رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع عشر
طوال اسبوعين، استمر ليام بفرض سيطرته على ألكسندرا والتي كانت في غالب الأحيان تنتهي باستسلامها المهين له وهي تستمع لكلماتها غريبة بين شفتيها متوسلة اياه لامتلاكها... في كل ليلة، كانت تقنع نفسها أنها ستكون الأخيرة وأنها لن تسمح له بلمسها مرة أخرى، لكن من تخدع!
كانت تذوب مع أول لمسة من يديه، من بين كل رجال العالم كانت تعشق الرجل الذي يتلدد في تعذيبها وبأسوء الطرق، كان يستغل ضعفها الجسدي نحوه لينتقم منها، وهي كانت تسمح له بذلك دون أية مقاومة... ضمت ألكسندرا يديها على شكل قبضتين وهي تنظر إلى انعكاسها في المرآة...
لقد أصبحت مختلفة، غريبة حتى على نفسها، منذ متى تحولت إلى زوجة منصاعة دون ارادة؟، تنتهي لياليها بالتوسل وهي مقيدة إلى السرير، إلى متى سيستمر في تعذيبها بتلك الطريقة المهينة؟ وقفت ألكسندرا مقررة أنها اكتفت. لا مزيد من الحب الجارح! ولا مزيد من الانصياع لتلك الرغبات المظلمة!
لكن قبل أن تفعل كان ليام يفتح الباب وتصطدم عيناها بعينه المحدقتين بحدة كالصقر، لوهلة ظل يتفرس ملامحها التي ارتعبت من نظراته قبل أن يعود لبروده المعتاد ويقول بغطرسة آمرة: - غيري ملابسك! لدينا حفل عشاء الليلة! اتسعت عينا ألكسندرا بصدمة من يظن نفسه ليعاملها بتلك الطريقة؟! تحركت من مقعدها بعصبية وهي تقترب منه، لتقول بصوت مختنق: - حفل عشاء الليلة؟ - لستِ صماء على الأقل! رد بتهكم.
كان يسخر منها، أخيرا وصلت لدرجة من الغضب لتنفجر في وجهه: - لا! قالت ألكسندرا بشبه صرخة وهي تحدق بتحد إلى ملامحه الساخرة والمتغطرسة والتي قست فجأة.
- حقا؟! قال وعيناه الباردتان تمسحان وجهها المتمرد قبل أن يقترب منها بهدوء ليقلص المسافة الصغيرة بينهما ويشدها إليه بسهولة وكأن لا وزن لها ويهمس باحتقار شديد أنت مجرد دمية صغيرة بلهاء! ليس لديك الحق في أن تبدي أي رأي! أنت ومنذ اللحظة ستنفدين ما يطلب منك بفم مطبق مفهوم! كان يعصر ذراعها بقسوة إلى أن أنَّت من الألم. - أنت أكثر شخص حقير عرفته! صرخت ألكسندرا بقهر.
- لقد تعلمت من الأفضل صغيرتي! أنت محترفة جدا في هذا الفن! والآن مارأيك لو تتجهزين بسرعة؟ لدينا القليل من الوقت قبل أن تصل الطائرة المروحية! كانت الدموع الحبيسة في عينيها تهدد بالنزول، قاومت بضراوة لكي لا تستسلم لضعفها وتبكي أمامه، دفعت يده الممسكة بذراعها واتجهت نحو غرفة تبديل الملابس لتصفق بابها بقوة أمام ملامحه الجليدية...
في غرفة الملابس ظلت تنظر إلى الفستان، الذي أحضرته ماريا في وقت سابق دون حتى أن تخبرها عنه، بانزعاج ممزوج بمشاعر متناقضة فالفستان كان رائعا... ماريا تشعرها بالجنون مؤخرا! ترغب فعلا في خنقها! لكن منظر الفستان المتلألأ بألوانه المبهجة وقصته الراقية جعلتها تنسى حماقات ماريا وحقارة ليام لترغب في تجربته...
وقفت تتأمل نفسها في الفستان الذي رسم منحنياتها بدقة وانساب على جسدها كجلد ثاني، شعرت بأنها أميرة وهي تتمايل في غرفة التبديل بينما ألوانه المتداخلة بين الأحمر الصارخ والأرجواني أضفى سحرا لا يقاوم على ملامحها الرقيقة وشعرها الملتهب والذي ناقضته بعض الخصلات ذهبية للون شعرها الأصلي... كانت فاتنة حتى دون زينة، خرجت إلى الغرفة لتجد ليام واقفا ينتظرها وقد بدا مهتما بمكالمة بالايطالية...
للحظة شعرت أنه تسمر في مكانه وعيناه تتجولان عليها بنظرات متفحصة قبل أن يعود البرود ليغلف ملامحه والتي كانت صعبة الفهم أو الاختراق، أقفل الهاتف واتجه نحوها: - هل أنت جاهزة؟ سأل بصوت قاس حركت رأسها بمعنى نعم متفادية أي جدال قد يتحول إلى كارثه قبل أن يضيف: - ماريا ستتولى الاعتناء بماسيموس، ونحن علينا الرحيل الآن!
اقتربت ألكسندرا من المرآة دون حتى أن تجيبه لتضع أحمر شفاهها وتنهي تألقها ببخة من عطرها المعتاد والذي ألهب حواسه، اقترب منها إلى أن ارتجفت وهي تنظر إلى انعكاسه في المرآة الكبيرة لمنضدة التزين، ليفتح علبة أخرجها من جيب سترته الأنيقة ليخرج عقدا رقيقا من الماس مطعم بحبات من الزمرد زين به نحرها العاري...
رفعت يديها تتلمس العقد المحكم حول رقبتها، كان شبيها بقيوده التي زينت معصميها طوال هذه الفترة، لا شعوريا نظرت إلى معصميها حيث رسم القيد أثره، لقد نسيت أن تضع القفاز الرقيق المصاحب للفستان. كان يعرف عن أثر قيوده لهذا جلب القفاز اللعين، لكن هذا لم يثنه عن استعمال القيود كل ليلة ليثبت سيطرته، تلك الفكرة المخزية جعلت جسدها يتصلب باحتقار للنفس... ابتعد عنها ببطء ليقول: - علينا التحرك الآن... - دقيقة!
قالت ألكسندرا بصوت متوتر، لتعود إلى غرفة التبديل ترتدي قفازيها، آخر ما كانت تريده هي احراج نفسها أمام مجتمعه وآثار القيود بادية على معصميها... لكن منذ متى أصبحت تهتم؟!
طوال الطريق الذي لم يبدو أنه سينتهي كانت تنظر إلى النافذة محاولة تفادي أي مشادة كلامية معه، إنها تحارب طواحين الهواء في تحدي ليام وهي تعبت فعلا من ذلك، ليام كان يحمل لها الكثير من الكره والاحتقار. ولحزنها الشديد لم تعد منيعة ضد سحره، كان جسدها الخائن يذوب مع كل لمسة من يده، قلبها يريد أن يصدق أنها جرحته وأنه محق فيما يفعله بها، تحمد الله أنها مازالت تحتفظ بعقلها لكي يقف أمام خنوعها المثير للشفقة...
تنهدت بصوت مسموع، جعل ليام يرفع رأسه عن هاتفه الذكي والذي كان مشغولا به طوال الطريق، ليتأملها بنظرات جعلتها تجفل... - لقد وصلنا! قال ليام بجفاف ظلت تنظر إلى السياج الكبير الذي عبرته السيارة الرباعية الدفع لتصل إلى ممر طويل معبد بالحصى إلى أن وصلوا أخيرا إلى بوابة ضخمة حيث يقف مجموعة من الحراس... - إنها مزرعة! همست ألكنسدرا بخفوت ودهشة.
لابد أنه سمعها لأنه أجابها بنبرة جافة: - إنها مزرعة السيناتور ماجواير! عصرت ألكسندرا رأسها محاولة تذكر الاسم الذي لم يبدو غريبا على مسامعها دون جدوى. أومات برأسها، أخيرا توقف السيارة وترجل الحارس ليفتح لهما الباب...
كانت المزرعة مضاءة بأنوار ساطعة بينما ظهرت الخيمة الرئيسية بلونها الأبيض والأسود كقصر قديم. التفت يد ليام حول خصرها ليصحبها نحو الخيمة حيث وقفت شابة رائعة بثوب أسود خلاب إلى جانب رجل عجوز يرحبان بالضيوف... شعرت ألكسندرا بأن الأرض أصبحت متحركة تحت قدميها، ودوار شديد عصف برأسها، يا إلهي! ماجاواير! عصفت المعرفة بألكسندرا وهي تتقدم نحو الفتاة التي أدارت وجهها نحوهما وتسمرت هي الأخرى من الصدمة...
إنها هي أشلي ماجواير أخيرا تذكرت ألكسندرا، هذا هو الاسم الذي ربحت به المناقصة في لندن، يالغبائها! ضغطت على شفتها السفلى بقوة حتى أحست بطعم الدم عليها، بينما ليام الوقح مستمر في سحبها نحوهما... أخيرا توقف أمام الرجل العجوز والذي استقبلهما بابتسامة فاترة، بينما أشلي تنظر نحوهما بصدمة: - سيد ماكسويل مرحبا بك! قال السيناتور وهو يتأمل الكسندرا والتي ظلت واجمة متصلبة كالتمثال.
أعاد ليام مصافحة السيناتور مستمرا في التحديق بأشلي والتي شلتها المفاجئة تماما كألكسندرا - أفترض أنكِ لم تكوني على علم بزيارتي! قال ليام بصوت هادئ وساحر جعل ألكسندرا ترتعش وتفتح عينيها غير مصدقة وهي تنظر إلى ليام ينحني ليقبل يد أشلي الممدودة نحوه كأي رجل متحضر... رغما عنها شعرت بطعنة قوية في صدرها، كان ليام قادرا على معاملة النساء برقي، لكنه احتفظ بكل الهمجية والبربرية خصيصا من أجلها!
رؤيتها للطريقة التي كان يعامل بها أشلي جعلتها تشعر بالغثيان، تكورت دموع الاهانة في عينيها، لكن كبريائها منعها من النزول محاولة تصنع البرود وعدم الاهتمام. أخيرا ترك ليام يد أشلي ليسحب ألكسندرا نحو القاعة، تاركا أشلي كتمثال متجمد من الصدمة، هل حقا ليام اصطحب زوجته إلى حفلها؟ حيث كل المجتمع المخملي على علم بخبر خطوبتهما!
إلتفتت نحو والدها وعيناها تحملان الكثير من الادانة، لكنه قابلها بحزم لينظر إلى الضيف الذي وصل أخيرا: - أقدم لك السيد أليساندرو دي فايو، صاحب شركة دي فايو للبناء، لابد أنك تتذكرينه! ابتسمت أشلي بمجاملة للرجل الأسمر الجذاب، قبل أن تعود عيناها لا اراديا الى الداخل تبحث عنه بين المدعويين...
ظل ليام يسحب ألكسندرا وهو يتمشى في القاعة بين الضيوف والذين بدوا في حالة من الصدمة، تحولت الهمهمات إلى نظرات غريبة وهم يتأملون ليام الذي كانت ابتسامته العريضة الراضية لا تفارق وجهه... اصطحبهما النادل إلى طاولتهما، وطغت الأحاديث الجانبية على الجو، كانت ألكسندرا تدعو الله أن تنتهي الليلة سريعا فهي ليست مستعدة بعد لكل هذا التوتر، لكنها كانت البداية فقط!
نظرة إلى وجه ليام الذي أظلم فجأة بينما ظهرت خطوط على زاوية فكه الصلب والذي كان يعصره بقوة، وعلمت أنها ستكون ليلة طويلة جدا وأن كل ما عاشته للتو لم يكن سوى البداية... رفعت عينيها عنه للحظة لتنظر إلى الرجل الوسيم الذي كان يتقدم نحو طاولتهما، ليرتعش جسدها من أثر الصدمة. يا إلهي العزيز! مستحيل!
وصل أليساندرو إلى الطاولة ليحدج ليام بنظرات قوية متحدية، كان ليام يعصر فكه بعنف بينما استحالت شفتاه إلى خط رفيع، عيناه تشعان ببريق غامض، لكنه ظل جالسا يحدق إلى غريمه بينما ضاقت عيناه بشكل يوحي بالخطر... لم يقم بأي رد فعل عدائي حتى وأليساندرو يجلس بمقابل ألكسندرا وعيناه تتأملانها بشوق... ظل الصمت مسيطرا لثوان قبل أن تعود المجموعة لحواراتها المختلفة، ويستمر التحديق مطولا بين الغريمين...
طوال فترة العشاء التي تلت وصول أليساندرو كانت ألكسندرا تلعب في محتوى صحنها دون رغبة، لقد فقدت شهيتها للطعام، جسدها متشنج ويداها تتعرقان بصورة غير طبيعية، كانت ترغب بشدة أن تهرب إلى أقصى الأرض بعيدا عن كل هذا العذاب لطالما كان حظها سيئا. واليوم كان الأسوء على الاطلاق، في أكثر كوابيسها ظلمة لم تكن لتتخيل أن أنها ستحاصر يوما على نفس الطاولة مع زوجها وخطيبته جنبا إلى جنب مع عراب ابنها! الرجل الذي أرادها زوجة له بكل قواه...
ضغطت على شفتيها للمرة الثانية، كانت شاعرة بعيني الصقر اللتان ترسلان تحذيرهما الخفي، في استعراض واضح للسيطرة، كان يحذرها من الاقتراب من أليساندرو أو حتى مخاطبته، لقد شرح هذا جيدا في وقت سابق ويده تنهال على وجهها في عرض للقوة والتملك، لكنه سمح لنفسه بتجاذب الحديث مع أشلي بحميمية تامة جعلتها تتناسى وجود ألكسندرا إلى جانبه...
أخيرا شعرت أنها لم تعد تستطيع احتمال المزيد من الاهانة، وقفت محاولة الابتعاد قبل أن تلتف يده سريعا حول معصمها، نظرت إلى ملامحه المهددة. ثم إلى يده التي أحاطت يدها بتملك ونظراته المتسلطة تعاين معصميها، ليشتد فكه بعصبية، كانت يدها عارية! لقد نسيت بأن تحتفظ بقفازيها اللعينين مخفية جرائمه! عينا ليام لم تكونا الوحيدتين اللتان تأملتا آثار القيود، كان أليساندرو يتفرسها قد تحولت نظراته إلى غضب حقيقي...
يا إلهي كم أنا غبية! لامت نفسها في صمت قبل أن تسحب معصمها من يده لتقول: - أريد أن أهتم بتبرجي... - حسنا. قال ليام وهو ينظر إليها بتهديد قبل أن يضيف ببروده المعتاد لا تتأخري تيسورو! أومأت برأسها قبل أن تحمل قفازيها وحقيبتها الصغيرة وتهرع خارج الخيمة التي بدت رغم رحابتها تضيق على رئيتها بهوائها الخانق...
لا تستطيع حتى الآن أن تفهم سبب مشاعرها المتضاربة نحو ليام، أليست هي من أرادت وبكل جوارحها أن تعيده إلى خطيبته؟! لما الحزن إذاً؟ ولما أليساندرو موجود هنا؟ وكيف لها أن تستطيع اخباره عن أسفها الشديد لما حصل معه؟ ليس عدلا أن يتألم من أجلها! هي لا تستحق رجلا كاملا ونبيلا كأليساندرو!
جاهدت لتتنفس قبل أن تشعر بيد دافئة على ذراعها لتنتفض من الرعب: - أليساندرو! هتفت ألكسندرا بدهشة وهي تتأمل وجهه الوسيم تحت ضوء القمر - كيف حالك كارا؟ سأل بصوت حاول أن يبدو هادئا - بخير. ردت ألكسندرا بصوت باهت تأملها بلهفة كانت غاية في الروعة خصوصا والثوب الأرجوني يلتف حول جسدها مبرزا قوامها المتناسق إلى حد الكمال كانت فعلا فاتنة.
أخيرا استطاع أليساندرو الكلام وهو يسحبها نحو مكان بعيد عن الخيمة، من أين يبدأ؟ بالصراخ عليها لتركه كالغبي؟ أم باخبارها كم تبدو جميلة ومرغوبة؟ يجب أن يعرف سبب الجروح التي غطت رسغها. ملعون إذا لم يحصل على إجابة والآن! هل كان ليام يعذبها! تلك الفكرة جعلت دمه يغلي من الغضب، أمسك رسغها وقبل أن تستطيع الاعتراض هبط فمه ليلثم جروحها برقة جعلتها تنتحب لتسيل الدموع سيولا على وجهها الرقيق...
تصلب أليساندرو وهو ينظر إلى دموع ألكسندرا، كيف لهذا المتوحش أن يعذب انسانة برقتها؟ - لا حبيبتي! لا تبكي أرجوك! قال وهو يمسح دموعها بحنان بالغ هل يؤذيك ذلك الحقير؟ ما الذي فعله بك صغيرتي؟ هدر أليساندرو بصوت متهدج من الألم والعاطفة ليسحبها إلى صدره العريض في الجهة الأخرى من المزرعة،.
كان ليام يتابع حديثه مع أشلي والتي كانت غارقة في تأمل وسامته، لقد اشتاقت إليه رغما عنها، كيف لا وهو ليام ماكسويل حلم كل امرأة، وكان سيصبح لها. ارتجفت عضلة في وجه ليام خصوصا بعد مغادرة أليساندرو... لابد أنه ذهب يبحث عنها! فكر بغضب وهو ينظر إليه يخرج من الخيمة بخطوات واسعة... عصر ليام على أصابعه بعنف حتى ابيضت مفاصلها، لم يحسب حسابا لوجوده الليلة، لابد أن السيناتور ماجواير هو من قام بالتخطيط لكل شيء.
تبا لك أيها العجوز! شتم بصمت. لم يعد يستطيع التظاهر بالهدوء والاستماع إلى ثرثرة أشلي وتلك الساحرة تلهو بالخارج، نظر إلى ساعة يده بقلق قبل أن ينهض من مكانه بطريقة لم تنم عن اللياقة بشيء وسط نظرات أشلي التي توقفت عن الكلام تنتظر إلى ملامحه الغاضبة باستغراب...
خرج بسرعة جعلت الكثير من الحاضرين ينتبهون إليه، لكنه لم يهتم، كل اهتمامه منصبا على ألكسندرا، زوجته الهاربة بفستانها الخليع والذي وعد نفسه بتمزيقه في أقرب فرصة...
نفس الفستان الذي اختاره بنفسه، لكنه لم يبدو خليعا وتلك العارضة الشبيهة بالمكنسة ترتديه، يعترف الآن أنه كان مهتما بتغطية رسغيها أكثر حتى من تحديقه في العارضة النحيفة والتي لم تظهر أيا من تلك المفاتن التي جعلت عقله يحترق الآن خصوصا وهو يرى نظرات الرجال الجائعة تقيمها...
اللعنة ذلك الفستان بدا عاديا! لكن ما إن ارتدته ألكسندرا حتى تحول إلى رمز حقيقي للاغراء! لابد أنها تفعل ذلك عن عمد. لابد له أن يعاقبها! لكن في هذه اللحظة بالذات، كل ما كان يريده هو ايجادها والرحيل بعيدا حتى ولو كان عليه سحبها من شعرها الناري الذي أصبح يصيبه بالجنون!
كان في طريقه إلى داخل المزرعة مسرعا وأفكاره العنيفة تتقادفه إلى أن تسمر في مكانه وهو ينظر إلى الجسدين المتقاربين بحميمية أطلقت شياطين الجحيم بداخله! مشاعره تحولت إلى ثورة هائلة جعلت قلبه يقصف بعنف داخل صدره ليقترب منهما وعلامات الشر بادية على وجهه الذي أظلم من الغضب...
كانت ألكسندرا تحاول سحب نفسها من بين ذراعي أليساندرو وهي تقول بصوت مضطرب محاولة اخفاء خوفها من معرفته، يا الهي يجب عليه أن لا يعرف. هذا النوع من المعرفة قد يدمر حياته... لماذا على ماضيها أن يتقاطع بمستقبله بتلك الطريقة البشعة؟ كيف لها أن تقنعه بأن عليه الابتعاد؟ رفعت رأسها محاولة تهدئته قبل أن تتسمر عيناها على الرجل الذي كان يقترب بسرعة والشرر يتطاير من عينيه.
- يا إلهي! صرخت ألكسندرا وهي تضع يدها على فمها وقد ألجم الخوف حواسها اندفع ليام نحو أليساندرو ليكيل له لكمة قوية سالت على إثرها الدماء من أنفه، هذه المرة كان ليام أشد غضبا من قبل وهو ينزل ليرفعه من بدلته مسددا له لكمة أخرى... صرخت ألكسندرا وهي تقترب من ليام محاولة ابعاده وهي تصرخ: - يكفي ليام أرجوك! حبا بالله توقف!
كان هائجا بدرجة خطيرة جعلته ينظر إليها بتهديد مرعب، لقد كانت تستجديه ليبتعد عن عشيقها! تلك الفكرة جعلته يرغب في ضربهما معا، استغل أليساندرو فرصة تشتيت ألكسندرا له ليقفز على ليام ويثبته بقوة بينما انهالت قبضته على أنف غريمه بلكمة قوية... تلك اللكمة أضافت المزيد من الغليان إلى ليام والذي بدا فاقدا للسيطرة، أعاد الضربة إليه بقوة أكبر مستغلا مهارته في القتال...
كانت ألكسندرا تنظر إليهما وقد علت وجهها صفرة الأموات، لا تصدق أنهما فعلا يتشاجران بهذه الطريقة البدائية وكانت الملامة الوحيدة على ذلك، مطلقا لم ترى أليساندرو عنيفا وفاقدا للسيطرة على نفسه كما تراه الآن... يا إلهي أنها الملامة الوحيدة على كل ما يحصل له! اندفعت أخيرا بجسدها الرقيق بينهما محاولة دفعهما على الابتعاد، شعرت بألم مبرح يطعنها فجأة قبل أن تصرخ ويتحول كل شيء إلى ظلام...
توقف ليام أخيرا، ليحدق بصدمة إلى ألكسندرا والتي سقطت على الأرض دون حراك، عاد إليه القليل من التعقل ليجثو على ركبتيه أمامها محاولا اسعافها... - ألكسندرا استيقظي! صرخ وهو يهزها برفق توقف قلب أليساندرو وهو ينظر إلى ألكسندرا الفاقدة للوعي بين ذراعي غريمه، كان يرغب في اكمال ما بدأه وكسر أنفه المغرور، لكن تلك النظرة في عينيه ألجمته...
أخيرا بدأ الحضور بالاقتراب بسبب الضجة، دفعت أشلي الجموع التي كانت تحاوطهم، لتصل إلى ليام وتضع يدها على فمها من الصدمة، كان وجهه غارقا بالدماء، قميصه ممزق وربطة عنقه مفتوحة، يتشبت بألكسندرا ككنز ثمين... وصل السيناتور ماجواير في تلك اللحظة إلى حيث كان الجميع متحلقا ليصرفهم بلباقة وحزم وهو يأمر حراسه باصطحاب ليام وزوجته إلى المستشفى... بعد ساعة،.
خرج الطبيب من غرفة الطوارئ حيث نقلت ألكسندرا على عجل، تأمل ليام بادانة واضحة قبل أن يصرح بجمود: - السيدة تعاني من كسور في الأضلاع اليسرى، لا بد وأنها كانت ضربة قوية جدا! أضاف بامتعاض لكنها لا تبرر فقدانها للوعي، لذلك سمحت لنفسي بالقيام ببعض الفحوصات والتحاليل البسيطة. - والنتيجة؟ سأل ليام بفروغ صبر وهو ينظر إلى الطبيب الذي كان يتلاعب بأعصابه.
في ظروف أخرى لربما كسر فكه المتعجرف، لكنه الآن لم يهتم سوى بصحتها هي، والوسيلة الوحيدة لمعرفة ذلك كانت هذا الغبي، انتظر بصبر وهو يستمع إلى الهراء الذي كان يخرج من فمه إلى أن تسمر من الصدمة: - السيدة ألكسندرا تعاني من ورم خبيث!
رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن عشر
استلقت ألكسندرا على سرير المستشفى تشعر بالألم يجتاح جسدها، تلك الأسابيع المنهكة إلى جانب ليام جعلتها تشعر بأنها في الحضيض، رفعت رأسها لتحدق إلى الباب الذي فتح ودخل منه ليام... ارتعش جسدها بخوف وهي تنظر إليه يخطو إلى الداخل...
كانت حالته مزيرة وقميصه ممزق بينما ربطة عنقه مفتوحة على صدره البرونزي الصلب، الدماء تلون فكه وأنفه بينما الابتسامة الساخرة لا تغادر شفتيه، اقترب منها بخطوات سريعة أجفلتها، لدرجة أنها ظنت أنه قد ينقض عليها ويكمل ما بدأه، لكن لدهشتها الكبيرة جثا على ركبتيه بجانب سريرها، ملامحه في تلك اللحظة حملت الكثير من الألم وعيناه تمسحان وجهها بلهفة، للحظات كان الصمت مسيطرا، فلا ليام كان قادرا على الكلام ولا ألكسندرا استطاعت أن تحرر لسانها الذي أخرسته المفاجئة، هل كان فعلا متأثرا من وجودها هنا؟ هل يشعر بالذنب؟
حاولت أن تستجمع قواها لتواجهه لكن القوة خانتها في تلك اللحظة وسيطر عليها الذهول، ظلت تنظر إلى ملامحه المظلمة التي كساها الألم بتعبير فارغ... ظل ليام جاثيا على ركبتيه أمامها غير قادر على الحراك أو حتى ايجاد كلمات مناسبة للوضع، هل يتوجب عليه اخبارها بنتيجة الفحص؟ اللعنة عليه إذا قام بذلك! نظرة واحدة إلى ملامحها الشاحبة المرتعبة ليعرف أنه أذاها كثيرا، أكثر حتى من الأذى الذي سببته له...
طوال أسابيع ظن أنه يعاقبها على هروبها، على اخفائها لابنه، والأهم على خيانتها له، لكنه من البداية لم يكن يعذب سوى نفسه. كل تلك السنوات التي ظن أنه قد فقدها، كل تلك المشاعر التي مزقت قلبه دون رحمة لسنوات، لم تكن شيئا مقارنة بمشاعر العجز التي انتابته قبل لحظات وهو يستمع إلى الكلمات الباردة التي خرجت من فم الطبيب، ببساطة وكأنها تقرير عن حالة الطقس وليست حياة انسان في خطر...
ألكسندرا مصابة بالسرطان! هكذا دون أي مقدمات هل كانت تخفي مرضها عنه؟ هل تعلم أنها مريضة حتى؟ لا مستحيل! وكأن القدر يأبى إلا أن يعيد فتح الجروح المغلقة لرحيل مير، ليتجسد الماضي بكل بشاعته مجددا في وجه ألكسندرا والذي علاه الشحوب... يا إلهي لقد فقد مير في الماضي! هل سيفقد ألكسندرا الأن؟ تلك الفكرة جعلت الهواء يتوقف في رئتيه، لدقيقة كان يتأملها بعينين زائغتين قبل أن يقرب يده محاولا لمسها...
ارتعشت ألكسندرا وأبعدت يدها لا شعوريا عنه، كانت لا تزال ذكرى الشجار بينه وبين أليساندرو متجسدة أمامها، عنف تلك اللحظات الدموية حيث كان فاقدا لكل تعقل جعلها تشعر بالخوف، حاولت أن تبتعد قليلا عنه مطالبة بمسافة من الأمان، قبل أن تأن من الألم، كانت أضلاعها قد تهشمت حرفيا بلكمة واحدة من قبضته، لكن كل ذلك لم يكن ليضاهي الألم النفسي التي ترزح تحت ثقله، ما الذي جعله يعنف أليساندرو بكل تلك الوحشية؟ هل هي الغيرة؟
نفضت الفكرة الغبية سريعا، ليام بالتأكيد لايغار هو فقط يريد امتلاكها! ويعتبر ذلك جزءا من انتقامه وتصرفه الوحشي لم يكن سوى عرض للقوة والسيطرة ولا شيء آخر... أعاد ليام يديه إلى جانبه لينظر إليها بنظرة ملأها الألم، تنفس بقوة محاولا اخراج الهواء من صدره قبل أن يقول بصوت اجش: - ألكسندرا.
توقف للحظات ينظر إلى وجهها الشاحب الذي علته نظرة خوف قبل أن يقول فقط انسي الأمر، عاد ليقف على قدميه ويعود أدراجه تاركا ألكسندرا في حيرة كبيرة، ما الذي كان يريد أن يقوله يا ترى؟ هذا شيء لن تعرفه الآن بعد أن غادر على كل حال، أغمضت عينيها محاولة تناسي الألم الذي كان يجعلها عاجزة عن التفكير، وأستسلمت لنوم مظطرب. في الرواق،.
ظل أليساندرو مطرقا براسه ينتظر خروج ليام من غرفة ألكسندرا، أخيرا فتح الباب، رفع رأسه واصطدمت عيناه بعيني غريمه المتحفزتين كعيني نمر غاضب... اقترب أليساندرو منه غير مكثرت بالعواقب، لم يستطع رغم إلحاحه الشديد على الطبيب أن يعرف شيئا عن حالة ألكسندرا فهو لم يكن من العائلة وتلك المعلومات لم تكن متاحة له كما هي متاحة لليام...
توقف ينظر إلى الواقف أمامه والذي كان يحدجه بنظرات قوية كانت لتجعل أكثر الرجال عزيمة يبتعدون، لكنه لم يكن مستعدا للابتعاد هو عازم على البقاء حتى النهاية... أخيرا زفر ليام بحنق وهو ينظر إلى أليساندرو المصمم قبل أن يقول بصوت أجش: - علينا الحديث!
رفع أليساندرو حاجبيه باندهاش، هل كان يتخيل أم أن ليام ماكسويل قد عرض عليه الحديث، كل المرات التي إلتقيا فيها لم يكيلا لبعضهما سوى اللكمات، لذلك كان من الصعب عليه تصديق أن هذا الشخص المتغطرس، البغيض قادر على الكلام دون أن يزج بقبضته في الموضوع... حرك أليساندرو رأسه موافقا قبل أن يتجها نحو المقهى المقابل للمستشفى... في كابري،.
صرخت مارغريت في والدها تحثه على الاسراع، كانت متحمسة بدرجة كبيرة، لم تستطع كبح الدموع وهي تتلقى خبر عودة ألكسندرا غير مصدقة... ألكسندرا على قيد الحياة ولديها طفل! يا إلهي! أخيرا ستتمكن من رؤيته! كانوا قد تألموا لسنوات لرحيل مير والذي تلاه اختفاء ألكسندرا ومن ثم اعلان موتها، والآن بعد سنوات، اتصل ليام ليخبرهم بعودتها إلى الحياة بل واكتشاف أنه والد لطفل رائع في السادسة من عمره...
كانت تتحرق للسفر إلى أمريكا منذ ايام، لكن والدها لم يكن مستعجلا، على العكس استمر في تأجيل السفر إلى أن شعر بأن ابنته لم تعد تطيق صبرا... أخيرا تقرر السفر اليوم، وكانت مارغريت بالتأكيد أكثر سعادة من العجوز الذي كانت معالم وجهه غامضة وصعبة التفسير... اقترب ليجلس إلى جانبها بمساعدة حارسه الشخصي، قبل أن يصرفه باشارة من يده ويعود لتصفح الجريدة باهتمام...
