مر شهران على مواجهتهما الاخيرة، أخدت ألكسندرا نفسا عميقا محاولة طرد الاحساس المريع الذي ينتابها، رغم أن الطبيب أكد أن الأعراض ستنتهي إلا أن أعراضها أصبحت أسوء من قبل، كانت تستيقظ بغثيان شديد ورغبة قوية في افراغ كل ما أبجوفها، كره شديد للقهوة لم تعتده، وكره أشد للانسان الذي كان سبب تعاستها وألمها...
ربتت ألكسندرا على بطنها الدائري الصغير بحنان، منذ أن شعرت باحساس قوي من الأمومة الذي لم تكن تعرف عنه شيئا، أقسمت أنها لن تسمح لمخلوق بابعادها عن مير أو سلب طفلها منها، تحولت مهاجماتها الشرسة لليام إلى نوع من التجاهل المدروس... كانت تشعر في بعض الأوقات أنه يحاول اثارة غضبها فقط لكي يشعر بأنها موجودة، لكنها كانت تظل صامتة تحدق فيه بعينين واسعتين وخاليتين من المشاعر...
وأخيرا تخلى عن ازعاجها تاركا لها بعض الحرية للقيام بما كانت تخطط له بسرية تامة... استغلت سفره إلى اليابان في رحلة تستغرق أسبوعا لتقوم بمخططها والذي رسمته بكل دقة، زيارة إلى البنك حيث سحبت مبلغ مليوني دولار من الحساب الذي فتحه ليام باسمها، حولته إلى حساب آخر باسم ميريديث. قبل أن تقرر الذهاب إلى المطار لاستئجار طائرة خاصة...
كل شيء كان مفصلا بدقة في ذهنها، ستستغل يوم الأحد صباحا حيث يذهب كل من الجد ومارغريت إلى الكنيسة، ستتحجج بأي شيء لكي تبقي مير معها. ستستقل سيارة أجرة إلى المطار ومن هناك سترحل دون أن تترك أي أثر... تنهدت ألكسندرا أخيرا بارتياح كبير، كانت خطتها في الهرب تسير على مايرام. أيام قليلة فقط وستغادر هذا السجن من دون رجعة، رفرفت معدتها بخوف لكنها أسكتت خوفها وهي تخاطب الحياة الصغيرة بداخله...
سأحميك حبيبي مستحيل أن أتخلى عنك تحت أي ظرف في المساء، اتصل ليام ليخبرها عن عودته صباح الأثنين، حاولت أن تبدو باردة، لكنها كانت سعيدة، فهذا يعني متسعا من الوقت للفرار، تبادلت معه حوارا دون أي معنى قبل أن تقفل الخط وتغمض عينيها لتنعم بالقليل من الراحة التي افتقدتها منذ التقت بليام... كانت الايام تمر ببطء شديد وكأنها تعاقبها، لكنها انتظرت بصبر. وأخيرا حل صباح الأحد...
نزلت ليكسي إلى قاعة الطعام مبكرا. وعلى غير العادة لتجد فرانكو ومارغريت ومير وقد استعدوا للذهاب ككل يوم أحد إلى الكنيسة... فرانكو كان يعامل مير بحب، خصوصا وأنها كانت طفلة مطيعة ولطيفة مما جعل التعامل معها محببا و سهلا... قبلتها مارغريت وهي تسحب كرسيها النقال وتدفعه نحو الباب، توقفت ليكسي مسمرة للحظات. قلبها يخفق بقوة شديدة، كانت تشعر وعيونهم مسلطة عليها أنهم قادرون على قراءة كل ما يدور بداخلها.
وأخيرا قررت اجبار نفسها على الابتسام... اقتربت من مارغو والتي كانت تحدق فيها بدهشة. أومات لفرانكو براسها احتراما قبل أن تنزل لتطبع قبلة رقيقة على شعر مير الحريري. - مستقيظة على غير العادة! هل كنت تنوين مرافقتنا إلى الكنيسة اليوم؟ علقت وهي تنظر إلى ملابس ليكسي الغير رسمية وضعت ألكسندرا يدا مضطربة تعيد خصلات نافرة من شعرها الذهبي إلى الوراء قبل أن تقول:.
- لا. كنت فقط أرغب باصطحاب مير إلى الشاطئ. الجو يبدو رائعا أانا كنت قد وعدتها بجولة... - آه! قالت مارغو وهي تنظر إلى الطفلة بحيرة مير لم تخبرني بذلك! لم تسمح ألكسندرا لمير بالحديث، لأنها اقتربت من كرسيها لتدفعه قليلا إلى الأمام وهي تقول: - لعلها أحرجت، على العموم لن نستغرق الكثير من الوقت وسنعود قبل حلول الظلام... - حسنا.
ردَّت مارغريت وهي تنظر إلى الجد الذي كان يتأمل الكسندرا بعينين كالصقر. قبل أن يومئ لابنته بالتحرك... حين وصلت ألكسندرا أخيرا إلى البوابة، كانت قد استهلكت كليا، انتظرت لبعض الوقت قبل أن تظهر سيارة الأجرة التي كانت ستقلهما رأسا إلى المطار... تأكدت للمرة الثانية أنها تحمل كل متعلقاتها المهمة، جواز سفرها، جواز سفر مير وأخيرا بطاقاتها المصرفية...
لم تحمل معها أي من الأشياء التي اقتناها ليام من أجلها، فور استيقاظها في الصباح كانت قد اهتمت بكتابة رسالة مقتضبة لليام تخبره فيها عن نيتها في تركه، ورسالة أخرى إلى الجد ومارغريت تعتذر فيها عن رحيلها بتلك الطريقة... وضعت الرسالتين على الرف قبل أن تنزع قيد الماس البارد الذي وسمها به وتضعه قرب الرسالتين بيد مرتعشة...
لوهلة شعرت بارتياح لكن سرعان ما تبخر وهي تفكر بالغضب الذي سيتملك ليام حالما يعلم بأنها اختفت مع وريثه... نفضت الأفكار السوداوية عنها وهي تدخل قاعة كبار الزوار تدفع مير الذاهلة...
وأخيرا بعد نصف ساعة من الانتظار، والتي كانت ألكسندرا تتململ فيها غير قادرة على الجلوس بثبات ولا احتمال الاتهام الصريح في عيني شقيقتها والتي اغرمت بعائلتها الجديدة، أخيرا أتت المضيفة معلنة أن الطائرة الخاصة أصبحت مستعدة للاقلاع... تنفست بعمق وهي تخطو نحو الباب الموصل إلى حظيرة الطائرات، بينما تكلف أحد حراس المطار بدفع كرسي مير.
كانت بعيدة بأفكارها بينما غامت عيناها، أخيرا ستغادر حياة ليام، لم تكن ترغب بالشعور بأي أسف نحوه، هو كان المسؤول الوحيد عن كل ما حصل لها، وإذا كان سيتعذب من أجل فقدانه لطفل فهذا كان ليسعدها كثيرا، حاولت اقناع نفسها بذلك وشعرت بارتياح نسبي وهي تعيد الكلمات في ذهنها مرارا محاولة تصديقها... رفعت رأسها اخيرا، وشهقت من الصدمة والخوف وهي تنظر إلى الواقف في آخر الدرج ينظر إليها وقد علا وجهه الجمود...
في مكتبه بطوكيو،.
كان ليام منشغلا بالكثير من العقود، يحاول العمل دون توقف، للعودة إلى كابري حيث يشعر لأول مرة بالانتماء، حيث مير الصغيرة وجده الذي أصبح مختلفا ولأول مرة سعيدا بوجوده إلى جانبه وأخيرا هي، الكسندرا، والتي رغم كل الاحتقار الذي يكنه لها تشغل حيزا كبيرا من تفكيره، ردة فعلها المحيرة حين هاجمته حول رغبتها بالاحتفاظ بالطفل كانت غريبة، أتراه أخطأ في الحكم عليها؟ يعترف أن كل شيء فيها يفاجئه، حب مير اللامشروط لشقيقتها، عذريتها وأخيرا النمرة الشرسة التي تحولت لها دفاعا عن طفلهما...
طفلهما، هالته هذه الفكرة كثيرا، حاول أن يخنق تلك المشاعر الجديدة والتي كانت تحاول التسلل إلى قلبه باستماتة...
حاول منع نفسه مرارا من أخد الهاتف والاتصال بها، لكن دون جدوى كانت كالمخدر، أراد أن يسمع نبرة صوتها المثيرة أن يشعر بأنفاسها عبر الهاتف، لكن برودها كان كضربة قاسية لكبريائه، كان هنالك أكثر من البرود في صوتها، بحدس رجل أعمال كليام قضى وقتا طويلا في دراسة أعدائه، شعر بالخطر، ألكسندرا كانت تخطط لشيء ما، كلعبة شطرنج حرك بيدقا وجلس باهتمام ينتظر حركتها المقبلة...
لم يفاجئ حين وصله خطاب البنك يخبره عن المبلغ المالي الذي حول من حسابها المصرفي ولا أنها كانت تقوم بالعديد من الاتصالات الخارجية من وراء ظهره، المتحري الخاص الذي عينه ليام قبل رحيله كان كظلها وأخيرا حصل ليام على تقرير شامل، الطائرة الخاصة المبلغ المالي، حتى الفيلا الصغيرة التي استأجرتها، في ضواحي جنيف والمكالمات الدولية مع مستشفى متخصص، كانت تخطط للهرب واخفاء طفله بعيدا، عصر على قبضته بعنف حتى ابيضت مفاصل يده...
