انتِ طالق...
تجمدت الحروف على شفتيها، لم تستطع قول أي شي، فأي كلام سيبرر ما حدث..
ارتجف جسدها كليا وأخذ يهتز بقوة قبل ان تطفر الدموع من عينيها..
مالذي فعلته بنفسها..؟! كيف وصلت الى هنا..؟! ليتها لم تسمع كلام صديقتها، ليتها فقط...
اما هو فكان واقفا موليا ظهره لها، جسده متشنج بالكامل، لا يصدق ما حدث، كيف وثق بها وسلم قلبه لها بهذه البساطة..؟! كيف وهي هكذا..؟!
لقد خدعته، خدعته بكل بساطة واستغلت طيبته وحسن ظنه بها وهاهو يدفع ثمن هذا..
علي، ارجوك بصلي...
قالتها بنبرة مترجية، ترجوه أن ينظر إليها، أن يمنحها إلتفاتة واحدة فقط..
ينظر إليها بعينيه ويمنحها فرصة واحدة لتشرح له..
اقتربت منه أكثر ووقفت خلفه تحاول أن تلمس ظهره بكفها المرتجف المتردد لكنها لم تستطع وكأنها أدركت نفوره منها بوضوح...
علي، طب اديني فرصة اشرحلك...
التفت نحوها اخيرا وقال بلهجة ساخرة:.
تشرحيلي، هتشرحيلي ايه..؟! انا فاهم كل حاجة، بس للاسف فهمت متأخر...
انا اسفة..
قالتها بنبرة باكية، تريد الإعتذار منه، تريد أن يعفو عنها وتتمنى ذلك..
لكن خطأها في حقه كبير ولا يغتفر...
وجدته يبتسم بمرارة ويقول:
اسفة على ايه بالضبط..؟! على خيانتك ليا، على خداعك..
انا خفت اقولك، والله خفت،
قالتها بصدق لينظر إليها بذهول ويقول:.
تقومي تخدعيني، بالبساطة دي شايفاني ساذج وحمار عشان تخدعيني، كنتِ فاكرة إني هعديها بالساهل..
والله مكنتش عايزة اخدعك، انا بس كنت خايفة احكيلك، والله خفت..
قبض على ذراعها وجذبها نحوه لترتطم بصدره وهو يهتف بعصبية حادة:
وافقتي تتجوزيني ليه..؟! ليه طالما انتِ مش بنت...؟!
ردت عليه بإنهيار:
عشان بحبك...
صرخ بها بقوة:
كدابة..
توقفت عن البكاء وهتفت وهي تنظر إليه:.
لا مش كذابه، والله انا بحبك، وحاولت اعترفلك كذا مرة بس خفت..
ثم أردفت ببكاء يمزق نياط القلب:
خفت من اللحظة دي...
اخرجي بره...
قالها وصدره يعلو ويهبط بسرعة لتهز رأسها نفيا وهي تقول من بين شهقاتها:
لا يا علي، مش هخرج..
جذبها من ذراعها وجرها متجها بها الى خارج الشقة:
قلت اخرجي، مش عايز اشوفك...
ثم أغلق الباب خلفه ووضع يده على صدره ناحية قلبه حيث هناك ينمو الألم بشكل شديد..
حاول أن يصرخ من شدة الألم لكنه لم يستطع فوقع أرضا وهو ما زال واضعا كف يده على صدره من شدة الوجع حينما تشنجت ملامحه تدريجيا وفقد وعيه..
كانت زينه تجلس على ارضية المكان بجانب الباب تبكي بصمت وهي ترجوه بصوت خافت:
ارجوك يا علي، افتحلي ارجوك..
خرج على اصواتهما بعض من جيرانهما ليجداها بهذا الحال المزري وهي ترتدي قميص نومها الابيض...
أخذوا ينظرون لها بقرف بينما احتضنت هي جسدها بيديها تغطي عريها الواضح من اسفل قميص النوم لتهتف احدى جاراتها وهي تشير الى بناتها كي يلجن الى الداخل:
ربنا يستر على ولايانا...
