أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

المنتدى للقرائه فقط -- للمشاركه انتقل الى منتديات جنتنا الجديده -forums.janatna.com





رواية غرامة غدر

كانت عودته بمثابة عودة إلى جحيم الماضى ولكنه لم يعد كما كان قبل الرحيل،فلقد تخطى خيبات الامل وتجاوز حُرقة القلب وصار صلد ..



01-03-2022 01:17 مساء
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 

t22082_4460
كانت عودته بمثابة عودة إلى جحيم الماضى ولكنه لم يعد كما كان قبل الرحيل،فلقد تخطى خيبات الامل وتجاوز حُرقة القلب وصار صلداً قاسياً كالجلمود، وقد عاد فقط لسبب واحد لا غير ، تحصيل غرامته... غرامة غدر.
فصول رواية غرامة غدر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

تأملت طفلها النائم بحنان. يشبهها كثيرا هذا الصغير خصلاته صفراء كخصلاتها تماما وعيونه المغمضة عشبية اللون كخاصتها فلم يأخذ من أبيه شيئا سوى شامة على كتفه تحاول أن تغُضّ البصر عنها كلما رأتها، تغمض عيناها لتمحو وجودها حتى لا تُذكرها بجُرح حاولت نسيانه بكل ماأوتيت من قوة، مالت تطبع قبلة حانية على جبينه صاحبتها دمعة مسحتها برقة ثم نهضت وإتجهت إلى شرفة حجرتها تتطلع إلى تلك الليلة العاصفة بقلب يإنّ ألما، فى الماضى كان الشتاء بالنسبة إليها فصلها المفضل ولكنه لم يعد كذلك أبدا، لطالما حملت لها لياليه هدوءا وسكونا وأمانا وحملت أمطاره الخير والسعادة لقلبها، إلا أنه فى السنوات الأخيرة حمل لها ضجيجا يؤرقها، فالقلب رغم البرودة يتلظى بجمر الحزن ويحترق بأنين الجراح.

إشتد وقع صوت قطرات المطر على النافذة، ليمتزج المطر مع مثيله المنهمر من عينيها الجميلتين وشريط الذكريات يمر بخاطرها محملا بالهموم والأشجان، أخذها إعصار الليلة لليلة شبيهة بها قضت على قلبها وكادت ترديه قتيلا ولكنه بشكل ما مازال حياً.

مازال المطر ينهمر ومع زخاته الرتيبة تعلو وتيرة الذكريات لتنقسم بين قسوة البرد ولوعة الهجران، لاتدرى لما تهاجمها الذكريات بقسوة فى تلك الليلة؟وتتمثل أمامها كما لو كانت بالأمس، ربما لإنها الليلة الأخيرة لها فى المكان الذى حمل ذكريات طفولتها وأيام صباها، ربما لإنه المكان الذى طالما جمعها به وقد آن الأوان لتتخلى عن المكان وعن ذكرياتها المريرة معه، بل الأحرى تتخلى عنه هو كما وجب أن تفعل منذ سنوات.

لقد أبت دوما أن تتخلى عن مزرعتها وقد رفضت أن تستمع لعقلها كثيرا وحاربت من أجلها أكثر، فرغم أن المزرعة تحمل عبقه فى كل خطوة إلا أنه إستحال عليها كُرهها كما كرهته هو، وإستحال عليها طمس الذكريات رغم أنها تحمل إسمه منقوشا على جدرانها فى كل لحظة، حاربت من أجل الإبقاء عليها طويلا وكأنها تعشق تعذيب النفس وتهوى الألم، ولكنها بالنهاية خسرت.

مازالت الدموع تنهمر تعلم ان البكاء لا يفيد ولكنها مازالت تبكى، تبكى خذلانا أصاب جوارحها تلتمس فى الدموع السلوى ولكنها دوما تخذلها بدورها.

مدت يدها ومسحت دموعها تطالع الخارج بحسرة فغدا تذهب إلى أقاربها فى الإسكندرية بغير رجعة، تودع منزلها الذى عاشت فيه طيلة حياتها، غدا تترك المكان ولكنها تحمل معها ذكرياته، ربما لم تستطع إنقاذ مزرعة أبيها وباعها البنك لآخر كي يُحصّل ماله، ربما فقدت كل شيء عندما فقدت مزرعتها ولكنها لن تيأس. ستبدأ من جديد وستكون بخير فقلبها النقي الذى ماأضمر شرا لأحد قط يخبرها بذلك.
إنها خيبات الأمل..

تلك التى تفطر القلب.
وتقتل كل رغبة بداخلك بقسوة.
تشبع النفس بالوجع.
وتحرقك بلهيب الجحود.
توقف الأنفاس فى الحلق.
وتتركك فى طريق مظلم.
تمقت من مددت إليهم يديك بالورود.
فتركوك لمخالب وأنياب الوحوش.
ينهشون فى جسدك حتى ينالك الردى.

كان لابد لها من أن تودع هذا المكان قبل الرحيل، لطالما تجنبته فى السنوات الأخيرة المنصرمة، تتفادى الألم الذى يحييه وجودها به، تقدمت ببطئ من تلك الشجرة التى جمعتهما تحت ظلها يوما وتلمست الأحرف التى حُفرت عليها برقة وحنين، حرف ال K و حرف ال A. يحيطهما قلب شعرت بإنكسار جدرانه داخلها.

مدت يدها تضعها على فؤادها الذى تإنّ خفقاته وهي تنفض صورته التى أطلت أمامها فجأة، قبضت على يدها بقوة وهي تغمض عيناها ترفض التطلع إليه ثم فتحتهما لتراه لم يزل هناك. أمامها.

يمسك لجام جوادها يديره فى حلقات بينما يتطلع إلى تلك التى تمتطيه بعيون شع بهما الحب أو هكذا ظنت وهي تبادله تلك النظرات، كانت تتوه فى عيونه السوداء كالليل واللتان تزدادان قتامة كلما تأملها هي. وحدها دون غيرها، تخبرانها أنها فقط من تحتل قلبه لتقسم له أنه كذلك أيضا، وقتها تركت اللجام وقد تملكها عشقها فإختل توازنها وسقطت لتجده يتلقفها بين يديه. وتوقف الزمن.
حرارة إجتاحت الجسد وعيون تُرسل حديثا صامتا.

=أحبك كما لم احب مخلوقا قط.
=أقولها لكِ وحدك، أنتِ العشق.
=لو وضعوا الدنيا فى كفة وحبك فى كفة لأخترت الحب دون شك.
=قادنى قدري إليكِ فأبيت الرحيل.
=وقعت فى غرامك فأصبح قلبك الوطن.
إعتراف بالعشق فى تلك اللحظة لأول مرة ووعود بالحب والوفاء و البقاء إلى الأبد، وعود كتبت على الرمال فحملتها رياح أول عاصفة وبعثرتها بعيدا، ولم يبقى سوى بضعة آثار بالية ستفنى يوما وتزول بدورها.

تنهدت بحزن وهي تطالع ذكريات الماضى تتجسد أمامها تحييرمادا ظنته قد إختفى لتشتعل جذوة عشق صار بالماضى سعادتها وأصبح الآن شقائها.
تطلعت إلى المكان بنظرة أخيرة، قبل أن تمسح تلك الدموع التى إنهمرت من عينيها وتستدير عائدة للمنزل. بخطوات منكسرة.
طرقت الباب ثم دلفت على الفور لتجد خالتها مازالت فى سريرها تتمطى بكسل، فقالت بإستنكار:
-إنتى لسة فى السرير ياطنط رجاء؟
طالعتها (رجاء)بحب قائلة:.

-خلاص هقوم أهو، هو جه ياقمر؟!
قالت (قمر) بهدوء:
-لأ لسة.
هبطت(رجاء)من السرير بسرعة وهي تأخذ المنشفة قائلة:
-كويس أوى، ياريت نمشى قبل ماييجى مش حابة أشوف البنى آدم اللى أخد مننا كل حاجة ده.
قامت (قمر)بترتيب السرير تلقائيا كما كانت تفعل دوما وهي تقول:
-وهو ذنبه إيه بس ياحبيبتي؟مش حاتم الله يرحمه اللى أخد القرض بضمان المزرعة وفضلنا سنين مش عارفين نسده ولا نسد فوايده.
قالت (رجاء)بحزن:.

-بتجيبى سيرته ليه دلوقتى؟الله يرحمك ياحاتم. من بعدك إتبهدلنا ياحبيبى.
تجاهلت (قمر)كلماتها، وهي تقول:
-وهو لولا عمى فاضل جارنا اللى قعد يماطل مع البنك عشان ميحجزوش على المزرعة كانوا سابونا لحد النهاردة قاعدين فيها؟المفروض كانوا باعوها من سنة كاملة وكنا أكيد هنسيبها وقتها، بس خلاص مبقاش ينفع يأجلوا أكتر من كدة و جه صاحب النصيب وإشتراها من البنك، ربنا يباركله فيها ويعوض علينا.
قالت(رجاء)بحنق:.

-بقى ياخد البيت اللى عشنا فيه سنين طويلة وياخد المزرعة وبتدعيله يباركله فيها، ده أنا لو طايلة أحرقها بإيدى قبل ماأمشى كنت عملتها.
توقفت(قمر)عما تفعله قائلة بإستنكار:
-تولعى فيها؟!انتى عايزة تودينا فى داهية؟
قالت(رجاء)وهي تهز يدها بلا مبالاة قائلة:
-وشفتيني يعنى عملتها؟ماأنا قدامك أهو، لميت هدومى وماشية معاكى من غير كلام.
لتردف بحنق:.

-مع إنى مبطيقش مرات ابن خالي بس رايحة أعيش معاهم لأجل عيونك يابنت أختي.
إبتسمت (قمر)وهي تقترب من خالتها تضمها قائلة:
-ربنا يباركلى فيكى يارورو. يارب.
ثم خرجت من حضنها وهي تقرص وجنتها قائلة:
-يلا بقى خدى شاور بسرعة وجهزى نفسك عشان نمشى قبل ماييجي زي ماانتى عايزة.

هزت خالتها رأسها متنهدة قبل أن تتجه بمنشفتها إلى الحمام تتابعها (قمر)بعينيها، تتنهد بدورها ثم تتقدم بإتجاه النافذة وتفتح شباكها تسمح لأشعة الشمس بالدلوف إلى المكان، تأخذ نفسا عميقا مُشبعا بهواء حديقة المنزل، تسمح للنسيم العذب بأن يصافح وجهها ويتغلل فى صدرها يبعث الراحة فى نفسها ربما لآخر مرة أو يقبضها وهو يرسل إلى خاطرها مجدداً، الذكريات.

وقف يتطلع إلى المنزل ذو الواجهة الكبيرة من البلاط الجيرى أرجواني اللون، قد يشع المنزل بهجة ودفئ للناظر إليه خاصة مع وجود لمسات الطبيعة التى حاوطته بالكامل، ولكنه يحمل له برودة سرت فى أوصاله إمتزجت بشعور عميق بالضعف نفضه عنه بقوة وهو يتمسك بيد طفلته ذات الخمس سنوات، يتقدم بإتجاه باب المنزل بثبات فقاموسه لم يعد يعترف بتلك الكلمة مطلقا. لقد تخطى خيبات الامل وتجاوز حُرقة القلب وصار صلدا قاسيا كالجلمود، وقد عاد فقط لسبب واحد لا غير، لذا فعليه دوما التذكر والتحلى بالقوة والثبات فالقادم يحتاجه قويا كي يستطيع تحصيل غرامته. غرامة غدر.

كانت(قمر)تضع الهاتف مابين عضديها وأذنها، تبحث فى حقيبتها عن شيئ ما وهي تقول:
-مش عارفة حطيته فين؟كان لسة هنا من شوية الظاهر دخل جوة الهدوم.
لتترك مابيدها وتمسك الهاتف مردفة:
-عموما هو مع خالتي، هبقى أبعتهولك فى ماسيدج.
قالت(أمنية):.

-تمام ياقمر المهم خلى بالك من نفسك وخلى بالك من تيام وقوليله إنه هيوحشنا أوى، سارة عاملة مناحة هنا عشان مرضيتش أجيبها تودعه، مش قادرة تقتنع إنك مبتحبيش لحظات الوداع وان احنا إمبارح بكينا بما فيه الكفاية.
إبتسمت(قمر)بحزن قائلة:
-بوسيهالى، والله ياأمنية أيامى هينقصها وجودكم معايا.
قالت( أمنية) بنبرات متهدجة:
-طب متبكنيش تانى، وبعدين اول ماتبعتيلى العنوان هتلاقينى جايالك علطول.
قالت (قمر)بسعادة:.

-بجد يامنمن؟
لتزوى سعادتها وهي تردف:
-وهو صادق هيرضى يجيبك لية إسكندرية؟
قالت(أمنية):
-وميرضاش ليه؟مش صاحبتي الوحيدة واختي اللى ماجابتهاش لية أمي.
قالت(قمر):





-أيوة بس..
قاطعتها (أمنية)قائلة:
-الموضوع ده منتهى ياقمر واحنا إتكلمنا فيه كتير. هو آخد صف صاحبه وعاطيله العذر وده على عيني وعلى راسي، أنا كمان زيه خدت صف صاحبتي ومش هتخلى عنك ولا هبعد مهما حصل.
تهدج صوت(قمر)قائلة:
-أنا بحبك قوى على فكرة.

قالت(أمنية)بصوت تهدجت نبراته بدورها:
-وانا كمان، بس لو مبطلتيش بكا هبطل أحبك.
قالت وهي تمسح عبراتها:
-متقدريش..
قاطعها صوت طرقات على الباب فسمحت للطارق بالدخول، دلفت الخادمة وهي تقول:
-البيه اللى إشترى المزرعة جه تحت ياستي.
هزت (قمر)رأسها قائلة:
-أنا جاية حالا ياسعاد.
غادرت (سعاد)، بينما قالت(قمر)ل(أمنية):
-كان نفسي نمشى قبل ماييجى بس إتأخرنا، مضطرة أنزل دلوقتى وارحب بيه قبل ماأمشى.
قالت (أمنية):.

-تمام، خدى بالك من نفسك ياقمر وطمنينى عليكى.
قالت(قمر):
-أكيد، سلام مؤقت.
قالت (أمنية):
-سلام ياحبيبتى.

أغلقت (قمر)الهاتف وهي تسرع بوضع الحجاب على شعرها تخفى خصلاتها الذهبية ثم تسحب حقيبتها خارجا، كادت ان تتجه إلى حجرة خالتها التى تجلس بها الآن مع ولدها (تيام) لتخبرها بقدوم المالك الجديد، ولكنها تذكرت انها تمقته ولا تبغى رؤيته لذا وجب على عاتقها الترحيب به وحدها، فتركت حقيبتها وهي تتجه إلى ردهة المنزل لتستقبل هذا الرجل بإبتسامة رسمتها على شفتيها، فجاءت باهتة رُغما عنها.

دلفت إلى الردهة بخطوات هادئة، فوجدت طفلة صغيرة جميلة تتجول فى المكان، توقفت الصغيرة تطالعها بفضول ماإن رأتها فأدركت أنها إبنة هذا الرجل الذى يمنحها ظهره، منحتها إبتسامة رقيقة ثم تأملت الرجل الواقف بثبات مانحاً إياها ظهره يتأمل اللوحة الكبيرة التى تزين المكان والتى رسمتها ذات يوم لمكان رائع بالمزرعة كانت تهواه كثيرا ولكنه الآن صار كغيره من الأماكن بالمزرعة. سبباً للوجع.

فلا تُذكرها تلك الأماكن سوى بلحظات من السعادة نالتها من القدر، ثم إتضح أن سعادتها كانت زائفة والمشاعر خادعة وكل شيئ إلى زوال.
نفضت أفكارها وهي تتنحنح ليستدير إليها الرجل ومع إستدارته تسمرت فى مكانها وتجمدت إبتسامتها لتختفى تدريجيا، فبينما هو يتأملها بعيون باردة ساخرة كانت هي تعيش دوامة من الذكريات ضربتها بعنف حتى كادت ان تسحبها لسوادها الذى أرادته بكل قوة، أو ربما سحبتها بالفعل.
تاااابع اسفل
 
 



01-03-2022 01:18 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [1]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية غرامة غدر
رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

لحظة المواجهة مع الماضى قاسية جدا، خاصة إن فوجئت بها تضربك بقوة فى وجهك بلكمة الذكريات المريرة بعد حب قُتل بطعنة خيانة فرحل إلى عالم آخر ولم يبقى منه سوى أطلال بالية وغِصّة سكنت القلب وإستقرت به. تكون الطعنة موجعة حين يتركك من تحب وأنت فى أمس الحاجة لقبضة يده كي يأخذك من ظلماء درب الموت إلى نور الحياة بينما تعافر بإستماتة كي تخرج للنور وتبدأ حياتك من جديد وحدك تماما، وحين تنجح تجد أنك لم تعد كما كنت. تغيرت كثيرا وصارت نظرتك للأشياء باهتة وكأن ما كُسر بداخلك إنعكس على عيناك فصارت كل الصور مشروخة. لا تستأهل النظر إليها، ولا تستحق أن تُعيرها إهتماما.

تدرك بالنهاية أنك لو لجأت إلى نبضك فى الحكم على البشر وتخليت عن عقلك لأُصبت بالتأكيد بجُرح كبير غائر وخيبة أمل.

وقد عاد جُرحها للنزيف مجددا فأصابها بدوار عجزت عن مقاومته وسحبها لسواده حتى كادت أن تسقط أرضا ولكن هناك من إلتقطها وأراحها على الأريكة مناديا الخادمة بسرعة فلبت النداء على الفور، أمرها بإحضار كوب ماء بينما يربت على وجنة(قمر)برقة مناديا إياها فسحبها صوته قوي النبرات وأعادها بقوة إليه، فتحت عيونها تطالعه بصمت فوجدته يطالعها بنظرة اشتياق وحنين لطالما راودتها بالأحلام. ظلت صامتة وكأنها تخشى إن تحدثت أن يختفى طيفه الذى تثق بأن خيالها من صوّره وسيخفيه من أمامها بعد لحظات.

وجدت الخادمة تعود بالماء فأخذ منها الكوب وجعلها ترشف منه رشفة واحدة لتجد نفسها رُغما عنها تهمس بإسمه دون وعي، تقول بصوت يكاد يكون مسموعا:
-أكرم.
ندمت على الفور على همستها وملامحه تصير جليدا باردا يطالعها بعيون حادة قاسية وهو ينهض قائلا بلهجة باردة:
-إسمى أكرم بيه، أكرم بيه الصياد.
إعتدلت جالسة تطالعه بحيرة، فتجاهلها وهو يوجه حديثه إلى الخادمة قائلا:.

-من فضلك. خدى شمس تلعب فى الجنينة شوية على ماأخلص كلام مع مدام قمر.
شمس!
طفلته!
هل أسماها شمس حقا؟!
إختفت الخادمة مع طفلته بينما إلتفت إليها قائلا بسخرية:
-الهانم بقت كويسة؟ولا لسة محتاجة وقت عشان تستوعب إنى رجعت ومش ناوى أسيب حقي.
حقك؟عن أي حق تتحدث؟!
تأملها بعيون جَمّدت أوصالها وهو يقول بصوت قاس النبرات:.

-أنا رجعت عشان حاجة واحدة بس. آخد تاري للنهاية وصدقينى هتتمنى إنك تموتى فى اليوم ألف مرة عشان متحسيش بالعذاب اللى هتدوقيه على إيدية.
عقدت (قمر)حاجبيها وهي تستمع إلى كلماته. جريئ هو حقا وجرأته قد فاقت كل حد لتنهض قائلة بغضب:
-تار إيه وعذاب إيه اللى إنت راجع تعيشهولى؟إنت جرا لعقلك حاجة..
قاطعها وهو يمسك ذراعها بقسوة قائلا بعيون إتقدت شرا:.

-لما تكلمينى تكلمينى بإحترام، أنا مش اكرم الصياد الجنايني اللى أبوكِ عذبه وخرج من هنا شحات محيلتوش أي حاجة، لأ. أنا دلوقتى أكرم بيه الصياد اللى إشترى المزرعة والبيت وإشتراكى إنتِ كمان خدامة عنده.
نفضت ذراعها تقول بغضب:
-إشتريت المزرعة والبيت عشان تنتقم من بابا ممكن، لكن البنى آدمين مش للبيع والشرا وخصوصا أنا. قمر منير الجمال. هفضل طول عمرى حرة ومش هتقدر تشترينى بفلوس الدنيا كلها يا، ياأكرم بيه.

طالعها بنظرة ساخرة وهو يقول:
-ومين قالك إنى هشتريكى بالفلوس؟!
لم تسترح لنظرته الساخرة تلك وأدركت أن ماسيقوله لن يعجبها البتة، ليبتسم بسخرية فإزداد قلبها توجسا وهو يردف:
-أنا هشتريكى من غير ماادفع ولا مليم، ببساطة كدة هتشتغلى عندى هنا فى البيت وهتسكنى فى الكوخ اللى فى آخر الجنينة ده، فاكراه؟إما كدة أو بمنتهى البساطة تستعدى عشان تخسرى حريتك.

لتزول إبتسامته الساخرة وملامحه تصبح صارمة قاسية وهو يردف قائلا:
-لإنى وقتها هتهمك بقتل الست فاطمة ناجى الصياد مع سبق الإصرار والترصد.
لتتسع عينا(قمر)فى صدمة.
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تعقد حاجبيها بقوة، يتفصّد جبينها عرقا وهي تقول متلعثمة:
-وإنت. إنت عرفت إزاي؟
قال بعيون اتقدت غضبا:
-اللى شافك وانتِ بتهربى بعد مادوستيها بالعربية قالى.
قالت بحزن:
-أنا، أنا...
قال بصوت قاس شابه المرارة:.

-إنتِ إيه؟إنسانة أنانية ومدلعة ومبيهمكيش غير نفسك ودى عرفناها من زمان، لكن اللى عمرى ماكنت أتخيله فى يوم من الأيام إنك تقتلى الست اللى حبيتك وربتك زي بنتها وتسيبيها وتهربى عشان خايفة على نفسك.
قالت بألم:
-أنا إتأكدت بنفسى إنها ماتت قبل ما..
صمتت وقد ادركت أنها تسرعت فى كلامها، فطالعها بإزدراء وهو يقول:
-لا والله كتر خيرك إنك مهربتيش قبل ماتتأكدى من موتها. عملتى اللى عليكِ فعلا.

لتتجهم ملامحه وتصبح قاسية صارمة وهو يردف قائلا:
-ورحمة عمتي فاطمة اللى ربيتنى بعد موت أمى وإعتبرتنى زي إبنها لآخد حقها منك تالت ومتلت، والله لتتمنى السجن أو الموت عشان تترحمى منى ومش هرحمك برضه، تعرفى لو حد غيرك اللى عملها كنت قتلته وشربت من دمه وبردت ناري لكن انتِ بالذات مش هيبرد ناري موتك ولا هيشفى غليلي ويحققلى إنتقامي منك إنتِ وعيلة الجمال واحد واحد وواحدة واحدة غير اللى ناوى أعمله فيكِ.

غشيت عيونها الدموع وهي تطالعه بصمت، لا تقوى على أن تقول حرفا تُدافع به عن نفسها.
تأملها بقلب تجمدت دقاته التى كانت ترِق لدموعها، كان يظنها دموع روح متألمة فأدرك بعد فوات الأوان أنها مجرد ماء تدعه المرأة ينهمر من عينيها بإبتزال كي تستدر عطف الرجل وتربكه، كانت بدمعة واحدة تجعله يخُر راكعا بين يديها ملبياً كل رغباتها، أما الآن فيراها رخيصة، مثلها تماما.
نفض ذكريات الماضى وهو يقول بصوت هادر:.

-هو إنتِ لسة واقفة مكانك بتعملى إيه؟
إنتفضت على صوته الغاضب، تطالعه بصدمة قبل ان تقول بغضب:.

-أيوة كدة إظهر على حقيقتك وإتخلى عن قناعك بتاع زمان، إنت مش ممكن تكون إنسان. إنت وحش كاسر جاتله الفرصة ينتقم من فريسته اللى طمعه زمان خلاه يخسرها، بس أحب أنبهك إنك مهما حاولت تعلى بفلوسك فأصلك هيفضل معروف للكل، حتة جنايني طمع يتجوز أميرة القصر ولما فشلت خطته هرب. ولما رجع معاه فلوس حاول يملكها بالتهديد والمال، بس مجاش فى باله إنها مش ممكن هتخضعله ولو كان التمن حياتها.

طالعها بجمود للحظات، لا يظهر على وجهه أي أثر لإنزعاجه من كلماتها سوى عضلة فكه التى تتحرك وتخبرها بأنه يتمالك نفسه بصعوبة قبل أن يقترب منها خطوتين ويتوقف مُشرفاً عليها فتراجعت خطوة رُغما عنها للخلف وهو يقول:.

