أحيانا تقذفك الحياة نحو عواصفها العاتية بلا رحمة، فـتجد نفسك تحارب بقوة، هدفك الوصول للنصر دون خسائر فادحة، إذا خسرت ستجعلك عبارة عن رماد لحرب غير مُنصِفة، ظاهرك يعلن شجاعتك، وداخلك يخفي سرك، يخفي خوفك من الهزيمة، هكذا نحن البشر عبارة عن عملة لـ وجهان هما السر والعلن!!
فصول وفيلا سر و علن
نوفيلا سر و علن للكاتبة زينب محمد الفصل الأول
جلست كطفلة صغيرة تفتقد عائلتها، نظرت حولها بريبة، التوتر يزحف ببطء لقلبها فتضطرب دقاته وتصبح غير منتظمة، عقلها يدور به مئات الأسئلة، وضميرها يؤرقها على قرارها المتهور، جابت المكان بعينيها، تنظر حولها أحيانًا باشمئزاز وأحيانًا بخوف، لعنت تلك الرهبة التي تهاجمها عندما تجلس بمكان ضيق، ولعنت عدم نظافتهم أيضًا، تساءلت بداخلها كيف لهم أن يجلسوا بمكان غير نظيف وغير مرتب بهذا الشكل المقزز، حاربت آلام معدتها التي تقلصت مهددة بإفراغ ما في جوفها، يا الله يكفي محاربتها لذلك المنظر المقزز أمامها، يكفي تركيزها مع دقات الساعة.
الدقائق تمر عليها كالدهر، منتظرة خروجهم من الغرفة المجاورة، استمعت لهمهمات صدرت من تلك الغرفة، فعلمت أنهم يتشاورون من أجل إستئجارها معهم سرير بإحدى الغرف، وعند هذه النقطة تمنت أن تبكي وتندب حظها التعيس، البلهاء قرأت إعلانهم على أحد وسائل التواصل الاجتماعي بحاجتهم لفتاة تستأجر غرفة معهم، دخلت الفرحة بقلبها واطمأنت لحصولها على غرفه لاستأجرها بهذه السرعة في بلد غريب عنها ك دبي، تلك المدينة التى خطفت أنفاسها بكل شيء بها، من بداية المعمار والتصاميم التى تسحر العين.
شهر ونصف بها ومازالت تكتشف بها أشياء جديدة عنها يومياً!، ورغم انبهارها الا انها تفتقد أمان بلدها الحبيب مصر التى طالما سخرت منه، وتمنت أن تسافر وتخرج منها متخيلة انها اذا سافرت حتمًا لا تريد العودة مرة أخرى، تبًا لمخيلتها الساذجة، الأن تتمنى ان تعود، او يعود الزمن بها للخلف!، ارتسمت ضحكة ساخرة فوق ثغرها وهي تهتف لنفسها بداخلها قول للزمان ارجع يا زمان، انتشلت من أعماق تفكيرها على جلوس الأربع فتيات أمامها، تفحصت وجههم ببطء، انتبهت لحديث إحداهم وخاصة ملامح وجهها العابسة..
وأنتي يا سوسن فهمتيها النظام كله!
تحدثت تلك الفتاه المسماه ب سوسن ببرود:
لا اتفقت معها على الإيجار بس، قوليلها أنتي يا شيماء على النظام كله!
هزت شيماء رأسها وهي تقول بنبرة آمره:
أنتي هتقعدي في الاوضه دي مع منى...
حولت بصرها نحو يدها التي تشير نحو غرفه تقع يمنيًا، انتقلت بيدها نحو منى وجدتها فتاة هادئة بسيطة تنظر لها بهدوء شديد، أرسلت نور إليها ابتسامة، فقابلتها الأخرى بلا شيء، تلاشت ابتسامتها تدريجيًا من إحراجها، استمعت لحديث شيماء:
الإيجار ميتأخرش كل شهر تدفعيه، الحمام هنا مشترك، أكلك وشربك لوحدك، احنا مش مسؤولين عنك في إي حاجة، وياريت بلاش تعملي أي مشاكل..
ابتلعت نور ريقها بتوتر قائلة بارتباك:.
