أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

المنتدى للقرائه فقط -- للمشاركه انتقل الى منتديات جنتنا الجديده -forums.janatna.com





رواية حلم السندريلا

لعلي في لحظة أظن أني امتلكت كل شئ... وفي التالية أجدني لكل شيء فاقداًولعلي في لحظة ـظن أني فقدت كل شئ... وفي التالية أجد ..



28-03-2022 08:19 مساء
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 

t22129_4534

لعلي في لحظة أظن أني امتلكت كل شئ... وفي التالية أجدني لكل شيء فاقداً
ولعلي في لحظة ـظن أني فقدت كل شئ... وفي التالية أجدني لكل شيء مالكاً
فهذه هي الحياة.

عليا حمدي صاحبة رواية أحببتها في انتقامي الرواية التي احتلت المرتبة الثالثة على موقعنا منذ نشرها إلى الآن، برزت روايات ورحلت أخريات، لكن رواية احببتها في انتقامي استمرت معنا. ترى عندما تكتب عليا حمدي رواية جديدة - بعنوان "حلم السندريلا" - كيف ستكون؟
رواية طويلة فصولها غنية أرجوا أن تنال إعجابكم. أترككم مع هذا الاقتباس والفصل الأول.
اقتباس من الرواية

مرت الايام دون جديد ... فقط ضعف بنيانها يزداد، حركتها اصبحت قليله ان لم تكن معدومه، انفاسها عاده ما تهرب منها لتصيبه هو بذعر يتملكه كلما اقترب موعد ولادتها .
جلس في مساء هذا اليوم امام المنزل ينظر للسماء بشرود بعد مشادة معها على الامر نفسه توسلها و رفضه، تكرارها للطلب و اصراره بالرفض .

أهو اختبار ؟
و ما اقساه من اختبار !
اختبار يجعله يختار بين الحياة " التى لن تكون سوى معها " و الموت " ببعدها عنه ".
لا خيارات اخرى .

يعيش كل دقيقه بل كل ثانيه يدعو الله لها و لكن بداخله يخشى انها حقا النهايه .
واثق بالله تمام الثقه و لكن لا يثق بقلبها، قلبها الذي اختاره دوما و ابدا و لكنه الان يتخلى عنه...
قلبها الذي منحه كل السعاده و يسلبه الان كل الحياه..
فصول رواية حلم السندريلا

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الأول

هكذا هى الحياه، لا البدايات التى نتوقعها و لا النهايات التى نريدها.

في احدى القرى الهادئه، وسط المساحات الخضراء الواسعه، منزل صغير تحيط به الازهار مختلفه الالوان و شجيرات صغيره تمنحه مظهرا مريحا للانفس، يخرج منه رجلا في منتصف الثلاثينات من عمره يُمسك بيد زوجته الحامل يساعدها، يلتفت لابنه الصغير ذو العشر سنوات قائلا بنبره آمره و لكنها حانيه و هو يعبث بخصلاته بعشوائيه: اكرم خليك في البيت متخرجش و اكتب واجباتك على ما نروح انا و ماما للدكتور.

أومأ الصغير برأسه موافقا و دلف مغلقا الباب فابتسم الرجل و عاد يُسند زوجته متجها لمحطه الاتوبيسات ليستقل احدها، أجلسها على رصيف الانتظار بينما وقف هو بانتظار قدوم الاتوبيس و الذي يعد الصعود اليه احدي حروب العالم الصغري، و اثناء وقوفه اخذ يتأمل المنظر من حوله و الذى يراه يوميا.

السيارات تتصارع فيما بينها لتعبر كأن من يعبر اولا يحصل على مكافأه، صوت الابواق العاليه التي تسبب انهيار للاعصاب بما اقرب للتلوث السمعي، اشتباك احد الماره مع صاحب سياره كاد يدعسه و كلا منهما يسب الاخر كأنه بذلك يأخذ حقه و كلاهما لا يعترف بخطئه رغم ان كلاهما في الواقع مخطئ، على مرمى البصر مجموعه شباب في مقتبل العمر يضحكون و يمزحون سويا بل و يتعمدون القاء كلمات غزل اقرب للوقاحه على مسامع كل فتاه تمر..

و على الجانب الاخر يجلس البائعين الذين استولوا على نصف الطريق من اجل عرض بضائعهم و ارتفع صوتهم بالهتاف بما لذ و طاب من الكلمات ليجذبوا المارين الذين لا يعرفون حتى ماذا يشترون او ما جودته، فتيات ملتزمات تحتضن كلا منهما ما تحمله من كتب في انتظار الاتوبيس الذى يقلهم للجامعه ثم يلفت بصره ام تجذب طفلها بقسوه ليسير معها استخدمت العنف رغم انه سيستجيب لها بقطعه حلوي صغيره لا تُنقص من مالها شيئا..

افاق الرجل من متابعته لما يراه يوميا على صوت بوق الاتوبيس الذي ينتظره فأشار لزوجته لتظل مكانها بينما تزاحم هو معهم ليصعد و يحجز لها مكانا و بعد ان اكتمل العدد و اوشك الاتوبيس على الرحيل اوقفه الرجل ليقوم باحضار زوجته و يجلسها بالمكان الذي حجزه و يقف هو بجوارها.

شردت هى في الطريق بينما شرد هو بها، جميلته التى مهما مر من العمر عليهم لا يضئل حبه لها مقدار ذره، زوجته و شريكه حياته و ام طفله و كل ما يملك في هذه الدنيا، لم تكن فاتنه الملامح و لم تكن طاغيه الانوثه و لكنها كانت عنوان الحنان و الاسم الاخر للحب، لم تكن سوى امرأه عاديه و لكن بالنسبه اليه كانت كل الحياه.

ابتسمت هى و رغم شرودها بالطريق كانت متيقنه من متابعته لها فهذه عادته كلما خرجا معا يتأملها كأنما اول مره يراها و ربما اخر مره، يتشبع من ملامحها التي رغم بساطتها يكاد هو يكتب بها اشعارا، لمعت عينها بالدموع فما اسوء على المتعلق بأحدهم ان يبتعد عنه، و هي تخشي بعدها عنه..

وضع يده على كتفها و لكنها لم تنظر اليه فهو بتلك الحركه يخبرها انه معها و يمنح نفسه القوه بأنها مازالت معه، و اخيرا بعد عناء الطريق تقدم بها لداخل المجمع الصحى..
رفعت الممرضه عينها اليه ثم بادرت بسؤالها التقليدي ببرود: اسم المريضه؟
استند الرجل على الطاوله امامها ليقول بهدوء ينافي نبضات قلبه العاليه و القلقه و التي تتبعثر فور دخوله لتلك العياده: امل مجدي عبد العزيز.

ظلت الممرضه تبحث في الاوراق امامها دقيقه ثم ابتسمت و هي تجيبه بعمليه: اتفضل حضرتك اقعد هي قدامها كشفين و تدخل.
اومأ الرجل موافقا و عاد ليجلس بجوار زوجته ممسكا يدها بين يديه بقوه ناظرا بشرود متوتر لارضيه المكان...

بينما ظلت امل تتطلع لمن حولها فوجدت النساء ترمقها بنظره حسوده و ينظرون تاره لها و تاره اخري لزوجها فابتسمت بسخريه واخفضت عينها متمتمه بالحمد و لكن وصلها همس احداهن بجوارها تقول بحسد واضح: الست دي ميعاد كشفها معايا و كل مره يجي جوزها معاها اما انا جوزي مبيفكرش يسألني عن صحتي حتى و مش معبرني خالص يا بختها ياريتني مكانها.

ابتسمت امل بألم و هي تنظر لهن فصمتت المرأه مخفضه رأسها بشبه خجل فعادت امل تنظر لزوجها ضاغطه يده اكثر كأنها تستمد منه القوه، فلو ادركت تلك المرأه ما بها حقا لحمدت الله على ما اعطاها.
و مرت الدقائق و دلفت امل للطبيبه المسئوله عن حالتها و كالعاده اطمئنان، اشفاق و كلمات مواسيه لا ترضى ماجد الذى يحترق بنار مرض زوجته و الذى يجذبها بعنف بعيدا عنه.

جلست امل امام جهاز السونار و عينها معلقه بالشاشه الصغيره امامها حيث ترى ابنتها، ابنتها التي تخلت عن حياتها من اجلها، بدأ الامر منذ عشر اعوام او ما يزيد..

تزوجت و عاشت ما يفوق السعاده مع حب عمرها و امنيه حياتها حتى حملت و مع قرب ولاده طفلها الاول تهدم كل شئ فوق رأسها و الاسوء فوق رأسه، مصابه بمرض مزمن في القلب، يُضعف قلبها و يخبرها بعدم قدرته على استمراره بالحياه، يُفقدها انفاسها كلما بذلت مجهودا صغيرا، تنطق بالشهادتين بين يدي زوجها كل يوم كأنه اخر ايامها، لم تُخبر احد و لم يفعل هو ايضا، اهتم بها و حمل عن كتفها اى ثقلا يرهقها، حتى وُضع مولودها و قرت عينها به و لكن بقرار قاطع من طبيبها منعت حملها مره اخرى لان قلبها لن يتحمل و جسدها يساعده و انفاسها توافقهم و تتهدج، و مر من عمرها عشر سنوات جهادت لتحافظ على دقات قلبها و لكن يشاء القدير الان ان تحمل مره اخرى قطعه اخرى منه، لتشعر بنبضات قلب طفلتها فترفض رفضا تام التخلى عنها كما آمرها طبيبها، و يوم بعد يوم تُدرك ان حياتها تنتهى و لكن حياه ابنتها تبدأ و هى كأم لن تحرم صغيرتها حياتها حتى و ان سلمتها حياتها هى!

و امام اصرارها لم يستطع ماجد الاعتراض رغم حزنه الدفين و تألمه الدائم انها ربما ترحل عنه، طلب منها، توسلها، أمرها، و بالاخير حاول اجبارها و لكنها مع هذا لم تهتم و لم تستمع له، جن جنونه عندما اخبره الطبيب انها من المستحيل ان تتحمل ألام الولاده هذه المره، لن يتحمل قلبها ألام ما قبل الولاده حتى! و لكنها اصرت على تمسكها بصغيرتها غير عابئه بأي شئ اخر فقط اصرت على منحها الحياه بأي ثمن كان..

انتهى فحصها و نهضت تنتظره بالخارج بعدما طمأنتها الطبيبه على صحه الصغيره، بينما اخبرته هو الحقيقه، حياه زوجته تنتهى، مؤشراتها الحيويه تنخفض و هذا يؤدى لتعريض الطفله ايضا للخطر، انفاس زوجته عرضه للتوقف في اى لحظه و ربما الان، اختارت امل عنها و عنه و قررت و رسمت حياتها و حياته دون ان تأبه بما يريد هو، قررت ان تمنح طفلته الحياه بأن تسلبه حياته التى تتعلق بحياتها، جاهد لمنع دموعه فالغصه التي اصابت قلبه اصابته في مقتل، و عيناه تشملها بنظرات خوف، لن يتحمل بعدها.

لن يستطيع العيش بدونها، منحه الله بها اجمل ما في الحياه بل الحياه ذاتها و ببعدها سيُخطف منه معني الحياه.
نظرت اليه تبتسم بوهن مدركه دواخله المتوجسه فتقدم منها ليضم كتفها لصدره متحركا بها للخارج و كلا منهما يدعو ان يمد الله بعمرها، كان يدعو هو بهذا لنفسه و عجبا هي ايضا كانت تدعو بهذا لاجله..

انهت صلاتها لتجده يدلف عليها وبيده طعامها، تناولت من يده و ابتسامه حنونه تغزو شفتيها و هى تنظر اليه بحب، شوق و ألم.
لن تستطع العيش بجواره، ستتركه مرغمه، و لكن القدر يفرض نفسه، هي سترحل ان آجلا او عاجلا ليبقى هو بدونها، بمفرده، و ما اسوء ذلك!
حمحمت بخفوت و هي تُمسك يده ناظره لعيناه قائله بتوجس من رده فعله ككل مره تفاتحه بهذا الامر: عاوزاك توعدني وعد.

نظر اليها لحظات متوقعا ما ستفاتحه به كعادتها طوال شهور مضت و لكنه تنهد مقبلا يدها بعمق مجيبا اياها بنبره صادقه: انتِ تأمرى و انا هنفذ.
ابتسمت امل بوهن و اخفضت عينها عنه متمتمه بنبره متوسله و رغم ذلك قويه على عكس دواخلها التى كانت تأن الما: اوعدني ان بعد ما اموت تتجوز.

نظر اليها ماجد بهدوء و اطبق لسانه صامتا، ليست المره الاولي التى تطالبه بهذا و هو مدرك تماما انها لن تكون الاخيره و لكن الاولى او الاخيره لا فارق فهو لن ينفذ لها هذا و انتهى الامر.
لم تستطع رفع رأسها لتراه فتلك اللحظات اصعب لحظات قد تمر عليهما و هي ليست بقادره على مواجهه عيناه فأكملت بنبره باكيه و دموعها تتمرد لتغادر مقلتيها: انا عارفه انه صعب عليك..

صمتت ثوانٍ تزدرد ريقها ببطء و هي تتجه بالحديث لنقطه ضعفيهما معا فخرجت نبرتها محمله بعاطفتها: الولاد يا ماجد، علشان خاطر ولادنا، انت مش هتقدر تتحمل مسئوليتهم، انا اللي كنت بحضر الاكل، انا اللي كنت بفكرك بمكان محفظتك و تليفونك، انا اللي كنت بساعدك في لبسك، انا اللي كنت بهتم بالبيت و بابننا، انا اللي كنت باخد بالي من كل حاجه تحتاجها.

تساقطت دموعها رغما عنها و لحظات حياتهما تمر امام عينها كأنها حقيقه تُعاد، كل ابتسامه، دمعه، فرحه و كل حزن.
حياه كامله تشاركاها معا، بكل ما فيها من حسن و سئ، الان تتطالبه ببناء غيرها، تتطالبه بمحو القديم و افساح الطريق لجديد بدونها!
قوه؟
كلا فهي الان في اشد لحظاتها ضعفا و وجع.
مضطره هى.
لاجل اطفالها، لاجل ان يعيش دون تعب او كلل بل لاجل ان يعيش فقط.

تنهدت بحراره احساسها دون ان ترفع عينها اليه فقط تستمع لصوت انفاسه التى كادت تُوقف قلبها من شده هدوءها ثم اردفت بهمس خافت: عارفه ان عدم وجودي معاك هيتعبك بس دا اختيار و اختبار ربنا لينا يا ماجد، و احنا مش هنضعف، مش هنقول ليه، لان اختيار ربنا مفيش احسن منه.

رفعت عينها اليه اخيرا و لكنه لم يمنحها راحتها كانت عيناه مطبقه بقوه كأنه يرفض رؤيتها، كأنه يهرب من الواقع بالاختباء في ظلام احلامه التي ما عاد وجود لها.
فإزداد تساقط دموعها و هي تُكمل مرغمه: عارفه اني هفضل عايشه في قلبك و هتفضل تحبني و لو بعد 100 سنه بس..

صمتت لحظه تستجمع شجاعتها لتقول ما رأت انه يتوجب عليها قوله رغم رفض قلبها و معارضته لها و لكنها لم تستمتع فهو نفسه من يضعف و يبعدها عنه: بس انت هتحتاج واحده جنبك، واحده تاخد بالها منك و من الولاد.
فتح عينه اخيرا ليلتقط عيناها في بحر عيناه الذي هاجت امواجه بقله حيله و لكنها قرأت اصراره بوضوح، قرأت رفضه، قرأت فيهما وعد بل الف وعد و لكن بالبقاء على عهد قديم، عهد مهما صار لن ينساه و لن يعيش غيره.

فازدادت دموعها و هي تهتف بضعف ككل مره تحاول اجباره: علشان خاطري اوعدني، احنا بعدنا عن اهلنا علشان نكون مع بعض، محدش جنبك منهم و لا حد هيوافق يبقى جنبك بعدي، علشان خاطري يا ماجد علشان خاطري وافق، علشان خاطرى.
لحظات صمت بينهم يتطلع هو اليها بدون كلمه واحده بينما هي تبكي بصمت عله يفهم توسلها بين قوه كلماتها، يفهم غرضها بين وجعها بما تطلبه.

و عندما طال صمته اجهشت هي في بكاء مرير عاجزه عن اقناعه ككل مره و ادركت هي ذلك عندما نهض واقفا ثم جلس جوارها ضاما رأسها لصدره متمتما بجوار اذنها باصرار و ثقه و نبرته الثابته لا يزعزها شهقاتها: لا يا امل، و الله لو ربنا رزقنى بعمر غير عمرى مش هختار غيرك و مش هكون لغيرك، انتِ اللى هتربي عيالنا، انتِ اللى هتهتم بيا، انتِ و بس يا امل.

مرت الايام دون جديد، فقط ضعف بنيانها يزداد، حركتها اصبحت قليله ان لم تكن معدومه، انفاسها عاده ما تهرب منها لتصيبه هو بذعر يتملكه كلما اقترب موعد ولادتها.
جلس في مساء هذا اليوم امام المنزل ينظر للسماء بشرود بعد مشاداه معها على الامر نفسه توسلها و رفضه، تكرارها للطلب و اصراره بالرفض.
أهو اختبار؟
و ما اقساه من اختبار!
اختبار يجعله يختار بين الحياه التى لن تكون سوى معها و الموت ببعدها عنه .

لا خيارات اخرى.
يعيش كل دقيقه بل كل ثانيه يدعو الله لها و لكن بداخله يخشى انها حقا النهايه.
واثق بالله تمام الثقه و لكن لا يثق بقلبها، قلبها الذي اختاره دوما و ابدا و لكنه الان يتخلى عنه...
قلبها الذي منحه كل السعاده و يسلبه الان كل الحياه..
شعر بيد تربت على كتفه فاستدار لاكرم الذي جلس بجواره ناظرا اليه بتفحص قليلا ثم تمتم بصوته الطفولي الذى بدأ يحمل لمحه صغيره من الرجوله: ماما تعبانه قوى يا بابا.

ثم وضع يده على معدته الصغيره و هو ينظر لابيه بقله حيله: مش عاوز اقلقها بس انا جعان.
واخفض رأسه ارضا كأن ما يطلبه ذنب، فوضع ماجد يده على رأس الصغير بضعف شاعرا بعجزه، فهو في حيرته وشقائه نسى ان يأكل او يُطعم الصغير.

نهض ماجد وانهض الصغير ودلفا سويا للمطبخ في نيه منه لاطعام الصغير، اخرج طعاما بسيطا من الثلاجه واضعا اياه امام طفله الذي نظر ارضا فا هو يأكل ما اعتاد على تناوله طوال الفتره السابقه اكل قليلا ثم نهض، هو لن يعترض ابدا، لن يطلب شيئا مجددا بل سيكون رجلا، لن يُتعب ابيه ابدا فكفي عليه ما يعانيه مع امه.

دفع بالطعام امام ابيه متمتما باهتمام طفولي و هو يضع يده على ظهره بحنان تعجب ماجد ان يمتلكه طفل صغير و لكن يبدو انه ورثه عن امه كاملا: كُل يا بابا، مينفعش تفضل كده، ماما هتزعل لو عرفت.
ضمه ماجد وعيناه تخونه لتمتلئ بالدموع اما تلك التي وقفت تراقبهم خلف باب المطبخ و هي تضم جسدها بيدها قبل ان ترفع عينها الباكيه لاعلي وهي تتضرع لله ان يتقبل ماجد طلبها.

هو لا يستطيع الاعتناء بنفسه، و لا يستطيع الاعتناء بطفل في العاشره، كيف سيعتني بابنتها الصغيره؟
كيف سيتعامل مع صغرها و عدم وعيها؟
اذا لا مجال للرفض لابد ان يستجيب لها و ستفعل هى المستحيل لاجل هذا.

دلف ماجد الى الغرفه بعد بضع ساعات عجز عن رؤيتها بهم فوجدها جالسه على مقعدها الوثير امام النافذه و قبل ان يغلق الباب قابلته بصوتها الغاضب، كلماتها الصارمه و نبرتها الحاده التى دفعته ليتعجب: هتتجوز يا ماجد، هتوعدني و هتنفذ انك هتتجوز.
ثم استدارت له هاتفه بصوت مرتفع جاهدت هي ليخرج قويا رغم دموعها التي انهمرت: لا انت عارف تهتم بنفسك و لا بالولد و انا مش هخاطر بولادي ابدا، سامعني، ابدا.

ظل ينظر لوجهها وهو يشعر بقلبه يدمي، روحه تنسحب منه ببطء مؤلم، دموعها تبعثر قوته وتجعله اضعف الرجال على وجه الارض و لكنها مهما فعلت لن يستمع اليها، لا يدرى كيف مازالت تُصر على الامر رغم رفضه لشهور. اغلق الباب و اقترب منها ثم رفع يده و امسك وجهها محتضنا اياه بين كفيه فوضعت يدها على يديه لتُبعدها عنها بعنف صارخه بقوه مع انتفاضه جسدها و تلاحق انفاسها: كفايه انانيه، فكر في الولاد، فكر في راحتهم، فكر في مستقبلهم و حياتهم، بص كويس بره دائره نفسك يا ماجد.

تهاوت بضعف على الفراش خلفها تلتقط انفاسها فأسرع هو ليُحضر كوب ماء ثم جلس على ركبتيه امامها مناولا اياه لها فأخذته بأصابع مرتجفه لترتشفه ببطء بينما هو ينظر لعينها حتى انتهت فوضعته جانبا ثم نظرت اليه لتلتقي عينها الدامعه بعينه المتوسله و لم ينطق اي منهما فأي كلام يقال الان؟

لم تتحمل هي فألقت بنفسها بين ذراعيه تبكي، تُخرج ما يؤلمها و قد منحته بهذا حق سقوط قناع تماسكه و الذى اخفاه لشهور كما اخفت هى انهيارها و بكي معها قائلا بصوت متقطع و رأسه يختبئ بعنقها اكثر: انا، عارف، اني مهمل، اني مبهتمش بنفسي لو انتِ مش جنبي، عارف اني كنت بعتمد عليكِ في كل حاجه، اني كنت بعيش يومي لانك معايا و موجوده،.

صمت لحظات اختنق بها صوته و تراكمت الدموع لتتساقط على وشاحها لتصيبها برعشه خفيفه اختنق لها قلبها و هو يُكمل: بس صدقيني هتغير، هشتغل بدل 8 ساعات 24 ساعه، ههتم بنفسي و أكلي و ههتم بالولاد و كل طلباتهم، ههتم بنظافه البيت و الزرع، هعمل كل حاجه و الله هعمل كل حاجه بس..

ابتعد عنها ليحاوط وجنتيها الغارقه بدموعها بيديه مترجيا بصوت اخبرها عن مدي ألمه بما تطالبه به، اخبرها انه لا يرفض انانيه منه و لكنه حقا لن يتحمل اخرى تحمل اسمه: بس متتطلبيش مني اعيش مع غيرك، بالله عليكِ متحرمنيش اني اكون عايش ليكِ و بس، بالله عليكِ..

حاولت امل التماسك بقدر امكانها مع كلماته، حاولت ألا تضعف او تتراجع و نجحت آخذه نفسا عميقا و عادت للخلف مسحت دموعه و قالت بحنان لا يخلو كلامها منه ابدا رغم العتاب و الاصرار الذى غلف كلماتها: هتخذلني يا ماجد! مش هتنفذ طلبى! هتحرمني من حقي في اني اطلب منك و تسمعنى؟
هز رأسه يمينا و يسارا بسرعه علامه على رفضه مردفا بعجاله: هعمل كل اللي تأمريني بيه بس بلاش الطلب ده، لا يمكن اوافق يا امل لا يمكن..

ازدادت حده عينها و هي تتذكر الحزن البادي على ملامح صغيرها الجائع منذ قليل فقالت باصرار متجاهله كل اصوات الالم بداخلها و لاول مره تتجاوز اصوات التوسل و الألم داخله ايضا: اوعدني انك هتتجوز يا ماجد يلا يا ماجد اوعدنى.
صمت و صمتت، بالنسبه اليه لا داعى للتفكير فهو لن يتزوج اخري مهما كان الثمن، و بالنسبه اليها لا داعى للتفكير فهو سيتزوج بأخري مهما كان الثمن.