-لو فاكرة إنى راجع لأجل عيونك ياأميرة فصدقينى غرورك عدا الحدود، مش أنا اللى أحن لواحدة زيك أنانية وناكرة للجميل، لأ وكمان قتلت الست الوحيدة اللى باقيالى من عيلتى، الست اللى كانت أكتر من امي واللى رغم الفلوس اللى جمعتها وإصرارى إنها تسافرلى فضلت متمسكة بالمكان هنا رغم تواضع مكانتها فيه عشان واحدة زيك متستاهلش، الست اللى آخر كلامها لية كان( مش هينفع أسيب قمر لوحدها وأبعد ياإبنى، قلبى مش هيتحمل فراقها).

إنهمرت دموعها وكلماته تذكرها ب(فاطمة)، تلك السيدة التى كانت لها أما بدورها وأحبتها من كل قلبها فسقطت ضحية تحت عجلات سيارتها ولم تستطع أن تفعل لها شيئا، خشيت ماقد يحدث إن عرف الجميع ما حدث فكان لا بد وان تصمت من اجل عائلتها فأضحت مذنبة حقا والذنب يقتلها ويحرمها النوم.
إنتفضت على صوت الهادر وهو يردف:.

-الست اللى دوستيها وسيبتيها تموت بدم بارد لأ وبكل بجاحة جاية دلوقتى تتكلمى عن الأصل. إنتِ أصلا قليلة الأصل.
قالت من وسط دموعها:
-أنا مسمحلكش..
أمسك ذراعها بقسوة يقاطعها قائلا:
-من النهاردة هتسمحيلى أو تجهزى نفسك للسجن وساعتها هتأكد إن عمرك ماهتخرجى منه غير على قبرك وهتتحرمى أكيد من إبنك. تيام إبن حاتم السلاطينى.
طالعته بهلع قائلة:
-لأ أرجوك. أنا مستعدة أعمل أي حاجة بس متحرمش من تيام.
قال بسخرية:.

-البيه حاتم كان عارف إن إسم إبنه كان إختيارى.
طالعته بمرارة قائلا:
-لو الهانم مراتك تعرف إن شمس كان إختياري يبقى...
شدد من قسوة قبضته على ذراعها وهو يقول:
-متجيبيش سيرتها على لسانك، فيفيان رغم إنها أجنبية وكانت عايشة فى بلد الحب و الحرية بس كانت أشرف كتير منك.

رفعت يدها الحرة تصفعه، فأمسكها بقوة قبل ان تصل إلى وجنته. اصبحت حبيسة يديه يقربها منه بشدة فإحتبست أنفاسها وزادت حرارة جسدها وعيونه تتعلق بملامحها خاصة ثغرها الكرزي المرتعش، يقترب منها ببطئ فكأنها مغيبة بالكامل وجسدها الخائن يستجيب لقربه ويميل تجاهه رُغما عنها، ليتراجع فى اللحظة الأخيرة وهو يقول بإزدراء:
-لسة زي ماإنتِ ضعيفة قدام غرايزك.

طالعته بصدمة شديدة تتراجع للخلف وهي تضع يدها على فمها تكتم صراخا طالبها بالخروج والتعبير عن تلك الحُرقة بقلبها قبل ان تغادر مسرعة إلى حجرتها ودموعها تسبقها بينما تصدعت واجهته القاسية وظهر الألم بملامحه هامسا:.

-إبكى ولسة ياما هتبكى ماهو لازم تدفعى تمن حرقة قلبي طول السنين اللى فاتت دى ولازم تتعذبى زي ماإتعذبت، انا كنت خلاص نسيت غدرك و فوضت امرى لله بس اللى عملتيه مش ممكن هقدر أغفره مهما كان حبك فى قلبي كبير، فحبي لماما فاطمة أكبر و لو نسيت غدرك بية مش ممكن هنسى غدرك بأمي. انتِ لازم تدفعى التمن ياقمر.

كانت تبكى بحُرقة فى حجرتها لا تدرى ماذا تفعل وكيف تتصرف فى المصيبة التى وجدت نفسها بداخلها، كيف ستكون جواره وتتحمل قسوته بعد أن إعتادت حبه؟ بل ووجدت نفسها رُغم كل شيء تتأثر به كما لو ان السنوات المنصرمة من العذاب لم تكن، وكأن حبه جعلها عبدة له يفعل بها مايشاء وتظل ملكا له قلبا وقالبا، وكيف ستتحمل عذابه الذى يبدو أنه سيذيقها إياه بلا رحمة؟كيف؟

سحبها من دوامة أفكارها رنين هاتفها بإسم صديقتها، فأجابت على الفور تقول بألم:
-أمنية. تليفونك جه فى وقته.
قالت (أمنية) متوجسة:
-خير ياقمر؟مالك ومال صوتك؟حصل إيه؟
كادت (قمر)أن تتحدث ولكن صوت تحطم شديد أصمتها و(أمنية)تقول بوجل:
-هقفل وأرجع اكلمك ياقمر الظاهر سارة وقعت حاجة، سلام مؤقت.

ثم اغلقت الهاتف لتتنهد (قمر)وهي تطالع هاتفها ثم تتركه جوارها. تنهض وتمسح دموعها وهي تستعد لمواجهة خالتها بما لديها. توقن من كل قلبها أنها لن يعجبها ماتسمع، لن يعجبها، على الإطلاق.
خرجت( أمنية) إلى الردهة بخطوات سريعة فوجدت
زوجها( صادق) يقف مانحا إياها ظهره وبجواره حطام المزهرية الكبيرة فقالت بحدة:
-إنت كسرت الفازة ياصادق وواقف جنبها كدة عادى؟

إستدار إليها فعقدت حاجبيها بقوة وملامحه الشاحبة وعيونه الدامعة تثير قلقها بقوة لتقترب منه بسرعة قائلة:
-مالك ياصادق فيك إيه؟!
قال بصوت متهدج النبرات:
-منال ماتت فى حادثة عربية من شوية.
لتضع (أمنية)يدها على فمها وهي تشهق بقوة.
قالت (رجاء) متوجسة:
-يعنى هتوافقى تعيشى فى الكوخ اللى مليان رطوبة وحشرات ده وتشتغلى كمان خدامة عند اللى مايتسماش؟
ضمت (قمر)قبضة ولدها إليها بقوة قائلة:.

-زي ماقلتلك ياطنط. مبقاش قدامنا حل غير إننا نسمع كلامه وننفذ اوامره وإلا هيدخلنى السجن ويفرقنى عن تيام وأنا مش ممكن اسمح بكدة حتى لو كان التمن عذابي.
قالت(رجاء):
-لأ فيه حل، نهرب حالا وأكيد مش هيعرف يوصلنا.
قالت(قمر)بمرارة:
-هنهرب على فين بس؟انتى ناسية انه يعرف عنى كل حاجة. ده متربى من صغره معايا فى المزرعة، وبعدين أنا متعودتش أهرب من مشاكلى. بقف قدامها وأواجهها وياتهزمنى ياأهزمها.
قالت(رجاء) بحدة:.

-إنتى تقصدينى بكلامك يابنت أختي؟
أسرعت تنفى قائلة:
-لا والله مقصدكيش ياطنط انتِ فهمتينى غلط.
قالت(رجاء) بحزن:
-يعنى هسافر من غيركم ياقمر؟
عقدت (قمر)حاجبيها قائلة:
-هو انتِ برضه هتسافرى؟!
قالت(رجاء)تتظاهر بالضعف:
-إنتِ عارفة ازمة صدري يابنتي، مش هقدر أستحمل رطوبة المكان اللى هنعيش فيه ولا هقدر أستحمل العيشة دى أساسا. صحتي على قدى.
طالعتها (قمر)للحظات قبل ان تقول:
-اللى تشوفيه ياحبيبتي.
قالت(رجاء)بسرعة:.

-انا مبفكرش فى نفسى بس. انا بفكر فيكِ انتِ كمان. هحاول أجمع رجالة عيلتنا ونرجعلك عشان ننقذك منه.
تنهدت (قمر)قائلة:
-معتقدش فيه حد ممكن ينقذنى من قدري، عموما سافرى انتِ وربنا يقدرنى على اللى جاي.
قالت (رجاء):
-بس طمنينى عليكى دايما ياقمر وقوليلى أخبارك.
طالعتها(قمر)قائلة بحزن:
-هتوحشينى.
ضمتها (رجاء) قائلة:
-وانتِ كمان هتوحشينى.
ثم ابتعدت عنها تنظر إلى الصبي قائلة:
-انت بقى أكتر واحد هيوحشنى يا ابن الغالى.

