانت امها جميلة الجميلات.
منحته فنار ابتسامة مرهقة بينما تهمس بتعب هذه مجاملة سيدي. تعلم أنها تشبهك أنت ولم تولد سمراء مثلي هذا ما يحزنني يا سمراء، اقسم أن سمارك أجمل ما فيك يا فاتنة كتمت ضحكاتها بصعوبة فيما تخبره: تمهل سيدي أنا متعبة.
هتفت جلنار متسائلة: ماذا ستسميها يا اخي؟ نهض تيم عن مجلسه واتجه اليها بهدوء. ثم اخذ الصغيرة على ذراعيه برفق وراح يداعب وجنتها الناعمة بأنفه وقد قال مبتسما بهمس.
هذه: هدى ابتسمت فنار وهى تسال بفضول: ولم هذا الاسم تحديد. فاجاب وهو يقبل كل إنش بوجه ابنته منذ أن حملت بها وتبدل حالنا للافضل وكان هذا الفضل هدى من الله، يكفى أن أمي هداها الله واصبحت تعاملك برفق واحبتك، وكان هذا وجه ابنتى علينا. لذا هي هدى صفقت جلنار بيديها وهتفت بسعادة رائع أخي، الله يبارك في عمرها.
اتجه تيم بها إلى زوجته وجاورها مرة اخرى في الفراش وقال بحب: يبدو انها جائعة فنار راحت فنار تعتدل في جلستها بمساعدة جلنار وتلقت الصغيرة في حضنها ثم قبلتها وقامت بارضاعها في حب. تركتهما جلنار وانصرفت واقترب تيم مقبلا جبينها هامسا: أحبك إلى النهاية. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم