رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع عشر
سارت بخطواتٍ متزنة ورأسها مرفوع بكبرياء، أمرت الحارس الواقف أمام الزنزانة التي تضم زوجها تيجان بالداخل بأن يفتح ذاك المزلاج المتين ويطلق سراحه، لكن الحارس أبى ذلك وهو ينحني لها قائلًا: جلالة الملكة قسمت، هذا أمر الملك تيم، المعذرة سيدتي لن أستطيع اخراجه دون أمر من الملك شخصياً اشتعلت عيناها بوميضٍ غاضب وهي تقترب من الحارس قائلة بعنفٍ:.
هل جننت؟!، أنا أأمرك أن تفتح، وما عليك سوى أن تقول سمعا وطاعة! سيدتي، بعتذر منكِ، أخبري الملك أولاً، ثم سأفتح كما أمرتيني جلالتك صرت على أسنانها بقوة، هل ألغى شأنها أيضًا؟ بعد أن كانت تأمر وتنهي كيفما شاءت؟!، هل نفى وجودها إلى هذا الحد؟! تيم!
صرخت باسم ابنها وهي تمشي بخطواتٍ سريعة متجها إلى حجرته، لقد عمى الغضب عينيها وهي تركض بينما تمسك بفستانها بكلتا يديها، ما إن وصلت إلى غرفته حتى طرقت بعنف وانتظرت هُنيهة حتى قام تيم بفتح الباب وهو يقول هادئاً بنبرة ثلجية: مرحبا يا أمي، تفضلي هتفت بالمقابل أمام وجهه حانقة:.
ماذا تظن نفسك فاعل يا جلالة الملك؟، هل نسيت ذاتك؟ نسيت أنني أمك، أنني الملكة قسمت، منذ متى وأنت بهذه القسوة؟ أصبحت لا تحترم وجودي وهذا الذي كنت أنتظره منك يا إبني، تماماً كما حذروني! كان جامدا ثابتا لا يحرك ساكنا وهو ينظر لها من علو، ثمة تحرر من صمته المهيب وهو يقول بجديةٍ: من هم الذين حذروكِ مني يا أمي!؟، تقصدين زوجك الفاسد وابنه الفاشل، أليس صحيح يا جلالة الملكة قسمت؟
فقالت من بين أسنانها المطبقة على بعضها بشدة: لا تتكلم عن زوجي بالسوء، لن أسمح لك أبدًا، هل تفهم؟ ابتسم مُتهكمًا لردة فعلها؟!، غريبة هي، غريبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بدلا من أن تمنحه الحنان، منحته للغريب، في حين أنه لها أقرب قريب، يا له من خزي يتلقاهُ دوما منها.. ولكن، لا بأس هو الأسد العفيّ الذي يتحمل، الذي يواجه بصلابةٍ دون كسر... حسنا يا أمي، ولكن ما المطلوب مني الآن؟!
أن تعفو عن تيجان، زوجي وكل ما أملك من هذه الدنيا! قالت جملتها متعمدة جرحه، بينما تواصل في غضب: هيا اذهب وأمر كلابك بالافراج عنه وإلا لعنتك طوال عمري وغضبت عليك تملك الغضب منه وهو ينهرها دون وعي: هؤلاء رجال، لا تنعتيهم بالكلاب، كفي عن هذا التكبر واتقِ الله يا أمي، أنتِ لا تعلمين ما معنى الرجل الحقيقي لأنك تعشقين فاسد منعدم النخوة.. صمت يلتقط أنفاسه المتسارعة بقوةٍ، ثم عاد يتكلم بحدة سافرة:.
لن أفرج عنه يا أمي، ولا حتى لأجل خاطرك أنتِ! صدمها بهذه الجملة القاسية، وهو صُدم مثلها! ولكن هي من اضطرته أن يفعل، أن يقسو، وأن يبيع، تماما كما باعته واشترت الخبيث.. أفهم من ذلك أن... قاطعها بصوتٍ اختنق من موقفها ضده:.
لا داعي لإضافة أي كلام، أرجوكِ لا تضغطي عليّ، لقد سامحته آلاف المرات وعفوت عنه، وأنتِ، أنتِ يا أمي كنتِ تعلمين أنه يخطط لقتل زوجتي وتركتيه يفعل بل ورحبتي بذلك، أي قلبٍ تمتلكينه؟، أصبحت لا أشعر أنكِ أمي..! كلماته كانت بمثابة طعنات مزقت قلبها، هو محق في كل كلمة، هي لم تقدم له يوما ما يحتاجه افقدته حنانها!، وهي تعلم، ولكن تأبى، تتكبر، تصر على موقفها، تيجان أهم..
التفتت دون كلمة أخرى وانصرفت بنفاد صبر قبيل أن يتطور الحديث للأسوأ.. أما تيم فتراجع وأغلق باب الحجرة مرة أخرى، وراح يجلس على الأريكة المقابلة للفراش وعيناها تلمعان بحزن أليم.. نهضت فنار عن مجلسها ومشت ببطء متجهة إليه، راحت تجلس جواره مباشرة وربتت على كف يده برقة بينما تهمس بوداعة: سيدي، لن أتحمل رؤيتك حزين، تعودت أن أراك مفعما بالحيوية والأمل والابتسامة لا تفارقك رغم صرامتك وهيبتك.
