أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





رواية سر و علن

أحيانا تقذفك الحياة نحو عواصفها العاتية بلا رحمة، فـتجد نفسك تحارب بقوة، هدفك الوصول للنصر دون خسائر فادحة، إذا خسرت ستج ..



27-01-2022 01:11 صباحا
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 

t22036_8807

أحيانا تقذفك الحياة نحو عواصفها العاتية بلا رحمة، فـتجد نفسك تحارب بقوة، هدفك الوصول للنصر دون خسائر فادحة، إذا خسرت ستجعلك عبارة عن رماد لحرب غير مُنصِفة، ظاهرك يعلن شجاعتك، وداخلك يخفي سرك، يخفي خوفك من الهزيمة، هكذا نحن البشر عبارة عن عملة لـ وجهان هما السر والعلن!!
فصول وفيلا سر و علن
نوفيلا سر و علن للكاتبة زينب محمد الفصل الأول

جلست كطفلة صغيرة تفتقد عائلتها، نظرت حولها بريبة، التوتر يزحف ببطء لقلبها فتضطرب دقاته وتصبح غير منتظمة، عقلها يدور به مئات الأسئلة، وضميرها يؤرقها على قرارها المتهور، جابت المكان بعينيها، تنظر حولها أحيانًا باشمئزاز وأحيانًا بخوف، لعنت تلك الرهبة التي تهاجمها عندما تجلس بمكان ضيق، ولعنت عدم نظافتهم أيضًا، تساءلت بداخلها كيف لهم أن يجلسوا بمكان غير نظيف وغير مرتب بهذا الشكل المقزز، حاربت آلام معدتها التي تقلصت مهددة بإفراغ ما في جوفها، يا الله يكفي محاربتها لذلك المنظر المقزز أمامها، يكفي تركيزها مع دقات الساعة.

الدقائق تمر عليها كالدهر، منتظرة خروجهم من الغرفة المجاورة، استمعت لهمهمات صدرت من تلك الغرفة، فعلمت أنهم يتشاورون من أجل إستئجارها معهم سرير بإحدى الغرف، وعند هذه النقطة تمنت أن تبكي وتندب حظها التعيس، البلهاء قرأت إعلانهم على أحد وسائل التواصل الاجتماعي بحاجتهم لفتاة تستأجر غرفة معهم، دخلت الفرحة بقلبها واطمأنت لحصولها على غرفه لاستأجرها بهذه السرعة في بلد غريب عنها ك دبي، تلك المدينة التى خطفت أنفاسها بكل شيء بها، من بداية المعمار والتصاميم التى تسحر العين.

شهر ونصف بها ومازالت تكتشف بها أشياء جديدة عنها يومياً!، ورغم انبهارها الا انها تفتقد أمان بلدها الحبيب مصر التى طالما سخرت منه، وتمنت أن تسافر وتخرج منها متخيلة انها اذا سافرت حتمًا لا تريد العودة مرة أخرى، تبًا لمخيلتها الساذجة، الأن تتمنى ان تعود، او يعود الزمن بها للخلف!، ارتسمت ضحكة ساخرة فوق ثغرها وهي تهتف لنفسها بداخلها قول للزمان ارجع يا زمان، انتشلت من أعماق تفكيرها على جلوس الأربع فتيات أمامها، تفحصت وجههم ببطء، انتبهت لحديث إحداهم وخاصة ملامح وجهها العابسة..

وأنتي يا سوسن فهمتيها النظام كله!
تحدثت تلك الفتاه المسماه ب سوسن ببرود:
لا اتفقت معها على الإيجار بس، قوليلها أنتي يا شيماء على النظام كله!
هزت شيماء رأسها وهي تقول بنبرة آمره:
أنتي هتقعدي في الاوضه دي مع منى...

حولت بصرها نحو يدها التي تشير نحو غرفه تقع يمنيًا، انتقلت بيدها نحو منى وجدتها فتاة هادئة بسيطة تنظر لها بهدوء شديد، أرسلت نور إليها ابتسامة، فقابلتها الأخرى بلا شيء، تلاشت ابتسامتها تدريجيًا من إحراجها، استمعت لحديث شيماء:
الإيجار ميتأخرش كل شهر تدفعيه، الحمام هنا مشترك، أكلك وشربك لوحدك، احنا مش مسؤولين عنك في إي حاجة، وياريت بلاش تعملي أي مشاكل..
ابتلعت نور ريقها بتوتر قائلة بارتباك:.

هو أنا هعمل مشاكل ليه!، بالعكس أنا مبحبش المشاكل، انتوا بقي بتحبوها!
ابتسمت سوسن بوجهها ثم قالت:
احنا أبدًا، احنا حبوبين خالص وبنحب بعض جِدًا، وكمان بنخاف على بعض مش كده يا بنات..
نهضت الفتيات دون رد نحو غرفهم، فتعجبت نور، لتقول سوسن بضحك وكأن شيئا لم يكن:
قومي يالا ادخلي مع منى الاوضه، وجهزي حاجتك فيها، عن أذنك..

راقبت دخول سوسن الغرفة التي دخلت إليها شيماء، يا لحظها التعيس هي تستحق سوسن تلك، وليست مني الكئيبة، نعم كئيبة يكفي نظراتها وملامح وجهها، زفرت بخفه وهي تنهض وتجر خلفها حقيبتها الكبيرة، دلفت الغرفة فتسارعت دقات قلبها وكأنها في سباق للركض، احتبست أنفاسها بخوف عندما رأت صغر حجم الغرفة، ورائحتها الكريهة!، شهقت بصدمة وهي تصيح باشمئزاز:
إيه ده هي الاوضه دي مش بتدخلها شمس!؟

جلست منى على فراشها تبتسم باستهزاء: افتحي الشباك يمكن يدخلك الشمس اللي نفسك فيها!.

نظرت نور حولها تبحث عن نافذة، لا يوجد، ليس بها منفذ واحد فقط، حسنًا ستتجاهل كل هذا، وتتعامل وكأن شيئا لم يكن، وضعت حقيبتها جانبًا جلست على الفراش بجسد يصرخ بالراحة، يوم كامل بلا مأوى، يوم كامل قضته كقارعة طريق مهجور، جاهدت النعاس الذي زحف ببطء لعيناها، نهضت وأبدلت ثيابها ثم وضعت بعض ملابسها فوق الفراش ورقدت هي فوقهم، وفي ثوان كانت تغرق في النوم براحة، أحيانًا حاجتك للنوم تجعلك غير مدرك لمخاوفك، بعد مرور عدة ساعات تقلبت بالفراش بسبب جفاف حلقها، فتحت عينيها في دقائق جاهدت فيهم أن تفارق بين جفنيها، وقع بصرها على منى تجلس بمنتصف فراشها، تمسك أحد الكتب وتقرأ بصوت خافت وتحرك جسدها في حركة منتظمة لإمام والخلف!، اعتدلت أكثر ولمحت الكتاب يبدو أنه من الكتب العتيقة والكبيرة، انصب تركيزها على الكتاب بفضول، فاجأة تقابلت عيناها بعيون منى الجاحظة، كتمت صرختها بداخلها، وخاصةً مع ملامح وجه منى الغريبة، خرج صوتها مرتجفًا وهي تشير نحو عنقها:.

أنا أنا كنت عاوزه...

قطعتها منى بنبرة تعجبت هي لها وخاصةً أنها تختلف كُليًا عن تلك النبرة التي استمعت لها قبل نومها:
متركزيش مع حاجة ملكيش فيها، علشان متتأذيش!
ثانية، هي ثانية واحدة استغرقتها في الخروج، فرت هاربة بسرعة البرق من الغرفة، وجدت أمامها سوسن ترتشف المياه، التصقت نور بها تهتف بخوف:
سوسن الحقي، اسمها إيه دي باين عليها ملبوسة!
انتاب سوسن حالة من الضحك عندما سمعت حديثها ولكنه هدئت قليلاً وهي تخبرها:.

باين!، لا وحياتك هي فعلاً كده!
ابتعدت نور بصدمة للخلف خطوتان غير مصدقة ما أوقعت نفسها به..
إيه، لا!.

وضعت سوسن الزجاجة برفق على الطاولة وهي تقول بهمس:
بصي نامي وملكيش دعوة بيها وهي مش هتأذيكي والله، مهما عملت، أوعي تركزي معها.
تعلقت نور بيدها ترجوها:
لا بالله عليكي خديني أنام معاكوا!
قهقهت سوسن لتقول بعدها بسخرية:
تنامي فين بقي على رجلي ولا على أيد شيماء وهي الصراحة حبتك آوي من أول لحظه حتى أنتي شوفتي الحب من كلامها...
عبست نور بوجهها لسخرية سوسن، فقالت الأخرى:.

سوري لو طريقتي ضايقتك، بس أوضتنا متختلفش عن الاوضه اللي أنتي فيها، ضيقه والسراير مكفينا بالعافية..
جلست نور مكانها بقلة حيلة هامسة بضياع:
هنام في الصالة على جثتي أنام معها جوه..

مرت الساعات عليها كالدهر، راقبت عقارب الساعة بتوتر وخوف أن تخرج منى في ساعات الليل المتأخرة وتقابلها وحدها، لم يهدأ عقلها من التفكير من أجل المبيت بهذا المكان، من رابع المستحيلات أن تشارك منى الغرفه، انتظرت الصباح حتى تحاول إقناع إحداهم للمكوث مع منى!، ابتسمت براحة مع ظهور نور الصباح، نهضت بكسل تبحث عن المياه، تروي جفاف حلقها الشديد، وفور أن رفعت الكوب نحو فمها التقط أذنها صراخ حاد، اندفعت نحو غرفة شيماء وسوسن تفتحها بقلق، حتى وقعت عيناها عليهم متشابكتان بعنف، وكل منهم تقذف الأخرى بأفظع الشتائم، دخلت بالمنتصف تحاول فض الشجار، حتى ابتعدت شيماء عنها قليلًا تهتف بعنف:.

وربنا لو أخدتي اي حاجة من هدومي تاني، لأقتلك يا سوسن.
حاولت سوسن الوصول إليها وهي تقول بنبرة لا تقل عنف أبدًا عن نبرة شيماء..
هدوم إيه يا معفنه، أنتي حيلتك حاجة!
حاولت شيماء أن تصل إليها حتى تلقنها درس قوي منعتها نور قائلة بصياح:
يا جماعة صلوا على النبي مينفعش كده احنا بنات بلد واحدة والمفروض نقف جنب بعض..
دفعتها شيماء بغيظ ثم قالت:
أنتي إيه دخلك أوضتنا، أنتي مالك أصلاً.
أشارت نور نحوهما متعجبة:.

انتوا كنتوا بتموتوا بعض، مش عوزاني أدخل وأفض الخناقة ما بينكم!
صدح صوت سوسن مؤكدة حديث شيماء لتقول بعصبية:
آه لو سمحتي متدخليش، باين عليها حشرية..
خصت حديثها الأخير بشيماء، فأكدت الاخرى حديثها وهي تهز رأسها بقوة
شهقت نور بقوة ثم تحدثت بعدها بتوبيخ:
أنا حشرية!، طب والله أنا غلطانة اني سكنت معاكوا أنا ماشية وابقوا دوروا على واحدة ترضى تسكن مع الملبوسة التانية...

استدارت بجسدها نحو الباب مقرره الذهاب، وجدت منى تقف على أعتاب باب الغرفة تنظر لها نظرات غامضة، تبددت شجاعتها وارتبكت نبرتها وهي تشير عليهن:
هما اللي قالولي عنك كده.

كانت تنوي الذهاب وهي بالفعل فرت بأقصى سرعة بحقيبتها، المكوث بالطريق أهون من هؤلاء الفتيات، أخرجت هاتفها مرة أخرى تبحث عن الإعلان الثاني التي تجاهلته عندما قرأته ظناً منها أنها وجدت مبتغاها، قرأت الإعلان بسرعة بفعل حرارة الشمس التي تضرب رأسها بقوة لتقول بهمس:
حلو آوي الإعلان ده أكلمه بقي ويارب ما تكون اتحجزت...
رفعت أصابعها الصغيرة تكتب بسرعة:
ممكن أشوف الغرفة لو سمحت.

ويا لحظها السعيد جاءها الرد في دقائق
أكيد العنوان ....
ابتسمت بسعادة كبيرة وهي تدعو ربها أن يوفقها في اختيارها هذه المرة، لا يوجد لديها مال لاستأجر غرفه في فندق ولم تجد أمامها سوى البحث عبر الإنترنت ولم تجد سوى إعلانين فقط، الأول بلوى والثاني، امممم لا تعرف!، والبلهاء من فرط توترها لم تلاحظ قط الملحوظة الأخيرة المدونة في آخر الإعلان...
( هذا الإعلان للرجال فقط)..

