لعلي في لحظة أظن أني امتلكت كل شئ... وفي التالية أجدني لكل شيء فاقداً
ولعلي في لحظة ـظن أني فقدت كل شئ... وفي التالية أجدني لكل شيء مالكاً
فهذه هي الحياة.
عليا حمدي صاحبة
رواية أحببتها في انتقامي الرواية التي احتلت المرتبة الثالثة على موقعنا منذ نشرها إلى الآن، برزت روايات ورحلت أخريات، لكن
رواية احببتها في انتقامي استمرت معنا. ترى عندما تكتب عليا حمدي
رواية جديدة - بعنوان "حلم السندريلا" - كيف ستكون؟
رواية طويلة فصولها غنية أرجوا أن تنال إعجابكم. أترككم مع هذا الاقتباس والفصل الأول.
اقتباس من الرواية
مرت الايام دون جديد ... فقط ضعف بنيانها يزداد، حركتها اصبحت قليله ان لم تكن معدومه، انفاسها عاده ما تهرب منها لتصيبه هو بذعر يتملكه كلما اقترب موعد ولادتها .
جلس في مساء هذا اليوم امام المنزل ينظر للسماء بشرود بعد مشادة معها على الامر نفسه توسلها و رفضه، تكرارها للطلب و اصراره بالرفض .
أهو اختبار ؟
و ما اقساه من اختبار !
اختبار يجعله يختار بين الحياة " التى لن تكون سوى معها " و الموت " ببعدها عنه ".
لا خيارات اخرى .
يعيش كل دقيقه بل كل ثانيه يدعو الله لها و لكن بداخله يخشى انها حقا النهايه .
واثق بالله تمام الثقه و لكن لا يثق بقلبها، قلبها الذي اختاره دوما و ابدا و لكنه الان يتخلى عنه...
قلبها الذي منحه كل السعاده و يسلبه الان كل الحياه..
فصول
رواية حلم السندريلا
رواية حلم
السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الأول
هكذا هى الحياه، لا البدايات التى نتوقعها و لا النهايات التى نريدها.
في احدى القرى الهادئه، وسط المساحات الخضراء الواسعه، منزل صغير تحيط به الازهار مختلفه الالوان و شجيرات صغيره تمنحه مظهرا مريحا للانفس، يخرج منه رجلا في منتصف الثلاثينات من عمره يُمسك بيد زوجته الحامل يساعدها، يلتفت لابنه الصغير ذو العشر سنوات قائلا بنبره آمره و لكنها حانيه و هو يعبث بخصلاته بعشوائيه: اكرم خليك في البيت متخرجش و اكتب واجباتك على ما نروح انا و ماما للدكتور.
أومأ الصغير برأسه موافقا و دلف مغلقا الباب فابتسم الرجل و عاد يُسند زوجته متجها لمحطه الاتوبيسات ليستقل احدها، أجلسها على رصيف الانتظار بينما وقف هو بانتظار قدوم الاتوبيس و الذي يعد الصعود اليه احدي حروب العالم الصغري، و اثناء وقوفه اخذ يتأمل المنظر من حوله و الذى يراه يوميا.
السيارات تتصارع فيما بينها لتعبر كأن من يعبر اولا يحصل على مكافأه، صوت الابواق العاليه التي تسبب انهيار للاعصاب بما اقرب للتلوث السمعي، اشتباك احد الماره مع صاحب سياره كاد يدعسه و كلا منهما يسب الاخر كأنه بذلك يأخذ حقه و كلاهما لا يعترف بخطئه رغم ان كلاهما في الواقع مخطئ، على مرمى البصر مجموعه شباب في مقتبل العمر يضحكون و يمزحون سويا بل و يتعمدون القاء كلمات غزل اقرب للوقاحه على مسامع كل فتاه تمر..
و على الجانب الاخر يجلس البائعين الذين استولوا على نصف الطريق من اجل عرض بضائعهم و ارتفع صوتهم بالهتاف بما لذ و طاب من الكلمات ليجذبوا المارين الذين لا يعرفون حتى ماذا يشترون او ما جودته، فتيات ملتزمات تحتضن كلا منهما ما تحمله من كتب في انتظار الاتوبيس الذى يقلهم للجامعه ثم يلفت بصره ام تجذب طفلها بقسوه ليسير معها استخدمت العنف رغم انه سيستجيب لها بقطعه حلوي صغيره لا تُنقص من مالها شيئا..
افاق الرجل من متابعته لما يراه يوميا على صوت بوق الاتوبيس الذي ينتظره فأشار لزوجته لتظل مكانها بينما تزاحم هو معهم ليصعد و يحجز لها مكانا و بعد ان اكتمل العدد و اوشك الاتوبيس على الرحيل اوقفه الرجل ليقوم باحضار زوجته و يجلسها بالمكان الذي حجزه و يقف هو بجوارها.
شردت هى في الطريق بينما شرد هو بها، جميلته التى مهما مر من العمر عليهم لا يضئل حبه لها مقدار ذره، زوجته و شريكه حياته و ام طفله و كل ما يملك في هذه الدنيا، لم تكن فاتنه الملامح و لم تكن طاغيه الانوثه و لكنها كانت عنوان الحنان و الاسم الاخر للحب، لم تكن سوى امرأه عاديه و لكن بالنسبه اليه كانت كل الحياه.
ابتسمت هى و رغم شرودها بالطريق كانت متيقنه من متابعته لها فهذه عادته كلما خرجا معا يتأملها كأنما اول مره يراها و ربما اخر مره، يتشبع من ملامحها التي رغم بساطتها يكاد هو يكتب بها اشعارا، لمعت عينها بالدموع فما اسوء على المتعلق بأحدهم ان يبتعد عنه، و هي تخشي بعدها عنه..
وضع يده على كتفها و لكنها لم تنظر اليه فهو بتلك الحركه يخبرها انه معها و يمنح نفسه القوه بأنها مازالت معه، و اخيرا بعد عناء الطريق تقدم بها لداخل المجمع الصحى..
رفعت الممرضه عينها اليه ثم بادرت بسؤالها التقليدي ببرود: اسم المريضه؟
استند الرجل على الطاوله امامها ليقول بهدوء ينافي نبضات قلبه العاليه و القلقه و التي تتبعثر فور دخوله لتلك العياده: امل مجدي عبد العزيز.