طوال هذه المدة لم تنشر الصحافة أي خبر يؤكد عودة ألكسندرا إلى الحياة، كان يقلب الصحيفة باهتمام شديد، قبل أن يجذب نظره العنوان الذي كتب بأحرف بارزة عن حفيده وقد تضمن صورة لليام مدرجا بالدماء بينما ألكسندرا فاقدة للوعي بين ذراعيه، شتم العجوز بهمس قبل أن يعيد الجريدة إلى الطاولة... - ما الأمر؟ قالت مارغريت محاولة الوصول إلى الجريدة قبل أن تمنعها يد العجوز بحزم -لا شيء مارجو مجرد أخبار سيئة!
أومأت مارغريت برأسها علامة على الفهم، قبل أن تعود للتحديق من النافذة، كانت متحمسة لعودة ألكسندرا إلى ليام وبالتأكيد لرؤية طفلهما... في المستشفى، تمكنت ألكسندرا بجهد خارق من الوقوف دون أن تجازف بالشعور بطعنة جديدة من الألم، دوار شديد يصيبها هذه الأيام، لكن بالتأكيد عزت ذلك إلى شهيتها فهي لم تعد مغرمة بالطعام منذ عودتها إلى حياة ليام... انكمشت ملامحها الرقيقة.
حين نزعت المغدي من يدها بقوة، قبل أن تضغط على يدها محاولة ايقاف الدماء التي تسربت. وفي اللحظة التي كانت تحاول فيها أن تتحرك نحو الحمام فوجئت بالواقف أمامها، شحوب وغضب مرير غزا ملامحه قبل أن يسيطر على نفسه ويقترب منها ببطء... - ألكسندرا ما الذي تفعلينه خارج السرير بحق السماء؟! سأل ونظراته معلقة بوجهها الشاحب.
تمعنت ألكسندرا للحظة في الكدمات التي علت وجهه والدماء التي غطت ملابسه، وأرسلت الذكرى المريرة رجفة في كامل جسدها... عادت للجلوس على حافة السرير بتعب وركبتيها ترتجفان... - هل أنتَ بخير؟ قال وهو يقترب من السرير ليمسك يدها المرتعشة بيده محاولا بث الطمأنينة إليها: - لا داعي لكل هذا ألكسندرا أنا بخير! إنها مجرد خدوش وكدمات تافهة! هل تظنين أن زوجك قادر على التغلب علي! أضاف بابتسامة باهتة.
كان يحاول بكل جهده أن يخفي ألمه عنها، لقد كانت متألمة ومريضة بما يكفي ولم تكن في حاجة إلى القلق عليه، ما أخبره ليام كان قاسيا لكن على الأقل هو مقتنع الآن أنه سيعتني بها... قبل ساعات في المقهى المقابل للمستشفى،.
حرك ليام أحد الكراسي ليجلس بينما ظل أليساندرو يرمقه للحظات قبل أن يقرر بدوره الجلوس، ليس متأكدا أنهما لن يفتعلا فضيحة أخرى في هذا المقهى أيضا، سيطر على الغضب الذي كان يتأجج بداخله وهو يعصر قبضته بقسوة، منذ متى أصبح انسانا بربريا عنيفا؟ لطالما افتخر بأنه رجل هادئ ورصين لم يتشاجر حتى في سنواته الجامعية، بحق السماء منذ متى أصبح مراهقا ثائرا!
زفر بقوة محاول اخراج اليأس والغضب اللذان سيطرا عليه لينظر إلى ليام الجالس بهدوء مناف لطبعه، كان تعامله مريبا يدعو إلى الكثير من الفضول والذي لم يشفه غريمه إلى الآن... تنحنح ليام أخيرا محاولا ايجاد صوته ليقول دون مقدمات: - ألكسندرا مصابة بالسرطان! لوهلة ظلت ملامح أليساندرو متصلبة قبل أن يزفر بنفاذ صبر ليقول: - أي لعبة تلعب الآن ماكسويل؟!
- ليست لعبة! رد ليام بقسوة وهو ينظر إلى غريمه بعينين ضيقتين ألكسندرا تعاني من ورم! - لكن منذ متى؟ سأل أليساندرو بذهول - لا ندري. لقد علمت للتو، الطبيب أجرى بعض الفحوصات الروتينية ونتيجة التحليل أظهرت وجود ورم، لانعلم الكثير، أحتاج إلى نقلها إلى نيويورك ليتمكن طبيب مختص من متابعة حالتها... - يا إلهي!
وضع يده في شعره بينما أكمل ليام حديثه بصوت فاتر: - أعلم أننا لم نتقبل بعضنا منذ البداية. وإلتوى فمه بسخرية مريرة لكن على الأقل يجب أن تعرف أنني قد عدت إلى حياة ألكسندرا ولا أنوي الرحيل!
ابتسم أليساندرو بسخرية وهو يستمع إلى التهديد المبطن في حوار ليام، كان يدرك جيدا منذ رحيلها أنها ضاعت منه إلى الأبد، لم تنسى ليام يوما كان هذا سببا لعدم قبولها بعرض الزواج لسنوات، من كان يخدع أنها لا تحبه، لم تنظر له يوما بالطريقة التي تنظر بها إلى ليام، كانا يحبان بعضهما والغبي فقط من لا يستطيع تمييز ذلك، الوحيدان اللذان لم يعترفا بهذا الحب هما ليام وألكسندرا...
زفر بقوة محاولا التخفيف من الضيق الشديد الذي يطبق على صدره، هي مريضة كيف سيستطيع تحمل تركها في مثل هذه الظروف... ظل ليام صامتا للحظات محاولا ابتلاع الكتلة التي وقفت في حلقه، كبريائه عانده لكنه رفض الاصغاء ليسأل أليساندرو بصعوبة: - أريد أن أعرف، إلى أين وصلت علاقتك بزوجتي؟
ابتسامة مريرة عبرت وجه أليساندرو وهو يرمق ليام الذي شحب وجهه منتظرا رده، كان يمكنه ببساطة إذلاله والتلاعب به كما فعل هو من قبل، لكن سمعة ألكسندرا كانت تهمه كثيرا، مستحيل أن يهينها بتلك الطريقة، زفر بقوة ليقول: - علاقتي بألكسندرا لم تتعدى الحدود يوما! لقد كانت واضحة منذ البداية سكت قليلا ليضيف إنها امرأة مميزة ما كانت لترغب بعلاقة قبل الزواج! وأنا احترمت قرارها...
بعد هذا التصريح الغير متوقع رحل أليساندرو تاركا ليام مع مشاعره المتضاربة، كانت له وحده في النهاية. تلك الفكرة منحته القليل من السلام الداخلي ليستطيع مواجهة الحاضر... في غرفة ألكسندرا بالمستشفى، أمسك أليساندرو بيدي ألكسندرا المرتعشتين قبل أن يقول بصوته الدافئ: - ارفعي رأسك صغيرتي! رفعت ألكسندرا رأسها لتقابل عينيه ببريقهما الهادئ ليقول: - أنت تعلمين جيدا بمشاعري اتجاهك، أنا لم أخفها عنك يوما...
- أليساندرو... حاولت الكلام لكنه قاطعها: - ششش. صغيرتي، ربما لو كان الأمر مختلفا لكنا كونا عائلة رائعة. أطرق قليلا محاولا ابتلاع الغصة الكبيرة التي كانت تخنقه قبل أن يقول لكن هذا ليس مقدرا ألكسندرا، أنا علي الرحيل اليوم... - ماذا؟ شهقت ألكسندرا غير مصدقة بهذه السهولة قرر أليساندرو الرحيل.
بدأت الدموع تملأ عينيها، كانت في أشد أوقاتها ضعفا، ولطالما كان إلى جانبها في مثل هذه الأوقات، لماذا يريد تركها الآن في مواجهة قسوة ليام وحيدة؟ - لا تبكي صغيرتي! قال وهو يهدهدها كطفلة ضائعة حاولي أن تنسي الماضي ألكسندرا. لربما تحضين بالسعادة...
بهذه الكلمات ترك أليساندروا الغرفة تشيعه عينا ألكسندرا المليئتين بالدموع، تعالت شهقاتها إلى أن انهارت فوق السرير تبكي كل الألم الذي اخزنته لسنوات والذي اندفع إلى السطح دفعة واحدة. فتح الباب في تلك اللحظة وهوى قلب ليام وهو ينظر إلى ألكسندرا الملقاة على السرير تنتحب بألم. اندفع نحوها ليحملها بين ذراعيه ناسيا وضعها، صرخت ألكسندرا بقوة، كان تتألم. ألامها النفسية تضاعفت لتجعل ألمها الجسدي لا يطاق...
ظلت تبكي وهي تضرب صدره بقوة موجهة كراهيتها وحقدها نحوه، لكنه لم يتركها رغم ذلك. ظل ممسكا بها بثبات إلى أن لانت بين ذراعيه معلنة استسلامها بينما تحول صراخها إلى نشيج يمزق القلب... رفعها أخيرا إلى السرير ليمسكها بين ذراعيه ممسدا خصلات شعرها الحريرية وغفت بينما الدموع تبلل وجهها وقميصه... أيام بعد الحادث،.
تمكنت ألكسندرا بمساعدة ليام من الخروج من المستشفى، ألم أضلاعها أصبح مقبولا ولم تعد تحتاج سوى لمسكنات للتعامل معه... صعدت أخيرا الى الطائرة محاولة الابتعاد عن ليام، كانت متحمسة لرؤية ماكس، لا تتذكر أنها ابتعدت عنه مثل هذه المدة الطويلة سوى في المرة التي أودعها ليام السجن... تلك الذكرى جعلت جسدها يرتعش لا اراديا، مما جعله ينتبه. - هل تشعرين بأي ألم؟ سأل ليام باهتمام.
حركت ألكسندرا رأسها نفيا قبل أن تنسل من يده الممسكة بخصرها، كانت ترغب في بعض الخصوصية التي لم يسمح لها بها طوال مرضها، لكنه كان عازما على تمثيل دوره إلى النهاية فكرت بكره كانت تعلم جيدا أن هذا الاهتمام الزائد لم يكن سوى قناع جديد يمثله أمام جده، هذه المرة لم تكن مجبرة على أن تجاريه في دور الزوجة المطيعة والعاشقة، لكن لم لتكن لتعامل عائلته بسوء على كل حال...