وصلت نور عند البناية أخيرًا بعد ساعة ونصف استغرقتها بالطريق تشاهد الأبنية العملاقة بانبهار واضح على ملامحها، شعرت بالقلق قليلًا المنطقة راقية وخاصةً تلك البناية التي تقع بها الشقة التي تريد استأجر غرفه بها!، صعدت بالمصعد لطابق الخامس، وجدت شقه واحدة بالطابق، هندمت ثيابها ورتبت شعرها للخلف أخذت نفس عميق ثم رسمت ابتسامة صغيرة وهي تطرق الباب بلطف، بعد عدة ثوان فُتح الباب فظهر أمامها شاب قمحي البشرة ذو جسد رياضي، وملامح تصرخ بالرجولة، انتبهت على نظراته المتنقلة بينها وبين حقيبتها، فقالت بنبرة خجله:.

السلام عليكم!
أجابها بسلاسة:
وعليكم السلام، مين حضرتك!
اتسعت ابتسامتها أكثر لتقول بفرحة:
إيه ده أنت مصري!
رفع حاجبيه لفرحتها قائلًا:
آه.
دفعته للخلف بحقيبتها ودخلت وهي تقول: ده أنا ربنا يحبني آوي آوي آوي.

كتمت انبهارها بداخلها وهي تشاهد جمال الشقة واتساعها وتنظيمها الذي خطف أنفاسها، تسربت الراحة لقلبها فرحه، غير مدركه أنها بشقة رجل!، في النهاية رجل، تلك هي نور فتاة طائشة متهورة تبحث عن الحرية والانطلاق نحو تحقيق أحلامها، أحلامها التي تجهلها هي أساسًا، كل ما تريده أن تقتنص الحرية التي طالما سمعت عنها من فتيات الإنترنت!، وفي طريقها للبحث عن الحرية، وقعت في بحر من الأخطاء تفاجأت هي بها، وكأنها تجهل مآسي الحياة ومصاعبها!

أما هو فمازال عقله لم يستوعب وجود تلك الفتاة بمنزله، ماذا تريد تلك؟!، تساءل بداخله، ولم يجد أي إجابه، فخرج صوته حادًا بعض الشيء:
هو أنتي مين، ممكن اعرف.
استدارت بجسدها تجيبه:
أنا المستأجرة الجديدة!
التوي فمه غير مصدقًا، مازال عقله يعطيه مع كل كلمه تنطق بها تلك الغريبة خطأ!، ، وقف على أعتاب الباب يبحث عن وجود رجل وهو يقول:
هو فين أستاذ نور، اللي كان يكلمني اسمه نور أحمد!
أشارت على نفسها بفخر:.

أنا نور أحمد!
وقحة!، هكذا سبها بداخله، تقف بكل فخر وتشير على نفسها أنها المدعوة نور أحمد!
انتبه على حديثها وهي تجلس فوق المقعد المجاور للباب بحرية:
هو أنت مش منزل إعلان وطالب مستأجر للغرفة في الشقة دي!
كتم ذلك اللفظ البذيء بداخله بصعوبة، ليقول بصوت أجش:
وأنتي ماخدتيش بالك إن أنا قايل في آخر الإعلان إن أنا عاوز راجل!
اتسعت عيناها حرجًا منه قائلة بتلعثم:
بجد، والله مخدتش بالي!، أنا...

صمتت للحظات تحاول استجماع ذهنها للخروج من ذلك المأزق، نظرت حولها بتمعن وجدت بالشقة غرفتان فقط، رفعت بصرها تسأله بغباء: يعني دي مش شقه كلنا بنتأجر فيها وكده..
قاطعها هو بنفاد صبر: لا دي شقتي، وأنا واخدها إيجار، وعاوز أجر اوضه فيها من الباطن، والإعلان ده كان لراجل مش لبنت فهمتي!

نفد صبرها هي الأخرى ليست منه، بل من كل شيء، من جميع الضغوطات التي مرت بها لتقول بشيء من العصبية: بقولك إيه أنت بتكلمي كده ليه!





أشار إليها نحو الباب حانقًا من تصرفات تلك الغبية ليقول:
طيب إتفضلي بره..
احتدت ملامحها لعنجهيته قائلة:
أنت بتطردني من الجنة إنسان قليل الذوق بصحيح!
اقترب منها خطوتان قائلًا بحده:
أنتي بتشتميني في بيتي على فكرة!
انفجرت باكية فجأة تهتف من بين بكائها:.

هو ليه المصريين كده، ليه منقفش جنب بعض!
تفاجئ لبكائها فقال ضاحكًا:
أنتي يابنتي قلبتيها مشكلة قوميه ليه!
نظرت له بحزن طفيف:
علشان قولت هارتاح أخيرًا وألاقي سكن بعد المرمطه دي وطلعت في الآخر لراجل، وطبعاً مينفعش أقعد معاك..

صمت يستمع لها بتركيز لما تقوله، أما هي فغرقت في بحر من الأسئلة التي ليس لديها أجوبة عنها في هذه اللحظة، ما مرت به يجعلها تتغاضي عن كونها في بيت واحد مع رجل غريب، ذهنها المعتوه صور لها أنه أهون من الجلوس مع هؤلاء الفتيات، أو مع، حسنًا هي لا تريد التذكر حاليًا يكفي ما يدور برأسها، وكالعادة أقنعت نفسها بما هو مرفوض أو ممنوع، باحثة عن جميع المبررات حتى تستطيع الجلوس معه، وفي نهاية الأمر اكتفت بجملة ما باليد حيلة، وكأن تلك الحيلة التي اختارتها سابقًا حتى تخرج من بلدها كانت جيدة، جميع حيلها مخبولة تمتاز بالغباء وسرعة التصرف دون أدنى تفكير في العواقب المستقبلية، فاندفعت تخبره برجاء:.

طب مينفعش أقعد هنا، أنا مش هاعمل إزعاج لحضرتك وهاكتفي باوضتي بس لغاية ما ألاقي سكن في أقرب وقت.
أخبرته وسقطت دمعه لعينه من مقلتيها كفيلة للتعبير عما تشعر به، مشاعر لأول مرة تتذوقها لما عاشته من قسوة الحياة غير مراعية أنها بالنهاية فتاة بسيطة عمرها لا يتعدى الثاني والعشرين، فتاة لأول مرة تختبر أشياء كانت قد تجهلها، فتمسكت بأول طرف للنجاة من حيث اعتقادها، جاءت أجابته تخرجها من عمق مشاعرها...

هز رأسه رافضًا تلك الفكرة:
لا طبعًا، أنتي مجنونة، تقعدي مع راجل غريب في بيت واحد.
مسحت دموعها بيدها وهي تقول بنبرة حزينة تحاول استعطافه:
يعني اقعد في الشارع عادي، أنا مفيش مكان حرفيًا أروحه.
أجابها ببساطة وهو يفتح الباب:
ارجعي مصر بسيطة!
تقدمت نحو الباب بوجه حزين وصوت مجهد: مينفعش، استحالة ارجع!
للحظة انتابه الفضول فقال:
ليه؟!
رفعت بصرها نحوه ترمقه بحده وغيظ:
وأنت مالك!

عقد ذراعيه أمامه وأشار برأسه نحو الباب محاولاً ألا ينفلت لجام لسانه نحوها!، أما هي فوجدت نفسها تسأله بهدوء:
ياعني ده مش بيتك ملك!
نفخ بعصبيه من أسئلتها:
لا ده إيجار أي أسئلة تاني!

هزت رأسها بنفي وخرجت من الشقة، وبداخلها يصرخ باكيًا، أين تذهب في هذه المدينة، المال معها لا يمكن أن يغطى جميع احتياجاتها، جاء بذهنها فكره، فقررت أن تنفذها بسرعة دون التفكير كعادتها دومًا، قبل أن يغلق الباب كانت تضع يدها حائلًا تدفع الباب مرة أخرى ثم دخلت مرة ثانية ترسم على وجهها الجمود وبداخلها كان التوتر سيد مشاعرها...

بص بقي أنت لازم تقعدني هنا، علشان مدورش على صاحب العمارة دي وأقوله إنك بتأجر من الباطن، وشوف بقي هيعمل، أكيد هيطردك من الشقة دي، ويبقى ولا أنا ولا أنت..
ضحكت في الآخر بسخرية، رفع أحد حاجبيه متعجبًا من جرأتها، الوقحة تقف بكل جرأه وتهدده، فقال هو بتهكم:
الحقد هينط من عينك، روحي دوري عليه وقوليله أنا بايع القضية!
زفرت بحنق هاتفه برجاء:.

بجد هي دي الرجولة، أنا بنت بلدك، أنت مصري أزاي تسيب بنت بلدك كده، هما دول المصريين في الغربة، المفروض نقف جمب بعض.
كركر ضاحكاً بسخرية:
اسكتي مش بقوا بياكلوا في بعض..
رفعت بصرها تناظره كالأطفال هاتفه بنبرة مرتعشة وأعين تهدد بالبكاء:
بردوا هتمشيني، هي دي الأخلاق!
كتم غيظه بصعوبة فخرجت حروفه غليظة من بين أسنانه:
يابنتي ما علشان الأخلاق مينفعش نقعد مع بعض، ياستي أنتي جميلة ومينفعش تقعدي معايا خلصنا!

اهتزت مشاعرها لتصريحه ذلك، لأول مرة تتعرض لغزل صريح هكذا، ولكن رسمت ببراعة ملامح الجمود والقوة:
هو أنت فاكر أنك ممكن تقربلي ده أنا أدب السكينة في قلبك أطلعها من دماغك!
ارتفع صوته وهو يقول باستهجان:
يا ولاه!، مجدي يعقوب نفسه ميعرفش يعملها!
حركت أصبعها برجاء مجدداً قائلة:.

هو شهر واحد بس، ألاقي في شغل وسكن جديد وهمشي، بجد أنا اتبهدلت، والله لو تعرف أنا مشيت من إيه، هاتفهم أكيد ليه مُصره اقعد هنا، أنا محترمه على فكره ومؤدبه، بس الظروف اللي خلتني آجي هنا، وأنا توسمت فيك خير، اعتبرني أختك وساعدني!

وعلي ذكر سيرة أخته، تألم قلبه قليلًا، فأخته الوحيدة أصابها مرض لعين السرطان وبسببه اضطر أن يرسل لها شهرِيًا نصف مرتبه، والنصف الآخر لم يكفي لتغطيه احتياجاته وإيجار شقه مثل هذه، وقع في حيرة، ولكن يجب عليه أن يساعدها في النهاية هي فتاه!، هو يعرف نفسه جيدًا، ولكن لا يعرف ماذا ستفعل معه تلك الساذجة إذا أصر على رفضه لها.
أغلقت الباب ببطء وهي تبتسم ابتسامه عريضة:
سكت يبقى موافق، أنت اسمك إيه بقي؟!

ضيق عيناه يحاول فهم مكنوناتها، كيف لها أن تتعامل معه هكذا فقال متعجبًا:
أنا لو كنت ابن خالتك مكنتيش هتعامليني بالحب ده!
عادت سؤالها مرة ثانية متجاهله حديثه وبنفس الابتسامة: اسمك إيه!
أجابها بصوت رجولي وهو يتقدم للداخل: يوسف.
صمت لبرهة والتفت نحوها يرمقها بتهديد: يوسف مش جو، علشان نكون لذاذ مع بعض!
هتفت بهمس:
يوسف، يوسف هو أنا هاتجوزك...
التفت نحوها مرة أخرى يهتف بتساؤل: قولتي إيه!

قولت قد إيه أنك راجل وطيب، وابن بلد بصحيح، مرضتش تسيب بنت بلدك لكلاب السكك، برافو أخلاقك عاليه جدًا.
هتف يوسف باشمئزاز:
قد إيه أنتي أوفر يا، نور.
لجمت لسانها السليط بأعجوبة، هذه الشقة مثل الحلم، و إستئجار غرفه بها ستكون راحة كبيرة لها، من المؤكد ستعيد صفاء ذهنها وتستطيع إخراج نفسها من تلك المصائب، وتبدأ رحله جديدة بحياة جديدة محاولة أن تبني أساس حياتها القادمة على بقايا الماضي!