لاول مره منذ بدايه حياتهما معا يختلفا، لاول مره تتفرق طرقهم و تتعارض قراراتهم، لاول مره يرغب كلاهما بما لا يرغب به الاخر و لكن عن اي رغبه اتحدث فالامر لا يمت لرغباتهم بأي صله، فقط قدرٌ و على كلاهما تحمله.
بقت عينه فقط تجيب عليها حتى طبعت قبله صغيره على جبينه متمتمه بصوت متوسل و ربما لاخر مره تستجديه فالتاليه ستأمره: علشان خاطري و خاطر ولادنا يا ماجد، انا بطلب منك تضحي براحتك، ارجوك.

همس بخفوت و عيناه تحاوط وجهها بنظراته: انتِ هتهتمي بالولاد، انتِ هتفضلي معانا، انتِ ليه بتفكري في بكره المهم اننا مع بعض و سوا دلوقت.

اشتعل قلبها بعجزها فثارت نبضاته بخطر و هى تصرخ بقله حيله و بداخلها تتمزق اربا: انت بتكذب على نفسك و لا عليا! انا و انت عارفين كويس ان حياتي بتنتهي، عارفين كويس اني ممكن حتى مقدرش اشوف بنتي لما تيجي، كفايه بقي بلاش تخدع نفسك و تصدق اني هفضل جنبك و معاك، انا همشي يا ماجد همشى.

ثم اضافت بحزم وعيناها تخبره بأخر قرار لها و لا عوده بعده و ان وقت التحايل انتهى و حان وقت التنفيذ ربما رغما عنه: و طالما مش هتلتزم بوعد يبقى هتتجوز و انا عايشه يا ماجد.
صدمه جديده شلت تفكيره تماما، لكنها لم تمنحه فرصه الرد و اضافت بتصريح كأنها تُدبر للامر منذ مده: كوثر جارتنا مطلقه و عندها بنتين، انت هتبقي ظهر و سند ليها و لبناتها و هي هتبقي سند ليك و تهتم بيك و بالبيت و بالاولاد.

كان ماجد عاجز عن الكلام لا يقبل عقله ما تقوله، لا يستوعبه، هو يعلم انها تحمل همه، تخاف ان يُهمل نفسه و الاولاد بدونها، ترغب بوجود احداهن بجواره لتساعده ليحيى بعدها و كأنما هناك حياه بدونها؟!
يعلم جيدا انها تتمزق من الداخل، ان روحها تحترق، فهي تعشقه حد الجنون، تغار عليه من الهواء، حتى كوثر هذه كانت تغار منها عندما تتحدث معه و الان تخبره ان يتزوجها!
ماذا تقول؟
لماذا تعذب نفسها و تعذبه بهذا الشكل؟

لماذا تفكر به لم لا تفكر بنفسها فقط؟
استغلت هى صمته و صدمته فأكملت بنبره راجيه و نظرات مرهقه متوسله: عارفه ان اللي بطلبه فوق طاقتك،
و بصوره فاجأته تحدثت بقوه لاول مره يراها بها و اصرارها يعجزه و قسمها يقيده: بس اقسم بالله يا ماجد لو ما كتبت على كوثر بكره، لساني ما هيخاطب لسانك تاني ابدا، و اللى معملتوش من اول جوازنا هعمله دلوقت و غضبي المره دي مش هيعدي يا ماجد، مش هيعدي لحد ما اموت.

استندت على الفراش و نهضت دلفت للمرحاض و بمجرد اغلاقها للباب تهاوت قوتها المزعومه و تساقطت بجسدها خلف الباب لتبكي كما لم تبكي من قبل.
تود ان تصرخ، ان تمنعه، ان تخبره انها امرأه حمقاء و لا يستمع اليها، تخبره انها تحبه بل تعشقه و لا تتحمل فكره ان يكون لغيرها و ان تهتم به امرأه اخرى و لكن لانها تحبه ستبحث عن راحته، سعادته و تطمئن ان هناك من تعتني به و باولادها.

اما هو فعلم انها هربت، هربت لكي لا تضعف امامه، هربت لتبكي بعيدا عنه، هربت لان ما تطلبه صعب عليها اكثر منه و لكن ماذا يفعل؟
هل يخضع لها كما يفعل بالعاده؟
هل يستجيب لطلبها ام يستمر على رأيه؟
لن يتحمل تحقيق رغبتها و بالوقت ذاته لن يتحمل غضبها و خصامها.
و وسط تخبطه و ارتباكه وجد الحل الذي ربما سيرضيها كما تزعم و يرضيه كذلك و لو قليلا على الرغم من انه لن يرضيهما ابدا و لكن لا يوجد غيره.

نهض و طرق باب الحمام فاضطربت هي و نهضت عن الارض و جففت وجهها لتُبعد اثار بكائها و لكن هيهات، خرجت له فأمسك يدها و اجلسها على الفراش و رفع يده مداعبا وجنتها بحركته المعتاده معها متحدثا بصوته الرجولي الذي يحمل من الطيبه ما يمنح قلبها الامان: انتِ عارفه انك اغلي حاجه عندي، صح؟
نظرت لابتسامته الصغيره و نبرته الهادئه بترقب ثم تمتمت بخفوت واثق: صح.

صمت، صمت، صمت ثم قبل جبينها قبله عميقه و اردف بتنهيده حاره و يا ليته لم يفعل: انا موافق.
اضطربت كل عضلات جسدها برجفه ألم و رمشت عده مرات تزدرد ريقها بصعوبه مجاهده لكي لا تخرج الدموع من مقلتيها ثم نظرت للارض بصمت و هو يراقب ما آلت اليه ملامحها.
وجع، وجع، وجع، كل ما تشعر به الان، وجع.
وجع فاق كل تحملها بل و تحمله.

ماذا تفعل فها هى استغلت عشقه لها ليُزيل داءها و ها هو يمنحها العقار الذى تريده و لكنها لم تكن تدرك ان الدواء يؤلم اكثر بكثير من الداء.
ظل يمعن النظر لوجهها و يتقطع بداخله لاجلها فأخذ قراره بالتراجع فهو لن يتحمل و هى اكثر منه و لكنها عندما لمحت رغبته بالتراجع عن قراره اومأت براسها بسرعه و بادرته بالحديث: انا هكلم كوثر بكره و هقنعها انها توافق خصوصا انها عايشه هي و بناتها لوحدهم من فتره.

نظر ماجد لعينها بقوه فأخفضت بصرها عنه فأخذ نفسا عميقا و ابتسم ممسكا يدها مقبلا اياها و دفع جسدها بهدوء لتستلقي على الفراش فلقد بالغت اليوم في تحمل تعبها و الان حان وقت الراحه قائلا بحسم لانهاء الحوار: ممكن نسيب الكلام ده لبكره بقي و تتفضلي تنامي و ترتاحي دلوقت.
ابتسمت امل لتحاول اخفاء تمزق قلبها الذي يفهمه هو جيدا و نامت بين احضانه ولا يدري كلا منهما ما يخبأ لهم الغد!

الحياه على الجانب الاخر من النافذه، لكن هنا في الداخل يبدو كل شئ ميتاً و غير حقيقى
بول اوستر
في اليوم التالي استيقظت امل وجدته يجلس على الفراش امامها يتأملها و عينه مليئه بالدموع نظرت اليه بحب، بألم، بانكسار، بضعف و شفقه.
نعم هي تشفق عليه، فمن يتألم من الموت ليس الموتي و انما الاحياء الذين يظلوا احياء على ذكري موتاهم.

نهضت ببطء فاتجه اليها هو بعدما مسح وجهه و اسندها لتجلس و خرج ثواني و عاد حاملا معه طعام الافطار وضعه امامها مقبلا جبهتها قائلا بابتسامه خفيفه: اكرم راح المدرسه و انا عملت لكِ احلي فطار بإيديا يلا علشان نفطر سوا.
بدأت تأكل و هى تبتسم مدركه رغبته في اثنائها عن الامر فا هو يحاول اثبات انه يستطيع الاعتناء بنفسه و طفله بل و بها و لكنها ابدا لن تتراجع مهما فعل.

ظل الصمت بينهم قليلا حتى استلقت على الفراش بتعب و ارهاق واضح و دون رغبه منه هاجم عقله احتمال ان تفارقه فتشنج جسده و انقبضت عضلات وجهه و هو ينظر لها..
هو بدونها جسد بلا روح.
هي كانت و ظلت و ستظل ملكة روحه و قلبه و بيته.
تخلي عن كل شئ من اجلها، عن اسمه، منصبه، امواله و عائلته، كل شئ فقط ليكون معها و بجوارها.
لينعم بالحياه في ظلها.
و لكن احيانا يكون القدر قاسي، بل قاسي جدا
فربما كُتب عليه فقدها!

سيفقدها، سترحل بعيدا عنه، حلمه يتسرب.
شعر ان حياته معها ما هي الا لحظات.
سنين بينهم طوال هي لحظات عابره فقط.
ماذا يفعل؟ هو عاجزا تماما.
لا يستطيع منعها و لا يستطيع تركها ايضا.
لا يستطيع تحمل تألمها و لا يستطيع حمايتها منه.
اي وجع هذا؟
يشعر انه اصبح كالقمحه بين شقي الرحى لتدعسه و تطحن مشاعره بل حياته و قلبه و كل ما فيه بقسوه لا طاقه له بها.
لم يكن يدرك انه ايضا تراقبه، تحزن عليه و بصمت تواسيه.

هي من تتألم جسديا و لكنه يتألم اضعاف الامها نفسيا.
تعلم جيدا انه سيتخبط في حياته، سينكسر بدونها فهي له العالم و ما فيه.
عندما تخلى عنها الجميع، تخلي هو عن كل شئ من اجلها.
كل ما احبه يوما تخلي عنه.
هو قدم لها كل شئ.
لم يكن يؤلمها في مرضها اي آلام سوي ألم البعد، الم الفراق، الم الهجر الذي سيعاني منه بعد رحيلها و لباقي عمره و هى...
هي لن تكون بجواره لتواسيه، لتحضنه و تخبئه بين ذراعيها ليطمئن.

و والله لو احضرت كل نساء الدنيا بين يديه لن يشعر بالامان سوي بين يديها هى.
تعلم ذلك جيدا و لكن هذه المره سيتألم دون وجودها، سيتعذب مع ابتعادها و لا شئ باستطاعتها الان سوى الدعاء له فليكن الله معه.

علشان الجوازه دى تتم انا عندي شرط.
نطق بها ماجد بعدما اجتمع بأمل و كوثر في منزل الاخيره بعدما اعلنت موافقتها على الزواج بعد تحدث امل معها.
حدقت به امل و كذلك كوثر التي وقفت بعيدا تتطالعهم بترقب و رغم سعادتها الخفيه بما يدور ما زالت متعجبه مما يحدث.

حتى ألقي ماجد مفاجأته الذي نزلت على رؤوسهم كالصاعقه قائلا بحسم: انا وافقت اتجوز و كوثر هتبقي مراتي و ام لولادي و انا هبقي جوزها و اب لولادها بس الكلام ده على الورق بس، يعني لا هتبقي مراتي و لا انا جوزها فعليا و اظن كلامي مفهوم! موافقين على كده هنتجوز مش موافقين يبقى همشي الناس اللي برا دي و معنديش مشكله خالص.

حاولت امل التحدث و لكن بمجرد ان حركت شفتيها رمقها ماجد بنظره مشتعله غضبا منها و ألما عليها مقاطعا اياها قائلا بحده و حزم: دا اللي عندي يا امل انتِ عاوزاني اتجوزها و انا وافقتك لكن حياتي هعيشها ازاي دا بقي انا اللي احدده..
صمتت امل و لم تدري بما تجيبه و لكن دموعها عبرت عن كل شئ، كل شئ دون نقصان.

نقلت كوثر نظرها بينهم لحظات ثم اضافت بحده مماثله تحافظ على ما بقى من ماء وجهها: طيب و بالنسبه لحياتي انت اللي هتحددها برده؟

نظرت اليها امل بتوجس بينما التف اليها ماجد شاعرا بالحرج من هذا الموقف قائلا باقرار و توضيح و هو يشعر بأن ما يقوم به الان اسوء ما يقوم به اى رجلا على الاطلاق: بصي يا بنت الناس انا قولت اللي عندي و قبل ما اكتب عليكِ و ليكِ حريه الاختيار، انا عاوز واحده تراعي البيت و الولاد، اما انا هعيش معاكم تحصيل حاصل، هتبقوا مسئوليتي و كل طلباتكم مُجابه لكن اننا نبقي زي اي راجل و مراته دا مش هيحصل و انا بقولك من الاول اهه، انا مفيش واحده هتدخل العالم بتاعي غير امل و ان خرجت منه يبقى اتقفل و مفيش غيرها تهوب ناحيته و ان فكرتِ تعمليها ساعتها مش هتبقي العواقب هينه و دا اللي عندى.

لم تستطع كوثر التحكم بأعصابها مع احساسها انها موضوعه موضع الحمقاء و كلامه لا يتوافق ابدا مع كلمات امل لها لاقناعها و التى اشعرتها ان ماجد من يرغب بالزيجه حقا فهتفت بعصبيه: طيب و لما انت بتحبها قوى كده عاوز تتجوز غيرها ليه! ما تخليها معاك و عيشوا سوا و لا انت عاوز خدامه تتجوزها و خلاص!

عاد ماجد ببصره لامل يرمقها بطرف عينه مدركا ان امل لم تخبرها السبب الحقيقي خلف زواجهم، ربما لم ترغب بأن يشفق عليها احد، ربما لا تريد ان تنظر اليها كوثر بحزن و أسي و ربما لم تتطاوعها نفسها بإذلال روحها اكثر من هذا!

و لكن أيا كان سببها لن يستطيع هو الان قول الحقيقه، تنهد بقوه فخرجت نبرته بحزن مؤلم ادي لانهمار دموع امل اكثر و هي تهرب بعينها منه مدركه انه ادرك اخفائها لحقيقه سبب زواجه فقال بمحايده: لو بإيدي مش هتجوز خالص بس غصب عنى أمل اصرت و انا مقدرتش اعترض.

ثم رمق امل بنظره اخري ليجد جسدها ينتفض من شده البكاء، تمزق قلبه و لكنه لن يتراجع ابدا عن شرطه، تلك المرأه ستكون بالنسبه اليه حاضنه لاطفاله فقط، هو لا يرغب بأي امرأه اخري في عالمه لا الان و لا فيما بعد.

تنهدت كوثر ثواني تحدث نفسها بعقلانيه متجنبه حوار كرامتها الداخلي متذكره ما جعلها توافق على تلك الزيجه الغريبه ( انتِ معجبه بيه و هو اصلا راجل مفيش منه اتنين، هتقفي على دي! انتِ مش سهله و هو مش هيتحمل قصادك كتير، اعملي اللي هو عاوزه في الاول و بعدين شويه بشويه هيبقى ليا، مفيش راجل بيصبر كتير و اهو ابقي ضربت عصفورين بحجر واحد و مراته قالت انه عاوز يتجوزني علشان عايشه لوحدي يعني كمان هو عينه مني اصلا ).

ابتسمت بخباثه سرعان ما اخفتها لتقول بتنهيده مدعيه الحزن و الاستسلام: خلاص انا موافقه طالما الموضوع يخص مصلحه بناتى فأنا موافقه.
نظرت امل و ماجد كلاهما للاخر ثم عادا ببصرهم لكوثر ليسألها ماجد بترقب و هو يضغط باطن شفته غضبا فلقد توقع رفضها: موافقه على ايه؟!

اخذت نفسا عميقا مستمره في دور الحزينه و عادت كلماتها بتوضيح اكبر: كل اللي انت قولته انا هبقي مراتك قدام الناس بس لكن بينك و بيني هبقي ام تانيه لولادك بس و انت اب لبناتى.

تنهد ماجد بارتياح نسبي و لكنها اشتعلت اوداجه غضبا عندما اردفت كوثر بسؤال قاسي على قلبه و لكن لم تستطع غلب فضولها لتفهم معني كلماته السابقه و التى تنافى ما قالته زوجته: بس كده ايه وضع امل في حياتنا! ما انا مش فاهمه بصراحه ازاى يبقى عندها الجرأه دي تيجي تطلب واحده تانيه ليك! ازاي و ايه السبب؟ معقول تعمل كده لانها بتشفق عليا زي ما قالت لى! انا اسفه يعني بس انا مشوفتش حد في جبروتها ده.

انفعل ماجد بقوه و صرخ بغضب و هو يلوح بسبابته في وجهها محذرا: حسك عينك تغلطي انتِ فاهمه، و فوقي لنفسك كده و اعرفي ان حياتنا عمرها ما هتتجع سوا انتِ ليكِ حياتك و انا ليا حياتي و عند امل و خط احمر و صدقيني غضبي هتزعلي منه.
نظرت امل لكوثر باعتذار بينما فجأته هى بنظرتها اللامباليه متمتمه ببرود: مستنياك برا.
و تم الامر.
و لكن هل كانت محقه أمل او اخطأت؟
هل ستكون تلك السيده هى حضن اولادها الدافئ؟

هل ستكون ام لهم بعد وفاتها؟
هى تشعر بقرب اجلها بل و متأكده انها ستغادر العالم قريبا و كقلب أم تشعر انها لن ترى طفلتها و منذ متى قلب الام يُخطئ؟
و لهذا ستخطو باتجاه الطريق بل و ستسير به ميلا طويلا حتى تطمأن و ها هى قد حققت ما رغبت به و بارادتها اختارت ام اخرى لاطفالها و زوجه اخرى لحبيبها و لكن ما النهايه لا تدرى فربما بل الاكيد انها لن تراها.

في احدي الليالي استيقظت امل الساعه 2 بعد منتصف الليل تصرخ بألم لينهض ماجد مفزوعا ليجدها تجاهد لتلتقط انفاسها و هي تضع يد على قلبها تعتصره بقوه و يد اخري اسفل بطنها و ملامح الالم اخذت منها مأخذها.
حان الوقت الذى كان يخشاه و اعلنت الطفله عن رغبتها بالحياه ليُعلن قلب امل عن وداعه.
جلس في ممر المشفى امام غرفه العمليات حيث تقبع زوجته يدعو الله ان يمر الامر بسلام،.

قلبه يبكي خوفا و هلعا على فقدان امل حياته، كان يعلم ان هذا اليوم سيأتي لا محاله و لكن لم يكن يعلم انه سيتألم لهذا الحد، الما فاق كل تحمله.





لكنها ستكون بخير
ستكون بخير
ستكون بخير..

مر الوقت عليه ببطء شديد حتى كاد يجن جنونه الا ان صدع صوت الطفله يشق سكون الليل و معه صدع اذان الفجر يملأ المكان، ابتسم ماجد فرحا رغم خوفه الذي ارعد مفاصله، خرج الاطباء من الغرفه و خلفهم الممرضه تحمل الطفله على يديها حملها منها ماجد ناظرا إلى الاطباء بلهفه متسائلا و هو يضم الطفله لصدره بقوه نسبيه: امل، امل عامله ايه؟!
نظرت الطبيبه اليه بأسي و تمتمت بعجز: ادخلها؟

ابتسم ماجد بلهفه و خرج ذلك جليا في صوته: هي كويسه؟
ولكن جاءت الاجابه القاصمه من الطبيب عندما تحدث بعمليه مقدرا عاطفه الطبيبه التي غلبت عملها: للاسف القلب متحملش شد حيلك البقاء لله.
ترنح فجذبت الطبيبه الطفله من يده بينما سقط هو على ركبتيه و صرخه الم تخرج منه و هنا تمردت عيناه و بكي بقوه وجعه، بقسوه تخيله انه لن يراها مجددا، لن يشعر بحنانها، لن يجد حضنها، لن تواسيه يدها و تهدأه كلماتها.

من يكون هو بدونها و لمن تركته حقا لا يدرى!
اسنده الطبيب وهو يشعر بالاسي عليه حتى تماسك ماجد بصعوبه و نهض اقترب من الطبيبه و حمل طفلته منها ظل ينظر لوجهها، عينها المغلقه، يدها الصغيره و كل ملامحها و قلبه ينبض بعنف و دموعه تتساقط على وجنه الصغيره.

ثم تحرك بخطوات متثاقله للغرفه وجد حبيبته و زوجته بفراشها، ملامحها جامده و جسدها متيبس. جلس بجوارها امسك يدها مقبلا اياها مستشعرا برودتها قائلا بابتسامه شاحبه: حبيبتي حمدلله على سلامتك و سلامه الطفله، شوفتِ يا امل قد ايه حلوه! انا هعمل كل اللي نفسك فيه و هنفذ اللي قولتيه ليا النهارده بالحرف الواحد..
Flashback.

عندما كانت امل تبكي بألم بحضن ماجد و هم بالسياره في الطريق للمشفى قالت بصوت تجاهد ليخرج: اوعي يا ماجد اوعي تكرها او تزعل منها، اوعي تحسسها في اي يوم انها السبب، حبها اكتر مني، كُن لها الصاحب و الاب و الحبيب زي ما كنت ليا بالظبط، خلي بالك منها و اوعي تزعلها ابدا.
ضمها اليه بقوه اكبر و اجابها بصوت مختنق: حاضر يا امل حاضر و الله هشيلها في عينى.

تنهدت امل بضعف شديد و يدها تعتصر بطنها المنتفخ بوجع مضني و اردفت بصوت مبحوح: لما ترجع البيت افتح دولابي هتلاقي خزنه، افتحها الرقم السري عيد زواجنا، هتلاقي جواها صندوقين واحد اسود مكتوب عليه اسمك و واحد ابيض من غير اسم، الاسود جواه رسايل انا كتباها ليك من يوم ما عرفت بمرضي و الابيض في رسايل لولادنا، الظروف البيضاء دي لاكرم و الظروف الحمراء دي لبنتنا، ادي لكل واحد جواباته يا ماجد، عايزه افضل في حياتكم حتى بعد موتي، بس حافظ على جوابات البنوته لحد ما تكبر و تبقي عندها 10 سنين، اوعدني يا ماجد تعمل كده.

ارتجف جسده برتجافه جسدها و تلاحقت انفاسه بقرب اختفاء انفاسها ليعدها و صوته يتعالي اكثر دون وعي منه: وعد يا امل حاضر.
و ايضا لم تصمت بل اخذت تصارع لتظل مستيقظه لتخبره باقي امانيها و اردفت بصوت يتهدج من الالم تتقطه صراخات متألمه: ابننا نفسه يكمل دراسته برا، ساعده يسافر يا ماجد، حقق حلمه بانه ياخد شهاده كويسه، اوعي تضغط عليه.

صمتت تأخذ انفاسها قليلا ثم اكملت بخفوت شديد اخافه و هى ترفع يدها لتلامس وجنته المبلله بدموعه: و انت انت يا ماجد رجع اسمك، ابني نفسك تاني، عاوزاك ترجع ماجد اللي انا عرفته، ماجد قبل ما يتخلى عن كل حاجه علشاني،
قطعت كلماتها تصرخ بألم و صوتها ينقطع رغما عنها فصرخ ماجد بوجع و هو يضمها اليه اكثر شاعرا بأنفاسها تتضائل: خلاص و الله هعمل كل اللي تحبيه، بس متتعبيش نفسك اكتر و كفايه كلام.

ابتسمت بوهن و هي تحاوط وجهه بضعف فثبت يدها المرتجفه على وجنته بيده فهمست بارهاق: سبني، سبني اقولك على كل حاجه، اوعي يا ماجد تهمل نفسك، اوعى، و متنساش البرفيوم بتاعك و تخرج من غيره، و اوعي تعاكس بنات،
و بغمزه واهنه التقطت انفاسها بصعوبه لتردف: اهتم بشغلك و افتح شركتك الخاصه يا ماجد انجح، انجح يا راجلى.

