بعد حوالي اسبوعان... كان جاسم يجلس بغرفته على الأريكة يضع يداه على رأسه منكسًا رأسه وكأن مصيبة ما حلت برأسه!.. اخذ يتذكر ما حدث بعد أن أتوا من ذلك المطعم...
فلاش باك### ركضت كارمن لغرفتها دون كلمة واحدة، بينما إلتفت هو لوالدته التي أتت خلفهم ليزمجر والعصبية تكاد تمزق شريانه: -لية! عملتي كدة لية؟ انا متأكد إن إنتِ اللي جبتي الصحافه! مطت شفتاها ببرود لتجيبه بنبرو عملية جادة:.
-عشان أعرفك إن لو اتعاد الموقف دا وانا مليش دعوة، مش هتقدر تقولهم إنها مراتك، وعمومًا كمان مش هينفع تصارح الناس انها مراتك! عارف لية؟ عشان هي ملهاش اصل ولا فصل، عشان كل واحد هيخترع قصه من دماغه وسُمعتك هتتشوه، عشان مش هتقدر تكتب ابنك بأسمها ولما يطلع يقولك فين جدو وتيته وخالو وخالتو تسكت، عشان هتخسر شغلك والعملاء هيفكروا انك بتاع ستات ومش بعيد تطلع شهرة عليك إنك خمورجي! فووووق البنت دي ماينفعش تكون ليك بشكل رسمي ابدًا!
وكأن كلماتها كانت صفعات قوية لجاسم الذي هربت الحروف من بين شفتاه!.. يود مهاجمة الحقيقة بأسباب واهية، ولكنها تنخرط معها فيذوب هو صريعًا.. نظر لها يهتف بشرود: -انا مقولتش اني هعلن للناس وبعدين إنتِ خلاص افترضتي كل حاجة! ابتسمت بسخرية وهي تتشدق بثقة:.
-انت حبيتها يا جاسم، حبيتها من ساعة ما كنت بتراقبها ف الدار طول الشهر، بس لما تبعد دلوقتي احسن ما تتورط اكتر، دلوقتي انت قولت للصحافه إنها صديقة عمل واني كنت بهزر، لكن تخيل لو كنت قولتلهم انها مراتك مكنتش هتقدر تكذب الخبر ده! ثم اكملت بتحذير: -وخصوصًا انه بمجرد ما يحصل حمل مش هتقدر كمان تدي تسنيم مبرر عشان تكون قريب منها، وانت عارف تسنيم مجنونة مش بعيد تأذيها! باك###.
ها هو المبرر قُتل... والروح قاربت على الإنصهار في ذلك الجحيم! يشعر وكأن غليان من نوع اخر بصدره، غليان يحرقه حرفيًا!.. لكل نهاية بداية تُسلخ من اطرافها، ولكن هو يشعر أنه عاجز، عاجز عن وضع نقطة بداية لتلك النهاية الحالكة!
نظر لتيم صغيره الذي كان عنوان تلك البداية، وواضع نقطة النهاية ايضًا! ليتذكر كلام الطبيب الذي دفعه لتلك الزيجة.
جاسم بيه افهمني، انا بقترح انه يبقى له اخ عشان يخرجه تلقائيًا من الوحدة دي، عشان تيم يتعامل معاه بفطرته وبتلقائية، لانه لو ودتوه عند حد او صديق وجيتوا مشيتوا مثلا، هو هيحس انه برضه في حاجز، انه دا مش اخوه ومع الوقت هيدرك انه دا مجرد وسيلة، وخاصة انه الطفل التاني لو مش اخوه هيجي وقت هيزهق منه، لكن اخوه هيبقى معاه دايمًا ومع الوقت تيم هيبدأ يتفاعل معاه.
أغمض عيناه بقوة وفتحها لينهض خارجًا من غرفته وهو ينادي على الخادمة المسؤلة عن المطبخ: -بدرية! تعالي هنا خلال دقيقتين حضرت امامه تسأله بتوتر: -ايوة يا جاسم بيه اتفضل! اشار للسلم وهو يقول بصوت أجش لم تختفي لمحة الغضب منه: -مين اللي اتدلق منه الزيت على السلم؟ لا وكمان مامسحهوش قطبت جبينها بحيرة وهي تحدق بالسلم، لتنطق بعد صمت دقيقتان تقريبًا:.