تااااابع اسفل
 
 



27-01-2022 01:12 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [1]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية سر و علن
نوفيلا سر و علن للكاتبة زينب محمد الفصل الثاني

دخلت نور بخطوات بطيئة تتفحص الغرفة بهدوء واسعة إلى حد ما، نظيفة مرتبة، هي لا تحتاج أكثر من ذلك، ينقصها بعض من الهدوء وصفاء ذهنها حتى تستطيع استكمال المرحلة القادمة واجتيازها بسرعة، انها في قرارة نفسها لا تود المكوث هنا بتاتاً، في النهاية هي مع رجل، وهذا غير مقبول بالمرة، ستمكث وأثناء استئجارها ستبحث بكل قوتها عن سكن جديد مع فتيات مهذبات غير هؤلاء المجانين، يكفي المصائب التي تقع فوق رأسها، يكفي ما مرت به أثناء مكوثها مع إحدى صديقاتها، تدفقت الذكريات أمامها لتُذكِرها بأحداث تتمنى أن تمحيها من حياتها...

اعتدلت بالفراش وهي تُتابِع هاتفها بضجر، بدء الملل يدخل حياتها ويسيطر على مسارها هي لا تتمنى ذلك، أين ما قالته لها صديقتها آلاء، أين ما شجعتها عليه، أسبوع أسبوعين، ثلاث، شهر وبدأ كل شيء يتبخر، حتى ترحاب صديقتها وأخيها بدء يتراجع، قطع تفكيرها دخول آلاء عليها، فقالت نور بحماس:
ما تيجي نخرج النهارده توريني مكان جديد في دبي!

جلست آلاء أمامها تناظرها بضيق:
وبعدين وأخره الفُسَح إيه؟!
تبدد حماسها لتقول بنبرة مستفهمة:
مش فاهمة قصدك إيه؟!
قصدي أن الفلوس اللي معاكي أكيد بدأت تخلص يا نور، ولازم تشوفي حل، أنتي يا حبيبتي مهما كان بردوا قاعدة في غربة!
جف ريق نور وقالت بنبرة متوجسة خوفاً أن تتخلى عنها صديقتها:
طب إيه الحل، لو عندك قولي على طول.

اعتدلت آلاء أكثر في جلستها تنظر لها نظرات ذات مغزى، جهلتها نور ولم تستطع تفسيرها: لازم تشتغلي، ومش أي شغل، تشتغلي شغل يحقق ليكي ربح كبير علشان تقدري تحققي اللي نفسك فيه، وأنا بقي يا ستي عندي الشغل ده، شوفتي بقي صاحبتك بتحبك أزاي!
أنهت حديثها بابتسامة خبيثة، فقالت نور بحماس:
طب لما هو عندك ما تقولي من بدري، إيه هو بسرعة؟!
صمتت آلاء لبرهة ثم تحدثت بهدوء:.

شغلانه حلوة أوي وهاتكون بليل، وفي نفس الوقت هاتشوفي اللي عمرك ماشفتيه، هاتشتغلي في night club.
اتسعت عيناها قائلة بصدمة:
إيه!، فين؟!
التوى فم الأخرى باستهزاء:
نايتكلوب يا حبيبتي، هو أنتي فاكرة أنه زي الكباريهات اللي في مصر، لا دي حاجة عالية أوي، وشيك، ومقولكيش على اللي هاتشوفيه هناك، بلاش منظورك الضيق ده!

رمقتها نور بجمود وبداخلها غير مشجع لهذه الفكرة، صحيح هي تبحث عن الحرية والانطلاق، ولكن مازالت قيود العادات و التقاليد تفرض سطوتها بداخلها، مما جعلها تفكر بأفكار غريبة تجاه صديقتها، فقالت مستفهمة بفضول:
وهو‍ أنا هاشتغل إيه بقي هناك، أقدم مشاريب.
هزت آلاء رأسها بنفي قائلة بمكر:
لا حاجة أعلي انتي هتروحي وأخويا بيشتغل هناك..
قطعتها نور وقد أصابتها الدهشة من صدمه جديدة وهي تصيح:.

هو مش أخوكي ده قولتيلي بيشتغل مندوب!
التوى فم الأخرى بتهكم:
أنتي فاكرة يا حبيبتي أن شغل المبيعات هنا يأكل عيش، الحياة هنا غالية أوي أوي، بدليل الفلوس اللي أنتي جايه بيها بدأت تخلص وكل اللي قعدتيه شهر ونص، شغلانته بليل هي اللي معيشنا في المستوى ده...
هزت نور رأسها عدة مرات تحاول ترجمه عمل أخيها، فقالت آلاء موضحة:.

عماد أخويا هياخدك معاه، وهتقفي جنبه وأنتي لابسه يونيفورم المكان، لو حد من الزباين شاور عليكي هاتروحيله تقعدي معاه، تتكلمي وتضحكي وتشربي معاه وتقضي وقت لطيف وعلي حسب قعدتك ومدتها تتحاسبي شوفي بقي أنتي وشطارتك...
قطعتها نور وقد احتلت الصدمه ملامحها قائلة بصياح معترضة:
بس، اخرسي خالص، هو أنتي عوزاني اشتغل إيه، إنتي اتجننتي، انا اشتغل فتااااحه؟!

نهضت آلاء وتحولت ملامحها لتظهر مشاعر قد دفنتها منذ مجيء نور لدبي قائلة بحدة:
آمال أنتي فاكرة نفسك جاية دبي تعملي إيه، تتفسحي وتخلصي فلوسك وبعدين تقعدي في رقبتي أنا وأخويا ولا إيه لا فوقي، أنتي في غربه يا حبيبتي أنتي تتفرمي هنا ومحدش يحس بيكي، مين هايشغلك وأنتي ممعكيش أي خبرة، فوقي يا حبيبتي أحنا مش أهلك..
نهضت نور تقف بمقابلتها تناظرها بغضب قائلة:
بس ده مكنش كلامك ليا..
قاطعتها آلاء بغضب ولهجة عنيفة:.

هو ده الكلام من هنا ورايح عجبك تمام، مش عجبك اتفضلي دبي واسعة.

اختل توازنها للحظات بعدما وقعت كلمات صديقتها عليها، جلست على طرف الفراش تشعر بالتيه، كلماتها كانت أحد من السيف، كلماتها أصابتها في مقتل أفاقتها من تلك الحياة الوردية التي رسمتها لنفسها فور أن وطأت قدمها دبي، ماذا أوقعت نفسها به، لقد ألقت بنفسها في التهلكة، لم يسعفها عقلها بالتفكير سوى بشيء واحد فقط هو أن ترفض بقوة، يكفي ما فعلته لن تزيده سوء..

رفعت رأسها وناظرت آلاء بقوة وبداخلها يهتز ألف مرة لما تقوله:
زي ما قولتي دبي واسعة، وأنا هامشي، ومش هتقف عليكي...
ابتسمت الأخرى بسخرية:
وريني بقي شطارتك يا قلبي..
استكملت حديثها وهي تقترب منها، تسلط أعينها الحادة عليها هاتفه بتحدً:
وأنا بوعدك أنك هاتيجي تاني علشان تشتغلي الشغلانه دي.
نظرت نور لها بتحدٍّ مماثل قائلة:
لا، وألف لا مش هاشتغل الشغلانه دي، وهاحقق اللي أنا عوزاه و بشرفي.

أنهت حديثها وجذبت حقيبتها تفتحها بعصبية، وبداخلها يغلي ويغلي من صديقة زالت قشرتها وظهر جلدها الحقيقي، حَقًا مثل الثعبان تلونت حتى أقنعتها بما تريد والبلهاء اندفعت خلف حديثها بدون تفكير، لملمت باقي أشيائها وقبل أن تخرج استمعت لحديث آلاء وأخيها عماد الخافت نوعًا ما...
أنتي أزاي تمشيها يا آلاء، أنتي اتجننتي، صاحب المكان مستني الوش الجديد اللي هناك كلهم اتهرسوا!
أجابته آلاء بثقة:.

اللي زي دي يابني، لازم تتقرص صح علشان تعرف النعمة اللي كانت فيها، صدقني هاترجع زي الكلبة لغاية هنا، أنا فاهمة كويس متقلقش...
كتمت شهقتها بصعوبة، بعدما أدركت معنى حديثهم، كيف لها أن تنخدع بهذا الشكل، يجب أن تهرب وبسرعة من هذا المكان...

عادت من شرودها وبداخلها يتمزق حزناً على قرار قد أخذته في لحظه تهور، ليس أمامها سوى طريق واحد هو أن تبقى بدبي وتبدأ حياة جديدة، أحياناً شدائد المحن وصعوبتها تجعلك في دوامه غريبة من التفكير، لن تستطع وقتها حساب نفسك ما بين ماضيك ومستقبلك أي منهم الجحيم، ولكن من المؤكد أن جحيم الماضي سيكون أهون من جحيم مستقبل قد تجهله، رفعت بصرها للأعلى تناجي ربها بحديث غير مرتب ولكن هي في أمس الحاجة أن تخرج ما تخفيه تخرج سرها، يكفي ما تظهره لقد سئمت من كل شيء:.

يا رب أنا عارفة أنه غلط اقعد مع راجل غريب في بيت واحد بس أعمل إيه، مقدميش غير كده مفيش مكان أروحه، ولا بقي ينفع ارجع مصر، كل حاجة اتدمرت قدامي، أنا واثقة فيك وعارفة أنك معايا في كل مكان وهتحميني حتى منه لو فكر يأذيني...
خرجت من عمق مشاعرها بتنهيدة قوية تخرج جميع خباياها...

أما هو فكان يقترب من الغرفة حتى يتحدث معها، استوقفته كلماتها الغير مرتبه ونبرتها الحزينة المنكسرة، نفض كل تلك الأفكار التي هاجمته لتفكير بها، أثارت فضوله وخاصةً تصرفاتها غير المحسوبة، طرق الباب عدة طرقات هاتفًا:
لو سمحت تعالي برة علشان نقعد نتكلم...
أتاه ردها السريع لتقول:
آوك، ثواني..

وبالفعل قبل أن يتخذ من الأريكة الموضوعة بمنتصف الصالة مكانًا للجلوس كانت تخرج من الغرفة وعلي وجهها ابتسامة، بعد سماع حديثها ذلك أدرك أن تلك الابتسامة التي استفزته قبل قليل ليس سوى إلا ابتسامه مصطنعه فقط، هذه الفتاة تخفي الكثير والكثير، جلست أمامه ومازالت تلك الابتسامة اللعينة ترسمها فوق ثغرها...
هو أنتي بتضحكي كده ليه؟!
حدثها مقتضبًا الجبين، فأجابته بعفوية:.

يعني أبوز في وشك تقول عليا كشريه و تقول لا والله ما أنا مقعدها معايا، وبعدين الابتسامة في وش أخيك صدقة، وأنا اعتبرتك أخويا...
رفع حاجبيه بدهشة قائلاً بسخرية:
بتحاولي تبيني نفسك ذكية، بس مفضوحة آوي.
امتعض وجهها من سخرية حديثة، وضعت ساق فوق الأخرى بكل عنجهية:
أنا ذكية جِدًا، وأقدر أوقف أي حد عند حده، أنت بس متعاملتش مع نوع زي من البنات!
التوى فمه متهكمًا:.

بجد يا نور فعلاً، أنتي بتقولي فيها أول مرة أشوف نوعية زيك كده!
أشارت له بيدها وهي تصطنع الحدة:
بقولك إيه أولًا قولي يا أنسه نور أو أستاذة نور، ثانيًا أنت عاوز إيه جايبني من أوضتي ليه؟!
ضحك بصوت مرتفع قائلًا:
هي بقت أوضتك خلاص، مش بقولك أنتي حبوبه آوي يا..
صمت لبرهة يرمقها باستهجان:
يا أستاذة نور!
مطت شفتاها بضيق منه والتزمت الصمت، بينما هو استطرد حديثه:
كنت عاوز أسألك أنتي جاية دبي ليه؟!

اندفعت بإجابتها:
وأنت مالك!
ضغط فوق شفتاه بغيظ ليقول بعدها بنبرة تهدد بنفاد صبره:
أنتي جاية هنا دبي ليه؟!، لو مجاوبتيش اعتبري اتفاقنا لاغي!
ضيقت عيناها بغيظ من طريقته في التهديد، ولكن يجب عليها أن تتحلى بالبرود والصبر، فأجابت:
عادي جاية اشتغل!
أهلك ميتين ولا أيه!
اندفع بسؤاله، فاهتزت مشاعرها وظهر ذلك جليًا على ملامحها وخاصةً عينيها التي تجمعت بها الدموع، خرج صوتها ضعيف:
آه.
حمحم هاتفًا بأسف:.