ظلت الممرضه تبحث في الاوراق امامها دقيقه ثم ابتسمت و هي تجيبه بعمليه: اتفضل حضرتك اقعد هي قدامها كشفين و تدخل.
اومأ الرجل موافقا و عاد ليجلس بجوار زوجته ممسكا يدها بين يديه بقوه ناظرا بشرود متوتر لارضيه المكان...
بينما ظلت امل تتطلع لمن حولها فوجدت النساء ترمقها بنظره حسوده و ينظرون تاره لها و تاره اخري لزوجها فابتسمت بسخريه واخفضت عينها متمتمه بالحمد و لكن وصلها همس احداهن بجوارها تقول بحسد واضح: الست دي ميعاد كشفها معايا و كل مره يجي جوزها معاها اما انا جوزي مبيفكرش يسألني عن صحتي حتى و مش معبرني خالص يا بختها ياريتني مكانها.
ابتسمت امل بألم و هي تنظر لهن فصمتت المرأه مخفضه رأسها بشبه خجل فعادت امل تنظر لزوجها ضاغطه يده اكثر كأنها تستمد منه القوه، فلو ادركت تلك المرأه ما بها حقا لحمدت الله على ما اعطاها.
و مرت الدقائق و دلفت امل للطبيبه المسئوله عن حالتها و كالعاده اطمئنان، اشفاق و كلمات مواسيه لا ترضى ماجد الذى يحترق بنار مرض زوجته و الذى يجذبها بعنف بعيدا عنه.
جلست امل امام جهاز السونار و عينها معلقه بالشاشه الصغيره امامها حيث ترى ابنتها، ابنتها التي تخلت عن حياتها من اجلها، بدأ الامر منذ عشر اعوام او ما يزيد..
تزوجت و عاشت ما يفوق السعاده مع حب عمرها و امنيه حياتها حتى حملت و مع قرب ولاده طفلها الاول تهدم كل شئ فوق رأسها و الاسوء فوق رأسه، مصابه بمرض مزمن في القلب، يُضعف قلبها و يخبرها بعدم قدرته على استمراره بالحياه، يُفقدها انفاسها كلما بذلت مجهودا صغيرا، تنطق بالشهادتين بين يدي زوجها كل يوم كأنه اخر ايامها، لم تُخبر احد و لم يفعل هو ايضا، اهتم بها و حمل عن كتفها اى ثقلا يرهقها، حتى وُضع مولودها و قرت عينها به و لكن بقرار قاطع من طبيبها منعت حملها مره اخرى لان قلبها لن يتحمل و جسدها يساعده و انفاسها توافقهم و تتهدج، و مر من عمرها عشر سنوات جهادت لتحافظ على دقات قلبها و لكن يشاء القدير الان ان تحمل مره اخرى قطعه اخرى منه، لتشعر بنبضات قلب طفلتها فترفض رفضا تام التخلى عنها كما آمرها طبيبها، و يوم بعد يوم تُدرك ان حياتها تنتهى و لكن حياه ابنتها تبدأ و هى كأم لن تحرم صغيرتها حياتها حتى و ان سلمتها حياتها هى!
و امام اصرارها لم يستطع ماجد الاعتراض رغم حزنه الدفين و تألمه الدائم انها ربما ترحل عنه، طلب منها، توسلها، أمرها، و بالاخير حاول اجبارها و لكنها مع هذا لم تهتم و لم تستمع له، جن جنونه عندما اخبره الطبيب انها من المستحيل ان تتحمل ألام الولاده هذه المره، لن يتحمل قلبها ألام ما قبل الولاده حتى! و لكنها اصرت على تمسكها بصغيرتها غير عابئه بأي شئ اخر فقط اصرت على منحها الحياه بأي ثمن كان..
انتهى فحصها و نهضت تنتظره بالخارج بعدما طمأنتها الطبيبه على صحه الصغيره، بينما اخبرته هو الحقيقه، حياه زوجته تنتهى، مؤشراتها الحيويه تنخفض و هذا يؤدى لتعريض الطفله ايضا للخطر، انفاس زوجته عرضه للتوقف في اى لحظه و ربما الان، اختارت امل عنها و عنه و قررت و رسمت حياتها و حياته دون ان تأبه بما يريد هو، قررت ان تمنح طفلته الحياه بأن تسلبه حياته التى تتعلق بحياتها، جاهد لمنع دموعه فالغصه التي اصابت قلبه اصابته في مقتل، و عيناه تشملها بنظرات خوف، لن يتحمل بعدها.
لن يستطيع العيش بدونها، منحه الله بها اجمل ما في الحياه بل الحياه ذاتها و ببعدها سيُخطف منه معني الحياه.
نظرت اليه تبتسم بوهن مدركه دواخله المتوجسه فتقدم منها ليضم كتفها لصدره متحركا بها للخارج و كلا منهما يدعو ان يمد الله بعمرها، كان يدعو هو بهذا لنفسه و عجبا هي ايضا كانت تدعو بهذا لاجله..
انهت صلاتها لتجده يدلف عليها وبيده طعامها، تناولت من يده و ابتسامه حنونه تغزو شفتيها و هى تنظر اليه بحب، شوق و ألم.
لن تستطع العيش بجواره، ستتركه مرغمه، و لكن القدر يفرض نفسه، هي سترحل ان آجلا او عاجلا ليبقى هو بدونها، بمفرده، و ما اسوء ذلك!
حمحمت بخفوت و هي تُمسك يده ناظره لعيناه قائله بتوجس من رده فعله ككل مره تفاتحه بهذا الامر: عاوزاك توعدني وعد.
نظر اليها لحظات متوقعا ما ستفاتحه به كعادتها طوال شهور مضت و لكنه تنهد مقبلا يدها بعمق مجيبا اياها بنبره صادقه: انتِ تأمرى و انا هنفذ.
ابتسمت امل بوهن و اخفضت عينها عنه متمتمه بنبره متوسله و رغم ذلك قويه على عكس دواخلها التى كانت تأن الما: اوعدني ان بعد ما اموت تتجوز.
نظر اليها ماجد بهدوء و اطبق لسانه صامتا، ليست المره الاولي التى تطالبه بهذا و هو مدرك تماما انها لن تكون الاخيره و لكن الاولى او الاخيره لا فارق فهو لن ينفذ لها هذا و انتهى الامر.
لم تستطع رفع رأسها لتراه فتلك اللحظات اصعب لحظات قد تمر عليهما و هي ليست بقادره على مواجهه عيناه فأكملت بنبره باكيه و دموعها تتمرد لتغادر مقلتيها: انا عارفه انه صعب عليك..
