كانت امام القصر... ظلت تأخذ شهيق وزفير.. تحاول تكميم قسمات وجهها النابضة بالقلق رغمًا عنها...!
توجهت نحو الحرس تهتف بصوت هادئ:
-عايزه اشوف الفرعون
اشار لها الحارس بيده بخشونة:
-عايزه تشوفيه لية؟
-مايخصكش، اديله خبر وبس
وبالفعل غادر الحارس للداخل بضع دقائق وعاد لها بملامح غامضة يخبرها:
-تعالي
الفرعون مستنيكي جوه
عضلة فكها اختلجت دون ارادة منها.. تشعر أن كلما اقتربت من رؤيته يهاجمها دوار سريع مخيف في ضربات قلبها...
وبالفعل دلفت معه ولكن بمجرد أن دلفت وجدت الحرس يسحبونها نحو ذلك السجن...
فبدأت تصرخ بزمجرة شرسة:
-انتوا واخديني على فين سيبوني
ولكنهم بالطبع كانوا صم بكم عمي... أذانهم لا تصغي سوى لصوت واحد... صوت ذاك الفرعون!
وبعدها لم تدرك شيء... ظلت في ذلك السجن حبيسة شريدة... سجينة تنتظر على ورقيات من الجمر عقابها!...
تيقنت أن
الفرعون قد علم انها جاءت تنوي ادعاء انها تريد العمل عنده ثم تغويه ثم تبدأ رحلة بحثها عن الورق الذي يخص ابيها...ولكن لم يراها يومًا بحياته... فكيف علم بمخططها هي وابيها... لا تعلم ولن تعلم...!
فصول نوفيلا
طفلة في قلب الفرعون
نوفيلا
طفلة في قلب
الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول
كان هدير أنفاسها عاليًا، تحدق بالباب المغلق بإحكام عليها، أغمضت عيناها تزفر بعنف، يا الله لأول مرة تشعر بهذا العجز...!
تشعر أن ما هو قادم أعمق مما تصورت، عميق ومُلطخ بسواد لا يوازي سواد حياتها ابدًا بل أشد...!
ابتلعت ريقها ثم صرخت عاليًا:
-أنت يابني ادم ياللي برا، أنت يا تووور.
وفجأة وجدت الباب يُفتح وفعليًا رجل يشبه الثور يخترق ظلمتها، إنتفضت شجاعتها منسحبة من حرب لم تبدأ بعد، ولكنها لم تظهر بل صاحت فيه بحدة:
-هو أنت أطرش؟ بقالي ساعة بنادي، روح نادي المتخلف التاني اللي مشغلك
ودون مقدمات كانت صفعة عنيفة تسقط على وجهها، ونار، نار تشتعل داخلها تلسعها مرة بعد مرة بإحتراق تلك الصفعة...!
عيناها كانت حادة كغابة في الشتاء البارد وهي تهمس له بشراسة:
-قسمًا بالله لاندم...
قُطع حبل كلماتها عندما فُتح الباب فجأة ليدلف هو رويدًا رويدًا، حاولت تجاهل تلك الرجفة العنيفة التي ضربت كيانها الشامخ وهي تراقب الفرعون، تمامًا كما لقبوه!
شاب في اوائل الثلاثينات من عمره ولكن ملامحه تحمل جمودًا وعمقًا، وسوادًا يناسب
الفرعون لا ذلك الشاب الوسيم اطلاقًا؟!
نظر للرجل ودون مقدمات كان يدفعه بعنف للحائط حتى كاد الرجل يسقط ارضًا، فصرخ فيه يزيد بانفعال:.
-إياك تمد ايدك عليها تاني، هاقطعهالك المرة الجايه ساامع؟
اومأ الرجل مؤكدًا بسرعة ثم إنسحب دون كلمة اخرى...
اقترب منها ببطء ثم دنا لمستواها ببطء أشد وهو يهمس بينما أنفاسه الساخنة تضرب وجهها الصلب:
-طفلة!، مجرد
طفلة رمت نفسها في بير عميق اوي من غير ما تاخد بالها إن البير ده ملهوش نهاية!