أسف، بس يعني لازم اعرف عنك كل حاجة، بصي يا نور، قصدي يا انسه نور أنتي باين عليكي صغيرة وقراراتك متسرعة وأنا متعودتش أشوف حد وخاصةً لو مصري ومساعدوش ما بالك بقي ببنت بلدي، ولو جاية هنا تاكلي عيش وتشتغلي ف أنا هاساعدك واسمحلك تقعدي هنا المدة اللي أنتي عاوزاها لغاية ما تنقلي لسكن فيه بنات، اللي أنا بعمله ده علشان أنا دوقت طعم الغربة وشوفت حاجات كتير انتي صعب تتخيليها..

ودت أن تبكي وتخبره أنها رأتها ووقعت فريسة بها، ولكنها حاولت النجاة وستحاول ولن تهدأ حتى يعود الأمان والطمأنينة لنفسها، استمعت له بصمت تام، استمعت له وهي تسمح لعقلها أن يقتنع بحديثه حتى يهدأ من تلك الأفكار اللعينة التي تهاجمه بخصوص مكوثها معه بمكان واحد، وفور انتهائه قالت بنبرة هادئة وعينيها تنتقل في كل مكان ترفض النظر الية:.

وأنا زي ما قولتلك أنا مؤدبة ومتفكرش فيا تفكير وحش، أنا بس الظروف اللي جبتني هنا، وأكيد أنت أحسن الوحشين علشان كده طلبت اقعد هنا، وأنا أوعدك مطولش وألاقي سكن بسرعة!
أتمنى، بصي بقي طبعا أوضتك دي وياريت تلتزمي بيها، الحمام هنا...
أشار بيده ثم انتقل بيده نحو مكان آخر:
وده المطبخ، ياريت تلتزمي بكل حاجة في مكانها..

هزت رأسها بالموافقة والتزمت الصمت، انتقلت ببصرها هنا وهناك تدقق النظر بالشقة وتفاصيلها حَقًا أعجبتها، أما هو فشرد بها وخاصة ملامحها وجد نفسه يتفرس بتفاصيل وجهها، جميلة جِدًّا، جميلة حد الفتنة، بيضاء، أعينها يندثر من خلالها العسل الصافي، خصلات شعرها المموجة ما بين الذهبي والبني القاتم، وخاصةً تلك الشامة الصغيرة التي تقع فوق فمها تثير الشغف في قلب من يدقق النظر بها، نهر نفسه على ما يفعله، هي ستكون أمانته وسيحافظ عليها، استفاق على حديثها ويدها الممدوة أمامها:.

هات مفتاح الاوضه بتاعتي..
رمقها لثواني يستشف ملامحها الحادة، جذبه من جيب بنطاله بسلاسة وألقاه نحوها وهو يقول بنبرة هادئة:
أهو..
رفعت بصرها تسأله بترقب:
في نسخ تانية...
أجابها بعبث:
آه..
آه مستفزة تصاحبها بسمة ماكرة، أثارت الرعب بداخلها للحظة أنبت نفسها على قرارها ذلك، أما هو فلاحظ اضطرابها فقرر أن يتراجع عن طريقته معها:
اهدي بهزر لا هو صاحب الشقة مسلمني نسخة واحدة لكل اوضه.
أنهى حديثه هو ينهض قائلًا:.

أنا نازل اشتري حاجات، لو حد جه وخبط متفتحيش آوك.
هزت رأسها مرة أخرى دون رد، فقال هو متعجبًا وهو يتجه نحو الباب:
سبحان الله اتخرست فجأه.
خرج من الشقة وفور إغلاقه للباب قامت هي بتقليده:
وياريت تلتزمي بكل حاجة، هسرق حلة مثلاً، إنسان غريب...

رفعت بصرها تنظر للمطبخ وبدأت معدتها تصدر أصواتا عجيبة، تشعر بالجوع الشديد، لا بأس أن تأخذ القليل من المعكرونة وستعيره كميتها فور شرائها لاحتياجاتها، نهضت تبحث عنها ولكن لم تُكمل بحثها بسبب ارتفاع رنين جوال ما..

التفتت بجسدها تبحث بعيناها عن مصدر الصوت حتى وجدته بالقرب من الأريكة، اقتربت منه ببطء، لابد أنه قد نسي جواله، طالعت الاسم بفضول وجدت اسم ريم ، همست بالاسم بتفكير لثوان ولكن نهرت نفسها في الانغماس في حياة الغير وقررت أن تتجاهله وتلبية نداء بطنها الصغير، ولكن رنين الهاتف المتواصل أفقد تركيزها وجعله ينصب حول هوية ريم تلك، اقتربت مرة أخرى من الهاتف تحادث نفسها طب أرد، ولا ماليش دعوة...

أرد، وأتكلم رسمي!
لا مردش عيب مينفعش..
انتهى الرنين فحمدت ربها قائلة:
الحمد لله فصل لوحده..
وقبل أن تتحرك خطوة واحدة كانت يرتفع رنين الهاتف مرة أخرى بنفس الاسم، فقررت أن تجيب وتنهى إزعاج تلك المتصلة:
الو..
أنتي مين؟!
حمحمت بحرج تحاول إخراج كلمات لائقة: أنا...
شعرت بجسد ما يقف خلفها استدارت وجدت يوسف يقف ويناظرها بغضب، أعطته الهاتف بسرعة، فآخذة هو مُجِيبٌ:
الو..
استمع لصوت ريم أخته قائلة:.

مين دي يا يوسف اللي ردت عليا!
أغلق الاتصال فورًا صائحًا: إيه ده أنتي رديتي على ريم!
ريم مين؟!
سألته ببلاهة، فأخشن صوته قائلًا: وأنتي مالك، أنتي كمان هتدخلي في خصوصياتي..
امتعض وجهها لتقول باستنكار: خصوصيات، أنت مش شايف أن الكلمة دي كبيرة شوية حضرتك، ده مجرد تليفون رن وزهقني من كتر الاتصالات فقولت أرد أقول إنك مش موجود..
يا بجاحتك!

رفعت أصبع السبابة تشير في وجهه وهي تقترب منه هاتفة: بقولك يا محترم أنت، متحاولش تتعدى حدودك معايا..

أي حدود وهي تقترب منه بهذا الشكل!، اقتربت منه لدرجه اضطربت بها مشاعره ما بين توبيخها على ما فعلته، والانغماس بملامحها التي جذبته عن قرب، ملامح بها هجين غريب بين الشرق والغرب، ركضت عيناه فوق ملامحها فشعر بمشاعر غريبة للحظات، لحظات وأصر على تجاهلها، هي وهو لا يمكن أن يتقابلا عند نقطة واحدة!، انتبه على انفعالها قائلة: فاهم ولا لا..

فاهم إيه؟!.
أبعدت خصلات شعرهااا للخلف كحركة اعتيادية منها حينما ينتابها التوتر: إنك متعدداش حدودك معايا..
كتم لفظ بذيء كاد أن يخرج من شفتاه القاسية، فقال بحدة: لا بقولك إيه أنتي اللي متعدديش حدودك معايا مهما كان، خصوصياتي دي خط أحمر وبالذات ريم، فاهمة ولا لا..

اقترب منها بخطوات بطيئة، عقله يشجعه أن يفتك بها لفعلتها تلك حينما خرج من اضطراب مشاعره بسبب قربه منها الغير مقصود، المجنونة تعدت على أهم شيء لدية، أما هي شجعت نفسها أن تكون قوية تسيطر على توجسها منه حتى تستطيع أن تظهر له قوتها، دون أن ينفلت من يدها زمام الأمور وتقع فريسة سهلة له، هي مازالت تجهله وتجهل أخلاقه!

27-01-2022 01:12 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [2]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية سر و علن
نوفيلا سر و علن للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

راقبته بتوتر وهو يحادث تلك المدعوة ريم بشرفة الشقة، وضع يده فوق رأسه بفعل حرارة الشمس المرتفعة، ضغطت فوق شفتيها من فرط توترها، لاحظت يده التي أشارت لها إشارة بمعنى اصبري سأقتلك، تُرى من هي؟!، لِمَ توتر بهذا الشكل فور أن علم أنها ريم، آكلها الفضول والغيظ وهي تحاول التركيز معه لالتقاط أي كلمة منه، نهرها عقلها لتصرفاتها الهوجاء، وبدأت ظنونها تتأكد أن ريم تلك تخصه ومن المؤكد أنها زوجته، شعرت بالإحراج إن كانت بالفعل زوجته هي من أوقعته بغبائها وتسرعها في مشكلة يصعب حلها هكذا صور لها عقلها، ستنتظر وفور خروجه ستعتذر، شعرت بالعطش فدخلت للمطبخ تجلب المياه المثلجة عل برودتها تهدأ من توترها وما تشعر به، أما هو فكان في موقف لا يحسد عليه أبدًا وهو يقف مثل الطفل الصغير يبرر لأخته الصغرى من تلك الفتاة...

زي ما قولتلك دي زميلتي وكنت سايب الفون على مكتبي وردت عادي يعني!
مش حاسة بردوا، طيب ليه المكان هادي كده من حواليها!
فقد أعصابه ليقول بعصبية:
حد قالك إن أنا بشتغل في سوبر ماركت أنا بشتغل محاسب، وبعدين في إيه أنتي هتحاسبيني!
خلاص، أنا غلطانة إني بطمن عليك، أنا خايفة عليك يا يوسف أنت بقالك كتير متغرب والغربة ممكن تعمل فيها حاجة غلط...

التفت فورًا للخلف ينظر لها، وكأنه يعرف أنها خطأ، وخطأ كبير جِدًا، ولكن تَبًا لأخلاقه وشهامته التي سمحت له بأن يساعدها، أيعقل أن يأخذ من مساعدته لها مبررًا، أيعقل أن قد تكون جذبته منذ النظرة الأولى، لا لن يؤمن بهذه الخرافات، لقد رأي الأجمل منها بمراحل، لن تجذبه هي وتوقعه في غرامها يكفي تصرفاتها وأفعالها الغريبة، يكفي الغموض الذي يرتسم حولها كل هذا يثير الشكوك بداخله! فتاة تعمل ببلد غير بلدها، تُرى ماذا تركت في مصر خلفها حتى تغادر بلدها وتأتي لبلد غريب عنها، شكوكه جعلته نافر منها، انتبه لتحركها نحو المطبخ، فأصر على إغلاق الهاتف مع أخته سريعًا دون أن تشعر بشيء..

طيب أياً كان اللي بتقوليه، علشان أنا مش فاضي، طمنيني روحتي لدكتور!
أجابته بامتنان:
شكرًا يا حبيبي الفلوس وصلتني وروحت وهبدأ الجلسات متقلقش..
ابتسم مطمئنًا:
أيوة كده اياكي أسمع تاني كلمه مش هروح لدكتور..
هتفت ممتنة:
ربنا يخليك ليا يا حبيبي...
ويخليكي ليا، مضطر أقفل سلام...

لم يعطيها فرصه للرد، فهو يعرف أخته جيدًا وفضولها حوله، ولكن هنا فضولها محبب له، لأنه يعلم أنه نابع من خوفها عليه رغم أنها أصغر منه، ولكن لم تفشل أبدًا في إغراقه بحنانها وتعويضه عن فقدانهم لوالديهم حتى بعد زواجها وإنجابها لطفلين، شعر بالتيه للحظات مازال قلبه يتألم لها، أخته الوحيدة أصابها مرض لعين، لم يغيب عنه ذهنه قط لحظه إخبار زوجها له بمرضها، يتذكر سخونة تلك الدمعة التي سقطت فوق صفحة وجهه تحرق روحه بدلاً عنها، رفع بصره للسماء يناجي ربه أن يشفي أخته، تنهد بحزن ثم قرر أن يخرج من دوامه حزنه والدخول لتلك البلهاء لتهذيبها على تعديها خصوصياته بهذة الجرأة، وقف على أعتاب المطبخ يراقبها بصمت وهي تعطيه ظهرها تتجرع المياه بهدوء، تساءل بداخله من أين لها ذلك الهدوء، استفزته أكثر وأشعلت فتيل الغضب بداخله فخرج صوته مرتفعاً حَادًا:.

شوفتي عملتي ايه ياهانم...
لم يكمل حديثه بسبب اندفاع المياه من فمها بقوة، فتساقطت قطرات المياه فوق أساس المطبخ والأدوات، صاح حانقًا:
إيه اللي بتهببيه ده!
جذبت بعض الأقمشة الموضوعة جانبًا، تمسح بها فعلتها معتذرة:
آسفة والله ما أقصد أنا اتخضيت...
دفعها بعيدًا بضيق بالغ وهو يجذب منها الأقمشة واضعًا إياها بعيدًا قائلًا:
خضيتك في إيه يا مجنونة، كده تتفي المياه من بوقك..