بينما بصقت الاخرى عليها وهي تدلف الى شقتها، تقدمت منها جارتهما الثالثة وهي تشعر بالشفقة لأجلها لينهرها زوجها بضيق:
رايحة فين..؟! سيبك منها وادخلي...
حرام عليك، منظرها يقطع القلب..
قالتها بشفقة ليهتف بحدة:
حرمت عليها عشتها، سيبيها تموت، واحدة ناقصة رباية...
لا مش هسيبها...
قالتها بعناد وهي تتجه نحوه وتمد يدها إليها وتقول:
قومي يا حبيبتي، قومي وكفاياكي عياط..
نظرت زينة إليها بعينيها الحمراوين المنتفختين وقالت بصوتها المبحوح:
لا انا هستنى علي يفتحلي، انا عارفة انوا هيفتحلي...
ثم أخذت تضرب على الباب بإنهيار وهي تقول بتوسل:
علي افتحلي ارجوك، افتحلي عشان خاطري...
عادت الجارة نحو زوجها وقالت بحيرة:
هو ليه مش بيرد عليها..؟! معقولة يكون حصله حاجة..؟
ملناش دعوة، خلينا ندخل شقتنا...
طب هنسيبها كده...؟! والله حرام..
نظر الرجل إلى الفتاة بحيرة ثم اقترب بخطوات مترددة نحوها وأخذ يطرق على الباب وهو يحدث علي:
يا استاذ علي افتح من فضلك، مينفعش تسيب مراتك قاعدة لوحدها بالشكل ده...
لم يأته رد فأشار الى زوجته قائلا:
مش بيرد..
طب جرب تاني، انا خايفة يكون حصله حاجة..
ارتجف جسد زينه وهي تنهض من مكانها محبطة جسدها بذراعيها ثم قالت للرجل بترجي:
حاول تفتح الباب ارجوك، علي مستحيل يسيبني كده الا لو حصله حاجة..
نظر الرجل اليها بتردد ثم ما لبث أن طرق بقوة على الباب وهو يقول بصوت عالي:
استاذ علي، ارجوك افتح، لو مفتحتش انا هكسر الباب...
وعندما لم بجد ردا أخذ يدفع الباب بجسده القوى لينفتح اخيرا بعد عدة محاولات، دلف الرجل وزوجته الى الداخل ليجدا علي ممدا على ارضية الشقة فاقدا للوعي...
اقترب الرجل منه وبدأ يفحصه حينما وجد نفسه مقطوعا تماما...
وضع يده على رقبته عله يجد نفسا له لكن بلا فائدة...
دلفت زينه بخطوات مترددة الى الشقة لتسمع ما جعلها تطلق صرخة مدوية هزت أركان الشقة:
ده مات...
فصول
رواية عندما فقدت عذريتي
رواية
عندما فقدت عذريتي للكاتبة سارة علي الفصل الأول
الفصل الاول
في مطار القاهرة الدولي..
كان زياد يسير داخل المطار وهو يجر حقيبته خلفه، يرتدي نظارة سوداء تخفي عينيه وملابسه سوداء بالكامل..
خرج من بوابة المطار ليجد ابن عمه منتصر في انتظاره والذي ما إن رأه حتى اقترب منها بسرعة وقال له:
حمد لله على سلامتك..
ثم أردف بلهجة حزينة:
البقية فحياتك...
رد عليه بهدوء يناقض تلك النيران المندلعة داخل قلبه:
حياتك الباقية...
هات شنطتك..
قالها ابن عمه وهو يأخذ الحقيبة منه ويجرها وراءه بينما تحرك هو أمامه نحو السيارة...
ركب بجانب كرسي السائق بينما كان ابن عمه يضع الحقيبة في الخلف ثم عاد وركب بجانبه في مكان السائق وشغل سيارته وقادها متجها الى منزل عمه...
اخبار ماما ايه..؟!
سأله زياد بتردد ليتنهد سلام وهو يجيبه:
تعبانه اوي، مش قادرة تستوعب لسه اللي حصل...
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال بألم ظهر جليا في صوته:.
محدش فينا قادر يستوعب ده..
أبوك بردوا مش كويس، تعبان اووي، حتى رنا وضعها سيء جدا..