ثم مط شفتاه ببرود متابعًا بأسف مصطنع:
-يا عيني على زهرة شبابك اللي بقت زي الفجلة بدايةً من النهارده!
تمتمت بصوت خفيض دون أن تنظر له:
-ظريف ودمك سم يلطش
أخرج بكل هدوء ورقة من جيب سرواله وقلم متجاهلاً سبابها الحانق الطفولي، ثم مدهم لها بهدوء تام وهو يأمرها:
-امضي
حينها ودون تفكير كانت ترفع عيناها الزرقاء الحادة لتقابل ظلام عيناه وهي تهمس:
-إيه دي؟ أنا مش هامضي على حاجة!
كان يحاول التمسك بقناع البرود الذي بدأ يتصدع:.
-دي ورقة جواز هتمضي عليها وهاوديها لمأذون يوثقها، اي نعم انتِ
طفلة يادوب ١٩ سنة بس عادي تكفي للغرض!
زمجرت فيه بشراسة تلقائية:
-أنت مجنون!؟ أنا مش هامضي عليها وأعلى ما في خيلك إركبه
وفجأة كانت تصرخ بألم حينما جذبها من خصلاتها السوداء بعنف، لا ينظر لها بينما ملامحه تنبض بالقسوة وهو يهدر فيها:.
-ده مش بمزاجك، ده أمر! منا قولتلك إنتِ
طفلة رمت نفسها في بير ملهوش نهاية، إنتِ اللي جيتي لي بنفسك ومفكرة إنك تقدري تضحكِ على الفرعون
ثم إنخفضت يداه تدريجيًا لتصل لكتفاها، فغرز إصابعه فيها بعنف وبدأ يضرخ فيها بصوت خشن عالي ربما مُخيف بعض الشيء:
-الظاهر أبوكِ نسي هو باعتك لمين! نسي إني ما أخدتش لقب
الفرعون من شوية، نسي إن يزيد الشرقاوي مش
طفلة * بتقلد العاهرات وبتتعلم منهم تقدر تخدعه!
لوت شفتاها بتهكم مرير وهي تهمس له بهسيس خطير مُستفز:
-امممم ممكن فعلًا نسي، بس ما نسيش يقولي إنك بتاع نسوان وإنك هتجري ورايا على طول لإني حلوه شوية!
لذا ومن دون تردد كان يصفعها بكل عنف، حتى إصطدمت رأسها بالأرض ولكنها لم تنطق سوى ب آآه تلقائية، تكتم وتكتم كعادتها دون أن ترسل إشعار صغير لذلك القدر أنها اكتفت...!؟
جذبها من خصلاتها بعنف ليهزها بقوة صارخًا:.
-هما حاجتين ملهمش تالت، إما تمضي على ورقة الجواز وهاخد اللي أنا عاوزه، إما إنتِ أكيد عارفة إنك حاولتي تغريني عشان تدخلي القصر بسهولة لأن ابوكي ماعندهوش رجالة يبعتهم، وانتِ اكيد عارفة إيه عقاب الزانية او اللي تحاول تزني هنا!
لم تستطع إخفاء تلك الرعشة التي استباحت عيناها وهي تحدق به، ليكمل هو:
-دي مملكتي وقوانيني، وبما إنك دخلتيها بأرادتك يبقى هتنفذيها غصب عنك...
اقترب من وجهها اكثر، حتى أصبحت تشاركه أنفاسه الهادرة الحادة، ليتابع مغمغمًا بمكر شيطاني:
-في الحالتين هاخد منك اللي أنا عاوزه بس إنتِ مش هتاخدي الورق اللي إنتِ عايزاه وجايه عشانه، هاا؟ هتتعاقبي عقاب الزانية اللي هو، تترمي لأي واحد بيريل على ست، هيعمل فيكِ اللي هو عاوزه وبعدين هتتسجني، ولا هاتمضي؟
ردت من بين أسنانها بحدة:
-مش هامضي قولتلك مش هاتزفت، أنا مستحيل أتجوز واحد زيك!
-تمام حلو جدًا.
قالها وهو ينهض، ثم بدأ بخلع ملابسه رويدًا رويدًا وصوته الحاد الصلب كان كالسياط التي تجلدها وهو يقول:
-يبقى أختارتي العقاب أنا حاولت إنه يحصل تحت مُسمى الجواز، بس الظاهر إنك مُصره، بس أنا مش هارميكِ ليهم على طول، أنا برضه هاخد منك اللي انا عاوزه وهارميكِ ليهم بعدين!
إتسعت عيناها بفزع وهي تدرك جدية حديثه حينما اقترب منها فجأة يُكبل يداها معًا بيد واحدة ويقترب منها اكثر و...
على الجهة الاخرى...
كان يضع قدم فوق الاخرى، يدخن بشراهة وهو يحدق بالرجل الذي أمامه، يهز قدماه أكثر من مرة بتوتر واضح..!
استمع للآخر الذي يخبره بنبرة مترددة:
-مسعد باشا هنعمل إيه؟! دنيا هانم إتمسكت والفرعون مش هايسيبها تفلت بعملتها ابدًا..!
هز رأسه دون أن ينظر له بحنق غلغل أطرافه داخله بقوة:
-عارف، وعارف إننا مش هنعرف نهربها بسهولة.
ابتلع الآخر ريقه بتوتر، لطالما أقلقه جموده وقسوته اللذان يُطيحا بأي نسمات من المشاعر الحانية المطلية بالحب، حتى مع إبنته الوحيدة!
حدق بوجهه الجامد وهو يسأله:
-طب وهنعمل إيه يا باشا؟ أكيد مش هنسيبها يعني دي الست دنيا آآ...
صرخ فيه مسعد وقد إنفجرت تلك الذرة المشحونة بغضبه وقهره المكتوم:.
-إسكُت! إسكُت يا ياسر مش ناقصاك دلوقتي، أنا اللي موترني المعلومات اللي تعرفها دنيا، لو يزيد الشرقاوي عرفها أنا ممكن أروح في ستين داهية!
إتسعت حدقتاه بذهول، كان يعلم أن قسوته غائرة، قاسية، ومُخيفة، ولكنه لم يكن يعلم أنه قطع ذيلها المتصل بنقطة واحدة متبقية من مشاعر الإنسانية داخله...!
هز رأسه نافيًا وراح يردد بصوت أجش مقررًا:
-أنا مش هسيب دنيا يا مسعد باشا، أنت عارف إني آآ...
قاطعه مسعد الذي زمجر بصوت عالٍ كزئير الأسد الغدار:
-ياسر، ما أظنش إن الوقت والمكان يسمحوا إنك تعبرلي عن مشاعرك السخيفه تجاه بنتي!
ثم زفر بصيق متابعًا:
-أنا بكلمك في دمار كل حاجة عملناها وبنعملها وأنت تقولي دنيا؟!..
أحترق جوف ياسر بالصمت وهو يكز على أسنانه بغل، ثم همس يسأله بجمود:
-والحل يا باشا؟ هنعمل إيه؟
بدأ مُسعد يمسح على شعره عدة مرات والتنهيدة تخرج منه في كل مرة أعمق وأبعد، ثم قال بعصبية:.
-مش عارف، مش عارف يا ياسر، بس اللي أعرفه إن دنيا مينفعش تنطق بأي حاجة مهما حصل!
كانت صرختها ملتوية، متحجرة ومتحشرجة بقسوة متألمة، خرج صوتها أجشًا متقطعًا وهي تهمس له قبل أن يزيل عنها ملابسها:
-سبني، سبني وهامضي!
وبالفعل ابتعد عنها ببطء، يزيح خصلاتها التي تعرقت بشدة لجانب وجهها، يحدق بوجهها الشاحب شحوب الموتى بعمق، بها شيء غريب، شيء يسبب ضجيج عالٍ في بواطن مشاعره، يثير فتيل مشاعره الخامدة بنار ظنها لن تشتعل يومًا، بها شيء يسلبه عقله، لا لا بل هو سلب منه شيء!
اقترب منها ببطء أنفاسه العالية تصفع صفحة وجهها وهو يردد آمرًا بصوت أجش:
-إهدي
قالت هي دون تفكير وهي تكتم تلك الحشرجة بالبكاء:
-إبعد عني!
أمسك بالورقة مرة أخرى وهو يعاود النظر لأمواج عيناها الزرقاء التي إحترقت بغضبها المتصاعد هامسًا:
-امضي، امضي يلا
وعندما فقد الامل في جعلها توقع، أمسك إصبعها بعنف ويبصم الورقة بإصبعها بدلاً من التوقيع...!
بيد مرتعشة رمت الورقة من يدها ما إن جعلها تبصم دون تردد، هي بكيانها الشامخ، بصلابتها المهزوزة، هي دنيا الشامي التي لا تخشى ولا يهمها شيء في الدنيا واللامبالاه تسطر صفحات حياتها!، تلك المرة تحديدًا تخشى، وبشدة!
رفعها يزيد من ذراعاها فجأة بعنف ليسألها:
-ودلوقتي هتقوليلي مسعد الشامي باعت بنته وضحى عشان إيه بالظبط؟!
نظرت له بحدة صامتة ليضحك مكملاً:
-أصل أنا ماسك عليه كتير، ف ياترى إيه أهمهم؟
ابتلعت ريقها بتوتر وصمتت، صمتت وطال صمتها وهي تراقب ذلك الظلام المُخيم بعيناه، وتلك اللمعة الموقودة بمنتصف فجوة الظلام، يشعرانها أنها مُعراه من كافة أسلحتها في حرب سوداء، مظلمة، حرب ستُهاجم فيها بجنود مازالوا تحت ظل المستقبل المجهول!..
تركها فجأة لتشعر أنها تهوي من قمم جبل متضخم من أفكارها المشعثة في تلك اللحظات، فرفعت عيناها الحادة له تهمس ببرود:
-معرفش!
إلتوت شفتاه بما يشبه الابتسامة السوداء وهو يدنو لمستواها، اصبح قريب منها، قريب جدًا لدرجة أن انفاسه الثائرة كانت تغزو وجهها الأبيض فيهلك سيطرتها المزعومة، ثم قال بما اشبه فحيح الأفعى:
-هتقوليلي كل حاجة تعرفيها عنه، وإلا قسمًا بربي هاتشوفي مني اللي عمرك ماشوفتيه، وأنا ماعنديش ياامه إرحميني!
لا تنكر تلك الرجفة التي هاجمت سطو جوارحها بسبب حروفه المسلحة توعدًا وغضبًا، ولكنها هزت رأسها بيأس بارد وخرج صوتها خافتًا وهي تخبره:
-أنا ماعرفش إلا حاجات تافهه مش هاتهمك في حاجة، ومش هاقولها ف ريح نفسك
وفجأة صرخت عندما جذبها بعنف من خصلاتها السوداء، يجذب رأسها لأسفل بقوة حتى تأوهت رغمًا عنها ليردد هو بزمجرة خشنة:.
-انا اللي أقرر إذا كانت هاتهمني ولا لا، وهاتقولي، صدقيني لما تتعبي هاتقولي لإنهم مش هايعرفوا يوصلولك
ضحكة ساخرة تفجرت داخلها، وهل توقعت أن يحاول حتى أبيها المصون تهريبها؟!..
ببساطة هي تعلم أنه لن يستطع، ولن يخاطر!
استفاقت على صوته الحاد الخشن وهو يهدر فيها بعنف قبل أن يدفع جسدها بجسده نحو الحائط، ويهتف بنبرة تحذيرية:
-أحسنلك تقولي، لو قولتي أقسملك بالله ما هأذيكي وهاتصرف وهامشيكي من البلد دي!
هز رأسها نافية، ازداد اضطراب أنفاسها من ذلك القرب بينما هو يدقق النظر لملامحها الطفولية، الغريبة!
كانت ملامحه مستكينة جامدة، خاوية من غضب كان يلوح لها منذ ثوانٍ ثم زاد من ضغطه بجسده على جسدها هامسًا بهدوء تام:
-أنا إديتك الفرصة، إديتك الفرصة تهربي من
الفرعون بس إنتِ اللي مُصره، يا...
وقطع جملته، رفع أصابعه ببطء يخضع لتلك الرغبة المُلحة في لمس تلك الشفتان، وبالفعل كان إصبعه الأبهم يرسم شفتاها المكتنزة وهو يتابع همسه الأجش بأسمها وكأنه يتذوقه:
-دنيا..!
وبلحظة كان ينفضها بعيدًا عنه وكأنها وباء، لتسقط أرضًا بتلقائية، حينها هبط بسرعة الفهد يُكبل يداها بسلاسل حديدة مرتبطة بالأرض كما كانت، ليخرج بسرعة كالأعصار الذي إنفجر بوجه الحارس وهو يصيح فيه:.
-مش عايز نقطة مايه ولا أكل يدخلوا لها، سيبوها مرميه زي الكلبة لحد ما تعرف إن الله حق!
ثم غادر ساحبًا معه الأنفاس ليزفر الحارس بارتياح، بينما دنيا في الداخل تحدق بالفراغ بنظرة خاوية، راهبة وهي تهمس:
-لسه يا دنيا، لسه عذابك في الدنيا هيستمر، بس المرة دي على إيد الفرعون!
في اليوم التالي...
كانت متسطحة على الأرضية تضم ركبتاها لصدرها ورغمًا عنها يجافيها النوم من الإرهاق، بالفعل لم تُقدم لها نقطة ماء وهي لم تطلب من الأساس!..
عنادها، كبرياءها، غرورها، أيًا كان المسمى ولكن ذلك الشعور اللعين بالعلو الزائف كان يجمد أي حروف متوسلة تنوي إختراق شفتاها لتخرج للنور...!
إنتفضت تشهق بعنف عندما شعرت بأصابع باردة تسير على خطوط وجهها كله، كادت تنهض ولكن تلك السلاسل ذكرتها أين هي!..
وجدته أمامها، يحدق بها بهدوء تام، إلى أن قال فجأة بنفس الهدوء المتنكر:
-هاعرض عليكِ عرض وحيد وماقدامكيش الا إنك تقبليه
نظرتها المستفهمة كانت اختصار لسؤال لم يخرج من جوفها الناشف، فأكمل بنفس النبرة:
-هاتفضلي معايا على إنك مراتي لفترة، وهاتجيبيلي طفل وبعد ما تخلفي هاسيبك تمشي!
صاحت مستنكرة بتلقائية:
-إيه! أنت مجنون؟ يعني أنا اتجوزتك بالأجبار وكمان عايزني أخلف منك؟
ثم إرتفعت ضحكتها الساخرة:
-وأسيبه وامشي كمان، ده إيه الثقة دي؟!
أمسك فكها فجأة بيده، يضغط عليه بقوة وهي تعاند ترفض السماح لذلك التأوه بالخروج، ليتابع بحدة مُقلقة:.
-كان قراري النهائي إني مش هاتجوز عشان حياتي كلها مليانة خطر وقلق وحرب ما بتنتهيش، وما أقدرش أأذي البنت اللي هاتجوزها وأدمر حياتها بجوازي منها، لحد ما شوفتك!
نطقت بحروف ساخرة متقطعة مختنقة بسبب قبضته العنيفة الخشنة على رقبتها:
-وقعت في غرامي منذ الوهله الأولى مش كده؟!
ازدادت ضغطته على رقبتها دون أن يعير جملتها اهتمام فأردف:.
-لاقيت الضحية! وعجبتني، ف لية لأ؟ لية ما أفرحش جدتي اللي هي عيلتي الوحيدة وأخلف زي ما بتتمنى؟!
ثم هبطت عيناه ببطء لجسدها، شعرت أنه يخترق جسدها الأنثوي بنظراته التي أقسمت أنها شعرت بها تتفحص كل إنش بجسدها وهو يكمل متمتمًا بمكر:
-لية أحرم نفسي من المتعة؟
كان صدرها يعلو ويهبط من فرط التوتر، توتر، توتر، توتر، منذ أن خطت قدماها تلك المنطقة وشظايا التوتر تنغرز بمكمن جوارحها المكتومة شظية شظية...!
إلى أن صرخت وكأنها بتلك الصرخة العالية الحادة تُقلع تلك الشظايا التي أرهقت روحها:
-لأ، مش موافقة ومش هاوافق ومش هاخليك تلمسني بسهولة ومش هاستسلم
إنخفضت يداه ببطء يتحسس ذقنها بكل برود وحروفه خرجت من بواطن لوح ثلج:
-ومين قال إني عايزك تستسلمي؟ بالعكس، شراستك دي هي اللي بتزيد رغبتي فيكِ!
وكعادته يلقي كلماته السامة ثم ينهض ليغادر بكل هدوء وبرود يمتلكه...
الوقت يمر، والأفكار تتزاحم بعقلها الهالك، يزداد الضجيج ويتعالى أنين جسدها المُرهق مطالبًا بالرحمة، صارخًا بالجوع والعطش، ولكنها ايضًا تكتم تلك الحرب النفسية برداء الصمت الثقيل...!
بينما هو يراقبها من اللابتوب الخاص به بواسطة الكاميرات الموضوعة في ذلك السجن..!
ملامحها مرهقة، وجسدها يتلوى من الأرهاق والمطالب الفطرية، ولكنها صامتة، لا تصرخ، لا تنادي بأسمه، لا تتوسلهم الرحمة حتى كما توقع؟!، فقط الصمت!..
شخصيتها تقريبًا بدأت تُرسم بعقله رويدًا رويدًا، ولكنه متيقن من أن نصف الرسمة لن تكتمل بسهولة ابدًا!
مساء اليوم التالي...
فُتح باب ذلك السجن ولكن الشخص يختلف هذه المرة، فرفعت عيناها بضعف لتجد امرأة عريضة ملامحها خشنة وحادة تدلف بهدوء توجهت لها ثم هبطت لمستواها تفك قيدها من الأرضية لتمسكه بإحكام...
لو كانت حالة دنيا جيدة لكانت قاومت، دفعتها وهربت مثلاً!
ولكنها ليست كذلك، بل تشعر أنها تسير على قدماها بصعوبة!..
سارت بها السيدة نحو مكان ما، لتسألها دنيا بنبرة قوية رغم شحوبها:.
-أنتِ وخداني على فين ياست إنتِ؟
غمغمت الأخرى بصوت حاد خالٍ من شتى المشاعر:
-هاتغيري هدومك وتستعدي،
الفرعون عايزك!
دقة خلف دقة ثائرة هربت من زمام سيطرتها، ليصبح قلبها يهدر بعنف وهي تتحقق من تنفيذ عرضه المرفوض، لا، لن يحدث، تموت قبل أن يلمسها..!
وصلا أمام الغرفة ولكن فجأة تحاملت دنيا على نفسها لتستجمع قواها الخائرة بصعوبة، تجبر نفسها على الصمود، فدفعت تلك السيدة بعنف وكادت تركض هاربة ولكن فجأة اصطدمت بصدر عريض ينتمي لملامح خشنة حادة وقاسية حدقت بها وهو يخبرها بخبث شيطاني أرسل هزة عنيفة لكيانها:
-مستعجلة على إيه؟! وفري مقاومتك دي لبعد شوية هتحتاجيها أوي
ثم نظر لعمق عيناها، يكمل بجمود مُخيف طرد أي شظى للمشاعر:.
-أصل الليلة ليلتك يا آآ، ياعروسة!
ثم سحبها خلفه كالبهيمة بينما هي تتلوى بضعف وتصرخ فيخ وهو يتجاهلها بقسوة ساحبًا إياها نحو الغرفة التي ستشهد على، إنتهاكها!
تاااابع اسفل