أشار إليها حانقًا من تصرفها، راقبته بإهتمام وهو يمسح أثار فعلتها بالمناديل الورقية، تشنج جسده وتمتم بكلمات غريبة..
مجنون، هكذا نعته بداخلها فقالت متعجبة: هو أنا جرثومه يا حضرت..
التفتت ينظر لها بغضب:
حضرت لما يخفيكي من حياتي، بقولك إيه حافظي على نضافة البيت، أقولك ادخلي أوضتك متخرجيش منها إلا علي قد الحمام، وأنا هاعملك الأكل خلصنا...

هتفت بعند:
لا مش خلصنا، أنا مباكلش من أيد حد، أنا هادخل في أي مكان براحتي..
اقترب منها في ثوان ينظر لها بعصبية شديدة، وقد تحولت ملامحه كليا في هذه اللحظة، روادها شك أنه لدية علاقة بالجان والعفاريت، فتراجعت خطوة للخلف بإرتباك..
أنا شخص مريض بالنضافة، فبلاش تتعدى حدودك معايا أحسنلك..

حسنًا هو اسوء من اعتقادها الأول، لطالما سمعت كثيرًا عن ذلك المرض، لما حظها هكذا، لما كل مكان تذهب إليه يوجد به عله مختلفة، ولكن إذا فكرت بعقلانية ستجدها أهونهم، استغلت اندماجه في تعقيم الأدوات وقررت الفرار لغرفتها تحمد ربها بسرها أن فعلتها تلك أنسته مصيبتها الأولى، وقبل أن تدخل غرفتها أوقفها بصوته الذي أوضح لها أنه مازال يقظًا لها ولتصرفاتها.

لو عملتي حاجة تاني واتهورتي ومسكتي حاجة تخصني، أنا هعمل...
صاحت نور تقاطعه بغضب:
بطل تهددني أنا مبقاليش كام ساعة هنا، وكل دقيقة تهددني، أنا كمان ممكن أهددك فاهم ولا لا...
ترك كل شيء واندفع نحوها فدخلت لغرفتها بسرعة تغلقها بأحكام، وقف خلف الباب قائلًا بتهديد جاد:.

بقولك إيه أنا مش هعيد كلامي تاني، عاوزة تقعدي هنا، تقعدي بقواعدي واللي أنا أقوله يتنفذ، أنتي تحمدي ربنا إني رضيت وقعدت بلوه زيك معايا، ف اتظبطي كده وشيلي فكرة أنك تهدديني علشان ده في خيالاتك بس، فاهمة..
التزم الصمت يستمع لردها، ولكن قابله الصمت أيضًا، فطرق الباب طرقة واحدة قوية قالت هي من خلفه بذعر:
فاهمة..

شعر بالنصر لترويضها، انتفخت عضلاته بشيء من السعادة، أكثر نوع يصعب على الرجل ترويضه، الفتاة المتهورة وهو قرأ جنونها منذ اللحظة الأولى، هو ليس بحديث التعامل مع الفتيات، له تجارب عديدة أكسبته خبرة في صنف النساء عمومًا، ذلك النوع لم يتعامل معه مباشرةً، فجذبه، وأوقعه في دائرة فضول حولها لا تنتهي، ابتسم بفخر لنفسه مقررًا تهذبيها وترويضها كما يجب.

أما هي في الداخل فوقفت أمام المرآة تخاطب نفسها بحيرة، لما انصاعت فجأة له ولأوامره، هي رفضت أن تكون من هذا النوع، وسترفض، حدثت نفسها ألا تنصاع خلفه مرة أخرى، وستظهر له القوة، حتى يتراجع عن فكرة السيطرة عليها، لن تقع تحت سيطرة شخص، ستكون تحت حكم نفسها، سيدة قرارها، شجعت نفسها مَلِيًّا بأن تخرج وتتشاجر معه، شعرت بالتخبط في دربها، ولم تعد تعرف ما تريد، كل ما تريده الآن هو الهدوء، للتفكير في كيفية التعامل معه، أين دهاء المرأة، لِمَ اختفى منها، لِمَ تسيطر البلاهة عليها بهذا الشكل، حتمًا هذا نتيجة توترها، ستهدأ نفسها وتجد الحل حتى تستطيع المكوث هنا دون مشاكل!

بعد مرور أسبوعان قضت نور الوقت جليسة تلك الغرفة لا تفعل شيء سوى الخروج للمرحاض، والجلوس بها أو النوم، لا يوجد شيء آخر تفعله، آكلها الملل وخاصةً مع نفاذ باقتها للإنترنت، المال معها يكفي لإيجار شهرين وشراء بعض الأطعمة، وعلي ذكر الطعام تذكرت بالأمس عندما طرق الباب طرقات خفيفة واضعًا أمام الباب صحن يمتليء بالطعام والفاكهة، أحبت شهامته وامتنت له، بدأ الصراع الذي نشب بداخلها فور مكوثها بالشقة يهدأ قليلًا وبدأت أفكارها تتراجع، راودتها فكرة بأن تطلب انترنت منه حتى تبحث عن عمل لها، نهضت تنهدم ثيابها اقتربت من الغرفة تفتح بالمفتاح وتبعد ذلك الكرسي الضخم التي وضعته عند مقبض الباب، مازال خوفها مسيطرًا بقوة على مشاعرها، ستأخذ جميع احتياطاتها حتى تخرج من تلك الشقة سليمة دون خسائر، خرجت من الغرفة تبحث عنه وجدت الشقة فارغة، طرقت باب غرفته عدة مرات لا يوجد رد، جلست مكانها بملل تحول بصرها في جميع أنحاء الشقة فوقعت عيناها على المرحاض، تذكرت ذلك الموقف الذي جعلها في حاله من التخبط بمشاعرها، بما مرت به من مشاعر مرتبكة...

بعد مرور أسبوع على مكوثها في تلك الشقة، استيقظت من النوم بسبب حاجتها للمرحاض، لم تنظر للساعة، ولم تفكر أساسًا بما ترتديه من ثياب مكونة من بنطال قصير ضيق وستره تصل لمنتصف ذراعيها، شعرها الأشعث حول وجهها أعطاها منظرًا مضحكًا، تشابهت الأيام لديها وطالت دقات الساعة، خطت خطوات غير متزنة أحيانًا بسبب أثار النوم التي مازالت متعلقة بجفنيها، استعادت اتزانها قرب الحمام، وبدون تفكير أنها تشارك رجل غريب سكن فتحت باب المرحاض فاجأه، اتسعت أعين يوسف الذي كان يقف أمام الصنبور يغتسل هاتفًا بصدمة: إيه ده!

ردت خلفه هاتفه ببلاهة: إيه ده!
انتابه الضحك ليقول بسخرية: إيه ده أنتي، أزاي تدخلي كده على الناس في بيوت الدعارة..
شعرت بالإحراج يتفاقم بداخلها، احمر وجهها فبدت كحبه الطماطم حين تزدهر، ابتسمت على مزحته هاتفة بحرج: أنا كنت بحسبك رحت شغلك، أسفه..
جذب منشفته وذهب باتجاه الباب وقف بمقابلها وهو يقول بصوت رجولي هادئ: لا حاسبي بعد كده، مينفعش تتصرفي كده وكأن مفيش حد في البيت معاكي وخصوصا لو راجل..

رفعت عيناها ترمقه بخجل وارتباك، فتقابلت أعينهم اشتبكت نظراتهم للحظات، قبضت فوق المقبض من شدة خجلها، ساد الصمت بينهم لدقائق قاطعها هو بقوله الخافت: صح..
ابتلعت ريقها لتهتف خلفه: هو إيه اللي صح؟.
ركز ببصره فوق شامتها هاتفًا بصوت بعثر مشاعرها وخاصةً عند نطقه لاسمها: اللي أنا قولته من شوية يا نور.

هزت رأسها عدة مرات توافقه رأيه دون أن تشعر بحركاتها تلك، فقال هو مازحًا ينهي بها ضجيج مشاعرهم: طب أقفي خلاص، راسك علقت ولا إيه، ادخلي يالا أنا خلصت..
غادر لغرفته، فالتفتت هي تحدق في أثره مغمغمه: فوقي، فوقي يا نور..

دلفت للمرحاض بسرعة وأغلقت الباب خلفها بأحكام ومنه إلى الصنبور تفتح المياه، بللت يدها ووضعت قطرات المياه فوق صفحات وجهها تحاول أن تهدأ من سخونته، بسبب تصرفها الأرعن تعرضت لأكثر موقف محرج قد تمر به، تغاضت عن مشاعرها التي كانت في حالة اهتياج غريب وقررت أن توبخ نفسها على أفعالها المتهورة والغير محسوبة...

عادت من شرودها وعلي وجهها بسمة بلهاء لم تعرف مصدرها، أو هي تعرف مصدرها جيدًا ولكن تتجاهلها خوفًا في الوقوع بعلاقة غير صحيحة بالمرة، شعرت بعجزها أمام اضطراب مشاعرها فقررت أن تنهي تفكيرها بشيء ما تفعله فكرت للحظات وبعدها قررت أن تخرج وتذهب لأقرب سوبر ماركت تتبضع احتياجاتها، جذبت حقيبتها واستقلت المصعد ومنه إلى الطريق تسأل عن أقرب سوبر ماركت، دخلت وكأي فتاة بدأت في الانغماس في العروضات هنا وهناك، وتناست أمر الساعة وتأخرها..

أما هو فعاد من عمله بإرهاق، كل شيء مكانه لا يوجد تغيير، ارتاح قليلاً للإلتزامها بقواعده، ولج غرفته وأبدل ثيابه بتعب، ومنه إلى المطبخ، رفع بصره نحو غرفتها بتفكير، لعن الفضول بداخله الذي ينصب حولها فقط، نهر نفسه على تفكيره بها وقرر أن يركز على الطعام فقط، هي مجرد مستأجرة ليس أكثر من ذلك، وسيعاملها على هذا النحو، انتبه لقرع جرس الباب، ترك ما بيده ثم جذب قطعه قماش يمسح يده بسرعة، فتح الباب وجدها أمامه تقف وتبتسم، ود أن يمد يده ويصفعها بقوة حتى تخفي تلك الابتسامة المستفزة التي تثير مشاعر حانقة بداخله، دخلت وهي تقول: السوبر ماركت بعيد آوي..

هتف باستفهام:
هو أنتي كنتي بره..
ضحكت بخفه وهي تهتف بمزاح:
لا جوه!
رمقها باشمئزاز قائلًا:
بلاش استظراف..
وضعت الحقائب البلاستيكية جانبًا واقتربت منه تضيق عينيها تسأله:
هو أنت بتعامل كل الناس كده، ولا أنا بس علشان أبقى فاهمة...
هتفرق الإجابة يعني!
هزت رأسها بقوة قائلة بوقاحة:
أكيد، لو أنت بتعامل كل الناس كده، فأكيد أنت مريض، أما لو أنا بس فأهدى على نفسك بقي علشان أعصابك!

هربت الكلمات من ذهنه وتبقى فقط الشتائم، نعم هو يريد أن يعبر عما داخله بها، هي أنسب ما لدية حاليًا، تَبًا لفظاظتها ووقاحتها، ألقت بحديثها وانطلقت صوب المطبخ تفرغ أشيائها أما هو فتبقي مصدومًا هكذا يقف مكانه ينظر، راقبها بعينيه وهي تمسك طبق الطعام الذي يقوم بإعداده وعلي وجهها علامات الامتعاض:
إيه دي مكرونة بالتونة مبحبهاش!
ألقى قطعه القماش التي كانت بيده بعنف وهو يجذب منها الطبق:.

وأنتي مالك، اعملي أكل لنفسك...
استدارت بجسدها بعدما التفتت نحو البراد تفرغ الأشياء:
آه ما أنا هعمل، أكلك مبيعجبنيش، كنت باكلة بالعافية، بس على العموم ميرسي..
التفتت مرة أخرى تكتم ضحكتها بأعجوبة، سعيدة بنفسها بعد كل جملة تلقيها بوجهه تثير غضبه وحنقه منهاط، أما يوسف فامسك الملعقة الكبيرة بسرعة يريد أن يلقيها برأسها ولكن كتم غيظه لآخر لحظه، وضعها بعنف على الطاولة، ففزعت نور واستدارت تقول:.