نظر لها وابتسم رغم حزنه، فيما يقول بهدوء: لست حزينا يا فنار. قالت بتردد وهي ترتجف: لقد سمعت حواركما سيدي تصنع الجدية وهو يقول: تتنصتين فنار؟ لا وربي، صوتك سيدي كان عالٍ والملكة قسمت أيضًا هز رأسه بهدوءٍ، فيما واصلت هي: أرى أنني فعلت لك مشاكل عديدة مع والدتك يا سيدي، لمَ تزوجتني طالما لم أنال اعجابها تكلم بصرامة وهو يلتقط كف يدها ويضغط عليه: هذا حقي، ليس شرطا أن تنالي اعجاب الجميع، يكفي اعجابي أنا، أنا فقط.
نظرت إلى الأرض باستيحاء، ثم تابعت بخفوت: هل لي أن أطلب منك طلب؟! اطلبي دون تفكير ابتلعت ريقها ثم قالت بحذر: افرج عن زوج والدتك، ولا تقطع حبال الود بينك وبينها ضغط على نواجذه بعنف ومضى يهتف بغضب: تعلمين ماذا فعل لتطلبي مني هذا؟ نعم، كان يريد قتلي لقد سمعت، وهو من حفر لي الحفرة، أنا سامحته سيدي، اعف عنه زمجر غاضبا وهو ينهض مبتعدًا عنها قائلًا: انهضي لتنامي الآن ولا أريد منكِ كلمة أخرى.
حاولت أن تتكلم أو تهدئه، لكنه رفض بقوله الصارم: هل سمعتِ فنار؟ هياااا!
لن أدعه ينعم بحياته، صبرا يا تيم، أقسم أنني سأقتلك.. همس بشار لنفسه وهو يحتسي من كاس الخمر الذي يمسكه بيده، ثم واصل بغضب: لا، لا لن أقتله، سوف أجعله يتمنى الموت، سأقتله ولكن سيبقى على قيد الحياة، سأدمره تدميرا ألقى الكاس من يده فوقع متناثرا متحولا إلى قطع لامعة، رأى انعكاس صورته في تلك القطع فابتسم بشرٍ وهو ينهض حيث جاء منذ قليل..
سار وهو يترنح يمنة ويسرة، إلى أن وقف قبالة الزنزانة، وقال موجها حديثه للحارس: سأتكلم معه فقط، افسح لي الطريق، فضلاً! نحى الحارس بجسده وسمح له بالحديث مع من بالداخل، حيث كان محروس الذي ابتسم بخبث دفين وهو يقول بنبرةٍ واعدة: أعتقد أنك فكرت جيدًا فيما عرضت عليك، مرحبا بك يا صديقي، هكذا نتحد لننتقم!
صباحًا جديدًا.. انتهى من ارتداء ملابسه، بينما كانت فنار مازالت نائمة، راح ينظر لها بتمعن وسار ليجلس جوارها، ثم أخذ يتأملها ملء عينيه، عاتب نفسه قليلًا لقد كان جافا معها البارحة، بل ونام جوارها موليا إياها ظهره غاضبًا منها.. راح يطبع قبلة حانية فوق جبينها النديّ بحبات عرقها، ثم همس بنعومة جوار أذنها: ربما لو كان يريد قتلي أنا، لعفوت عنه ثم صمت قليلًا وهو يمسح على شعرها بدفئ:.
لكن، لن أسمح لأحد أن يأخذك مني.. منحها قبلة أخرى وهو يعاود لها الهمس: أحبك فنار تخضبت وجنتاها آنذاك واختلجت عضلة فكها من شدة خجلها، ضحك الملك بتعجب وهو يهمس لها بمشاكسة: تتصنعين النوم فنارتي، هيا انهضي يا شقية، انهضي أريد قهوتي فتحت عينيها ببراءة وابتسمت بخجل بينما تنهض جالسة ببطء: صباح الخير سيدي، هل رضيت عنّي؟ رفع حاجبا مع قوله: عديني الأول أن لا تتدخلي مرة ثانية فيما يخص هذه المواضيع..
أعدك، أعدك لن أتدخل، ولن أغضبك ابتسم حينها وقال مرحا: عفونا عنك يا قهوتي منحته ابتسامة كذلك ونهضت بتمهل قائلة: دقائق وستكون القهوة جاهزة أمامك شعرت بدوار خفيف يجتاحها فحاولت جاهدة ألا تظهر ذلك أمامه وابتسمت بتوتر وهي تتجه نحو الموقد الصغير لتبدأ بإعداد القهوة خاصته، لا تعلم ماذا أصابها منذ يومين، تشعر دائماً وكأنها مريضة، ربما ذلك أثر جرح رأسها، هكذا قالت في وليجة نفسها.
شعرت بعد لحظاتٍ به يحتضنها من الخلف وصوته العذب يتسلل إلى أذنها قائلًا برفق: ما بكِ فنار، أشعر أن هناك شيئا ما تخفينه عني، أنتِ بخير؟ نعم، سيدي بخير، أنا بخير لم تسمع منه حرفا آخر سوى تنهيدة عميقة وهو يتكئ بذقنه فوق كتفها، يتشمم رائحتها الطيبة بصمت..
