يتعلق القلب بكلمة وقد تعلقت به من رسائله التى نفذت إلى قلبها وعقلها وروحها ،ولتكون معه وجب عليها ان تحرره من سجنه....ووهمه..فهل ستستطيع؟!
فصول
نوفيلا أعترض حضرة القاضي
رواية
نوفيلا أعترض حضرة القاضي للكاتبة شاهندة و جود علي الفصل الأول
يتعلق القلب بكلمة، تلك الكلمة التي تكون گ شيفرة مرور إلى الروح، تجعل مُسْتَقْبِلَها يزهر كأقحوان في ربيع العمر ويشرق بلطافة ودفء كشمس الغد الذي يوالي يوم النصر.
وهذا يوم نصري ويوم إشراقتي!
تشير الساعة إلى الحادية عشرة صباحا، أخذت (هبة) تدندن أغنيتها المفضلة التي تصدح من هاتفها الذي تضعه على طاولة الزينة وهي تقوم بوضع اللمسات الأخيرة من مكياجها الهادئ..
تتمايل على أنغام الأغنية وابتسامتها ملأ فمها من يراها يشعر كأنها تحلق عاليا من السعادة، وقفت تنظر إلى صورتها في المرآة نظرة رضى، كانت ترتدي فستان مدرج اللون يبدأ من أبيض ناصع فينزل من زهري فاتح لينتهي بأحمر غامق بأسفله الواسع الذي يصل إلى منتصف ساقيّها - فوق الركبتيّن بشِبر-، بنصف كم، ارتدت قلادة كبيرة فصوصها من اللون الأحمر وقرطينيّن صغيريّن بذات اللون على شكل زهرة الأقحوان كما كان شكل سوارها الذي يتخذ موضعه بجانب ساعتها الفضيّة، وجمعت شعرها البني الفاتح بدبوس أحمر لينسدل إلى بين كتفها على هيئة ذيل حصان بينما تتناثر غرتها بعشوائية على جبينها الأسمر اللامع...
قالت وهي تخاطب نفسها:
جمالك جمال مش عادي ياهبوش!
وأنهت جملتها بضحكة عفوية وهي تحمل حقيبتها الصغيرة بيد واليد الأخرى تجمع بين فردتيّ حذائها الأحمر ذو الكعب العالي..
وبينما هي تنحني لترتدي حذائها على عتبة الباب وقفت والدتها تطالعها وهي تضع يديها على صدرها ثم قالت لتنتفض (هبة )على صوتها:
رايحة فين ياست هانم وإنتي شبه عروسة المولد بفستان ضربت فيه كل الألوان دي؟
ابتسمت (هبة) إبتسامة بريئة لتقول:.
هروح فين يامامتي يعني، صحباتي عاملين حفلة الفالنتاين وبما إننا سناجل مافيش حد يدلعنا قلنا ندلع نفسها، غلط يعني؟
غضنت والدتها حاجبها وقالت باستنكار:
أممم، الأناقة دي كلها عشان حفلة بنات قولتيلي! يعني مافيش شباب في الحفلة؟
اقتربت منها (هبة )وبسرعة طبعت قبلة على خدها وقالت:
قلتلك سناجل بس يامامي!
وهرولت إلى الخارج مسرعة، بينما قالت والدتها تخاطب نفسها:.
أهو الخوف مش بيكون غير من السناجل اللي مخهم طاقق زيك إنتي وشلة المجانين اللي حواليكي دول.