هو أنا هعمل مشاكل ليه!، بالعكس أنا مبحبش المشاكل، انتوا بقي بتحبوها!
ابتسمت سوسن بوجهها ثم قالت:
احنا أبدًا، احنا حبوبين خالص وبنحب بعض جِدًا، وكمان بنخاف على بعض مش كده يا بنات..
نهضت الفتيات دون رد نحو غرفهم، فتعجبت نور، لتقول سوسن بضحك وكأن شيئا لم يكن:
قومي يالا ادخلي مع منى الاوضه، وجهزي حاجتك فيها، عن أذنك..
راقبت دخول سوسن الغرفة التي دخلت إليها شيماء، يا لحظها التعيس هي تستحق سوسن تلك، وليست مني الكئيبة، نعم كئيبة يكفي نظراتها وملامح وجهها، زفرت بخفه وهي تنهض وتجر خلفها حقيبتها الكبيرة، دلفت الغرفة فتسارعت دقات قلبها وكأنها في سباق للركض، احتبست أنفاسها بخوف عندما رأت صغر حجم الغرفة، ورائحتها الكريهة!، شهقت بصدمة وهي تصيح باشمئزاز:
إيه ده هي الاوضه دي مش بتدخلها شمس!؟
جلست منى على فراشها تبتسم باستهزاء: افتحي الشباك يمكن يدخلك الشمس اللي نفسك فيها!.
نظرت نور حولها تبحث عن نافذة، لا يوجد، ليس بها منفذ واحد فقط، حسنًا ستتجاهل كل هذا، وتتعامل وكأن شيئا لم يكن، وضعت حقيبتها جانبًا جلست على الفراش بجسد يصرخ بالراحة، يوم كامل بلا مأوى، يوم كامل قضته كقارعة طريق مهجور، جاهدت النعاس الذي زحف ببطء لعيناها، نهضت وأبدلت ثيابها ثم وضعت بعض ملابسها فوق الفراش ورقدت هي فوقهم، وفي ثوان كانت تغرق في النوم براحة، أحيانًا حاجتك للنوم تجعلك غير مدرك لمخاوفك، بعد مرور عدة ساعات تقلبت بالفراش بسبب جفاف حلقها، فتحت عينيها في دقائق جاهدت فيهم أن تفارق بين جفنيها، وقع بصرها على منى تجلس بمنتصف فراشها، تمسك أحد الكتب وتقرأ بصوت خافت وتحرك جسدها في حركة منتظمة لإمام والخلف!، اعتدلت أكثر ولمحت الكتاب يبدو أنه من الكتب العتيقة والكبيرة، انصب تركيزها على الكتاب بفضول، فاجأة تقابلت عيناها بعيون منى الجاحظة، كتمت صرختها بداخلها، وخاصةً مع ملامح وجه منى الغريبة، خرج صوتها مرتجفًا وهي تشير نحو عنقها:.
أنا أنا كنت عاوزه...
قطعتها منى بنبرة تعجبت هي لها وخاصةً أنها تختلف كُليًا عن تلك النبرة التي استمعت لها قبل نومها:
متركزيش مع حاجة ملكيش فيها، علشان متتأذيش!
ثانية، هي ثانية واحدة استغرقتها في الخروج، فرت هاربة بسرعة البرق من الغرفة، وجدت أمامها سوسن ترتشف المياه، التصقت نور بها تهتف بخوف:
سوسن الحقي، اسمها إيه دي باين عليها ملبوسة!
انتاب سوسن حالة من الضحك عندما سمعت حديثها ولكنه هدئت قليلاً وهي تخبرها:.
باين!، لا وحياتك هي فعلاً كده!
ابتعدت نور بصدمة للخلف خطوتان غير مصدقة ما أوقعت نفسها به..
إيه، لا!.
وضعت سوسن الزجاجة برفق على الطاولة وهي تقول بهمس:
بصي نامي وملكيش دعوة بيها وهي مش هتأذيكي والله، مهما عملت، أوعي تركزي معها.
تعلقت نور بيدها ترجوها:
لا بالله عليكي خديني أنام معاكوا!
قهقهت سوسن لتقول بعدها بسخرية:
تنامي فين بقي على رجلي ولا على أيد شيماء وهي الصراحة حبتك آوي من أول لحظه حتى أنتي شوفتي الحب من كلامها...