اندفع الصغير لحضنها فضمته بحنان، طالعتهما (قمر)وهي تخشى القادم بقوة خاصة وانها ستواجهه وحدها، وحدها تماما.

01-03-2022 01:18 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [2]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية غرامة غدر
رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

كان الوداع حزينا تبكى فيه الجدة فراق حفيدها، تعرف ان الدموع لن تخفف وجع الفراق ولكنها تلتمس فيها السلوى، تُبرد بها نارها وحرقة قلبها كما تبرد الماء بعض الشيئ من حريق الجلود.

تحمد الله انها إستطاعت الخروج من المنزل دون أن ترى مالكه الجديد وإلا أمسكت فى خناقه فلم تتركه إلا وقد وارى أحدهما الثرى، فكم تمقت هذا الطُفيلي الذى أخذ منها كل شيء وحرمها حتى الوجود إلى جوار أحبتها، مسحت دموعها وهي تربت على كتف (قمر)وتُقبل الصبي ثم تحتضنه بقوة قبل أن تتركه وتركب السيارة على الفور فتنطلق بها بينما نظرت (قمر)فى إثرها بحزن و(تيام)يلوح لتلك السيارة المبتعدة حتى إختفت عن الانظار، تنهدت(قمر) تمسك قبضة يده بإحدى كفيها بينما باليد الأخرى حملت حقيبتها وسارت بإتجاه الكوخ الصغير فى آخر الحديقة والذى كان لها دوما مكان للراحة والسعادة وأضحى الآن مكانا لطوفان من الذكريات تجتر فيه فقط أحزانها ومرارتها.

كان هناك من يتابع كل شيء من خلال نافذة الحجرة التى إختارها ليمكث فيها ليقول بقسوة:
-هربت وسابتك لوحدك. اممم، كدة أحسن برضه. من النهاردة إبتدى حسابك ياقمر وصدقينى حسابك معايا عسير.
ليترك الستائر تنسدل وهو يتجه إلى حقيبته ويفرغها ببرود.

كانت تحمل الملاءات البيضاء من على المفروشات وتأخذها لخارج الكوخ تنفضها ثم تضعها إلى جانب، تمسك قطعة من القماش وتمزقها نصفين ثم تأخذ جزء منها لتزيل الغبار من على الشباك الصغير فإمتلأ المكان بغمامة من الغبار سعل على إثرها (تيام)بقوة، فأخبرته أن يخرج من الكوخ وينتظرها بالخارج حتى تنتهى من التنظيف فإنصاع لأمرها على الفور.

كانت تلمع بالجزء الآخر الأخشاب البسيطة الموجودة بالكوخ حتى وصلت إلى الطاولة فتجمدت يداها وتسارعت خفقاتها بقوة. مدت أناملها تتلمس الأحرف المحفورة عليها. وكأنهما وشما كل الأماكن بقصتهما. لا يوجد مكان لا يحمل وشمهما حروف إسمهما الأولى داخل قلب كانت تلك فعلته الدائمة والتى يخطف بها قلبها فى كل مرة وكأنها المرة الأولى.

جلست على الكرسي تترك القماشة من يدها وعيونها تشرد فى المكان، ترى طيف الخالة (فاطمة) وهي تجرى وراء (أكرم)بينما تقف هي ضاحكة حتى إختبأ خلفها يطالبها بنجدته، فتبسمت برقة تتقدم من الخالة (فاطمة) وتضع ذراعها على كتفها تضمها لجوارها مقبلة وجنتها ومطالبة إياها ان تدعه لخاطرها، فتبتسم الخالة بحنان قبل أن تعفو عنه وتذهب إلى رُكن بآخر الكوخ لتعد لهما شيئا يأكلانه بينما يقترب منها (أكرم)يرغب فى تقبيلها مكافأة له على تخليصها إياه من عقاب الخالة(فاطمة)فتهرب منه إلى الخارج بخجل يتبعها ضاحكا.

أغمضت عيناها تُنهى طوفان الذكريات الذى سيغرقها فى الألم إن سمحت له بأن يسحبها إليه يعيد فتح جراح ظنت أنها إلتأمت بالكامل، فتحت عيناها متنهدة قبل ان تنهض وتسحب قماشتها تُكمل عملها بآلية حتى تستطيع الإستسلام للنوم فقد بات اليوم مرهقا لكيانها بشكل لا تستطيع تحمله.
كادت (قمر)أن تتعثر و توقع سلطانية المرق من يدها فأسندتها (سعاد)، قائلة:
-خلى عنك ياست قمر، سيبينى أنا اللى أوديها.

كادت (قمر)ان تقول شيئا ولكن صوته الصارم صدح فى المكان قائلا:
-أظن إنى قلت كل واحد يخليه فى شغله ياسعاد، انتِ طبختى الأكل تبقى هي اللى تقدمه مش شغلانة هي ولا حاجة صعبة.

رمقت(قمر)(سعاد) بنظرة لا عليك فهزت رأسها بإحترام قبل أن تتجه إلى طناجرها بينما تقدمت(قمر)تحمل سلطانية المرق بوجه خال من المشاعر تنظر أمامها فقط تريد أن تتجاوزه وحسب، فتعثرت مجددا ولكن تلك المرة قدمه كانت سبب تعثرها متعمدا على مايبدو حيث وضع قدمه فى طريقها فوقعت من يدها سلطانية المرق لتنكسر وتتناثر محتوياتها على الأرض بينما كادت هي ان تقع فوقها وتنجرح او تحترق لولا يده التى إمتدت وأمسكتها فحالت دون وقوعها وإصابتها بكل تأكيد ليطالعها بسخرية فإعتدلت على الفور تطالعه بحنق بينما قال هو ببرود:.

-هتلمى اللى وقعتيه بإهمالك ودلعك وهتشتغلى بالليل عقاباً ليكِ. الدفاية بتاعة أوضة بنتي مش شغالة ومن إمبارح وهي نايمة فى أوضتي، شوفيها، مفهوم؟
لم يمنحها مجالا لقول شيء فقد قال كلماته وذهب على الفور نظرت فى إثره بغضب شمل جميع أطرافها، لتزفر قبل ان تذهب و تمسك جاروفا وتبدأ بالتنظيف.

كانت تلعب بالحديقة تتنقل بين الزهور الجميلة وتشاهد ألوانها المتنوعة تميل على بعضها تستنشق رائحتها العذبة تتلمس اوراقها الناعمة الملمس فجرحت إحداها إصبعها تزامنا مع صرخة لصبي يحذرها قائلا:
-حاسبى.
إلتفتت إلى الصبي وهي تطالعه بعيون حائرة، فتقدم منها وهو يسحب منديله يقف أمامها ويمد يده يسحب يدها المجروحة واضعا المنديل على إصبعها قائلا:.

-الورد فى الناحية دى من الجنينة مليان شوك، لو بتحبى الورد اللى مبيعورش فمكانه الناحية التانية دى.
وأشار بيده إلى الجهة الأخرى فقالت وهي تسحب يدها وتضغط بالمنديل على إصبعها كي توقف النزيف:
-وانت عرفت ده كله منين؟!
إبتسم قائلا:
-أنا عايش طول عمرى هنا.
قالت بإبتسامة مماثلة:
-أنا كمان هعيش علطول هنا، إيه رأيك نكون أصحاب وتعرفنى على المزرعة؟
إتسعت إبتسامته قائلا:
-موافق طبعا وكمان هعرفك على سارة.
قالت بحيرة:.

-سارة تبقى أختك.
قال:
-بنت طنط أمنية صاحبة ماما، متربيين مع بعض وزي أختي بالظبط.
قالت:
-أنا إسمى شمس أكرم الصياد، وانت بقى إسمك إيه؟
إبتسم يمد يده مصافحا وهو يقول:
-تيام حاتم السلاطينى.
مدت يدها لتصافحه فوجدت من يجذب يدها بقسوة يمنعها من مصافحته، قائلا بغضب ل(تيام):
-إنت إيه اللى جابك هنا؟وعايز من بنتى إيه؟
تأمله الصبي بثبات راق له رُغما عنه وهو يقول:.