-محدش يا جاسم بيه. اصلا الخدم ممنوع يخرجوا بالاكل من المطبخ الا وقت الغدا! واسفًا هو متيقن من حديثها... بل الحقيقة واضحة كضوء الشمس، ولكن ماذا إن كان يتمنى خسوف ذلك الضوء؟! خرج صوته حادًا وقاسيًا وهو يخبرها: -إنتِ مطرودة لحد ما أعرف مين اللي عمل كدة هنا ظهرت احدى الخادمات تقول بلهفة: -لا يا جاسم بيه والله الست بدرية ملهاش ذنب، محدش خرج بالزيت الا تسنيم هانم بس والله نال ذلك الأعتراف اخيرًا...
احتلت عيناه نظرة سوداء عميقة وكأنها حفرة غائرة ستبتلعك حتمًا...! ثم اشار لهم ان ينصرفوا ليتوجه نحو غرفة تسنيم دون كلمة اخرى..
كانت تسنيم ترتدي قميص نوم وتجلس في غرفتها في إنتظار جاسم... تضع قدم فوق الاخرى وتبتسم بانتصار هلل ملامحها الملطخة بسواد النَفس...! تضع -مونكير- في اصابع قدمها وتدندن الاغنية بصوت هادئ مدلل: -على رمش عيووونها قابلني هوا طار عقلي وآآ... قاطعها دخول جاسم الذي وكأنه سحب الهواء من المكان، فزمجر فيها دون مقدمات: -جاتك هوا لما ياخدك ويريحني منك ضيقت عيناها ترمقه بنظرة متنمرة وهي تسأله بقلق:.
-في ايه يا جاسم مالك؟ جذبها من شعرها بعنف فصرخت بصوت عالي متأوهه، ليسبها صارخًا بحنق: -إنتِ عايزة ايه هاا؟ من امتى وانتِ بيئة بتدبري لحاجات متخلفه زيك! الحقد كان متربع وسط طيات روحها وهي تجيبه بصوت مغلول: -من ساعة ما بدأت تهتم بالبت دي على حسابي ثم سألته مستنكرة: -أنت اخر مرة قربت لي فيها امتى؟ اليومين اللي هي بعدت عنك فيهم صح؟ لكن من ساعة ما اتجوزتها مافتكرتش تيجي تبات عندي حتى!
كز على أسنانه بقوة مغمغمًا: -ده عشان الطفل بس تخصرت وهي تتحرك ببطء مرددة بسخرية واضحة: -انت بتضحك على عيل صغير يا جاسم؟! نظر لها باشئمزاز من اعلى لأسفل وكاد يغادر ولكنها اسرعت تقترب منه وهي تهمس بتلاعب: -خلاص اسفه، بس خليك أنت وحشتني اوي ومع اخر حرف لها اصبحت تعبث بأزرار قميصه، لمستها كانت بالنسبة له كوشم يكويه بالنيران ليزول!. فدفعه بعنف وهو يغادر تلك الغرفة لاعنًا اليوم الذي تزوجها به...
في الحديقة بالأسفل... كانت كارمن تقف جوار ذلك الشاب الذي يعمل جنايني بالمنزل وهو يسقي الأشجار... لاحظت إعجابه الواضح بها منذ أن انتقلت للعيش بتلك الغرفة جواره.. فقررت التلاعب بتلك النقطة جيدًا، لتخلق كلمة اخرى مغلفة بالغليان! الغيرة الغيرة سلاح الانثى... سلاح قوي يتيح لها فرصة استغلاله في حرب الحب، بغض النظر عن كونه سلاح ذو حدين!
كانت ترتدي بنطال بها بعض الخرق وهو ما يسمى بالموضة وتيشرت ذو اكمام، تاركة لشعرها دور إبهار كل من تسقط عيناه عليها!.. كانت تقف جواره مبتسمة تراقبه بهدوء وهي تتحس بطنها... منذ ما حدث وهي تتلاشى جاسم تمامًا! ولكن فجأة رأته يخرج من البوابة فلم يكن منها الا ان اقتربت من ذاك الشاب بسرعة وكأنها تقترب لتسأله: -الا قولي يا مصطفى، هو تيم منزلش لية زي كل يوم عشان نلعب شوية؟!
ابتسم لها بود ونظراته تصرخ بأعجاب ساعدت هي على نموه: -زمانه نازل ياست البنات متقلقيش وفجأة وجدت جاسم فوق رأسها يصرخ فيها بعصبية متساءلاً: -أنتِ ايه اللي موقفك معاه وبتعملي ايه هنا اصلًا؟ لم ترد عليه وإنما اعطته ظهرها وهي تقول للجنايني ضاغطة على كل حرف ؛ -كمل كمل يا صاصا يلا إتسعت حدقتا ذلك الشاب المسكين بخوف... سيقتله حتمًا..!
