رواية الشيخ و المراهقة للكاتبة سارة علي الفصل الثامن
كانت ممددة على سريرها والدموع اللاذعة تهطل من عينيها بينما الطبيب يقوم بفحصها... انتهى الطبيب من فحصها فقال موجها حديثه لفارس: انها بخير، لا تقلقوا عليها... هل توجد اي مشاكل على الحمل؟! سأله فارس بقلق ليرد الطبيب بهدوء: بإذن الله سيمر هذا الحمل وينتهي على خير... تنهد فارس براحة ثم ودع الطبيب وعاد الى غرفته ليجد لمار تحاول الاعتدال في جلستها...
اقترب منها وساعدها في هذا، سألها فارس بعدما اعتدلت في جلستها: كيف اصبحت الان؟! هل تشعرين بالالم؟! هزت رأسها نفيا وقالت: كلا... صمتت قليلا قبل ان تكمل: هل ستتزوج ريم؟! انصدم فارس بشدة مما سمعه فهو لم يتوقع ان تسأله لمار عن شيء كهذا، هو لم يخبرها بهذا، من أين علمت اذا؟! ما هذا الكلام يا لمار؟! ردت بقوة: لا تكذب علي، انا اعرف كل شيء... يبدو انك متعبة وبحاجة الى الراحة...
قالها وهو ينهض من مكانه ينوي الخروج من الغرفة لكنها نهضت من مكانها بسرعة وسبقته حيث وقفت امامه وقالت: لا تكذب علي يا فارس، لقد علمت بكل شيء، علمت بأنط تنوي الزواج بها... نعم سأتزوجها، هل لك عندي شيء؟! قالها بلا مبالاة لتنقض عليه وتقول وهي تضربه على صدره: ايها الحقير، ماذا تظن نفسك؟! هل انا لعبة في يديك؟! يكفي...
صرخ بها وهو يوقفها ممسكا بكفي يديها الصغيرتين لتنهار بين احضانه وتبكي بصوت مرتفعة بينما تجمد هو مكانه من الصدمة... بعد فترة قصيرة افاقت لمار على نفسها فدفعته بعيدا عنها وقالت بجنون: تزوجها، تزوجها ايها اللعين، هل تظن بأنني سأبكي عليك؟! انا لا ابكي على امثالك... لمار، انتبهي على حديثك معي... تهديداته تلك لم تعد تؤثر بها، لقد اكتفت منه ومن أوامره وتهديداته...
اصمت، انا لن اسمح لك بأن تتأمر عليَّ مرة اخرى، وليكن بعلمك اذا تزوجت بها فأنني سأحرم نفسي عليك ولن تلمسني سوى في أحلامك... قبض على ذراعها هادرا بقسوة: من تظنين نفسك لتتحدثي معي بهذا الشكل؟! هل نسيت نفسك يا ابنة عادل، ترفعين صوتك وتهدديني، انا سألمسك متى ما أردت، وانت ستقبلين بالطبع... حقير، انت رجل حقير... صفعها بقوة على وجهها لتسقط ارضا باكية بينما خرج هو بسرعة من المكان...
تقدم فارس نحو والدته التي استقبلته بابتسامة: تعال يا فارس، تعال يا ولدي... فارس بنبرة جدية: امي اريد الحديث معك بموضوع هام... اجلس وتحدث... قالتها الام وهي تشير الى الكنبة التي تجلس عليها ليجلس فارس بجانبها ويبدأ حديثه: لقد فكرت بشأن موضوع زواجي من ريم... جيد، وماذا قررت؟! سألته بسرعة ليجيبها: انا لا اريد الزواج منها يا امي، لا رغبة لي فيها... ولكن يا فارس. ، فارس مقاطا اياها بحزم:.
لا يوجد لكن يا ام فارس، لقد اتخذت قراري، انا لا ارغب بها كزوجة، ابلغيها بهذا... يبدو ان تلك الصغيرة بدأت تفرض رأيها عليك... قالتها الام بعدم رضا ليرد فارس بسرعةة: كلا يا امي، الموضوع ليس هكذا، ولكنني لا اريد ريم ولا افكر بها، واذا تزوجتها سأظلمها معيى... تطلعت الام اليه بعدم اقتناع ليقول فارس: صدقيني هذه هي الحقيقة، لست انا الذي يسير وراء كلمة امرأة وانت اكثر من يعرف هذا... معك حق يا بني...