عادت الدكتورة (مها )إلى مطبخها لتحمل كوب قهوتها وتعود لتجلس قبالة حاسوبها تراجع بحثها العلمي الخاص في علم الأوبئة الذي يشغل مجمل وقتها، (مها) التي تزوجت زميلها الذي أحبته لتنجب منه إبنتها (هبة )لتعتبرهما عالمها الساحر الذي صنعته بنفسها بهذا البلد الأجنبي، ولأن السعادة لا تدوم طويلا فقد توفي زوجها قبل عشر سنوات في حادثة سقوط الطائرة الكنديّة لتعيش مأساة مؤلمة لتعود مؤخرا متماسكة تحاول الحفاظ على ذكراها معه في إبنتها (هبة )البالغة من العمر خمسة وعشرون سنة والتي تخرجت مؤخرا وبدأت تزاول عملها في مكتب محاماة جيّد السمعة، وسارت الحياة من جديد وعاد الحب يملأ بيتهما وقلبهما.
استقلت( هبة )سيارتها الصغيرة وتوجهت إلى مكان الإحتفال، كانت طوال الطريق تحافظ على إبتسامتها المشرقة وتغني مع المذياع إلى أن وصلت...
كان مكان الحفل في منزل( يارا) زوجة المدير
وكما جرت العادة كانت البوالين والورود الحمراء حاضرة وقد ارتدى الحضور أزياء مختلفة اشترطت (يارا) أن تكون بيضاء لسبب ما قد تبناه عقلها..
فتحت( يارا) الباب ل(هبة) ورحبت بها وهي تثني على جمالها كما فعل الجميع فزاد خجلها الذي توردت له وجنتيّها من جمالها زادا..
وقالت (يارا ):
وبما أن هبة وصلت، نتفضل كلنا على الغدا.
وأشارت بيدها ليتبعها الجميع بينما أمسكتها( هبة )من يدها فسحبتها نحوها ميْلا وقالت بعد أن وزعت نظرها على الجميع وتفقدت الحاضر من الغائب:
استني، هو لسه ماجاش؟
تصنعت (يارا )عدم الفهم وقالت:.
قصدك مين؟الكل موجود والغدا جاهز، يلا بينا يا أميرة!
جحظت (هبة) عينيها وقالت بهمس:
يوسف مجاش لسه!
وهنا وجدت( يارا) ما تمسكه عليها فقالت:
يوسف هاه!
واستدارت تسير مبتعدة وقالت بمكر:
ما عزمتوش! نسيت.
ضربت( هبة) الأرض برجلها متذمرة وهي تقول:
في واحدة تنسى ماتعزمش أخوها!
في ذات الوقت كان يقف خلفها وقد مدّ يده أمامها بباقة من ورود الغاردينيا البيضاء التي تحبها وقال بينما شعرت هي بالمفاجأة:.
العيلة كلها نسياني ماتخديش في بالك!
التفتت إليه لكنه سبقها ووقف أمامها لتستدير نحوه مجددا وهي تبتسم ممسكة بالورود تطالعها وتطالعه بإعجاب ليردف:
على فكرة إنتي أحلى من الورد، جمالك بيخطف قلبي يا هبتي!
فقالت تحاول التحكم في انفعالها:
تعالى، هما مستنيين جوه!
فتقدمته ليمسكها من يدها ويسحبها خلفه إلى المطبخ ثم إلى الحديقة..
ووقف أمامها وقال:
بما إن اللي جوة محدش مهتم بوجودنا هنتغدى أنا وإنتي لوحدنا..
وعاد ليمسك يدها وقد قادها نحو مائدة مستديرة تتربع على سجادة حمراء بجانبها وسائد كبيرة گ متكئ للجلوس، وعلى المائدة وردة حمراء وطبقيّن بيضاوين يحتويان على أكلهما وطبق صغير مغطى بغطاء فضي...
وحيث جلست علبة حمراء كبيرة على مقربة منها...
وجلس قبالتها يطالعها بنظرات أربكتها فراحت تحك رقبتها وهي تتلفت يمينا ويسارا فقال:
إنتي مستنية حد؟
فقالت بحيرة:
لأ! ليه؟
فأجابها:.
طب يلا ناكل عشان جعت، عشان في حاجات على جنب كده مستنية!
أخذت (هبة) تلتهم طعامها وتثني على مذاقه وهو يثني على جمالها بينما هناك من يطالعها من بعيد لا يعجبه مايحدث...