خليك جمبها يا منتصر، انت اقرب حد ليها..
أومأ منتصر برأسه وقال مطمئنا إياه:
متقلقش عليها، انا جمبها...
حل الصمت المطبق بينهما، صمت لم يقطعه أحد منهما، فكليهما غارقا في أفكاره، زياد لم يستوعب بعد ما حدث، موت أخيه تركه في صدمة حقيقية، أخوه الذي ودعه قبل يوم بعدما انتهى حفل زفافه ورحل الى المانيا لأجل العمل ليأتيه خبر وفاته هناك بسكتة قلبية والسبب غير معروف الى حد الأن أو هكذا يظن...
أوقف منتصر سيارته أمام الفيلا ليهبط زياد مسرعا من السيارة ويتجه الى الداخل بلهفة..
وجد والدته تجلس هناك وبجانبها اخته ومعهما مجموعة من أقاربهما...
ما إن رأته والدته حتى انتفضت من مكانها وقالت بلهفة:
زياد، وأخيرا جيت...
ثم هطلت دموعها بغزارة ليحتضنها زياد بقوة دون أن ينطق بحرف واحد..
نهضت أخته رنا هي الأخرى واقتربت منهما تربت على ظهر والدتها بمواساة قبل أن تتنحى الأم جانبا لتقترب رنا منه وتحتضنه وهي تهتف بأسى:
شفت اللي حصل يا زياد..؟! علي مات..
ثم انهارت باكية بين أحضانه ليشدد زياد من إحتضانها، كان يشعر بطعنة قوية في داخله وهو يراهما بهذا الشكل المؤلم، طعنة تماثل طعنته بفقدان أخيه الوحيد..
ابتعدت رنا من بين أحضانه ليجد خالاته وعماته يعزونه واحدة تلو الأخرى، اكتفى بإيماءة من رأسه دون رد ثم تحرك مبتعدا عن مكان جلوس السيدات الى خارج الفيلا ليجد منتصر والكثير من الرجال يجلسون في الحديقة الخلفية ومعهم والده...
اقترب من والده الذي نهض مسرعا ما إن رأه واحتضنه بقوة ثم بدأ يتلقى التعازي من الجميع...
طالما زياد جه خلونا ندفنه..
قالها زوج عمته ليقول زياد ردا عليه:
لازم أشوفه الاول...
ربت منتصر على كتفه وقال:
تعال معايا، هو فإوضته..
اتجه زياد معه الى الطابق العلوي وتحديدا الى غرفة علي ليجده هناك ممددا على السرير بينما والدته تجلس بجانبه وتقرأ القرأن له، اقترب منه وهبط نحوه وطبع قبلة على جبينه قبل أن يهتف بصوت مرتعش:
ربنا يرحمك يا علي، ربنا يرحمك يا حبيبي...
بالكاد استطاع التماسك وهو ينهض من مكانه قبل أن يبدئوا مراسم الدفن...
وقفت زينه أمام الباب الداخلي الفيلا تنظر إليه بتردد، لم يكن عليها الحضور الى هنا بعد كل ما حدث لكنها لم تستطع ألا تحضر مراسم دفنه وعزاءه..
ولجت الى الداخل بخطوات مترددة وهي متشحة بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها لينتبه إليها الجميع ويبدئون في همساتهم حولها..
ما إن انتبهت رنا لمجيئها حتى انتفضت من مكانها وركضت نحوها وهي تصرخ عليها:
انتِ ايه اللي جابك..؟! مش مكفيكي اللي حصل..؟!
ارتعش جسد زينه وهي تجيبها بتوسل:
ارجوكِ يا رنا بلاش تعامليني كده، انا جيت عشان أشوفه لأخر مرة وأودعه..
صاحت رنا بها بقسوة:
تودعيه بعد ما قتلتيه، يا بحاجتك يا شيخة...
ثم قبضت على ذراعها وقالت بقسوة:
اخرجي من هنا حالا قبل ما اخلي الحرس يطردوكي..