قالتها الام باقتناع اخيرا ثم اردفت بحيرة: ولكن ماذا سأفعل مع ريم وخالتك؟! اجابها فارس: تحدثي معهما بصراحة، اخبريهما بأنني رفضت، هكذا افضل يا امي... هزت الام رأسها بتفهم وقد عقدت العزم على فعل هذا...
نهضت لمار من فوق ارضية الغرفة واخذت تمسع دموعها بيديها... كانت تشعر بمرارة والم فظيعين، لقد تعرضت لأسوء انواع الاهانة هنا في هذا المنزل، الجميع يهينها ويعاملها على انها شيء غير مرئي، حتى فارس يهينها على طريقته الخاصة... ازدادت دموعها اكثر بينما هي تفكر في ذلك الجنين الذي تحمله، هاهي ستصبح أم في هذا السن الصغير، قبل ان تعيش حياتها بشكل صحيح... شعرت بالحسرة على حالها وما وصلت اليه...
وضعت يدها على بطنها تتلمس مكان الجنين وهي تفكر في كونه عبئ ثقيل عليها، عبئ هي لا تستطيع تحمله اطلاقا، توقفن دموعها عن الجريان وبدأت الافكار الشيطانية تتسرب الى عقلها حينما قررت فجأة ان تتخلص منه ووجدت في هذا الحل الافضل لها والخلاص الوحيد من هذا الجحيم، ففارس سيطلقها بكل تأكيد بعدما يعلم انها اجهضت نفسها، فكرت في طريقة تساعدها على الاجهاض ولم تجد سوى طريقة واحدة رأتها في احد الافلام القديمة، وقفت لمار على السرير وقفزت منه، شعرت بألم قوي يغزو بطنها لكنها لم تتراجع، قفزت مرة ومرتان وثلاثة، ظلت تقفز عدة مرات من فوق السرير حتى وهنت تماما وفقدت قدراتها على تكرار هذا، جلست لمار على السرير وهي تشعر بألم قوي لا يطاق في اسفل بطنها، حاولت النهوض من مكانها والذهاب الى الحمام الا انها سقطت ارضا ولم تستطع الحراك، حاولت الصراخ عاليا بينما بدأت الدماء تتسرب من جسدها، بعد لحظات بدأت تفقد وعيها لكنها شعرت بأخر لحظاتها بفارس يقترب منها وصفية ورؤية و ريم فوق رأسها ينظرون اليها بقلق حتى فقدت وعيها تماما...
في المستشفى اخذ فارس يتحرك داخل ممر المشفى ذهابا وايابا، كان يشعر بالقلق الشديد، لا يعرف اذا كان على لمار نفسها ام على الجنين، لكنه يشعر بالقلق وكفى...
مر الوقت بطيء عليه، كان قد جاء لوحده رافضا ان يأتي اي احد معه، ما زال يتذكر منظرها وهي فاقدة للوعي غارقة في دمائها، حملها مسرعا وركض بها نحو سيارته وهو يشعر بقلبه يكاد يخرج من بين اضلعه من شدة الخوف، اتجه بها الى المشفى الخاص بالقرية ليستقبلها الاطباء بسرعة متجهين بها الى غرفة العمليات... بعد فترة قصيرة خرج الطبيب وملامح وجهه لا تنطق بالخير... اقترب فارس منه مسرعا وسأله: كيف حالها؟! اجابه الطبيب:.
هي بخير ولكن... لكن ماذا؟! ابتلع الطبيب ريقه واجابه: سنها الصغير وجسدها النحيل لم يساعدانا في انقاذ الجنين، لقد فقدناه للاسف... اخفض فارس رأسه الى الاسفل بحزن بينما اعتذر منه الطبيب ورحل... بعد فترة دلف فارس الى الغرفو ليجد لمار ممددة على سريرها، اقترب منها وجلس بجانبها... فارس... همستها بضعف وهي تحاول فتح عينيها ليميل فارس نحوها قائلا بقهر:.
لقد فقدتي جنينك يا لمار، بإمكانك ان تقيمي الان الافراح، لقد تخلصتي من ابنك الذي لا تريدنه، هنيئا لك... هطلت دمعة لا ارادية من عينيها وقالت بصوت مدمر: انا من اجهضته، انا بنفسي من قتلته... اتسعت عينا فارس بعدم تصديق قبل ان يسألها: ماذا تقصدين؟! اومأت برأسها وهي تكمل: لقد تعمدت ان اجهض نفسي... اخذ فارس يهز رأسه بعدم تصديق بينما تسرد لمار على مسامعه تفاصيل ما حدث.