تعلقت عينا( هبة) بالصندوق وهي تتحدث إلى (يوسف )عن يومها وتسأله عن يومه، وحين استبان الفضول في عينيها قال وهو يستقيم متجها نحو الصندوق بينما أخذت ترتشف من كأس عصيرها وعينيها تلمعان سعادة:
تعالي ياهبتي!
توجهت (هبة )نحوه فأردف:.
أي هدية في الدنيا مش هتبقى تعبير كافي على اللي حاسه من ناحيتك، كل تفاصيلك بتلهمني، ضحكتك، كلامك، أفكارك، جمالك، شخصيتك العفوية الطيبة، كإنك ملاك حط على قلبي..
فقالت وقد شعرت بتأثير كبير من كلماته على قلبها:
بجد شايفني كده يا يوسف؟ يعني في حاجة مابينا بجد مش أنا بس اللي حاسة بكده؟
أشار لها (يوسف )أن تفتح هديتها وقد طرق على العلبة بيده فأزاحت( هبة) شريطتها وغلافها بيدين مرتجفتين وحماس كبير لينفتح الصندوق فتطير منه قلوب منفوخة ترتفع عاليا ليمسك بطرفها قبل أن تحلق بعيدا بينما وضعت يديها على وجهها وقد ترقرقت دموعها وهي ترى فستان زفاف أبيض مرصع بالكريستال فنظرت إليه وقالت بانفعال بينما هو يطالع بتمعن ردود فعلها:
يوسف!
فقال:
ياروح وقلب يوسف!
وتوجه نحو الطاولة وأخذ الطبق المغطى الذي كان يحتوي على دمية صغيرة تمسك بخاتم، فجلس على ركبته وهو يمسك القلوب الحمراء بيد والخاتم بيد أخرى يرفعها نحوها واردف:
لو تجوزيني هكون أسعد إنسان في الدنيا
أرجوكي وافقي وأوعدك عمري ماهخلي عيونك الجميلة دي تزعل ولا تدمع غير من الفرحة، تجوزيني يا هبتي؟
اندفعت نحوه وعانقته بدمعة وابتسامة بينما خرج جميع الحضور ليرو المشهد الرائع بين الحبيبيّن وهم يطالبونها بالموافقة بينما( يارا )تقف جوار زوجها الممتعض الذي أخذ يقول بهمس:
يوسف جدي في اللي بيعمله؟ البنت طيبة وماتستهلش ينكسر قلبها.
فأجابته باقتضاب:
خير إن شاء الله، شايفاه متعلق بيها جدا ومادام طلب منها الجواز يبقى بيحبها ويمكن تكون السبب في أنه يتعدل.
فقال وهو يستدير ليعود إلى الداخل:.
قوليلها عشان ماتنصدمش فيه بعدين وخليها تختار ياتكمل يا تقطع معاه.
تلون وجه (يارا )وقد شعرت أن زوجها على حق فأخيها شخص لعوب وفكرة جِدِيّة ارتباطه هذه لم تقنعها كثيرا وبدأت نفسها تحدثها أنه معجب ب(هبة) لأنها ليست سهلة المنال كما فتياته اللواتي سبقنها، ومن جهة أخرى تريدها أن تصبح زوجة لأخيها فوقعت بين قلبها وضميرها حائرة...
ابتعدت (هبة) عن (يوسف) ليضع الخاتم الثمين في إصبعها الرقيق وسط تصفيق الحضور ومباركاتهم لينصرفوا ويتركانهما على انفراد، فشدت على يده وشد على يدها وقدم لها مجموعة البوالين وقال:
إنتي خدتي قلبي ودول عشان تحتفظي بيهم جوه قلبك.
أمسكتهم وهي تقول:
دول أمانة عندي يا يوسف.
فأردف و كفه يحتضن كفها:
يلا بينا على ست الكل عشان أطلبك منها رسمي..