جاهدت امل لتبقي عينها مفتوحه و لكنها لم تعد تتحمل، الظلام يلفها من جميع الاتجاهات لم يبقى سوي وجهه امامها، فنظر اليها ماجد بجزع و هتف و دموعه تتساقط على وجهها و يده تراقب نبضها الذي لم يعد يشعر به: متغمضيش الله يخليكِ، خليكِ معايا يا امل، خليكِ معايا، هعمل كل اللي انتِ عاوزاه و الله بس متغمضيش خليكِ معايا..
امل بصوت يكاد يُسمع: اسم، اسم البنوته!

صمتت امل رغما عنها لحظات تتشوش الرؤيه بها ثم همست و هي تستلم لغلق جفنيها: جنه يا ماجد، جنه.
قبل جبينها و يده تعتصر جسدها بعجز و قله حيله: حاضر يا امل حاضر.
بطئت انفاسها و هي تقول بصوت خافت: فاكر انا كنت بحب اقولك دائما ان...

و لكن لم يمهلها الوقت و فقدت وعيها، فأكمل ماجد عنها و هو يحتضنها بقوه و يغمض عينه بألم بالغ، تلك الجمله التي كانت تخبره بها منذ زواجهم و صارت تخبره بها كل يوم تقريبا بعد معرفتها بمرضها حتى صار يحفظها بل و يحفظ تعابير وجهها و قوه عشقها الباديه بعينها و هي تقولها: حتى لو اختار القدر فراقنا اعرف اني معاك، معاك و بيك و علشانك دائما، يا راجلي الاول و الاخير، و اعرف اني بحبك دائما، و هحبك اكثر لما هكون بعيد عنك، فاوعي ابدا تزعل.

Back
بكي ماجد كما لم يبكي بحياته و هو يحتضن ابنته بقوه و يمسك يد امل بين يديه و صوته يمزق قلب الاطباء حوله و قال: هسميها جنه و هعيشها في جنه، مش هي اللي ضيعت حياتك بالعكس انتِ اللي اديتها حياتك و حياتها، هتبقي جنتي يا امل صدقيني هتبقي جنتي.
بدأ صوته يتعالي و بين يديه الطفله تبكي و عيناه تنظر اليها.
يودعها،
تلك النظره الاخيره التي لا رؤيه بعدها و ما اسوءها من نظره!

تساقطت دموعه عن وجنه الصغيره ليداعبها بابتسامه منكسره متمتما: جنه ماجد الالفى..
تاااابع اسفل
 
 



28-03-2022 08:20 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [1]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني

في صباح يوم جديد تتسلل الشمس المشرقه من نافذه غرفه تلك الصغيره ذات احد عشر عاما نائمه على فراشها الصغير، خصلاتها البندقيه تغطي وجهها بعشوائيه، تحتضن وسادتها وعلي وجهها سكون طفولى يمنحها براءه مميزه.

تعمدت اشعه الشمس مضايقتها فعقدت الطفله حاجبيها في ضيق محاوله النوم مجددا لكن صوت الباب يُفتح منعها، اقترب ماجد من فراشها يرفع الوساده مقبلا وجنتها، فتململت الصغيره لتفتح عيناها ذات لون العسل و بمجرد رؤيتها لوالدها اتسعت شفتيها عن ابتسامه طفوليه جميله لتظهر تلك الغمازه الصغيره متمتمه بصوت ناعس: بابا صباح الخير.
داعب وجنتها بحنانه المعهود معها قائلا: صباح النور يا حبيبه بابا، مش كفايه نوم بقى؟

عقدت حاجبيها بطفوليه و اجابته بدلال طفولي تُدرك تأثيره عليه جيدا: يا بابا يا حبيبى، هو انا نمت حاجه!
ضربها ماجد بخفه على رأسها و هو يضحك مردفا بصوت حاول مزج الضحك فيه بالحزم: بلاش دلع على الصبح و يلا علشان تروحي المدرسه.
نهضت جنه بحماس و وقفت امامه على الفراش واضعه كلتا يديها على خصرهاا قائله بتذمر: كل يوم مدرسه، مدرسه! انا زهقت من المدرسه دي.

امسك يدها ساحبا اياها لتجلس على قدميه ماسحا على شعرها بدفء موضحا: السنه دي اخر سنه في المدرسه الرخمه دى فنخلصها بتفوق و بعدين ندخل مدرسه جديده، و المره دى مش هتقعدى فيها 6 سنين، لا هيبقى 3 بس، وجنه حبيبه بابا تكبر بقى لحد ما تدخل الجامعه.
ضحكت جنه بحماس اكبر و هى تردد خلفه بسعاده: لحد ما اكبر و ادخل الجامعه، ثم صرخت بوداعه طفوليه: وااااووووو..

ضحك ماجد معها ملاحظا مدى شغفها لترشد و يا ليتها تدرك ان الرشد ليس بشئ يستحق الفرحه قائلا بحسم و هو يدفعها عن الفراش لتقف ارضا: يلا بقى علشان منتأخرش.
صفقت بيدها قائله وهى تحرك رأسها بإيجاب: حاضر، ثم صمتت ثوانى تفكر لتقف امامه قائله بحزن: أكرم واحشني قوي يا بابا من يوم ما سافر و انا نفسي اشوفه.

ضمها ماجد بحنان لصدره رابتا على ظهرها كاتما غصه ألم تصيبه كلما رأى حزن صغيرته بسبب بعد اكرم عنهم: هينزل اجازه قريب حبيبتى و بعدين هانت و ينزل و يبقى جنبك عالطول و المفروض انتِ بتكلميه كتير تطمنى عليه.
عبس وجهها وهى تجيبه بغيظ: مش كتير يا بابا، دائما يقولي مشغول، يعني مثلا انا بقالي اسبوع مسمعتش صوته.

ابتسم ماجد لتذمرها رافعا شعرها عن وجهها متمتما بهدوء: معلش يا حبيبتي نستحمل و هو اكيد هيكلمك لما يفضى ثم انه ممكن ينزل اخر السنه.

نظرت اليه بطرف عينها مخبره اياه انها تتفهم جيدا هروبه المعتاد من اخبارها ان اخيها لن يكون بجوارهم الان حتى ينهى دراسته و ربما يظل هناك بعدما يجد عملا مناسبا كما سمعته يخبر والدها ذات مره و قالت بتوضيح صريح لشكوكها: يا بابا انت كل سنه بتقول هينزل و مش بينزل و لا حاجه، و كمان انا عارفه يا بابا ان اكرم مش عاوز يرجع هنا تانى انا سمعتكم مره بتتكلموا.

زفر ماجد بضيق ثم هتف بحده خفيفه ليمنع استرسالها في هذا الحوار العقيم: انا قولت ان شاء الله السنه دي ينزل، خلاص بقي قومي يلا هتتأخرى على مدرستك، يلاا...
نهضت جنه و هى تمتم بكلمات غير مفهومه دلت على غضبها من والدها و ايضا اخيها و دلفت للمرحاض بينما جلس ماجد على الفراش يتطلع لصوره امل على المكتب امامه و يسترجع ما حدث بحياته طوال الاحد عشر عاما الماضيه..

من بعد ولاده جنه كان ماجد محطما و لكنه نفذ كل طلب طلبته منه امل في رسائلها اليه و كل وعد اعطاها اياه و بالفعل بدأ يُحسن عمله بجهد كبير حتى استطاع انشاء عمله الخاص مكبرا اياه ربما لم يعود كسابق عهده و لكنه على اقل تقدير نجح بإعلاء شأنه و تغير حالهم من حال إلى حال، و مع ذلك اهتم بأولاده جيدا فكان كل شئ بالنسبه اليهم كما كانوا هم بالنسبه اليه ثروته الحقيقيه..

اما كوثر كانت تعيش معهم تحصيل حاصل لا يهمها سوي مظهرها و الاموال التى تُوضع بيدها اول كل شهر، اجل كانت تهتم بالاولاد الاربعه و لكن لم يشعر ماجد يوما انه اهتماما صادقا و لكنها لم تكن بذلك الغباء الذى يجعله يُمسك خطأَ عليها.

بعد تقدم وضعهم المادى طالبته كوثر مرارا ان ينتقلوا لبيت اكبر بمدينه او محافظه اخرى و يتركوا ذلك البيت الصغير و لكن ماجد رفض رفضا قاطعا و اخبرها انه لن يترك البيت الذي شهد على حبه لامل و على احلامهم سويا.
ذلك البيت كان له حياته، لا يستطيع التخلي عنه و اضطرت هى مجبره ان تطيع رغبته.

عندما كانت جنه في الخامسه من عمرها سافر أكرم ليكمل دراسته بالخارج و مضت السنوات و لم تراه جنه سوى عن طريق صور يرسلها اليها كل حين و حين و لم تحدثه سوى مرات قليله كلما اُتيح له هذا في وقت فراغه ما بين دراسته و عمله.
ارتفع رنين الهاتف فقطع شريط ذكرياته ليأخذ نفسا عميقا ناهضا ليستعد هو الاخر للذهاب لعمله و لكن قبل هذا اجاب المتصل والذى لم يكن سوى مدير الحسابات بشركته..

بدأ في ترتيب اغراضه بحقيبه العمل و جمع ما يلزمه من اوراق و هو يجيبه: صباح الخير يا درش ايه الاخبار! وصلت لحاجه جديده؟
حمحم مصطفي بصوت واضح اخبر ماجد بأن هناك خطب ما و اردف بعدها: مش هعرف اشرح لحضرتك على التليفون يا فندم، منتظر حضرتك في السكرتاريه الموضوع مهم و كبير!

اخذ ماجد نفسا عميقا مستندا على طرف مكتبه متوقعا ان ما هو قادم سيسوءه و لكن هو ما اراد ذلك متمتما: تمام يا مصطفى نص ساعه و هكون في الشركه.
و اغلق الخط متنفسا بعمق فشعر وقتها بكوثر تدلف للغرفه و كم كان يكره وجودها بغرفته.
يكره تطفلها و محاولتها المستمره لتكون بمكان امل، يكره مجرد فكره ان اسمها مترتبط باسمه و لكنه لا يستطيع سلبها اياه، كل ذلك الوقت و لكنه لم و لا و لن يستطيع الاعتياد عليها.

يظلمها ربما، يحرمها حقها به و بأن تكون شريكه لحياته محتمل.
و لكن ما يمنحه بعض السكينه انه كان صريح معها منذ البدايه.
اخبرها ان لا يشغله شئ بها، لا جسد، لا اسم، و لا حتى خدمتها له.
كل ما يعينه و يشكره لها هو اعتنائها بأولاده حتى و ان كانت تكره وجودهم كما يعتقد.
حوار معتاد منها عن جنه و سؤال معتاد منه على بناتها ثم ابتسامه بسيطه و كلمتين، توديع و رحيل من المنزل..

مرت الايام كصفحات كتاب، جنه تنعم بحضن والدها و دلاله الكبير لها، تتعرف على والدتها من خلال رسائلها التي اخذت تقرأ واحد منهم كل يوم تقريبا، كثيرا ما اخبرها والدها انها تشبه والدتها كثيرا و ربما لهذا السبب كانت تحب جمالها الهادئ لانها تشعر انها بهذا جزء من امرأه لم ترها ابدا و لكن حديث والدها عنها و عن حبه لها جعلها تحبها كثيرا.

في احدي الامسيات، جلست جنه مع بنات كوثر سهر و سحر يشاهدون التلفاز بعدما انهت جنه اخر امتحان لها لتكون بهذا قد انهت المدرسه الابتدائيه تماما.
استدارت جنه للفتيات بجوارها و صرخت بفرحه عارمه: يااااااه انا فرحانه قوى.
نظرت اليها سحر بسخريه ثم عادت تقلم اظافرها و هي تتمتم باستهزاء واضح: فرحانه ليه بقي ان شاء الله؟
بينما انفعلت سهر اثر صوتها العالي و صرخت بالمقابل: اييييه في ايه وطي صوتك شويه!

نقلت جنه بصرها بينهم ثم عقدت ذراعيها امام صدرها لتقول بضيق: اوففف مش هقول لكم حاجه اصلا.
ردت الاثنتان معا بسخريه زادت من ضيق جنه: ال يعني عاوزين نعرف.
ثم ضحكت كلتاهما ضاربه كفها بكف الاخري و اكملا ما يفعلانه دون الالتفات لضيق جنه
جاءت كوثر على صراخهم قائله ببرود لا يفارقها ابدا: صوتك عالي ليه يا جنه!
وقفت جنه امامها لتقول بحماس كأنها ستنال حقها بعد قليل: اصل يا طنط كنت...

مسدت كوثر جانب كتفها لتقول بتأفأف منهيه الحوار: مش مهم مش مهم، وطي صوتك او قومي ادخلي على اوضتك، مش عاوزه صداع.
اومأت جنه برأسها ثم تحركت بغضب باتجاه غرفتها جلست على الفراش تعقد ذراعيها امام صدرها عاقده ما بين حاجبيها بضيق ثم امسكت صوره والدتها، صمتت قليلا تنظر اليها و دون سابق انذار تساقطت دموعها بحزن هامسه لوالدتها تشكو لها: انتِ هتسمعيني يا ماما، صح؟

ثم رفعت يدها تزيل دموعها و اعتدلت بانفعال فرح و وضعت صوره والدتها امامها لتقول بفرحه متناسيه ما اصابها من ضيق: انا خلصت امتحاناتي و كمان مش هروح المدرسه دي تاني و الاهم ان السنه خلصت و احتمال اكرم ينزل اجازه قريب، انا فرحانه جدا يا ماما.
و كانت كمن تنتظر ان تجيبها الصوره ولكن بالطبع لم يحدث فنظرت اليها بابتسامه عجز و رفعت الصوره لتضمها لصدرها هامسه بصوت بالكاد يُسمع: كان نفسي تبقي جنبي يا ماما.

اغلقت عينها و هي تستلقي على الفراش و لم تدري متي غرقت بالنوم حتى سمعت صوت كوثر تنادي عليها فنهضت بتثاقل و خرجت اليها، اشارت لها كوثر على الهاتف لتقول و هي تتجه للمطبخ بلامبالاه: كلمي باباكِ عاوزك.
ركضت جنه و هي تضحك و اخذت الهاتف بسرعه لترد صارخه: بابا حبيبي وحشتنى.

ابعد ماجد الهاتف عن اذنه متجنبا صراخها العالي و هو يضحك مدركا سر سعادتها اليوم ليقول بالمقابل بعدما انهت صراخها: حبيبه بابا انتِ وحشتيني اكتر رجعتِ امتي!
صمتت جنه قليلا تفكر ثم اجابته بضحكه بريئه: ياااااه انا رجعت من بدري و كمان نمت كتير و لسه صاحيه دلوقت.
ثم صرخت مجددا و هي تقفز مكانها بسعاده: بابا انت عارف النهارده ايه؟
تصنع ماجد عدم الادراك ليقول بمزاح: اوعي يكون عيد ميلادك وانا ناسى!

ذمت شفتيها بضيق نافيه: لا..
ضحك عندما تبين الضيق بصوتها و قال بهمس ضاحك: خلاص بما ان النهارده اخر يوم و اخدنا الاجازه، فحبيبه بابا تستحق فسحه حلوه، ايه رأيك؟
شهقت جنه بفرحه لتردد بانفعال طفولي: يعيش بابا ماجد يعيش يعيش.
ضحك ماجد ليقول و هو ينهي المكالمه معها: قدامك نص ساعه تجهزى نفسك لو وصلت و انتِ لسه مش جاهزه مفيش خروج.

و لم تنتظر ان تجيبه فلقد تركت الهاتف وتحركت ركضا لغرفتها لتستعد لبدايه الاجازه بيوم مميز كما حال كل ايامها مع والدها، اخذت حماما سريعا و ارتدت ملابسها و حملت حقيبتها الصغيره و جلست امام الباب الخارجي بانتظار والدها.

امسكت بصوره والدتها التي دائما ما تحملها معها ظلت تنظر اليها قليلا و على وجهها ابتسامه ناعمه و هي تتمني بقلبها الصغير لو كانت امها معها لتنعم بالسعاده و الدلال كما تنعم بهم هي و هي في حضن والدها.
ماجد هو كل ما تملكه جنه في الحياه، تحبه بجنون و تحب كل ما له علاقه به، هي لم تري امها مطلقا و لكن كلام والدها عنها و وصفه لحبه لها، جعلها تعشقها دون اسباب فقط لان والدها كان يعشقها.

كانت جنه مثال للطفله المدلله بسخاء بل هي الدلال ذاته برقتها و جمالها الطفولي الذي يدل انها ستصبح نسخه مصغره عن والدتها، تجملت هي بحب والدها لها و اهتمامه بها، وجوده في حياتها عوضها الام و الاخ، عوضها عن كل ما تحتاجه طفله في سنها، كانت تشعر انها ابنته، زوجته، اخته، امه، حبيبته و هو كان كل شئ بالنسبه اليها.

كان يشاركها كل تفاصيل حياته، عندما يفرح تكون هي اول من يُفرحها معه اما بهديه او بالتنزه سويا او بشراء كل ما تحبه من حلويات و شيكولاته و غيرها فيمنحها شعور بدورها الحقيقي بأنها ابنته،.

عندما يحزن يريح رأسه على فخذها او يحتضنها ليشعر بالدفئ و الامان كما كان يفعل مع والدتها دائما كما اخبرها بينما هي تظل تروي له قصص قرأتها من اجله حتى يخلد للنوم بجوارها فتنام معه و هي تشعر بالراحه و الحنان تجاهه ليمنحها شعور بأنه طفلها،.

عندما يغضب يشتكي اليها و بالتأكيد لا تفهم مشكلته و لكنها بطفولتها و برائتها كانت تستطيع اخراجه من غضبه بحلول بسيطه و رغم سذاجتها الا انها كانت مع والدها تنجح بشده ليمنحها شعور بالمسئوليه تجاهه و هي مازالت لا تعرف ما معني المسئوليه حتى،.

عندما يكون في مزاج شاعرى يصطحبها لاحد المطاعم في موعد غرامي لتتدلل او يسير معها متشابكي الايدي على كورنيش النيل او يدلفا سويا لتستمتع بأحد الافلام الكرتونيه بالسينما و بالطبع لابد من وجود كل انواع المسليات،
بالفعل كانت له كل شئ و هو لها اغلى من روحها.

افاقت من تفكيرها عندما استمعت لصوت بوق السياره الخاصه بوالدها فوضعت صوره والدتها بحقيبتها و ركضت مسرعه اليه و بمجرد ركوبها بجواره احتضنته بقوه طابعه قبله على وجنته بادلها اياها ماجد و هو يضحك على لهفتها لما ينتظرها هذا اليوم.
انطلق ماجد بالسياره و خوفا عليها كان يسير بسرعه متوسطه حتى لا تفزع و لكنها فاجئته عندما قالت بحماس: يا بابا سوق بسرعه شويه.

نظر اليها بطرف عينه غامزا اياها وهو يقول: مش عاوزك تخافى.
ضحكت جنه بشغف و هو ترفع قدميها على المقعد و تضع يديها على التابلوه امامها لتقول بمرح: اخاف ايه بس يا بابا! انا دايما بقول لعمو بتاع الباص يسوق بسرعه، انا بحب نجري على الطريق، سوق بسرعه بقى.
انطلق ماجد بالسياره ضاحكا على شغف طفلته و من هنا بدأ يومهم و كم كان يوما مميزا و كم كانت بدايه موفقه لاجازه الصغيره.

قضوا اليوم سويا في فرح و سعاده و كانت جنه سعيده للغايه و من وقت لاخر تُخرج صوره والدتها و تضحك لها بينما ماجد يراقبها بحنان جارف و يري فيها روح امل التي افتقدها بشده.

بينما في المنزل تجلس كوثر و بناتها، تململت سهر لتقول بضيق و عصبيه: اوفففف بقي يا ماما هو لازم يعنى نهايه كل سنه يبقى ليها خروجه لوحدها؟
وافقتها سحر بحقد هى الاخرى لتلقى ما بيدها جانبا متمتمه: مهو مفيش غير الست جنه دي، هو عنده غيرها! اما احنا ولاد شوارع.
صرخت كوثر بكلتاهما فهى بداخلها ما يكفى من غضب تجاه تلك الفتاه: بس بقي متنرفزنيش اكتر و كفايه كلام و قوموا ناموا يلا.

تذمرت سهر و هى تنظر لوالدتها بغضب: كل اما نتكلم معاكِ تقولى بس بقى، هو احنا يعنى ملناش نفس نخرج؟
نهضت سحر واقفه لتشير لاركان المنزل من حولها لتقول باستحقار: و بعدين نفسي افهم لما احنا معانا فلوس ليه منعزلش و نعيش في بيت كبير او حتى فيلا في مكان تانى؟
اغلقت كوثر عينها تحاول التحكم في اعصابها فهى على وشك قتل بناتها الاتنتين بينما اجابت سهر بتهكم: معلش اصله بيفكره بالسنيوره مراته اللي ربنا خدها.

فاق الامر قدره تحملها فنهضت واقفه هى الاخرى و لقد كانت كوثر الان اشبه بقنبله موقوته وصرخت بهم: خلاااااااااص بقى مش عاوزه اسمع نفس، قوموا من قدامى، يلااااااااااا
نهضت الفتيات على مضض بينما ألقت كوثر بجسدها على الاريكه واضعه يديها على جانب رأسها تحاول كبت ألمه ولكن داهمتها أفكارها مجددا.
طوال السنوات الماضيه و هى تحاول معه، تتقرب اليه، تحاول جعله يحبها، و لكن لم تستطع.

لم تستطع فعل شئ، لم تستطع حتى جعله يتعلق بها و لو كصديقه.
هي تعيش هنا فقط كخادمه تهتم بالمنزل و الاولاد و تذهب لعملها و فقط.
حتى بعد ان تحسن وضعهم المادى قليلا لم تستطع ابعاده عن المنزل الذي يجمعه بذكريات زوجته الراحله.
وصل بها الامر ان تسائلت لماذا أحب امل هكذا؟
فيما تختلف عنها؟
وما الذى يميزها بعينيه؟
حسنا امل كانت اكثر جمالا منها و لكن الجمال ليس كل شئ!

و زاد على ذلك دلاله لابنته، ابنته التي تعتبر نسخه مصغره عن والدتها في جمالها و شقاوتها و روحها المرحه، و رغم صغر سنها الا ان عقلها كبير و يستوعب امورا كثيره لدرجه ان ماجد يلجأ لصغيرته وقت ازماته وليس لها.
زفرت كوثر و هى تضغط خصلات شعرها بقوه ألمتها محدثه نفسها بتفكير و توعد: اما نشوف اخرتها معاك يا ماجد انت و بنتك؟

جلس ماجد واجلس جنه على قدميه و قال ناظرا لصوره زوجته بين يديها: ايه رايك في الحجاب يا جنه؟
ظلت تنظر لصوره والدتها قليلا ثم ابتسمت بسعاده قائله: جميل اوي يا بابا، و ماما كانت حلوه قوى بيه.
ابتسم ماجد بالمقابل و هو يمسح على خصلاتها الناعمه ناظرا اليها بتساؤل: يعني تحبي تلبسيه؟!
صمتت ثانيه لكي تتخيل نفسها كنسخه اخري من والدتها، ثم رفعت يدها على خصلاتها لتهمس بثقه: اه طبعا...

قبل ماجد اعلي رأسها و احتضنها لصدره قائلا: عاوزه تلبسيه ليه؟!
و هذه المره بدون تفكير اجابته بتلقائيه وهي تهرب لحضنه اكثر: علشان ابقي شبه ماما و ربنا يحبني اكتر!
اغلق ماجد عينيه متذكرا وصيه امل له.
كم كانت تحلم بشكل طفلتها، كم كانت تتمني ان تراها تكبر امامها، كم كانت ترغب في الاحتفال بكل ما يخص صغيرتها و كم كانت ستحبها!

وضعت جنه يدها على صدره متمتمه بحيره: لما هبقي شبه ماما انت هتحبني اكتر يا بابا، صح! انا نفسي تحبني زي ما كنت بتحب ماما.
فتح عينيه باستغراب لتساؤلها، كم غريب هو القدر.
اكرم يعشق والدته لدرجه اصراره على السفر بل و البقاء هناك دون عوده لتحقيق حلمها له، و قال لابيه صراحهً من قبل انه يغار من حبه والدته، كان يغار من حب والدته له، كان يغار من ابيه على والدته!

و اليوم يري عشق ابنته له، ابنته التي احبت والدتها لحبه هو لها و الان يري انها تريد ان تكون مثلها لتنال اعجابه اكثر، ليحبها اكثر! و لقد اخبرته صراحهً هي الاخري، انها تتمني ان تكون محل والدتها بقلبه.
الا يدرك هذان الطفلان ان ما يجمع ماجد و امل اكبر بكثير من الحب!
الا يدرك اكرم ان عشق امل لماجد لا يُنقص من حبها له مقدار ذره فهو طفلها و فلذه كبدها!

الا تدرك جنه ان عشقه هو لامل لا يُنقص من حبه لها فهي صغيرته ومدللته!
الا يدرك كلاهما انهما جزء لا يتجزء من امل و ماجد معا؟
ضم جنه لحضنه اكثر ليهمس بثقه و هو يبتسم لها: اقولك على سر!
اومأت برأسها ليكمل هو بجوار اذنها كأنه يخبرها بسر كبير و ربما يكذب و لكن حبه لطفلته الان يفوق حبه لاى شخص كان: بابا بيحب جنه اكتر ما بيحب مامتها.
ضحكت بسعاده و هو تضربه بكفها الصغير بكتفه قائله بخبث: الكدب حرام يا بابا.

نظر اليها ماجد قليلا و اخذ يضحك حتى اغرورقت عيناه بالدموع لا يدري من كثره ضحكه ام من كِبر همه الذي لم يقل قيد انمله رغم مرور سنوات و سنوات و قال و هو يشاكسها: ربنا يحميكِ يا قرده.
مرت لمحه حزن بعين جنه عقب نوبه ضحكها قائله بخزي: انا كنت السبب في بعد ماما عننا يا بابا؟!

نظر اليها ماجد بصدمه و امسك وجهها بين كفيه ماسحا على وجنتها بدفئ ليهتف بنفي: لا يا حبيبه بابا، دا قدر يا جنه، قدر ربنا و لازم نؤمن بيه يا جنتى.
ثم عقد حاجبيه بتساؤل حذر رغم توقعه للاجابه: ثم مين قالك كده؟
صمتت جنه لحظات ثم تمتمت بحزن: سمعت طنط كوثر و هي بتتكلم مع سهر مره و قالت...

قاطعها ماجد ماسحا دمعه كادت تفر من عينها و هو يتوعد كوثر في نفسه: ماما كانت بتحبك قوي يا جنه و ربنا كمان بيحبك قوي فإوعي تزعلي و دائما قولي الحمد لله لكل قدر ربنا.
نظرت اليه وأومأت برأسها موافقه مع شبح ابتسامه كاد يزين وجهها: حاضر يا بابا.
استمرت سهرتهم سويا حتى قاربت الساعه على الثانيه عشر منتصف الليل فحملها ماجد على ظهره عائدين للمنزل و ضحكاتها تملئ المكان..

كان الطريق خاليا تقريبا لذلك قاد ماجد بسرعه عاليه بناءا على طلبها و هى تضحك بسعاده و الهواء يلفح وجهها و يعبث بخصلاتها الثائره لتدغدغها فتضحك بقوه اكبر و هي تلتفت لماجد لتداعب ركبتيه ثم عنقه فينهرها بضحكه واسعه فهو يتحسس من عنقه و هي استغلت نقطه ضعفه هذه و عندما تمادت و لم تتوقف التفت اليها ليدغدغها هو الاخر فاعتدلت على مقعدها تقهقه بشده.

و فجأه سطع ضوء سياره تأتي من الطريق المعاكس في دوران لم ينتبه له لينظر ماجد امامه بسرعه لتتسع عيناه بفزع و هو يحاول تفاديها مع صرخه جنه التي اصطدم جسدها بالباب جوارها فازداد توتر ماجد فدعس بقوه على مكابح السياره و لكن لم يستطع التحكم بعجله القياده، فدوران سريع، صراخ حاد ثم اصطدام قوى بالسياره الاخرى لتنقلب سياره ماجد عده مرات قبل ان تستقر ارضا.

في غرفه مضيئه اصوات تجئ و تختفي، رؤيه غير واضحه، وجوه كثيره تظهر و تتلاشى.
فتحت جنه عينها ببطء لتبدأ الرؤيه تتضح رويدا رويدا، رأت كوثر تجلس على مقعد مجاور و تنظر للارض بصمت و بجوارها سهر و سحر يجلسون بحزن.

بمجرد ان فتحت عينها نظرت حولها باستغراب و في اقل من ثانيه بدأت تسترجع ما حدث عندما كانوا بالسياره يضحكون و يتسابقون مع الرياح ثم فجأه تجهم وجه ماجد و ضغط بقوه على المكابح، تذكرت جنه وقتها كيف انحني عليها ليحتضن جسدها الصغير بين ذراعيه ليخفيها تماما لتشعر فقط بنبضات قلبه المتسارعه و صوته المكتوم بتوجع، شعرت انها تدور عده مرات و لم تكن تقوي وقتها على الحركه فقط تصرخ بهلع و هي تتمسك بملابسه اكثر ليكن اخر ما تتذكره هو ينظر اليها بابتسامه باهته و وجهه مغطي بالدماء تماما.

عادت للواقع بصرخه ألم: بااااااااابا.
التفتوا اليها جميعا و اقتربت الممرضه منها و حاولت تهدأتها ولكن فشلت فاعطتها مهدأ فسقطت نائمه.
استيقظت بعد قليل لتنظر حولها بخوف حتى وقعت عينها على كوثر فنظرت اليها برجاء و هي تسألها بترقب قاسي على طفله مثلها: بابا فين يا طنط؟
نهضت كوثر بضيق لتقترب من فراشها و لم تأبه لاصابه الصغيره الجسديه و لا صغر سنها و صرخت بها: انتِ، انتِ تخرسي خالص، انتِ السبب انتِ.

اضطرب قلب جنه ليس بسبب منظر كوثر المخيف الذي يدل انها على وشك الانقضاض على جنه لتضربها و لكن بسبب خوفها من كون ان مكروهاً ما اصاب والدها.
فعاودت جنه سؤالها بحذر و نبره صوتها تختنق بدموعها التى تراقصت بعينها: بابا فين؟
لتهتف كوثر بغضب متجاهله المُدمره التى تضم نفسها امامها: ابوكِ مات، مات بسببك، انتِ السبب في موته، لو مكنش خرج معاكِ كان زمانه لسه وسطنا دلوقت.

تجمدت جنه مكانها و دموعها تنهمر دون صوت مع ارتجافه عينها فهربت لتكن اول مره منذ بدايه حياتها تهرب و اغلقت عينها بعيدا عن نظرات كوثر المتهمه و هي تشعر بقلبها يُطعن بقلب ميت.
الم تمكن منها، ألم!
لا ما تشعر به فاق الألم، هي تحطمت.
لطالما عرفت شعور الفقد بوفاه والدتها و لكن لم تكن تعرف ما يعنينه حقا الا عندما عاشته الان.
و وسط صدمتها و وجعها صدع صوت بداخلها يلومها.
هي السبب.

اجل، هي من طلبت منه القياده بسرعه عاليه.
هي من كانت تلهيه عن الطريق بشغبها.
لو لم تكن معه ربما كان انقذ نفسه بدلا منها.
هي قتلته.
هي السبب.
و هنا ادركت انه لكي تعيش حياتها على احدهم ان يضحي بحياته.
ادركت انها لعنه من يقترب منها يحترق.
من يحبها تخسره و من تحبه تفقده.
ادركت و يا ليتها ما عرفت يوما معنى هذا الادراك..

مرت اسابيع تتلوها اسابيع و جنه ملازمه لفراشها، لا تأكل سوى لقيمات صغيره، كانت تلازم فراشها و لا تنهض سوى لاداء فريضتها فقط ثم تعود لتجلس على الفراش امام صوره والدتها يجوارها صورهلوالدها تحدثهم كل يوم.
حديث يتكون من كلمتين فقط، انا اسفه
و تيقنت تماما انه كلما احبها احدا خسر حياته،
فوالدتها خسرت حياتها لاجلها.
ووالدها خسر حياته لاجلها.
هي لا تستحق الحب بل لا تستحق الحياه.

و كيف تستحقها بعدما كانت السبب في سلب من تحب حياتهم!
في احدي الايام دلفت كوثر لغرفتها جلست امامها و قالت بصرامه: جهزي حاجاتك و هدومك علشان هنسافر.
نهضت جنه جالسه بضعف لتهمس بخفوت: هنسافر فين؟
اشاحت كوثر بوجهها بعيدا عنها لتردف بقوه: انا اشتريت بيت جديد في القاهره و هنسافر نسكن هناك.
رمشت جنه بعينها عده مرات و خوف جديد يصيب قلبها قائله بصوت حاولت جعله قويا: بس انا عاوزه اعيش هنا.

نظرت اليها كوثر بحده و هي ترفع احدي حاجبيها ضاغطه على حروف كلماتها بحده اشبه للتهديد: و انا قولت هنسافر.
تهدل كتفي جنه قائله برجاء و ربما بعناد: و انا هفضل هنا، عاوزه افضل في بيت بابا و ماما، مش عاوزه امشى.
صمتت كوثر ثواني ثم رمقتها بقسوه لتلقي بأكثر الكلمات وجعا على مسامع جنه و التى لا تمرر يوما دون ان تذكرها بها: باباكِ و مامتك اللي ماتوا بسببك؟

شهقت جنه و ارتجفت عينها لتنهمر دموعها دون توقف و هى تنظر لها بضعف طفله لا تقوى على ما مجابهه ما تتهمها به و الاسوء انها تتهم نفسها بينما اكملت كوثر بجبروت دون ان تأبه بها: انتِ اكتر واحده لازم تخرج من هنا، لانك متستهليش تعيشي في مكان جمع ناس كنتِ انتِ السبب في موتهم.
انتفض جسد جنه و حاولت رفع وجهها لتهمس بتقطع و ذل احاط ملامحها مما اشفى غليل كوثر قليلا: انتِ، ليه، ليه، بتقولي كده؟ انا مكنش ق...

قاطعتها كوثر بحده و هي تنهض واقفه لتهتف بعنف ارعد مفاصل جنه: مكنش ايه! مكنش قصدك! بس في الاول و الاخر انتِ السبب و لازم نمشي من هنا و لو لسه بتحبيهم فعلا يبقى لازم توافقي..
نظرت جنه لصوره والداها بين يديها و مسحت عليها بعجز ثم أومأت برأسها موافقه و هي تكاد تري من دموعها مطأطأه رأسها بخنوع فابتسمت كوثر بخبث و نهضت قائله بلامبالاه و كأن شيئا لم يكن: قومي جهزي حاجاتك هنمشي كمان ساعتين كده، انجزي!

نهضت جنه تلملم اشيائها بجسد بلا روح حتى انتهت وقد اخذت كل ما يخص والديها بهذا المنزل معها..
خرجت جنه فوجدت الفتيات بانتظارها و على وجه كلا منهما سعاده لا تدري مصدرها..

فاتجهت اليهم لتجد محامي والدها عبد المنعم يقف مع كوثر امام المنزل يتناقشون في امر ما، فركضت مسرعه وعندما لمحها جلس على ركبتيه ليستقبلها بين ذراعيه لتبكي بقوه كتمانها لدموعها ليربت على ظهرها بحزن حتى ابتعدت عنه لتهمس بصوت مذبوح: انا همشي يا عمو، مش هعرف اعيش هنا تاني!
مسح دموعها ثم حاوط وجهها بيديه ليقول بحنان: لا، ازاي بقي! انتِ اكيد هتيجي تاني..
ثم ابتسم مردفا: اقولك على حاجه تفرحك!

نظرت اليه بتهكم فما هذا الذي سيجلب الفرح لحياتها..
وشعر هو بتهكمها ولكنه اردف و ابتسامته تتسع: البيت ده مكتوب باسمك انتي و اكرم، يعني البيت هيفضل دائما بتاعك!
ربما كان محقا فلقد افرحها الامر كثيرا فهمست بلهفه: يعني محدش تاني هيعيش في البيت بتاعنا!
حرك رأسه نفيا وهو يربت على رأسها: لا، البيت بتاعك انتِ و بس..
احتضنته باكيه، بالطبع افرحها ربما قليلا و لكن تكفي فتمتمت: شكرا يا عمو..

اتجهت اليها كوثر ممسكه بيدها قائله بتأفأف: يلا هنتأخر..
وقف عبد المنعم ناظرا اليها بقوه هاتفا بتحذير: خدي بالك منها، انتِ وصيه على ورثها لحد ما تبقي 21 سنه بعدها البت مسئوله عن ورثها.
ثم نظر لجنه قليلا ثم عاد بنظره لكوثر متسائلا: اكرم عرف!
اشاحت بوجهها بترفع مجيبه بسخط: مش عارفه اوصله، هو كده لما يحب يكلمنا بيكلمنا لكن لو احنا عاوزين نكمله منعرفش..

زفر بقوه فهمت هي بالتحرك فوقف امامها مره اخري متسائلا مجددا: هتعملي ايه بأسهم الشركه؟
زفرت بالمقابل و هي تتحدث بضيق: هبيعها و هبدأ شغل جديد..
نظر اليها بترقب ليعاود سؤالها: شغل ايه؟
رفعت احدي حاجبيها لتنهره بقوه: الله، هو تحقيق!
ثم اصدرت صوت بسخريه لتقول بخبث: ممكن تديني الكارت بتاعك لما استقر سواء في السكن او الشغل هبقي أكلمك أطمنك!

صمت قليلا فليس امامه حلا اخر فلقد اوصي ماجد بأن تكن هي المتحكم الاول و الاخير بكل شئ حتى بلوغ طفلته و عوده ولده و لكنه لن يترك لها الحبل على الغارب فهو لا يستطيع الوثوق بها فقال و هو يأخذ واحدا من الملفات بيدها: نصيب اكرم هيفضل معايا لحد ما يرجع، لانه بالتأكيد هيجي هنا الاول، و هو خلاص عدي السن القانوني اللي يسمحله بالتصرف في ورثه..

عقدت حاجبيها غضبا و لكن حتى لا تُظهر جشعها لم تعترض و اومأت ببساطه موافقه: زي ما تحب..
اعطاها الكارت الخاص به حتى تخبره بتفاصيل سكنهم هناك فابتسمت بتكلف واخذته وغادرت..
وبمجرد ان تجاوزت المنزل بل و حدود قريتهم الصغيره، ألقت بالكارت من النافذه و هي تبتسم بخبث ضامه الملف الذي يحتوي على كل ورثها وبناتها بالاضافه لنصيب جنه الاكبر من ورث والدها..
و الان فقط ستبدا الحياه الجديده.

المرأه مثل الزهره ان اقتلعت من مكانها توقفت عن الحياه.
وليم شكسبير
وصلوا اخيرا للمنزل، تطلعوا حولهم كان موقعه رائعا، الاشجار و الخضره من حوله بألوانها الخلابه، تصميمه الممتاز، حقا كان جميلا، فانطلقوا يكتشفون داخله..
بينما كانت جنه تشعر انها في مكان ليس لها، تشعر بالغربه، تشعر بالوحده تقتلها.
دلفت بخطوات بطيئه و كلما تقدمت خطوه تعودها مجددا.

لكم رغبت ان تنطلق ركضا في اتجاه منزلها الريفي الصغير و لكن ها هي هنا امام واقع لا ترغب به و ما يُخيفها حقا انها تشعر ان هذا ليس بواقع يناسبها.
ظلت تدور داخل منزلهم الجديد، اجل كان جميلا و لكنها لم تشعر بجماله.
اجتمع الجميع و جلسوا بصاله الاستقبال فقالت كوثر بحده و هي تنظر لجنه: من النهارده كلمتي اللي هتمشي و اللي هيعارضني هيتعاقب و العقاب مش هيبقى هين، أظن كلامي واضح.

اشارت لجنه لتتقدم اليها فاتجهت جنه لتقف امامها فقالت كوثر بقسوه: مبدأيا كده انتِ متعرفيش حاجه هنا و انا معنديش استعداد اجيب سواق ليكِ و مليش نفس اشترك في باص خاص و الكلام ده، فا انتِ هتفضلي في البيت و انسي بقي التعليم والدراسه و غيره..

حدقت جنه بها بصدمه و لم تستطع النطق بينما اكملت كوثر كأنها تنتقم منها، كأنها تفرغ كل حقدها من امها و ابيها بها: الخروج بحساب و البيت لو لقيت فيه اي غلطه هتزعلي مني و هجيب واحده تاخد بالها من البيت و انتِ تبقي معاها عالطول مفهوم!
ثم اردفت و هي تتلذذ بملامح الصدمه على وجه جنه: و تليفونات و تليفزيون و غيره دا كلام فارغ، انا عاوزاكِ تبقي ست بيت شاطره.

حاولت جنه اخراج صوتها فهي فتاه لم تبلغ سن الرشد بعد.
فتاه انهت دراستها الابتدائيه فقط.
فتاه في الحاديه عشر من عمرها.
كيف لها ان تفعل كل هذا؟
كيف تطلب تلك المرأه كل هذا منها؟
استجمعت جنه نفسها و نهضت بتمرد كما كانت تفعل دائما صارخه بصوت عالي: لا انا مش هعمل كده، انا هروح المدرسه، و هكلم اكرم و عمو عبد المنعم في التليفون، و هلعب وهتفرج على التليفزيون طول الوقت و كمان مش هعمل حاجه في البيت.

ثم اشاحت بوجهها صارخه بغضب: انا لسه صغيره.
وكانت الاجابه صفعه.
صفعه اسقطت جنه ارضا من قوتها.
صفعه كانت بدايه لقتل طفولتها.
بل البدايه لكل سئ بحياتها.
وصلها صوت كوثر رغم طنين اذنها اثر الصفعه بغضب ربما كان مكتوما عشر اعوام ليتفجر الان: انا قولت محدش يخالف اوامري و كل مره هتقولي على حاجه لا هتلاقي مني حاجه هتوجعك قوي، ثم صاحت بأعلي ما تملك من صوت بها: سامعه؟

انتفضت جنه و انهمرت دموعها رغما عنها فلم يضربها احد من قبل مطلقا.
الان فقط ادركت انها بقيت بلا اهل.
ادركت انها بلا حضن يحتويها.
ادركت انها لن تستطيع التدلل بعد الان.
ادركت اخيرا معني ان تكون يتيمه.
و ما اقساه من معنى.
كل شئ تدمر، بدايه من طفولتها، حلم والدتها الذي عبرت عنه في رسائلها بأن تصبح جنه طبيبه.
لا تدري ان كانت ستري اخيها مجددا او لا؟
لا تدري هل ستتواصل مع صديق ابيها ام لا؟

فقط تدري انها خسرت، خسرت كل شئ.
و
الاسوء انها خسرت نفسها.

بعد مرور عشر اعوام
تتسلل الشمس بهدوء كفتاه خجوله لتبدأ بنشر اشعتها ببطء لتنير كل المكان، كان يتابعها من النافذه عيون صافيه باسمه، عيون بقدر جمالها يغزوها حزن أليم و لكن على وجهها ابتسامه هادئه و هي تراقب تلك المتسلله لتغزو وجهها و هي تطلق تنهيده حاره فهي تعشق مراقبه الشمس صباحا كما كانت تفعل دائما مع والدها بعد صلاه الفجر.

ابتسمت لتلك الذكري الجميله التي مرت بخاطرها و همست: صباح الخير يا بابا، صباح الخير يا ماما صمتت ثواني قبل ان تهمس: وحشتوني قوى.

تنهدت بابتسامه خفيفه و اغلقت النافذه عائده لغرفتها رتبت فراشها و ابدلت ملابس النوم و عندها استمعت لصوت طرق على باب غرفتها فزعت قليلا و لكنها تذكرت انها عاده تلك السيده الطيبه التي تعدي عمرها الخمسين عاما ليترك الزمن اثاره بوضوح على ملامحها و ترسم كل تجربه مرت بها خطوطها ببراعه على وجهها المنكمش.
فتحت جنه الباب لتبتسم في وجه الداده زهره قائله بتحيه صادقه: صباح الخير يا ست الكل.

لتبادلها زهره الابتسامه بابتسامه اوسع و هي تجيب التحيه: صباح الفل يا ست البنات معلش صحيتك بس انتِ عارفه النظام يا بنتي غصب عني.
ابتسمت جنه بهدوء و هي تجلس على جانب الفراش لتُجلسها بجوارها: على فكره بقي انتِ بتقولى لي الكلمتين دول كل يوم، و انا اقولك اني مبنمش بعد الفجر اصلا بحب اشوف الشروق..
ثم اقتربت منها هامسه: وبعدين احنا اتعودنا عليهم ولا لسه هنتجدد يعنى!

غمزتها زهره بضحكه و هي تهتف باستهزاء: قصدك ثلاثي الغجر!
لتنطلق ضحكات جنه برقه و هي تمسك بيد زهره لتنطلقا لداخل المطبخ متمتمه: يلا بدل ما نسمع كلمتين ملهمش لازمه.
دلفا سويا وبدأوا باعداد الافطار وهم يتناقشون بهدوء، بينما جنه تستعيد ذكريات حياتها طوال ما مر من اعوام.

كانت تقرأ رسائل والدتها باستمرار فلقد كانت تطمئنها و تمنحها القوه فهي نصائح امرأه مكلومه واجهت الموت وجه لوجه، و الجديد و الذي منحها شعورا و لو بسيطا بوجود والداها معها هو قراءتها لرسائل والدتها لابيها و التي منحتها معني جميلا للحب، معني جميلا للحياه بقرب من نحب، فكانت تسرق لحظات من يومها لتقرأ فلم يكن هناك اغلي من تلك اللحظات على روحها.

احضرت كوثر زهره تلك السيده الطيبه التي اهتمت بالمنزل و كانت جنه معها منذ وجودها في هذا المنزل فكانت بمثابه ام لها، هي من ربتها و اعتنت بها حتى اصبحت فتاه في ريعان شبابها، نعم تفتقد والداها كثيرا و لكن وجود زهره هون عليها الكثير و الكثير.

لم تكن على علاقه وطيده ببنات كوثر فهي اكتفت بزهره عائله لها و لم تفكر في غيرها، اما عن دراستها فاللاسف لم تستطع اكمالها و ذلك ما حاولت تغيره عده مرات او بالاصح الاف المرات ولكن كان تنتهي كل مناقشه في ذلك الامر بعقاب حاد لها.
مرت العشر اعوام على جنه و رغم خسارتها لكثير من الامور - اهمها دراستها اذا استطعنا غض الطرف عن طفولتها - لم تستلم بل سلكت طريقا اخر ربما منحها مكسبا و ان كان ضئيلا.

حاولت الهرب من ذلك المنزل عده مرات و لكنها خوفا تتراجع حتى استجمعت كل شجاعتها و خرجت من المنزل و كان هدفها بلا رجعه و لكنها توقفت امام مكتبه عامه بالشارع المقابل لمنزلهم، اخذت تتأملها بانبهار حتى وجدت من يضع يده على كتفها فاستدارت بفزع مع شهقه خوف فارقت شفتيها لتجدها سيده تبدو في اوائل الثلاثينات من عمرها تقريبا، يبدو على ملامحها الحنان والهدوء و دار بينهم حوار غير من حياه جنه تماما.
Flash back.

نظرت اليها السيده بأسف قائله بصوت حاني: انا اسفه خضيتك، بس انتِ واقفه ليه كده! بتعملي ايه هنا؟
نظرت اليها جنه بخوف و صمتت ناظره للارض فرفعت السيده وجهها و انخفضت بجسدها لمستوي جنه ماسحه على رأسها بهدوء متمتمه: متخافيش، انتِ تايهه؟

هزت جنه رأسها بهدوء يمينا و يسارا بمعني لا و هي ترمق السيده بنظره حذره، فابتسمت السيده و هي تجلس على مدخل المكتبه لتجعل جنه تقف امامها لتردف و هي تشملها بنظرات طيبه: قوليلي طيب انتِ اسمك ايه؟
نظرت اليها جنه قليلا ثم تمتمت بخفوت: جنه.
اتسعت ابتسامه السيده لتهتف باعجاب واضح: الله اسمك جميل قوي يا جنه..
ثم مدت يدها مصافحه معرفه هي الاخري عن نفسها: انا اسمي هاله.