رواية الشيخ و المراهقة للكاتبة سارة علي الفصل التاسع
فارس قل شيئا... هتفت بها لمار الى فارس الذي اخذ يتطلع إليها بملامح جامدة خالية من أية تعابير... فارس... همستها بنبرة باكية بينما جسدها يرتجف بالكامل من شدة البكاء... نهض فارس من مكانه وتحرك متجها خارج الغرفة تاركا اياها لوحدها تبكي بصمت... حمل فارس هاتفه واتصل بسائقه وأمره ان يطلب من الخادمة ان تجمع ملابس لمار وتضعها في حقيبة كبيرة وترسلها معه...
وبالفعل نفذ السائق ما قاله، وجاء وهو يحمل معه حقيبة تضم كل اشياء لمار الخاصة وملابسها... حل الصباح وأخذ فارس الموافقة من الطبيب بإخراج لمار من المشفى... اتجه فارس الى الغرفة التي تقطن بها، فتح الباب ودلف الى الداخل ليجد الممرضة تساعدها في النهوض... فارس.. همست بها لمار بنبرة متلهفة بينما اقترب فارس منها وسألها بنبرة باردة: هل انت جاهزة لنخرج من هنا؟! اومأت برأسها وهي تجاهد لتقاوم دموعها اللعينة...
هيا بنا... قالها وهو يمسكها من ذراعها ويسير بها خارج الغرفة بل خارج المشفى بأكمله... أركبها سيارته وركب هو في كرسي السائق خلف المقود وبدا في قيادة السيارة... أبعدت لمار بصرها بعيدا عنه وأخذت تتطلع من النافذة وهي تمسح دموعها التي بدأت تهطل من مقلتيها بغزارة... مرت حوالي نصف ساعة لاحظت لمار خلالها بأن الطريق لا يشبه طريق المنزل... ارتبكت لمار كثيرا وهي تسأله بأعصاب مشدودة: لماذا غيرت طريق العودة؟!
اجابها دون ان ينظر اليها: لن نذهب الى المنزل... عادت وسألته بتوجس: إلى أين سنذهب اذا؟! ستعرفين بعد قليل... ابتلعت لمار ريقها وأشاحت ببصرها بعيدا عنه بينما اخذ جسدها يرتجف كثيرا من شدة الخوف... مرت عدة ساعات غفت فيها لمار دون ارادة عنها، اوقف فارس سيارته امام منزل والدها، تطلع اليها بملامح مترددة قبل ان يمد كف يده ويلمس شعرها بأنامل مرتجفة...
لحظات وابتعد عنها ثم اصدر صوتا عاليا أيقظها من نومها، انتفضت لمار من مكانها على صوته لتجد نفسها أمام منزل... نقلت بصرها بينه وبين المنزل الذي أمامها بملامح مصعوقة قبل ان تسأله: ماذا نفعل نحن هنا؟! هبط فارس من سيارته دون ان يجيبها، اتجه وفتح الباب لها ومسكها من كف يدها وأنزلها من السيارة... قادها نحو المنزل بعدما أمر البواب بإنزال حقيبتها...
وجد عادل يفتح له الباب مرحبا به قبل ان يتغضن جبينه بحيرة من منظر ابنته المرهقة فيسأله بسرعة وقلق: ما بها لمار يا فارس؟! هل هي بخير؟! اجابه فارس وهو يحرر كف يدها من يده: انها مجهدة قليلا... ثم اشار الى حقيبة ملابسها التي جاء البواب بها: هذه حقيبة ملابسها واغراضها... فارس ارجوك... قالتها بضعف بينما سأل عادل بجدية: ماذا يحدث هنا بالضبط؟! اجابه فارس نيابة عنها: دعها هي من تشرح لك، اتمنى ألا تؤذها...
ثم التفت الى لمار التي اخذت تتطلع اليه بنظرات مترجية لكنه لم يبال وهو يقول: لمار، انتِ طالق... لاااا... صرخت بها ثم ما لبثت ان انهارت باكية بينما تحرك فارس متجها نحو سيارته وهو يجاهد لكي لا يفقد سيطرته ويستدير نحوها،.