تذكرت (هبة )أنها وافقت دون أن ترجع لوالدتها فتجهمت:.
أنا ماحكتلهاش عنك يايوسف! استنى أمهدلها الموضوع الأول!
فقال معترضا وهو يسحبها لتسير بجانبه:
نمهد إيه بس، هستنى كمان؟ ماتخافيش هخطف قلبها، القلوب دي لعبتي وهتحبني زي ما أنا حبيتها كده، اسمعي مني إنتي بس..
فقالت مبتسمة:
طول عمرها بتقول عليا مجنونة، معرفش هتقول عليك إيه دلوقتي!
قال بمرح:.
هاتخدني بالحضن طبعا، ده أنا عربي وهترحب بيا وهي أكيد زي أي أم في البلد الغريبة دى مش هتتمنى أكتر من صهر عربي، هي اسمها إيه قلتي!
فقالت (هبة )مصطنعة الغضب:
مها! إنت نسيت إسمها؟!
ابتسم قائلا:
هنسى إزاي أم حبيبة قلبي وملكة دنيتي أنا بهزر بختبر تركيزك بس!
وفتح باب سيارته فركبت و مضى متجها نحو منزلها..
دخلت( هبة) المنزل وراحت تنادي على والدتها التي ردت عليها أنها بغرفة الدراسة لكنها استقامت وتوجهت إليها بينما( يوسف) إقتحم البيت دون أن يسمح ل(هبة) بالتعريف عنه، اقترب من مها التي توزع نظرها بينه وبين إبنتها باستفسار فأمسك يدها وقبلها وهو يقول:
والله ياحماتي أنا جاي أطلب الرضى و الشفقة على حالة العبد لله متجوزيني بنتك.
وأردف وهو يغمزها بينما تطالعه وهي لا تكاد تستوعب عن ماذا يتحدث:.
-وكده أخلصك من جنانها بالمرة، ها قلتي إيه نقرا الفاتحة؟
كان يرسم على وجهه إبتسامة عريضة بينما (مها) تطالعه وعلى وجهها التفكير مالبثت حتى اقتربت منها( هبة) هي الأخرى وراحا يسحبانها لتجلس وجلسا على الأريكة وهي تتوسطهما وقالت( هبة):
إحنا بنحب بعض يامامتي، يوسف إنسان كويس وبيحبني وهو أخو يارا يعني مننا وعلينا..
فقال( يوسف) وهو يلكز (هبة ):.
مننا وعلينا إيه؟ ماتكدبيش ياحبيبتي عشان ربنا يبارك لنا في الجوازة دي...
طب شوفي ماما بتبصلنا ازاي هي شكلها هتطردنا، يلا تعالي نروح وننقذ حبنا بدل ماتفرقنا...
بااااس!
قالتها (مها) بنفاذ صبر وهي تنفضهما عنها وتستقيم واردفت تطالعهما وهما جالسيّن أمامها بصمت يصطنعان البراءة:
هتفهموني زي الخلق بتقولوا إيه ولا أطلب مستشفى المجانين يخلصوني منكم؟
سحباها معا لتعاود الجلوس وسط دهشتها مجددا وقال (يوسف) بجدية:.
نبدأ من الأول صح، هو كده كده أول إنطباع باظ بس قلبك طيب ياحماتي!
فحدجته بنظرة مستنكرة ليردف وهو يرفع يده مستسلما:
بسم الله الرحمن الرحيم أنا طالب إيد هبة..
فنظرت إلى هبة التي تكبت حماسها وقالت:
والله!، وحضرتك موافقة على الكلام ده وجيباه في إيدك وجاية، والله فيكم الخير إنكم فكرتوا فيا..
التفت( يوسف) إلى( هبة )وقال:
شفتي ياهبتي ماقلتلك تعالي نلملم حبنا ونروح...
عيني في عينك كده يا حماتي وقوليلي، إنتي مش متخيلة إن هييجي يوم وهبة تطير على عشها وتسيبك عشان هي كل دنيتك وذكرى حبك لوالدها الله يرحمه مش كده؟!