بدأت جنه تشعر بالارتياح قليلا لها فرفعت رأسها لها و قالت بابتسامه باهته: و انتِ كمان اسمك جميل..
ضحكت هاله ثم اشارت على زجاج المكتبه الذي تظهر الكتب من خلفه مستفسره: بتتفرجي على الكتب ليه! انتِ بتحبي تقرأى؟
نظرت جنه للكتب قليلا قم نظرت للارض قائله بنبره منكسره: لا، بس بابا كان بيحب يقرأ.
رمقتها هاله بتعجب هامسه: كان! ليه كان؟
نظرت جنه للارض مجددا و اغرورقت عيناها بالدموع هامسه ببطء: لان بابا مات..

عقدت هاله حاجبيها بحزن و قالت: انا اسفه ربنا يرحمه.
ثم اضافت بحسم و مازالت على تعجبها: طيب ليه واقفه لوحدك فين ماما؟
هنا تساقطت دموعها وهي تهمس بصوت بالكاد سمعته هاله: ماما كمان ماتت، انا عايشه مع مراه بابا.
شهقه صغيره خرجت من فم هاله رغما عنها و هي تنظر لجنه بشفقه و لم تقاوم رغبتها فاحتضنتها قائله بأسي: حبيبتي، انا اسفه و الله اسفه..

ثم ابتعدت عنها و مسحت دموعها بخفه و حاولت تغيير الموضوع قائله و هي تحاول التغلب على الالم الذي احست بيه من اجلها: طيب كنتِ بتبصي على الكتب الكبيره دي ليه؟
اشارت جنه على مجلد كبير يحتوي غلافه على صوره لاجهزه جسم الانسان و بجواره طبيب يرتدي المعطف الابيض و السماعه الطبيه حول عنقه و تمتمت بشبح ابتسامه: علشان كان نفسي ابقي دكتوره.

فقالت هاله بحنان و هي ايضا تتعجب يأس الطفله بهذا الشكل: و ليه كان! طيب ما تجتهدي و تبقي دكتوره ايه المشكله؟
ابتسمت جنه بألم ظهر جليا على وجهها و هتفت بسخط: انا كنت هتفوق فعلا بس لو بروح المدرسه.
حدقت بها هاله بدهشه و عقد لسانها من الصدمه و هي ترمقها بنظرات مشفقه.
كيف لطفله مثلها ان تحمل عينها كل هذا الالم و الوجع!

و عندما لاحظت جنه اشفاقها ابتسمت لها بهدوء هاتفه و هى تتحرك لتغادر المكان ذاهبه للامكان: بعد اذنك انا لازم امشى.
امسكت هاله بيدها و اخذت وعد على نفسها تساعدها بما تستطيع و لكنها اخذت وعد اخر بألا تسألها عن اي شئ يخص حياتها فهي لا تريد ان تصدمها طفله بواقع اخر مرير.
غمزتها هاله بشغب و صاحت و هي تشير على مدخل المكتبه: تحبي تدخلي تشوفي المكتبه من جوه؟

نظرت اليها جنه بدهشه و لكن سرعان ما تحولت نظراتها لسعاده مطلقه و هزت رأسها بنعم
Back.

و من هنا بدأت جنه رحله تعليمها، اكتشفت ان هاله تدير المكتبه هي و زوجها اسامه ، وقد كانا نعم العون لها، ساعدها لتتعلم، ربما لم تصل و لن تصل لحلم والدتها و لكنها فعلت كل ما تستطيع لتثقف نفسها، و الان و بعد عشر اعوام تكاد تجزم ان ما تعلمته يفوق بكثير ما كانت ستتعلمه بالمدرسه، لم تترك مجالا من المجالات لم تقرأ به حتى وصلت الان لشئ ربما ان اكملت دراستها لم تكن لتصل اليه..

اما اكرم فا للاسف لم تعرف شيئا عنه، لا مكانه الان و لا هاتفه و لا حتى كيف اصبح مظهره، و كذلك صلتها بصديق والدها و محاميه انقطعت تماما، حاولت اكثر من مره الوصول اليه بالخارج و لكنها فشلت فما كان بيدها إلا ان تنتظره و ان تأخر مائه عام.

و لكن ما يقلقها و بنفس الوقت يطمئنها، يخيفها و في الوقت ذاته يمنحها الامان، ذلك الحلم الذي يراودها منذ 10 سنوات، 10 سنوات تنهض يوميا الساعه الرابعه فجرا على حلم غريب لا تستطيع تفسيره، حلم تعبت هي من كثره تفكيرها، حلم يشبه كثير حلم سندريلا بل كل فتاه و لكن لما يلازمها طوال هذه الاعوام لا تدرى!

اما ميراثها فلقد تنازلت عنه طواعيه، ربما اُجبرت و لكنها لم تفكر مرتين، فلقد خيرتها كوثر هانم كما تناديها مؤخرا اما تمنحها التنازل لتستمر حياتها على نفس المنوال و اما ستدمرها و تمنع مجرد خروجها من غرفتها، فلم تكن جنه بحاجه للتفكير فهى اعتادت الخضوع و فعلت، تنازلت مجبره او طواعيه لا فارق فهي في حياتها من هم افضل و اغلي زهره و هاله و زوجها يكفي ان تكون و تظل بجوارهم فقط.

و امام ذلك المنزل الريفي يقف شاب قد تجاوز الثلاثين من عمره، يمتلك عين والده البنيه الداكنه، شعره الاسود، ملامحه رجوليه بحته، نظراته حنونه و لكن يغزوها ألم كبير. يتطلع لمنزل والداه كما يفعل باستمرار منذ عده اعوام.

عاد اكرم من الخارج و هو لا يعلم عن وفاه والده بعدما انهي دراسته متخليا عن فكره عمله و استقراره بالخارج، ليُصدم بالواقع الذي غاب عنه فتره طويله جدا، كان اول من لجأ اليه صديق و محامي والده الذي اخبره كل ما يعرف بدايه من وفاه ابيه حتى انقطاع اخبار زوجه ابيه عنه، اخبره ان زوجه ابيه باعت اسهم والده و بدأت بعمل جديد لا يعرف ماهيته و لم تخبره عن مسكنهم او حتى تهاتفه و لو لمره و رغم كل محاولاته ليعرف عنهم اي شئ لم يستطع.

شعر اكرم بتأنيب الضمير يكاد يقتله، هو لم يقصر في حق والده فقط بل في حق شقيقته و الاسوء في حق والدته، و الدته التي كانت تأمنه على شقيقته في نهايه كل خطاب له.
قرر البحث عنها بكل ما أوتي من قوه و لكنه فشل، القاهره ليست بمكان صغير يسهل البحث فيه.
سنوات و سنوات و هو يبحث لم يترك شركه في مجال الهندسه الا و بحث عنها المكاتب الهندسيه! المعماريه! و الديكور! و غيرها..

بحث كثيرا و لكن لا اثر لشركه والده كأن اسم الالفي مُحي تماما من مجال الهندسه و حتى اسم كوثر الحديدي لم يكن له وجودا بمجال الهندسه.
هو كان صغير بالسن يصل عمره لمنتصف العشرينات فلم يجد من يأبه له او يساعده.
لم يجد احد بجواره ليسانده، لم يجد حضن امه ليحتويه، لم يجد ذراع ابيه ليستمد منه قوه و لم يجد شغب شقيقته ليستمد منه حياه.

مرت سنوات و لم يستطع حتى الاطمئنان عليها فكان يأتي باستمرار لمنزل والده لعله في يوم يراها فيه و لكن لم يحدث هذا.

بالطبع لم تكف محاولاته إلى الان لمعرفه مكانها حتى انه استقر بالقاهره و بدأ بانشاء عمله الخاص فميراثه من والده ساعده كثيرا فبدأ من الصفر وساعده انه كان نسخه مصغره من والده يحمل نفس اصراره و عزيمته القويه بالاضافه لدراسته بالخارج و التي منحته ميزه اضافيه حتى استطاع النهوض بنفسه و حياته مع كامل محاولاته للوصول لشقيقته لعله في يوم يجتمع معها مره اخرى.

28-03-2022 08:21 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [2]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث

الناجحون يقدرون على النجاح لانهم يعتقدون انهم يقدرون. (اغسطس هير).

توقفت سيارتين امام ذلك المبنى الذى يعد من اهم شركات الاستيراد والتصدير و الذى يضم شراكه اربعه من اكبر العائلات بالقاهره..
يخرج منها شابين في ريعان شبابهم، ينظر كلا منهما للاخر ثم يدلفون للشركه، صعد كل منهما لمكتبه دون ان يدور اى حوار بينهما...

في مكتب الاول، شاب في اواخر العشرينات من عمره، خصلات بنيه داكنه و عينان بلون البندق، شخصيه سلسه بجذابيه خاصه، انهى دراسته بقسم ادراه الاعمال و اجتهد ليصبح رجل اعمال من الدرجه الاولى.
جلس على مكتبه و قبل ان يباشر ببدأ عمله او حتى طلب قهوته الصباحيه، صدع رنين هاتفه و عندما نظر للهاتف ابتسم بسعاده مجيبا بابتسامه مشرقه و هو يستند براحه على مقعده: يا صباح اللى بتغنى.

ليصله صوت ضحكه قصيره دفعت ابتسامته للاتساع اكثر و هى تتحدث بنبرتها الهادئه بمزاح: اسمها السلام عليكم يا حضره الاستاذ المحترم.
قهقه بصوت عالى ليحمحم قليلا قائلا بشبه اعتذار: خلاص نعيد تاني، السلام عليكم.
ابتسمت بحنان و هى تردف بعدها باشتياق بدا واضحا وضوح الشمس اليه: و عليكم السلام يا حبيبى، عامل ايه يا فارس؟ وحشتنى جدا.

تنهد فارس بحزن لنبرتها المشتاقه شاعرا بتقصيره في حقها فهو غاب عنها كثيرا هذه المره: انا بخير نحمد ربنا، و انتِ كمان وحشاني جدا يا لولو و الله.
اتسعت ابتسامتها و لكنها لابد ان تؤنبه قليلا و الا فكيف تستفز مشاعره ليركض اليها: انت بكاش، لاني لو وحشتك فعلا كنت جيت تزورني، ثم اضافت بحزن: عاوزه اشوفك و انت عارف اني مقدرش اجي تقوم انت تنساني كده!

محقه هى في عتابها بل و ان غضبت عليه محقه فتمتم بمحاوله لارضائها: انا غلطان و حقك عليا...
ثم صمت قليلا يفكر و اخذ قرارا عاجلا مردفا بثقه: انا بإذن الله هاجى ليكِ النهارده، في ايدى شغل مستعجل هخلصه و اعدى عليكِ، مرضيه كده؟
ابتسمت بخبث و همهمت كأنها تفكر ثم اجابت بحزم: لا، انت هتسيب كل اللى في ايدك و تطلع حالا تجى ليا، اشوفك و اطمن عليك و ارجع تانى لشغلك اللى مبيخلصش.

و من اين له ان يرفض طلبها و هى مستائه منه فابتسم موافقا مانحا اياها فرحه مختلفه اليوم: اوامرك يا ست الكل، انا عندى كام لولو يعنى!
اغلق الخط و نهض و على وجهه ابتسامه هادئه و خرج من غرفته متجها لغرفه الشريك الاخر، طرق الباب بأسلوبه المميز دائما فعرف الاخر على الفور من هو فاذن له بالدخول.

دلف فارس و قبل ان يتحدث اشار له بأن ينتظره لحظات فجلس على المقعد امام المكتب بانتظار انتهاء رفيقه، شابا يعد وسيما بشكلا ما، لا يوجد ما هو مميز بشكله شعر اسود، عينان بلون الليل، شخصيه عمليه لحد كبير، انهى دراسته بقسم اداره الاعمال ايضا ليلتحق بعدها بأكاديميه عسكريه، ليقضى سنوات عمره ما بين عمله كرجل عسكرى و مكتب العائله كرجل اعمال بعد حصوله على لقب القرصان الاول بجداره.

انتهي عاصم مما بيده و نظر لفارس مستندا بظهره على مقعده واضعا قدما فوق الاخرى قائلا بمراوغه: جاي هنا ليه يا ابن الشرقاوي!
حاول فارس اخفاء ابتسامته و استبدلها بوجه عابس و رفع احدى حاجبيه متمتما بنبره حاول اخراجها حاقده قدر استطاعته: جاي اخد حقي يا ابن الحصرى.
عقد عاصم حاجبيه مخفيا ابتسامته هو الاخر متسائلا بمشاغبه مستنكرا: حق! حق ايه ده اللى ليك هنا؟

نظر فارس بتلذذ لفنجان القهوه امام عاصم مبتلعا ريقه فاضحا ابتسامته اخيرا متمتما: حقي في القهوه اللي انت شربتها من غيري.
ابتسم عاصم هو الاخر رافعا كوب القهوه لفمه مرتشفا القليل منها رافعا احدى حاجبيه باستنكار قائلا بتوضيح اكثر منه سؤالا: بيبقى مزاجك رايق في حالتين اما وقعت صفقه ممتازه او ناوى تزور عمتك.
ثم داعب جانب فمه بخبث مكملا باقرار: و بما ان مفيش صفقات جديده الايام دى فيبدو انك ناوى تزور عمتك!

قهقه فارس بملأ صوته و هو يجذب كوب القهوه الخاصه بعاصم ليقول و بعينيه نظره مشاكسه: اعتقد انك بتقول مش بتسأل!
ثم تذوق القهوه لينكمش وجهه بنفور و هو يدفع بالكوب امام عاصم الذى ابتسم بسخريه قائلا بلامبالاه: ما انت عارف انى بشربها ساده عامل فيها عبيط ليه!
نظر اليه فارس بغيظ و تمتم وهو يضغط على اسنانه بقوه: انا عبيط!

ثم اندفع يلومه: طب و الله ما حد عبيط غيرك، يا بني انت نازل اجازه كان لازم تيجي الشركه مش كفايه شغلك و سفرك و غيره، على الاقل يومين الاجازه ارتاح فيهم..
زفر عاصم متجاوزا شعوره بالغضب من صوت فارس العالى فهذا اسوء ما يغضبه: هتغاضى عن الجزء الاول، بس انت عارف ان بابا بيستنى اجازتى علشان ياخد يومين اجازه، ف لازم اخد بالي من الشركه، اه معتز بيجي بس انت عارف ان معتز دماغه مش معاه اصلا.

نهض فارس مردفا بموافقه: معاك حق، طيب يا سيدي ربنا يعينك، مش هتيجى معايا تشوف عمك بالمره!
نفى عاصم برأسه محركا اياها يمينا و يسارا مردفا بصدق: ابعتله السلام و انا هبقى اعدى عليهم وقت تانى.
اومأ فارس ثم هندم ياقه بذلته متمتما بلهجه صعيديه نادرا ما يتحدث بها: هسيبك انا بجي جبل ما حد يجفشنا سوا و تجع العيلتين في بعض يا ولدي.

نظر عاصم اليه من اعلى لاسفل باستهزاء مردفا بهدوء و هو يعاود فتح الملف امامه: تصدق لايق عليك النجع، دا اخرك اصلا.
فابتسم فارس غامزا له قبل ان يتحرك للخارج متمتما بمكر: اصلنا واحد يا بن الحصرى.

في المكتبه تجلس جنه و بيدها كتاب عن التنميه البشريه تقرأه بتركيز و بين وقت و اخر تقوم باغلاق الكتاب و فتح دفتر ما تحمله معها دائما لتكتب بداخله شيئا ما.
حتى انتفضت على يد هاله التى جائت اليها فاستدارت لها فجلست هاله بجوارها قائله بابتسامه: معلش هقطع تركيزك.
ابتسمت جنه تاركه دفترها و انتبهت اليها متمتمه: و لا يهمك طبعا، اتفضلى.

وضعت هاله يدها على الدفتر متسائله باهتمام: عندي فضول اعرف كتبتِ ايه في الدفتر النهارده!
اتسعت ضحكه جنه و هى تفتح الدفتر لتعطيها اياه قائله بتوضيح: اكيد اتفضلي، بكتب اهم النقط اللى فهمتها من الكتاب.
ابتسمت هاله متناوله الدفتر منها لتقرأ ما خطته جنه بيدها و الذى نال اعجابها بكل تأكيد: ممتاز يا جنه، انا قرأت الكتاب ده و فعلا قدرتِ تلخصى اهم النقط فيه.

ابتسمت جنه بسعاده مردفه بحماس: بجد! بحاول اجمع كل اللى بستفيد منه بحيث اقدر ارجعله في اى وقت.
نظرت اليها هاله بحنان جارف و امسكت يدها ضاغطه عليها بخفه لتمنحها نظره تحاوطها بدفء فابتسمت جنه متمتمه بسعاده نادرا ما تزين وجهها بهذا الشكل: عارفه يا طنط انا فرحانه جدا النهارده، لان النهارده ذكرى جواز ماما و بابا.

ثم اخرجت صوره من بين طيات دفترها لتنظر اليها بابتسامه اوسع ثم عقدت حاجبيها حزنا متمتمه بصوت خفيض تلوم والدها: بغض النظر عن غضبى الشديد من بابا علشان اتجوز واحده تانيه و خصوصا كوثر هانم بس مهما كان انا هفضل بحب بابا و بحتفل بكل ذكرى مهمه تخصه.

عقدت هاله حاجبيها بصدمه و هى تتذكر تاريخ اليوم و شعرت بأن ما ستراه الان على وشك منحها اكبر صدمه بحياتها ان كان ما تفكر فيه حقيقه، امتدت اصابعها بارتجافه بسيطه تُمسك بالصوره لتنظر لوجهها الابيض قليلا تخشى ان تراها، حقا تخشى و لكنها حركت رأسها يمينا و يسارا تنفى تفكيرها المجنون هذا و نظرت للصوره و بمجرد ان رأتها اتسعت عينها بصدمه و شُلت حركتها تماما، فقط تنظر للصوره بذهول تام و عدم تصديق وعقلها يردد كلمه واحده غير معقول .

تعجبت جنه رد فعلها ظلت تراقبها قليلا ثم تمتمت باستغراب و هى تضع يدها على كتف هاله لتنظر اليها: مالك يا طنط؟ ايه اللى حصل!
لم ترد هاله بل لم تسمعها من الاساس و مازالت تنظر للصوره بصدمه شديده ثم قالت بارتباك واضح: انتِ اسمك جنه ايه؟
استغربت جنه عاقده حاجبيها بتعجب فهاله لم تسألها عن اسمها ابدا فلما الان و لكنها حاولت التغاضى عن الامر مجيبه: جنه ماجد الالفى.

ثم لم تمنع فضولها و تسائلت: حضرتك بتسألي ليه؟
لم تجيب هاله بل لم تنظر اليها و مازالت عينها مركزه على الصوره و القت بسؤال اخر زاد من تعجب جنه اضعاف: مامتك اسمها ايه؟
دُهشت جنه و بدأ القلق يتسرب اليها و قالت بتوجس و هى ترمق هاله بترقب: طنط هاله في ايه؟
و هنا رفعت هاله رأسها و عينها تلمع بالدموع وهتفت بحده لم تتعمدها: ردي عليا يا جنه، مامتك اسمها ايه!

توترت جنه و صمتت لبرهه تتأملها و هاله تحدق بها بانتظار اجابتها حتى منحتها جنه اياه: اسمها امل.
اتسعت عين هاله بلهفه متسائله بحماس رغم لمعه الحزن بعينها: امل ايه؟
و ايضا صمتت جنه و هذه المره لمده اطول و هى تحاول فهم ما يحدث بمفردها فأجابتها بترقب: امل مجدي عبد العزيز.

اغمضت هاله عينها مطلقه لزفره طويله تعبر بها عن وجع ما بداخلها لتفر تلك الدمعه العالقه بجفونها، لتنكمش ملامح جنه بدهشه صاحبها بعد الالم لمظهر هاله و التى نهضت مسرعه و هي تحمل الصوره بيدها بينما ظلت جنه تتابعها بعينها و هي في قمه استغرابها، لم تكن حتى بوعيها لتنهض خلفها بل ظلت تنظر لمكانها بدهشه قليلا ثم لملمت حاجاتها و نهضت لتعيد ما معها من كتب لتغادر و اصرت على فهم ما حدث من هاله قبل ان تغادر.

اتجهت هاله مسرعه لزوجها و وقفت امامه تأخذ انفاسها بصعوبه و تمتمت بصدمه: ماتوا.
نظر اليها اسامه بدهشه عاقدا ما بين حاجبيه و ما زاد تعجبه اكثر هو ملامحها و دموعها فنهض واقفا امامها مرددا بتعجب: ماتوا! مين دول؟
استندت بيدها على يده فأجلسها متمتما بقلق و هو يرى انهيارها و دموعها التى جرت بسرعه على وجنتيها: امل و ماجد، امل و ماجد ماتوا يا اسامه.

نظر اليها بصدمه تملكت منه و هو يبتعد عنها خطوه للخلف قبل ان يقترب منها لينظر اليها بحده هاتفا بصوت خانه ليخرج مهزوزا: انتِ بتقولى ايه! انتِ جبتِ الكلام دا منين؟
ازداد نحيبها و هى تتذكر كل ما مر بهما بالماضى.
كيف افترقت العائلات!
كيف تحولت سعادتهم لكابوس لم يستطيعا الاستيقاظ منه ابدا!
كيف تهدم جدار الحب بين الاربع العائلات ليُبنى الف جدار و جدار من كره و حقد!

وضع اسامه يده على كتفها ليحركها بحده صارخا: ردي عليا يا هاله، و فهميني عرفتِ الكلام ده ازاي؟
اعطته هاله الصوره فأمسكها ناظرا اليها و اتسعت عينه هو الاخر بدهشه و شريط حياتهم يمر امامه فتنهد بعمق قائلا بصوت متهدج: جيبتِ الصوره دي منين؟!
نظرت هاله اليه و مازالت تبكى لتشير للداخل باصبعها مردفه: جنه بنتهم، جنه ماجد الالفي.

حدق بها اسامه بصدمه اكبر ثم طأطأ راسه لاسفل لا يدري ما يقول حتى تذكر ما اخبرتهم به جنه فتمتم بذهول و هو يجلس امامها: بس جنه قالت انها عايشه مع مراه ابوها ازاي ماجد يتجوز تاني بعد كل اللي عمله علشان امل!
وضع يده على رأسه ليقول بحنق: انا مبقتش فاهم حاجه.

نظرت هاله للاشئ لتقول بابتسامه حزينه: انا مكنتش راضيه أسالها عن تفاصيل حياتها، مكنتش عاوزه اتصدم بحاجه تانيه، بس دلوقتى لازم افهم منها كل حاجه و لازم هي تعرف كل حاجه.
حرك اسامه رأسه نافيا بسرعه ليقول بتفكير: بلاش يا هاله، البنت كل اما نجيب سيره اهلها تتعصب و تقول انها بتكرههم، بلاش نبعدها عننا احنا كمان بدل ما نقربها.
قطع كلامهم صوت محبب اليهم من الخلف يهتف بمرح: السلام عليكم يا اهل المكان.

التفتت اليه هاله على الفور و هى تمحى دموعها واتسعت ابتسامتها صائحه و هى تتجه اليه: فارس.
احتضنها فارس بشوق و كذلك هي، لتترك لدموعها العنان مره اخرى فربت فارس على ظهرها متمتما بحزن: طيب ليه الدموع بس؟
حاولت هاله التماسك و ابتعدت عنه مبتسمه و هى تُزيل دموعها مره اخرى: وحشتني قوي يا حبيبي، اخبارك ايه؟ طمني عليك!