مستحيل أن تنسى ما فعلوه من أجل مير، هي بالتأكيد ستظل مدينة لهم إلى الأبد... كان ليام قد فاجئها أن جده ومارغريت قد سافرا الى الولايات المتحدة خصيصا من أجلها، لذلك لم تكن لها أي نية في أن تعاملهم بفظاظة فقط لتغضبه... تنفست بعمق محاولة السيطرة على أنفاسها، ستكون رحلة طويلة إلى نيويورك، لكنها كانت قادرة على اغماض عينيها وتمثيل النوم هربا من أي حديث معه...
لابد وأنه تفهم وضعها. فليام لم يقترب منها طوال الرحلة سوى ليخبرها أنهم قد وصلوا أخيرا... في شقته في نيويورك،.
كانت الشقة تضج بالأضواء البراقة بشكل يصيب بالعمى، وجدت نفسها مدفوعة إلى الداخل بينما مارغريت تعانقها والدموع تترقق من عينيها، ذلك الترحيب الذي لم تتوقعه أصابها بالذهول، نظرت إلى حيث وقف ليام ينظر إليها وابتسامة رائعة تزين وجهه، كانت أجمل ابتسامة منحها لها منذ أن عاد، بل ربما منذ أن التقته كانت ابتسامة صادقة ومحبة، جعلت معدتها تتلوى بشعور غريب...
استمرت مارغريت في ضمها إليها إلى أن قاطعها ليام مازحا: - يكفي ستكسرين أضلاعها المتبقية عمتي! ابتعدت مارغريت أخيرا لتنظر إلى ألكسندرا بنظرات حنان خالص لتقول: - إنها فعلا معجزة حقيقية! لا تدرين مقدار الألم الذي سببه رحيلك خصوصا لل. لم تستطع أن تكمل جملتها وعينا ليام ترمقانها بجمود، قبل أن تتدارك خطأها وتعرض على ألكسندرا الجلوس...
لم تتوقف مارغريت عن الحديث خصوصا عن حياة ألكسندرا وكيف عادت إليها الذاكرة بعد كل تلك السنوات، وبما أنها لم تكن تعلم شيئا عن ما قد يمكن لليام أن يختلقه فقد ظلت ترد بأجوبة مقتضبة إلى أن تحججت أخيرا بالصداع... اصطحبها ليام إلى غرفتها وأغلق الباب ورائه، أخيرا تركت ألكسندرا لنفسها حرية مهاجمته، كانت تشعر بالألم والاحباط ولم يكن هناك غيره لتفرغ فيه كل تلك الشحنات السلبية...
تركها تصرخ، مستمعا باهتمام قبل أن يقول بصوته البارد: - هل انتهيت؟ - لا! قالت ألكسندرا بحنق أريد أن أعرف متى ستنتهي هذه المهزلة المسماة زواجنا؟ لقد سأمت من تلاعبك بي ليام! أريد الرحيل! - ليس هنالك من رحيل ألكسندرا! أنت زوجتي وستظلين كذلك إلى أن أمل منك، ربما لشهر وربما للأبد. - أيها السافل! اذهب إلى الجحيم!
ونزعت حذائها لترميه بقوة في وجهه، تفادى ليام الحذاء بمهارة ليقترب منها سريعا، يدان قويتان أمسكتا بكتفيها بقسوة، وهو يزفر كلماته بجانب فمها: - إذا ذهبت إلى الجحيم ستذهبين معي! كوني واثقة من ذلك! أخيرا أفلتها ليسألها بصوت خنقته العاطفة: - لماذا ألكسندرا؟! - لماذا ماذا؟ سألته باستغراب - لما هربت؟
نبرة الألم في صوته جعلتها ترتجف من الداخل، هل كان يتألم لأنها رحلت؟، أم أنها تتوهم؟ رفعت عينيها نحوه واصطدمت لا اراديا بعينين ضيقتين ومظلمتين... هل كانت مستعدة يوما لهذا السؤال؟ جف حلقها وتعرقت يداها من الارتباك. - كنت خائفة. تمتمت بوهن - خائفة من ماذا؟ صرخ ليام بغضب ما الذي قد يخيفك لدرجة الهرب من حياتك واخفاء هويتك وكأنك مجرمة فارة من العدالة! أخبريني!
- لقد كان بيننا اتفاق ليام، أنا وقعت عقدا لم أستطع إيفاء بنوده، كان من المستحيل علي أن أمنحك قطعة مني بهذه البساطة ثم أرحل! ليس عدلا! أكملت بحرقة إنه ابني لم أكن لأستطيع تركه لك! بلعت ريقها بصعوبة قبل أن تكمل بصوت متهدج: - حين وجدني مكتب التحقيقات الفيدرالي، كنت قد علمت بحملي للتو. كانوا يعلمون بابتزازك لي، كنت مشوشة وخائفة وشعرت أنها الطريقة الوحيدة لكي لا أخسر الطفل للأبد.
يا إلهي! وضع ليام يده في شعره وشده بقوة، كان يريد أن يحطم كل شيء أمامه، لكن نظرة إلى وجهها الشاحب جعلته يتراجع... هل كان المسؤول الأول عن هربها؟ اللعنة بالتاكيد فعل! هو لم يخبرها يوما بمشاعره نحوها وبعد وفاة مير كان مهتما باعادتها إلى الحياة أكثر من اهتمامه بمشاعره الخاصة... زفر بقوة محاولة التنفيس عن احباطه ليقول بخيبة أمل: - ما كنت لأحرمك منه ليكس!
استدار ليام محاولا الوصول إلى الباب قبل أن يسمع صوتا ضعيفا يطلب منه التوقف: - ليام لا يمكنك أن تفتح موضوعا بهذا التعقيد ثم ترحل ببساطة! زفر بوحشية وهو يعود إليها: - لقد علمت بما يكفي ألكسندرا! لا فائدة من نبش الماضي أكثر! - لكنك فعلت! قاطعته وقد تغلبت عليها عواطفها لا يمكننا أن ندفنه الآن ببساطة!
- علينا ذلك ليكس! لكي نتمكن من مواجهة الحاضر علينا أن نفعل! الخوض في الألم لن يأتي بأي نتيجة لكلينا! أنا آسف أنني افترضت أن قرارك كان محض أنانية ولم يسبب لك أي ألم، لو عرفت. فقط لو عرفت لكانت الأمور مختلفة جدا...
وخزت الدموع الساخنة جفونها وهي تتذكر كل تلك السنوات التي سمحت فيها للكره أن يتحكم فيها، فقط لو كان هنالك مثل هذه المصارحة بينهما، فقط لو أنه أخبرها، كل شيء كان ليصبح مختلفا، ماكانت لتمر بكل العذاب الذي عانته... استسلمت أخيرا للبكاء وهي تتذكر السنوات التي عاشتها محاولة دفن الماضي والتعايش مع حياة بدون مير وليام...
علا طرق على الباب فجأة، انسلخت من الذكريات التي سحقت قلبها لتحدق إلى الباب الذي فتح وظهر منه ماكس بوجهه الشبيه بوالده، قبل أن يركض نحوها وتفتح ألكسندرا ذراعيها له مرحبة... ظل ليام ينظر إليهما بعاطفة وهو يرى كم كان أعمى ليحرمها من ابنها، كان قد كون أفكارا خاطئة عن ألكسندرا، اتهمها بالجشع والوصولية دون وجدود أي دليل، طاردها ثم حاصرها ليتهمها بأنها هي من كانت تركض وراء المال...
غبي وأعمى هذا ما أنت عليه ليام! لم يعد يستطيع البقاء ومنظرها المعذب يثير فيه الكثير من المشاعر المتناقضة والخطيرة. انسحب من الغرفة، كان عليه تصفية ذهنه والطريقة الوحيدة التي كان يعرفها هي الركض كعادته الدائمة، غير ملابسه الرسمية وارتدى ملابس رياضية وانطلق للتنفيس عن غضبه خارجا.
بعد ساعات من الركض عاد ليام ليجد ماكس وعمته يركبان إحدى الأحجيات، رفع الصغير رأسه معبرا عن سعادته لرؤية والده، أعاد ليام له الابتسام قبل أن يسأل عمته عن ألكسندرا: - لقد قالت أنها متعبة وقررت التمدد قليلا. هل هي بخير؟ سألت مارغريت بقلق - ستكون بخير! رد ليام باقتضاب قبل أن يسرع نحو غرفتها.
كان لايزال بملابسه الرياضية بينما العرق يتصبب غزيرا من صدره، فتح الباب بلهفة وجال بصره بكامل الغرفة دون أن يجدها، اقترب من الحمام ليطرقه بقوة، جاء صوتها باكيا من الجهة الأخرى: - اغرب عن وجهي! صرخت ألكسندرا وهي تنتحب بهستيرية ارتفع التوتر بداخله لدرجة خطيرة، دفع الباب بيده ليفتح بقوة ويجد ألكسندرا جالسة على الأرضية الرخامية تبكي بصوت مسموع...
نظرة واحدة إلى وجهها وشحب لونه، هل عرفت بمرضها؟ تلك الفكرة جعلت كل عضلة في جسده تتصلب قبل أن يقترب ليجلس إلى جانبها ليأخذها بين ذراعيه محاولا تهدئتها... أصبحت أكثر هياجا وهي تضربه بينما الدموع تغطي وجهها بالكامل، كانت تصرخ بكلمات غير مفهومة وهي تكيل له اللعنات والشتائم: - ألا يكفيك ما فعلته في سبيل انتقامك؟ هل أنت شرير لدرجة جعلي حاملا مجددا؟ أكرهك ليام ماكسويل! أنا فعلا أكرهك!
أخيرا تجمد من الصدمة وهو يحلل الكلمات التي تفوهت بها للتو، هل قالت أنها حامل؟ اللعنة! كيف يعقل هذا؟
رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل التاسع عشر
تصلبت ملامح ليام من الصدمة وهو يستمع إلى كلمات ألكسندرا، حامل! لكن بحق السماء هذا ليس معقولا! انتبه إلى انها أصبحت فاقدة للسيطرة وهي تبعده عنها والدموع تغرق وجهها الجميل، أمسك بها رغم مقاومتها الشديدة ليخرجها من الحمام ويضعها على السرير ببطء، كانت لاتزال تنتحب بقوة وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة قبل أن ترفع راسها لتحرقه عيناها باتهام:.
- إذاً هذا هو انتقامك منذ البداية؟! طفلان بثمن واحد أيها الحقير! كيف تجرأت؟! عاملتني كمومس! عذبتني بطرق لا يمكن أن تصدر سوى عن خيال عقل مريض! وفي النهاية تجعلني حاملا! تبا لك أيها الوغد! ظلت نظرات ليام القاسية مسمرة عليها، هل تظن فعلا أنه قادر على التفكير بهذه الدرجة من الوضاعة؟ لم تمهله وقتا للاجابة وهي تنتفض مكملة هجومها اللاذع:.