أنا كمان خايف، قلبي بيوجعني لما أفكر إن ممكن حد يسبقني ليها ويملك قلبها، أنا عشان اتجرأت وقربتلها بقيت سنة بحالها متردد خايف تصدني براقبها من بعيد لبعيد لحد ماحفظت كل تفاصيلها، الحاجة اللي بتسعدها، والمواقف اللي بتجرحها، بتحب إيه تكره إيه، حفظتها كلها بقلبي وعقلي وتفكيري، أنا بحبها كتير جدا، بحبها لدرجة إني أقبل أتقاسم قلبها معاكي، وحياتها معاكي، راضي أكون تاني أولوياتها...
لو عايزانا نفضل هنا معاكي أنا موافق المهم تكون مبسوطة، أنا عايز أسعد قلبها وأملاه حب مش حرمان و زعل و كسرة خاطر...
لقد لمس قلبها بكلامته فتبسمت لتظهر غمازتيّها ليقول (يوسف) بصوت عال انتفضت له وعادت لتجهمها...
يا جمالك ياست الكل!
فقالت( مها) وهي تمسكه من أذنه:
يابني بطل جنان واهدى كده عشان أشوف أخرتها معاك!
اعتدل في جلسته يسند رأسه إلى يده فاستقامت وقالت:.
ماشي مش هعترض بس ابعت أهلك عشان نتفق عشان الاتفاق معاك وانت بنص عقل كده مش مضمون...
فقاطعها قائلا:
-ماليش غير يارا وجوزها منير!
فقالت:
أي كبير ينفع أكلمه يابني، يارا أختك الصغيرة..
فقال:
يبقى منير، اتحلت ياحماتي!
وقفت تطالعه صامتة ثم قالت:
تعالوا آخر الأسبوع..
فاستقام يقول بصوته العالي:
ليه، ليه، دول ساكنين بعد شارعين من هنا هييجو حالا...
وأمسك هاتفه واتصل على أخته يطالبها بالمجيء وأقفل ثم قال مخاطبا( هبة):.
روحي أعملي شربات...
فاستقامت (هبة) متعثرة وقالت:
شربات في أمستردام؟، مافيش!
فقالت والدتها:
أعمليله قهوة يا هبة!
وتمتمت بينها وبين نفسها سبحان الله دول كأنهم فولة وانقسمت نصين، مجانين!
وبعد النصر كانت هزيمتي!
الكلمة التي نفذت إلى روحي لتزهرها كانت باردة جليدية فأحرقتها وتركتني أعد خيباتي على سنوات عمري خيبة خيبة...
أتساءل: كيف لي أن أحيّي الذي مات منيّ
و أرمم الحطام الذي بداخلي و جميع حروف المحاولة، تستند على كلمتك؟!
تزوجت (هبة )وكان زفافها أشبه بمراسم ملكية، سارت بعربة تجرها أحصنة في شوارع أمستردام الجميلة وسط هتافات الجماهير و ألحان الفرقة العازفة التي يرقص على وقعها الجميع وهي بثوبها الأبيض الأسطوري تمسك بيد (يوسف) وأحلامها ترتسم أمامها واقعا...
لقد توالت الأيام التي تضاعف حبهما وشغفهما ببعض، لم ينفك (يوسف )يفاجئها كل مرة بهدايا تطرب نفسها، يسافران كل نهاية أسبوع إلى مدينة، لقد غمر حياتها لتصبح ملكه وحده فقط حتى أنها ابتعدت عن والدتها و قللت من التواصل معها بسبب انشغالها معه...
وحين يزول الشغف يبدأ التطبع بالانسحاب لتظهر الطباع الحقيقية للمرء فكان ما اكتشفته (هبة )عن (يوسف )صادم لم يسعه قلبها..