فتحت أيريس الباب وهي تتثائب بكسل وتفرك عيناها أثر نومها، بينما تقول بضيقٍ: يا أمي لمَ لم تأخذين المفتاح معك، لقد أيقظتيني من حلمٍ جميل.. ثم ما لبثت أن صرخت صرخة صغيرة وهي تداري جسدها بالكامل خلف الباب، ونظرت للواقف أمامها بعدم استيعاب وهي تقول: أنت!، ماذا تريد؟ تنحنح سليمان بحرج وهو يواصل ناظرا إلى الأرض: جئت لأبلغ السيدة حليمة، أن الملكة فنار تدعوها لتتناول الغداء معها لأنها اشتاقت لها.
تنهدت أيريس وأومأت برأسها في صمت، بينما واصل سليمان بارتباكٍ: هل تريدين شيء أجلبه لكِ؟! لا، من فضلك اذهب من هنا الآن عض سليمان على شفته بحرج، هل يخبرها الآن؟!، أم ينتظر ويتمهل؟!، ها هي أمامه فلمَ لا يتكلم ويصارحها بحبه؟ زفر بعنف واستدار ماشيا وهو يلعن نفسه، ثم قال لنفسه بضيقٍ: غبيّ!، لا بأس مؤكداً سأخبرها عندما تأتي مع أمها إلى القصر.
تتكلمين جد؟ هتفت فنار بطفولية وهي تكمل بحماس: وأين هذه الجزيرة إذن؟! أجابتها الخادمة بابتسامة: لست بعيدة يا سيدتي، تعالي معي وسوف تقضين وقتا ممتعا بها مطت شفتيها وهي تحدث نفسها: ولكن الملك لم يأخذني إليها قط! فُتح الباب فجأة وولجت جلنار وهي تهتف بابتسامة: صباح الخير فنار، كيف حالك اليوم؟ حمدا لله اقتربت جلنار وهي تمسك بكوب العصير المعتاد ومدت يدها لها وهي تقول: تفضلي ملكتي..
أخذته منها بعفوية وتجرعت منه متلذذة بمذاقه قائلة بمحبة: شكرا لكِ جلنار، أنا ممتنة لكِ جداً.. ابتسمت جلنار وتابعت متسائلة: أين تيم؟ اجابتها بهدوءٍ: هو بعيداً عن القصر الآن، قال لي أن لديه أعمال هامة، لا أعلم إلى أين ذهب تحديدًا صمتت قليلًا ثم تابعت بحماس: أنا سأذهب إلى الجزيرة التي تحكي عنها تلك الخادمة، تقول أنها ممتعة للغاية.. حسناً وقتاً ممتعاً فنار..
انصرفت ما إن أنهت جملتها، بينما خرجت فنار بصحبة هذه الخادمة متجهة إلى وجهتها حيث الجزيرة التي سمعت عنها.. بعد وقتٍ قليل، كانت قد وصلت بصحبة الخادمة..
هناك بحرٍ كبير للغاية، وأشجار كثيرة كثيفة عالية مزينة بالأزهار، والأرض خضراء، لكنها خالية، مُجردة من الأمان، هكذا شعرت وهي تتجول بها، رغم جمالها الخلاب إلا أنها شعرت وكأنها صحراء قاحلة، لا تعلم لماذا اجتاحها الخوف بلا رحمة، ونظرت خلفها فلم تجد الخادمة، إلى أين ذهبت؟
شهقت برعب وهي تتلفت حولها تحاول الركض لكن تيبست ساقيها مكانهما ولم تستطع الحراك، وعلت أصوات مخيفة في المكان جعلتها تصرخ باكية وهي تهتف باستنجاد: يا الله، يا الله.. أظلمت الدنيا فجأة وعلت أمواج البحر بشدة محدثة صوتا يرج الابدان، ازدردت ريقها، وما لبثت أن شهقت وهي ترى نفسها داخل مياه البحر الغادرة والأمواج تتلاعب بها بلا رحمة...
رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر
قاومت الأمواج بضعفٍ وهي تلوح بذراعيها وتصرخ لعل أحد يسمعها فينقذها، لكنها لم تجد النجدة فلا يوجد سواها مع الأمواج والأشجار وتلك الجزيرة الملعونة، كانت تبكي بيأس، وقد علمت أن هذه النهاية لا محال، ستموت الآن، تذكرت كل لحظاتها السعيدة التي جمعتها بتيم، كانت هذه أفضل مرحلة بحياتها كلها، أخذت دموعها تزداد وتنهمر بكثافة، وراحت تسعل وهي تستسلم للأمواج فكل مقاومتها باتت فاشلة، أغمضت عيناها وهي تستغفر سرًا، وفجأة، وجدت زئير يصدح عاليا في الجزيرة، فتحت عيناها مرة أخرى وقد علمت أن هذا الزئير ل رعد، لقد أتتها النجدة، الملك حبيبها قد جاء لينقذها..