عبست نور بوجهها لسخرية سوسن، فقالت الأخرى:.
سوري لو طريقتي ضايقتك، بس أوضتنا متختلفش عن الاوضه اللي أنتي فيها، ضيقه والسراير مكفينا بالعافية..
جلست نور مكانها بقلة حيلة هامسة بضياع:
هنام في الصالة على جثتي أنام معها جوه..
مرت الساعات عليها كالدهر، راقبت عقارب الساعة بتوتر وخوف أن تخرج منى في ساعات الليل المتأخرة وتقابلها وحدها، لم يهدأ عقلها من التفكير من أجل المبيت بهذا المكان، من رابع المستحيلات أن تشارك منى الغرفه، انتظرت الصباح حتى تحاول إقناع إحداهم للمكوث مع منى!، ابتسمت براحة مع ظهور نور الصباح، نهضت بكسل تبحث عن المياه، تروي جفاف حلقها الشديد، وفور أن رفعت الكوب نحو فمها التقط أذنها صراخ حاد، اندفعت نحو غرفة شيماء وسوسن تفتحها بقلق، حتى وقعت عيناها عليهم متشابكتان بعنف، وكل منهم تقذف الأخرى بأفظع الشتائم، دخلت بالمنتصف تحاول فض الشجار، حتى ابتعدت شيماء عنها قليلًا تهتف بعنف:.
وربنا لو أخدتي اي حاجة من هدومي تاني، لأقتلك يا سوسن.
حاولت سوسن الوصول إليها وهي تقول بنبرة لا تقل عنف أبدًا عن نبرة شيماء..
هدوم إيه يا معفنه، أنتي حيلتك حاجة!
حاولت شيماء أن تصل إليها حتى تلقنها درس قوي منعتها نور قائلة بصياح:
يا جماعة صلوا على النبي مينفعش كده احنا بنات بلد واحدة والمفروض نقف جنب بعض..
دفعتها شيماء بغيظ ثم قالت:
أنتي إيه دخلك أوضتنا، أنتي مالك أصلاً.
أشارت نور نحوهما متعجبة:.
انتوا كنتوا بتموتوا بعض، مش عوزاني أدخل وأفض الخناقة ما بينكم!
صدح صوت سوسن مؤكدة حديث شيماء لتقول بعصبية:
آه لو سمحتي متدخليش، باين عليها حشرية..
خصت حديثها الأخير بشيماء، فأكدت الاخرى حديثها وهي تهز رأسها بقوة
شهقت نور بقوة ثم تحدثت بعدها بتوبيخ:
أنا حشرية!، طب والله أنا غلطانة اني سكنت معاكوا أنا ماشية وابقوا دوروا على واحدة ترضى تسكن مع الملبوسة التانية...
استدارت بجسدها نحو الباب مقرره الذهاب، وجدت منى تقف على أعتاب باب الغرفة تنظر لها نظرات غامضة، تبددت شجاعتها وارتبكت نبرتها وهي تشير عليهن:
هما اللي قالولي عنك كده.
كانت تنوي الذهاب وهي بالفعل فرت بأقصى سرعة بحقيبتها، المكوث بالطريق أهون من هؤلاء الفتيات، أخرجت هاتفها مرة أخرى تبحث عن الإعلان الثاني التي تجاهلته عندما قرأته ظناً منها أنها وجدت مبتغاها، قرأت الإعلان بسرعة بفعل حرارة الشمس التي تضرب رأسها بقوة لتقول بهمس:
حلو آوي الإعلان ده أكلمه بقي ويارب ما تكون اتحجزت...
رفعت أصابعها الصغيرة تكتب بسرعة:
ممكن أشوف الغرفة لو سمحت.
ويا لحظها السعيد جاءها الرد في دقائق
أكيد العنوان ....
ابتسمت بسعادة كبيرة وهي تدعو ربها أن يوفقها في اختيارها هذه المرة، لا يوجد لديها مال لاستأجر غرفه في فندق ولم تجد أمامها سوى البحث عبر الإنترنت ولم تجد سوى إعلانين فقط، الأول بلوى والثاني، امممم لا تعرف!، والبلهاء من فرط توترها لم تلاحظ قط الملحوظة الأخيرة المدونة في آخر الإعلان...