صمتت ثوانٍ تزدرد ريقها ببطء و هي تتجه بالحديث لنقطه ضعفيهما معا فخرجت نبرتها محمله بعاطفتها: الولاد يا ماجد، علشان خاطر ولادنا، انت مش هتقدر تتحمل مسئوليتهم، انا اللي كنت بحضر الاكل، انا اللي كنت بفكرك بمكان محفظتك و تليفونك، انا اللي كنت بساعدك في لبسك، انا اللي كنت بهتم بالبيت و بابننا، انا اللي كنت باخد بالي من كل حاجه تحتاجها.
تساقطت دموعها رغما عنها و لحظات حياتهما تمر امام عينها كأنها حقيقه تُعاد، كل ابتسامه، دمعه، فرحه و كل حزن.
حياه كامله تشاركاها معا، بكل ما فيها من حسن و سئ، الان تتطالبه ببناء غيرها، تتطالبه بمحو القديم و افساح الطريق لجديد بدونها!
قوه؟
كلا فهي الان في اشد لحظاتها ضعفا و وجع.
مضطره هى.
لاجل اطفالها، لاجل ان يعيش دون تعب او كلل بل لاجل ان يعيش فقط.
تنهدت بحراره احساسها دون ان ترفع عينها اليه فقط تستمع لصوت انفاسه التى كادت تُوقف قلبها من شده هدوءها ثم اردفت بهمس خافت: عارفه ان عدم وجودي معاك هيتعبك بس دا اختيار و اختبار ربنا لينا يا ماجد، و احنا مش هنضعف، مش هنقول ليه، لان اختيار ربنا مفيش احسن منه.
رفعت عينها اليه اخيرا و لكنه لم يمنحها راحتها كانت عيناه مطبقه بقوه كأنه يرفض رؤيتها، كأنه يهرب من الواقع بالاختباء في ظلام احلامه التي ما عاد وجود لها.
فإزداد تساقط دموعها و هي تُكمل مرغمه: عارفه اني هفضل عايشه في قلبك و هتفضل تحبني و لو بعد 100 سنه بس..
صمتت لحظه تستجمع شجاعتها لتقول ما رأت انه يتوجب عليها قوله رغم رفض قلبها و معارضته لها و لكنها لم تستمتع فهو نفسه من يضعف و يبعدها عنه: بس انت هتحتاج واحده جنبك، واحده تاخد بالها منك و من الولاد.
فتح عينه اخيرا ليلتقط عيناها في بحر عيناه الذي هاجت امواجه بقله حيله و لكنها قرأت اصراره بوضوح، قرأت رفضه، قرأت فيهما وعد بل الف وعد و لكن بالبقاء على عهد قديم، عهد مهما صار لن ينساه و لن يعيش غيره.
فازدادت دموعها و هي تهتف بضعف ككل مره تحاول اجباره: علشان خاطري اوعدني، احنا بعدنا عن اهلنا علشان نكون مع بعض، محدش جنبك منهم و لا حد هيوافق يبقى جنبك بعدي، علشان خاطري يا ماجد علشان خاطري وافق، علشان خاطرى.
لحظات صمت بينهم يتطلع هو اليها بدون كلمه واحده بينما هي تبكي بصمت عله يفهم توسلها بين قوه كلماتها، يفهم غرضها بين وجعها بما تطلبه.
و عندما طال صمته اجهشت هي في بكاء مرير عاجزه عن اقناعه ككل مره و ادركت هي ذلك عندما نهض واقفا ثم جلس جوارها ضاما رأسها لصدره متمتما بجوار اذنها باصرار و ثقه و نبرته الثابته لا يزعزها شهقاتها: لا يا امل، و الله لو ربنا رزقنى بعمر غير عمرى مش هختار غيرك و مش هكون لغيرك، انتِ اللى هتربي عيالنا، انتِ اللى هتهتم بيا، انتِ و بس يا امل.
مرت الايام دون جديد، فقط ضعف بنيانها يزداد، حركتها اصبحت قليله ان لم تكن معدومه، انفاسها عاده ما تهرب منها لتصيبه هو بذعر يتملكه كلما اقترب موعد ولادتها.
جلس في مساء هذا اليوم امام المنزل ينظر للسماء بشرود بعد مشاداه معها على الامر نفسه توسلها و رفضه، تكرارها للطلب و اصراره بالرفض.
أهو اختبار؟
و ما اقساه من اختبار!
اختبار يجعله يختار بين الحياه التى لن تكون سوى معها و الموت ببعدها عنه .
لا خيارات اخرى.
يعيش كل دقيقه بل كل ثانيه يدعو الله لها و لكن بداخله يخشى انها حقا النهايه.
واثق بالله تمام الثقه و لكن لا يثق بقلبها، قلبها الذي اختاره دوما و ابدا و لكنه الان يتخلى عنه...
قلبها الذي منحه كل السعاده و يسلبه الان كل الحياه..
شعر بيد تربت على كتفه فاستدار لاكرم الذي جلس بجواره ناظرا اليه بتفحص قليلا ثم تمتم بصوته الطفولي الذى بدأ يحمل لمحه صغيره من الرجوله: ماما تعبانه قوى يا بابا.
ثم وضع يده على معدته الصغيره و هو ينظر لابيه بقله حيله: مش عاوز اقلقها بس انا جعان.
واخفض رأسه ارضا كأن ما يطلبه ذنب، فوضع ماجد يده على رأس الصغير بضعف شاعرا بعجزه، فهو في حيرته وشقائه نسى ان يأكل او يُطعم الصغير.
نهض ماجد وانهض الصغير ودلفا سويا للمطبخ في نيه منه لاطعام الصغير، اخرج طعاما بسيطا من الثلاجه واضعا اياه امام طفله الذي نظر ارضا فا هو يأكل ما اعتاد على تناوله طوال الفتره السابقه اكل قليلا ثم نهض، هو لن يعترض ابدا، لن يطلب شيئا مجددا بل سيكون رجلا، لن يُتعب ابيه ابدا فكفي عليه ما يعانيه مع امه.
دفع بالطعام امام ابيه متمتما باهتمام طفولي و هو يضع يده على ظهره بحنان تعجب ماجد ان يمتلكه طفل صغير و لكن يبدو انه ورثه عن امه كاملا: كُل يا بابا، مينفعش تفضل كده، ماما هتزعل لو عرفت.