لا يعلم إن كانت تعني له شيء ام لا ولكن بعد الاحتراق الذي نشب بين جحور عيناه وكأنه على وشك قتل احدهم... ادرك أنها تعني له الكثير!.. أمسكها جاسم من التيشرت يجذبها نحو تلك الغرفة ليدفعها بعنف ويغلق الباب خلفه.. ظلت تعود هي للخلف بقلق وهي تشير له بإصبعها الذي يرتعش: -اوعى تتهور يا جاسم، انا بحذرك والله العظيم هعيط وهصوت.
اختنق من الجو الحار فبدأ يفتح ازرار قميصه العلوية بملامح ممتعضة، فبدأت هي تصرخ شاهقة وهي تردد بشكل مضحك: -يالهوووويتي، انا عارفه إن نيتك زبالة اصلًا، عشمتني وغدرت بيا! امسك ذراعها بقوة يضغط عليه وهو يزجرها بقسوة: -اخرسي يابت، الشغل دا مش هيخيل عليا، أيه اللي مقعدك مع الواد دا؟! ولا إنتِ بتحبي يكون أي راجل ف حياتك وخلاص، عشان يملا الحرمان اللي عندك! كلماته حفرت جرحًا، لن يزول كالوشم سيظل مدى الدهر!
كرامتها صرخت متوجعة، وروحها تلوت ملكومة بصفعات كلماته...! فلم يكن منها الا أن نفضت ذراعه عنها وهي تحاول تصنع البرود متمتمة: -ايوة بالظبط. وبعدين انت مالك بيا؟ كان بينا مجرد اتفاق وخلص، وملكش عندي الا العيل! ظل يقترب اكثر وهي تعود للخلف بقلق، حتى إلتصقت بالحائط فوضع هو يداه يحاصرها، ليسألها بحدة: -واية البنطلون المقطع اللي إنتِ لابساه ده؟ مش شايفه رجلك باينه ازاي؟!
مطت شفتاها ببرود تخفي الرجفة التي هزت كيانها: -دي الموضه! ضرب الحائط بقبضتاه وصراخه اصبح كزلزال مُرعب يكاد يهدم الثقة الواهية التي بنتها بصعوبة في الايام الماضية: -ينعل * ام الموضه! مفيش حته منك تبان ل** راجل خلقه ربنا وفجأة اصبح يحاول تمزيق التيشرت بعنف حتى ظهر اجزاء من جسدها وصدرها وهو يقول بخشونة: -يلا دي كمان موضه قطعي هدومك وامشي فرجي الناس!.. ثم أمسكها من شعرها بعنف حتى تألمت وأكمل:.
-وشعرك ده يتغطى إياكِ اشوفه مكشوف! اصبحت تدفعه باهتياج وتضربه على صدره وهي تردد بهيسترية من وسط بكاؤها ؛ -ملكش دعوة بيا انت عايز مني ايه ابعد عني بقا انت اصلًا ملكش حكم عليا، عايز مني ايييه عايز مني ايييه بقا ارحمني وسبني ف حالي، عايز مني ايه! اصبح وجهه قريب منها جدًا، حتى لفحت أنفاسه صفحة وجهها الابيض وهمساته كانت فراشات رقيقة تداعبها:.
-عايزك ومش عارف اعمل ايه، مش عارف ابني هيتكتب بأسم تسنيم ازاي! عايزك ومش عارف الا اني عايزك ومستحيل اسيبك تبعدي عني، بس حاسس ان في حاجات كتير اوي طابقه على نَفسي مش قادر اخد حريتي منها! اغمضت عيناها وهي تهمس: -جاسم... رد هو بنفس الطريقة: -روحه.. كانت انفاسها مضطربة، روحها تترنح مستمتعة بخليطه الذي يخترق روحها، وقلبها ينادي متعطشًا الاعتراف! فقالت بصوت مبحوح: -انا بحبك! هل تهيء له ما سمعه؟!