-جيت مع ماما هي قالتلى ألعب فى الجنينة ولما شفت شمس بتقرب من الورد اللى مليان شوك وهتنجرح قربت أحذرها لكن تحذيرى كان متأخر وإنجرحت برضه.
إستدار(اكرم)تجاه (شمس) قائلا بلهفة:
-إنجرحتى فين؟
قالت ببراءة وهي تشير إلى إصبعها:
-هنا. بس تيام إدالى منديله فالدم وقف.
لتبعد المنديل عن إصبعها تريه الجرح الذى توقف بالفعل عن النزيف، فتفحص جرحها ووجد انه سطحى لا خوف منه ثم سحب منها المنديل وهو يقول بغضب:.

-روحى على أوضتى وأنا هحصلك.
قالت بإعتراض:
-أيوة بس..
قاطعها هادرا:
-قلتلك روحى على اوضتى وإستنينى هناك.
غادرت بسرعة بينما إلتفت (أكرم)إلى (تيام)قائلا بحدة:
-إتفضل منديلك وروح على الكوخ وإفضل هناك، مش عايز أشوفك قريب من المكان هنا خالص.
قال الطفل بغضب:
-الوحيدة اللى تقدر تقولى الكلام ده هي أمى، دى الجنينة بتاعتنا وانا حر افضل فيها او أمشى.
قال(أكرم) بسخرية:.

-الجنينة دى مبقتش خلاص ملك مامتك بقت ملكى أنا، وانا اللى أقول مين يقعد فيها ومين يمشى، مامتك دلوقتى مش أكتر من خدامة عندى مفهوم؟
قال(تيام)بغضب:
-إنت كداب؟
قال(أكرم)بإستنكار:
-إنت ولد وقح وقليل الأدب كمان ولازم تتربى من أول وجديد.
ليهدر صوتها من خلفه وهي تقول:
-تعالى هنا ياتيام.
أسرع الطفل إليها يحتضنها بقوة ودموعه تسقط على وجنتيه يقول من خلالها:.

-الراجل ده وحش ياماما بيقول إن الجنينة بقت بتاعته وإنك بتشتغلى خدامة عنده.

شعر(اكرم)بضآلته وهو يستمع إلى كلمات الصبي ويراه يبكى من قسوته، شعر أيضا بالغضب من نفسه لتنفيسه عن كره (حاتم السلاطينى) الذى أخذ منه حبيبته فى طفل مثل(تيام) الذى كان من المفترض ان يكون طفله هو فأصبح له، نفض لحظة الضعف تلك وهو يحذر نفسه من التعاطف معهما وإلا لن يستطيع ابدا أن ينال إنتقامه، لتعلو وجهه برودة جليدية وهو يطالعهما. كانت تهمس له ببضع كلمات مواسية ثم أمرته أن يذهب إلى الكوخ وينتظرها هناك. قبلت مُقدمة رأسه بحنان أثار غيظ (أكرم )وغضبه أكثر وبينما يغادر الصبي كاد هو ان يغادر بدوره فإستوقفه صوتها الصارم، إلتفت إليها ببرود يطالعها فقالت له بغضب:.

-إنك تعذبنى أو حتى تإذينى عشان تاخد بتارك شيء وإنك تمس ابنى بسوء شيء تانى خالص، لو ده إتكرر مرة تانية صدقنى ساعتها لا ههتم بسجن ولا حتى بإعدام، هوديه عند أهل باباه ومش هيهمنى مصيري على الأقل هكون مطمنة عليه وعارفة إنه مش هيتهان.
طالعها ببرود قائلا:
-خلصتى؟!
تأملته دون ان تنطق بكلمة فكاد ان يغادر، ليستوقفه صوتها وهي تقول:
-مرديتش علية ياأكرم بيه.

لم يستدر تجاهها بل صمت للحظة مواليا إياها ظهره قبل ان يقول بهدوء:
-اللى حصل مع إبنك غلطة مش مقصودة بعتذر عنها، الأطفال برة لعبتنا بس غصب عنى مقدرتش أمسك نفسى وأنا شايف أكرم وقمر تانيين قدامى، وأظن إنك إنتِ كمان مش عايزة حكايتنا تتكرر، ولا إيه؟
لم تجبه وعيونها تتسع رفضا فوصلته إجابتها ليسير بجمود تجاه المنزل تتابعه بعينيها.

بالتأكيد هي لا تود تكرار حكايتهما سويا، خاصة إن كان طرفيها (تيام) و(شمس) لتنوى ان تبعدهما عن بعضهما البعض قدر الإمكان وأن تترك طفلها فى الكوخ طوال النهار رغم قلقها عليه، تتمنى لو كان بإستطاعتها تركه مع جدته حتى تنهى فترة عقابها ولكنها تدرك بكل ذرة فى كيانها أنها لا تقوى على فراقه وإبتعاده عنها، ليس خِيارا.

الجو بارد حقا وقطرات من المطر تنهمر بالخارج، تحب الشتاء بقوة وتنتظره لتختلس اللحظات للرقص تحت المطر حتى وإن تسبب لها فى المرض، لا يهمها. هي فقط لا تستطيع مقاومة جاذبيته وسحره، إرتدت معطفها وأخذت مظلتها وتسللت من الباب الخلفي تجرى بالمظلة حتى وجدت مكانا واسعا، لتترك مظلتها وهي تدور راقصة تحت المطر. تدور وتدور حتى تعثرت فى حجر وسقطت أرضا حاولت النهوض فآلمها كاحلها، نادت على الخادمة فلم تسمعها بكت بقوة وألمها يزداد حتى وجدت صبي يقترب منها قائلا:.

-إنتى كويسة ياشاطرة؟
طالعته متوجسة، تقول بخوف:
-إنت مين؟أنا أول مرة أشوفك هنا.
قال بهدوء:
-أنا أكرم الصياد وعمتي تبقى الست فاطمة.
لانت ملامحها قائلة:
-وإزاي مشوفتكش قبل كدة؟
قال لها:
-أنا لسة جاي المزرعة النهاردة، جيت مع عمتى بعد ما ماما راحت...
طالعته بحيرة لصمته فقالت:
-مامتك راحت فين؟
قال بحزن:
-راحت عند ربنا.
هزت رأسها متعاطفة وهي تقول:
-زي ماما.
طالعها بفضول قائلا:
-انتِ مامتك ماتت هي كمان؟
هزت رأسها قائلة:.

-وهي بتولدنى انا مشوفتهاش خالص.
طالعها مشفقا فإنتابها الألم مجددا وظهر فى شهقة منها فسألها وهو يطالع قدمها المتورمة:
-رجلك مالها؟
قالت بحزن:
-مش عارفة بس بتوجعنى اوى.
قال بهدوء:
-تقدرى تسندى علية؟
هزت رأسها نفيا فظهر عليه التفكير مليا قبل ان يقول:
-طيب إستنينى هنا هروح أنده حد من البيت يشيلك.
هزت رأسها فإنطلق مغادرا ليستوقفه صوتها وهي تقول:
-أكرم!
إستدار مطالعا إياها فأردفت قائلة:.

-متتأخرش علية أنا سقعانة اوى.
عاد إليها وخلع جاكته ثم وضعه حول كتفها رغم إعتراضها وإنطلق مجددا بينما تتابعه هي بعيون أطلت منهما نظرة إعجاب.
كانت تلك هي البداية لشرارة حب ألهبت مشاعرها على مرور السنوات، تدرك الآن لما ثار فى وجه طفلها فالبداية تقريبا متشابهة، وأيا منهما لن يقبل بتكرار القصة لأسباب عديدة.

قصتهما. كم هي بائسة حقا، جنباتها الالم وأركانها مزعزعة جِراء الظلم والخيانة والهجران، قصة حُكم عليها بالفشل يطاردها ثأر قديم وغرامة غدر.
تنهدت وهي تنهض لتمسح الطاولة وتغسل الأوانى قبل ان تتجه إلى الكوخ وتنعم ببعض سويعات من الراحة، ولكن أين لها الراحة وطوفان من الذكريات يطاردها ويحرمها السعادة وراحة البال؟

01-03-2022 01:18 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [3]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية غرامة غدر
رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

دلفت إلى الحجرة فإتبعها حانقا يغلق الباب خلفه قبل أن يقول:
-ممكن أعرف مبوزة ليه من ساعة ماعرفتى إن فارس هييجى يعيش معانا؟وطول الطريق مقولتيش كلمة واحدة حتى لما دخلنا البيت مصممة تتجاهليه وكأنه مش موجود، هو ده مش إبنى وزيه زي سارة بالظبط ولا إيه؟
إستدارت إليه ترمقه بغيظ قائلة:
-ممكن توطى صوتك شوية؟!الأولاد هيسمعوك.
صمت يطالعها مُتحفزاً فمررت يدها فى شعرها قائلة بتوتر:.