- للحظة ليام. فقط للحظة. تمكنت من خداعي ظننت أنك نادم فعلا على ما فعلته بي طوال هذه السنوات! كان علي أن أتذكر جيدا أي وغد كنت عليه في الماضي! الحقارة لا يمكنها أن تموت بهذه السهولة! ابتسمت بمرارة وهي تضيف كنت فعلا غبية حين صدقت أنه يمكن حتى لشخص مثلك أن يتغير... - ألكسندرا. قال ليام بجفاف محاولا ايقافها.
- لا أريد سماع المزيد! صرخت وهي تضع يديها على أذنيها رافضة الاصغاء أريدك أن تخرج من هنا! أريدك خارج حياتي إلى الأبد! عصر ليام على أصابعه بقسوة شديدة، ثم زفر بعنف محاول كبت الغضب الجامح الذي يهدد بالإنفلاث، وإلتف ليعود أدراجه محاولا تفادي أي حوار قد يتحول إلى ما هو أسوء. حين أقفل الباب أخيرا ارتمت ألكسندرا على السرير تبكي مصيبتها الجديدة، طفل! يا إلهي القدير!
هل يفكر فعلا في انتزاع طفليها ومن ثم طردها خارج حياته؟! هل هذا هو انتقامه؟! أفكارها مشوشة، أغمضت جفنيها وانتحبت بينما الدموع تسيل ساخنة توخز بشرتها، وهي تتذكر كل الاذلال الذي أذاقها ليام والذي لم يمكن يقارن بسلبها طفليها... خرج ليام وشياطين الجحيم تطارده، كان يحلل الوضع والغضب يعلو تدريجيا بداخله...
حامل! لكن كيف؟ لقد أخبره الطبيب أنها تعاني من ورم! كيف يعقل أن تكون حاملا! كانت حالتها هستيرية فلم يستطع معرفة كيف علمت بأمر الحمل! هل كانت تظنه يخطط له منذ البداية؟ اللعنة! شتم من بين أسنانه وتحولت يده إلى قبضة عنيفة، دخل غرفته ليلج الحمام ويفتح المياه الباردة على جسده علَّه بذلك يطفئ النيران التي أشعلتها إدانتها في صدره.
لقد نعتته بالنذل والحقير والجبان، هل شعر بالظلم من اتهامتها المجحفة؟ بالتأكيد لا! فهو لم يتصرف سوى كوغد منذ أن إلتقى بها، هل كان يعتقد أنها قد تسامحه بهذه السهولة وأن الحياة قد تعود كالسابق؟ لابد وأن اعتداده بنفسه كان مبالغا فيه! فقط لأنه عاملها بطريقة أدمية خلال الأيام القليلة الماضية. ظن هذا كان كافيا لتنسى سوء المعاملة التي تعرضت له لسنوات! يالك من غبي متعجرف ليام!
ضرب الحائط بقبضته القوية معبرا عن احباطه، اللعنة ألكسندرا إلى أي جحيم تعيدينني؟! أخيرا أغلق المياه المتدفقة ليغادر الحمام ويرتدي ملابسه سريعا، كان عليه التأكد من شيء مهم بعدها سيكون تصرفه وحشيا إذا ما ثبتت شكوكه... في مقر شركات ليام أند ماسيموس،.
كان ليام يغلي كالثور الهائج وهو يتحدث إلى مدير المستشفى: - خطأ في فرز العينات! لابد أنك تمزح! أرغب فعلا في معرفة رأي المركز الوطني للصحة في ذلك! صرخ ليام بتهديد أنا سأقاضيكم وسأجعلكم تدفعون ثمن هذا الخطأ غاليا جدا! هدر بقوة قبل أن يغلق هاتفه ويرمي به على سطح المكتب بعنف طوال أسبوع كان يمشي على أرضية زلقة محاولا ايجاد طريقة لاخبارها، لمحاولة تهيئتها لما كان محتما، وأخيرا اقناعها بضرورة العلاج...
رتب لكل شيء حاول أن يكون مراعيا، لكن مطلقا لم يتخيل أن تكون حاملا للتتهمه بعدها بأنه دبر مكيدة لها لكي يستطيع الانتقام... سيطرت عليه فكرة العودة إلى تكساس. فقط ليتلذذ بتهشيم وجه السافل الذي كان السبب وراء كل هذه الفوضى... ركل الطاولة المنخفضة أمامه بعنف وهو يدور في الغرفة كنمر حبيس. توقف الهواء عن الدخول إلى رئتيه لماذا كلما فكر أن حياته قد تصبح طبيعية مع ألكسندرا تنسل من بين راحتيه كالماء؟
عاد ليجلس أخيرا وهو ينفث أنفاسه الحارقة، لقد تقدمت علاقته بألكسندرا في الأيام القليلة الماضية حتى وإن ظلت متحفظة، لكن على الأقل لم تعد ترتعش لمجرد رؤيته، لقد كان يأمل أنه قد يستطيع استعادة ثقتها ومن ثم جعلها تحبه، كل تلك الأحلام تبخرت الآن، كانت تنظر إليه بعداء وكره واضح. تظن أنه تآمر عليها منذ البداية...
نهض بسرعة وسحب سترته قبل أن يفتح الباب وتقف مديرة مكتبه تنظر إليه بدهشة، منظره كان مزريا للغاية وبالكاد تمكن من السيطرة على عصبيته البالغة ليخرج صوته طبيعيا: - لن أعود! حاولي جدولة مواعيدي المهمة للشهر المقبل مفهوم! حركت مديرة مكتبه رأسها علامة على الفهم، كان واضحا أنه ليس في مزاج لسماع أي شيء فآثرت البقاء صامتة من أجل سلامتها... تفرس وجهها للحظة قبل أن يخطو نحو المصعد بخطوات سريعة...
في طريق عودته إلى الشقة في نيويورك كان قد قرر أنه لا مزيد من الهروب ولا مزيد من المراوغة، لم يعد هنالك سبب ليخفي مشاعره عنها، سيخبرها بكل شيء وليذهب كبريائه اللعين إلى الجحيم، إنه يحبها هذه هي الحقيقة مهما حاول اخفاء الأمر، كان حانقا منها وغاضب عليها وعلى نفسه، كلاهما ملام، هو لم يكن سوى جلاد قاسي منذ أن عادت وهي تتصرف بالطريقة التي تعودت عليها منذ سنوات الهروب... في شقة نيويورك،.
علا طرق على باب غرفة ألكسندرا، رفعت رأسها المثقل من التعب، عيناها متورمتان وشعرها مشعث، نظرت إلى المرآة الكبيرة وهالها منظرها، فتح الباب في تلك اللحظة وظهرت مارغريت بوجهها المبتسم، قبل أن تتغير ملامحها إلى الاستغراب وتخطو إلى الداخل مقفلة الباب بحرص... - ألكسندرا! هل أنت بخير طفلتي؟
أعادت ألكسندرا شعرها المتشابك إلى الوراء محاولة التخفيف من مظهرها المزري، وهي ترسم ابتسامة متكلفة على شفتيها، تعلم أن مارغريت ليست غبية، الأعمى فقط من ليخطئ بؤسها... اقتربت من حافة السرير لتجلس بوهن، بينما وقفت مارغريت تنظر إليها باشفاق. - أوه صغيرتي! ما الذي يجعلك حزينة إلى هذه الدرجة؟
كانت هذه الكلمات الرقيقة هي القطرة التي أفاضت الكأس، لسنوات لم تشعر ألكسندرا أنها قد تحتاج إلى أي شخص لمواساتها. أليساندرو كان رجلا نبيلا ومنحها قلبه دون مقابل، لكن حتى حنانه لم يستطع منحها الحب الذي تتوق إليه، كانت تريد والدتها في هذه الظروف...
تشتاق إلى عائلتها، تريد مير إلى جانبها، وترغب في العودة إلى تلك اللحظات السعيدة حيث كان كل شيء مثاليا، منزلهم الصغير ضحكات مير الرنانة، الحب الذي جمع والديها والذي لم تعش مثله أبدا... تعالى نشيجها ليصبح شهقات متقطعة وهي تدفن وجهها بين كفيها، اقتربت مارغريت لتجلس على حافة السرير هي الأخرى لتطوقها بذراعيها بحنان...
لم تكن تعلم سبب بكائها لكنها بالتأكيد شعرت بأنها تحتاج إلى المواساة. مسحت على شعرها وهي تضع يدها على ظهرها وكأنها تهدهدها واستسلمت ألكسندرا لهذا الاحساس الجديد... لم تتكلم مارغريت ولم تسألها عن سبب بكائها بل ظلت هادئة تنتظر إلى أن قالت ألكسندرا بهمس: - أشتاق إلى مير كثيرا...
تجمدت مارغريت للحظات وانقبض قلبها بألم، هي لم تنسى مير، وكيف ذلك؟! وهي موجودة قريبا من أعز الأشخاص إلى قلبها، شقيقها المتوفي وزوجها الحبيب. - ليس عدلا كانت طفلة صغيرة! تنهدت مارغريت وهي تقول بصوت متحشرج: - الرب القدير لديه خطط لنا جميعا صغيرتي وهي دائما للأفضل، كوني واثقة... - مستحيل أن يكون وفاة والدي وشقيقتي للأفضل! شهقت ألكسندرا بألم ومستحيل أن تكون تصرفات ليام معي من خطط القدير!
- بالطبع حبيبتي، لكن هنالك أشياء بالتأكيد لن نستطيع استيعابها مهما حاولنا، صمتت قليلا محاولة التخفيف من ألم الماضي الذي فتح على مصراعيه قبل أن تقول ليام ليس شخصا كريها كما تظنين! رفعت ألكسندرا رأسها لتنظر إلى مارغريت بدهشة... - أبي أخبرني بكل شيء منذ سنوات، شرحت باقتضاب ربما كان ارتباطكما في بدايته صفقة بحثة، مجرد تبادل للمصالح... - لم أكن أعلم أنني أبيع طفلي! قاطعتها بألم.
- بالطبع. ردت مارغريت متفهمة لكن ليام كان مقتنعا وقتها بذلك، لا تلوميه ألكسندرا! للأسف ليام حصل على مثال سيء للنساء في حياته، النسخة التي حصل عليها للمرأة لم تكن فعلا مشرقة، والدته كانت سكيرة وصولية دفعت بوالده إلى الحضيض، ثم كانت السبب في موته! وزوجته. شخصت عينا ألكسندرا وهي تستمع لمارغريت في ذهول: - زوجته؟! سألت ألكسندرا باستغراب وانقبض قلبها لا اراديا.