( هذا الإعلان للرجال فقط)..
وصلت نور عند البناية أخيرًا بعد ساعة ونصف استغرقتها بالطريق تشاهد الأبنية العملاقة بانبهار واضح على ملامحها، شعرت بالقلق قليلًا المنطقة راقية وخاصةً تلك البناية التي تقع بها الشقة التي تريد استأجر غرفه بها!، صعدت بالمصعد لطابق الخامس، وجدت شقه واحدة بالطابق، هندمت ثيابها ورتبت شعرها للخلف أخذت نفس عميق ثم رسمت ابتسامة صغيرة وهي تطرق الباب بلطف، بعد عدة ثوان فُتح الباب فظهر أمامها شاب قمحي البشرة ذو جسد رياضي، وملامح تصرخ بالرجولة، انتبهت على نظراته المتنقلة بينها وبين حقيبتها، فقالت بنبرة خجله:.
السلام عليكم!
أجابها بسلاسة:
وعليكم السلام، مين حضرتك!
اتسعت ابتسامتها أكثر لتقول بفرحة:
إيه ده أنت مصري!
رفع حاجبيه لفرحتها قائلًا:
آه.
دفعته للخلف بحقيبتها ودخلت وهي تقول: ده أنا ربنا يحبني آوي آوي آوي.
كتمت انبهارها بداخلها وهي تشاهد جمال الشقة واتساعها وتنظيمها الذي خطف أنفاسها، تسربت الراحة لقلبها فرحه، غير مدركه أنها بشقة رجل!، في النهاية رجل، تلك هي نور فتاة طائشة متهورة تبحث عن الحرية والانطلاق نحو تحقيق أحلامها، أحلامها التي تجهلها هي أساسًا، كل ما تريده أن تقتنص الحرية التي طالما سمعت عنها من فتيات الإنترنت!، وفي طريقها للبحث عن الحرية، وقعت في بحر من الأخطاء تفاجأت هي بها، وكأنها تجهل مآسي الحياة ومصاعبها!
أما هو فمازال عقله لم يستوعب وجود تلك الفتاة بمنزله، ماذا تريد تلك؟!، تساءل بداخله، ولم يجد أي إجابه، فخرج صوته حادًا بعض الشيء:
هو أنتي مين، ممكن اعرف.
استدارت بجسدها تجيبه:
أنا المستأجرة الجديدة!
التوي فمه غير مصدقًا، مازال عقله يعطيه مع كل كلمه تنطق بها تلك الغريبة خطأ!، ، وقف على أعتاب الباب يبحث عن وجود رجل وهو يقول:
هو فين أستاذ نور، اللي كان يكلمني اسمه نور أحمد!
أشارت على نفسها بفخر:.
أنا نور أحمد!
وقحة!، هكذا سبها بداخله، تقف بكل فخر وتشير على نفسها أنها المدعوة نور أحمد!
انتبه على حديثها وهي تجلس فوق المقعد المجاور للباب بحرية:
هو أنت مش منزل إعلان وطالب مستأجر للغرفة في الشقة دي!
كتم ذلك اللفظ البذيء بداخله بصعوبة، ليقول بصوت أجش:
وأنتي ماخدتيش بالك إن أنا قايل في آخر الإعلان إن أنا عاوز راجل!
اتسعت عيناها حرجًا منه قائلة بتلعثم:
بجد، والله مخدتش بالي!، أنا...
صمتت للحظات تحاول استجماع ذهنها للخروج من ذلك المأزق، نظرت حولها بتمعن وجدت بالشقة غرفتان فقط، رفعت بصرها تسأله بغباء: يعني دي مش شقه كلنا بنتأجر فيها وكده..
قاطعها هو بنفاد صبر: لا دي شقتي، وأنا واخدها إيجار، وعاوز أجر اوضه فيها من الباطن، والإعلان ده كان لراجل مش لبنت فهمتي!
نفد صبرها هي الأخرى ليست منه، بل من كل شيء، من جميع الضغوطات التي مرت بها لتقول بشيء من العصبية: بقولك إيه أنت بتكلمي كده ليه!