ام قلبه الأبله يُملي عليه ما يريده!.. اصبحت دقاته سريعة حد الجنون، ولمعت عيناه ببريق مختلف، بريق جعل عيناه كنيران دلالة انتصار تلك الحرب!.. قبل جبينها بعمق.. ليهبط ببطء ويُقبل عيناها المغمضة ترمش كل دقيقة بتوتر... ليهبط اكثر ويهبط وجنتها الملتهبة بخجلها الفطري، وعند شفتاها لم يتحمل ذلك البطء فالتهمها بلا تمهل... يقتنص حق شوق وحرمان هذان الاسبوعان!
يريد أن يطفئ تلك النيران المشتعلة بصدره ولكنها تشتعل اكثر فأكثر، وكأنه جوعه لها لن ينتهي...! حملها بين ذراعيه ولم تنقطع قبلاته المتلهفة لها ليضعها على ذلك الفراش برفق وهو معها...!
صباح اليوم التالي... استيقظ جاسم يفرد ذراعيه يتأثب بكسل، وتلقائيًا بمجرد ان فتح عيناه تعلقت ابتسامة هادئة وهو يتذكر ليلة امس.. الليلة التي كانت كالأضاءة وسط ظلمات روحه!.. ولكن سرعان ما اختفت تلك الابتسامة عندما لم يجد كارمن على الفراش جواره فهب ناهضًا بفزع يرتدي ملابسه وهو يبحث عنها بعيناه ولكن للاسف لم يجدها!..
انتهى من ارتداء ملابسه وكاد يغادر الغرفة ولكن توقف عندما رأى ورقة صغيرة موضوعة على المنضدة فأمسكها بلهفة يقرأها لتتصنم ملامحه وتُنحت روحه وكأنها تُعذب ببطء متلف! فقد كان محتواها الصادم جاسم، انا اسفة بس مش هاقدر استحمل اكتر، ارجوك ماتحاولش تدور عليا!
نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والأخير
اسبوعان من الدهر مروا، ام أسواط من الجحيم هذه التي كانت تجلده مع كل يوم يمر وهي بعيدة عنه... لا يعلم عنها اي شيء! لا يعلم أ هي بخير ام لا، تشتاقه كما يلتاع هو متلطمًا بين جرعات انتقامها ام لا تبالي!.. لا يتخيل أن اسبوعان وأيام مروا دون أن يعلم اين هي او يلمحها ولو من بعيد!.. وكأنها طيف ابيض ظهر امامه لتزدهر صفحات حياته ثم اختفى فجأة لتعود لحلكتها...! كان يجلس في غرفته يحدق في اللاشيء..
أ يمكن أن تكون الارض إنشقت وابتلعتها! بدأ ينفث سيجاره بشراهه بعدما قطعها منذ فترة طويلة، يريد اي شيء يخرج طاقته السلبية به! طرقت تسنيم الباب بهدوء فلم يرد عليها كالعادة.. ابتسمت وهي تضع الطعام امامه مرددة ببرود اغاظه: -يا حبيبي متقلقش، هي كدة كدة مش هتقدر تصرف وتربي البيبي لوحدها اكيد اول ما تولد هترجع لوحدها! لم يشعر بنفسه وهو يدفع صينية الطعام بعنف حتى سقطت على الارض فصرخ بجنون كعادته مؤخرًا ؛.
-وانا لسة هستنى 8 شهور لما تولد! -يوووه انا غلطانة انت حر خليك كدة قالتها وهي تنظر له بحدة ثم استدارت لتغادر دون كلمة اخرى... ليضع هو يده مكان قلبه هامسًا بتأوه متألم: -أنتِ فين يا حبيبتي؟!
وفي الخارج امام الغرفة، رن هاتفها فأمسكت به تجيب بصوت هادئ: -ايوة يا ماما.. -عاملة اية يا تسنيم؟ وجوزك لسه زي ماهو؟ -لا انا تمام، اه البيه لسة بيبكي على الاطلال! -مش كان احسنلك لو كنتي حملتي بدل وجع القلب ده كله خفضت صوتها وهي ترد: -يوووه يا ماما انا غلطانه اني حكيتلك يعني؟!
-اصل مش مستوعبه ازاي تكون نسبة الخطر 50٪ بس وانتِ تكذبي على جوزك وتقوليله 90٪! خايفه تخاطري ياختي؟ طب اديكي انتِ اللي اتدبستي ف مشاكل وحوارات! -ماكنش قدامي حل الا اني اكذب يا امي واقوله الخطر 90٪ كنت خايفه اووي حتى لو نسبة الخطر 50٪ بس! -سلام يا ماما سلام -سلام يا اخرة صبري اغلقت الهاتف وهي تستدير لتسير ولكن شهقت بعنف وهي ترى جاسم الذي يبدو انه خرج من غرفته دون ان تشعر به وسمع كل شيء!..