أسرع رعد يركض وهو يزأر يحاول إنقاذها، وأخذت هي تحاول الوصول إليه بكل ما تمتلك من قوة، حاولت أن تسبح، وكان رعد يحاول أيضًا، وظلا هكذا إلى أن تقاربت المسافة بينهما، فراح رعد يشدها من ثيابها المبتلة بفمه القوي، فخرجت من البحر وارتمت على الأرض الخضراء فاردة ذراعيها وهي تتنفس الصعداء، بينما أخذ يحوم رعد حولها، لقد كان بمفرده معها دون صاحبه الملك، وهي تعجبت لذلك وعيناها تبحثان عن حبيبها لعله بالقرب منها، لكنه لم يكن موجود..
انهضي واصعدي خلف ظهري لأسير بكِ أيتها الملكة. فتحت عيناها على اتساعهما برعبٍ شديد؟!، من الذي تكلم الآن؟!. لا، لا هي تتوهم مؤكداً، مؤكداً.. فعاد يردد: هيا، لا تضيعي الوقت يجب أن نرحل من هنا الآن، الملك على وصول إلى هنا لابد أن نلحق به في الطريق، هيا رمشت بعينيها عدة مرات ولم تستعب بعد؟!، ماذا؟!، رعد يتكلم؟! هيا، اصعدي فوق ظهري وتشبثي بي، بسرعةٍ!
ازدردت لعابها بصعوبة ونهضت ببطء شديد من الأرض وصعدت فوق ظهره ومازالت عيناها تسعتان بدهشة، استلقت فوق ظهره الصلب وأخذ يسير بها بخطواتٍ سريعة فابتعد عن الجزيرة ومشى في طريق في آخره يقف الملك، ومن معه جنوده والخيل، كان يسير بتلهفٍ بواسطة الخيل خاصته وما إن رآها مُقبلة على ظهر رعد هبط بقوة من فوق حصانه وأسرع راكضًا إليها، فحملها من فوق ظهر الأسد وضمها إليه بقلق وهو يتنفس بعمق، بينما يهتف بعتاب وقسوة في آن واحد:.
لماذا فنار، لماذا خرجتي من القصر لم ترد عليه، فقط كانت متشبثة به بشدة وتدفن وجهها عند كتفه، وفجأة وجدته يرفعها على الحصان ويصعد خلفها ثم يعود ليضمها إليه مجددًا، سار الحصان بهما بتمهل وراح يمسح على شعرها المبتل بيده وعلى وجهها، تنهد بارتياح وهو يراها تستعيد انتظام تنفسها وتهدأ رويدًا، همس لها بجدية: أنتِ بخير؟ أومأت برأسها بضعفٍ والتفتت قليلًا كي تتمكن من رؤيته، ثم قالت بصوت خافت وهي تبكي بنعومة:.
أنا آسفة. لكنه لم تلن ملامحه المتجهمة وهو يخبرها بنبرة واعدة: هناك عقاب ينتظرك، وهذا الاعتذار خاصتك غير مقبول، لقد أرعبتيني جراء طفوليتك تلك يا فنار! سيدي لقد كنت... قاطعها واضعا كفه على فمها برفقٍ وهو يقول بحزم: لا تتكلمي، أنتِ متعبة.. وضعت رأسها على كتفه وقد اطمئن قلبها في حضرته، بينما تسمعه يهمس بغيظ: لا أعلم ماذا كان سيحدث لكِ إذا تأخر رعد قليلاً! التفتت له مرة أخرى وقد تذكرت رعد!، فيما تسأله بذهولٍ:.
ذكرتني، رعد؟، كيف يتكلم؟، كيف سيدي لقد صُعقت عندما تكلم شش، اخفضي صوتك فنار، لا أحد يعلم هذا السر، رعد الأسد الوحيد بالمملكة الذي يتكلم بلغتنا، إياكِ أن تخبري أحد فنار! أومأت برأسها وهي تردد بدهشة: يا للعجب، حسناً سيدي لن أخبر أحد تنهد وهو يأخذ رأسها ويضعها فوق كتفه قائلًا بجدية مصطنعة: لا تتحدثي فنار، لا أريد أن أسمع صوتك الآن، أنا غاضب، غاضب وبشدة منكِ..
اختتم جملته بقبلة فوق وجنتها وهو يهمس بحزمٍ رفيق: سأعاقبك.
ضحكة عابثة أطلقتها روكسانا وهي تخبر جلنار بخطتها: نعم، أنا من دبرت لها هذه المكيدة، أنا سعيدة للغاية جلنار، وأخيراً انتهت من حياة الملك وغرقت بالبحر. نظرت لها جلنار بدهشة وقالت: يا الله، يعني فنار، ماتت الآن! أومأت برأسها مؤكدة وهي تهتف بارتياح: لا تخافي، تيم سيحزن قليلًا ثم ينسى أمرها، المهم، دعنا نفكر بالمستقبل القادم لي ولكِ جلنار لي أنا! نعم، ستتزوجين أخي أوار، حبيبك.
أنهت كلامها بغمزة من عينيها وهي تربت على كتفها، فابتسمت جلنار بخجل وقالت: أوار!، أنا أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر.. عن قريب حبيبتي، عن قريب نهضت روكسانا وهي تدور في بهو القصر بينما تقول بخفوت: عن قريب سأكون أنا ملكة هذا القصر، وستكونين أنتِ زوجة حاكم مملكة النمور، تخيلي معي جلنار؟! ضحكت جلنار وهي تصفق بيديها فيما تهتف بفرحة عارمة ؛ يا الله، أوار هذا حلم حياتي..