أشار إليها نحو الباب حانقًا من تصرفات تلك الغبية ليقول:
طيب إتفضلي بره..
احتدت ملامحها لعنجهيته قائلة:
أنت بتطردني من الجنة إنسان قليل الذوق بصحيح!
اقترب منها خطوتان قائلًا بحده:
أنتي بتشتميني في بيتي على فكرة!
انفجرت باكية فجأة تهتف من بين بكائها:.
هو ليه المصريين كده، ليه منقفش جنب بعض!
تفاجئ لبكائها فقال ضاحكًا:
أنتي يابنتي قلبتيها مشكلة قوميه ليه!
نظرت له بحزن طفيف:
علشان قولت هارتاح أخيرًا وألاقي سكن بعد المرمطه دي وطلعت في الآخر لراجل، وطبعاً مينفعش أقعد معاك..
صمت يستمع لها بتركيز لما تقوله، أما هي فغرقت في بحر من الأسئلة التي ليس لديها أجوبة عنها في هذه اللحظة، ما مرت به يجعلها تتغاضي عن كونها في بيت واحد مع رجل غريب، ذهنها المعتوه صور لها أنه أهون من الجلوس مع هؤلاء الفتيات، أو مع، حسنًا هي لا تريد التذكر حاليًا يكفي ما يدور برأسها، وكالعادة أقنعت نفسها بما هو مرفوض أو ممنوع، باحثة عن جميع المبررات حتى تستطيع الجلوس معه، وفي نهاية الأمر اكتفت بجملة ما باليد حيلة، وكأن تلك الحيلة التي اختارتها سابقًا حتى تخرج من بلدها كانت جيدة، جميع حيلها مخبولة تمتاز بالغباء وسرعة التصرف دون أدنى تفكير في العواقب المستقبلية، فاندفعت تخبره برجاء:.
طب مينفعش أقعد هنا، أنا مش هاعمل إزعاج لحضرتك وهاكتفي باوضتي بس لغاية ما ألاقي سكن في أقرب وقت.
أخبرته وسقطت دمعه لعينه من مقلتيها كفيلة للتعبير عما تشعر به، مشاعر لأول مرة تتذوقها لما عاشته من قسوة الحياة غير مراعية أنها بالنهاية فتاة بسيطة عمرها لا يتعدى الثاني والعشرين، فتاة لأول مرة تختبر أشياء كانت قد تجهلها، فتمسكت بأول طرف للنجاة من حيث اعتقادها، جاءت أجابته تخرجها من عمق مشاعرها...
هز رأسه رافضًا تلك الفكرة:
لا طبعًا، أنتي مجنونة، تقعدي مع راجل غريب في بيت واحد.
مسحت دموعها بيدها وهي تقول بنبرة حزينة تحاول استعطافه:
يعني اقعد في الشارع عادي، أنا مفيش مكان حرفيًا أروحه.
أجابها ببساطة وهو يفتح الباب:
ارجعي مصر بسيطة!
تقدمت نحو الباب بوجه حزين وصوت مجهد: مينفعش، استحالة ارجع!
للحظة انتابه الفضول فقال:
ليه؟!
رفعت بصرها نحوه ترمقه بحده وغيظ:
وأنت مالك!
عقد ذراعيه أمامه وأشار برأسه نحو الباب محاولاً ألا ينفلت لجام لسانه نحوها!، أما هي فوجدت نفسها تسأله بهدوء:
ياعني ده مش بيتك ملك!
نفخ بعصبيه من أسئلتها:
لا ده إيجار أي أسئلة تاني!
هزت رأسها بنفي وخرجت من الشقة، وبداخلها يصرخ باكيًا، أين تذهب في هذه المدينة، المال معها لا يمكن أن يغطى جميع احتياجاتها، جاء بذهنها فكره، فقررت أن تنفذها بسرعة دون التفكير كعادتها دومًا، قبل أن يغلق الباب كانت تضع يدها حائلًا تدفع الباب مرة أخرى ثم دخلت مرة ثانية ترسم على وجهها الجمود وبداخلها كان التوتر سيد مشاعرها...
بص بقي أنت لازم تقعدني هنا، علشان مدورش على صاحب العمارة دي وأقوله إنك بتأجر من الباطن، وشوف بقي هيعمل، أكيد هيطردك من الشقة دي، ويبقى ولا أنا ولا أنت..