اجلسها فارس و جلس امامها و رفع يده يمسح على وجنتها بخفه قائلا بحنان: انا بخير الحمد لله و بعدين سيبك منى، انتِ وشك دبلان ليه كده؟
مسحت على خصلاته برفق و اتسعت ابتسامتها لتمنحه طمأنينه ربما هى ابعد ما يكون عنها: انا كويسه خالص متقلقش عليا، باباك اخباره ايه و مامتك و اخوك طمني عنكم!
امسك يدها ضاما اياها لصدره مقبلا وجنتها هاتفا بحماس: اطمني يا عمتو كلنا بخير و كلهم بيسلموا عليكِ كتير.

حمحم اسامه الذى وقف خلف فارس قائلا بعتاب مرح: واضح اني مليش لازمه هنا خالص.
نهض فارس مبتسما مصافحا اياه بقوه مجيبا بابتسامه اعتذار: ازاي بس يا عمي دا انت الخير والبركه، اخبار حضرتك ايه؟
اجابه اسامه بود وابتسامه ابويه خالصه: بخير يا بنى الحمد لله..
نظر فارس لكلاهما ثم وجه حديثه لاسامه قائلا: عاصم بيسلم على حضرتك كتير و بيعتذر مقدرش يجى معايا.

تحدثا قليلا بينما تنظر هاله لاسامه لتوضح نظراتها عن رغبتها في اخبار فارس عما وصلت ايه و لكن نظرات اسامه كانت تمنعها باصرار.
نهض فارس قائلا بشغف: هبص على الكتب بقى قبل ما امشى.
اومأت هاله فنهض تاركا اياهم فهتفت بضيق: عاوزه اقوله على جنه دي مهما كان تبقي بنت خ...

قاطعها اسامه ناظرا حوله بنبره متردده: بلاش عالطول كده يا هاله، خلينا نفكر في الموضوع بهدوء علشان نعرف نتصرف صح، اى غلط هيأذي الولاد اكتر مننا و انتِ عارفه ابويا و ابوكِ مش هيسكتوا و خصوصا لبنت ماجد و امل و البنت مش ناقصه.
زفرت هاله بضيق و هى تتمتم بدعاء خالص: يارب دبرها من عندك.

اتجه فارس لقسم التنميه البشريه و علم النفس فهو يعشق قراءه كتب كهذه و التى تجعله يفهم و لو قليلا من طبيعه الناس و كيفيه التعامل معهم، ظل يبحث في الصادرات الجديده و عندما ازاح احد الكتب كانت جنه تُزيح نفس الكتاب ايضا و لكن من الجهه الاخري فتلاقت الاعين تفاجأت هي و خرجت من فمها شهقه صغيره بينما ابتسم هو و لكن سرعان ما عقد حاجبيه متأملا اياها بينما وضعت جنه ما بيدها بتوتر مبتعده مسرعه من امامه فردد هو بتعجب: مش معقول فيها شبه كبير قوي منها.

حرك رأسه يمينا و يسارا متجاوزا الموضوع و اكمل بحثه في الكتب حتى وصل لمراده و اخذه و رحل..
خرجت جنه لهاله بعدما اعادت ما قد اخذت من كتب و اقتربت من هاله بهدوء لتهمس بحذر: ممكن الصوره!
ابتسمت هاله بأسف و هى تقول باعتذار: انا اسفه يا جنه، انا بس افتكرت حاجه كده فاتضايقت متزعليش منى علشان زعقت فيكِ.
ضيقت جنه عينها تتطالعها بترقب ثم قالت بفضول سؤال لم ترغب هاله بسماعه: هو حضرتك تعرفي بابا و ماما؟

تلعثمت هاله و اشاحت بوجهها عن جنه وهى تُحضر لها الصوره قائله بارتباك: لا، لا هعر، هعرفهم منين؟
اخذتها جنه و هى لا تدرى كيف تطمئن قلقها بعد موقف هاله الغريب هذا و لكن يبدو ان هناك ما لا تعرفه و مع ابتسامه هاله الهادئه بادلتها جنه اياها كاتمه تساؤلاتها و سرعان ما ألقت السلام و رحلت مسرعه لكى لا تتأخر..

و بمجرد رحيلها عاد فارس لعمته و استأذن منها ليرحل ولكنها فاجأته قبل ان يرحل بطلب جعله يطالعها بصدمه عندما قالت بحسم: فارس انا عاوزه اقابل مامتك ضرورى و كمان ليلى الالفى.
رفع فارس حاجبيه تعجبا متمتما ضاغطا على حروف كلماته: نهال العسوي و ليلي الالفي و هاله الشرقاوي، دا الموضوع كبير؟
ابتسمت بارتباك لم تستطع اخفاؤه و لكنها اصرت بثقه: ضرورى يا فارس هعتمد عليك، عاوزه اقابلهم بكره.

ضيق فارس عينيه قائلا بترقب حذر: في ايه يا عمتو ليه دا كله!
نظرت هاله امامها بثقه واقفه بشموخ: كل حاجه هتظهر في الوقت المناسب وصلهم رسالتى بس.
رمقها فارس بشك و لكنه امام صمتها و اصرارها عليه ألا يسألها عن شئ الان، نهض مودعا و هو يتسائل اى سبب هذا الذى سيجمع عائلات لم تلتقى منذ عشرات السنين.

الخوف يجعل الناس اكثر حذرا، اكثر طاعه و اكثر عبوديه. (سقراط)
انهت جنه تنظيف اخر غرفه بالمنزل و جلست ارضا تلتقط انفاسها بصعوبه فاليوم كان مرهقا بشكل قاسى عليها و لكنها لا تستطيع الاعتراض، نهضت بتعب و قامت باداء فريضتها ثم جلست تقرأ في كتاب الله قليلا حتى دلفت زهره بعدما طرقت الباب، جلست بجوار جنه وانتظرت حتى صدقت و اغلقت كتاب الله فربتت على ركبتيها قائله: تقبل الله يا حبيبتى..

اجابتها جنه بارهاق بادٍ بوضوح على ملامحها: منا و منكم ان شاء الله..
حاولت زهره جذب انتباهها بعيدا عن حزن عينيها هذا فلجأت لحديثها المعتاد و الذى يُسعد جنه كثيرا: ها قرأتِ ايه النهارده؟
وبالفعل لمعت عين جنه رغم ارهاقها بفرحه و اعتدلت لتبدأ حديثها المعتاد مع زهره و التى تخبرها فيه بكل تفاصيل يومها و اجابتها بحماس: قرأت تنميه بشريه و الكلام شدني واستفدت كتير جدا يا داده.

نظرت اليها زهره بحنان و بادلتها الحماس بمثله و ربما اكثر: و استفدتِ ايه بقي! قولى لي؟
اندمجت جنه معها بالحوار و اخذت تخبرها بما استفادته و زهره تنصت اليها بكل اهتمام حتى تنهدت جنه قائله بسعاده مرحه: احنا معقدين قوى يا داده.
ضحكت زهره وهى تتطالع ملامح وجهها المرحه و تمتمت بدعاء لها: ربنا يزيدك علم و يوقفلك ولاد الحلال اللي يساعدوكِ و ينورلك بصيرتك يا جنه يا بنتى يارب.

طالعتها جنه و هى تستمع لدعائها و الذى كان اشبه بدواء لداء روحها الذى لا خلاص منه: و الله يا داده انتِ اغلى ما في الدنيا دى ربنا يبارك لي فيكِ.
ابتسمت زهره وهى ترمقها بحزن وقالت هامسه بخبث: هقوم اجهز الاكل قبل ثلاثى الغجر ما يوصلوا.
ضحكت جنه بملأ صوتها و لكن ضحكتها انطفئت بمجرد وصول صوت كوثر لمسامعها: حلو جدا ده، قاعدين تتسامروا ولا كأن وراكم شغل.

نهضت زهره مسرعه مستنده على حرف السرير بجوارها و وقفت امامها هامسه بقلق: معلش يا ست كوثر الغلط عليا انا، ثوانى و يكون الاكل جاهز.
رمقتها كوثر بطرف عينها باستهزاء متمتمه: يكون افضل ليكِ، اخرجى.
خرجت زهره و هي تدعو عليها في سرها بينما اقتربت كوثر من جنه و جلست بجوارها على الفراش و ظلت تنظر اليها نظرات ثاقبه الا ان ادت باعصاب جنه للهلاك و ظهر ارتباكها جليا على وجهها.

نظرت كوثر للغرفه من حولها باشمئزاز ثم عادت ببصرها لجنه هاتفه بهدوء ينافى نظراتها الغاضبه و التى سببها ضحكه جنه و فرحتها مع زهره: عملتِ ايه طول اليوم!
ارتبكت جنه بشده و ظل عقلها يذهب و يجئ
هل علمت كوثر عن خروج جنه من المنزل!
و لكن كيف؟ و من اخبرها؟
والاهم ماذا ستفعل ان كانت بالفعل تعرف؟
وربما تسأل بصوره عاديه.

ابتلعت ريقها و كوثر تنظر اليها منتظره الاجابه فهمست بصوت بالكاد سمعته كوثر: الحمد لله كان يوم و عدي.
ضحكت كوثر بتهكم و هى ترمقها باستنكار متسائله: انتِ فاكره انى بطمن عليكِ و لا حاجه!
ثم اضافت بحده وملامحها تصرخ بالغضب: الصاله مش نظيفه ليه؟
حملقت جنه بوجهها بدهشه فكيف هذا و هى انهتها قبل ساعه فقط وعبرت عن دهشتها بنبره متعجبه: ازاى؟ انا لسه مخلصه تنظيفها!

رفعت كوثر حاجبها بانكار و نهضت واقفه لتشير بيدها بعشوائيه: مش نظيفه يا جنه، مش عاجبنى تنظيفها، اقولك على حاجه؟
نظرت اليها جنه بدهشه و ترقب فأكملت كوثر و هى تبتسم بقسوه متحركه للخارج: قومي اعمليها تانى.
شهقت جنه فجسدها يأن ألما و تمتمت بصدمه: تانى!
توقفت كوثر واستدارت لها لتردف ببرود: اه تانى، فيها مشكله و لا حاجه!

نهضت جنه واقفه هى الاخرى قبالتها و لاول مره تستجيب لضعف بنيتها و ألم جسدها: انا لسه مخلصه شغل و مش هقدر اعمل حاجه تاني.
ثم تهدل كتفاها بخوف و كوثر تطلق حمم بركانيه كادت تجعل جنه تتراجع و لكنها توسلتها بهدوء: ارجوكِ، افهمينى البيت كبير و انا تعبت فيه جدا النهارده بجد مش هقدر.
عادت كوثر لتقف امامها مباشره و قالت بغضب و تهديد واضح: انتِ ازاي تردي عليا كده؟ انتِ اتجننتِ! انا قولت يتعمل تانى.

نظرت جنه ارضا مجيبه بخفوت: انا اسفه بس و الله انا مش قادره.
صمتت كوثر قليلا تفكر ثم قالت بتوعد و هى تبتسم بحقد: ماشي يا بنت امل انا هعرفك ازاي ترفضي و تقولى ليا لأ.
ثم تحركت خارجه من الغرفه بينما القت جنه بجسدها على الفراش بتعب وعينها تلمع بالدموع ثم اعتدلت ممسكه بصوره والداها و قالت: انا اسفه بس غصب عنى، بعدكم عني كسرني، انا اسفه.
نهضت واخرجت احدي رسائل والدتها وقرأتها،.

ابنتي الصغيره اعلم انكِ افتقدتيني و لكني حبيبتي ارافقك دائما، انظري لقلبك ستجديني هناك، انا مازلت حيه بداخلك يا صغيرتي، لا تضعفي و لا تجزعي و استقوي دائما بالله، فهو الدائم لكِ، و كلما شعرتِ انكِ تحتاجي اليَّ بجوارك الجأي اليه سيريحك صدقيني، لا تخسري و لا تستسلمي ابدا، حاربي يا صغيرتي، اعلم ان والدك مصدر قوتك و لكن لا تجعليه هو مصدرها الوحيد و صدقيني كلما شعرتِ بالضعف ستجدي الله معك دائما، عليكِ فقط بالصلاه و القرأن يا جميلتي، استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.

اغلقت جنه الظرف و احتضنته و دموعها تنهمر بشده: اااه يا امي قد ايه كان نفسي تبقي جنبي و معايا؟
نهضت جنه و وضعت سجاده الصلاه و ارتدت اسدالها و صلت لله، صلت ترجوه الرحمه، ترجوه الصبر و القوه،
فما اصعب من الفراق، الاشيتاق.
فوجع الفراق يُنسى و لكن وجع الاشتياق يزداد كلما مرت الايام.
اصبحت فتاه في ريعان شبابها و لكن قلبها ما زال صغيرا خائفا منزويا في اعماقها.

اليوم رفضت، تمردت ربما بتوسل و لكن تمردت فماذا ستكون النتيجه!
ظلت تدعو و تدعو حتى انهت صلاتها ثم جلست تفكر حتى غفت مكانها لتذهب في نوم عميق كان جسدها في اشد حاجته اليه.

قبل ان يخرج فارس من الشركه اتجه لغرفه عاصم فوجده على وشك الرحيل هو الاخر فتسائل قائلا: هتروح المؤتمر!
اجابه عاصم و هو منشغل بجمع بالاوراق امامه بلامبالاه لاحظها فارس فعاصم لا يشغله كماليات العمل هذه: مؤتمر ايه؟

ادرك فارس ان عليه التوضيح فجلس على طرف المكتب يعبث بساعه زجاجيه موضوعه على جانب المكتب فهم بالحديث و لكنه عاد واطبق فمه قائلا: احنا هنروح يا عاصم، انا هروح و انت محتاج تغير جو فا هتيجى معايا.
رفع عاصم رأسه اليه بنظره ثاقبه فتحدث فارس مجددا بابتسامه هادئه: عندك رأى تانى!
صمت عاصم قليلا يُفكر ثم جال بخاطره فكره ربما تساعده فيما يريد فبادر فارس بسؤال: مين هيحضر المؤتمر ده!

حك فارس مؤخره عنقه قليلا ثم اضاف: اهم الشركات في كل المجالات بالاضافه لشركات مهمه من بره مصر، المؤتمر كبير.
اومأ عاصم برأسه موافقا و ابتسم متمتما: تمام هنروح.
خرج فارس في طريقه للمنزل ليستعد للذهاب و كذلك عاصم الذى خرج بعده بقليل..

دلفت زهره على جنه وجدتها نائمه على الارض فايقظتها بهدوء و لكن جنه انتفضت فزعه هاتفه بهلع: في ايه!
انتفضت زهره اثر انتفاضتها فابتسمت قائله بهدوء: بسم الله، يا بنتي بالراحه مفيش حاجه، بس كوثر هانم عاوزاكِ برا.
نهضت جنه مسرعه و هي تتمتم: استرها يارب.
خرجت إلى كوثر الجالسه بجوار ابنتيها و على وجهها ابتسامه عريضه اربكت جنه التى قالت بهدوء: نعم.

اعتدلت كوثر ناظره اليها بنظره لم تفهمها جنه ثم ابتسمت بود هاتفه بنبره جديده تعجبتها: انا عندي مؤتمر كمان ساعه اجهزي علشان هتيجي معايا.
حملقت جنه بها قليلا ثم اشارت باصبعها على صدرها مردده بدهشه: انا!
اتسعت ابتسامه كوثر الوديه صائحه: اه انتِ يا جنه، انجزي يلا.
تسائلت جنه بقلق و هى تنظر لكوثر تاره و للفتيات تاره اخرى: حاضر، بس ليه؟ انا هاجي اعمل ايه؟

اختفت الابتسامه الوديه لتظهر محلها ابتسامه صفراء لم تخطأها عين جنه و تأكدت ظنونها عندما همست كوثر بتوعد: هتعرفي متقلقيش و ان شاء الله هتفرحى، هتفرحى جدا!
نظرات كوثر و كذلك ابتسامات الفتيات اثارت قلقها و خصوصا ان كوثر توعدتها بعقاب ولكن ماذا من الممكن ان يكون عقابها في مؤتمر!

في مكتب اكرم، دلفت السكرتيره الخاصه به اليه بعدما طرقت الباب بخفه واستمعت لإذنه بالدخول متحدثه برسميه: حبيت افكر حضرتك يا بشهندس ان المؤتمر كمان ساعه..
ترك اكرم ما بيده ناظرا اليها باستغراب و سرعان ما هتف متذكرا ما تتحدث عنه: اااااااه المؤتمر، ثم اضاف متعللا: ملوش لازمه انا مش هروح.

تقدمت منه هبه متحدثه بعمليه مدركه جيدا لما تقول فانتبه اليها: بس المؤتمر مهم جدا لسمعه الشركه و كمان هيبقى فرصه كويسه انك تتعرف على رؤساء شركات تانيه و كمان ممكن تلاقى فرص لصفقات كويسه و مربحه للشركه، يعنى ساعتين من وقت حضرتك ممكن تلاقى قصادهم فرص كتير مهمه لاسم حضرتك و اسم الشركه في السوق خصوصا للمبتدأين اللى زى حالاتنا.

رمقها اكرم بنظره اعجاب متمتما بتساؤل مرح: انتِ قولتِ انك خريجه كليه ايه يا هبه؟
ابتسمت فكلما قدمت اقتراح مناسب و محفز له يسألها هذا السؤال و هى كالعاده تجيبه بابتسامه هادئه: هندسه يا بشمهندس.

لملم الاوراق امامه و هو يعقد حاجبيه فكلما ابتسم وجهه يتذكر جنه يتمنى ان يصل اليها بأسرع وقتا ممكن و لكن لا يدرى حتى الان كيف يتصرف فهو رغم مرور اعوام عده لا يستطيع الوصول، و كأن اسم الالفى مُحى تماما من السوق، استطاعت زوجه ابيه التخفى بالفعل.
افاق من تفكيره على صوت هبه مجددا و هى تقول: لو حضرتك قررت تروح فالمفروض تتحرك دلوقتى لان المؤتمر زى ما حضرتك عارف بعيد نوعا ما عن هنا.

أومأ موافقا مقتنعا تماما انه كلما تقدم بسمعه الشركه و اصبح معروفا كلما سهل هذا الامر عليه ليصل لما يريد.

و قد تكون الصدفه خير من ألف ميعاد.
داخل تلك القاعه التى عجت بالناس بشكل كبير و لكن منسق، انتشر الصحافيين في جميع انحاء القاعه و بمرور الوقت بدأ اصحاب الشركات بالتوافد ليعد هذا اكبر مؤتمر اُقيم في القاهره منذ سنوات...

حضر فارس اولا فكان اول ما تلقى الاسئله و لكنه بالطبع لم يروى فضول الصحافه مما جعلهم متعطشين للمزيد و لكنه سرعان ما استطاع التملص منهم بذكاء ليجلس على طاوله بعيده قليلا عن تمركز الصحافه..

وصل عاصم للقاعه و كم كره الامر فالضوضاء و الاماكن المزدحمه اخر ما يفضل ابن الحصرى و بالطبع تلقى العديد من الاسئله و التى لم يجيب على معظمها سوى بالاجابات سطحيه ليتملص منهم هو الاخر ليجلس على الطاوله المقابله لفارس و ابتسم كلاهما للاخر، وفى ذلك الوقت وصل اكرم للمكان ربما هذه المره الاولى او ربما الثانيه الذى يحضر بها مؤتمر كبير كهذا كان الاول بالخارج و هذا هو الثانى فالمؤتمرات اخر ما قد يشغل تفكيره الان..

التفت الصحافه من حوله و بمجرد ان عرف عن نفسه انتبه كلا من عاصم و فارس للاسم ليتبادل كلاهما النظرات قبل ان تتجه نظراتهم لاكرم مجددا بينما اندمج اكرم مع الاسئله ليجيب البعض و البعض يتجاوزه حتى فوجئ بسؤال احد الصحافيين: ماجد الالفى والد حضرتك، هو الابن الاكبر لعائله الالفى المعروفه و لا دا تشابه اسماء؟

عقد اكرم حاجبيه بدهشه و قبل ان يجيب تقدم عاصم منه ملفتا انتباه الصحافيين اليه حتى تجاوز الحوار سريعا و انفرد بأكرم على طاوله بمكان هادئ في القاعه..
تعجب اكرم ما فعله عاصم فهم بالتحدث و لكن بادره عاصم بالتعريف عنه نفسه باختصار ثم تسائل قائلا: والدك هو ماجد عبد الحميد الالفى!
عقد اكرم حاجبيه متعجبا ناظرا لعاصم باستنكار فعاود عاصم سؤاله بأخر اذهل اكرم تماما: والدتك اسمها امل مجدى العسوى!

اتسعت عين اكرم و هو يقف عن مقعده هاتفا بصدمه: انت عرفت الاسم ده منين؟ انت مين!
ابتسم عاصم بسخريه مداعبا جانب فمه بسخط متمتما: انا مين! ثم نظر اليه بجديه وهتف بهدوء: مش هيفرق كتير انا بس اكيد يهمك تعرف ان والدتي هي ليلي عبد الحميد الألفي.
صمت اكرم لحظات ثم همس ببطء: عمتي!

كان كلاهما مازال متعجبا من تلك الصدفه الغريبه و لكن انهى عاصم هذا التعجب بالصمت عندما قال حتى لا ينتبه عليهم احد: لينا كلام بعد نهايه المؤتمر بإذن الله..
وافقه اكرم معطيا اياه الكارت الخاص به ليتصل به بعدما ينتهى هذا اليوم لربما يكون الطريق لاخته هذا بدايته..

و هنا دخلت كوثر بخطوات واثقه ثابته، رأس مرفوعه، شعرها يتطاير مع كل خطوه تخطوها و صوت حذائها الرفيع يترك اثره ليلتفت الجميع اليها، فدائما تتعمد ان تكون اخر من يحضر فأى مناسبه حتى تلفت الانتباه التام بدخولها...

اجتمعت الصحافه حولها و انهالت عليها الاسئله بينما هي اشارت لرجالها بإخلاء الطريق لها حتى وصلت لطاوله في منتصف القاعه و جلست عليها بأناقه كبيره لتضع قدم فوق الاخري بينما تتابعها عيون الحاضرين و أولهم اكرم الذى تعرف عليها بمجرد ان رأها، فتأهبت كل عروقه دفعه واحده و هو على وشك النهوض للفتك بها فيبدو ان هبه محقه هذا المؤتمر اهم ما مر بحياته و لكن يد عاصم الذى امسكت بمعصمه اوقفته و هو يتسائل: انت تعرفها!

زفر اكرم بغضب و عيناه لا تحيد عنها ليجيبه بهدوء ساخر: كوثر هانم الحديدي، مرأه ابويا!
حدق عاصم به قليلا ثم تذكر ما يعرفه من معلومات عنها: ازاى! الكل يعرف انها مطلقه لكن مين جوزها مش معروف.
التفت اليه اكرم بحده هاتفا بسخط: مطلقه!
اما جنه فكانت كوثر قامت بمعاقبتها بجداره، فا بمجرد دخولهم الفندق اشارت لجنه على غرفه جانبيه قائله بابتسامه مصطنعه: ادخلي جوه هتلاقي هدوم البسيها و بعدين تعالي القاعه.

طالعتها جنه باستغراب متمتمه بعدم استيعاب: هدوم ايه مش فاهمه؟
اقتربت كوثر منها ضاحكه بسخريه صائحه بلؤم: ايه ده هو انا مقولتش ليكِ؟
نظرت اليها جنه بتساؤل، دهشه و الاسوء قلق و خوف بينما مالت كوثر على اذنها هامسه بنبره افعى وجدت الفرصه الملائمه للانقضاض على فريستها: اصل انتِ هتبقى الخادم الخاص بتاعى هنا، انا مش واثقه في طقم الخدم بتاع الفندق.
وكان وقع الكلماات اسوء من لدغه الافعى حتى.

فأى سم هذا الذى يجرى بدماءها!
اى قلب هذا الذى ينبض داخل صدرها!
اى امرأه هذه!َ!
بل هى حتى عارٍ على النساء.
حدقت بها جنه بتشتت و هى تشعر بدوار يصيب رأسها من فرط توترها: يعن، يعنى ايه! انا هعمل ايه!