لحظاتٍ مرت ووجدتا تيم يلج وهو يحمل فنار بذراعه اليمنى ويده الأخرى تمسد على شعرها المبتل صعودا وهبوطا، حدجهما بنظرة قاسية تنبئ عن عاصفة قادمة، بينما اتسعت عينا روكسانا وهي تناظره بذهولٍ تام، ألم تغرق فنار؟! مفاجأة، أليس كذلك؟! كانت جملة تيم التي صدحت عالياً بينما انكمشت جلنار على نفسها تحاول الاختباء بعيدا عنه، فهتف مجددًا بنبرة شرسة:.
ماذا جلنار؟ انظري إليّ!، حدثيني، أتتفقين مع هذه؟، وكل هذا لأجل أن يرضى عنك أخيها النذل، أليس صحيح جلنار؟ لم تستطع النظر إليه، فقد كانت ترتجف وهي تسمع منه حقيقتها، ازدردت ريقها وهي تسمع خطوات أقدامه تتجه إليها بعد أن قال آمرا لخادمة زوجته الخاصة: اصطحبي فنار إلى الحجرة وأبدلي لها ثيابها وأعدي لها الطعام ريثما آتي إليها. ثم واصل وهو يكتف يديه خلف ظهره بحدةٍ: ارفعي رأسك وانظري إليّ جلنار.
رفعت رأسها ببطء شديد وهي تنظر له بالكاد، وما لبث أن هوى بصفعة مدوية على صدغها وهو يصرخ بها: سأعيد تربيتك، اذهبي الآن إلى غرفتك، هياااا. فرت هاربة منه وهي تصرخ باكية، فتحرك متجهًا إلى روكسانا التي وقفت مرفوعة الرأس، ليقول بصوتٍ أجش صارم: أما أنتِ، فحسابك لم يأت بعد، اذهبي من هنا ولا تريني وجهك في هذا القصر مجددًا، وإلا، ورب السماوات اعتقلتك في سجوني وجعلتك عبرة لمن يعتبر، اذهبي من هنا.
ظلت واقفة متجمدة مكانها وهي ترمقه بنظراتٍ نارية بينما تهتف بحسرة: ماذا تحب بهذه السمراء؟ إنها... قاطعها صائحا بصرامة مخيفة: ليس من شأنك، هيا غادري لا أريد رؤيتك وجههك ولا سماع صوتك القذر ابتلعت الإهانة ورمقته بتوعد، ثم استدارت بعنف خارجة من القصر وهي تلعنه في سرها..
ما هذه؟! همس بشار الذي انحنى بجزعه إلى محروس الذي ضحك بشر وهو يقول بخبث؛ هذه، بودرة صُنعت حديثاً لا أعلم ممن صُنعت، ولكن أعلم مفعولها جيدًا تابع بشار متسائلًا: ما مفعولها إذن؟ أجابه رافعاً أحد حاجباه أرني شطارتك ودعني أهرب من هنا، ثم سأقول لك ما مفعولها أنا وعدتك، سوف تخرج من هنا ولكن اعلمني ما مفعولها رجاءً! لمعت عيناه بوميض خبيث، ثم همس: سأقول لك، هذه...
اندفعت فنار إلى أحضان والدتها التي ولجت من باب الحجرة الان بصحبة أيريس، عانقتها بحرارة وهي تهتف باشتياق ؛ أمي، اشتقت لك يا حبيبتي حبيبتي، وأنا أيضاً، كيف حالك يا أميرتي ضحكت وأخبرتها: أنا بأفضل حال يا أمي مسدت حليمة على رأسها في حنوٍ وهي تقول: أدام الله هذا يا إبنتي.. كذلك صافحت أيريس بمودة وجلسن بعد ذلك يتحدثن وتتعالى الضحكات في مرح... إلى أن قالت فنار بابتسامة ودودة: أيريس، هناك خبر سيسعدك حقا.
نظرت لها أيريس وتابعت بفضول: ما هو؟ وقالت حليمة كذلك ما هو فنار؟ أردفت فنار وقد ابتسمت باتساع: أخبرني سيدي، أن سليمان مساعده وذراعه الأيمن شخصيا يحب أيريس ويريد أن يتزوجها رفرف قلب السيدة حليمة وراحت تقول بحماس: يا الله، لقد استجاب ربي وسيعوضك خيراً يا أيريس، سبحانك سبحانك، اللهم لك الحمد ذهلت أيريس من هذا وهي تقول: ماذا؟، سليمان، كيف كيف فنار؟
ما بكِ؟ هكذا يحبك، أيريس الملك بذاته مرحبا بذلك وسعيد لهذا الحب، لا تستغربي أنسيتي ماذا قلتِ لي من قبل؟ حين طلبني الملك قلتِ لي لعل الله أراد ذلك وذلك على الله يسير! أومأت أيريس برأسها وهي تنظر إلى الأرض وتتساءل، كيف؟ وهو كلما رآها عنفها؟ كيف يحبها؟
بعد مرور الوقت... قد خرجت من القصر بصحبة أمها وسارتا معا بين الحدائق، ليتابعهما سليمان وتلتقي عيناه بعينيها الجميلتين في نظرة دافئة، ولأول مرة تراه يبتسم، يبتسم بحنوٍ وهو يضع يده مكان قلبه مباشرة ومنحها غمزة من عينيه، فشهقت بخفوت ونظرت أمامها وأسرعت خطاها وقد دق القلب معلنا بدأ عاصفة المشاعر...