ضمه ماجد وعيناه تخونه لتمتلئ بالدموع اما تلك التي وقفت تراقبهم خلف باب المطبخ و هي تضم جسدها بيدها قبل ان ترفع عينها الباكيه لاعلي وهي تتضرع لله ان يتقبل ماجد طلبها.
هو لا يستطيع الاعتناء بنفسه، و لا يستطيع الاعتناء بطفل في العاشره، كيف سيعتني بابنتها الصغيره؟
كيف سيتعامل مع صغرها و عدم وعيها؟
اذا لا مجال للرفض لابد ان يستجيب لها و ستفعل هى المستحيل لاجل هذا.
دلف ماجد الى الغرفه بعد بضع ساعات عجز عن رؤيتها بهم فوجدها جالسه على مقعدها الوثير امام النافذه و قبل ان يغلق الباب قابلته بصوتها الغاضب، كلماتها الصارمه و نبرتها الحاده التى دفعته ليتعجب: هتتجوز يا ماجد، هتوعدني و هتنفذ انك هتتجوز.
ثم استدارت له هاتفه بصوت مرتفع جاهدت هي ليخرج قويا رغم دموعها التي انهمرت: لا انت عارف تهتم بنفسك و لا بالولد و انا مش هخاطر بولادي ابدا، سامعني، ابدا.
ظل ينظر لوجهها وهو يشعر بقلبه يدمي، روحه تنسحب منه ببطء مؤلم، دموعها تبعثر قوته وتجعله اضعف الرجال على وجه الارض و لكنها مهما فعلت لن يستمع اليها، لا يدرى كيف مازالت تُصر على الامر رغم رفضه لشهور. اغلق الباب و اقترب منها ثم رفع يده و امسك وجهها محتضنا اياه بين كفيه فوضعت يدها على يديه لتُبعدها عنها بعنف صارخه بقوه مع انتفاضه جسدها و تلاحق انفاسها: كفايه انانيه، فكر في الولاد، فكر في راحتهم، فكر في مستقبلهم و حياتهم، بص كويس بره دائره نفسك يا ماجد.
تهاوت بضعف على الفراش خلفها تلتقط انفاسها فأسرع هو ليُحضر كوب ماء ثم جلس على ركبتيه امامها مناولا اياه لها فأخذته بأصابع مرتجفه لترتشفه ببطء بينما هو ينظر لعينها حتى انتهت فوضعته جانبا ثم نظرت اليه لتلتقي عينها الدامعه بعينه المتوسله و لم ينطق اي منهما فأي كلام يقال الان؟
لم تتحمل هي فألقت بنفسها بين ذراعيه تبكي، تُخرج ما يؤلمها و قد منحته بهذا حق سقوط قناع تماسكه و الذى اخفاه لشهور كما اخفت هى انهيارها و بكي معها قائلا بصوت متقطع و رأسه يختبئ بعنقها اكثر: انا، عارف، اني مهمل، اني مبهتمش بنفسي لو انتِ مش جنبي، عارف اني كنت بعتمد عليكِ في كل حاجه، اني كنت بعيش يومي لانك معايا و موجوده،.
صمت لحظات اختنق بها صوته و تراكمت الدموع لتتساقط على وشاحها لتصيبها برعشه خفيفه اختنق لها قلبها و هو يُكمل: بس صدقيني هتغير، هشتغل بدل 8 ساعات 24 ساعه، ههتم بنفسي و أكلي و ههتم بالولاد و كل طلباتهم، ههتم بنظافه البيت و الزرع، هعمل كل حاجه و الله هعمل كل حاجه بس..
ابتعد عنها ليحاوط وجنتيها الغارقه بدموعها بيديه مترجيا بصوت اخبرها عن مدي ألمه بما تطالبه به، اخبرها انه لا يرفض انانيه منه و لكنه حقا لن يتحمل اخرى تحمل اسمه: بس متتطلبيش مني اعيش مع غيرك، بالله عليكِ متحرمنيش اني اكون عايش ليكِ و بس، بالله عليكِ..
حاولت امل التماسك بقدر امكانها مع كلماته، حاولت ألا تضعف او تتراجع و نجحت آخذه نفسا عميقا و عادت للخلف مسحت دموعه و قالت بحنان لا يخلو كلامها منه ابدا رغم العتاب و الاصرار الذى غلف كلماتها: هتخذلني يا ماجد! مش هتنفذ طلبى! هتحرمني من حقي في اني اطلب منك و تسمعنى؟
هز رأسه يمينا و يسارا بسرعه علامه على رفضه مردفا بعجاله: هعمل كل اللي تأمريني بيه بس بلاش الطلب ده، لا يمكن اوافق يا امل لا يمكن..
ازدادت حده عينها و هي تتذكر الحزن البادي على ملامح صغيرها الجائع منذ قليل فقالت باصرار متجاهله كل اصوات الالم بداخلها و لاول مره تتجاوز اصوات التوسل و الألم داخله ايضا: اوعدني انك هتتجوز يا ماجد يلا يا ماجد اوعدنى.
صمت و صمتت، بالنسبه اليه لا داعى للتفكير فهو لن يتزوج اخري مهما كان الثمن، و بالنسبه اليها لا داعى للتفكير فهو سيتزوج بأخري مهما كان الثمن.
لاول مره منذ بدايه حياتهما معا يختلفا، لاول مره تتفرق طرقهم و تتعارض قراراتهم، لاول مره يرغب كلاهما بما لا يرغب به الاخر و لكن عن اي رغبه اتحدث فالامر لا يمت لرغباتهم بأي صله، فقط قدرٌ و على كلاهما تحمله.
بقت عينه فقط تجيب عليها حتى طبعت قبله صغيره على جبينه متمتمه بصوت متوسل و ربما لاخر مره تستجديه فالتاليه ستأمره: علشان خاطري و خاطر ولادنا يا ماجد، انا بطلب منك تضحي براحتك، ارجوك.
همس بخفوت و عيناه تحاوط وجهها بنظراته: انتِ هتهتمي بالولاد، انتِ هتفضلي معانا، انتِ ليه بتفكري في بكره المهم اننا مع بعض و سوا دلوقت.
اشتعل قلبها بعجزها فثارت نبضاته بخطر و هى تصرخ بقله حيله و بداخلها تتمزق اربا: انت بتكذب على نفسك و لا عليا! انا و انت عارفين كويس ان حياتي بتنتهي، عارفين كويس اني ممكن حتى مقدرش اشوف بنتي لما تيجي، كفايه بقي بلاش تخدع نفسك و تصدق اني هفضل جنبك و معاك، انا همشي يا ماجد همشى.