لا بقولك إيه أنا بتخض، أهدى كده..
اهدي أنتي علشان مقتلكيش، يا مستفزة..
همست هي الاخرى بحنق:
رخم..
قولتي إيه!
هزت كتفيها وهي تنتقل بإرجاء المطبخ: مقولتش..
اغلق عينيه محاولة منه أن يستجمع هدوئه بعدما أفقدته إياه، قرر ألا ينشغل بها وسيتجاهلها حتى لا يكسر رأسها اللعين ويتخلص من ابتسامتها التي كلما تقابلت أعينهم ترسلها له...
اندفع صوب أدراج المطبخ يبحث بسرعة على شيء، حتى وجده وهو يصيح موجهًا الحديث لها:.

عارفة اللزقة دي، لو مبطلتيش ابتسامتك المستفزة دي هاجبها والزق بوقك بيها، ماشي.
رفعت الصحن وهي تتقدم نحو غرفتها بخطوات متمهلة:
والله اللزقة دي، مش أنا بس اللي محتاجها!
استطردت حديثها وهي تقف على أعتاب غرفتها:
أنت كمان علشان تقفل بوقك اللي بينقط سم ده!

دخلت بسرعة وأغلقت الباب خلفها، أما هو فألقى اللاصقة بعنف في باب غرفتها، كتمت هي ضحكتها وهي تقفز بسعادة، وضعت الصحن على الطاولة وبدأت تناول وجبتها بهدوء، تذكرت أمر اشتراك الإنترنت، ضربت بكفها جبينها هاتفة بهمس:
غبية!، هاتقدري أزاي تطلبي منه مساعدة، متخلفة..

تركت الطعام بضيق بالغ مما فعلته، كيف لها أن تنسى شيئًا مهم مثل هذا، حاولت استجماع هدوئها أو لنقل برودها لتخرج تطلب منه مساعدته، لاح بذهنها فكرة أن تعد مشروب بارد وتقدمه كإعتذار عما فعلته، وامتنان له عما يفعله، خرجت من الغرفة وهي تتحاشى النظر الية، لمحت بطرف عيناها جلوسه على طاوله الطعام يتناول طعامه بصمت، تقدمت من المطبخ وهي تنهر نفسها ألا تنظر له، ولكن عينيها تمردت وألقت نظرة خاطفة عليه، مبررة لنفسها استكشاف حالته ومزاجه، فتقابلت عيناها بخاصته، ارتبكت بشدة حتى أنها كادت أن تسقط وتتعسر في الكرسي الموضوع بجانب باب المطبخ، جاءت أن تحركه هاتفته بتوتر وخجل:.

الكرسي مكانه هنا غلط..
سيبيه ومتحركيش حاجة..
التفتت تنظر نحوه بضيق، فأرسل إليها إبتسامة جافة:
عاجبني مكانه، في حاجة..
حركت رأسها بنفي وهي تنظر لمكانه قائلة: أبدًا، ده حتى مكانه هنا تحفه، زوقك هايل.
أردف بتغطرس:
عارف..
كظمت غيظها وضيقها ودخلت المطبخ تنفذ باقي خطتها، وبعد ذلك ستسمح للسانها السليط ينطلق نحوه بلا لجام، استغرقت عشر دقائق ثم خرجت تنظر بإعجاب للكوب العصير وهي تقول:
أنا عملت أحلى كوباية، أتفضل.

وضع الملعقة أمامه دون النظر لها قائلًا ببرود: شكرًا، تعبتي نفسك، مبشربش حاجة من أيد حد.
ضغطت بيدها أكثر فوق الكوب حتى ابيضت مفاصلها، جاهدت غضبها وحاولت إخماده، فقالت:
أمممم علشان أنت نضيف وبتقرف صح.
أومأ إيماءة بسيطة والتزم الصمت، فقالت هي بنبرة حاولت أن تخرج عادية وتخفي بها سخريتها منه:
حقيقي يا أستاذ يوسف حضرتك بتبهرني كل شوية، مفيش راجل نضيف ومرتب بالشكل ده، بجد شابوو...
رفع بصره وهو يرمقها ساخرًا:.

طبل بذمه تصل للقمة، خير في حاجة عوزاها!
جذبت الكرسي المجاور وجلست عليه بسرعة تقول بإستيحاء:
ممكن بعد إذنك، تديني تليفونك أو توصلني ب نت، عاوزه أدور على شغل..
بجحه!
تدفقت الدماء لوجهها من شدة الإحراج فنهضت بسرعة، وقبل أن تتحرك هتف هو: اللاب توب بتاعي على الترابيزة هناك افتحيه ودوري..
فركت يدها بتوتر وخجل قائلة:
شكرًا، هدور وأكيد هرجعهولك بسرعة.
أخشن صوته وهتف باستنكار:.

ده على أساس هتلاقي بسرعة، هو أنتي مش واخدة بالك أنتي فين!
رفعت يدها تعيد خصلاتها خلف أذنها بتوتر بالغ، أردفت بلهجة مريرة:
لا واخده بالي!
حدق فيها متسائلًا:
أنتي عندك كام سنه؟!
أجابته بنبرة خافتة:
٢٢..
تابع أسئلته يحاول البحث عن أجوبة قد راودته أسئلتها خلال اليومين التي مكثت بهم: وجاية دبي من أمتي!.
اهتزت جملتها وهي تجيبه:
من شهر ونص!
وسبتي مصر ليه؟!

سؤال لن تجيبه عليه، لا يمكن!، ستحتفظ بإجابته بداخلها، أجابه تمزقها عندما تفكر بها، ولكن يتبقى شيء واحد بداخلها تنهر نفسها عليه يومِيًا ألا وهو تهورها واندفاعها خلف أمنيات من السراب، حاولت منع عينيها من ذرف دموع الندم يكفي دموعها، لقد وعدت نفسها منذ خروجها من منزل صديقتها ألا تبكي وستظهر قوتها حتى تصل إلى ما كانت تتمناه، طال صمتها الذي يثير الشغف بداخله لمعرفه ما حدث لها، صمتها يخفي حديث يصعب لسانها أن ينطق به، فرأفه بها وبصمتها!

تجاهلت سؤاله، جلست فوق الأريكة تجذب الجهاز على ساقيها وبدأت في رحلة البحث، أما هو فأدرك أن هناك سببًا قوي جعلها تترك مصر، حتمًا سيعرفه فيما بعد...

تركها تبحث بحرية ودخل غرفته، يترك لها مساحتها الكاملة، أما هي فانطلقت بين صفحات الإنترنت، هجرها الأمل بعدما كان سيد مشاعرها وتخللها اليأس، أغلقت الجهاز وظهر على وجهها علامات السأم، ليس عليها سوى أن تنتظر الصباح وتبحث بنفسها عبر الكافيهات والمطاعم، نهضت بهدوء وهي تحمل الجهاز تعطيه ليوسف وتشكره بأدب، طرقت باب غرفته، حاولت رسم ملامح الجمود فوق وجهها حتى لا يشمت بها بعد فشلها الذريع، فتح باب غرفته ناظرًا لها باستفهام، فقالت: ملقتش، شكرًا.

خرج من غرفته وهو يقول بإستهجان:
طبعًا مش هاتلاقي مستحيل، الشغل هنا مش كده..
هتفت بسرعة تسأله:
امال أزاي قولي، أنت باين عليك بقالك كتير هنا، عارف الطريقة!
أجابها وهو يجلس فوق الأريكة يجذب هاتفه يعبث به:
حاجة تشبه الوسطة عندنا، أو ما يسمى بالوسيط..
همست بحيرة:
وأنا هلاقيه فين!
أشار إليها بالصمت ورفع الهاتف فوق أذنه يقول:
حبيبي واحشاني!
صمت يستمع للطرف الآخر، بعدها ابتسم قائلًا:.

تسلم، أنا كنت عاوز منك طلب وعشمان فيك تساعدني.
صمت لثوان ثم اتسعت ابتسامته ليقول:
ده اللي مستنيه، بص في بنت قريبتي جت هنا تشتغل في دبي، هي قرابة من بعيد يعني، كنت محتاج تجيب لها شغل ويكون مناسب ليها..
تأهبت بسعادة وهي تستمع له، وتراقب ملامحه التي تحولت من الابتسام للاقتضاب وهو يقول:
أمم، معرفش، عادية يعني..
انقبض قلبها وهي تجهل أساسًا حديث الطرف الآخر، قطبت جبينها باستغراب عندما وجدته يقول معترضًا:.

لا طبعًا، أقصد، بقولك إيه جيب أنت الشغل وأنا هاجبها تعمل مقابلة..
حسنًا ستقفز بسعادة مثل الأطفال، بدأت أبواب الفرج تنفتح على مصراعيها أمامها أغلق الاتصال ليقول بعده:
هبكلمني ويجيبلك شغل مناسب.
صفقت بحرارة وبسعادة هاتفة:
شكرًا يا يوسف متشكرة آوي، امتى بقى!

اكتفى ببسمة صغيرة ليقول: لا امتى دي معرفش، براحته يومين تلاته، اسبوع اسبوعين، الشغل مش في ايده، هو شغال في مجموعه فنادق واكيد لو لقي حاجه مناسبه هيكلمني..
هزت رأسها متفهمه، صمتت للحظات فتذكرت حديثه عادت تهتف بفضول:
هو إيه اللي عادية ولا مينفعش، في أية هو كان بيقول إيه؟!
رد بإقتضاب:
مالكيش دعوة..
وفور أن أنهى حديثه ارتفع قرع جرس الباب، رفع يده ينظر للساعة قاطب الجبين:
مين هيجي دلوقتي...

اتجه صوب الباب أما هي فمازالت تجلس مكانها تنغمس في شعور السعادة لحصولها على عمل، صحيح مازال في أمر الغيب، ولكن يكفي أنها ستحصل عليه فيما بعد، انتبهت لصوت رجل يقف على أعتاب باب الشقة ينظر لها بصدمة يهتف بلهجة مصرية ضعيفة:
إيه ده يا يوسف، مين حضرتها!، أنت جايب بنات الشقة بتاعتي!.

يوسف!، يوسف ليس هنا، يوسف قد غرق في صدمة ما بعدها صدمة، مالك البناية يقف أمامه ويسأله عن تلك البلوى، نعم هي بلوى وقعت فوق رأسه!، أخبر أخته أنها زميلته، ماذا سيجيب هذا، انهارت عليه علامات التعجب والاستفهام!، أين ذكائه ليخرجه من ذلك المأزق على خير دون أن يفقد تلك الشقة، التي استأجرها لسنين وارتاح نَفسِيًا لها، إذا أخطأ معه سيخرج منها وبفضيحة، يجب عليه الخروج من تلك المصيبة وبذكاء..

27-01-2022 01:13 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [3]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية سر و علن
نوفيلا سر و علن للكاتبة زينب محمد الفصل الرابع

تزاحمت أفكاره للخروج من ذلك المأزق لدرجة أن كل فكرة والأخرى تتسابق للخروج للعلن، والرجل يصمت وينظر نظرات غامضة وأحيانًا غاضبة، أما هي فأدركت ما يحدث، حاولت إنقاذ ما يحدث بسرعة، اقتربت منهم تبتسم ابتسامتها الملعونة، ولكن حَقًا هو في أمس الحاجة لابتسامتها الآن، حتى تهدأ من حدة الوضع الراهن، مدت يدها تصافح الرجل بترحاب كبير استعجب له يوسف ومالك البناية...
يا أهلاً وسهلاً، نورتنا وشرفتنا..

وبطرف عيناها تغمز ليوسف حتى ينقذ الوضع، فخرج صوت يوسف عَادِيًا بقدر الإمكان: ادخل يا شيخنا واقف على الباب ليه؟!
لم يتزحزح خطوة واحدة وبقي واقفًا هكذا كالصنم يناظرهم نظرة بمعنى ماذا يوجد هنا، داست بقدمها فوق قدمه، فنهرها يوسف بعينيه عن فعلتها تلك، أما الرجل فما زال يجهل ما يفعلونه، حتى تحدث يوسف فجأة وبدون أي مقدمات: أعرفك يا شيخنا دي...
صمت لبرهة ثم مد يده وحاوطها مبتسمًا: نور مراتي!

كانت تهز رأسها مع حديثه وابتسامتها ترتسم فوق ثغرها وتتسع ولكن فور أن أنهى حديثه تلاشت ابتسامتها وحل الذعر ملامحها، لسانها أين هو!، لا تعلم، عقلها توقف عند نقطة واحدة هي زوجته ويده الممدوه بأريحية فوق كتفها، أما الراجل فاحتلت إمارات الدهشة ملامحه ليقول بنفس لكنته الضعيفة: اتجوزت يا راجل..