ظلت تعود للخلف بخوف وهي ترى نظرة عيناه... نظرة عيناه التي كانت كالسكين يخدش جوارحها بقوة أرعبتها فكادت تبكي خوفًا! ظل يقترب منها ببطء وهو يقول بنبرة اجرامية: -يعني طلعت عايش مع اكبر كدابة! مع واحدة خافت على نفسها من حاجة ملهاش داعي وفكرت بأنانية ومفكرتش ف ابنها اللي بيضيع كل يوم اكتر عن اللي قبله! مع اخر حرف له كان يصفعها بعنف متابعًا زمجرته التي تشبه زئير الاسد:.
-انتِ ايه! مؤامرت وتخطيط وكذب واهمال، كفاااااية بقا ارحميني! اصبحت ترسم البكاء وتذرف دموع كسحاب ممتلئ وهي تردد بحزن مصطنع: -جاسم اسمعني، انا عملت كدة عشان آآ... ولكنه لم يعطها الفرصة فكان يصفعها للمرة الثانية على التوالي وصراخه يصل لكل من بالمنزل:.
-اخرسي مش عايز اسمع صوتك، وعشان تبقي عارفه انا هرجعها، وهعلن جوازي منها وهترجاها تسامحني لاني سبت جوهرة تروح من بين ايديا، وهكتب الواد بأسمها وهي اللي هتربي تيم! وعندما وجد الذهول ممزوج بالغل يتراقص في حدقتا عيناها، استطرد بقسوة متقززة ؛.
-انتِ مابتشوفيش الفرق بينك وبينها؟ من ساعة ما جت وهي بتحاول تتقرب من تيم وانتِ عمرك ما عملتي كدة، بتحاول تكون الصدر الحنين للكل، حتى الخدم حبوها، لكن انتِ! انتِ الساحرة الشريرة في البيت ده! حتى ابنك مقدرتيش تحتويه!.. اصبحت تبكي بلا توقف فصمت هو برهه ليقول بعدها ؛ -انتِ طالق، طالق، طالق بالتلانة! تقدري تتصلي بحد من اهلك يجي ياخدك واقعدي لمي حاجتك على اقل من مهلك! إتسعت حدقتاها وهي تصرخ بانهيار:.
-لاا انت ازاي تطلقني لا مستحيييل! تركها واستدار ليغادر فنهضت وهي تقول بشراسة: -طب والله ما هقعد فيها ثانية، بس مش هسكت يا جاسم رفع كتفاه ببرود ان يعيرها ادنى اهتمام، وبالفعل مرت دقائق ووجدها تغادر المنزل كالأعصار... حينها ابتسم بسخرية وهو يهمس لنفسه حتى ابنها مافكرتش تاخده معاها !
بعد ثلاث ايام... كان في الحديقة يسير بشرود، منذ رحيل تسنيم وهو لا يعلم عنها شيء، ولا يريد حتى ان يعلم! كل ما يريده ان يجد تلك المعشوقة... صغيرته التي اطاحت بصوابه فلم يعد حتى يهتم بعمله..! فجأة سقط على الارض في الحديقة يضع وجهه بين يداه ويبكي... بالفعل يبكي.. يبكي فقدانها، يبكي وحدته، ويبكي عذابه في بُعدها! روحه تعاني، وجسده يصارع، وقلبه يتلوى بين ضلوعه طالبًا اياها!
لم يكن يتخيل انه سيحزن على فراق اي شخص بعد المرحوم والده... وجد خطوات بطيئة تقترب منه، ليرفع رأسه تلقائي ليراها! توقفت نبضات قلبه وهو يراها امامه.. في البداية اعتقد ان صورتها مجرد تهيؤات من وحي خياله!.. ولكن لا يمكن ان يكون صوتها ايضًا تهيؤات وهي تهتف: -جاسم بيه! كان كالصنم ينهض ببطء وهو يحدق بها وفجأة من دون مقدمات كان يجذبها بعنف لأحضانه... يتأوه بصوت مكتوم وهو يود كسر ضلوعها بين أحضانه!
دفن وجهه عند رقبتها يملأ رئتيه برائحتها التي اشتاقها حد الجنون!.. ليهمس دون توقف: -وحشتيني، وحشتيني لدرجة اني كنت هموت من غيرك والله، وحشتيني اوووي.