ثم اضافت بحزم وعيناها تخبره بأخر قرار لها و لا عوده بعده و ان وقت التحايل انتهى و حان وقت التنفيذ ربما رغما عنه: و طالما مش هتلتزم بوعد يبقى هتتجوز و انا عايشه يا ماجد.
صدمه جديده شلت تفكيره تماما، لكنها لم تمنحه فرصه الرد و اضافت بتصريح كأنها تُدبر للامر منذ مده: كوثر جارتنا مطلقه و عندها بنتين، انت هتبقي ظهر و سند ليها و لبناتها و هي هتبقي سند ليك و تهتم بيك و بالبيت و بالاولاد.
كان ماجد عاجز عن الكلام لا يقبل عقله ما تقوله، لا يستوعبه، هو يعلم انها تحمل همه، تخاف ان يُهمل نفسه و الاولاد بدونها، ترغب بوجود احداهن بجواره لتساعده ليحيى بعدها و كأنما هناك حياه بدونها؟!
يعلم جيدا انها تتمزق من الداخل، ان روحها تحترق، فهي تعشقه حد الجنون، تغار عليه من الهواء، حتى كوثر هذه كانت تغار منها عندما تتحدث معه و الان تخبره ان يتزوجها!
ماذا تقول؟
لماذا تعذب نفسها و تعذبه بهذا الشكل؟
لماذا تفكر به لم لا تفكر بنفسها فقط؟
استغلت هى صمته و صدمته فأكملت بنبره راجيه و نظرات مرهقه متوسله: عارفه ان اللي بطلبه فوق طاقتك،
و بصوره فاجأته تحدثت بقوه لاول مره يراها بها و اصرارها يعجزه و قسمها يقيده: بس اقسم بالله يا ماجد لو ما كتبت على كوثر بكره، لساني ما هيخاطب لسانك تاني ابدا، و اللى معملتوش من اول جوازنا هعمله دلوقت و غضبي المره دي مش هيعدي يا ماجد، مش هيعدي لحد ما اموت.
استندت على الفراش و نهضت دلفت للمرحاض و بمجرد اغلاقها للباب تهاوت قوتها المزعومه و تساقطت بجسدها خلف الباب لتبكي كما لم تبكي من قبل.
تود ان تصرخ، ان تمنعه، ان تخبره انها امرأه حمقاء و لا يستمع اليها، تخبره انها تحبه بل تعشقه و لا تتحمل فكره ان يكون لغيرها و ان تهتم به امرأه اخرى و لكن لانها تحبه ستبحث عن راحته، سعادته و تطمئن ان هناك من تعتني به و باولادها.
اما هو فعلم انها هربت، هربت لكي لا تضعف امامه، هربت لتبكي بعيدا عنه، هربت لان ما تطلبه صعب عليها اكثر منه و لكن ماذا يفعل؟
هل يخضع لها كما يفعل بالعاده؟
هل يستجيب لطلبها ام يستمر على رأيه؟
لن يتحمل تحقيق رغبتها و بالوقت ذاته لن يتحمل غضبها و خصامها.
و وسط تخبطه و ارتباكه وجد الحل الذي ربما سيرضيها كما تزعم و يرضيه كذلك و لو قليلا على الرغم من انه لن يرضيهما ابدا و لكن لا يوجد غيره.
نهض و طرق باب الحمام فاضطربت هي و نهضت عن الارض و جففت وجهها لتُبعد اثار بكائها و لكن هيهات، خرجت له فأمسك يدها و اجلسها على الفراش و رفع يده مداعبا وجنتها بحركته المعتاده معها متحدثا بصوته الرجولي الذي يحمل من الطيبه ما يمنح قلبها الامان: انتِ عارفه انك اغلي حاجه عندي، صح؟
نظرت لابتسامته الصغيره و نبرته الهادئه بترقب ثم تمتمت بخفوت واثق: صح.
صمت، صمت، صمت ثم قبل جبينها قبله عميقه و اردف بتنهيده حاره و يا ليته لم يفعل: انا موافق.
اضطربت كل عضلات جسدها برجفه ألم و رمشت عده مرات تزدرد ريقها بصعوبه مجاهده لكي لا تخرج الدموع من مقلتيها ثم نظرت للارض بصمت و هو يراقب ما آلت اليه ملامحها.
وجع، وجع، وجع، كل ما تشعر به الان، وجع.
وجع فاق كل تحملها بل و تحمله.
ماذا تفعل فها هى استغلت عشقه لها ليُزيل داءها و ها هو يمنحها العقار الذى تريده و لكنها لم تكن تدرك ان الدواء يؤلم اكثر بكثير من الداء.
ظل يمعن النظر لوجهها و يتقطع بداخله لاجلها فأخذ قراره بالتراجع فهو لن يتحمل و هى اكثر منه و لكنها عندما لمحت رغبته بالتراجع عن قراره اومأت براسها بسرعه و بادرته بالحديث: انا هكلم كوثر بكره و هقنعها انها توافق خصوصا انها عايشه هي و بناتها لوحدهم من فتره.
نظر ماجد لعينها بقوه فأخفضت بصرها عنه فأخذ نفسا عميقا و ابتسم ممسكا يدها مقبلا اياها و دفع جسدها بهدوء لتستلقي على الفراش فلقد بالغت اليوم في تحمل تعبها و الان حان وقت الراحه قائلا بحسم لانهاء الحوار: ممكن نسيب الكلام ده لبكره بقي و تتفضلي تنامي و ترتاحي دلوقت.
ابتسمت امل لتحاول اخفاء تمزق قلبها الذي يفهمه هو جيدا و نامت بين احضانه ولا يدري كلا منهما ما يخبأ لهم الغد!
الحياه على الجانب الاخر من النافذه، لكن هنا في الداخل يبدو كل شئ ميتاً و غير حقيقى
بول اوستر
في اليوم التالي استيقظت امل وجدته يجلس على الفراش امامها يتأملها و عينه مليئه بالدموع نظرت اليه بحب، بألم، بانكسار، بضعف و شفقه.
نعم هي تشفق عليه، فمن يتألم من الموت ليس الموتي و انما الاحياء الذين يظلوا احياء على ذكري موتاهم.