نظر لها يوسف نظرة سريعة يستشف رد فعلها، فوجدها ترمقه بغضب وابتسامتها اهتزت، لم تعد تعرف تعبس أم تبتسم فبدا وجهها وكأنه أصابه الرعاش، أما هي فحاولت أن تبتعد بهدوء دون أن يلاحظ الرجل، لمسته بعثرت مشاعرها وجعلتها في حالة تجهلها، حالة لم تتعرض لها من قبل، أصابع يده التي تقبض بقوة فوق لحم كتفيها انصهر داخلها لملامسها الخشن، يجب أن تبتعد وبسرعة، هذا الوضع يحبس أنفاسها، ويجعل مشاعرها في حالة من الفوضى صعب أن تهدأ، ابتعدت قليلاً رغمًا عنه وأشارت للرجل بالجلوس، أما هو فجهل سبب فعلته تلك، لما قبض وبقوة فوق كتفيها، هل ليثبت للرجل أنها زوجته، أم أنه يريد أن يرضى غريزته ويقترب منها ليرى رد فعلها، ورغم تزاحم المشاعر والأفكار إلا أنه قرأ توترها وتلك الرعشة التي هاجمت جسدها فور محاوطته لها، حسنًا الليالي طويلة وستوضح له حقيقتها حتى وإن حاولت أن تخفيها، فمهما كنت بارعًا في إظهار علنك، داخلك يتلوى كالسمكة الصغيرة التي كُتب في مصيرها بأن تقع فريسة لصياد ماهر، سرك سيظهر للعلن حتمًا وسيريح عقل من أنشغل بالتفكير لمعرفة خباياك!، استفاق من شروده على صوت مالك البناية: واتجوزت أمتي يا يوسف..

ضيقت عيناها للحظات ترمق الرجل باستفهام، لما يصر دائمًا على التحدث باللهجة المصرية رغم ضعفه بها، انتبه لها يوسف فهتف وعلي وجهه ابتسامة صغيرة: شيخنا بيحب يتكلم بلغتنا، بيعز مصر أوي يا حبيبتي!

رفعت حاجبيها ساخرة من نطقه لحبيبتي، ورغم سخريتها إلا أن ياء الملكية التي كانت في نهاية الكلمة، أدهشتها لدرجة شعرت بأنها أول مرة تستمع إليها، حبيبتي كررتها بداخلها بنفس طريقته ونغمة صوته، نغمة وقعت على مسامعها وكأنها لحن موسيقى عزف ببراعة على أوتار قلبها المسكين الذي كان بمثابة أول مرة يتعرض لهذا النوع من الحديث أو المواقف، انتبهت لحديث يوسف وحكايته التي اختلقها في دقائق، حكاية صدقتها هي شَخصيًا وخاصةً نظراته التي أرسلت القلق في نفسها: نور قريبتي من بعيد ولما نزلت آخر إجازة كتبت كتابي عليها وعلشان ظروف أختي معملناش فرح، وهي جت على هنا...

حمحم الرجل متأسفًا: طب مش كنت تقول يا جدع، وأخبار أختك إيه، تمام إن شاء الله.
هز رأسه بإيماءة بسيطة متمتمًا: الحمد لله...
حول الرجل بصره نحو نور قائلًا ببسمة صغيرة: أسف يا مدام والله أنا أحب يوسف مثل أخويا وأكثر، بس الله يلعنهم الجيران، بلغوني أنه جاب بنت معه، وكده سمعه مو حلوة على سكنى..
خرج صوتها ضعيفًا: مفيش مشكلة.

عاد الرجل وتحدث بلطف أكثر: والله أنا أحب مصر أوي أوي، وأحب آكلها وشعبها، وبحب أتكلم زيكو آوي..
ضحكت بخفه: ما هو واضح...
التزم يوسف الصمت، مستغرقًا في تفكيره، أما هي كعادتها عندما تعتاد على شخص تنغمس بحرية في الحديث معه، حتى أنها دعته على العشاء، نعم!، عشاء ماذا!، استفاق يوسف على حديثها وهي تؤكد على الرجل بحرارة شديدة: أبدًا لازم حضرتك تشرفنا في يوم على العشااا، وهاعملك الأكل اللي بتحبة...

اتسعت عيناه بصدمه، فحاول أن ينهرها بشتى الطرق، ولكن هي لا توجد هنا، هي في عالمها التي استمعت بالحديث مع الرجل على أشهر الأكلات المصرية، آه داخلية كتمها يوسف، تمنى أن يقف ويكسر عظام رأسها اللعين، يكفي مصائب، مصائبها من نوع غريب يجعله كالأبله أمام حلها، بداية من مكوثها معه حتى هذه اللحظة، نهض الرجل على استيحاء هاتفًا: إن شاء الله أحاول أجاي بعد يومين...
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يقول: أكيد هاتنورنا..

غادر الرجل الشقة، وفور خروجه صاحت نور بصوتها المرتفع: أنت تجننت أزاي تقول عليا مراتك، لا وكمان تحط أيدك عليا، أيدك دي هاقطعها ليك لو فكرت تتمادي أكتر..

ستصيبه بالجنون، ستخرجه عن طور تعقله، المعتوهة كانت تقف منذ قليل وتصر على دعوته، والآن تصيح باعتراض على خطته، هل هي برأسين مثلاً تساءل بداخله فقال بنبرة هادئة أو لنقل الهدوء ما يسبق العاصفة: هو أنتي مجنونة، أنتي مش كنتي لسة بتعزمي الراجل على عشا وبحب آوي...
ضحكت بسخرية لتقول: بعزمه علشان اثبت الخطة المهببة عنده، الراجل كان شاكك يا أستاذ.
ردد خلفها الكلمة متعجبًا: خطه مهببه..

هزت رأسها بالموافقة عدة مرات، فالتوى فمه متهكمًا وتغلب على نبرته الغطرسة: أنتي تطولي يابنتي، أن اسمك يرتبط باسمي، احمدي ربنا...
رفعت أحد حاجبيها على غطرسته قائلة: أنا نفسي افهم واخد مقلب في نفسك ليه، براحة شوية...
احتشد الغضب في صوته ليقول: براحة أنتي، ومتعليش صوتك تاني عليا، واللي عملته كان بسببك..
أشارت على نفسها متعجبة: بسببي أنا!، أنت مش سامع الراجل بنفسك بيقول الجيران هما السبب..

هز رأسه مجيبًا بحدة: ما هو يا هانم افهمي، أنا كنت ه أاجر من الباطن، وصاحب البيت ميعرفش، وطالب زفت راجل مستأجر علشان لو سأل أقوله ابن خالتي صاحبي أي حاجة قاعد معايا...
قاطعته هي لتقول بتفكير: آه والوضع هايختلف لو معاك بنت...
التوى فمه باستهجان قائلًا: طب ما أنتي بتفهمي أهو، ومينفعش أقول إنك أختي علشان شاف ريم أختي قبل كده معايا في مصر..
صاحت بتسرع وابتسامة بلهاء فوق محياها: هي ريم أختك...

ضيق عيناه وهو يرمقها بمكر: آه في حاجة!
هزت كتفيها بلامبالاة وهي تنهض تتجه لغرفتها: هو مش هايجي أصلاً متقلقش، بس أنت متاخدش لعبه الجواز دي حكاية بقي، الراجل جهة وخلصنا فضيناها...

وقفت على أعتاب غرفتها تنهي حديثها، فنهض هو الآخر يقف يحدثها بنبرة حادة خفيفة تحمل التهديد: لا بقولك إيه يا نور، اللعبة دي سر ما بينا، وهاتفضل كده طول ما أحنا بره على السلم أو في الأسانسير، لو حد من الجيران شم خبر هاتلاقيه ناطط هنا تاني، أنا معنديش أي استعداد أخسر الشقة دي علشان خاطر حد، أنا تعبت وانتقلت من سكن لسكن كتير، لغاية ما وصلت لشقة زي دي، وزي ما أنا بساعدك تشوفي شغل، تساعديني محدش يشك في حاجة لغاية ما أطلقك..

نعم!
كتم ابتسامته وهو يتجه لغرفته هو الآخر يهتف بعبث: لغاية ما تنقلي سكن تاني يعني، وقدامهم هاقول طلقتك وبالتلاته...
أشار إليها بيده برقم ثلاث وعلى وجهه ابتسامة مشاكسة، فقالت هي بكبرياء: اللي زيك لو اتجوز واحدة زي ميرضاش يطلقني، تمسك فيا بأيدك وسنانك...
رمقها باستهزاء: ليه الكونتيسة نور، اللي زيك ميقعدش على ذمتي يوم، أنتي مش نوعي المفضل..

شعرت بنيران بداخلها لو سمحت لها بالخروج ستلتهمه بشدة، ولكن كظمت غضبها لتقول: نوعك بسمسم صح...
مش هرد عليكي، هاسيبك بنارك كده..
دخل غرفته وهو يضحك بصوت مرتفع، أما هي فاحتقن وجهها بغضب منه، البارد مازال يتفوق عليها في ردوده، قصف جبتها وبقوة دخلت غرفتها هي الأخرى وقفت أمام المرآة تنظر لنفسها تهمس لنفسها بتفكير: مالي ياعني، ما أنا قمر أهو هو اللي أكيد نوعه وحش زيه.

زفرت بحنق وهي تنظر لنفسها تقول بتوبيخ: وأنتي مالك به، وبالنوع اللي بيحبه، أنتي جاية هنا لهدف تحققيه أوعي تفكري في أي حاجة تانية تعطل مستقبلك.
تحركت نحو النافذة تنظر للسماء بتفكير، تسمح لنفسها بالانغماس في حربها مع الذات، زاولتها تلك النجمة التي تتوسط السماء الصافية، نورها الساطع يضاهي باقي النجوم، نورها أرسل في نفسها أمل لبداية جديدة، جعلها تتغاضى عن صراعها ذاك وتأجله لحين إشعار أخر..

أما هو فجلس بمنتصف فراشة ينظر لسقف الغرفة ويستعيد بذهنه ما حدث اليوم، لم يترك تفصيله واحدة إلا وتذكرها وخاصةً لمسته لها، حرب اندلعت بداخله ما بين مؤيد لخطته ومعارض لها، ناهيك عن حربه مع ذاته التي بدأت منذ مكوث تلك المجنونة هنا، من سيكتب له النصر والهزيمة، ضجيج عقله يجعله كالتائه في صحراء جدباء، ذلك الصدع الذي كاد أن يشق صدره لنصفين يجعله على حافة السقوط في الهاوية فاحذر أن تنساق خلف قلبك وصوت أفكارك المضطربة، هكذا حدث نفسه حتى يستطيع الخروج من تلك الحالة التي أوقع نفسه بها...

مرت الأيام رتيبة عليها، تنتظر اتصال صديقه لإخباره بأمر عملها، تحاول الابتعاد عنه بقدر الإمكان حتى لا يظن بها سوءً، أما هو فكان مستمعًا بداخله بمواقفهم القليلة إلا أنه أحب بها روح المشاكسة والمجادلة، حتى تصرفاتها الهوجاء انتقلت له كالعدوى، فمثلاً بعد تحفظه عليها، وخاصةً أمر عملها بالخارج، إلا أنه يتوق لمحادثتهم القليلة رغم أنها أن فترة مكوثها معه في نفس المكان مازالت قليلة، إلا أنها أضفت على حياته شيء جميل، بعدما كانت تمر الأيام عليه مملة، ورغم عدم علمه بطهي الأسماك أصر على شرائها مقنعًا نفسه لما لا يطلب منها مساعدتها، حجه اتخذها حتى يراها بعدما ابتعدت عن مرمى عيناه لمده يومان، وقفا معًا بداخل المطبخ تساعده بصمت وكل منهما انشغل بالتفكير بمشاعره، حمحم عده مرات حتى يجذب انتباها والبلهاء لا تلاحظ، التفتت بجسدها بسرعة وبيدها صحن الصلصلة في نفس وقت التفات يوسف بحثًا عن الملح، اصطدما ببعض فوقع الصحن أرضًا وتناثرت الصلصة حولهم في كل أرجاء المطبخ، انخفضا معًا كل منهما يحاولان إصلاح ما حدث، قالت هي بتوتر: والله ما كنت أقصد.