إذا كان يفكر في اعطائها فرصة للرحيل من قبل، فل يذهب إلى الجحيم إذا سمح بذلك الآن، لن يسمح لها بالرحيل أبدا، التذكرة الحرة التي أعطاها للمغادرة كانت كرما لا تستحقه، ألكسندرا مايلز ستبقى تحت رحمته إلى أن يقرر العكس... صر على أسنانه وهو يتأملها تتحرك باتجاهه وشعرها الأشقر الجذاب يتطاير حولها مكونا هالة خيالية، لعلها لم تره إلى الآن فكر بحنق...
توقف الدم عن التدفق في شرايين ألكسندرا وهي تنظر إلى ليام يتأملها حاولت العودة أدراجها وتركض بعيدا، لكن إلى أين، كان المضيف قد أوصل مير إلى حيث يقف، نزل على ركبتيه أمامها ليحضنها بحب صادق، كانت الطفلة سعيدة جدا وهي تحضنه بدورها، أشار إلى أحد حراسه والذي تكلف باصطحابها إلى سيارته... اختفى اللون من وجه ألكسندرا. علمت أنه سيقتص منها الآن، عليها أن تهرب، فكرت بيأس لكن إلى أين ومير في قبضته.
اقتربت من حيث وقف بخطوات مترددة، حاولت أن تستجمع قوتها لتخاطبه، لم تكن مستعدة لردة الفعل القوية وهي تشعر بيده تنهال على وجهها بصفعة جعلتها تتعثر لتسقط رغما عنها... كان الغضب قد وصل بليام إلى مستوى آخر، رؤيته لها وهي تهرب بتلك الطريقة أعادت شياطين الماضي للظهور في حياته، لم يكن يعترف بوجود أنثى صادقة وألكسندرا كانت خير مثال على ذلك...
كان ينظر إِلى ملامحها الخائفة والمرتبكة بنظرة احتقار، حاولت أن تتكلم لكنه عالجها بصفعة جعلتها تسقط على الأرض، قبل أن يقول: - لم أكره يوما شخصا في حياتي! أهنئك زوجتي لقد حصلت على هذا الامتياز!
كانت ألكسندرا جاثية على الأرض من هول الصفعة التي تلقتها والتي جعلتها تشعر بالدوار، كانت تنظر إلى شفتيه اللتان أصبحتا على شكل خط رفيع بينما قست عيناه بطريقة مرعبة، اقترب لينحني إلى جانبها، حمت بطنها بطريقة دفاعية جعلته يجفل ويعود للحظة إلى الوراء...
قبل أن يعود محاولا لمسها من جديد، أصبحت شاحبة فجأة وهي تشعر بشيء دافئ يتسلل من بين ساقيها، وقبل أن تعرف ماهيته كان الظلام يلفها من كل جانب واستسلمت إلى هذا الاحساس الجميل والذي كان على الأقل سيبعدها عن ليام وقسوته... قرب غرفة العمليات حيث أدخلت ألكسندرا منذ مدة طويلة، كان ليام متكئا بظهره على الحائط بينما قلبه يدوي من الألم. لن يسامح نفسه إذا ما أصيبت بضرر.
كان يتذكر كيف حمت بطنها حين اقترب منها، أهكذا تتخيله ألكسندرا، وحشا غير آدمي لكي يؤذي طفلهما، نفض عنه المشاعر القاسية والتي كانت تضرب رأسه دون رحمة، قبل أن يرفع عينيه نحو الباب الذي فتح للتو... اقترب ليام من الطبيب، هذا الأخير شرح له بتعاطف: - سيد ماكسويل، لقد حاولنا باستماتة انقاد الجنين مع الآسف لم نتمكن من ذلك، زوجتك بخير الآن، لكنها ستحتاج لفترة نقاهة لتعود إلى حالتها الطبيعية...
زوجتك هذه الكلمة مست مشاعر ليام بطريقة لم يتخيلها يوما. زوجته طفله. حاول أن يبدو متماسكا وهو يسأل الطبيب عن حالتها لكن بداخله كان يشعر بفراغ قاتل يلفه... الآن بعد أن استقرت في غرفتها، جلس إلى جانب سريرها يتأمل وجهها الشاحب بصمت. كيف سمح لنفسه بأن يؤذيها. كيف سمح للغضب بأن يعميه إلى هذه الدرجة. حتى زوجته الجشعة والأنانية لم يعاملها بالطريقة القاسية التي عامل بها ألكسندرا منذ دخلت حياته...
أمسك بيدها الشاحبة الموضوعة على بطنها وقبلها برفق. فكرة اخبارها أنها فقدت الطفل جعلته يشعر لأول مرة في حياته بالعجز المطلق.
بعد ساعات استيقظت ليكسي بشعور شديد من الألم وكأنها تلقت لكمة على بطنها، فتحت عينيها وهي تشعر بشيء خاطئ، تأملت ديكور الغرفة البيضاء بضياع، قبل أن تقع عيناها على ليام متكأ على أحد الكراسي بينما كتف يديه على صدره، كان يبدو متعبا تمكنت من تأمل وجهه والخطوط الصغيرة حوله فكه، كان مختلفا عن المتعجرف الذي اعتادت التعامل معه كل هذه الشهور، وكأنه شعر بنظراتها فتح عينيه ببطئ. ارتسم أغرب تعبير على وجهه وهو ينهض لكي يقترب من سريريها ويمسك بيدها الشاحبة بين يديه.
- كيف حالك كارا؟ قال ليام بصوت أجش - أشعر بالتعب. ردت ليكسي رغما عنها، ذاكرتها مشوشة فجأة قفزت من مكانها وهي تتلمس بطنها بفزع، ارتسمت نظرة ألم على وجه ليام وهو يقول بصوت غلب عليه الثاتر رغما عنه: - لقد فقدناه ليكسي! - فقدناه... رددت ألكسندرا الكلمة دون أن تستوعب معناها، لدقيقة كانت حائرة قبل أن تأتي الحقيقة لتهدم كل أحلامها...
صرخت وانتحبت بألم شديد ويدا ليام تطوقانها. كانت تضرب صدره بقسوة والدموع تسيل من عينيها. إلى أن حضر الطبيب ليحقنها بمهدئ ليلفها الظلام مرة أخرى... - الصدمة كانت قوية جدا عليها قال الطبيب وهو ينظر إلى وجه ليام المرتاع ستحتاج زوجتك إلى الوقت لكي تشفى جروحها النفسية، عليك أن تكون صبورا... - هل هنالك سبب محدد وراء الاجهاض الذي حدث؟
حرك الطبيب رأسه بالنفي قائلا: - ليس بالضرورة سيد ماكسويل، معروف أن الاجهاض في الأشهر الأولى من الحمل أمر وارد جدا... بعد رحيل الطبيب ظل ليام لفترة واجما يفكر كيف له أن يعوضها عن خسارتها، لا بد أنه كان واهما حين فكر أنه يمكنها التخلي عن طفلها بسهولة، ألكسندرا مايلز كانت بالنسبة له لغزا محيرا...
وضع رأسه بين يديه يفكر بما وصلت إليه حياته. كان قد أقسم على أن لا يمنح عاطفته لأي امرأة في الوجود، التجارب علمته أن الأمومة ليست سوى كذبة كبيرة، كانت المرأة قادرة على ترك طفلها بيعه أو حتى المزايدة عليه كما فعلت زوجته... زوجته النرجسية سمحت لنفسها بالمزايدة على طفلهما مقابل المال، المال الذي لم يكن يملكه وقتها لتفاجئه باجهاضها ورحيلها بعيدا ثم لتطلب الطلاق...
لثاني مرة في حياته شعر بالخذلان، والآن ينظر إلى المرأة المسجاة بتعب على السرير وكان هو من خذلها... هذه المرة حين استيقظت ليكسي كانت واعية أكثر بالخسارة التي تعرضت لها، لقد فقدت الطفل، طفل ليام، كانت مشاعرها مضطربة للدرجة مقلقة، انتحبت بصوت مسموع، قبل أن يأتيها صوته من الرواق، وكأنه كان يكلم أحدا قبل أن يفتح الباب ويدخل ليام ترافقه مارغريت والجد وأخيرا حبيبتها الصغيرة مريديث...
فتحت ألكسندرا يديها نحو مير، قربها ليام لتتمكن من أن تحضنها، تحركت وأنَّت بألم، أجفل ليام وهو يعيد مير إلى الوراء قليلا ويقترب منها يلمس وجهها بحنان: - كيف أنت الآن؟ سأل وهو يتأمل شحوب وجهها البالغ - بخير. ردَّت ليكسي قبل أن ترفع عينيها نحو مارغريت وفرانكو واللذان اقتربا أخيرا للاطمئنان على صحتها... - أخبرنا ليام أنك شعرت بوعكة على الشاطئ قبل أن يحملك إلى المستشفى.
كانت نظرات العجوز مثبتة على رأسها وكأنه غير مصدق لكلام حفيده. رفعت رأسها إليه تتامل وجهه المشدود، قبل أن تشيح ببصرها عنه وتقول بصوت متعب: - هذا صحيح لقد شعرت بوعكة، وليام نقلني إلى هنا... - أنتما مازلتما شابين وقادرين على تعويض هذه الخسارة في وقت وجيز، نحمد الله على وجود ليام في الجوار. قال فرانكو باقتضاب قبل أن ينظر إلى ساعته والآن اعذروني فعلي الانصراف...
حركت ألكسندرا رأسها بتفهم. اقتربت مارغريت منها وعانقتها بحنان، بينما خرج ليام مرافقا جده، كان يهرب من الاحساس المريع الذي يجتاحه بأنه كان المسؤول الوحيد عن خسارتها...
بعد مرور أسبوع قضته ألكسندرا في المستشفى، قرر الطبيب أنها يمكنها العودة إلى المنزل، كان ليام طوال الوقت محبا ومتفهما لثورتها ضده، خصوصا في الأيام الأولى والتي لم تكن تحتمل فكرة وجوده معها في نفس الغرفة، كانت متألمة ومجروحة إلى أقصى حد، أعادت خسارة طفلها أحاسيس مؤلمة خصوصا عن والديها، الحادث ومير وفي الأخير الطريقة التي ابتزها بها طوال شهور...