-اولا أنا مش مبوزة ولا حاجة يمكن إتضايقت شوية لإنك مخدتش رأيى قبل ما تقوم بالخطوة دى بس مطولتش لإنى عارفة إن فارس مبقالوش حد غيرك وأكيد الطبيعى إنه ييجى يعيش معاك هنا، ثانيا انا متكلمتش طول الطريق لإن مكنش فيه مجال للكلام وانت عارفنى لو حبيت أتكلم لمجرد الكلام هعك الدنيا، ثالثا بقى مش انا اللى أول مادخلت البيت إتجاهلته هو اللى متجاهلنى وكأنى هوا قدامه ولا إنت مبتشوفش غير اللى بييجى على هواك ياصادق بيه؟

قال (صادق)بغضب:
-أمنية!
قالت (أمنية)بمرارة:
-أمنية إيه بس؟!أهو ده اللى كنت خايفة منه. من اول يوم وحصلت مشكلة مابينا بسببه.
قال بحدة:
-المشكلة مش بسببه المشكلة بسببك انتِ، المفروض تحاولى تستوعبيه على الأقل عشان خاطري.
طالعته بإستنكار قائلة:
-انت مش شايف بيبصلى إزاي وبيكلمنى إزاي؟وكأنى خطفتك من مامته وقتلتها بقهرتها.
طالعها بصمت فازدادت عيونها إتساعا وهي تقول:.

-إنت كمان شايفنى بالشكل ده مش كدة؟كل ده عشان حبيتك وحبيتنى وانت كنت راجل متجوز. فى الآخر هكون انا الغلطانة وإنت البريئ من اي ذنب مش كدة ياصادق؟رد علية.
قال وهو يحاول ان يتمالك أعصابه:
-أنا مبعرفش اتفاهم معاكِ وانتى بالعصبية دى، هسيبك تهدى وبعدين نتكلم وإعملى حسابك إنى هنام النهاردة مع فارس، الليلة اول ليلة ليه فى مكان غريب والطبيعى إنى أكون جنبه.

لم يترك لها مجالا للرد وهو يستدير على عقبيه مغادرا بينما نظرت فى إثره بغضب، تلعن هذا الجدال الذى جعله يهجر مضجعه تلك الليلة. أم انه كان ينتويها وإستغل ما حدث كحجة؟زفرت بقوة وهي تمرر يدها فى شعرها مجددا بحنق، تعالى رنين هاتفها فنظرت إلى شاشته قبل ان تجيبه على الفور قائلة:
-قمر. بنت حلال.
قالت (قمر) بقلق:
-مال صوتك يا أمنية؟
قالت(امنية):
-انا فى مصيبة ياقمر.
قالت (قمر):
-مصيبة إيه بس بعيد الشر؟

زفرت(أمنية)قائلة:
-ياريتك كنتِ هنا، كنت جيتلك وفضفضتلك زي عوايدنا وخدت بنصيحتك.
قالت (قمر):
-ماأنا هنا فعلا.
عقدت (أمنية)حاجبيها قائلة:
-هنا فين؟
قالت(قمر):
-فى المزرعة.
إحتلت الدهشة ملامح (أمنية)وهي تقول:
-فى المزرعة؟!طب إزاي؟!انتى مش سافرتى إسكندرية؟
تنهدت(قمر)قائلة:
-دى حكاية طويلة، لما أشوفك هحكيهالك كل اللى ممكن أقولهولك دلوقتى إن أكرم رجع وإن هو اللى إشترى المزرعة والبيت.

علت الصدمة ملامح (أمنية)وهي تقول بوجل:
-أكرم. أكرم الصياد؟!
قالت (قمر)بحزن:
-أيوة.
لتتسع عينا (أمنية)إستنكارا.
كيف تجعل صبية صغيرة لا يتعدى عمرها الخمسة اعوام أن تفهم معنى الخوف وتتفهم دوافع المرء لإبقاءها خلف الاسوار؟!
كيف يخبرها أنه يبعدها عن براثن إنتقامه ويبقيها نقية كما هي. لا يطالها أي ألم؟

كيف يخبرها عن خيبات الأمل؟حين تنتابنا الأحلام ونُعلق عليها حياتنا ثم نكتشف أنها اوهام خلقتها عاطفة بائسة لا وجود لها، حين نضحى بكل شيء من اجل شخص ما فنجده فى النهاية لا يستحق.
كيف تخبر طفل صغير أن الحياة خادعة ومليئة بالأوهام؟وأن بعض البشر يتلونون ويختفون خلف أقنعة. يُظهرون لك الحب والاهتمام بينما هم فقط يرغبون بالإستفادة منك ثم يتركونك وقد صرت بلا فائدة لهم تُرجى.

كيف تخبر الصغار أن لا يأمنون سوى لذويهم فقط؟فهم حقا الوحيدون فى هذا العالم الذين يحملون لهم فى قلوبهم حباً خالصا ولا يرغبون فى شيء سوى سعادتهم.
ستقف عاجزا لا تستطيع ان تخبرهم كل ذلك. فقط ستصدر الأوامر بقسوة موقناً من إنصياعهم لك دون أن تمنحهم تفسيرا. لا تدرك أن إنصياعهم ظاهري حتى تواتيهم الفرصة للبحث وراء الأسباب او التمرد دون رادع.

وقد تظاهرت(شمس)بطاعة والدها والبعد عن (تيام) ولكنها فقط تنتظر الفرصة لتقابله مجددا، او ربما تنتظر الفرصة للذهاب إليه، فقط إن سنحت لها الفرصة.

كان يراجع بعض الأوراق أمامه والتى تخص المزرعة، شعر بالحنق أكثر تجاه هذا الحاتم الذى تدهورت المزرعة على يديه. أمسك الجسر مابين حاجبيه بقوة يشعر بأن رأسه على وشك الإنفجار، يلعن فى سره صداع الشقيقة الذى ينتابه من حين لآخر فيؤلمه ويجعله ضعيفا كحاله الآن. طرقات على الباب ثم دلوفها منه تحمل صينية عليها فنجالا من القهوة، لم ينتبه لها فى البداية فسنحت لها الفرصة لتتأمله أدركت على الفور انه يعانى من صداعه المزمن، كل الإشارات تخبرها بذلك شحوب وجهه وإغماضه عينيه بقوة، ورغم كل مابينهما إلا أنها تعاطفت معه كلية وأرادت التخفيف عن ألمه وتدليك رأسه كما كانت تفعل بالماضى لكنها لم تستطع أن تفعل وإلا فسر تصرفاتها بعكس ماتود، لذا إكتفت بأن ذهبت لمقبس النور وأطفأته ثم إتجهت إلى طاولة المكتب ووضعت الصينية من يدهاوأخيراً إتجهت إلى الستائر وأغلقتها فشعر بتحسن على الفور. فتح عيناه قائلا:.

-شكرا ياسعا..
تجمدت كلماته وهو يراها أمامه على ضوء أباجورة المكتب الشحيح، لتتجهم ملامحه وهو يقول:
-إنتِ!
قالت بهدوء:
-جبت لحضرتك القهوة تؤمرنى بحاجة تانية؟
طالعها صامتا للحظات قبل ان يقول ببرود:
-لأ. إتفضلى على شغلك.

غادرت بهدوء كما دلفت تماما ينظر فى إثرها متجهما، كانت فعلتها الرقيقة تلك كي تخفف ألمه لتسعده بالماضى كثيرا ولكنها الآن تلقيه فى أتون من نار. لا يريد عطفها. لا يريد شفقتها. بل لا يريدها جواره على الإطلاق تُضعف من رغبته القوية فى الإنتقام منها، فهى لم تكتفى بالغدر به قديما وتركه محطم القلب بل قتلت السيدة الوحيدة التى شعر بعطفها عليه وحبها له، لذا لن يرحمها مهما خانه القلب الذى ينبض بين أضلعه، سيدوس عليه بقدمه إن لزم الأمر وسينال إنتقامه مهما حدث.