ضحكت في الآخر بسخرية، رفع أحد حاجبيه متعجبًا من جرأتها، الوقحة تقف بكل جرأه وتهدده، فقال هو بتهكم:
الحقد هينط من عينك، روحي دوري عليه وقوليله أنا بايع القضية!
زفرت بحنق هاتفه برجاء:.
بجد هي دي الرجولة، أنا بنت بلدك، أنت مصري أزاي تسيب بنت بلدك كده، هما دول المصريين في الغربة، المفروض نقف جمب بعض.
كركر ضاحكاً بسخرية:
اسكتي مش بقوا بياكلوا في بعض..
رفعت بصرها تناظره كالأطفال هاتفه بنبرة مرتعشة وأعين تهدد بالبكاء:
بردوا هتمشيني، هي دي الأخلاق!
كتم غيظه بصعوبة فخرجت حروفه غليظة من بين أسنانه:
يابنتي ما علشان الأخلاق مينفعش نقعد مع بعض، ياستي أنتي جميلة ومينفعش تقعدي معايا خلصنا!
اهتزت مشاعرها لتصريحه ذلك، لأول مرة تتعرض لغزل صريح هكذا، ولكن رسمت ببراعة ملامح الجمود والقوة:
هو أنت فاكر أنك ممكن تقربلي ده أنا أدب السكينة في قلبك أطلعها من دماغك!
ارتفع صوته وهو يقول باستهجان:
يا ولاه!، مجدي يعقوب نفسه ميعرفش يعملها!
حركت أصبعها برجاء مجدداً قائلة:.
هو شهر واحد بس، ألاقي في شغل وسكن جديد وهمشي، بجد أنا اتبهدلت، والله لو تعرف أنا مشيت من إيه، هاتفهم أكيد ليه مُصره اقعد هنا، أنا محترمه على فكره ومؤدبه، بس الظروف اللي خلتني آجي هنا، وأنا توسمت فيك خير، اعتبرني أختك وساعدني!
وعلي ذكر سيرة أخته، تألم قلبه قليلًا، فأخته الوحيدة أصابها مرض لعين السرطان وبسببه اضطر أن يرسل لها شهرِيًا نصف مرتبه، والنصف الآخر لم يكفي لتغطيه احتياجاته وإيجار شقه مثل هذه، وقع في حيرة، ولكن يجب عليه أن يساعدها في النهاية هي فتاه!، هو يعرف نفسه جيدًا، ولكن لا يعرف ماذا ستفعل معه تلك الساذجة إذا أصر على رفضه لها.
أغلقت الباب ببطء وهي تبتسم ابتسامه عريضة:
سكت يبقى موافق، أنت اسمك إيه بقي؟!
ضيق عيناه يحاول فهم مكنوناتها، كيف لها أن تتعامل معه هكذا فقال متعجبًا:
أنا لو كنت ابن خالتك مكنتيش هتعامليني بالحب ده!
عادت سؤالها مرة ثانية متجاهله حديثه وبنفس الابتسامة: اسمك إيه!
أجابها بصوت رجولي وهو يتقدم للداخل: يوسف.
صمت لبرهة والتفت نحوها يرمقها بتهديد: يوسف مش جو، علشان نكون لذاذ مع بعض!
هتفت بهمس:
يوسف، يوسف هو أنا هاتجوزك...
التفت نحوها مرة أخرى يهتف بتساؤل: قولتي إيه!
قولت قد إيه أنك راجل وطيب، وابن بلد بصحيح، مرضتش تسيب بنت بلدك لكلاب السكك، برافو أخلاقك عاليه جدًا.
هتف يوسف باشمئزاز:
قد إيه أنتي أوفر يا، نور.
لجمت لسانها السليط بأعجوبة، هذه الشقة مثل الحلم، و إستئجار غرفه بها ستكون راحة كبيرة لها، من المؤكد ستعيد صفاء ذهنها وتستطيع إخراج نفسها من تلك المصائب، وتبدأ رحله جديدة بحياة جديدة محاولة أن تبني أساس حياتها القادمة على بقايا الماضي!
تااااابع اسفل