كان الطبيب النفسي الذي استشاره ليام قد حذر من مغبة البرود الذي غلفت به نفسها وأنها قد تنفجر في أية لحظة، وهذا ما حدث بالفعل... انفجرت ألكسندرا أخيرا كبركان ثائر في وجهه وهو وقف مذهولا ينظر إليها غير مصدق أنها قادرة على أن تثور بهذه الطريقة وتخاطبه كما تفعل الآن...
ضغط على فكه بعنف وظهر عرق نابض في رقبته، كان يسيطر على عصبيته بقوة بالغة، لم يعتد ليام أبدا أن يوجه إليه الحديث بمثل الطريقة التي كانت ليكسي تفعل، لكنه جزئيا كان يعترف بأنه الملام الوحيد على ما يحدث معها وبالتالي تركها تنفس عن الغضب بداخلها دون أن ينبس بكلمة... أخيرا غادر الغرفة وترك ألكسندرا لتنهار اخيرا في بكاء هستيري امتد لساعات...
الآن بعد أن فجرت كل الطاقات السلبية بداخلها، كانت مستعدة للمغادرة وحتى إلى التفكير بمنطقية في الطريقة التي ستقنع ليام بأن يتركها ترحل بهدوء... علا طرق على الباب، قبل أن يفتح وتطل ممرضة لطيفة: - هل أنت مستعدة سيدة ماكسويل؟ قالت الممرضة بانجليزية سليمة أومأت ألكسندرا برأسها، تاركة للممرضة مهمة مساعدتها على ارتداء ثياب جديدة، لتصبح جاهزة وفي انتظاره...
انتبهت ألكسندرا إلى انعكاسها في المرآة، لقد كانت شاحبة ومتعبة، واللون الرمادي الذي اختارته مارغريت من أجلها لم يخفف من ذلك... تنهدت بحيرة، لعل والديها المحبين لم يعلماها للأسف تقدير الذات بطريقة كافية، لقد فقدت حياة بداخلها للتو، ومع ذلك لازلت تهتم بنظرة ليام اليها... وضعت يدها في شعرها الحريري وتنهدت بعمق، يا إلهي ساعدني لأخرج من هذه التجربة بسلام!
فتح الباب ودخل ليام، لم تستطع إلا أن تنتبه إلى وسامته الطاغية والتي غطت على كل شيء في الغرفة، لم تكن الوحيدة المبهورة من الهالة القوية التي تحيط بشخصيته... كانت الممرضة تتأمله بعينين جائعتين جعلت ليكسي تمتعض ومشاعر غريبة تتأرجح بداخلها، لدرجة أنها سمحت له بتقبيلها دون أي احتجاج.
كان مستغربا للطريقة التي كانت ألكسندرا تعامله بها اليوم، بعد أيام من الجفاء والاتهام القاسي، انتبه أخيرا إلى وجود الممرضة، لتظهر ابتسامة تسلية على وجهه، هل ألكسندرا تغار؟ جعلهاحبيسة ذراعيه أكثر ليأخد شفتيها في عناق حار امتد لدقيقة، قبل أن يهمس في أذنها بصوت ساحر: - هل هي الغيرة التي تجعلك متوهجة بهذا الشكل الرائع؟ علق ليام بمزاح - في أبعد أحلامك! قالت ألكسندرا من بين أسنانها.
استدار لينظر إلى الممرضة التي ألجمت الصدمة حواسها قبل أن يقول بنبرة دون جوان خطر: - أعتذر منك آنستي، لكنني كنت بالفعل مشتاق لزوجتي الجميلة، والآن أتمنى لو تحضرين كرسيا نقالا فنحن مستعدان للمغادرة. أومات الممرضة برأسها دون صوت قبل أن تغادر الغرفة. بعد مغادرة الممرضة، انتزعت ألكسندرا نفسها من ذراعي ليام بقوة صارخة فيه: - أنت فعلا منافق وعديم الحياء!
- أحقا؟! قال ليام وهو يتأملها ونظرة ساخرة تعلو وجهه قبل أن يبتعد ليجلس على السرير باسترخاء هوني عليكِ كارا! فمن الواضح أني لست سبب انزعاجك! وكأنها فهمت تلميحه المبطن، حولت نظرها بعيدا واصطبغ وجهها بلون أحمر... أشعرت بالغيرة، هل تغار على زوجها؟ موجة من الحرارة ألهبت جسدها، يا إلهي! لقد كانت الغيرة! جعلها هذا الاكتشاف تشعر بالذل، هل فعلا هي تسقط في حب زوج كريه وأناني كليام ماكسويل...
غرقت في تفكيرها لدرجة أنها لم تشعر بالممرضةالتي قد عادت إلى الغرفة ومعها الكرسيالمتحرك، k/1.
وضع ليام ألكسندرا المنزعجة على السرير قبل أن يرسم ابتسامة ساحرة على شفتيه، كان قد أصر على أن يحملها بنفسه إلى جناحهما، الشيء الذي اعتبرته ألكسندرا عرضا مبالغا فيه أمام جده ومارغريت، لقد كانت تعلم جيدا أن لطف ليام معها ليس نابعا من قلبه، بل مجرد تمثيلية جديدة ليقنع جده بأن زواجهما حقيقي، شخص بارد كليام لم يكن ليقوم بشيء لطيف دون سبب...
حولت ألكسندرا عينيها عن تأمله محاولة دفعه إلى الخروج، لكنه جلس إلى جانبها مزيحا خصلة ذهبية عن جبينها قبل أن يقول: - ألكسندرا ربما حان الوقت لنتحدث... لم تكن في حالة نفسية تسمح لها بفتح أي حديث خصوصا ما كان ليام يريد مناقشته... - ليس الآن، ردت ليكسي متجاهلة طلبه لكنه كان مصرا، نهض من على السرير مقتربا من الشرفة يتأمل البحر قبل أن يقول بصوت بارد: - بخصوص عقدنا...
أوقفته ألكسندرا بقسوة قائلة: - ليس هنالك من عقد ليام، أنت خدعتني! - خدعتك؟! قال ليام بتهكم وهو يجيل نظراته الباردة عليها وماذا تسمين ما فعلته في المطار؟ - أنت من دفعتني لذلك ردت ألكسندرا بيأس رفع ليام حاجبه بتهكم متأملا إياها تنهض لمواجهته وقبضتها الصغيرة مشدودة بتوتر، تأمل وجهها للحظات قبل ن يرد ساخرا: - أحقا! أكان أنا من طلب منك الهرب والاختفاء بطفلي!
عضت ألكسندرا على شفتها غير قادرة على الاجابة، نظرته المتفحصة لها جعلتها تشعر بالمزيد من القلق... - لا وجود للمشاعر هنا ليكسي، لقد أبرمنا عقدا وبموجبه يجب أن أحصل على وريث! وإن كنت متسامحا هذه المرة معك، صدقيني، فهي المرة الأولى والأخيرة... صدمها رده القاسي، فتحت عينيها دون تصديق: - تكون مجنونا إذا فكرت أنني قد أنجب لك طفلا آخر! أتفهم؟!
رن هاتف ليام في تلك اللحظة تجاهله، قبل أن يقترب إلى حيث وقفت تنظر إليه بتحد. - ستنجبينه ألكسندرا أعدك بذلك! قال قبل أن يرفع هاتفه ويجيب بصوت واثق، كانت المحادثة باللغة الايطالية مما جعلها عاجزة عن فهم أي كلمة، خصوصا بعد أن رحل ليام وأغلق الباب بهدوء... تنفست باحباط، وجوده إلى جانبها كان يبعث فيها التوتر، كيف لها الآن أن تقنعه بضرورة رحيلها؟ خصوصا أنه مصر على الحصول على وريثه!
في الناحية الأخرى من الفيلا. أنهى ليام المكالمة المهمة التي منعته من أن ينهي حواره مع ألكسندرا، زفر بضيق غارسا أصابعه في شعره بحركة عصبية قبل أن يسمع خطوات جده على الممر الرخامي، التفت جهة الصوت وابتسم ببرود: - كيف حالك جدي؟ قال ليام وهو يخطو مقتربا منه - أنا بخير أجاب العجوز وعيناه مسلطتان على حفيده كيف حال زوجتك؟ - بخير. رد ليام رافعا كتفيه بعدم اكتراث.
- ليام. ألا تظن أنك تمنح عملك أكثر بكثير مما تمنح زواجك؟ قال العجوز بصوت قوي - جدي! قال ليام مقاطعا ألا تظن أنك تطلب مني الكثير؟! ابتسم العجوز بمكر واضعا يده القوية على كتف حفيده وهو يسحبه نحو مكتبه: - ليس بالكثير ليام، أنت حتى لا تبدل جهدا بسيطا علق وهو يفتح باب المكتب بتأن ويشير إلى حفيده بالجلوس فأنت حتى اللحظة لم تهتم بإطلاعي على الصفقة الجديدة مع وزارة الدفاع الامريكي!
رفع ليام رأسه وارتسمت الدهشة على ملامحه... - لكن كيف عرفت؟ سأل ليام باستغراب - لنقل أنه لدي مصادري! رد العجوز بغموض أنت لن توافق أليس كذلك؟ - للأسف جدي، هذه قرارات تخصني أنا فقط، إذا كنت أريد أشارك في شيء مماثل فلا أرى لك دخلا بالموضوع! - بالطبع يجب علي أن أتدخل! تطوير شيفرة مماثلة قد يجعلك هدفا لكل ارهابي مجنون على هذه الارض!