- كان يافعا حين تزوج للمرة الأولى، شابا ذكيا ولامعا وطيب القلب كوالده، وقع في الحب وشعر أنه امتلك العالم، كان يملك اسما معروفا جدا لكن كان مفلسا، ماسيموس قضى على كل ثروته وأبي كان قد قرر حرمانه من كل شيء! ليام لم يعد إلى كنف العائلة إلا حين أصبح شابا، لم يكن يملك سوى ذكائه. لكن هي لم تكن تعلم ذلك، كانت انتهازية وكلبة مال كوالدته. حاول بكل الطرق اسعادها، باع الكثير من برامجه فقط ليرضيها، لكنها كانت دائما تطالب بالمزيد، حين شعرت أنه لم يكن الرجل الذي سيلبي طلباتها الجشعة تركته. وهي حامل ثم أخبرته باجهاضها فقط لتؤلمه!
- يا إلهي! وضعت ألكسندرا يدها على فمها تكبت صرختهاأ ياله من ظلم! حركت مارغريت رأسها موافقة قبل أن تقول وهي تمسك يدي ألكسندرا المرتعشتين: - أنت مختلفة ألكسندرا، لا أعرف هل فقدت الذاكرة فعلا طوال هذه السنوات كما أخبرنا أم أنك فقط قررت الابتعاد، لكنه تعذب لمدة طويلة، لسنوات كان شغله الشاغل البحث عنك، ومحوالة ايجادك لم ييأس يوما، ورفض بشدة أن تكوني ميتة حتى حين صدقنا ذلك جميعا...
مسحت مارغريت دمعتين تسللتا رغما عنها قبل أن تقول: - توقفي عن محاربة مشاعرك ألكسندرا! حاولي ولو لمرة واحدة الاقتراب منه، وراء تلك القوة والغطرسة الزائفة لازال هنالك ليام الحقيقي، لديه قلب من ذهب ستكونين في أتم السعادة إذا ما وصلت إليه! تنهدت ألكسندرا بعمق: - لديه خطيبة مارغريت... - ولديه زوجة فعلية هي أنت! حاربي من أجل من تحبين! ليام يستحق العناء! وطفلك يستحق الحصول على عائلة!
بهذه الكلمات تركت ماغريت ألكسندرا مطرقة رأسها تفكر بعمق. بعد أيام، لم يعد ليام إلى الشقة في نيويورك أقفل هاتفه واختفى فجأة، أخيرا قرر فرانكو التدخل، كانت ألكسندرا كعادتها واقفة على الشرفة تتأمل منظر بارك أفنيو بعينين ميتتين، اقترب منها ليقف إلى جانبها ويتأمل المنظر قبل أن يقول بانجليزية صحيحة طغا عليه القليل من لكنته... - هل قررت العودة لوحدك ألكسندرا؟ أم أن حفيدي أعادك قسرا؟
تسمرت ألكسندرا من الصدمة وأدارت رأسها بقوة لتنظر إليه غير مصدقة، هل كان يعلم؟ رأت الجواب في عينيه الضيقتين وهو ينظر إليها بتمعن... - يا إلهي! أنت كنت تعلم برحيلي؟ - بالتأكيد! قال فرانكو بصوت بارد هل تظنين أن اختفائك وبقائك مختفية طوال هذه السنوات كان محض صدفة؟! تنفس بعمق قبل أن يقترب من الكرسي على الشرفة ليجلس أنا عجوز لا أستطيع مجارات وقوفك!
قال وهو يدعوها للجلوس. كان قلب ألكنسدرا يخفق بقوة، هل هي الغبية الوحيدة هنا؟ كان جده يعلم بكل شيء منذ البداية!
- بعد وفاة مير الأليمة، كنت في حالة من الصدمة والبؤس الشديدين حولت كل كراهيتك نحو ليام، واتهمته بأنه السبب وراء وفاة شقيقتك وهذا كان ليجعل الحياة بينكما مستحيلة، تركت لك القرار بعد الحادث، أعطيتك تذكرة مجانية إلى الحرية وأنت قبلت بها ورحلت. ليام أصيب بشدة بعد وقوع الطائرة، قلبه كان مفطورا حرفيا، لم يكن لينجو مع زوجة تحتقره، فكرة أن تكوني ميتة كانت خسارة أقل له، من حياة مدمرة إلى جانبك!
بلعت ألكسندرا ريقها الجاف بصعوبة وهي تستوعب الكلمات التي وقعت عليها كالصاعقة، جد ليام كان يعرف بمكانها منذ البداية، ترك لها حرية الاختيار، هل دفع مصاريف تعليمها أيضا؟ وكأنه قرأ افكارها قال بصوته الحازم: - ليس من الصعوبة البحث في ماضيك! أنا كنت أعلم كل شيء عنك منذ اليوم الذي سكنت فيه تحت سقف منزلي! كنت ستصبحين معمارية موهوبة لولا وفاة والديك! كان من العدل منحك فرصة ثانية!
هنا توضحت كل الأمور أمامها، مكتب التحيقيق الفيدرالي لم يكن سوى غطاء لقرارات جد ليام، هو من أعطاها الحرية، لكن لما يخبرها الآن؟ لم تسترسل بأفكارها كثيرا وهي تسمعه يقول: - لقد رحل ليام! ربما هو اكتفى أخيرا من الألم الذي سببه دخولك إلى حياته! أخد ورقة مطوية من جيب سترته ليناولها إياها: - هذا هو العقد الذي بموجبه فقدت كل حقوقك على ماسيموس. كانت تنظر إلى العقد بعينين ملئتهما الصدمة.
- صحيح. قال وهو يؤكد ما قرأته لقد أصبح لاغيا الآن! ليام ألغاه منذ عودتك إليه! توقف قلب ألكسندرا عن الخفقان، هذا يعني أنه لم يكن يخدعها، ارتعشت يداها وسقطت الورقة على الأرض وهي تنظر إلى فرانكو بعينين غائمتين، كانت تشعر بالضياع، أكمل فرانكو وهو يتأمل حركاتها باهتمام قبل أن يقول:.
- لقد كنت المسؤول المباشر عن وضعك في حياة حفيدي، ظننت وقتها أن الاستقرار سيضمن له السعادة التي حرم منها منذ طفولته، لكنني أرى جليا أن اتحادكما لا يبعث في نفسه سوى الألم، لذلك قال وهو يخرج من جيبه الآخر مفتاحا قديما ليضعه في كفها ويضغط قليلا هدية وداع مني!
تأملت ألكسندرا المفتاح بصدمة، كانت تعرف هذا المفتاح جيدا، فهي رأته في المزاد، كان مفتاح القصر الذي كانت تقوم بترميمه، لكن قالت ألكسندرا وسرت القشعريرة في جسدها: - لقد أعادته لي أشلي أمس وهي تتمنى لك رحلة موفقة! شعرت ألكسندرا وكأنها تلقت صفعة قوية على وجهها، هل قرر ليام العودة إلى أشلي؟ هل سيتركها أخيرا؟
مجرد التفكير في الأمر جعل معدتها تتقلب من الغثيان، ركضت إلى غرفتها ودخلت الحمام مسرعة لتلقي برأسها في المغسلة وتتقيأ بألم. أخيرا بعد أن توقف الغثيان، شعرت وكأن نصلا حادا يمزق قلبها ببطء، إنها تحب زوجها هذه هي الحقيقة التي لطالما أنكرتها، لن تستطيع العودة إلى حياتها ولو أرادت... نهضت بتثاقل لتفح صنبور المياه وتنسلخ من فستانها الرقيق لترتمي تحت الرذاذ المنعش علها تستعيد هدوئها...
أخيرا حين عادت إلى غرفتها سمحت لنفسها بالتفكير، لقد اتخدت قرارها بالفعل وعليها فقط تنفيده... في فيلته بأورنج كاونتي، كان ليام جالسا في الشرفة وكأس البراندي في يده، بينما الأمواج المتلاطمة للبحر تزيد من تخبط مشاعره، لقد تركها، لا يستطيع للآن أن يتخيل أنه بعد كل تلك السنوات التي بحث فيها عنها كالمجنون، وبعد الحرب الوحشية التي خاضها مع أليساندرو ليستعيدها، قرر أن يتركها ترحل بهذه البساطة...
لقد فقد الحق في المطالبة بها حين أهانها وهددها، كان عليه أن يتوقف أخيرا قبل أن تختفي انسانيته إلى الأبد... المشاعر المظلمة للتملك التي انتابته جعلته لأول مرة خائفا وغير مسيطر، مستحيل أن يستمر بايذائها فقط لأنها لا تحبه، أصابته الفكرة بالسقم فلوح بالكأس نحو الصخور كعادته ليلتف بجسده وتجمده الصدمة... - ألكسندرا!
قال ليام وهو يرفع يده نحو عينيه ليفركهما ظنا منه أنه يتوهم. لكنها ظلت واقفة وتعبير حانق على وجهها... - لقد تزوجت من سكير مغفل! - ما الذي تفعلينه هنا؟ قال بصوت أجش محاولا استعادة توازنه، كان فاقدا للسيطرة تماما، لابد وأنه أسرف في الشرب هذه المرة. اقتربت منه لتضع يدها على ذراعه لكنه أبعدها بقسوة... - ارحلي! صرخ بعصبية أنا لا أريدك في حياتي مجددا! أنت لعنة! اذهبي من هنا!
لكنها لم تستمع إليه بل جرته بقوة رغم حجمه الضخم، مقارنة بحجمها الضئيل، إلى أن وصلت الحمام لتفتح المياه الباردة عليه، ارتجف جسده والمياه تنزل باردة على رأسه تبلل ملابسه، قبل أن يرفع عينيه ليتأمل نظرة الاتهام في عينيها الجميلتين، حاول أن يخطو نحوها لكنها منعته وهي تقول بنبرة صارمة: - سأذهب لأعد القهوة! حين تنتهي سأكون في انتظارك...
خرج ليام بعد أن عاد إليه رشده، يشعر بصداع قوي يفتك برأسه، كان قد نزع عنه ملابسه المبللة بالكامل وغيرها إلى جينز أزرق داكن وقميص وكان يبدو أصغر سنا. نظرت إليه ألكسندرا وجف حلقها من جاذبيته، شعره لازال مبللا من الاستحمام وقميصه المزرر بدون اهتمام جعله يبدو وكأنه خرج للتو من احدى أغلفة المجلات... بلعت ريقها باضطراب وهي تضع كوب من الماء وقرصين في يده: - هذا سيخفف الألم! قالت موضحة.