نهضت ببطء فاتجه اليها هو بعدما مسح وجهه و اسندها لتجلس و خرج ثواني و عاد حاملا معه طعام الافطار وضعه امامها مقبلا جبهتها قائلا بابتسامه خفيفه: اكرم راح المدرسه و انا عملت لكِ احلي فطار بإيديا يلا علشان نفطر سوا.
بدأت تأكل و هى تبتسم مدركه رغبته في اثنائها عن الامر فا هو يحاول اثبات انه يستطيع الاعتناء بنفسه و طفله بل و بها و لكنها ابدا لن تتراجع مهما فعل.
ظل الصمت بينهم قليلا حتى استلقت على الفراش بتعب و ارهاق واضح و دون رغبه منه هاجم عقله احتمال ان تفارقه فتشنج جسده و انقبضت عضلات وجهه و هو ينظر لها..
هو بدونها جسد بلا روح.
هي كانت و ظلت و ستظل ملكة روحه و قلبه و بيته.
تخلي عن كل شئ من اجلها، عن اسمه، منصبه، امواله و عائلته، كل شئ فقط ليكون معها و بجوارها.
لينعم بالحياه في ظلها.
و لكن احيانا يكون القدر قاسي، بل قاسي جدا
فربما كُتب عليه فقدها!
سيفقدها، سترحل بعيدا عنه، حلمه يتسرب.
شعر ان حياته معها ما هي الا لحظات.
سنين بينهم طوال هي لحظات عابره فقط.
ماذا يفعل؟ هو عاجزا تماما.
لا يستطيع منعها و لا يستطيع تركها ايضا.
لا يستطيع تحمل تألمها و لا يستطيع حمايتها منه.
اي وجع هذا؟
يشعر انه اصبح كالقمحه بين شقي الرحى لتدعسه و تطحن مشاعره بل حياته و قلبه و كل ما فيه بقسوه لا طاقه له بها.
لم يكن يدرك انه ايضا تراقبه، تحزن عليه و بصمت تواسيه.
هي من تتألم جسديا و لكنه يتألم اضعاف الامها نفسيا.
تعلم جيدا انه سيتخبط في حياته، سينكسر بدونها فهي له العالم و ما فيه.
عندما تخلى عنها الجميع، تخلي هو عن كل شئ من اجلها.
كل ما احبه يوما تخلي عنه.
هو قدم لها كل شئ.
لم يكن يؤلمها في مرضها اي آلام سوي ألم البعد، الم الفراق، الم الهجر الذي سيعاني منه بعد رحيلها و لباقي عمره و هى...
هي لن تكون بجواره لتواسيه، لتحضنه و تخبئه بين ذراعيها ليطمئن.
و والله لو احضرت كل نساء الدنيا بين يديه لن يشعر بالامان سوي بين يديها هى.
تعلم ذلك جيدا و لكن هذه المره سيتألم دون وجودها، سيتعذب مع ابتعادها و لا شئ باستطاعتها الان سوى الدعاء له فليكن الله معه.
علشان الجوازه دى تتم انا عندي شرط.
نطق بها ماجد بعدما اجتمع بأمل و كوثر في منزل الاخيره بعدما اعلنت موافقتها على الزواج بعد تحدث امل معها.
حدقت به امل و كذلك كوثر التي وقفت بعيدا تتطالعهم بترقب و رغم سعادتها الخفيه بما يدور ما زالت متعجبه مما يحدث.
حتى ألقي ماجد مفاجأته الذي نزلت على رؤوسهم كالصاعقه قائلا بحسم: انا وافقت اتجوز و كوثر هتبقي مراتي و ام لولادي و انا هبقي جوزها و اب لولادها بس الكلام ده على الورق بس، يعني لا هتبقي مراتي و لا انا جوزها فعليا و اظن كلامي مفهوم! موافقين على كده هنتجوز مش موافقين يبقى همشي الناس اللي برا دي و معنديش مشكله خالص.
حاولت امل التحدث و لكن بمجرد ان حركت شفتيها رمقها ماجد بنظره مشتعله غضبا منها و ألما عليها مقاطعا اياها قائلا بحده و حزم: دا اللي عندي يا امل انتِ عاوزاني اتجوزها و انا وافقتك لكن حياتي هعيشها ازاي دا بقي انا اللي احدده..
صمتت امل و لم تدري بما تجيبه و لكن دموعها عبرت عن كل شئ، كل شئ دون نقصان.
نقلت كوثر نظرها بينهم لحظات ثم اضافت بحده مماثله تحافظ على ما بقى من ماء وجهها: طيب و بالنسبه لحياتي انت اللي هتحددها برده؟
نظرت اليها امل بتوجس بينما التف اليها ماجد شاعرا بالحرج من هذا الموقف قائلا باقرار و توضيح و هو يشعر بأن ما يقوم به الان اسوء ما يقوم به اى رجلا على الاطلاق: بصي يا بنت الناس انا قولت اللي عندي و قبل ما اكتب عليكِ و ليكِ حريه الاختيار، انا عاوز واحده تراعي البيت و الولاد، اما انا هعيش معاكم تحصيل حاصل، هتبقوا مسئوليتي و كل طلباتكم مُجابه لكن اننا نبقي زي اي راجل و مراته دا مش هيحصل و انا بقولك من الاول اهه، انا مفيش واحده هتدخل العالم بتاعي غير امل و ان خرجت منه يبقى اتقفل و مفيش غيرها تهوب ناحيته و ان فكرتِ تعمليها ساعتها مش هتبقي العواقب هينه و دا اللي عندى.
لم تستطع كوثر التحكم بأعصابها مع احساسها انها موضوعه موضع الحمقاء و كلامه لا يتوافق ابدا مع كلمات امل لها لاقناعها و التى اشعرتها ان ماجد من يرغب بالزيجه حقا فهتفت بعصبيه: طيب و لما انت بتحبها قوى كده عاوز تتجوز غيرها ليه! ما تخليها معاك و عيشوا سوا و لا انت عاوز خدامه تتجوزها و خلاص!
عاد ماجد ببصره لامل يرمقها بطرف عينه مدركا ان امل لم تخبرها السبب الحقيقي خلف زواجهم، ربما لم ترغب بأن يشفق عليها احد، ربما لا تريد ان تنظر اليها كوثر بحزن و أسي و ربما لم تتطاوعها نفسها بإذلال روحها اكثر من هذا!