وعندما اعادتها كلماته من غيبوبة المشاعر المرهفة التي جعلت من قلبها صحراء قاحلة، دفعته بعيدًا عنها وهي تقول بصوت أجش: -ابعد عني، انا جايه عشان تطلقني ودلوقتي! ثم حاولت رسم ابتسامة مزيفة على ثغرها وهي تخبره: -عشان اعزمك على خطوبتي... ضربته في مقتل... وكأنها غرزت سكين حاد وبارد، قاسي بدرجة لم يتحملها! جذبها من ذراعها بعنف حتى اصطدمت بصدره الصلب، فصار يزمجر فيها بجنون ؛.
-على جثتي، انتِ بتاعتي انا بس، أنتِ مراتي وهتفضلي كدة لحد ما اموت، انتِ ملكي انا ومفيش راجل خلقه ربنا هيلمسك غيري! حاولت إبعاده عنها وهي تأن بغيظ: -ابعد عني، ده تملك وجنان بس، سبني احنا قصة انتهت من قبل ما تبدأ اصلًا! وضع اصبعه على شفتاها يمنعها من تفوه المزيد من الهراءات... وبكلمة واحدة أوقفت العالم من حولهم قال بكل ذرة تهفو بأسمها داخله: -بحبك، بحبك ومقدرش ابعد عنك؟!
رغم صدمتها، رغم تخبطتها وتلكأ مشاعرها في تلك اللحظة، قالت ساخرة ؛ -وهو انت ايه الحب بالنسبالك؟! رد دون تفكير وشظايا الغيرة والتملك انغرزت بحروفه: -الحب بالنسبالي اني لو شوفتك مع واحد غريب اقتلك واقتله وادفنكم واحط سور ما بينكم عشان بغيير! لم تستطع النطق... تاهت حروفها متململة وسط هجومه الكاسح بمشاعره الفياضة.. فلم يكن منها سوى ان صمتت ونظراتها تغرق بين بحور نظراته النابضة بالعشق!..
ليتابع هو بصوت خشن يحمل الرجاء: -سامحيني، سامحيني واديني فرصة اعوضك عن كل حاجة! ثم وضع يده على بطنها وهو يستطرد بصوت عذب: -وادي فرصة لابننا مايبقاش زي تيم! نطقت تسأله باستنكار واضح: -ومراتك؟! -طلقتها قالها بلهفة ما إن سمع سؤالها، لتومئ هي مبتسمة وعيناها ممتلئة بالدموع، فاحتضنها هو بسرعة يصرخ بصوت عالي مبتسمًا: -بحبااااااااااااااااك!
في صباح اليوم التالي... كان يجلس على مائدة الافطار منتظرًا نزول معشوقته الصغيرة مع طفله الوحيد تيم... حتى الان كلما تذكر انها كانت تكذب بشأن انها ستتزوج يكاد يجن جنونه!.. خاصةً بعدما علم ان من ساعدها على الهرب وأمن لها مكان للأقامة لم يكن سوى الجنايني مصطفى! هز رأسه نافيًا والابتسامة تعود لتحتل ثغره... لا يهم اي شيء، كل ما يهم انها معه!
امسك بالجريدة بتلقائية يتفحصها، لتتجمد يداه وهو يقرأ الخبر الرئيسي زوجة رجل الاعمال الشهير جاسم الشربيني تتوفى في حادث سير صباح اليوم بعد طلاقها المُصرح به من والدتها ! نعم قد يكون لا يعشقها كما يعشق كارمن وتزوجها -جواز صالونات- ولكنه ايضًا لم يتمنى لها الشر رغم كل ما فعلته!.. اغمض عيناه متنهدًا بأسى.. وعند تلك اللحظة أتت كارمن التي سألته بهدوء: -مالك يا جاسم؟
هز رأسه دون ان يرد فأمسكت بالجريدة لترى ما قرأه، فصُدمت هي الاخرى! ولكنها قالت بحزم بعد دقيقة صمت ؛ -لازم تروح تعزي يا جاسم! اومأ مؤكدًا والصمت ابتلعه كحفرة عميقة لا نهاية لها... حزين ومتألم على تيم الذي اصبح يتيمًا وهو لم يتخطى الثلاث سنوات حتى!