كانت تطوف حوله، تلمع هذا وترتب ذاك ترمقه بنظرات مسترقة، ولكنه يضبطها متلبسة فى كل مرة فتشيح بناظريها عنه بحنق، يدرك انها غاضبة منه ولكنها تريد شيئا ما لذا لن يتسرع ويسألها عما تريد وسينتظر ان تأتيه وتلقى بما فى جعبتها إليه، وبالفعل ماهى إلا لحظات حتى جاءته تقف أمامه قائلة بحزم:
-أنا عايزة أخرج.
بالتأكيد لم يتوقع ذلك. طالعها بدهشة قائلا:
-تخرجى؟!
قالت بملامح متجهمة:
-أيوة فيه مانع؟!
قال:.

-لأ مفيش، بس ممكن أعرف رايحة فين؟
أشاحت بوجهها قائلة:
-رايحة لقمر.
إتسعت عيناه فى دهشة قائلا:
-عايزة تروحيلها إسكندرية؟!
عادت تنظر إليه قائلة:
-لأ فى المزرعة، هي مسافرتش أصلا.
عقد حاجبيه قائلا:
-مسافرتش؟إزاي ده؟إنتى مش قلتى إن فيه حد إشتري المزرعة؟
طالعته بعيون متقدة من الغضب:
-وكأنك متعرفش أصلا مين اللى إشترى المزرعة وراجع ليه أساسا؟
نهض بهدوء يطالعها بملامح جامدة وهو يقول:.

-لأ معرفش ياأمنية، وهعرف منين أساسا؟كان قريبى مثلا ولا صاحبى.
قالت بسخرية:
-أيوة صاحبك وصاحبك الأنتيم كمان.
قال(صادق)بعيون تتسع فى صدمة:
-مش معقول، أكرم؟!
هزت رأسها وهي تدرك أنه يعلم ذلك للمرة الاولى من ملامحه المصدومة، لتقول بهدوء:
-ها. ممكن بقى أروح؟
هز رأسه قائلا:
-ممكن. بس إستنى.
كادت ان تغادر بالفعل فتوقفت عند سماع كلماته، ليردف بحزم:
-انا جاي معاكى.
قالت بدهشة:
-والولاد.
قال بهدوء:.

-هاخدهم معايا واهم بالمرة يتعرفوا على شمس بنت أكرم.
لتردد بصدمة:
-شمس.
تجاهلها وهو يذهب بإتجاه الأولاد، يخبرهم ان يستعدوا للخروج. بينما (أمنية)تفكر.
كانت تعلم كل شيء عن قصة (أكرم)و(قمر)فقد حضرتها منذ البداية وكانت تدرك أنهما أرادا تسمية أبنائهما ب(تيام)و(شمس)وقد إنتهت القصة كما كانت تظن، ولكن يبدوا الآن أن النهاية لم تُكتب بعد.
قال (صادق):.

-بس انا زعلان منك، تشترى المزرعة وتيجى ومتسألش عن صادق صاحبك، انت متعرفش كلمتك قد إيه والشريحة دايما ألاقيها مغلقة، أنا قلقت عليك ياراجل.
قال(أكرم)بود:
-كنت عايز أعملهالك مفاجأة ياسيدي. لما رجعت مصر غيرت الشريحة وروحتلك البيت لقيته مقفول بالقفل، الجيران قالولى إنكم سافرتوا المنصورة قلت اكيد بتشوف فارس وهترجع علطول.
تنهد (صادق):.

-مكنتش بشوفه كنت بجيبه معايا، مامته ماتت ومكنش قدامى حل تانى غير إنه ييجى يعيش ويايا.
طالعه (أكرم)متفحصا للحظات:
-الله يرحمها. بس ليه حاسس إنك مش مبسوط عشان جه يعيش معاك مع إنها رغبتك من زمان؟!
زفر قائلا:
-لسة راجعين إمبارح بس وبدأت المشاكل بينى وبين أمنية بسببه.
قال(أكرم):
-هم الستات كدة، قلبهم جامد و..
قاطعه (صادق)قائلا:.

-مش كلهم ياأكرم، أمنية قلبها طيب وحنينة مش ممكن أشك فى ده أبدا، بس الوضع صعب عليها وفارس مصعبه أكتر بنظرته اللى كلها كره ليها، وكأنها خطفتنى من امه وإتسببت فى موتها.
قال(اكرم):
-إيه الكلام الفارغ ده؟إنت علاقتك منتهية مع منال من قبل ماتعرف أمنية، إنت بس مخدتش قرار الإنفصال عنها غير لما حبيت أمنية وقررت ترتبط بيها...
طالع ملامحه المذنبة لتتسع عيونه فى صدمة قائلا:.

-اوعى تكون انت كمان بتفكر بنفس الطريقة؟!
تنهد(صادق)قائلا:
-مش بالظبط، بس جوايا إحساس بالذنب من يوم ماعرفت إن منال ماتت وكأنى خنتها فعلا لما حبيت وهي على ذمتى، وكأنى لو كنت صبرت عليها شوية كان..
قاطعه اكرم قائلا:.

-كان إيه بس؟ها. قولى؟كنتوا بقيتوا أسرة سعيدة من تانى. طب إزاي؟إنت نسيت كانت بتعاملك إزاي؟نسيت إنها مكنتش طايقاك وإن قالتلك مرة إنها بتكرهك عشان أهلها غصبوا عليها وجوزوها ليك وهي بتحب واحد تانى؟نسيت إنها إنتهت من حياتك يوم ما لقيت رسالة فى تليفونها لحبيبها الأولانى تسأله لو إتطلقت هيقبل بيها من تانى وإنه إتأسفلها وقالها إنه إتجوز ومبقاش ينفع يرجعوا لبعض، نسيت إنك بِقيت عليها لحظتها بس عشان خاطر إبنك،.

لكن لما لقيت البنى آدمة اللى حبيتها وحبيتك، وقتها بس قررت تاخد فرصة تانية، نسيت كل ده؟
قال(صادق)بالم:
-منستش. طبعا منستش، بس غصب عنى بقالى كام يوم بقول لو كنت صبرت عليها كانت هتنسى الأولانى بعد ماإتأكدت إنه مش نصيبها ولا يمكن يكون ليها فى يوم من الأيام، كانت مع الأيام هتحبنى ونكمل مع بعض وحتى لو محبتنيش. كان ممكن نكمل عشان خاطر فارس بس، انت مش شايف الولد بقى عامل إزاي؟
قال(اكرم)بلهجة حانقة:.

-تفكيرك غلط، كله غلط فى غلط. الست لو خانت مرة حتى بالتفكير يبقى ممكن تخون ألف مرة، وحياة من غير حب متتسماش حياة أصلا، إبعد التفكير ده عن دماغك ياصادق وإلا هتدمر حياتك كلها، متضحيش بسنين عشتها فى سعادة مع مراتك عشان خاطر أوهام فى دماغك ملهاش اي أساس من الصحة.
قال(صادق):
-المصيبة إن أمنية حست باللى بيدور فى دماغى وده اللى عامل بينا مشكلة أصلا.
قال(أكرم):.

-أقل مافيها ياصادق. أي واحدة مكانها كانت هتطلب الطلاق كمان.
إتسعت عينا صادق بإستنكار قائلا:
-طلاق؟!
هز (أكرم)رأسه قائلا:
-العلاقة بتتبنى على الثقة والامان ولو إختل توازنهم بتضيع العلاقة وبنشوفها متستاهلش، إلحق نفسك وصالحها ياصادق، قبل ماتضيع من إيدك وتندم.
هز (صادق )رأسه ينوى ان يفعل ذلك فور عودتهم إلى المنزل، بينما قال:
-طب سيبك منى أنا وقوللى، إنت راجع وناوى على إيه يااكرم؟

قال( أكرم )وهو يتراجع فى مقعده قائلا بنظرة صارت قاسية وباردة كالجليد:
-ناوى على كل خير ياصادق، كل خير.
تراجع (صادق)فى مقعده بدوره وهو يشعر بالقلق على صاحبه، فهو يسعى للإنتقام بكل تأكيد يخشى عليه من مغبة الثأر، فلطالما سمع الجميع قديما يقولون(فى سعيك للإنتقام أحفر قبرين، أحدهم لعدوك والآخر لنفسك)وهو يخشى على صديقه أن يرسله إنتقامه، للحده.



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 7008 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 4070 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 3104 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 2978 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 3425 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، غرامة ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 03:42 مساء