و لكن أيا كان سببها لن يستطيع هو الان قول الحقيقه، تنهد بقوه فخرجت نبرته بحزن مؤلم ادي لانهمار دموع امل اكثر و هي تهرب بعينها منه مدركه انه ادرك اخفائها لحقيقه سبب زواجه فقال بمحايده: لو بإيدي مش هتجوز خالص بس غصب عنى أمل اصرت و انا مقدرتش اعترض.
ثم رمق امل بنظره اخري ليجد جسدها ينتفض من شده البكاء، تمزق قلبه و لكنه لن يتراجع ابدا عن شرطه، تلك المرأه ستكون بالنسبه اليه حاضنه لاطفاله فقط، هو لا يرغب بأي امرأه اخري في عالمه لا الان و لا فيما بعد.
تنهدت كوثر ثواني تحدث نفسها بعقلانيه متجنبه حوار كرامتها الداخلي متذكره ما جعلها توافق على تلك الزيجه الغريبه ( انتِ معجبه بيه و هو اصلا راجل مفيش منه اتنين، هتقفي على دي! انتِ مش سهله و هو مش هيتحمل قصادك كتير، اعملي اللي هو عاوزه في الاول و بعدين شويه بشويه هيبقى ليا، مفيش راجل بيصبر كتير و اهو ابقي ضربت عصفورين بحجر واحد و مراته قالت انه عاوز يتجوزني علشان عايشه لوحدي يعني كمان هو عينه مني اصلا ).
ابتسمت بخباثه سرعان ما اخفتها لتقول بتنهيده مدعيه الحزن و الاستسلام: خلاص انا موافقه طالما الموضوع يخص مصلحه بناتى فأنا موافقه.
نظرت امل و ماجد كلاهما للاخر ثم عادا ببصرهم لكوثر ليسألها ماجد بترقب و هو يضغط باطن شفته غضبا فلقد توقع رفضها: موافقه على ايه؟!
اخذت نفسا عميقا مستمره في دور الحزينه و عادت كلماتها بتوضيح اكبر: كل اللي انت قولته انا هبقي مراتك قدام الناس بس لكن بينك و بيني هبقي ام تانيه لولادك بس و انت اب لبناتى.
تنهد ماجد بارتياح نسبي و لكنها اشتعلت اوداجه غضبا عندما اردفت كوثر بسؤال قاسي على قلبه و لكن لم تستطع غلب فضولها لتفهم معني كلماته السابقه و التى تنافى ما قالته زوجته: بس كده ايه وضع امل في حياتنا! ما انا مش فاهمه بصراحه ازاى يبقى عندها الجرأه دي تيجي تطلب واحده تانيه ليك! ازاي و ايه السبب؟ معقول تعمل كده لانها بتشفق عليا زي ما قالت لى! انا اسفه يعني بس انا مشوفتش حد في جبروتها ده.
انفعل ماجد بقوه و صرخ بغضب و هو يلوح بسبابته في وجهها محذرا: حسك عينك تغلطي انتِ فاهمه، و فوقي لنفسك كده و اعرفي ان حياتنا عمرها ما هتتجع سوا انتِ ليكِ حياتك و انا ليا حياتي و عند امل و خط احمر و صدقيني غضبي هتزعلي منه.
نظرت امل لكوثر باعتذار بينما فجأته هى بنظرتها اللامباليه متمتمه ببرود: مستنياك برا.
و تم الامر.
و لكن هل كانت محقه أمل او اخطأت؟
هل ستكون تلك السيده هى حضن اولادها الدافئ؟
هل ستكون ام لهم بعد وفاتها؟
هى تشعر بقرب اجلها بل و متأكده انها ستغادر العالم قريبا و كقلب أم تشعر انها لن ترى طفلتها و منذ متى قلب الام يُخطئ؟
و لهذا ستخطو باتجاه الطريق بل و ستسير به ميلا طويلا حتى تطمأن و ها هى قد حققت ما رغبت به و بارادتها اختارت ام اخرى لاطفالها و زوجه اخرى لحبيبها و لكن ما النهايه لا تدرى فربما بل الاكيد انها لن تراها.
في احدي الليالي استيقظت امل الساعه 2 بعد منتصف الليل تصرخ بألم لينهض ماجد مفزوعا ليجدها تجاهد لتلتقط انفاسها و هي تضع يد على قلبها تعتصره بقوه و يد اخري اسفل بطنها و ملامح الالم اخذت منها مأخذها.
حان الوقت الذى كان يخشاه و اعلنت الطفله عن رغبتها بالحياه ليُعلن قلب امل عن وداعه.
جلس في ممر المشفى امام غرفه العمليات حيث تقبع زوجته يدعو الله ان يمر الامر بسلام،.
قلبه يبكي خوفا و هلعا على فقدان امل حياته، كان يعلم ان هذا اليوم سيأتي لا محاله و لكن لم يكن يعلم انه سيتألم لهذا الحد، الما فاق كل تحمله.
لكنها ستكون بخير
ستكون بخير
ستكون بخير..
مر الوقت عليه ببطء شديد حتى كاد يجن جنونه الا ان صدع صوت الطفله يشق سكون الليل و معه صدع اذان الفجر يملأ المكان، ابتسم ماجد فرحا رغم خوفه الذي ارعد مفاصله، خرج الاطباء من الغرفه و خلفهم الممرضه تحمل الطفله على يديها حملها منها ماجد ناظرا إلى الاطباء بلهفه متسائلا و هو يضم الطفله لصدره بقوه نسبيه: امل، امل عامله ايه؟!
نظرت الطبيبه اليه بأسي و تمتمت بعجز: ادخلها؟
ابتسم ماجد بلهفه و خرج ذلك جليا في صوته: هي كويسه؟
ولكن جاءت الاجابه القاصمه من الطبيب عندما تحدث بعمليه مقدرا عاطفه الطبيبه التي غلبت عملها: للاسف القلب متحملش شد حيلك البقاء لله.
ترنح فجذبت الطبيبه الطفله من يده بينما سقط هو على ركبتيه و صرخه الم تخرج منه و هنا تمردت عيناه و بكي بقوه وجعه، بقسوه تخيله انه لن يراها مجددا، لن يشعر بحنانها، لن يجد حضنها، لن تواسيه يدها و تهدأه كلماتها.
من يكون هو بدونها و لمن تركته حقا لا يدرى!