تدثرت فنار بغطائها في الفراش وأغمضت عيناها هاربة من أسدها الذي دخل الآن وبدأ في تغيير ثيابه وهو يتابعها بنظرة عاشقة مع ابتسامة رائعة، يعلم أنها خائفة الآن وتتصنع النوم.. اقترب ما إن أبدل ملابسه واندس جوارها وأخذ يمسد شعرها الناعم بحب، بينما يهمس بثباتٍ: أعلم أنكِ لست نائمة يا صغيرة ازدردت لعابها وهي تعصر عيناها وتدفن وجهها بالوسادة، فضحك مستمتعا مع قوله: افتحي عينيكِ، لن أؤذيكِ.
فتحت عينيها سريعا والتفتت إليه مبتسمة، ثم قالت بخجل: مؤكداً؟ وهل تظني غير ذلك؟ توردت وجنتيها بحمرة الخجل، مع همسها الحنون: لا أظن، ولكن أنت وعدتني بعقاب، فخفت أن تنفذ قرص وجنتها برفقٍ ثم همس بود: كنت أنوي، كنت!، لكن الآن تبخر كل شيء، كيف أعاقبك وأرى دموعك وحزنك، لا شيء يسعدني سوى ابتسامتك يا صغيرة ثم تابع محذراً: ولكن، إن تكرر هذا الأمر وخرجتي دون علمي حينها سيكون عقابا صارما.
أومأت برأسها في سعادة ونهضت جالسة على الفراش وهي تهتف: حسناً سيدي، الآن سأعد لك القهوة وقفزت من الفراش إلى الأرض بعفوية، فضحك مقهقها وهو يقول من بين ضحكاته: أسرعي، قهوتي.
سار سليمان بهيبته بين السجون اشرافا عليهم، دخل إلى الزنزانة التي تضم محروس وأخذ يرمقه بنظراتٍ عدائية كريهة، بينما ابتسم محروس وهو يقول بسخرية: المملكة كلها تتحدث عن حب السيد سليمان ل ابنة بائعة التوت، مبارك سيدي ليس شأنك أنت يا حقير.. مسح محروس على وجهه ونهض قائلًا بجمود: ولكن أريد أن أخبرك سرًا سيدي اقترب سليمان وقال بغضب: سر ماذا؟ كشر عن جبينه ثم نطق بتشفٍ:.
رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس عشر
ارتشف من قدح القهوة مستمتعًا بمذاقها، أشار لها بالجلوس جواره فامتثلت له وراحت تجاوره بهدوءٍ، بينما سألته باهتمام: ماذا فعلتا جلنار وروكسانا؟، لقد سمعتك تقول انهما قد اتفقتا على شيء ما ولكن لم أفهم ما هو؟ نظر لها بصمت هُنيهة، ثم تحرر من صمته وقال: لا تنشغلي بمثل هذه المواضيع.. عادت تتكلم بحدة بعض الشيء: أريد أن أفهم ليس شأنك فنار.. عقدت حاجبيها بضيق وظهر الحزن بعينيها قبيل أن تقول بتأثرٍ:.
حسناً سيدي، لن أتحدث معك في هذه الأمور مرة ثانية ثم نهضت عن مجلسها واتجهت نحو النافذة وأطلت برأسها منها وهي تستنشق الهواء، فنهض خلفها قائلًا وهو يبتسم: ماذا فنار؟ لا شيء! قالتها دون أن تنظر إليه، فوقف جوارها وهو يحاوط كتفيها معا بذراعه، ثم قال مبتسما:.
لم أقصد، ولكن لا أحب ازعاجك، كل شيء هنا بالقصر مزعج للغاية، أنا أركض بعد انهاء عملي الشاق إليكِ، كل هذا لأجل أن ارتاح معك، فلا أريد أن أفسد لحظاتنا بخطط ومكائد هؤلاء، أفهمتِ قهوتي؟ ابتسمت له بوداعة وهي تقول: فهمت سيدي، ولكن بإمكاني أن أسمعك وأن أكون بجانبك في الشدائد أريد أن أخفف عنك أنتِ بالفعل جانبي فنار، يكفيني قلبك هذا راح يطبع قبلة هادئةٍ فوق جبينها ثم ترك قدح القهوة من يده وهو يقول متغزلا:.
أحبك فنار ثم تابع وكأنه تذكر شيئا: فنار، أريد أن أسألك سؤالا أومأت برأسها وهي تقول برفقٍ: تفضل سيدي . تابع متنهدًا وهو يمسح على شعرها: لمَ لم تحملي إلى الآن، هل لاحظتي ذلك أم أنا فقط؟ تجهمت ملامحها وشحب وجهها وهي تزدرد ريقها، ثم تابعت بنبرة متحشرجة: لا أعلم سيدي، لا أعلم لماذا تأخر لاحظ ارتجافها فربت على كتفها قائلًا بحنوٍ:.