في نفس اللحظة هبط زياد ومنتصر من الأعلى على أصوات صراخ رنا وتوسلات زينه ليقفز منتصر مسرعا نحو رنا ويجرها خلفه قائلا:
مش كده يا رنا، مش كده أرجوكِ...
انت مش شايف بحاحتها، دي جايه تودعه بعد ما قتلته..
لم يستوعب زياد ما يسمعه فهو لا يعرف اي شيء عن سبب موت أخيه...
بينما أكملت رنا بحقد وغل غير متأثرة ببكاء زينه الذي يمزق القلب:
انتِ واحدة سافلة وحقيرة، وانا لا يمكن أسمحلك تقربي من حد مننا...
تقدم زياد نحو زينه وقال لها بنبرة باردة مقتضبة:
من فضلك يا مدام اخرجي دلوقتي، احنا مش ناقصين مصايب..
نظرت إليه بعينيها الباكيتين وقالت بترجي:.
خليني أشوفه وأحضر دفنته أرجوك...
على جثتي تحضري حاجة..
قالتها رنا ثم اقتربت من أخيها وقالت وهي تشير نحوها ببكاء:
دي هي اللي قتلته يا زياد، خانته وطعنته بشرفه ولما علي مستحملش ده مات، مات من صدمته فيها...
تطلع زياد إلى اخته مصدوما بما تقوله وقد بدأ يستوعب الان ما حدث يومها حاولت زينه التحدث لكن قاطعها زياد بنبرة قوية حازمة:
اظن كفاية لحد كده، اتفضلي اخرجي من هنا بدل ما اخلي الحرس يخرجوكي...
تطلعت زينه إليهم بوجع ثم ما لبثت ان تحركت أمامهم خارج الفيلا بملامح باكية مذلولة...
بعد مرور ثلاثة ايام...
كانت تجلس على سريرها وهي تحتضن جسدها النحيل بذراعيها، دموعها تغطي وجنتيها وهي تستمع الى اصوات صراخ والدها الذي يصم الأذان...
قلتلك مش عايزها، دي وسخت سمعتي وضيعت شرفي، انا مش عاوزها فبيتي، خليها تخرج من هنا حالا..
ازداد إرتعاش جسدها وهي تنتحب بشدة، الجميع يتجنبها ويعاملها كشيء قذر غير مرغوب به بعدما حدث، حتى والدها لا يريدها ولا يتقبلها بينهم..
دي بنتك، حرام عليك، عايزها تروح فين..؟!
كان هذا صوت والدتها المتوسل، والدتها الوحيدة التي تدافع عنها امام والدها رغم أنها تتجنبها كليا...
مليش دعوة، خليها تروح مطرح ماروح، المهم تخرج من هنا، انا انتهيت بسببها، خسرت شغلي وسمعتي، مبقتش قادر أرفع وشي وسط الناس..
ازداد نحيب زينه بعدما سمعته، لقد انتهى والدها كليا ولم يعد بمقدوره أن يتحمل ما حدث، ليتها لم تجازف وتتزوج من علي، ليتها لم تتوقع منه ردة فعل جيدة...
انتفضت من مكانها متراجعة الى الخلف حينما وجدت الباب يفتح ووالدها يقتحم الغرفة متجها نحوها بملامح تنطق غضبا وكرها..
جذبها والدها من ذراعها وسط صراخ والدها واختها الصغرى وهو يقول بغضب:
اطلعي بره، مش عاوزك فبيتي، انتِ فاهمة..؟!
ثم جرها خلفه متجها بها نحو الباب، حاولت والدتها ان تمنعه لكنها دفعها بقوة وأسقطها أرضا...
ارجوك يا بابا بلاش تطردها..
قالتها اختها الصغرى ذات السبعة أعوام وهي تتوسله ببكاء لكنه لم يكن يراها او يرى غيرها، كل ما كان أمامه شرفه الذي تلطخ بسببها وعلى يديها، فتح الباب ودفعها نحو الخارج لترتطم بصدر أحدهم والذي تلقاها داخل أحضانه قبل أن تلتفت نحوه فتظهر الصدمة جلية على وجهها، فمالذي جلبه الى هنا...؟!
تاااابع اسفل