شكرها برأسه قبل أن يبتلع القرصين بحركة عصبية، لقد زال أثر الشراب تماما ولم يعد هناك سوى الألم الذي يعذبه، رفع رأسه أخيرا ونظر إليها بتمعن، شعرت ألكسندرا بالاضطراب من نظراته المتفحصة وأشغلت نفسها بصب القهوة، ناولته فنجانا أخذه منها بصمت، ليرتشف منه وعيناه لا تفارقانها، أخيرا وضع الفنجان على طاولة أمامه ليقول بصوت جاف: - ما الذي تفعلينه هنا ألكسندرا؟
ارتجفت يداها حتى كادت توقع قهوتها، لتضع الفنجان محاولة تفادي نظراته وهي تمسد فستانها الصيفي بارتعاش، قلبه كان يخفق بقوة من منظرها لو كان يملك الحق، لكان حملها الآن بين ذراعيه ولتذهب كل تلك القيم إلى الجحيم، ضغط على فكه بقسوة وزم شفتيه، كان يبدو عصبيا، فهمت ألكسندرا أنه لا يرغب بوجودها هنا، فازداد اضطرابها لتقول دون تفكير: - أنت فعلا نذل حقير ليام! كيف تستطيع اغماض عينيك والنوم ليلا؟!
لم يتوقع منها هذا الهجوم المباغت ألم يعطها حريتها؟ ألم يترك لها الفرصة للرحيل؟ ما الذي تريده منه الآن؟ مال إلى الوراء ليضع قناعه المتعجرف ويقول بسخرية متهكما: - أتوقف عن شرب القهوة بعد الساعة السابعة! - أيها الوغد!
كانت مشاعرها مختلطة، الغيرة، وهرمونات الحمل أصابتها بالجنون، قفزت عليه لترتمي على وجهه محاولة ضربه، نهض ليام بسرعة ليتلقف جسدها الذي ارتمى عليه بغتة محاولا شل حركاتها الخرقاء، كانت تبكي وتضرب صدره بيديها، وأصبحت مشاعرهما مختلطة.
لم يعرف أي منهما كيف تحولت هذه المشاجرة الغير متوقعة إلى قبلات عصفت بكليهما، حملها بين ذراعيه وهو يقبل كل شبر من وجهها ويلثم دموعها الغزيرة بشفتيه، امتزج طعم القبلات بطعم دموعها مما جعلها أكثر إثارة... أخيرا حملها بين ذراعيه ليفقدها عقلها بحبه... بعد ساعات من الحب الجارف، فتحت ألكسندرا عينيها لتجد ليام يتأملها بعشق... - أخيرا استيقظت أميرتي!
قال ليام وهو يزيح خصلة نافرة عن جبينها، حركت رأسها باستغراب وهي تنظر إلى ملامحه الوسيمة بحب لم تعد تستطيع اخفائه... - هل نمت لفترة طويلة؟ - لساعتين. قال ليام بابتسامة - هل كنت مستيقظا لساعتين؟ سألت ألكسندرا وهي ترفع رأسها لتنظر إليه غير مصدقة - كنت أنتظر استيقاظك شرح بعينين تملاهما الرغبة جعلت قلب ألكسندرا يخفق بقوة بينما تورد خداها بخجل جميل.
هذه المرة حين أخذها كان الأمر مختلفا، مشاعر الحب طغت على كل شيء آخر، كان رائعا مراعيا لكونها حاملا بطفله، أحبها بهدوء وتأن وجعل النيران تحرقهما ببطء مثير، لقد كان الحبيب المثالي... تنهدت رغما عنها وعيناها تمسحان وجهه بشوق، هذه المرة لم يتكلم لكنه سحبها إليه في جولة أخرى من المشاعر المكثفة والعميقة معبرا لها عن عمق اشتياقه...
حين عادا إلى الواقع، طوقها بذراعه وقبل رأسها لتغفو سريعا وهي تستمع إلى صوت خفقات قلبه القوي والثابت، أغمض ليام عينيه أخيرا وشعر براحة غريبة لم يعهدها منذ سنوات ليغفو كطفل بينما ابتسامة اكتفاء تزين وجهه. طوال أسبوع،.
كانا ليام وألكسندرا يتصرفان وكأنهما في شهر عسل حقيقي، سبحا معا في الشاطئ الخاص للفيلا، تجولا على درجات هوائية قرب البحر، وفي كل ليلة كان ليام يعبر لها عن حبه بأجمل الطرق والتي جعلتها تنسى سريعا كل الألم الذي عاشته... أخيرا شعرت بالتعب وهي تتوسد صدره الصلب لتقول بغنج فطري: - ربما حان وقت العودة ليام لقد اشتقت إلى ماكس كثيرا.
عقد ليام حاجبيه وهو ينظر إليها ممثلا الغضب: - بهذه السرعة مللت مني! قال وهو يطوقها بذراعه قبلت ألكسندرا جانب فكه الصلب قبل أن تنسل من بين ذراعيه برشاقة وتسحب معها الغطاء الحريري لتغطي به جسدها، بينما ظل ليام ينظر إليها باستغراب لتختفي في غرفة تبديل الملابس...
حين عادت كان ليام لايزال مستلقيا، يتفحص هاتفه قبل أن ينتفض غير مصدق، كانت ألكسندرا قد ارتدت أحد أجرأ ملابس النوم التي وجدتها في الخزانة، مثيرة وفاتنة هكذا شعر وهو ينظر إليها وقد تصلب جسده من الاثارة... - يا إلهي ستفقديني عقلي! هدر ليام محاولا الوقوف لكنها منعته باشارة من يدها.
اقتربت منه تتهادى إلى أن وصلت إليه، حاول أن يجذبها نحوه، لتصدمه حركتها وهي ترفع يديه فوق رأسه لتقيده إلى دعامة السرير، بينما عيناها تشرقان بخبث... - ما رأيك أن تتوسل هذه المرة من باب التغيير سيد ماكسويل؟ - بكل سرور سيدة ماكسويل! تشدق ليام وصدره يعلو وينخفض بقوة، قبل أن تنزل ألكسندرا لتضع قبلة مثيرة على شفتيه لتفقده عقله ويضيعا معا في عالم سحري لن يزوره سواهما...
استيقظت ألكسندرا أخيرا وهي تشعر بشيء يدغدغها قبل أن تفتح عينها بتكاسل وتنظر إلى وجه ليام القريب منها، وإلى الوردة الحمراء التي وضعها في كتلة شعرها الشقراء قبل أن يطبع قبلة على أرنبة أنفها الصغير... داعبتها رائحته المميزة وجعلتها تتنهد بعمق قبل أن تحاول التحرك إلى الأمام وتصدمها الصينية المقابلة للسرير... - يا إلهي! هل أنت من صنعت هذا؟
حرك ليام رأسه وهو ينظر إليها بعشق حقيقي، وقرب الصينية منها وهو يقول بافتخار: - لمعلوماتك سيدة ماكسويل، أنا طاه محترف، جربي بنفسك! قال وهو يمد لها الشوكة مشجعا حركت ألكسندرا رأسها باعجاب قبل أن تأخذ الشوكة من يده وتأخذ قطعة من طعامها وتقضمها بريبة. - إنه رائع! قالت محاولة بلع الطعام بصعوبة عيناه ضاقتا عليها بمرح وهو يتأمل محاولتها البريئة في مجاملته: - مقرف بكل ما للكلمة من معنى! أليس كذلك؟!
حركت ألكسندرا رأسها ضاحكة قبل أن ترد بحب: - في المرة المقبلة أنا من سأعد لك الفطور! - وأنا موافق! هتف ليام وهو يحملها نحو الحمام بينما علا صراخها باحتجاج واه في المساء،.
كان ليام في مكتبه يحاول مباشرة بعض الأمور المهمة والتي استوجبت اشرافه الخاص منتظرا نزول ألكسندرا، والتي كانت منشغلة باعداد العشاء، قبل أن يفاجئ بباب المكتب يفتح بهدوء، رفع رأسه منتظرا دخولها، قبل ان يتصلب من الصدمة وهو ينظر إلى أشلي الواقفة أمامه، لكن كيف وصلت إلى هنا؟ اقترب منها قبل أن يقول وعلامات الدهشة بادية عليه: - ما الذي تفعلينه هنا سألها بحيرة.
عبر الألم وجه أشلي لثوان قبل أن تسيطر على ردة فعلها الضعيفة وتقول بصوت مرح: - ليس هذا نوع الترحيب الذي كنت أنتظره ليام! نحن أصدقاء أليس كذلك؟! ظلت ملامح وجه ليام متصلبة، لايبدو أنها إلتقت بألكسندرا بعد، لابد وأنها استعملت مفتاحه الاحتياطي للدخول، ضيقت أشلي المسافة بينهما وهي تتهادى في فستانها الرقيق إلى أن وصلت إلى جانبه لتهمس قرب وجهه: - مابك ليام؟ ألم تشتق إليَّ؟!
كانت أنفاسها الدافئة تلفح عنقه ورائحة الشراب القوية تخترق حواسه، لابد أنها أسرفت في الشرب فكر محاولا ابعادها عنه لكنها رفضت مستمرة في الاقتراب إلى أن تعثر كعبها العالي لتسقط على صدره الصلب مطوقة رقبته بذراعيها... في المطبخ،.
كانت ألكسندرا قد أطفأت الفرن لتخرج حلوى الليمون الشهية و التي كانت تصنعها لماكس وقبله مير، كان تريد ابهاره بطعام منزلي، تأملت الطاولة المزينة بالشموع والمناديل المطوية بعناية لتطلق زفرة ارتياح... كل شيء جاهز، تحتاج فقط إلى التخلص من المئزر والذهاب لاحضاره، ألقت نظرة سريعة على المرآة الجانبية في طريقها إلى مكتبه وابتسمت برضى...
أخيرا اقتربت من الباب محاولة فتحه، لتتسمر في مكانها غير قادرة على التحرك، لم يكن الباب موصدا، تمكنت من بعيد من رؤية جسدين متعانقين، كانت أشلي تضع ذراعيها حول عنقه، بينما مال هو نحوها بحميمة. هوى قلبها من المنظر المؤلم وهي ترى حبيبها يقبل أخرى ليتحطم عالمها الوردي بقسوة.
ظلت مسمرة لثوان غير قادرة على تحريك قدميها وكأنهما التحمتا بالأرضية، أخيرا سحبت نفسها بهدوء قبل أن ينتبها لوجودها وتسللت إلى الأعلى لتحمل حقيبة يدهاوتغادر الفيلا مسرعة والدموع تنساب غزيرة تبلل وجهها الشاحب...