ابتسم ليام ببرود وهو يقول: - لا داعي لكل هذا القلق جدي، الموضوع في غاية السرية وأنا اتحمل كل النتائج. ابتعد عن محيط المكتب قائلا: - والآن اعذرني فلدي موعد هام... كاد أن يفتح الباب قبل أن يأتيه صوت جده قاسيا وهو يقول: - الموضوع ليس بتلك البساطة التي تصوره بها ليام، إنه أمر خطير!
التفت ليام وظهرت الغطرسة واضحة على ملامحه: - ربما بالنسبة لك جدي، لهذا فهو ليس له أي علاقة بالشركة، ليام أند ماكسيموس ليست جزءا من الصفقة! حرك أصابعه وكأنه يبحث عن كلمة مناسبة لنقل أنها هوايتي جديدة! - هذا ليس كتسلق جبل أو مباراة للملاكمة قد تنتهي ببعض الكدمات! هوايتك الجديدة ستبعث بك إلى القبر! هذا أمر خطر وفي غاية الجدية! - بالطبع أنه أمر خطير، لو لم يكن خطرا فأين المتعة في ذلك؟!
تشدق ليام قبل أن يفتح باب المكتب ويرحل تاركا العجوز يتأمل حاسوبه بصمت، فكرة أن حفيده الوحيد قد يشارك بمشروع قد يجعله مستهدفا جعلته يشعر بالقلق... تعبت ألكسندرا من الجلوس في غرفتها، لذا قررت أخيرا أن تتجول في الفيلا وتبحث عن مير التي اشتاقت لها كثيرا، فتحت الباب وخرجت إلى الرواق ونزلت الدرج نحو غرفة المعيشة، حيث كانت مير منسجمة مع مارغريت يلعبان المونوبولي...
وقفت قليلا واتكأت على اطار الباب تتأمل ميرديث بحب، لم ترها تضحك بهذه الطريقة منذ وفاة والديهما، أحزنتها الذكرى كثيرا وجعلتها تطلق زفرة رغما عنها... اقتربت منهما، رفعت مير رأسها قبل أن تصرخ بفرح: - ليكسي أنت هنا؟! لكن متى عدتِ؟ - عدت قبل ساعات، لكنك كنت نائمة، أجابت ألكسندرا وهي تنحني لتطبع قبلة على وجنه مير الوردية.
ابتسمت هذه الأخيرة لشقيقتها قبل أن تمسك يدها قائلة: - نحن نلعب المونوبولي. ما رأيك بالمشاركة؟ أخدت ألكسندرا كرسيا إلى جانبهما قائلة: - أرجو ألا أضايقكما... - ماهذا الهراء! ردت مارغريت وهي تمنحها نردا بالطبع كلما زاد العدد زادت المتعة! - إذا فأنا مرحب بي أيضا!
رفعت ألكسندرا رأسها لتصطدم بليام واقفا قرب الباب، كان قد غير ملابسه الرسمية إلى جينز غامق وكنزة خفيفة بلون رمادي، ابتسامته المغرورة لا تفارق شفتيه، لكن حتى هذا ما كان لينقص من جاذبيته الطاغية، بلعت ألكسندرا ريقها تشعر بأن حلقها جاف قبل أن تعيد النرد إلى مكانه، لكنه كان الأسرع، اقترب منها وسحب كرسيا قبل أن يجلس إلى جانبها ويهمس: - الرحيل غير وارد بالمرة كاراميا!
أشاحت بنظرها عنه دون أن تنبس بكلمة، حركت النرد بيد مرتجفة قبل أن تلقيه على الطاولة... وكما كان متوقعا انتهت اللعبة بفوز ليام الساحق... - ليس عدلا! احتجت مير وهي تمط شفتيها بطفولية ليام لقد استوليت على كل عقاراتي! ضحك ليام بمرح وهو يحملها بين ذراعيه يحركها في الهواء وكأنها لاتزن شيئا. - سأعيد لك كل ما أخدته اميرتي، المهم أن تكوني راضية! ضحكت مير بسعادة وهي تشعر بنفسها تطير: - يا إلهي ليام! توقف سأسقط!
أعادها ليام إلى الكرسي النقال قبل أن يدفعها خارجا قائلا: - بما أنني ربحت كل عقاراتكم فأنا سأكون كريما لأدعوكم إلى العشاء خارجا... صفقت مير بسعادة قائلة: - لنتناول البيتزا! مارغريت تعذرت بالتعب بينما ظلت ألكسندرا تنظر إليهما بشرود... - هل سترافقيننا؟ سأل ليام ونظراته مثبتة عليها كانت عيناه تلمعان ببريق ساحر جعل ألكسندرا تضطرب رغما عنها، شعرت بيد مير تمسكها قائلة برجاء: - هيا ليكسي، لا تكوني كسولة!
ابتسمت لمير وهي تقول حسنا. دعوني أغير ملابسي أولا! أومأ ليام برأسه قبل أن يسحب كرسي مير: - سنكون في الحديقة، أضاف دون أن يمنحها التفاتة المطعم الذي أخدهما ليام إليه كان يعبر عن جمال كابري ببساطتها وطبيعتها الخلابة، فتحت مير فمها بدهشة وهي تتأمل أشجار الليمون التي تحيط بالمكان، كان المطعم حرفيا وسط بستان مما أعطاه طابعا فريدا...
استنشقت ألكسندرا الرائحة المنعشة لأزهار الليمون بينما يحركها النسيم ببطء... فيما سحبهما ليام نحو طاولة تطل على المحيط، ابتسمت ألكسندرا رغما عنها، فالمنظر كان بديعا خصوصا وأن مير كانت سعيدة جدا وهذا بحد ذاته جعلها تشعر بالقليل بالامتنان لهذا الرجل البارد رغم عنها...
طوال الأمسية كان ليام رائعا، أشركها في العديد من ذكرياته عن الجامعة، دراسته ببوسطن وحتى عن حبه لرياضة الكي وان وأنه كان ملاكما في الجامعة... تناولا العشاء على أنغام الكمان الحالم، لتسرح الكسندرا بعيدا بأفكارها خصوصا وأن أمواج البحر كانت تضفي على الليلة سحرا اضافيا، تنهدت بأسى حين أشار ليام إلى ضرورة المغادرة، تمنت لو أن الأمسية لم تنتهي بسرعة...
ربت ليام على شعر مير الحريري التي كانت قد غفت على الطاولة، حملها برفق بينما تكلف النادل بسحب كرسيها إلى السيارة، تحسرت ألكسندرا وهي تتأمل الطريقة التي يضع بها شقيقتها النائمة على المقعد الخلفي، فكرَّت أنَّه سيكون أبا رائعا... قبل أن تمسح الفكرة برعب وهي تلوم نفسها، مستحيل أن تمنحه طفلا تحت أي ظرف! كيف لها أن تفكر في اعطاء طفل لإنسان متحجر المشاعر هدد بحرمانها من قطعة منها؟!
أيقظها من أفكارها القاتمة صوته الواثق وهو يفتح باب السيارة الأمامي... - ليكسي هل أنت بخير؟ سأل ليام وهو يدفعها إلى الداخل بحنان - أنا بخير. ردت ألكسندرا بصوت مضطرب كانت مشاعرها متأرجحة وعلى وشك البكاء، كيف لها أن تحب انسانا بغيضا وبارد المشاعر، لكن للحقيقة كان ليام بوسامته الطاغية وشخصيته المسيطرة قادرا على اغواء الراهبات الدير...
تنهدت وهي تنظر إلى الطريق المتعرج تحاول الحد من أفكارها الجامحة. بينما ظل ليام مركزا على القيادة... بعد أن وضعا ميرديث النائمة في سريرها، عادت ألكسندرا إلى غرفتها تنشد النوم، حمدت الله كثيرا حين قرر ليام النزول إلى المكتب للعمل، لم تكن تستطيع مواجهته بعد هذه الليلة، تحديدا بسبب لطفه الكبير نحو مير وعفويته اتجاهها والتي جعلتها تشعر بالضعف يهدد الحدود التي رسمتها والتي بدت وكاأها تتلاشى بسرعة...
أخدت أول قميص نوم وقعت عليه يداها قبل تدلف إلى الحمام، لتنزلق تحت رشاش المياه وتستسلم لأفكارها حول ليام والمستقبل الذي لم يكن يعدها بالكثير... في غرفة المكتب، ظل ليام منكبا على حاسوبه لوقت طويل، الشيفرة التي كان يعمل عليها لم تكن سهلة خصوصا وأنه لم يعد يقوم بمثل هذه البرمجيات منذ أن كان بالجامعة، يشعر وكأن مهارته أصبحت صدئة فجأة فكر وابتسامة ساخرة على شفتيه...
لكن هذا بحد ذاته كان تحديا مغريا بالنسبة له، تكوين شيفرة من المستحيل على أي كان حلها، هل سيتمكن فعلا من ذلك؟ فكر وهو يغلق حاسوبه ويحرك ذراعيه المتيبستين ويقرر الذهاب للنوم أخيرا... في الصباح، استيقظت ألكسندرا على ضوء أشعة الشمس المتسللة من النوافذ المفتوحة وكالعادة لم يكن موجودا إلى جانبها، أزاحت عنها الغطاء الحريري ودلفت إلى الحمام...
استغرقت وقتا طويلا محاولة تمالك نفسها، تشعر بأنها مهددة، مشاعرها متضاربة. لامت هرموناتها بشدة على الخيالات الآثمة والتي تغزو عقلها دون رحمة، كان ليام يسيطر على كل تفكيرها وهذا أرعبها، عادت ولعنت نفسها مجددا وهي ترى أنها وضعت الشامبو للمرة الثانية دون أن تنتبه، ألا يكفي اأها تشعر بحالة مزرية، والآن ستحصل على شعر متقصف بسببه فكرت بيأس...