لا بأس حبيبتي، ظننت أنكِ تعرفين السبب أو أن والدتك طمأنتك أن هذا طبيعي، لا تقلقي، إن لم يحدث اليوم سيحدث في الغد أومأت برأسها موافقة وهي تدعي ألا يحرمها الله ذلك، ابتسم لها وحملها بخفة قائلًا بمرح: دعينا ننام فنارتي الصغيرة.
يومان، قد مرا.. كان ينتظرها حيث اتفق مع والدتها ليذهبا معا ويريها بيتهما الذي سيجمعهما خلال أيام فقط، كانت الدماء تغلي بأوردته وهو يتذكر كلام ذاك الذي يُسمى محروس وما قاله له، لا يعلم أهو ادعاء أم حقيقة.؟ حقيقة صادمة قاسية... ولكن هي كانت تحبه بكل جوارها وربما... توقف عقله عن التفكير وهو يراها قادمة إليه بحياء، لا يود الظن السيء بها، ولكن حبها له ربما كان له الدور الأكبر لاخضاعها...
وقفت أمامه وهي تنظر له بحياء مع قولها: كيف حالك؟ فأجاب باقتضابٍ: بخير.. كشرت عن جبينها وهي تنظر له باستغراب، بينما تسأل بجدية: ما بك؟ لا شيء، هل ننصرف الآن؟ نعم هيا بنا سارا معا وكانت هي تبتعد عنه عدة خطوات، بينما هو يتابعها بعينين حائرتين، وفي وليجة نفسه قد قرر المواجهة...
لن أصمت بعد اليوم قالها الملك أوار وهو يضرب الطاولة التي أمامه بقبضته، فيما يهتف بنبرة محتدمة: تيم هذا أزادها، لابد أن أعلن الحرب وقفت روكسانا وهي تهتف بمماثلة: لا، لن تفعل، لا أريد ذلك يا أوار، أنا مُصرة على قتل هذه الفتاة ونفيها من حياته، وبعدها افعل ما تشاء أنتِ جننتِ؟ هذ التيم ليس سهلا، هذا سيدمرك ويدمرني إن لم نسعَ أولا في تدميره.
لا تخاف عليّ أوار، أعدك أن هذه ستكون أخر محاولة وبعدها سأقول لك تصرف أنت ولكني أخشى عليكِ.. أنا سأرتب كل شيء مع جلنار، لا تقلق ثم حدقت بالفراغ ورددت بحقد: سيكون لي..!
ما رأيك؟ هكذا سألها سليمان وهو يتمعن النظر بملامحها البسيطة، فأجابته بخفوت: البيت، مريح للنفس، لقد أحببته هز رأسه بهدوءٍ وقال بجدية: هو فقط؟! نظرت له بدهشة وقالت: كيف؟! فواصل بتهكم: أقصد البيت فقط الذي أحببتيه؟ أم أن هناك آخر غيره؟ تخضبت وجنتاها سريعاً بحُمرة الخجل، وابتلعت ريقها قائلة بأنفاسٍ متسارعة: ماذا؟.. رد بقسوة: أم أنك تحبين فقط ذاك الضائع، محروس أليس كلامي صحيح؟
اتسعت عيناها بصدمة، ثم تملكها الغضب وهتفت بغيظ: ماذا تقول؟ كيف أكون مازلت أحبه وأوافق على زواجي منك، هل تظن أنني بلا شرف؟! يقولون ذلك عنك.. طعنتها جُملته الصارمة، كانت بمثابة خنجر دُفع لتوه إلى قلبها، تلألأت العبرات بعينيها قبيل أن تهمس بانكسار: بلا شرف! ذبحه منظرها، وكاد قلبه أن ينشطر نصفين يا ليته لم يفعل، فيما يسمعها تهتف من بين بكاؤها: إذا أنت لم تثق بي، فلمَ ستتزوجني؟
تحاشى النظر إليها وراح يقول بجديةٍ: لم أقل هذا، لقد قلت أنهم هم، من يقولون ذلك عنك ليس أنا، أم أن السؤال حُرم؟ ابتسمت بتهكم وقالت: ومن هم الذين يقولون ذلك؟ فأجاب بلا تردد: حبيبك، محروس! اشتعل وجهها غضبا فصرخت به:.
لا تتعمد جرحي، أنت! لقد أشبعتني اهانة ولم أسمح لك بعد ذلك، هذا كنت أحبه والآن كرهته، كرهته لأنه كاد يسلبني شرفي، ومؤكدا يريد تشوهي لأنه بلا أخلاق، وأنت، أنت صدقت، أخبرك شيئاً؟ أنا أكرهك مثلما أكرهه، كما أكره الجميع، هيا ابتعد عن طريقي دعني أذهب لأمي، وتمتع أن ببيتك الراقي بمفردك.
عاتب سليمان نفسه وبشدة، ليته لم يتكلم، وظل صامتا، تبدو محقة في كل كلمة، لم يتحرك ولم يدعها ترحل، فقد قبض على ذراعها قائلًا بصوتٍ أجش: لا تكرهيني أيريس، لقد حلف لي هذا النذل بذلك، وأقسم لكِ أنني كنت حائر ليس أكثر، لم أصدقه، هل لي من سماح عندك؟ حركت رأسها بنفي وقد ازدادت دموعها وهي تقول بحزن:.