اتسعت ابتسامه كوثر و هى تتحرك باصبعها على فستان جنه البسيط و الذى رغم بساطته منحها جمالا خاصا فهى شديده الشبه بوالدتها مما جعل حقد كوثر يزداد فهمست بغل: هتتدخلى تلبسى لبس طقم الضيافه بالفندق و تيجي تقفي جنبي زي الشاطره و اللي اقولك عليه تعمليه.
نظرت جنه ارضا و هى تشعر ان الارض تميد بها و هى تُحدث نفسها: ليه بتعملى كده!

تحركت كوثر لتدخل و لكنها عادت اليها قائله بتهديد صريح و واضح: مش انا يا بنت أمل اللى يتقال لها لا فاهمه؟!
وقبل ان تتحرك كوثر استوقفتها كلمه جنه و التى خرجت بخفوت شديد و بداخلها تدرك انها لن ترفض: و ان رفضت؟
صدعت ضحكه كوثر الساخطه و التى خالطها بعض الغضب: بسيطه، تبدأى تدورى لنفسك على شغل، و بيت و عائله جديده تعيشى معاهم، بالاضافه لانك هتبقى حته لحمه حمراء لكلاب الشوارع.

ثم نظرت اليها من اعلى لاسفل لتضيف بوقاحه تلائمت كثيرا مع نظراتها الدنيئه: و انتِ حلوه و جميله و تملى العين و ألف مين يتمناكِ، و انا هعمل عمل خير و اقول لكل جعان ان في لقمه سهله، فاهمه و لا افهمك اكتر!

ثم نظرت اليها بابتسامه مردفه: انا شوفت في حياتى اشكال و الوان و عارفه يعنى ايه ست تبقى لوحدها و عارفه ايه يكسرها و ايه يجيب مناخيرها الارض بلاش تشوفى وشى التانى، و نفذى اللى بقولك عليه علشان نرجع بيتنا سوا.
امتلئت عينها بالدموع و لعنه الخوف تلاحقها.
هل لها فرصه تفكير؟
اذا هل لها حق الهروب؟!
و حتى ان هربت اين تذهب بهذا الليل!

ربما لهاله و لكن هى لا تعرف عنها شيئا سوى انها صاحبه المكتبه و التى بالتأكيد ستكون مغلقه في هذا الوقت.
فهل لها سوى الاستسلام!
رأت هى من كوثر الكثير و لكنها لم تشعر بمثل هذا الشعور من قبل.
شعور اشبه بشعور الموت و ربما اسوء.
شعور جعلها تتمنى ان تنتهى حياتها الان.
تحركت باستسلام للغرفه لترتدى الملابس بينما كوثر ابتسمت ابتسامه نصر و تحركت باتجاه القاعه في حماس و ضحكه واثقه ترتسم على شفتيها.

دلفت جنه للقاعه منكسه الرأس ترتسم اشد علامات الحزن على وجهها، اول من لاحظها كان فارس الذي تذكرها على الفور رغم تعجبه لوجودها هنا الا انه و بدون سبب شعر بالفرحه لرؤيتها فابتسم يراقبها تقترب من كوثر و لكن ابتسامته اختفت عندما تبين الحزن الذي يغزو قسمات وجهها الرقيق، و في ذلك الوقت جاء لاكرم اتصال عاجل فاضطر للخروج من القاعه ليجيب و اثناء خروجه و عبثه بهاتفه بضيق اصطدم بجنه فارتدت هي خطوه للخلف و رفعت رأسها معتذره و لكن عندما نظرت اليه شعرت بشئ غريب يغزوها، ظلت تحدق بوجهه قليلا ملامحه شديده القرب لملامح اخيها، عيناه، ملامح وجهه، و كذلك هو بمجرد ان رفعت عينها حملق بابريقها العسلى لحظات كم هى شديده القرب لملامح والدتهم و لكن من اين لشعورهم هذا ان يُقنعهم بشئ ها هنا.

اخفضت رأسها مسرعه متمتمه باعتذار رغم ارتباكها: انا اسفه، ثم تحركت من امامه مسرعه.
و كذلك هو اخفض عيناه عنها ثم عاد ينظر اليها و لكن اهتزاز الهاتف بيده جعله ينفض تلك الافكار عن رأسه متحركا للخارج.
اقتربت جنه من كوثر و وقفت بجوارها و رأسها مُنكس، استدارت كوثر اليها آمره اياها ان تحضر لها شيئا تشربه بتعنت: هاتِ ليا عصير.

فذهبت جنه بقنوط و اتت لها بكوب من العصير و بمجرد ان اعطته لكوثر شهقت بحده و كوثر تلقيه عليها لتصرخ بها: انا طلبت مايه انتِ جايبه ليا عصير ليه؟!
التفت جميع من بالقاعه اليهم على صوت كوثر الحاد و بالطبع اعطى الجميع الحق لكوثر فكيف تخطئ الفتاه و هي تقوم بعملها.
ارتبكت جنه و شعرت بتوتر شديد جعل الارض تدور اسفل قدميها و الدموع تغزو عينها محاوله الدفاع عن نفسها هامسه: بس انتِ قو..

قاطع كلامها اصابع كوثر تطبع صفعه قاسيه على وجهها لتصرخ جنه بألم و كوثر تهتف بقوه صارخه بتكبر: انتِ تخرسي خالص، امشى من هنا امشى.
لم تستطع جنه كبح دموعها التى انهمرت على وجهها بغزاره.
اعتقد الجميع انها ألما فلم تكن صفعه كوثر بهينه..
ولكنها كانت تبكى نفسها، تبكى هوانها و ذُلها، تبكى تعنت و تكبر امرأه هى حاولت في يوما ما اعتبارها امها، تبكى قهرا و كسره.

رفعت عينها لكوثر التى رأت بوضوح علامات اصابعها على وجنة جنه فابتسمت و لكن ابتسامتها اختفت عندما حاولت استيعاب نظره جنه و التى كانت للمره الاولى غير مفهمومه، بينما تركتها جنه و خرجت ركضا من القاعه...

كان الجميع يتابع ما يحدث منهم من اشاد بفعلتها و منهم من استنكرها و منهم من غضب و اهمهم فارس و الذى ازداد غضبه بشكل سئ لا يدري سببه و لكن لم يروقه ما فعلته كوثر ابدا، وماذا ان اخطأت عامله! كيف و من اعطاها الحق بمعاملتها هكذا؟ بالاضافه لعاصم الذى يتابع الموقف بهدوء غاضب و عيناه لا تحيد عن كوثر و بدت نظراته كمن يتوعدها.

ركضت جنه و هى بالكاد تلتقط انفاسها و اثناء خروجها من باب القاعه اصطدمت باكرم الدالف للقاعه فقالت بصوت متقطع: انا، انا اسفه.
نظر اليها اكرم ليُصدم بوجهها الغارق بدموعه و عيناها الشاحبه شعر بقلق غريب يغزو قلبه فسألها بحذر: انتِ كويسه!

شهقت جنه دون اراده منها و ازدادت دموعها انهمارا مع دوران الارض بها حتى فقدت قدرتها على التقاط انفاسها و ترنحت لتسقط فاقده لوعيها بين يديه بينما صرخ هو بموظفه الاستقبال ان تساعده ليجلسها..
ركض اكثر من شخص باتجاههم و اتى احدهم بزجاجه ماء و بدأت تلك الموظفه بافاقتها حتى استعادت جنه وعيها رويدا و فتحت عينها بضعف فتمتمت الموظفه بقلق: انتِ كويسه؟!

حاولت جنه الاعتدال و ساعدتها الموظفه و قبل ان تجيبها وصل لاذنها صوت اكرم يهمس باهتمام قلق: انتِ كويسه و لا تحبي تروحي مستشفي؟
امتلئت عينها بالدموع مجددا و هى تحاول النهوض حتى وقفت هامسه بصوت بالكاد سمعه: انا كويسه شكرا...

وسرعان ما تحركت من امامهم متجاهله محاولاتهم في اجلاسها لترتاح قليلا مما جعل اكرم في اشد حالات الاستغراب بينما هي خرجت تركض كطفل تائه و دموعها تسبقها بالركض على وجنتيها و عادت مسرعه للمنزل و بداخلها قرار لن تتنازل عنه هذه المره ابدا.
اما بداخل القاعه انتهي المؤتمر و بعد معرفه كوثر بوجود عاصم و فارس والذى لا درايه لها بعلاقتهم بزوجها الراحل...

اقتربت منهما بابتسامه عمليه مشرقه قائله بترفع: قراصنه السوق، مكنش ينفع ينتهى المؤتمر بدون ما اُبدى اعجابى الشديد بنشاطتكم في مجالنا.
انهت كلماتها و مدت يدها باتجاه فارس مصافحه فمد يده بغضب و ظهر ذلك جليا في سلامه و لكنها تجاهلت ذلك ثم مدت يدها لعاصم الذي نظر ليدها ثواني ثم وضع يديه بجيب بنطاله بهدوء فأحست كوثر باحراج شديد فسحبت يدها و تعمدت تجاهل الامر ايضا رغم انه حقا اغضبها.

اتسعت ابتسامتها المصطنعه و هي تحاول التحكم بأعصابها متمتمه بغرور لم تتخلى عنه بعد: اتشرفت بمعرفتكم اكيد، و دى اهم فؤايد المؤتمر بيربط جهات كتير ببعض.
اخرج عاصم كفه من جيب بنطاله ليداعب جانب فمه قليلا و لمن يعرف عاصم جيدا يعلم ان هذه الحركه يفعلها قبل ثلاث اشياء المشاغبه، الغضب، التفكير ، ثم تحدث بهدوء شديد اخبر فارس عن كم الغضب بداخله: و انا ماتشرفتش، اعذرينى مبعرفش اجامل.

احتدت عين كوثر و بدأ الغضب يحتل صوتها و هى تهتف بحده لم تستطع التحكم بها: انت عارف بتتكلم مع مين!
ثم رفعت ذقنها لاعلى دلاله على فخرها قائله بشموخ: انا كوثر الحديدي.
ليقتل عاصم هذا الشموخ بكلمه واحده قالها ببرود اكبر و هو ينظر اليها من اعلى لاسفل: و اذا!
كتم فارس ضحكه كادت تفلت منه بينما اشتعلت اوداج كوثر صارخه بغضب: انت...

ثم اخذت نفسا عميقا قاطعه صياحها فالكاميرات تتركز عليهم الان فابتسم عاصم مائلا عليها بجذعه هامسا بجوار اذنها باستحقار اصابها بالجنون: هو انتِ فاكره علشان كعب و شنطه و شعرتين طايرين بقيتِ مهمه! غلطانه، انتِ و لا حاجه.
ثم منحها مفاجأه اخرى شلت تفكيرها تماما: فاهمه يا مراه خالى و لو انى اشك انك تفهمى!

ثم اعتدل و نظر اليها من اعلي لاسفل باحتقار مجددا ثم تركها راحلا بخطواته الثاقبه و نظراته الحاده و ابتسامه شفت غضبه قليلا لما صار لتلك الفتاه بيننا تبعه فارس مندهشا مما قاله عاصم اخيرا، كيف تكون كوثر امرأه خاله!
بينما وقفت كوثر تحدق بهم بصدمه ماذا يعنى بقوله امرأه خالى ؟
طليقها لم يكن له اخوه.
وزوجها الراحل لم يكن له عائله.
فمن اين اصبحت زوجه خاله؟

و لم تنتظر دقيقه واحده بل اخرجت هاتفها متصله بأحدهم حتى وصلها صوته فقالت آمره: عاوزه كل المعلومات عن عاصم عز الحصرى فورا.
عاد اكرم للداخل بعدما رحلت جنه يبحث عن كوثر لم يجدها، سأل بعض الحضور فأجابه احدهم بأنها رحلت، زفر بقوه و لكن ها هو امسك بطرف الخيط و لن يتركه حتى يصل لمراده.

28-03-2022 08:24 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [3]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع

قد نسامحهم كثيرا و لكن سيأتى يوم لا نستطيع فيه حتى سماع أعذارهم. (وليم شكسبير).

عادت جنه للمنزل و دلفت لغرفتها، امسكت كل ما وقعت عينها عليه لتدفعه للحائط و تلقيه للارض بغضب و بكاء حاد وصل صوت صراخها و التهشم بغرفتها لفتيات بالاعلى فركضن اليها، اقتربت منها زهره و حاولت تهدئتها و لكن جنه كانت كمن فقد عقله.

وصلت كوثر للمنزل و عندما استمعت للصوت اقتربت من غرفه جنه لتجدها في حاله هياج تام، وعندما لمحتها زهره خشت على جنه كثيرا و حاولت تهدئتها مجددا او بمعني ادق ابلاغها بأن كوثر عادت، و لكن جنه لم تكن تسمع.
وقفت كوثر عاقده ذراعيها امام صدرها تراقب غضب جنه الذي يظهر للمره الاولي و حاولت ان تتماسك حتى لا تُفجر هي الاخري براكين الغضب التي اشعلها ابن الحصري داخلها.

توقفت جنه و مازالت لم تنتبه لكوثر، كانت تأخذ انفاسها بصعوبه عندما تحدثت كوثر ببرود اشعل غضب جنه مجددا: خلصتِ!

التفتت اليها جنه بحده عينها حمراء بشده، وجهها ملئ بالدموع، انفاسها مضطربه و صدرها يعلو و يهبط بعنف و اقتربت منها خطوه هاتفه بهجوم لم يعهده احد بجنه من قبل و لكنه لم يكن هجوم بقدر ما كان وجع شمل روحها و لم تعد تتحمله، صمت قتل خلياها وجعا و قررت الاصفاح عنه: عشر سنين، عشر سنين دايسه عليا و خانقاني و انا ساكته، عشر سنين ذل و مهانه و اقول معلش دي ست كبيره، دي زي امي، عشر سنين كسراني و حانيه ظهري، عشر سنين معيشاني كل يوم على عقاب شكل.

ضربت صدرها بعنف و تصرخ باندفاع شديد جعل زهره تنتفض خوفا و كوثر تشتعل غضبا: كل دا ليييييه! ها؟ ردي عليا، كل دا لييييييه؟!
انكمش وجهها باشمئزاز و اضافت بغضب و هى تبصق كلماتها بوجهه كوثر متجاوزه خوفها فوجعها هذا المره فاق كل احتمالها رغم ما قاسته من قبل: انتِ، انتِ مينفعش يتقال عليكِ ست علشان تبقي ام، انا غلطت في حق امي قوى لما تخيلت ان واحده زيك ممكن تكون مكانها، انتِ و لا حاجه و لا حاجه.

صرخت جنه بها لتنتفض كوثر متذكره همس عاصم لها بنفس الكلمه فازداد غضبها اضعاف مضاعفه و لكن قبل ان تنطق اردفت جنه باحتقار واضح و نبره ساخطه: انتِ شيطان متحرك، ميفرقش معاكِ غير نفسك و بس، بس لحد هنا و كفايه، سامعه يا كوثر هانم! لحد هنا و كفايه.
ثم رفعت يدها لتشير اليها من اعلى لاسفل لتسألها باستنكار متعجب اوضح مدى احتقارها لها: نفسى اعرف ازاى بابا وافق يتجوزك؟ و ليه!

ثم انهت كلماتها الغاضبه بنظره سخريه و نبره حانقه: بس عارفه اى كان السبب هو ارتكب اكبر غلط بحياته لانه اختار واحده مينفعش تبقي بني ادمه، علشان تبقي ست او ام.
كانت زهره تحدق بها بدهشه.
من هذه!
اين جنه الضعيفه الخائفه و المستسلمه دائما؟
من اين واتتها تلك القوه؟!
عندما انهت جنه كلامها اقتربت منها كوثر رافعه يديها بغضب لتسقط على وجنه جنه صارخه بجنون: اخرسي انتِ ازاي تتجرأ...

قطعت كلامها مع رفع جنه ليدها لتُمسك يد كوثر بقوه ضاغطه عليها فتألمت كوثر بينما اكملت جنه بقوه و ثقه رغم ينابيع الخوف التى تفجرت داخلها متوسله اياها للتراجع و لكن لم يعد هناك مجالا للتراجع: لا يا كوثر هانم، دا كان زمن و جبر، انسي انك تقدري تكسريني تاني، عارفه انتِ مظلمتنيش النهارده، بالعكس انتِ فوقتيني، انا كنت معميه او بعمل نفسي هبله و بسكت و اقول المهم انى عايشه و ليا بيت و عائله، دا انا من كتر اللي انتِ عملتيه مبقتش عارفه اتوجع من ايه و لا ايه؟ بس كفايه خلاص يا كوثر هانم و لا اقول يا مراه ابويا؟ انا هعمل بنصيحتك و هخرج، هخرج ادور على شغل و بيت و عائله تانيه، هخرج لكلاب الشوارع بس عارفه ان ربنا هيحمينى، هخرج بس عمرى ما هبقى زيك، عمرى ما هبقى زيك ابدا.

سحبت كوثر يدها بصدمه فمن تكون هذه!
حقا لم تعد تعرفها.
أ كل هذا بسبب تلك الصفعه؟
و ها هى كوثر تتراجع بل وتندم لتقول بداخلها ليتنى لم اصفعها.
و لم تكن بمفردها المندهشه فسؤال واحد يتردد لدي جميعهم الان: من انتِ؟

هدأت جنه او ربما خارت قواها لتنهى هذا الجدال الذى تحدثت هى فيه للمره الاولى و هتفت بصوت بدا ضعيفا رغم قوه كلماتها: انا اتنازلت عن حقى، بس هطالبك بيه، ميراثى من بابا هيرجع، اه مش عارفه ازاى؟ بس هيرجع صدقينى و عاوزاكِ تفتكرى حاجتين كويس قوى، الاولى ان اللى بيجى على حق اليتيم ربنا بيتقم منه اشد انتقام و التانيه ان دعوه المظلوم ليس بينها و بين الله حجاب.

ثم اشارت للباب و هى تشعر بنفسها تكاد تسقط من فرط اعيائها: كله يخرج برا.
و قبل اى يصدر اى رد فعل من احد اقتربت زهره من الباب لتقف بجواره فاندفعت كوثر للخارج بعدما نظرت لجنه بتوعد و لكن للمره الاولي لا ترى نظرات الخوف بعين جنه بل تبدلت الاحوال لترى جنه لمحه من الخوف بعين كوثر.

اغلقت زهره الباب خلفهم و اقتربت من جنه التي سقطت على الارض لتدخل في نوبه بكاء حاد فاحتضنتها زهره قائله بحنان و هى تمسد ظهرها: انتِ صح يا بنتي، سكوتك لها قواها عليكِ، خدي حقك اللي بقالك سنين ساكته عنه، عيشي سنك و حياتك اللي اهلك اتمنوها ليكِ، اوعي تضعفي تاني و انا واثقه ان ربنا هيبقى معاكِ في كل خطوه، امشى في طريقك ومتخافيش.

لم تجب جنه بل ظلت تُخرج ضعفها بالبكاء و رغم كل هذه القوه هى خائفه بل تكاد تموت رعبا و لا تدرى كيف ستسير امور حياتها الان و لكنها حتما لن تستطيع التراجع، ظلت زهره بجوارها لتطمئن عليها حتى غرقت جنه في نوم عميق.

تسير بفستان ابيض كالثلج بجماله و تصميمه الرقيق، حجابها الابيض الذي اضفي على وجهها جمالا رائعا، حذائها اللامع و خطواتها الواثقه، تهبط درجات الدرج ببطء و هدوء و على وجهها ابتسامه اظهرت غمازتها بوضوح، ينتظرها اسفل الدرج شاب ملامحه غير واضحه و حوله العديد من الاشخاص لا تظهر ملامحهم ايضا، كل شئ حولها مُبهم ما عدا شيئا واحد فقط، كتاب اثري مميز للغايه و كبير الحجم.

اقترب منها الشاب بعدما استند على هذا الكتاب متجاوزا اياه، مد يده اليها فوضعت يدها بيده لينظر لعينها بابتسامه بادلته اياها بأخرى واسعه فأنخفض مرددا بهدوء بجوار اذنها: سندريلا!
شهقت جنه مستيقظه، لتنظر لساعتها بجوارها فاذا بها الرابعه فجرا، جلست على فراشها، تفكر في حلمها هذا!
الحلم الذي يغزو نومها يوميا في نفس الوقت،
كل يوم نفس الحلم، نفس التفاصيل و نفس الصوت.

ماذا من الممكن ان يكون تفسير حلمها المجهول هذا؟
حلم يشبه كثيرا حلم سندريلا و التى اتجمعت بأميرها في النهايه.
ابتسمت جنه و هى تتذكر ذاك الفيلم الكرتونى الذى تعشقه ربما لانه يصف حياتها.
هى حقا تخشي معناه و بنفس الوقت تتفائل به،
تشعر ان هناك حياه اخرى تنتظرها، تشعر ان هناك سعاده خفيه ستعيشها، لكن متي او كيف لا تدري!
ما علاقه هذا الكتاب بحياتها ايضا لا تدري!
و ربما بيوم ما تدرى!

في اللحظه الفاصله - بين ما كنت عليه في السابق و ما ستكون عليه في المستقبل - ستتدخل قوانين الحياه..
باربرا دى انجليس
يقولون من اعتاد على الجموح يكُن الروتين بالنسبه اليه مللا ،
فما الحال لمن اعتاد الروتين و يُجبر فجأه على الجموح، الاندفاع و الطيران فوق افاق اعلى ما تخيله حتى!
ما الحال لمن اعتاد السكينه، الهدوء و الخنوع و يدفعه الحاضر للتمرد، الاعتراض بل و قد يتحول الامر لحرب نفسيه مرهقه!

ما الحال لمن اعتاد الدفء حتى و ان كان باهظاا و يُضطر للركض في اقسى الطُرق بردا و ربما يكون الامر اكثر تكلفه!
كيف ستكون الضعيفه قويه؟!
و كيف ستكون الخاضعه آبيه؟!
ستخرج من المنزل لا عوده في ذلك و لكن ماذا تفعل! و كيف ستعيش! واين تذهب!
خيوط الماضى ملتفه حولها لن تستطيع التخلص منها.
و لكن عنكبوتيه الحاضر اكثر التفافا.
و شبكه المستقبل الاسوء تعقيدا.
كيف تتخلى عن شعور الخوف؟

في الحقيقه هى ندمت، ليتها لم تصرخ، ليتها لم تندفع، ليتها صمتت
ولكن الان لا داعى للندم فلا طائل منه.
استعدت للرحيل و لملمت كل اغراضها، متأهبه للخروج من هذا البيت للابد، توقفت في منتصف الغرفه تتطلع اليها و عينها تنبض بالخوف، قضت هنا عشر سنوات من عمرها ولكنها ابدا لم تشعر به بيتها، لا طريق امامها الان سوى العوده، العوده لمنزل ابيها، ستلجأ لصديقه ربما يساعدها، بالتأكيد سيساعدها.

تحركت للخارج متعجبه غياب زهره و التى لم تحضر لايقاظها كالعاده، قلق انتابها بخصوص تلك السيده الطيبه، فوضعت حقيبتها جانبا و تحركت تبحث عنها دلفت لغرفتها وجدتها تصلى وصوت بكائها يعلو تدريجيا استندت على الباب تستمع لها حتى تبينت ما تدعو به زهره، فابتسمت بحزن و هى تسمعها تدعو لها...
زهره كانت و مازالت عائله جنه الوحيده.
هى لا تعرف عائلتها الحقيقيه و حقيقه لا تود ان تعرفها.

والدها كان يكره تلك العائله و هى مثله.
ف اكتفت بزهره عائله لها، هى و كفى.
انتهت زهره جالسه على سجاده الصلاه اقتربت جنه منها لتجلس امامها ثم القت برأسها على صدر زهره لتضمها بقوه متمتمه بوجل: ادعى ليا يا داده، ادعى ليا اقدر اقف على رجلى و اكمل، دائما ادعى ليا.

ضمتها زهره بقوه فالحياه لم تمنحها اغلى من جنه، هى تعتبرها ابنتها الحقيقيه حتى وان لم تكن كذلك، مسدت ظهرها بحنان و قالت بنبره ام قلقه: ربنا يحميكِ و يبعد عنك ولاد الحرام قادر يا كريم و يسعدك و يفرح قلبك و يرزقك من وسع يا جنه يا بنت ماجد.
ابتسمت جنه مبتعده عن حضنها لتزيل تلك الدمعه التى علقت بجفونها و اقتربت مقبله وجنتها هاتفه بود: ربنا ما يحرمنى منك ابدا يا داده.