فجأة شعرت ألكسندرا أنها لم تعد وحيدة، غسلت الصابون من على عينيها بيد مرتشعة، لتجفل بخوف وهي ترى انعكاس ليام في المرآة... - ما الذي تفعله هنا بحق الجحيم! صرخت الكسندرا محاولة تغطية جسدها العاري من نظراته المتفحصة لمعت عيناه ببريق مغر قائلا: - انتظرتك لوقت طويل كاريزما لذلك، فكرت أن آتي لأطمئن عليك، لربما سقطت ودققت عنقك أضاف بسخرية لاذعة والآن أسرعي لدي ما أطلعك عليه...
حين عادت إلى الغرفة ملتفة بروب الحمام، فهي لم تكن لتجازف بالوقوف أمامه بمنشفتها الصغيرة مما اضطرها إلى استعمال ردائه والذي جعل رائحته تلفها... تأملها ليام بنظرات متسلية. - لكن ما الذي تفعله هنا بحق الجحيم! صرخت الكسندرا من الاحباط؟
لم يجب ليام سريعا، بل خطى نحو الأريكة الجلدية وجلس باسترخاء، كان بكامل أناقته في بدلة زرقاء مائلة إلى السواد وربطة عنق حريرية مطابقة، بكل بساطة كان مثاليا، أغرقت رائحة عطره الثمين أنفها وجعلتها ترتعش رغما عنها مشاعر كثيرة تتأجج بداخلها بينما هو يجلس هادئا يتأملها وكأنه له مطلق الحرية في ذلك... - هل لك أن تخبرني ما الذي تفعله هنا الآن؟!
- هوني عليك ليكسي! لقد رأيتك عارية وفي مناسبات عدة فلا داعي لتمثيل دور البراءة أمامي فهذا لا يليق بك! والآن هل سترتدين ملابسك في أي وقت قريب! علق ليام وهو ينظر إلى ارتعاشها الطفيف انتبهت الكسندرا إلى مظهرها الرث وشعرها المبلل قبل أن تتركه وتدلف غرفة تغيير الملابس بسخط.
حين عادت كان ليام مستغرقا في مشاهدة معاملات للبورصا على هاتفه، ليرفع رأسه حين شعر بوجودها والتقت عيناه الساخرتان بالغضب المتاجج في عينيها، وككل مرة تعامل مع غضبها وكأنه لا يعنيه. ودون مقدمات قال: - لقد أتيت لأخبرك أننا سنسافر هذا المساء! فتحت ألكسندرا عينيها غير مصدقة: - ووجدت أن الطريقة المناسبة لاخباري هي أن تقتحم حمامي لاطلاعي على ذلك!
نهض ليام من على الاريكة واقترب منها برشاقة فهد بري، قبل أن يضع يده على عنقها برقة مصطنعة، حرك أصبعه على طول العرق النابض في رقبتها... - الرحلة كانت فكرتك، أنت من قررت التسلل إلى جنيف والتحدث مع أطباء عن حالة مير دون اخباري. فكرت أنه الوقت المناسب لكي نبدأ طريق علاجها أضاف ليام بصوت قاسي على الأقل هي لا تستحق أن تحرم من العلاج بسبب أنانيتك وغباءك واومضت عيناه ببريق غامض.
- أوه كيف تجرؤ! صرخت الكسندرا وهي ترفع يدها محاولة صفعه كان قريبا منها بشكل خطر. أمسك يدها بخفة وهو يشير بأصبعه نحو وجهها بينما خرجت الكلمات من بين أسنانه بتهديد مظلم: - مرة واحدة فقط كاريزما! لا أحد يغامر بصفعي مرتين!
ضغط على يدها حتى شعرت أنها قد تتهشم في قبضته، لكنها رفضت أن تظهر بمظهر ضعيف، ظلت تحدق في عينيه بتصميم، تحول الغضب الكاسح في وجه ليام إلى التسلية كانت ألكسندرا تتحداه مرة أخرى وهذا كان أكثر اثارة بالنسبة إليه من خضوعها له... التوت شفتاه بابتسامة ساخرة وهو يزيد من ضغط قبضته على أناملها الرقيقة إلى أن شهقت أخيرا من الألم.
- أرأيت؟! قال ليام وهو ينظر إليها بتحد أنا قادر على كسرك بهذه السهولة ليكسي! لا تقاتليني إلا إذا كنت قادرة على تحمل النتائج والذي من الواضح أنك غير قادرة على تحملها! شعرت ألكسندرا بالضعف والألم يسيطران عليها... - هل أنت دائما تحب أن تركل الناس حين يكونون في القعر؟! سألت ألكسندرا وعينيها تتلألأن بالدموع.
ضربت كلماتها والتي خرجت ضعيفة وترا حساسا بداخل ليام، تأمل عينيها الدامعتين للحظة قبل أن ينفض يدها ويخرج صافقا الباب بقوة... قبضته الفولادية تركت علامات حمراء على بشرتها الرقيقة، كيف لهذا الشخص أن يتحول بهذه السرعة من شخص محبب ورائع إلى شيطان سادي فكرت ألكسندرا وهي تمسد يدها المحتقنة بألم. - اللعنة عليك أيها الحقير! شتمت بصوت مسموع، لكنه كان قد رحل بالفعل... في غرفة المكتب،.
جلس ليام واضعا ذراعه القوية على جبينه، كان قد تخلص من سترته وربطة عنقه، فمشاعره المتضاربة كانت تضغط على صدره وتجعله يشعر بالاختناق... - ألكسندرا. زفر ليام، وهو يعود إلى التحديق في حاسوبه، كانت الأرقام تتحرك أمام عينيه، لكنه غير قادر على التركيز، كانت الساحرة الشقراء تغزو عقله بطريقة خطرة للغاية...
أمس كان الانسجام بينهما واضحا، مسلية وطريفة رغم ابتعادها عن الحديث عن الماضي، لكنه ولأول مرة كان مستمتعا بالحديث معها ودون أي تحفظ، في العادة، لم يكن العشاء بالنسبة لليام سوى مقدمة لوضع نسائه في السرير، لكن أمس، كل ماكان يرغب به هو البقاء إلى جانبها والاستمتاع بتأملها أن يأخدها بين ذراعيه ويجعلها تشعر بالأمان. نفض عنه الأفكار الغريبة التي بدأت تسيطر عليه...
ألكسندرا مايلز ليست سوى انتهازية حقيرة سخرت منه بكل وقاحة، بل حاولت سرقته والهرب بعيدا ذكر نفسه بقسوة كان قد منحها الكثير من الحرية والرفاهية، وبالمقابل لم يرى منها سوى الجحود لكن كل هذا كان على وشك أن يتغير فهي لم تعرف للآن من هو ليام ماكسويل في جنيف قرر أن يعيد ترتيب أوراقه، اغوائها والحصول على وريثه ومن ثم طردها بعيدا عنه وإلى الأبد...
تحت سماء جنيف الملبدة بالغيوم، حطت طائرة ليام الخاصة، كانت الرحلة طويلة خصوصا واأهما لم يتبادلا أي كلمة بعد مواجهتهما النارية... انزوت ألكسندرا في أحد أبعد أركان الطائرة كالعادة، تاركة ميرديث تسأل ليام عن الرحلة وكأنه دليل سياحي، ابتسم للطفلة الصغيرة وهو يحدثها عن المدينة التي تعتبر ثاني أكبر مدن سويسرا، أخبرها عن المنظمات الهامة والتي تعتبر المدينة مقرا رئيسيا لها.
كانت مير مبتهجة وسعيدة وكأي طفلة في سنها كانت تتلقى المعلومات باهتمام بالغ... - هل تتحدث الفرنسية ليام؟ سألت مير بفضول ابتسم ليام بحنان وهو يمسد شعرها الحريري قائلا: - أنا أتحدث خمس لغات، اضافة إلى ما يكفي من لغتين لجعل نفسي مفهوما في أي حديث... - هذا شيء رائع! كانت مريديث منبهرة بليام بشكل غير واقعي.
ألكسندرا ورغم أنها كانت بعيدة عنهما، لكنها كانت تشاهد بألم كيف أصبح ليام مثال ميرديث الأعلى، كانت الفتاة الصغيرة تتعلق به، مما كان يجعلها يائسة في ايجاد مخرج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه بغباء... حتى الآن لم تكن قادرة على استيعاب أنها وقعت على أوراق قانونية دون حتى النظر إليها، مع ذكاء ليام الحاد كان عليها أن تستشير محاميا، لكن بدلا عن ذلك وقعت على وثيقة تمنحه فيها طفلا!
شعرت بغصة تتكون في حلقها، ووضعت يدها على بطنها لا اراديا، كانت تفتقد الشعور بالأمومة واحساس من وخز الضمير ضربها بعنف... حين عادت إلى الواقع، كانت يد ليام تحرك ذراعها وهو يخبرها أنهم قد وصلوا جنيف...
الأيام التي تلت وصولهم إلى الفيلا والتي كانت دليلا آخر على نيتها في الهرب والتملص من عقدهما، ليام لم يكن يفوت أي فرصة لتذكيرها بالسبب الواضح لوجودهم في جنيف، وهي خطتها في سرقته مؤكدا على نيتها الدنيئة في جعله مغفلا وحرمانه وريثه وهو ما كان ليام مصرا على تعويضه رغم رفضها الشديد، ووجدت ألكسندرا نفسها تقاوم في معركة خاسرة منذ البداية، كانت تذوب للشعور بلمساته، بيديه عليها وهو ما كان ليام يقوم به كل ليلة دون حتى الاستماع لتوسلاتها الواهية بالابتعاد...
كانت تحاول خداع نفسها بالتهرب بإلقاء الكلمات اللاذعة في وجهه لكن ليام كان مصمما على امتلاكها باصرار، وأخيرا لم تعد ألكسندرا قادرة على الانكار، لقد وقعت في حب ليام وهذه هي الحقيقة حتى لو واضبت على قول العكس... الآن كانت فقط تصلي لكي تكون الموانع التي تأخدها فعالة، ففكرة التخلي عن طفل لليام كان ستدمرها دون رحمة...