اسنده الطبيب وهو يشعر بالاسي عليه حتى تماسك ماجد بصعوبه و نهض اقترب من الطبيبه و حمل طفلته منها ظل ينظر لوجهها، عينها المغلقه، يدها الصغيره و كل ملامحها و قلبه ينبض بعنف و دموعه تتساقط على وجنه الصغيره.
ثم تحرك بخطوات متثاقله للغرفه وجد حبيبته و زوجته بفراشها، ملامحها جامده و جسدها متيبس. جلس بجوارها امسك يدها مقبلا اياها مستشعرا برودتها قائلا بابتسامه شاحبه: حبيبتي حمدلله على سلامتك و سلامه الطفله، شوفتِ يا امل قد ايه حلوه! انا هعمل كل اللي نفسك فيه و هنفذ اللي قولتيه ليا النهارده بالحرف الواحد..
Flashback.
عندما كانت امل تبكي بألم بحضن ماجد و هم بالسياره في الطريق للمشفى قالت بصوت تجاهد ليخرج: اوعي يا ماجد اوعي تكرها او تزعل منها، اوعي تحسسها في اي يوم انها السبب، حبها اكتر مني، كُن لها الصاحب و الاب و الحبيب زي ما كنت ليا بالظبط، خلي بالك منها و اوعي تزعلها ابدا.
ضمها اليه بقوه اكبر و اجابها بصوت مختنق: حاضر يا امل حاضر و الله هشيلها في عينى.
تنهدت امل بضعف شديد و يدها تعتصر بطنها المنتفخ بوجع مضني و اردفت بصوت مبحوح: لما ترجع البيت افتح دولابي هتلاقي خزنه، افتحها الرقم السري عيد زواجنا، هتلاقي جواها صندوقين واحد اسود مكتوب عليه اسمك و واحد ابيض من غير اسم، الاسود جواه رسايل انا كتباها ليك من يوم ما عرفت بمرضي و الابيض في رسايل لولادنا، الظروف البيضاء دي لاكرم و الظروف الحمراء دي لبنتنا، ادي لكل واحد جواباته يا ماجد، عايزه افضل في حياتكم حتى بعد موتي، بس حافظ على جوابات البنوته لحد ما تكبر و تبقي عندها 10 سنين، اوعدني يا ماجد تعمل كده.
ارتجف جسده برتجافه جسدها و تلاحقت انفاسه بقرب اختفاء انفاسها ليعدها و صوته يتعالي اكثر دون وعي منه: وعد يا امل حاضر.
و ايضا لم تصمت بل اخذت تصارع لتظل مستيقظه لتخبره باقي امانيها و اردفت بصوت يتهدج من الالم تتقطه صراخات متألمه: ابننا نفسه يكمل دراسته برا، ساعده يسافر يا ماجد، حقق حلمه بانه ياخد شهاده كويسه، اوعي تضغط عليه.
صمتت تأخذ انفاسها قليلا ثم اكملت بخفوت شديد اخافه و هى ترفع يدها لتلامس وجنته المبلله بدموعه: و انت انت يا ماجد رجع اسمك، ابني نفسك تاني، عاوزاك ترجع ماجد اللي انا عرفته، ماجد قبل ما يتخلى عن كل حاجه علشاني،
قطعت كلماتها تصرخ بألم و صوتها ينقطع رغما عنها فصرخ ماجد بوجع و هو يضمها اليه اكثر شاعرا بأنفاسها تتضائل: خلاص و الله هعمل كل اللي تحبيه، بس متتعبيش نفسك اكتر و كفايه كلام.
ابتسمت بوهن و هي تحاوط وجهه بضعف فثبت يدها المرتجفه على وجنته بيده فهمست بارهاق: سبني، سبني اقولك على كل حاجه، اوعي يا ماجد تهمل نفسك، اوعى، و متنساش البرفيوم بتاعك و تخرج من غيره، و اوعي تعاكس بنات،
و بغمزه واهنه التقطت انفاسها بصعوبه لتردف: اهتم بشغلك و افتح شركتك الخاصه يا ماجد انجح، انجح يا راجلى.
جاهدت امل لتبقي عينها مفتوحه و لكنها لم تعد تتحمل، الظلام يلفها من جميع الاتجاهات لم يبقى سوي وجهه امامها، فنظر اليها ماجد بجزع و هتف و دموعه تتساقط على وجهها و يده تراقب نبضها الذي لم يعد يشعر به: متغمضيش الله يخليكِ، خليكِ معايا يا امل، خليكِ معايا، هعمل كل اللي انتِ عاوزاه و الله بس متغمضيش خليكِ معايا..
امل بصوت يكاد يُسمع: اسم، اسم البنوته!
صمتت امل رغما عنها لحظات تتشوش الرؤيه بها ثم همست و هي تستلم لغلق جفنيها: جنه يا ماجد، جنه.
قبل جبينها و يده تعتصر جسدها بعجز و قله حيله: حاضر يا امل حاضر.
بطئت انفاسها و هي تقول بصوت خافت: فاكر انا كنت بحب اقولك دائما ان...
و لكن لم يمهلها الوقت و فقدت وعيها، فأكمل ماجد عنها و هو يحتضنها بقوه و يغمض عينه بألم بالغ، تلك الجمله التي كانت تخبره بها منذ زواجهم و صارت تخبره بها كل يوم تقريبا بعد معرفتها بمرضها حتى صار يحفظها بل و يحفظ تعابير وجهها و قوه عشقها الباديه بعينها و هي تقولها: حتى لو اختار القدر فراقنا اعرف اني معاك، معاك و بيك و علشانك دائما، يا راجلي الاول و الاخير، و اعرف اني بحبك دائما، و هحبك اكثر لما هكون بعيد عنك، فاوعي ابدا تزعل.
Back
بكي ماجد كما لم يبكي بحياته و هو يحتضن ابنته بقوه و يمسك يد امل بين يديه و صوته يمزق قلب الاطباء حوله و قال: هسميها جنه و هعيشها في جنه، مش هي اللي ضيعت حياتك بالعكس انتِ اللي اديتها حياتك و حياتها، هتبقي جنتي يا امل صدقيني هتبقي جنتي.
بدأ صوته يتعالي و بين يديه الطفله تبكي و عيناه تنظر اليها.
يودعها،
تلك النظره الاخيره التي لا رؤيه بعدها و ما اسوءها من نظره!
تساقطت دموعه عن وجنه الصغيره ليداعبها بابتسامه منكسره متمتما: جنه ماجد الالفى..
تاااابع اسفل