بعد ليلة جميلة بدأت بعشاء شهي بأحد مطاعم البندقية لتنتهي بجولة في الزورق داخل النهر بين الأبنيّة العريقة قد أخبرت (هبة) فيها (يوسف) أنهما ينتظران أول مولود لهما وقد شعرت بفرحته الباردة فقررت العودة إلى الفندق ليتسنى لها الأمر لمناقشته في ردة فعله التي لا تناسب خبرا جميلا كهذا، وحين عودتها قطعت طريقهما سيارة مستعجلة توقفت على حين غرة لتصرخ عجلاتها هلعا ويخرج منها رجلان ضخميّ الجثة وسحباهما داخلها تحت تهديد السلاح وسط صراخات (هبة) التي لفت ذراعيها حول بطنها خوفا على جنينها بينما( يوسف) راح ينتفض ويتخبط ليخلص نفسه منهما دون جدوى...
لكمات جيّدة على وجهه جعلته يقول بعض كلمات يستنجد بها عطف الرجل الذي أمامه، ما فهمته (هبة)من كلامه أنهم دائنون يطالبونه بأموالهم، مرابون أو شيء من هذا القبيل، صدمتها مما يحدث جعلتها لا تستوعب ما يُقال...
انتهى الحدث بأقل أضرار بعدما وضعاهما بجانب الفندق وقد هدداه بأنه مالم يفي ديونه سيحدث له مايحدث عقباه...
واجهت (هبة )(يوسف) بما يحدث فأخبرها أنه مقامر على سباقات السيارات السريعة وقد أدمن على ذلك منذ زمن وخسر كل أمواله بسبب هذا الأمر وكاد يفقد شركته فلجأ إلى أولئك المرابون لينقذها لكن الفوائد تضاعفت لثلاث مرات بسبب تأخر الدفع و أولئك الأوغاد يلاحقونه منذ مدة..
شجار حادم وقع بينهما لينفصل كل منهما في غرفة بمفرده عن الآخر...
أيام تليها أيام وشجار آخر يليه شجار و مشادات الكلام تحولت إلى ضرب مبرح كاد يودي بحملها الذي طلب منها إجهاضه فحاولت ترك المنزل ليحتجزها بداخله مستغلا غياب والدتها وسفرها إلى كندا من أجل بحثها ومناقشته...
أيام حالكة تذوقت فيها (هبة )مرارة العيش على يد (يوسف )الذي كان يعود إلى المنزل ثملا فيضع لها طعامها أمام الباب ويعيد إحكام غلقه بينما هي في حالة مزرية...
لم تستطع الاستنجاد بأي أحد بعدما أخذ منها هاتفها فعزمت أن تهرب من هذا الجحيم مهما كلفها الأمر، وفعلت!
تدرك تماما أنه سيعود ثملا كالعادة وما أن فتح الباب حتى فاجئته بضربة على رأسه ليسقط أرضا فتحررت من قبضته...
خاب أملها وكل الحب الذي ملأ قلبها تحول إلى نار غضب وكراهية نفثتهما في وجه( يارا )وأخيها ولكن (منير) ساندها رغم تذمرات زوجته فتطلقت من (يوسف )الذي تم القبض عليه بسبب أعماله الغير شرعية وممارساته العنيفة ضد زوجته الحامل ليمكث خمسة عشر سنوات رهن سجن هولندا المركزي.
هناك حب آخر يحتضن النفوس المرهقة من غربة المشاعر و تشتت القلوب، الأمان الذي يجده المغترب في موطنه وبالرغم من كل شيء شعرت( هبة) بذلك وقد عادت مع والدتها وإبنها الرضيع إلى بيتهما القديم بأحد الأحياء بمدينة الزقازيق...
ثلاثتهم فقط يحتضنون خسارتهم بأمل لحياة أفضل في مكان لا أفضل منه، مهما وجدوا على سطح الأرض مأوى لن يجدوا مسكن، ومسكنهم هم، هو الآمان الذي بثه الوطن في قلوبهم.
تااااابع اسفل