حصل خير.
ماذا!، يوسف يقول ماذا، تعجبت لهذا، توقعت توبيخه لها وإعطائها درس في النظافة، رفعت عيناها تناظره غير مصدقة لما يقول، فتقابلت نظراتهم، صمتت الألسن وتحدثت العيون لتبوح بكل ما تخفيه الصدور وتشابكت في نظرات طويلة لا تفصلهما سوى حديثه وهو ينهض: متتعبيش نفسك أنا هاعمل كل ده، قومي..
تنحنحت حاولت تنظيف حلقها فخرج صوتها مهتز من فرط مشاعرها: لا أنا هاعمل أهو..

وقف يدور حول نفسه بحثًا عن سائل التنظيف، فوقعت عيناه بالصدفة على ظهرها وهي جاثية أرضا تمسح آثار الصلصة هنا وهناك، جذب انتباهه ارتفاع بيجامتها قليلًا فانكشف مساحة صغيرة من ظهرها، اغلق عيناه بقوة وهو يجاهد نفسه ألا ينظر لها، هو في أقوى جهاد النفس، في حرب مع الذات، تمنى أن يخرج منها دون أن يفقد عقله، ستجنه، ستجعله يخرج عن طور تعقله لقد افتتن بجمالها، جمالها الذي مازال يحارب نفسه وعقله الباطن على نسيان ملامحها التي اختطفت أنفاسها منذ اللحظة الأولى، سحرته، وقيدت عقله بأصفاد الغرام القوية، سحرته وهو مازال يحاول فك شفرات سحرها للنجاة من الوقوع بحب غير مكتمل أركانه من وجهه نظره، انتبه لحديثها وهي تشير له: يوسف هات الصابون..

نطقها لاسمه بهذا الشكل جعله متخبط ما بين الخوض في مشاعره أكثر أو نهرها على ملابسها غير اللائقة معه، وقع اختياره على تعنيفها فقال بعصبية استعجبت هي لها: نور قومي أنا هاعمل كل ده..
فتحت فمها تبرر له بضيق: أنا قولتلك أسفه وهاعملها..
وضع المنشفة التي كانت بيده بعنف: نور قومي، ومتلبسيش لبس زي كده في وجودي تاني..

نهضت على الفور تنظر لنفسها بغرابة ماذا بها ثيابها، بنطال من القطن قصير إلى حد ما وستره تصل أكمامها لنصف ذراعيها، رفعت بصرها تطالعه باستفهام، فأجاب هو على الفور بنبرة هادئة: نور، قبل ما تفكري تلبسي أي حاجة، ياريت تفكري أنك قاعدة مع راجل مهما كان، أنا واحد غريب عنك أنا عاوز مصلحتك..

حسنًا لن تجادله هو يحادثها بهدوء وبأسلوب لبق ومنمق احترمته أكثر، وقررت ألا تعارضه، في النهاية هو لا يفكر بها سوء، هي لا تريد أكثر من ذلك، هزت رأسها بالموافقة واتجهت لغرفتها تبدل ثيابها وعقلها ينشغل بالتفكير به، لم يحاوطها أحد بهذا الاهتمام مثله من قبل، لم تشعر بخوف أحد عليها حتى إنها شعرت للحظات كأنها ورقه خريف ضائعة بين عواصف الحياة، لم يحتويها أحد حاولت أخراجه من عقلها، تنهدت بقوة وخاصةً بعد موقفه هذا، لقد أيقظ مشاعر قد أخمدتها من قبل...

استيقظت بسعادة ونشاط غير عادي منذ مجيئها دبي، اليوم ستذهب مع يوسف لإجراء مقابلة للعمل بإحدى الفنادق كما أخبرها يوسف بالأمس، أسبوعان وهي تنتظر ذلك العمل بفارغ الصبر، اليوم ستضع قدمها على بداية الطريق وتنطلق نحو أحلامها دون الرجوع إلى ماضي كلما تذكرته مزق قلبها، مبررة لنفسها أن الماضي قد مات وفات، كاذب من قال إن الماضي قد مات، لان الماضي الذي فات ومات سيعيش بداخلنا للأبد، تاركًا اثارة السلبية تلهبنا بنيران لا يمكن إخمادها، لجمت تدفق أفكارها وقررت التركيز أكثر على انتقاء ثيابها، وقفت قليلًا حتى اهتدت أخيرًا لجيب سوداء يصل طولها لركبة وسترة بيضاء، عكصت شعرها القصير للخلف مرة، ولكن تراجعت وقررت تركه بحريته ينسدل خلفها، وضعت أحمر شفاها لونه هادئ من اللون الوردي، نثرت عبقها ثم ألقت قبله لنفسها في المرآه، ارتدت حذاء ذو كعب عالي من نفس لون السترة، استدارت للخلف مرة واعتدلت بوقفتها مرة تنظر لنفسها بالمرآة، فصاح يوسف من الخارج بحنق: يا برنسيسة أخلصي علشان الحق أروح شغلي، أنا واخد ساعتين تأخير بالعافية..

تأففت بضيق: طيب طالعة أهو..
جلس بنفاذ صبر فوق الكرسي يعبث بهاتفه هاتفًا بهمس: يا رب نخلص..

وقع على مسامعه صوت خطواتها المرتفعة، رفع بصره تدريجيًا يطالعها، مقررًا توبيخها على تأخيرها، ولكن لُجِم لسانه، وأيضًا لسان عقله، خطفت أنفاسه الوقحة بِطلتها تلك، تصاعدت نيران بداخله جهل تسمياتها، نيران غيرة عليها، أم حفاظًا على مظهره أمام الجيران، حسنًا لن يختلف كثيرًا حول التسمية، وسينهض موبخًا لها عما ترتديه فقال بلهجة حازمة حادة: ادخلي غيري هدومك بلاش قلة حيا..

تقلصت ملامحها هي الأخرى بحدة لتقول: نعم!، قلة حيا، أنت بتكلمني أنا كده.
أخشن صوته وهو يجيبها: آه أنتي، إيه اللي لبساه ده.
هبطت ببصرها نحو ثيابها تنظر بتعجب قائلة: ماله لبسي، ما هو كويس...
استطردت حديثها وهي ترفع وجهها تقول بوقاحة: وبعدين أنت مالك أصلاً.

اقترب منها خطوتان فتراجعت هي للخلف كرد فعل طبيعي منها وأردف بنبرة مليئة بِالتحدي والقوة: أوعي تكوني فاكرة أن ممكن اسمحلك تخرجي كده، أياً كان حياتك كانت إيه قبل ما تيجي هنا، أنتي دلوقتي قاعدة في مملكتي وتمشي زي ما أنا عاوز وبراحتي وكلمة زيادة اعتبري الشغل ده لاغي...

أسبلت أهدابها لطريقته معها في الحديث فقالت بشجاعة: أنت بتكلم معايا كده ليه، هو أنت هاتصدق اللعبة اللي قولتها لا يا بابا، أنا محدش يتحكم فيا.

ثارت ثائرته وهو يقول: لا يا نور الزمي حدودك، أنا هاتكلم ونص، بدام رضيتي وقعدتي هنا، أنا قولتلك قبل كده، أنتي قاعدة هنا بقواعدي، وأنا لا يمكن اسمحلك تنزلي كده، وبعدين يا هانم هو أنا بجرك لسمح الله للغلط، بالعكس أنا عاوز مصلحتك، لان باين عليكي هبله ومتهورة، وهتطمعي الناس فيكي أنا لآخر لحظه عاوز أقف جنبك وأنتي بتجادلي في الغلط..

بعد حديثه هذا، ستبتلع أي حديث قد يخرج من فمها، لم يفشل أبدًا في أن يكبر بنظرها، يزيد من احترامها له، شعرت بصغر نفسها أمامه، خجلت من تفكيرها الأرعن وهتفت بتلعثم وخجل: أنا يعني أول مرة أشتغل، ويعني كنت بقول إن اللبس كده كويس.
هز رأسه نافيًا وقد هدأت نبرته ولانت ملامحه: لا مش كويس أبدًا، مش كويس تطلعي بيه بره البيت أصلاً..
رفعت بصرها تقول باستفهام متعجب: هو مخليني وحشه آوي كده.

أغلق عيناه للحظات، المجنونة مازالت تريده أن يفقد عقله ورزانته، يتحدث بشيء والبلهاء تفكر بطريق آخر، فقال بصوت خافت وجذب متعلقاته ينهى ذلك الحديث: لا مخليكي جميلة آوي..

وقبل أن يغادر الشقة وقف يطالعها بنظرات ذات مغزى تمنى أن تتفهمها: بس البنت مينفعش تطلع وتبقى جميلة بالشكل ده لأي حد، لازم تحافظ على نفسها من أي نظرة كده ولا كده، صوابعك مش زي بعضها ياريت تفهمي، هستناكي تحت في العربية بسرعة غيري وانزلي.

غادر الشقة، بعدما لقنها درس جديد استوعبته جيدًا، وستعلن استسلامها له هذه المرة، أبدلت ثيابها ببنطال أسود وسترة وردية واسعة وذو أكمام، أغلقت باب الشقة خلفها وهي تدعو الله أن يوفقها في عملها وحياتها الجديدة، وفور أن هبطت للأسفل ووقعت عيناه عليها وخاصةً ثيابها ابتسم لها بلطف لتفهماها حديثه، فأرسلت له ابتسامه ممتنة على كل شيء قدمه لها حتى الآن، وصلا للفندق وهبطا معًا متقدمين للداخل، أجري يوسف اتصالاً بصديقة وهي!، هي ليست هنا، شاهدت تصميم الفندق بإنبهار، انتبهت بعد دقائق لرجل يقف أمامهم يرحب بهم: يوسف حبيب قلبي واحشني..

صافحه يوسف بحرارة قائلًا: حبيبي يا حسام، أخبارك..
زي الفل يا معلم..
وقع بصره على تلك الجميلة التي تقف بجانب يوسف تنظر له بإرتباك، فقال بجرأة: هي دي، طب ما جميلة جِدًا أهي، امال بتقولي عادية ليه..

الآن فهمت سر مكالمته، لِمَ شعرت بالضيق والحنق منه، هل لأثر حديثه عليها، لِمَ لا يراها جميلة، بلهاء هو منذ قليل قالها صريحة لها، ولكن ظلت تدور حول نفسها كالبلهاء بسؤالها لِمَ قال عليها ليست جميلة؟! انتبهت لحديث حسام: تلاقيك خايف عليها علشان كده لما طلبت صورة ليها رفضت..

نعم، طلب صورة لها، وهو رفض!، ما هذا، لما يتصرف بهذا الشكل، أما هو فكانت نيران الغيرة تتأجج بداخله، مقنعًا نفسه بأنها تحت حمايته ويجب أن يحميها أو يغار عليها لن يختلف مع المسمى الآن، رمقها بنظرة خاطفه: استني ثانية بس..
وبعدها جذب حسام بقوة ليقفا في أحد الجوانب بعيدًا عنها، هاتفًا بحده: أنت ياض مش هاتتلم بكلامك ده، ولا الشغل في الفنادق نسّاك نفسك..

ابتسم الآخر متعجبًا: إيه يا عم براحة، أنا قولت إيه، أنا بثني على جمالها..
امتعض وجه يوسف وهو يهتف باعتراض: ب إيه يا أخويا..
جمالها...
رد بها حسام بإبتسامة سمجة محولاً بصره نحوها، فضغط يوسف بيده على وجه حسام وأجبره على النظر إلية هاتفًا بتوعد: لو مظبطتش نفسك هاظبطك، نور محدش يقربلها هي جايه تشتغل وبس، متخلنيش أندم إني طلبت منك مساعدة.

رفع حسام يده باستسلام: خلاص اهداا بس هي أصلاً لازم تتدرب على الأقل أسبوعين تلاته، لغاية ما تقدر تقف في الاستقبال..
هز رأسه موافقًا وهو يتقدم نحو نور فقال يوسف: هاتي أوراقك أديها لحسام...
أخرجت أوراقها بتوتر من حقيبتها ومدتهم نحو حسام، ألقى حسام بهم نظرة سريعة ليقول: إيه ده أنتي جاية بفيزا سياحة.
هزت رأسها بالموافقة لتقول بإرتباك: آه فيها حاجة.

لا مفيش عادي، مشكلة بسيطة وبتتحل، يالا أنت يا باشا روح شغلك، وسيبها هنا علشان تبدأ.
أومأ إيماءة بسيطة ولم يبعد بصره عنها، لم ترتبك قط من أسئلة حسام، بل من نظراته التي شعرت أنها تخترقها وتسبر أغوارها، نظراته تريد معرفة خباياهااا، وهي لم يعد لديها الاستطاعة لتخفي سر ماضيها، لم يعد لديها القدرة على خوض تلك اللعبة، لعبة سر وعلن.



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 7304 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 4313 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 3355 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 3231 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 3785 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 07:43 مساء