لقد صدقته، ولكن لن أسامحك فقط سأثبت لك أني عذراء شريفة، سأذهب إلى الطبيبة المختصة وسأدعها تخبرك بذلك، ليس لأجلك بل لأجل كرامتي لن تذهبي إليها، وكرامتك هذه فوق رأسي، آسف أيريس، سامحيني تعالت شهقاتها وهي تقول بحدة: اترك يدي! فقال بحزم: ليس قبل أن تعديني ، ثم واصل متنهدًا: عديني أن نبدأ حياتنا وتسامحيني عما صدر مني، أتوسل إليكِ؟ مسحت دموعها العالقة بأهدابها، ثم قالت بخفوت:.
عدني أنت أيضاً، بأن لا تجعل للشك مكانا في علاقتنا وأن لا تكسرني يوما، وأن تمنحني الثقة ولا تحدثني عن هذه التجربة السيئة مرة أخرى أسرع يقول بصدق: أعدك أيريس، أعدك حبيبتي صدمت من كلمته الأخيرة؟!، ثم همست بخجل: حبيبتي! نعم، أقسم لكِ أنك حبيبتي ولا حبيبة لي غيرك.
خرجت فنار إلى الحديقة ومشت ببطء، إلى حيث يجلس حبيبها الملك، كان يجلس شاردا بصحبة صديقه العزيز رعد، شعر بها تجلس جواره بهدوءٍ، فالتفت لها وابتسم بمحبة فبادلته الابتسامة وقالت: هل بإمكاني أن أجلس جوارك سيدي؟ فرفع حاجبا مع مراوغته وهو يقول: لا، مكانك ليس جواري زمت شفتيها قبيل أن تقول بحزن: كيف؟! فنظر لها غامزًا وهو يشير إلى ساقيه قائلًا: مكانك هنا، يا صغيرتي وضعت يدها على فمها وهي تقول بخجل:.
سيدي، ليس أمام رعد! ضحك ونظر إليه قائلًا بمزاح: أغلق عينيك يا رعد بالفعل أغلق عينيه منصاعًا له، فشهقت فنار بذهولٍ وهي تردد: يا إلهي، هذا الأسد من المؤكد أنه معجزة! ضحك تيم وهو يمسد شعيرات وجهه ويقول: هذا صديقي الحبيب ابتسمت فنار ووضعت يدها على رأس الأسد قائلة: هيا رعد افتح عينيك ففتح عيناه سريعاً جعلها تشهق مرة أخرى ولكن ذايلها الفضول وهي تسأله بشقاوة: كيف حالك يا رعد؟
لم يرد عليها فظهر الاحباط على معالم وجهها، ليقول تيم ضاحكا: لن يرد إلا بكامل إرادته، إنه لا يتكلم إلا قليلاً أو بالضرورة فقط رفعت حاجبيها مندهشة وقالت: يا للعجب سيدي ربت على رأسها ثم نهض قائلًا بابتسامة هادئة: هناك بعض الأعمال سأنهها وأأتي لكِ يا غزالتي انصرف تيم بصحبة رعد وبقيت فنار تتابعهما بابتسامة سعيدة، فتفاجأت ب جلنار تقف أمامها وتبتسم كعادتها قائلة: صباح الخير فنار، تفضلي العصير الغني بالفتانين.
أخذت فنار منها الكوب ونظرت لها بامتنان: لا أعلم ماذا أقول، شكراً لك حبيبتي تابعت جلنار بابتسامة لا تقولي شيء هذا واجبي نحوك ونحو أخي سأذهب الآن انصرفت على ذلك ومشت بخطوات سريعة إلى الباب الخلفي للقصر، حيث تقف روكسانا التي قالت بضيق: لماذا تأخرتي جلنار! كنت أعطها العصير روكسانا، عذراً تساءلت روكسانا بمكر: هل يظهر عليها أعراض لهذا؟ أومأت جلنار وهي تقول بخوف: أراها شاحبة قليلاً يبدو أن المفعول بأوله.
ابتسمت روكسانا بشر وقالت سريعا: حسنا، خذي هذا، مفعوله أقوى، سينهي عليها سريعاً هل ستموت؟ تساءلت جلنار بريبة، فأجابتها روكسانا بلا مبالاة: نعم، ولابد أن تفعلي من أجل أوار ابتسمت ولكنها قالت: يكفي ما أضعه بالعصير يا روكسانا، أنا لم أتخيل يوما أن أقتل هذا يعني أنك لا تريدين أخي كما يريدك؟ أسرعت تهتف: لا لا سأفعل روكسانا ابتسمت روكسانا بارتياح وقالت: حسناً سأذهب قبل أن يراني أحد!
ولج بشار إلى المطبخ، وبيده هذه البودرة الذي أخذها من محروس ابتلع ريقه وهو يتذكر قوله: هذه البودرة صُنعت حديثاً، ولم تصدق ماذا تفعل! ماذا؟! من سيأخذ منها يا عزيزي سيفقد بصره، ويظل أعمى طوال عمره، خذها وانتقم!