وهكذا انتهت حكايتي مع فارس... اغلقت لمار دفتر مذكراتها وتنهدت بصمت... حملت حقيبتها وتحركت خارج غرفة نومها لتجد والدتها تحضر طعام الافطار... صباح الخير... هتفت بها لمار بمرح لتبتسم لها والدتها بسعادة وهي تقول: صباح النور، هيا اجلسي على الطاولة وتناولي طعامك... اذعنت لمار لكلام والدتها وجلست بالفعل على الطاولة بينما وضعت والدتها طعام الافطار على الطاولة وبدأ الاثنان يتناولان طعاميهما... اشعر بالقلق...
قالتها لمار وهي تمضغ الطعام داخل فمها لتقول والدتها بنبرتها الهادئة: لا تقلقي، سوف يضعونك في مكان قريب ان شاء الله... ردت لمار: لا اظن هذا، من الصعب ان يجعلونني أخدم في مكان قريب، اخاف ان يرمونني في احدى القرى البعيدة... ارتشفت والدتها رشفة صغيرة من كوب الشاي ثم قالت بعدها بنبرة مترددة: لقد تحدث والدك معي... زفرت لمار أنفاسها بضيق وقالت: في نفس الموضوع، أليس كذلك؟! اومأت الأم برأسها وقالت: نعم...
لماذا لا يفهم بأنني غير موافقة.. قالتها فرح بضيق جلي من إصرار والدها و عناده لترد الام بعفوية: انه يفكر في مصلحتك، يريد تعويضك عما حدث في الماضي... بهذه الطريقة، بأن يجبرني على الزواج من رجل لا اريده... ليس هكذا، هو يريد ان تعطي فرصة له، الشاب يحبك للغاية... تطلعت لمار اليها بنظرات غير مقتنعة لتقول والدتها بترجي: اعطي فرصة له، من الممكن ان تغيري رأيك حينها... الا ان لمار ردت بعناد:.
كلا، لن أوافق، اخبريه بأن ينسى أمر هذا الموضوع تماما، هل فهمت؟! ثم حملت حقيبتها ونهضت متجهة خارج المنزل...
في القرية... استيقظ فارس من نومه على صوت ينادي عليه... ابتسم بحبور وهو يتطلع الى ابنه الذي اخذ يحاول إيقاظه... نهض من وضعيته المتمددة واعتدل في جلسته قائلا بنعاس: صباح الخير... اجابه الابن: صباح النور أبي، جدتي طلبت مني أن أوقضك لتتناول الافطار معنا... تنهد فارس بصوت مسموع ثم قال بنبرة ثقيلة وهو ينهض من مكانه ويتجه نحو الحمام: خمس دقائق وسوف تجدني معكم، اسبقني انت الى غرفة الطعام...
ركض الصغير متجها الى غرفة الطعام ليجد جدته هناك... جدتي جدتي، أبي سيأتي بعد لحظات... تعال هنا يا نور عيون جدتك... قالتها صفية وهي تحتضنه وتطبع قبله على جبينه... اجلسته بجانبها وبدأت تطعمه من الطعام الكثير، دلف فارس بعد لحظات ملقيا تحية الصباح عليهم، اقترب من والدته وطبع قبلة على جبينها ويدها ثم جلس على الكرسي المقابل لها وبدأ في تناول طعامه... انتهى من تناول طعامه وقال موجها حديثه لوالدته:.
سوف أذهب الى العمل، هل تريدين مني شيئا؟! اجابته الام وهي تحرر الصغير من بين احضانها: متى سنذهب الى منزل سالم العمري؟! أمي لقد تحدثنا بهذا الموضوع مسبقا... الا ان الام كانت مصرة على حديثها وهي تكمل: يقولون ان ابنته الكبرى تشبه البدر في جمالها، وانا لا اريد ان أضيعها منك... أمي ألا تملي من هذا الموضوع، لقد تحدثنا به مسبقا... نهضت صفية من مكانها مستندة على عكازها ثم تقدمت ناحيته مقتربة منه قائلة بإصرار:.
نعم لا امل، ولن امل حتى أراك مستقر مع زوجة تحبك وتنجب لك الكثير من الاطفال... حينما أجد الفتاة المناسبة سوف أتزوجها فورا، أعدك بهذا... ارجوك يا فارس، وافق على رؤية الفتاة... ارجوكِ انتِ يا امي، اتركي هذا الموضوع لوقته المناسب... قطع حديثهما دخول رؤية التي جاءت من بيت زوجها ليقول فارس بسرعة: ها قد جاءت رؤية، ستبقى معك اليوم بأكمله حتى لا تملي...
ثم خرج مسرعا من المكان بينما تقدمت رؤية من والدتها واحتضنتها متسائلة: ماذا يحدث هنا؟! ما به فارس؟! اجابتها الام: نفس الموضوع... امي اتركيه وشأنه من فضلك... اومأت الأم برأسها وقالت على مضغ: يبدو أنني سأتركه وشأنه بالفعل، فلا حل اخر امامي...
رواية الشيخ و المراهقة للكاتبة سارة علي الفصل العاشر
عادت لمار الى منزلها وهي تشعر برغبة عارمة في البكاء... دلفت الى غرفتها واغلقت الباب خلفها وانهارت باكية على سريرها... سمعت طرقات على باب غرفتها يتبعها دخول والدتها التي اتجهت نحوها بسرعة وقلق وسألتها: ماذا جرى عزيزتي؟! لماذا تبكين؟! اندست لمار بين أحضانها على الفور وهي مستمرة في بكائها لتربت والدتها على ظهرها وهي تحدث نفسها قائلة: يا الهي، مالذي حدث؟!
كفكفت لمار دموعها وابتعدت عن احضان والدتها وقالت بنبرة متحشرجة: لقد ظهر إسمي اليوم في قائمة الاطباء الذين سيخدمون في القرى، تخيلي في أي قرية وضعوني؟! ابتلعت الام ريقها وقالت بخوف حقيقي: لا تقوليها، ليست تلك القرية.. بل هي، لقد وضعوني في تلك القرية اللعينة... يا الهي، ما هذه المصيبة؟! قالتها الام بعدم تصديق لما تسمعه لتعاود لمار الانخراط في البكاء من جديد...
شعرت والدتها بالشفقة من اجلها فأقتربت منها والدتها وقالت لها: لا بأس حبيبتي، ألا تستطعين التبديل مع أحد زملائك في قرية اخرى؟! هزت لمار رأسها نفيا وأجابت من بين دموعها: للاسف لا استطيع.. اذا لا يوجد أمامنا حل سوى القبول بما يريده القدر... يعني سأذهب الى هناك؟! سألتها لمار بحسرة لتجيب والدتها: سوف أتحدث مع والدك، عله يستطيع مساعدتنا، يتحدث مع أحد من معارفه لينقلك الى قرية اخرى...
تطلعت لمار اليها بلهفة وقالت: اتمنى هذا بشدة، ارجوكِ تحدثي معه... اومأت الام برأسها وقالت مهدئة إياها: سأحاول معه، ولكن لا تتأملي كثيرا أن ينقلك الى مكان أخر... اعلم هذا، انا لن أضع آمالي عليه، ولكن عسى ولعل يحدث شيئا... ابتسمت الام لها ثم أخذت تربت على وجنتها وقالت: ما رأيك ان تتناولي طعامك؟! لا شهية لدي... الا ان الأم أصرت عليها أن تتناول طعامها مما إضطر لمار الى النهوض معها وتناول طعامها...
في القرية... جلس فارس أمام والدته صفية التي تحدثت بجدية قائلة: لقد تحدثت مع عمتك، نسرين ابنتها ستأتي من الخارج غدا... حقا؟! هل كل شيء جاهز لإستقبالها؟! اجابته صفية: نعم، لقد جهزنا جناح كامل لها، قمنا بتنظيفه وترتيبه بشكل جيد... جيد، هل هناك شيء معين مطلوب مني؟! اومأت صفية برأسها وأجابته: أريد منك ان تجعلها تعمل معك في المعمل... ماذا تقولين يا أمي؟! أي معمل؟!
وما المشكلة يا بني؟! إنها مهندسة زراعية وستساعدك كثيرا في عملك... إلامَ تخططين بالضبط؟! سألها فارس بنبرة مشككة لتبتسم صفية وهي تجيب بغموض: دع كل شيء لوقته، المهم أنك يجب ان توافق... زفر فارس أنفاسه بضيق ثم قال: سأوظفها لدي، لكن يجب أن تعلمي أنني لن ارحمها في العمل أبدا، فأنتِ تعلمين بأنني لا ارحم موظفيني أبدا... عاملها كما تشاء يا بني، أنا لن أتدخل في عملك... نهض فارس من مكانه واتجه الى غرفة ابنه...
كان ابنه جالسا على سريره والذي ما ان رأه حتى قفز من فوق السرير وركض نحوه ليضمه فارس إليه ويشدد من إحتضانه له... ماذا تفعل؟! قالها فارس وهو يجلس على سريره واضعا إياه بين احضانه ليجيبه ابنه: كنت أذاكر دروسي... ثم سأله الابن مرة اخرى: متى ستأخذني معك الى المعمل؟! لقد وعدتني بهذا منذ وقت طويل... اجابه الاب وهو يقبل جبينه:.
في العطلة، الان انت اهتم بدروسك وعندما تأتي العطلة سأخذك معي يوميا حتى تمل من الذهاب الى هناك... ولكن ما زال الكثير على أن تأتي العطلة... قالها الإبن بضيق ليبتسم فارس وهو يقول بجدية: حسنا، سأخذك يوم الأجازة الاسبوعية الى هناك... حقا؟! اومأ فارس برأسه ليضمه الطفل بسرعة وهو يهتف بسعادة: حبيبي يا بابا...
في صباح اليوم التالي توقفت سيارة سوداء عالية امام قصر عائلة صفوان... هبطت منها فتاة شقراء جميلة ترتدي بنطال جينز أسود فوقه قميص أخضر اللون ذو أكمام مربعة... فُتحت باب القصر وخرجت منها أحدى الخادمات لإستقبال الفتاة التي أعطتها حقيبتها بسرعة ثم تحركت متجهة الى داخل القصر... دلفت الفتاة الى الداخل وتحديدا الى صالة الجلوس لتجد صفية هناك في انتظارها وبجانبها فارس ونورا...
تقدمت الفتاة بسرعة وانحنت نحو صفية مقبلة كف يدها لتربت صفية على ظهرها وهي تبتسم بسعادة... اتجهت بعدها نحو نورا وحيتها ببشاشة ثم تقدمت نحو فارس و حيته ايضا... جلست نسرين بجانب صفية بعدما طلبت منها صفية ذلك، تحدثت صفية متسائلة: كيف حال والدك ووالدتك؟! بخير... أجابتها نسرين وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها: بخير الحمد لله... ثم عادت وسألت صفية: وانت كيف حالك خالتي؟! اجابتها صفية وهي تربت على يدها: بخير...
تحدثت نورا هذه المرة قائلة: هل تحبين ان ترتاحي في جناحك قبل الغداء... بالتاكيد... نهضت نسرين مع نورا حيث ذهبتا الى الجناح الذي خصصته صفية لها... اما صفية فنهضت من مكانها واقتربت من فارس وجلست بجانبه ثم سألته بفضول: ما رأيك بها؟! فارس وهو يتذكرها بشعرها الأشقر القصير وعينيها الخضراوتين وملابسها المثيرة والأنيقة: جميلة... هل أعجبتك؟! أمي بالله عليك ألا تملين من فتح نفس المواضيع؟! ردت الام:.
انا من حقي أن أرى إبنى وهو مرتاح في حياته... تنهد فارس وقال: ومن قال إني غير مرتاح في حياتي؟! يا بني راحتك تكمن بوجود زوجة بجانبك ترعاك وتهتم بك... زفر فارس أنفاسه بضيق ثم ما لبث أن نهض من مكانه وطبع قبلة على جبينها وقال: عندما أجد الزوجة المناسبة سأتزوجها على الفور... ثم تحرك بسرعة خارج المكان تاركا والدته تدعو له ان يرزقه الله بالزوجة الصالحة...
كان فارس يسير في حديقة منزله حينما وجد نسرين تقترب منه بخطوات واثقة وهي تبتسم بحبور... مساء الخير... منحها فارس ابتسامة متكلفة وهو يجيبها: مساء النور... تحدثت نسرين قائلة: بصراحة اريد التحدث معك بشأن العمل،! تفهم فارس حديثها فسألها بجدية: هل تنوين الاستقرار هنا؟! اومأت برأسها وهي تجيب: نعم، لقد مللت من الغربة، وأفكر جديا بالاستقرار هنا... هز فارس رأسه بتفهم ثم قال:.
قرار جيد، اذا هل تحبين أن تعملي معي في المصنع؟! سيكون رائعا... ابتسم فارس على حماسها بينما أكملت هي بنفس الحماس: لقد درست الهندسة الزراعية في أمريكا، وأستطيع أن أفيدك كثيرا في عملك... جيد، متى تريدين ان نبدأ العمل؟! اجابته: غدا اذا اردت... جيد، متفقين اذا... اتفقنا... قالتها نسرين وهي تمد يدها نحوه ليصافحها فارس بيده ثم أخذا يتحدثان في الامور الاخرى التي تخص العمل...