بعد مرور خمس شهور... كانت كارمن تجلس في الحديقة تنتظر قدوم جاسم بفارغ الصبر.. اصبحت تتأفف كل لحظة كلما تذكرت انشغاله بعمله تلك الفترة.. وما إن رأته يدلف حتى نهضت مسرعة لتكرمش ملامحها وهي تحدق به فهمس هو بعبث وهو يقترب متمتمًا: -شكل الحمل هيمسي علينا النهاردة! احتضنها في حنو ما إن اقتربت منه وهو يهمس: -مالك يا حياة الروح؟! زمت شفتاها وهي تقول بحنق طفولي:.
-انت كل ده ف الشغل يا جاسم؟ مابقتش مهتم بيا خالص على فكرة ابتسم يمنع ضحكته من التحليق على ثغره بصعوبة.. منذ بداية الشهر الثاني في حملها وهي على هذا الحال كل يوم بمزاج مختلف! ولكن ما يدهشه حقًا انه مستمتع بذلك التقلب!.. بل يثير به زوبعة جديدة من فوران المشاعر!.. ابتسم وهو يحيط وجهها بين يداه ويردد بصوت هادئ خشن: -يا حبيبتي منا عرفتك إني الفترة الجاية هكون مشغول شوية بعمل صفقات جديدة!
عضت على شفتاها تنطق بقهر: -انت مابقتش تحبني ولا بتقولي كلام حلو! رفع حاجبه الايسر وهو يستمع لها فأكملت مستنكرة بصورة مضحكة: -فين يا وردة مكانها ف البستان؟ فين ده؟ انت شايفني تين شوكي ادامك!؟
عندها لم يحتمل تمالك نفسه فانفجر ضاحكًا على جملتها، بينما هي تراقبه بغيظ ولكن تسربت البسمة لثغرها رغمًا عنها! وفجأة شهقت وهو يحملها على كتفه -كشوال البطاطا- ويردف بمرح اختلط به العبث: -تعالي ف اوضتنا بس يا حبيبتي عشان احنا كدة بنعمل بث مباشر وهيبقى فيها اخلال بالاداب العامة دي خدي بالك!
فتعالت ضحكاتها وهي تضربه على ظهره وخصلاتها متساقطة خلفها بينما تيم يصفق بيداخ ببطء وبسمة يتيمة تظهر لاول مرة مرتسمة على ثغره!.. نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي
بعد مرور ثلاث سنوات... كانت تقف خلف احدى الابواب في المنزل تعض اصابعها بتوتر، سينقض عليها حتمًا حتمًا! كان داخلها يهتز بعنف من مجرد خيوط الخيال التي رُسمت له عندما يجدها!.. عندها سمعت صوته الغاضب وهو يأتي نحو الغرفة التي تختبأ بها ويهتف بعصبية واضحة: -أنتِ فييين يا هانم، استخبيتي فييين، أنتِ فيييييين يا كارمن!
حينها وجدت المواجهة أمر لا مفر منه، ولون إجباري بالطبع لن يُغير الخلفية الوردية لحياتهم، فخرجت من خلف الباب تردد بابتسامة بلهاء مرحة تُخفي توترها: -انا هنااااا يا سلامة!.. وفجأة وجدته يقترب منها ليمسكها من ملابسها -كالمخبرين- وعيناه السوداء تُطلق شرارات حالكة كالسواد الذي يحط بالسماء عند اختفاء القمر!.. ليقول بشراسة مغموسة بغيظه الدفين منها:.
عندها إنفجر ضاحكًا على كلمتها، وهي غرقت بين أطياف تلك الضحكات، هي سباحة ماهرة، ولكن عندما يتعلق الامر به هي اكثر من مرحبة بالغرق الذي يتشبع روحها المهيمة به!.. عاد يقول بخبث وهو يلاحظ شرودها به: -بس انا مش عايز ادخل الحمام تأففت بضجر من تلاعبه بها، يلفها بين أصابع عبثه كالعروس الماريونت!.. فضربته على صدره بقوة مرددة بيأس: -جااااسم.
اقترب منها ببطء يهمس وهو يحيط خصرها فتلامس هي صدره العاري الذي يُظهر عضلات صدره السمراء فتلفحها لسعة كالكهرباء تُعيد لها رشدها... روح جاسم، وعمر جاسم، وقلب جاسم ! عضت على شفتها السفلية وهي تهمس مغمضة عينيها بحرج: -أنت بتوحشني، بكون نفسي زي اي حد اعمل الغدا واستناك ونتغدى سوا ونقعد نتفرج على فيلم ونهزر ونضحك..