تنهدت زهره مبتسمه لتمسك بيدها الاثنتين تسألها بقلق: ناويه على ايه؟ طمنينى!
زفرت جنه و هى تنظر اليها بشرود مضطرب و خرجت نبرتها معبره عن قمه خوفها: لسه مش عارفه و الله يا داده، انا هروح اسلم على طنط هاله و عمو اسامه، و بعدين هرجع بيتنا القديم تانى و بعدها مش عارفه، بجد مش عارفه هعمل ايه!
ضغطت زهره يدها تؤازرها متمتمه باستعداد تام: قولى ليا يا بنتى اقدر اساعدك بإيه؟

قبلت جنه يدها بحب لتضغط يدها هى الاخرى تطمئنها و هى في امس الحاجه لمن يطمئنها: ادعى ليا انتِ بس و متقلقيش انا متأكده ان ربنا هيبقى جنبى و معايا دائما.

صمتت زهره بقله حيله فهي تعلم ان جنه لن تقبل المساعده و لكنها ستحاول بكل ما تملك، فاستندت عليها ناهضه لتتجه لخزانتها الصغيره لتفتح احدى ادراجها لتعبث بالاغراض قليلا ثم تُخرج ظرفا ابيض، مدت يدها به لجنه قائله بلهفه: خدى الفلوس دى، هما مش كتير بس ممكن يساعدوكِ مؤقتا.
دفعت جنه يدها بخفه رافضه اخذ ما تمنحها زهره اياه هامسه بشبح ابتسامه: انا شايلاكِ لوقت شِده، انا لسه في اول طريقى.

حاولت زهره الاعتراض و لكن جنه لم تمنحها فرصه هذه المره و هتفت مسرعه و هى تتحرك للخارج: خدى بالك من نفسك، كان نفسى تيجى معايا بس انا عارفه انك مش عاوزه تسيبى القاهره، هبقى اطمن عليكِ دائما.
تحركت زهره خلفها و هى تدرك ان جنه لن تقبل مساعده احد او شفقه احد الان فهى على بعد خطوه او اقل من الانهيار خوفا و بكاءا...

خرجت من المنزل دون ان تفكر مرتين فإن منحها احد حق التفكير و الاختيار مجددا بالتأكيد ستتراجع.
كانت كوثر تتابعها من نافذه غرفتها بالاعلى بغضب، فها هى الضعيفه، تمردت.
تشعر ان ما سعت لحدوثه طوال العشر سنوات الاخيره سينهار بمجرد خروج تلك الفتاه.
جلست طوال الليل تفكر كيف تمنعها؟ كيف تضمن بقائها بجوارها طوال عمرها؟
هل تتنازل و تعتذر!
اذا هل تمنحها حقها و ورثها و تطالبها بالسماح!

و لكنها ابدا لن تعتذر، ابدا لن تتنازل عن الاموال.
هى تخلت عن اسم ماجد الالفى و اسست نفسها بنفسها.
الشركه، رصيد البنوك و كل ما تملك من اموال من حقها هى و لن تمنحه لاحد.
تسب نفسها لانها تطاولت لهذا الحد امام الجميع بالامس، فلحظه تهور منها قد كانت السبب بتدمير كل شئ امام عينها.

ماذا ان عادت للبيت القديم؟ ماذا ان قابلت محامى والدها ان كان مازال على قيد الحياه؟ ماذا ان اخبرته بما حدث و طالبت بحقها و ورثها مجددا؟ ماذا ان استطاعت الوصول لاخيها ان كان قد عاد؟ ماذا ان اكتُشف انها تزوجت مره اخرى بعد طلاقها؟!
ألف سؤال و سؤال يؤرق ليلها و نهارها.
ماذا سيحدث بعد الان؟ و الاجابه واحده، لا تدرى!

كان عاصم بالمكتب يقوم ببعض الاعمال فهو سيسافر في اليوم التالى فلابد من انهاء اعماله العالقه...
طُرق الباب و دلف احد العمال و بيده كوب من القهوه وضعه على الطاوله، فشكره عاصم و بعدما خرج الرجل مط عاصم ذراعيه بارهاق قليلا تاركا ما بيده، و نهض واقفا امام النافذه العريضه خلفه و التى تطل على الشارع الخلفى للشركه و بيده كوب قهوته يتابع السيارات و الماره بعين شارده..

تلك الفتاه التي رآها بالامس اصابته بالارق ليلا بل و تجاوزت ذلك محتله احلامه ايضا، رآها تنظر له بحزن، بألم، بخزى وكأنه اذنب بحقها في شئ ما..
رآها بنفس طلتها بالامس، فتاه في ريعان شبابها و لكن يبدو وجهها كأنها تجاوزت الخمسين عاما، بنفس نظرات الانكسار، الضعف، الحزن و القلق التي سيطرت على عينها و ملامحها بأكملها، بنفس صدمتها عندما صفعتها تلك السيده الحمقاء، و ايضا دموعها التى ذُرفت حزنا و قهرا.

عاود مظهرها بالامس يحتل تفكيره، متذكرا نفسه و هو يشتغل غضبا لمجرد رؤيته لما صار، و رغم انه كان ينوي التعرف على تلك السيده فهى ليست بقليله في مجال الاستيراد و التصدير لكنه وجد نفسه يهينها و يقلل من شأنها..
شعر انه بحاجه ليفرغ غضبه بها و لو كان بيده ان يفعل اكثر من ذلك لفعل، و لكن ما شعر به من غضب لاجل الفتاه تحول لغضب من نفسه، لمَ يفكر بها؟
لمَ حاول الحصول على حقها؟

لمَ اراد ان ينهض خلفها ليقول لها لا تهربي واجهي!
اراد ان يصرخ بها ان كما تعاملكِ عامليها.
غضب من نفسه ربما لانه يفكر بمجرد عامله بالفندق يجب ان يشفق عليها فقط.
قطع تفكيره رنين هاتفه فوجده رقم غريب فتنهد بضيق و هو ينظر لكوب القهوه الذى ثلج بيده، فدفع بالكوب جانبا ملتقطا هاتفه مجيبا بلامبالاه فوصله الطرف الاخر معرفا عنه نفسه: انا اكرم.

عقد عاصم حاجبيه قليلا فهو ليس بمزاج لحوار عائلى ممل الان و لكن اولا و اخيرا هذا ابن خاله فرحب به قائلا بنبره رغما عنه خرجت ضجره: اهلا وسهلا، خير!
و يبدو ان القلوب عند بعضها كما يُقال فأكرم ايضا لم يكن براغب ابدا بهذا الحديث و لكن اسفا هو مضطر لهذا رغم كرهه لعائله ابيه و امه و التى كانت السبب في نفيهم بعيدا، فكز اسنانه بضيق متمتما: محتاجين نتكلم و ياريت في اقرب وقت ممكن.

صمت عاصم قليلا و لم تخطئ اذنه بنبره اكرم الضائقه و لذا واجهها بغرور متناهى و نبره حاول جعلها ثلجيه رغم ما يموج بصدره من ضيق: حقيقه مش فاضى، مسافر بكره و الشغل كتير.

بذل اكرم اقصى جهده ليتمالك نفسه و ذكريات حكايات والدته عن العائله تمنحه سببا كافيا ليثور في ذلك المتفاخر امامه و لكن مهلا لا وجود لتهور الان فقط بحاجه لتعقله المعتاد ليأخذ ما يريد فتمتم بخفوت: معلش يا سياده النقيب محتاج من وقتك نص ساعه بس.
و يبدو ان نبره اكرم الهادئه الان اعادت لعاصم بعضا من هدوءه ففكر قليلا ثم أجابه بموافقه سريعه: تمام، انا في مكتبى، هستناك.

زفر اكرم بارتياح هاتفا برد سريع هو الاخر: يبقى تمام، مسافه السكه.
و بذوق شديد اضاف محاولا كسب هدوء مؤقت حتى يعرف ان كان باستطاعه عاصم بنفوذه الطائله كما عرف عنه ان يساعده في البحث عن شقيقته: شكرا مقدما على وقتك.
وامام هذا الهدوء لم يستطع عاصم سوى الرد بنبره ساكنه هو الاخر: تشرف.

و انتهى الاتصال و امسك اكرم بطرف اخر في خيط الماضى الطويل و تحرك استعدادا للذهاب لعاصم ثم من بعده التوجه لتلك المصيبه كوثر و لن يتركها حتى يعرف مكان شقيقته.

دلفت جنه للمكتبه و خلفها حقيبتها الكبيره، فعقدت هاله حاجبيها و هى تتبين ملامحها الشاحبه و عينها التائهه قليلا و جفنيها المتورمان كأنها قضت ليلتها تبكى.
انتفضت هاله واقفه لتقترب منها هاتفه بقلق بدا بوضوح على ملامحها: جنه، مالك؟ وشك عامل ليه كده!

حاولت جنه الابتسام و لكنها بدت غير قادره على منح احد الطمأنينه بعد فإمتلئت عينها بالدموع هامسه بتشتت: انا خرجت من البيت، ثورت و زعقت، وقفت في وشها و خرجت.
ثم انهمرت دموعها رغما عنها فوضعت هاله يدها على كتفيها تحاوطها و تحركت بها لتجلسها و امسكت بكوب ماء لتمنحها اياه هاتفه بوجل: اهدى يا حبيبتى اهدى...

ارتشف جنه القليل من الماء ثم وضعت الكوب جانبا و اخذت نفسا عميقا محاوله التماسك فليس الان وقت الضعف، ليس الان و تحدثت بخفوت: انا جايه اسلم عليكِ، علشان هرجع لبيتنا القديم، مش عارفه هعرف اشوفك تانى و لا لأ، بس اكيد عمرى ما هنسى اللى عملتيه علشانى.
شهقت هاله بخضه و هى تُمسك بيدها مجيبه اياها بسرعه: ايه الكلام اللى بتقوليه ده؟ الكلام ده مش هيحصل، انا لا يمكن اسيبك تبقى لوحدك ابدا.

ثم جالت برأسها فكره فنهضت و تمسكت بحقيبه جنه واضعه اياها بجوار المكتب وامسكت بحقيبتها متمتمه بسرعه: اسمعى انا عندى ميعاد مهم جدا، لازم امشى دلوقتى، بس اوعى تتحركِ من هنا، استنينى و اوعى تمشى..
امسكت جنه يدها توقفها و هتفت برجاء: طنط هاله علشان خاطرى انا كده هتأخر و انا مينفعش افضل هنا لازم امشى، انا لسه قدامى طريق سفر.

ربتت هاله على وجنتها بدفء و نظرت اليها بحنان قائله باصرار: ارجوكِ، استنينى انا متأكده ان اللى هقوله ليكِ لما ارجع هيساعدك، ساعه بالظبط، علشان خاطرى يا جنه.
نظرت اليها جنه بقله حيله فاردفت هاله بلهفه: اقرأى، علشان حتى لو هتسافرى زى ما بتقولى تبقى قرأتِ اى حاجه النهارده و صدقينى مش هتأخر عليكِ، اتفقنا!

رمقتها هاله بنظره امل و انتظار لموافقتها فأومأت جنه بابتسامه فاتسعت ابتسامه هاله وتركتها راحله، قابلت اسامه في طريقها للخروج فأخبرته باختصار عما تنوى فعله فوافقها مجبرا و وعدها انه لن يترك جنه تغادر قبل عودتها..
وبعد قليل كانت هاله تجلس مع ليلى و نهال بأحد المطاعم يتبادلون اطراف الحديث و هذه مره من المرات القليله التى يجتمع فيها هؤلاء سويا.

ابتسمت نهال متذكره ايام الجامعه و كيف كانوا الاقرب لبعض دائما وتمتمت بفرحه: ياااه لو نرجع لايام زمان تانى، لما كنا دائما سوا.
ثم اضافت بحزن و هى تعود لواقعهم الان، كيف يتقابلون كل عام مره ان تقابلوا: بدون قلق او تفكير.

تنهدت هاله بعمق بينما ابتسمت ليلى باشتياق حتى قطعت هاله سيل افكارهم فما تنويه سيفتح ابواب الماضى على مصرعيها فاستندت على الطاوله بمرفقيها قائله باهتمام: اسمعوا بقى، في موضوع مهم جدا لازم اكلمكم فيه.
انتبهت كلا من نهال و ليلى لها فأخذت نفسا عميقا و نظرت لكلتاهما ثم تحدثت ببطء و هى متوقعه ثورتهم: الموضوع يخص امل و ماجد.
حملقت كلتاهما بها فاندفعت نهال تقول بلهفه: عرفتِ هما فين!

نظرت اليها هاله و ظهر الاستياء على وجهها فتطلعت اليها كل من ليلى ونهال بترقب فهمست هاله بحزن: اه عرفت.
اندفعت ليلى هذه المره لتقول مسرعه منتظره بشوق الاجابه: فين يا هاله!
طأطأت هاله رأسها للحظات عاجزه عن دفع تلك الفجيعه اليهم ولكنها لابد ان تفعل تماسكت محاوله الهدوء حاولت التحدث و لكن خانها صوتها فخرج مهزوزا متردداا: انا اسفه، بس، بس، هما، ماتوا.

شهقت نهال بصدمه بينما اتسعت عين ليلى بعدم تصديق لتهتف بحده: انتِ بتهزرى يا هاله؟ ايه اللى بتقوليه ده!
رفعت هاله عينها اليها بحزن و هى تهمس معتذره: انا اسفه بس انتِ عارفه انى اكيد مش ههزر في موضوع زى ده.

ارتجفت عين نهال و هى تتذكر ايام طفولتها و مراهقتها مع اختها الصغيره - امل -، تتذكر مشاغبتها و ضحكتها، تتذكر كم كانت تغضب منها فور ان تعبث بأشيائها، كم كانت تفرح عندما تضحك لها، لم تكن اختها فقط بل كانت ابنتها.
تساقطت دموعها قهرا و همست بثبات و لكن نبرتها عاكست ذلك لتفصح بوضوح عن ألم قلبها: عرفتِ منين؟

انتقل بصر هاله اليها و كم شعرت بالحزن لحالها و لكنها تعرف ان نهال قويه، تتماسك دائما و كثيرا ما تخفى ألمها ولكنها تعلم ايضا انها اكثر من قاست بغياب امل، فقررت اخبارها بما يعد سلوى لقلبها: بنتهم.
وكأن ليلى لم تصدق الخير الاول بل ابتسمت بسخريه لعدم تصديقها الاخر ايضا و هتفت باستنكار: هما عندهم اولاد غير اكرم؟
اومأت هاله برأسها موافقه فحركت ليلى رأسها يمينا و يسارا برفض تام لتصديق ما تقوله هاله..

كيف تصدق ان اخيها رحل!، كيف تصدق انه ابتعد للابد دون ان تراه!، كيف تصدق انها لن تحتضنه مره اخرى!، كيف تصدق انها لن تستطيع ان تطلب منه مسامحتها على عدم سؤالها عنه كل هذه السنين!
ماااااات!
ما هذا الهراء!
ماذا يحدث!

هى تتذكر يوم رحيله من المنزل منذ اكثر من خمس و عشرين عاما كأنه الغد، تتذكر حزنه لبعده عنهم، تتذكر كيف ودعها و كيف طمأنها انه سيكون بخير، تتذكر انه رفض ان يكون على اتصال بهم ليس كرها بل لانه لن يستطيع تجاوز ما فعله ابيه بزوجته.
رحل و لم يستطيعا الوصول اليه مجددا برغبه منه.
و الان ببساطه تخبرها هاله انه لم يعد موجودا!

وضعت هاله يدها على يد ليلى لتنظر اليها ليلي بذهول فتمتمت هاله بنبره أسى: ممكن تهدوا علشان اعرف اقول لكم كل اللى اعرفه.
تمالكت نهال اعصابها مزيله دموعها بظهر يدها ناظره اليه باهتمام وان كست عينها كسره ربما لن تلتئم ابدا بينما حدقت بها ليلى ومازالت لا تستوعب ما سمعته.
تنهدت هاله وبدأت بسرد ما صار باختصار منذ مقابلتها لجنه حتى معرفتها لحقيقه علاقتها بهم.

لحظات صمت مرت عليهم لا يُسمع سوي صوت انفاسهم فقط.
عقولهم تدور في مطحنه.
تفكيرهم مشتت لا يستوعب ما قيل.
كيف انحدرت الامور لهذا الاتجاه؟
ابتلعت نهال ريقها بتفكير و هى تضرب بأصبعها على الطاوله مع كل كلمه تقولها: ازاى ماجد اتجوز واحده تانيه و ليه؟!
وافقتها ليلي بشرود هى الاخرى و عقلها يعجز عن ايجاد سبب لفعل كهذا: ايوه ازاى ماجد بعد كل اللى عمله علشان امل و بعد كل الحب اللى بينهم يتجوز واحده تانيه؟

ثم هتفت بحنق دون ان تنتبه انها بمكان عام: انا مش فاهمه حاااجه!
انتبه اليها بعض من حولهم فنظرت اليها هاله محاوله تهدأتها قائله بصوت خافت: اهدى يا ليلى الناس حوالينا.

ثم اضافت بشتات هى الاخرى و هى تندم انها لم تفعل: انا معرفش اى حاجه عن جنه اكتر من اللى قولته، البنت صدمتنى بأنها يتيمه و كمان مرأه باباها حرمتها من التعليم، بقيت حاسه انى خايفه أسالها عن اى تفاصيل تانيه، عاملتها كواحده محتاجه مساعده و بس و متدخلتش في حياتها.

وضعت ليلى يدها على رأسها تحاول استيعاب كم المفاجأت اليوم حتى طرقت هاله على الطاوله بخفه لينتبهوا هاتفه بلهفه متذكره انتظار جنه لها في المكتبه: المهم، جنه سابت البيت قالت ليا انها اتخنقت تقريبا مع الست دى و خرجت من البيت و هى حاليا ناويه ترجع بيتهم القديم و تمشى من القاهره.
ثم صمتت ثوانى ناظره لكلتاهما هامسه بقلق من رد فعلهم: انا مش عاوزه جنه تمشى، انا عاوزاها تدخل العيله.

اتسعت عين نهال و ليلى فما تقوله هاله يعنى دعوه صريحه لتيارات الماضى بجرفهم في الطريق...
و لكن لاحظت ليلى حوارهم ينقصه شخصا هاما فتسائلت: ثانيه واحده و فين اكرم من كل ده؟!
حركت هاله رأسها بتذكر حوارها مع جنه عن اخيها فأجابتها: هى قالت ليا انه سافر يكمل دراسته و من يوم ما جت القاهره اتقطعت اخباره عنهم و متعرفش عنه حاجه لحد النهاره.

لحظات صمت اخرى مرت عليهم حتى تنهدت نهال متجاوزه القلق مما قد يحدث و تمتمت بثقه: معاكِ حق، بالحال ده جنه مينفعش تمشى.
رفعت ليلى رأسها بتردد هاتفه بتفكير حانق: انتوا الاتنين معاكوا حق، و انا موافقه، بس لازم نفكر كويس لان لو كبار العيله عرفوا ان جنه بنت ماجد و امل مش بعيد يقتلوها.

وافقتها هاله تفكر هى الاخرى و بدأ القلق يتسرب اليها اكثر تحدثت و بدا كأنها تفكر بصوت عالى: كبار العيله لو عرفوا في رقاب هتطير، و أولهم جنه، ودى بنت و سهل اوعى يدوسوا عليها.
و اكملت نهال التفكير و ايضا بصوت عالى متمتمه: احنا بنفتح باب اتقفل من خمسه و عشرين سنه، بس لازم نفتحه، انا مش هسكت زى ما سكت قبل كده و متأكده ان محمد هيوافقنى.

ثم تنهدت متحدثه بصرامه متخذه قرارها: انا هاخد جنه عندى و اللى يحصل يحصل.
قاطعت هاله حماسها موضحه بصوره صريحه: جنه متعرفش عننا حاجه اللى فهمته من كلامها لما كنت احاول ألمح عن اهلها انا بتكرههم، يعنى جنه ببساطه لو عرفت اننا اهلها مش هتوافق تعيش مع حد فينا.
حدقت بها نهال قليلا ثم قالت بمحاوله منها لفهم ما ترمى اليه هاله: قصدك انها هتعيش معانا بس من غير ما تعرف اننا عائلتها؟

اومأت هاله موافقه فصمت ثلاثتهم مجددا للتفكير في حل حتى هتفت ليلى بحماس: انا عندى فكره.

نظرت اليها هاله و نهال بتركيز فأردفت ليلى بتوضيح لفكرتها: اللى فهمته من كلامك يا هاله اولا ان جنه مش هتقبل مساعده من حد زى ما رفضت مساعداتك قبل كده، ثانيا انها هترجع بيتها القديم بس هتضطر تشتغل علشان تصرف على نفسها، ثالثا انها لازم تبقى وسطنا بس من غير ما تعرف اننا اهلها و لا ولادنا يعرفوا لحد ما تتعود عليهم على الاقل، مظبوط كده!

اومأت هاله موافقه و كذلك نهال و هى تتابعها بعينها فأكملت ليلى بشرح من تنوى فعله: حلو قوى، انا حاليا بدور على مربيه لشذى بنتى، تاخد بالها منها، فلو جنه وافقت هبقى ضربت عصفورين بحجر واحد زى ما بيقولوا، اولا هتبقى وسطنا من غير من حد يعرف حاجه، ثانيا هتقعد معانا في البيت بحكم شغلها، ثالثا هدفع لها مرتب و هى هتقبله لانه في الظاهر دا حق تعبها و شغلها.

لحظات تفكير اخرى حتى قالت نهال وقد اعجبتها الفكره: فكره مش بطاله و بما اننا جيران يا ليلى هيبقى من السهل اطمن على جنه و كده محدش هيشك و لا حتى كبار العيله.
وافقتهم هاله بعد صمت لحظات و قد راقتها الفكره كثيرا: يبقى كده فاضل انى اقنعها و دا مش سهل، بس انا هحاول معاها بكل الطرق و ربنا يهديها و تقتنع.
فنظرت نهال لليلى بعدها مبتسمه هامسه بمزاح: بس يا ليلى واضح ان جنه مش قد ولادك فخليهم يخفوا عليها شويه.

ابتسمت ليلى هى الاخرى فأولادها الاربعه عنوان المشاغبه في الحياه، من كبيرهم عاصم لصغيرهم شذى فهمست: جنه هتتأقلم مع البنات بسرعه، اما عاصم..
ثم زفرت بقوه فضحكت هاله و نهال بينما اردفت ليلى بابتسامه و هى تتحدث عن ابنها البكرى: و المشكله انه نسخه طبق الاصل من ماجد غروره، ثقته اللي ملهاش حد، طموحه، عزه نفسه، اصراره، عناده حتى استقلاله بنفسه جوه البيت، كله ماجد.

لحظات صمت اخرى حتى قطعت هاله شجنهم هذا ونهضت قائله بسرعه: كنت هنسى، جنه مستنيه في المكتبه لازم الحقها قبل ما تمشى.
نهضت ليلى هى الاخرى لتجيبها بنفس اللهفه و ربما اكبر فهى سترى قطعه من ماجد امامها: طيب يلا هاجى معاكِ و تقولى لها و اخدها معايا عالطول.
رمقتها هاله لتتأكد من صحه كلامها ثم تسائلت: مش هتستنى تقولى لاستاذ عز الاول!

نفت ليلى برأسها متمتمه بثقه: انا متأكده ان عز مش هيعترض هبقى افهمه كل حاجه بس مش هينفع اصبر اكتر من كده، مش هقدر.
اومأت هاله وتحركت ثلاثتهم للخارج في طريقهم للمكتبه بعدما اخبرتهم نهال عن رغبتها بالذهاب معهم ليكن هذا اول لقاء لهم مع جنه...



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 7293 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 4309 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 3348 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 3221 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 3767 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، السندريلا ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 05:22 مساء