بعد أسبوع على انتقالهم رن الهاتف أخيرا، كان المستشفى يتصل لاخبارهم بأن موعد العملية قد حدد في نهاية الأسبوع، تلوت معدة ألكسندرا بألم، لوهلة شعرت وكأن طاقتها قد استنفدت، هوت جالسة على الأريكة والهاتف في يدها... لم تكن أول مرة ستودع شقيقتها المستشفى، فهذا كان هذا تقريبا كل ما كانت تقوم به منذ وفاة والديها...
لكن هذه المرة كان بريق الأمل في عودة مير للمشي يجعلها مضطربة وعاجزة عن التصرف، هل سينصفها القدر أخيرا؟ هل سيكون لكل تضحياتها معنى؟ أيقظها من تفكيرها صوت مير الصاخب: - ألكسندرا لن تتصوري ماذا أهداني ليام اليوم! صاحت مير بسعادة ابتسمت ألكسندرا وهي تقترب منها قبل أن تنزل لتطبع قبلة على وجنتها الصغيرة وترفع رأسها نحوه.
التقت نظراتهما لبعض الوقت، كان وسيما بشكل مدمر وكان يعرف ذلك جيدا، ابتسم بسخرية وهو يبتعد ليجلس مقابلا لمير... - لقد اشترى ليام دراجة من أجلي. ووعدني أنه سيسمح لي باستخدامها حال شفائي تام! غاص قلب ألكسندرا بين ضلوعها وحبست الدموع التي كانت تحرق عينيها، مير كانت متفائلة وسعيدة بالجراحة، والآن كانت أصعب مهمة في اخبارها أن الموعد قد اقترب بالفعل...
أمسكت بيدي شقيقتها وحضنتهما بحب قائلة: - أظنك جائعة حبيبتي، سأذهب لأحضر لك شيئا لتأكليه... كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للهرب إلى حيث يمكنها أن تفرغ كل الألم الذي حبسته بداخلها، وتترك لدموعها الحرية في الانسياب...
أخدت ألكسندرا وقتا طويلا متحججة بمساعدة مير على الاستحمام، الفيلا التي استأجرتها كانت تتوفر على مدبرة منزل وخادمتين، لكن ألكسندرا كانت تحاول جاهدة خلق الكثير من الاهتمامات والاشراف على كل ما يتعلق بشقيقتها الصغيرة، كانت هذه الوسيلة الوحيدة للابتعاد عن ليام وسيطرته عليها...
حين عادت إلى غرفة المعيشة كان ليام قد اختفى، أحست بشعور غريب من الراحة فهي على الأقل تستطيع الاستلقاء دون أن تكون عينيه مركزة على رأسها وكأنه يحاول اختراقه...
رشفت من قهوتها المرة، وأعادتها إلى الطاولة قبل أن تمسك بمجلة للفنون تتأملها باهتمام، تنهدت بأسى وهي تقرأ موضوعا عن الهندسة المعمارية في الشرق الأوسط، لقد كانت منذ سنتين فقط على وشك التخرج. كانت أخيرا ستحقق حلمها، بتصميم الأبراج العالية والفنادق الضخمة، لكن الآن حين تفكر بذلك تشعر وكأنه مر على حلمها وقت طويل جدا...
لو كان والداها على قيد الحياة، أكان ليام ليبتزها كما يفعل الآن؟ أكانت لتشعر بكل هذا الخزي من محبتها لشخص بارد ومتحجر المشاعر؟ أكانت لتفقد طفلها؟ كانت غارقة في أفكارها المظلمة حتى أنها لم تشعر بالشخص الذي جلس إلى جوارها يتأمل انفعالاتها باهتمام. - هل أنت بخير؟ سأل ليام بنبرة جادة رفعت ألكسندرا رأسها بفزع، كان ليام يتأملها بنظرات مهتمة، انسابت الدموع غزيرة من عينيها وهي تحرك رأسها بالنفي...
ظهر تعبير غريب على وجه ليام وهي يرى ألكسندرا تبكي بألم اقترب منها وأخذها بين ذراعيه... انصاعت ألكسندرا دون مقاومة وهي تطوق كتفيه بذراعيها وكأنها فتاة صغيرة ضائعة تبحث عن الأمان... كان صدرها يعلو وينخفض وانفاسها الرقيقة تلهب رقبتة البرونزية القوية، لم يكن مستعدا لكل هذه المشاعر، ألكسندرا الفتاة المتحجرة الأنانية تبكي؟! - ما الذي يحزنك ليكسي؟ أخبريني. سأل ليام بصوت طغت عليه العاطفة.
لم تستطع ألكسندر الاجابة بل زاد بكائها حدة... أمسك ليام برأسها ورفعها لتقابل نظراته المتسائلة كانت الدموع تغطي وجهها الجميل. - لا تبكي كريزما! لا شيء يستحق دموعك! توقفت ألكنسدرا فجأة. وللمرة الأولى منذ دقائق تنتبه إلى قربها الكبير من ليام، كانت عيناه تلمعان ببريق غامض. وكأنها استشعرت الخطر من قربه الكبير، حاولت أن تبتعد عن محيط ذراعيه لكنه منعها وهو يضع رأسها على صدره ويزيد من تطويق خصرها إليه.
- أخبريني ليكسي. لما كل هذه الدموع؟ كيف لها أن تخبره أنه سبب حزنها؟ كيف تخبره أنها أحبته رغم كونه مستبدا قاسيا لم يقم سوى باحتقارها منذ اللحظة التي وقعت عيناه عليها؟ خانتها الكلمات كالعادة فظلت صامتة والدموع تنساب على وجهها مكونة خطوطا سوداء، أعاد ليام رأسها على صدره بعد أن فشل في الحصول على رد... تغلغلت يداه في شعرها الأشقر وهو يعيد خصلاته النافرة إلى الوراء، قبل أن يقول بنبرة مبهمة:.
- كل شيء سيكون على مايرام ليكس صدقيني... ظلت كلماته ترن في أذنيها لساعات طويلة حتى بعد رحيله، ما الذي كان يقصده؟ أكان يتكلم عن جراحة مير؟ أم أنه كان يعد باطلاق سراحها قريبا؟، الغريب أن فكرة الابتعاد عنه لم تجلب لها أي سعادة... تقلبت في سريرها محاولة النوم دون جدوى، وأخيرا ومع الخيوط الأولى من الفجر أغمضت عينيها، ولم يكن ليام إلى جانبها...
في غرفة المعيشة كان ليام جالسا وحاسوبه النقال أمامه، كان يحاول تعديل الشيفرة والتي قد قاربت على الانتهاء، يشعر بالفخر أنه تمكن أخيرا من الوصول إلى صيغة معقدة صعبة الاختراق، لكن لما لا يشعر بأي سعادة؟ عادت ألكسندرا لتسيطر على أفكاره، أكانت مير سبب بكائها؟ أم خسارتها للطفل؟ أم أنه كان السبب بكل بساطة؟
زفر ليام بقوة قبل أن يفتح زر قميصه العلوي ليتخلص من ربطة عنقه، كان مقتنعا أنه كان السبب في فقدان ألكسندرا للطفل وهذا ما لم يتمكن حتى الآن من التعايش معه، شعور بالذنب يتآكله من الداخل رغم انكاره، كانت ألكسندرا لغزا قرر أخيرا أن يفك خيوطه، والطريقة الوحيدة لذلك كان معرفة ماضيها والذي لم يهتم قبل هذه اللحظة به سوى من أحاديث ميرديث العفوية والتي غالبا ماكانت تنقطع فور وصول شقيقتها...
زفر بعمق وهو يتأمل بزوغ الشمس الباهتة لجنيف، ليقرر أخيرا أنه يحتاج إلى الحصول على القليل من الراحة... فتح ليام الباب بهدوء، كانت الغرفة غارقة في الظلام لكنه استطاع لمحها متكورة على نفسها تطلب الدفء. مشاعر قوية تضربه بمجرد النظر إلى ألكسندرا شعور لم يعرفه من قبل حتى مع أنستازيا زوجته السابقة...
في حياته كان هناك الكثير من النساء اللواتي أردنه، أن يكون مرغوبا لم يكن بالشيء جديد بالنسبة إليه، لكن أن يرغب هو بها بالطريقة التي يشعر بها الآن هو ما كان جديدا وغريبا... اقترب من السرير بخفة حريصا على عدم ايقاظها، ووقف يتأملها للحظات قبل أن يقع نظره على العلبة الموضوعة على الطاولة إلى جانبها...
انحنى ليأخد العلبة بين يديه، حدق فيها بتمعن قبل أن تتحول نظراته المشتعلة بالرغبة إلى نظرات قاتلة، مدفوعا بغضب عارم، أزاح الغطاء عنها وهو يحرك كتفيها بعنف ويشتم بكلمات قوية. فتحت ألكسندرا عينيها برعب، لوهلة ظنت اأها تحلم وهي تنظر إلى عيني ليام المهددتين، قبل أن تشعر بصفعة قوية جعلت خدها يتوهج... - ما الذي تفعله هل جننت؟
صرخت ألكسندرا برعب غير مصدقة أنه نفس الانسان الذي كان يحتضنها محاولا التخفيف عنها منذ وقت قصير. أمسك ليام بالعلبة ليلوح بها أمام وجهها قبل أن يرميها على الأرض بعنف: - أنت. أنت مخادعة حقيرة سافلة ليكمل بكلمات ايطالية لم تفهم معناها ليردف بالانجليزية يا إلهي! أليس لديك أي شرف؟ ألجمت الكلمات التي تفوه بها ألكسندرا للحظة عقلها كانت تنظر إلى العلبة بذهول لتسأله باضطراب: - من أين حصلت على هذه؟
- أهذا كل مايهمك؟ سأل ليام بقسوة كيف عرفت بسرك القذر؟ كان وجهه مظلما من العصبية ونظراته المخيفة مسلطة على رأسها. - لكم أرغب بخنقك بيدي أيتها الحقيرة! قال ليام وهو يشد على قبضتيه محاولا كبت رغبته القوية في ازهاق أنفاسها انكمشت ألكسندرا رغما عنها وابتعدت لا اراديا إلى آخر طرف في السرير، كيف لها أن تشرح له الأسباب التي دفعتها لاستخدام أقراص لمنع الحمل؟
كان لديه صورة قذرة عنها بالفعل وكانت لا تملك أي وسيلة لتبديدها الآن... في ظل التعب والألم النفسي الذي شعرت بهما، كانت قد نسيت ببلاهة أخد القرص وإخفائه كالعادة، والآن ليام يعلم، كانت متأكدة أنه سيقتص منها على فعلتها، لكنها حتى في أقصى كوابيسها لم تكن لتتخيل أنه قادر على الاقدام على ما فعله. تحول الغضب فجأة في وجهه إلى برود ثلجي وقست عيناه بشكل مخيف، كان يخلع قميصه وهو ينظر إليها بنظرات مشمئزة.
وقبل أن تستطيع فهم حركته كان ينزعها من السرير ليطوقها بذراعيه ويشل كل دفاعاتها، رفعها وكأنها دون وزن كانت تضرب صدره وتركله بساقيها، ثبتها لتنظر إلى عينيه قبل أن يقول ببرود: - إذا كنت ترغبين في التصرف كحيوان بري فسأكون سعيدا بترويضك! كانت تلك كلمات المزدرية هي آخر ما تفوه به، قبل أن يطبق بفمه على فمها في عناق خال من المشاعر...
القسوة التي عاملها بها ليام، جعلت ألكسندرا تزحف بعيدا عنه لتطوق نفسها وهي تنتحب بصوت مسموع، لم يكن هنالك مشاعر في ما فعله كان فقط تعبيرا عن الغضب والامتلاك، لا مشاعر حب ولا حتى شعورا بالرغبة فقط طريقة لاخضاعها، كانت ترتجف من الداخل والخارج في احساس قوي من المهانة والضعف...
عاد ليام إلى صوابه أخيرا، نظر إليها بنظرات خالية من أي احساس، إلى أي وحش جعلته ألكسندرا يتحول، لقد أخذها بأكثر طريقة مهينة يمكن للمرأة الشعور بها... نظرة واحدة إلى ألكسندرا كافية ليشعر باحتقار شديد لنفسه، شتم بصوت مسموع قبل أن يأخد ملابسه من على الأرض ويخرج من الغرفة هربا من جريمته، تاركا حطاما امرأة على الأرض تبكي بلوعة وألم... بعد اسبوع في غرفة مير بالمستشفى،.
ضغطت ألكسندرا على راحة يدها حتى شعرت بالألم، عليها أن تسيطر على أعصابها وتظهر بمظهر قوي، فمير تحتاج إليها، كان كل اهتمامها منصبا على شقيقتها لدرجة أنها لم تشعر بوجود ليام والذي اقترب منها ليضع يديه على خصرها ليقربها من صدره قبل أن يهمس في أذنها بصوت خافت وحازم: - توقفي عن التململ ألكسندرا! مير قادرة على الاحساس بخوفك وهذا ليس جيدا.
لم تحاول ألكسندرا حتى الرد عليه كانت تشعر برغبة قوية في أن تنشب أظافرها في وجهه ممزقة إياه، لكنه لم يكن الوقت المناسب، كانت مير أشد اأمية بالنسبة لها حتى من مشاعر الكره التي تكنها له... تنحنحت وهي تبتعد عن محيط يديه بمرونة وتقترب من شقيقتها لتطوقها بحنان قائلة: - تعلمين أنها ليست أول عملية مير، لكن أؤكد لك أنها ستكون الأخيرة...
حركت الطفلة رأسها وهي تنظر إلى ليام بعينين ملأتهما الدموع قبل أن ترفع يديها إليه، شعرت ألكسندرا بقلبها يعصر بقوة من حركة مير البريئة... اقترب ليام منها ليأخذها بين ذراعيه مربتا على شعرها بخفة: - أميرتي. ألا تثقين بي؟ - بالطبع قالت مير بهمس - إذا فأنت تثقين أنه بعد العملية ستعودين للمشي لقد وعدتك، ستكونين قادرة على ركوب الدراجة قريبا، ألا تريدين ذلك؟
أومات برأسها علامة على الايجاب وهي تتشبت بسترته بقوة. كان ينظر إلى ألكسندرا والتي جمدتها الصدمة واختفى اللون من وجهها، كان يسلبها كل شيء حتى حب أختها الوحيدة، أشاحت ببصرها عنه وركزت على الباب الذي فتح للتو ووقفت الممرضة التي ستجهز مير للجراحة...
نهض ليام من جانب مير الشاحبة وانحنى ليقبل وجنتها بحب قائلا: - سأكون قريبا منك، وحالما تستيقظين، سنكون بانتظارك اأنا وشقيقتك أضاف وهو يقترب ليسحب ألكسندرا إلى الخارج حالما وصلا إلى الرواق نفضت ألكسندرا يده باحتقار وهي تقول: - لا تحاول لمسي مرة أخرى أيها الحقير! أتفهم؟! زفر ليام بعنف، كان كل ما تقوم به مبررا، فهو حتى الآن غير قادر على النظر إليها دون الشعور بالاشمئزاز من نفسه لما فعله...
بعد أن انهت الممرضة تجهيز مير للجراحة، كان لألكسندرا القليل من الوقت لتقضيه إلى جانب مير. تحدثا عن فرحتها بكونها ستعود للمشي أخيرا، ورغبتها في ركوب الدراجة والمشاركة في نزهة على الشاطئ، كانت ألكسندرا تبتسم لها وهي تضغط على يدها الرقيقة بحنان، وأخيرا اقترب الوقت...
عانقتها ألكسندرا بحب كبير، قبل أن تبتعد وتترك لليام فرصة ليعانق مير ويعدها بنزهة طويلة على الشاطئ ما أن تعود إلى المشي مجددا، واخيرا أنى الجراح، تبادل كلمات مقتضبة مع ليام قبل أن يأمر بأخذ مير إلى غرفة العمليات.
خلال الاثني عشر ساعة التي قضتها ألكسندرا تجوب الرواق، كان ليام جالسا على أحد الكراسي يتأملها بعقل شارد، حاول أن يصحبها اِى الفيلا القريبة لترتاح، لكنها كانت مصرة على البقاء، وجهت له نظرة قاسية قبل أن تبتعد مرة أخرى وحذائها ذو الكعب العالي يقرع الأرضية الرخامية برتابة. أخيرا أحست ألكسندرا بالاجهاد، توجهت نحو كرسي بعيد عن ليام وجلست تضع يديها في حجرها وكأنها تصلي...
بعد مرور وقت بدا لها وكأنه الدهر، فتح الباب وظهر الطبيب أخيرا، قفزت ألكسندرا من مكانها بسرعة لدرجة أنها شعرت بالدوار. طوقتها يدان قويتان من خلفها قبل أن يسحبها إلى حيث وقف الطبيب... - كيف حالها؟ سألت ألكسندرا، وهي تنظر إلى الطبيب الذي خلع الكمامة عن وجهه باضطراب، نظراته كانت مبهمة يصعب تفسيرها، تقلبت معدة ألكسندرا وهي تنظر إلى الطبيب بعينين ملؤهما الشك، تنحنح الجراح قبل أن يقول:.
- نحن آسفون سيدة ماكسويل، لكن العملية. لم تسر كما خططنا لها... شحبت ألكسندرا وارتعشت يداها بقوة قبل أن تقول بخيبة أمل بدت جليَّة على محياها: - هل تعني أن مير لن تستطيع المشي مجدد؟ تنهد قبل أن يشرح بأسف: - العملية كانت تسير بشكل جيد، لكننا واجهنا بعض التعقيدات، صمت قليلا قبل أن يضيف كان هنالك ورم على نخاعها الشوكي. حاولنا أن نستأصله لكن... - لكن ماذا؟ صرخ ليام بنفاذ صبر.
- لكنه انفجر مما أدى إلى وفاة المريضة! - لا مستحيل! صرخت ألكسندرا قبل أن تسقط على ركبتيها تصرخ كحيوان جريح أنتما تكذبان! ليام أنت تعاقبني أليس كذلك؟
رفعت رأسها لتنظر إليه غير مصدقة، كان ينظر إليها وقد فقد القدرة على الرد. هل فعلا صغيرته مير قد توفيت؟ ألن يراها بعد الآن؟ لكن الألم الذي كان يشعر به لا يمكن أن يقارن بألمها وهي جاثية عند ركبتيه تتوسله، حملها لتقف، لتمسك ياقة قميصة متوسلة مجددا أن يخبرها أنه يكذب وأن مير حية وأنه فقط يريد ايلامها على مافعلته به. مشاعرها فاقت الألم الانساني. غرس رأسها الخاضع في صدره بقوة وكأنه بذلك يرغب بامتصاص كل ألمها...
فجأة رفعت رأسها وهي تنظر إلى الطبيب بذهول: - هل فعلا مير ميتة. لم تستطع انهاء الجملة لتسقط على الأرض وتفقد الاحساس بما حولها...
بعد مرور أيام قضتها ألكسندرا في المستشفى، كان ليام قد اهتم بكل ما يلزم لكي يعيد جثمان مير إلى الوطن حيث كان في المفترض أن تدفن في مدافن عائلة ليام الخاصة، كان يشعر بأنه استنزف داخليا وأنه على وشك الانهيار قريبا، يتذكر وعده لها بأنها ستعود للمشي مجددا، اللعنة عليه! كان للمرة الثانية متسرعا وللمرة الثانية اقترف خطئا لا يغتفر...
الجراح الذي قام بالعملية حاول اقناعه مرارا أنه بوجود ورم مماثل فحظ مير في الحياة كان ضئيل... - سيد ماكسويل، أعلم مدى الألم الذي تشعر به لفقدان الصغيرة، لكن الورم قد اكتشف بمحض الصدفة، ومع ورم على النخاع الشوكي لم تكن الطفلة لتعيش لوقت طويل... - لكن ماذا عن علاج بالأشعة؟ كان يمكن للورم أن يتضائل. كان يمكن لها أن تعيش لسنوات. تبا! لقد كانت مجرد طفلة صغيرة! شتم ليام بصوت مسموع.
حرك الطبيب رأسه بالنفي ليرد: - العلاج بالأشعة كان سيعرضها للكثير من الألم. والحظوظ ستكون قليلة جدا رغم ذلك... - اللعنة! كيف أغفلنا؟! صرخ ليام وهو يعصر قبضته بعنف - ليس من السهل اكتشاف مثل هذه الاورام. خصوصا وأن مير كانت مشلولة، وبالتالي لم تكن لتشعر بالضغط الكبير أو الألم في قدميها وهذا ما جعل اكتشافه أكثر صعوبة...
خرج ليام من مكتب الطبيب والحزن يلفه، يتذكر الأيام التي قضاها مع مير، يتنزهان، يلعبان معا. أكان هذا بمثابة وداع؟ أكانت ميريديث تودعه حتى قبل أن تكون لديها فرصة للتعرف عليه؟ لطالما شعر بواجب خفي اتجاهها، لقد أحبها منذ أول يوم، كانت جميلة، محببة وكان له خطط كبيرة من أجلها، تخيلها تمشي بحرية، تركض أو حتى تسبح في مياه المحيط، تخيل نفسه أبا لمير، ضغط على فكه بعصبية لدرجة جعلت الدماء تسيل من فمه.
لقد فقد ميرديث إلى الأبد! وهو الآن سيفقد ألكسندرا التي اصبحت بعيدة عن هذا العالم. تعيش في حزنها الذي لا يظن أنَّه سينتهي قريبا... أنهى المعاملات المكتبية سريعا، وأرسل النعش إلى ايطاليا، حيث تكلف جده ومارغريت بالتحضير للجنازة، كانت صدمتهما تضاهي صدمة ليام لخسارة مير والتي اعتبراها جزء من العائلة، لذلك قرر فرانكو أن يسمح لليام بدفنها في مدافنهم الخاصة إلى جانب أسلافه... في غرفة ألكسندرا بالقصر،.
دخل ليام إلى الجناح، كان يشعر بالانهاك الشديد فهو لم ينم منذ أيام، دلف مباشرة إلى الحمام وفتح المياه لتغمر الحوض الرخامي الضخم قبل أن يعود إلى حيث كانت ألكسندرا مسجاة على السرير تنظر إلى السقف بضياع، كانت قد فقدت القدرة على النطق أو التفاعل... الطبيب النفسي الذي شخص حالتها بجنيف، كان قد أعلن أنها تعاني من انهيار عصبي حاد وأنها ستحتاج إلى علاج نفسي مكثف والكثير من الصبر في التعامل معها...
حملها بين ذراعيه قبل أن يفتح باب الحمام، أوقفها على قدميها لثوان ليخلع ثوب نومها دون أية مقاومة ويضعها في الحوض المليء بالمياه الدافئة، جلست الكسندرا صامتة وهي تنظر إلى المياه تنساب أمامها، بينما خلع ليام قميصه وجلس على ركبتيه وهو يمرر يديه على كتفيها وظهرها... - ستكونين بخير ألكسندرا. قال ليام بصوت دافئ أنا أعدك بذلك...
حين انتهى ليام أخيرا من مساعدتها على الاستحمام، نهض ليلف الفوطة على جسدها قبل أن يفاجئ بألكسندرا تتكلم للمرة الأولى منذ رحيل مير: - لا أستطيع! قالت ألكسندرا بصوت شبه مسموع اقترب منها بلهفة قائلا: - ما الذي لا تستطيعينه ألكسندرا؟ أخبريني!
- لم أعد أستطيع المتابعة من دون مير. شهقت بحرقة قبل أن تضيف كانت كل ما لدي، كانت أخر شيء يهم، من أجلها كنت مستعدة للقيام بالمستحيل، حتى أنني كنت مستعدة لبيع نفسي لك. لكنها رحلت وتركتني وحيدة... كانت كلماتها كالملح على جرح مفتوح، تصلبت عضلات ليام وظهرت الصدمة على وجهه. كانت ألكسندرا تحب شقيقتها، كانت مستعدة للتضحية بكل شيء، حتى بحياتها من أجل مير، وهو استغل هذا الحب إلى آخر رمق...
عصر على الفوطة التي كان يحملها إلى أن أصبحت مفاصل يده بيضاء، لكنه لم يكن الوقت المناسب لتبادل الشروح ولا الاتهامات، كان هنالك مأثم عليهما حضوره وحزن سيتقاسمانه، وبعدها سيكون لهما الوقت الكافي لكي يعترفا لبعضهما وربما قد تسمح له أن يكفر عن ما اقترفه في حقها بغباء...
حملها لتقف، قبل أن يضع الفوطة عليها ويحملها إلى السرير، حيث وضعها بحنان قبل أن يغادر، فهو لم يعد قادرا على النظر إلى ملامحها المعذبة دون أن يشعر بالخزي والألم من كل ما فعله.
خلال مراسيم الدفن، كانت ألكسندرا تسير إلى الكنيسة شاردة، قدماها بالكاد تحملانها واحساسها بالواقع بعيد جدا، بينما التفت يدا ليام حولها ليساعدها على الوقوف، عيناها متحجرتان، فهي ذرفت دموع قلبها وعينيها ولم يعد هنالك شيء لتذرفه...
كيف يمكن لهذا أن يكون حقيقي؟ حبيبتها ميرديث، السبب الوحيد اللذي جعلها تكافح من أجله. قد رحلت وإلى الأبد، شعور مرير بالوحدة يلفها، كانت الكنيسة ممتلئة بأشخاص غرباء، لا تعرفهم لكنهم أتوا اليوم ليشاركوها حزنها على شقيقتها... ظلت تحدق بشرود إلى النعش حيث جسد ميرديث البارد والساكن. قاومت لكي لا تنهار ولكن حين وضع النعش أخيرا وانهال عليه التراب انهارت ألكسندرا على ركبتيها وهي تبكي بحرقة...
ليام الذي كان إلى جانبها طوقها بذراعيه وتركها تبكي إلى أن خف نحيبها قبل أن يحملها إلى السيارة ومنها إلى الفيلا حيث كان من المفروض أن تستقبل عائلة ليام التعازي... جلست ألكسندرا على أحد الأرائك بخضوع، كانت تتأمل الجميع بعينين شاردتين، لم تشعر يوما بأنها وحيدة كما شعرت في تلك اللحظة، كانت تجول بعينيها في الوجوه الغريبة، الكل يتحدث الايطالية، يتحدثون عن ميرديث. عن شقيقتها...
كان يسرقون منها حزنها وألمها على موت مير، أرادت أن تصرخ. أن تبكي. أن تقول لهم ارحلوا. أعيدوا إلى شقيقتي أجفلت وهي تنظر إلى الذي اقترب منها وحملها إلى الطابق العلوي ليتغفو بين ذراعيه ودموعها تنساب على وجنتيها بصمت... عاد ليام إلى الأسفل بعد أن اطمئن إلى نومها، كانت عمته مارغريت تكلم أحد الضيوف بينما ظهر الحزن جليا على وجهها...
كانت مير بالنسبة إليها الطفلة التي لم تحصل عليها، طوال الوقت التي قضته ميرديث في ايطاليا كانت مرغريت تقريبا المسؤولة عنها وكانت سعيدة جدا بها، فمير كانت طفلة رقيقة ومحبوبة، مما جعل وقع الخسارة صعبا على كل من في القصر... تنهدت حين وقعت عيناها على ابن شقيقها والذي لم يكن أقل حزنا، نظرة واحدة إلى الهالات السوداء حول عينيه والخطوط رقيقة قرب فكه لتعرف أنه يكابد ألما عميقا...
اقترب منها وحضنها بحب بينما أرخت رأسها على صدره منتحبة... - لا أصدق أن مير قد رحلت عنا! شهقت مارغريت بحرقة - يكفي عمتي، مير لم تكن تحب الحزن وبالتأكيد ما كانت لتحب رؤيتك باكية هكذا... مسحت مارغريت عينيها وهي تسال: - كيف حال ألكسندرا؟ - منهارة. قال ليام بأسى لا تصدق للآن أن مير قد رحلت. حرك ليام مارغريت بخفة، كان عليه أن يتلقى التعازي، رغم أن كل ما كان يرغب به هو البقاء إلى جانب زوجته ومواساتها...
انتهى العزاء أخيرا، تبادل ليام بعض الكلمات المقتضبة مع رئيس ابرشيتهم قبل أن يعود إلى جانب ألكسندرا والتي كانت نائمة بينما تحجرت الدموع على جفنيها، لم يعرف كم من الوقت قضى يتأملها قبل أن يعود إلى حاسوبه ينهي مشروعه الذي قرر أن يكون الأخير...
فألكسندرا في ظل الظرف الذي تواجهه كانت ستحتاج إلى دعمه التام، سيسافران إلى مكان هادئ، سيحاول التعرف إليها محاولة بناء حياة جديدة وربما قد يعيد إليها البسمة التي اختفت عن شفتيها مع وفاة مير...