ثم فتحت عيناها التي لمعت ببريق كالشهب لا ينطفئ الا عند إنتهاء مرحلة من مراحل الاعداد الكوني!.. لتكمل همسها الذي أطار بصوابه: -نفسي نخلف بيبي صغنون تاني شبهك! جذبها من خلفية رأسها يمسك شعرها الاسود الطويل ليُقربها منه فليلتهم شفتاها التي تُطيح بأي ثبات له... ذابت الشفاه بين الشفاه، وإنطلق القلب يُدغدغ حواسهما!
وضعت ذراعها على صدره تستند برفق بينما هو لم يبتعد، يأكل شفتاها بتلهف وليس تمهل وكأنها اخر شيء سيفعله بحياته... فتشتعل به براكين الرغبة اكثر كلما تذكر همستها الخجولة نفسي نخلف بيبي صغنون شبهك ابتعد اخيرًا يلهث بعنف وهو يلتقط انفاسه بينما هي كادت تترنح من فرط تأثيره بها، دفعها ببطء بجسده للخلف فحُشرت بينه وبين الحائط... هبط ببطء يهمس عند رقبتها: -وانا عايز أجيب 55 بيبي تاني منك مش بيبي واحد بس.
ردت بتلقائية عابثة لم تعرفها قبلًا: -طب يلا نبدأ بأول واحد! عندها إنقض على رقبتها يلثمها بعمق جعلها ترتعش وهي تشعر بملمس شفتاه الغليظة وهي تُفتح وتُغلق على جلدها الناعم...
كانت كارمن متسطحة على صدره تعبث بأصابعها بصدره بشرود بينما هو يحتضنها بتملك لا يظن انه سينتهي ولو بعد دهر كامل!.. وفجأة سمعوا طرقات على الباب فنظرت كارمن بسرعة لجاسم الذي اغمض عيناه وهو يسبهم بصوت منخفض لتضحك هي مرددة بسرعة: -هقوم اشوفهم بسرعة وجاية اومأ موافقًا وهو يندب حظه: -قومي ياختي قومي انا عارف انهم مش هيهنوني على كام ساعة ابدًا.
ضحكت كارمن بصخب وهي تفتح الباب لترى تيم طفلها الذي لم تنجبه... لم يتعافى بشكل كامل ولكن على الاقل بدأ يعطي بعض الاستجابات مما اراح ذلك الهم عن قلوبهم نوعًا ما!.. ومعه طفلتها العبثية تالا التي تعشقها حد الجنون فهي مدللة امها!.. حملت طفلتها ذات الثلاث سنوات لتقبلها بحنان هامسة: -حبيبة ماما ابتسمت تالا لأبيها الذي ينظر لها لتقفز من حضن والدتها نحو ابيها مرددة بصراخ: -بااااابييييي.
إتسعت حدقتا كارمن وهي تهمس ببلاهه: -يابنت الجزمة! ومن ثم سمعت ضحكات جاسم الذي احتضن ابنته يُقبلها، لتحمل هي تيم وهي تقول في حنو حانق: -تعالى انت اللي حبيب مامي الواطيه دي خليها لابوها... ابتسم لها تيم وهو يُقبل وجنتها برقة، سارت معه نحو الفراش لتسمع جاسم يقول حينها بجدية: -كارمن، ماما جاية تزورنا وتشوف احفادها ابتلعت ريقها بتوتر... رغم كل ما مر، رغم كل ما عاشوه...
تبقى عقبة والدته صخرة في طريقهم دائمًا ما تجثو فوق دقاتها حتى تكاد تخنقها... ولكن على اي حال، يجب ان تتعامل مع تلك العقبة فقط من اجله، من اجل معشوقها! ابتسمت له باصطناع هامسة: -حاضر يا جاسم هقول للبنات عشان الغدا وهظبط متقلقش تنهد وهو يتحسس وجنتها بحنان مرددًا: -انا مش هجبرك انك تتعاملي معاها كتير، بس دي امي مش هقدر اتبرى منها مهما عملت! اومأت مؤكدة وهي تحتضنه: -اكيد يا حبيبي.
فاحتضنهم جميعهم وهو يغمض عيناه مبتسمًا... اخيرًا وجد راحته الحقيقية، وجد ملجأه، وجد ملاذه ومصدر سعادته! وجدهم في تعويذته، التعويذة التي اندرجت من تحتها صفحات حياته الوردية...! تعويذة عشقه...! تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم