انتفض قلبه عدة مرات بعدما طال الصمت بينهما بعد انسحاب شهاب السريع، نظراتها كانت تحاول الإمساك بنظراته الهاربة من واقع عيناها المظلم وخاصةً إن بدأ ناقوس الخطر يدق بداخلها حول طبيعة علاقته بشهاب وذلك الغموض الذي يحاول أن يخفيه بعيدًا عنها.
اقتربت منه بعدما كانت تحتفظ بنفس المسافة التي كانت تقف بها، وقررت أن تهدمها وتقترب منه أكثر حتى تستطيع النظر في عيناه بوضوح وتجد ما يراضي فضولها حول توتره وحديثه المبهم. همست بكلمة لا ثالث لها وكأنها ترسل له تحذيرات ليجيب بوضوح دون خلق أسباب واهية: - في إيه؟! رفع أصابعه يداعب خصلاته للخلف، مجيبًا بضيق استطاع أن يظهره ويخفي خلفه ارتباكه: - مفيش، أنا وشهاب كنا بنتخاتق زي ما سمعتي..
ألقى بجملته وسمح لعيناه بالتجول فوق ملامحها للحظات، مستكشفًا مدى استماعها لحديثهما، وخاصةً إن كان هو لا يتذكر تفاصيل حديثه رغم مرور دقائق بسيطة عليه، ومن شدة توتره أصبح كالغريق في بحر مظلم، يترك نفسه للهلاك، وداخله ينتظر الشعاع أو الأمل الذي ينتشله من هذا المصير المحتوم بالضياع! - أيوه سمعت، بس مفهمتش أنت هتخسر نفسك ليه؟!
رمقها لثوان مفكرًا في أمرًا يحاول الخروج به من تلك المعضلة، ولا شك أن هناك نورًا بسيطًا اجتاح صدره بعد هذا الكم من الظلام والتخبط. تنهد بغضب غلفه بالكذب والخداع وهو يقول: -مشاكل مع شهاب وأصحابنا وهو مُصر يوقعني في الغلط معاهم، ومش عاوز أخسر حد، ومش مقدر يا رقية اليوم ده والضغط اللي أنا فيه، بالعكس زي ما يكون بيزود فوقي أكتر بتلميحاته وكلامه المستفز.
تراجعت عن إصرارها الذي كانت تتشبث به منذ قليل في معرفة ما يدور بينه وبين شهاب، وقررت أن تترك أمر علامات الاستفهام التي تهاجم عقلها بين حين وآخر وتحاول إيجاد مبررات له، ربما لم يخطأ حمزة، وهي بدأت تتعلق به كالمجنونة، فبدت كالأم التي تريد تعقبه في كل صغيرة وكبيرة.. تنهدت بخفوت وهي تحاول رسم ابتسامة صغيرة فوق ثغرها، تهتف بهدوء وصوت حاني علها تخرجه من دائرة الضيق التي استوطنت ملامحه وجسده:.
- أنت صح، كان المفروض يقدر حاجه زي دي، سيبك منه، وتعال أفرح بتعبك ونجاحك، يلا. أومأ لها بصمت، وتحرك معها لداخل دون أي طاقة، رصيده بدأ بالنفاذ، حتى أنه تمنى أن يصمت للأبد حتى لا يتفوه بأي أكاذيب أخرى، وتزيد عليه همومه، وتقتل معها ما تبقى من روحه. أصبح الطريق أمامه مشوش، وأهدافه التي كان يسعى لتحقيقها في البداية ضاعت كالسراب، حتى مبادئه واحترامه لذاته تشوهت بندوب عميقة يصعب معالجتها!
بعد مرور يومان. استيقظ حمزة في وقت باكر بجسد يطالب بالراحة، أو ربما لم يعد لديه القدرة على استكمال حياته، لقد تآكل شغفه بنيران الكذب والخداع. هز رأسه ينفض أفكاره المظلمة، فلا وقت لدية كي يستسلم إليها، ويغوص في وصلة لتعذيب الذات لا تنتهي، انتقل في غرفته بآلية، يرتدي ثيابه وعيناه تعافر مشهدها وهي تحت سطوة اعترافه بحبه لها، وملمس شفتاها الرائع الذي لم يترك عقله تفصيله إلا وتذكرها.
ضرب على الدولاب بيده بقوة، متمتمًا بكلمات لاذعة لنفسه من بينها غبي، ولكن حنينه إليها في وقت غيابها، يعتصر فؤاده، وكل ذلك بسبب دقات قلبه اللعينة التي تشتاق إليها ولا يعرف طريق لإسكاتها.
رفع بصره نحو المرآة ينظر بها ساخرًا لنفسه، الآن وبدأ بالاشتياق، تُرى ماذا ستكون حالته عندما يبتعد عنها، داهمه فكرًا يحاول السيطرة عليه، يقنعه بأن يُكمل حياته معها، مكتفيًا بأن حبه صادق ونابع من أعماق قلبه، ولكن كان لضميره رأي آخر، يحثه على عدم استكمال حياته بهذا المنوال، فلن يجني بآخره سوى العذاب والقهر، سيعترف بذلك السر لها فلا مجال للكذب او الخداع.
ارتفع رنين جواله برسالة قصيرة، فتحها، فوجدها منها، قرأ حروفها بلهفه بعثرت بقايا ثباته واتزانه، تتطمئن عليه في كلمات بسيطة، تهتم لآمره بطبيعتها النقية، طبيعتها التي كانت تغيب عن مرمى بصره في بداية علاقتهم، بعدما كان ينظر لها من منظور شهاب فقط، يحاول إقناع نفسه وعقله بأن ما يفعله ليس سوى عمل بطولي لينقذ صديقة من عبث كاد يدمر حياته، دون أن يدري أن ذلك العبث طاله هو أيضًا وبدأ في تدمير حياته ولكن السبب هو، حينما اقتنع بكلمات شهاب عنها، دون أن يتحرى الدقة أولاً، ولكنه تلقى الصفعة مبكرًا، وأفاقته على زالزال قوي، دمر معه هذا العمل البطولي، مزيلاً قشرته الحمقاء، فتذكر أول صدام معها عندما قرر شهاب أن يجمعهما مرة ثانية.
رفع يده يراقب عقارب الساعة باهتمام، ينتظر مجيئهم للمرة الثانية بعدما اتفق معه شهاب على ذلك، لم يستطع نسيان تلك الزرقة التي استحوذت على عيناها في تصوير مبدع من خلق الله، تلك الفتاة منذ أول لقاء وهي جذبت انتباهه بقدر لم يكن يتخيله أبدًا، جمود ملامحها رغم رقتهم أصابه بالتوتر..
رفع بصره يراقب مدخل الكافية فاصطدم بهما مجددًا، وأي اصطدام ذلك زلزل كيانه وثباته، استطاع في ثوان قصيرة لم شتات نفسه، واقترب منهم يرحب بحفاوة شديدة، تعجبت لها رقية، فظهر الاستهزاء جليًا على ملامحها.. وبعد مرور خمسة عشر دقيقة في الجلوس هكذا دون أن تفعل شيء سوى النظر لأيسل وشهاب ومراقبة أفعالهما، ورغم أنه لم يستطع الجلوس معهم طوال هذه المدة، إلا أنه كان يراقبها عن كثب..
تقدم منهم بعدما أشار له شهاب، وأمر النادل أن يضع المشروبات أمامهم، انتظر حتى أفرغ عمله، ثم جلس في الكرسي المجاور لها، مشيرًا نحو الطاولة بهدوء وابتسامة صغيرة: - اتفضلوا، العصاير دي تحفة هتعبجكوا. التقط شهاب كوب العصير يرتشف منه القليل، وما لبث أن تذوقه فعبس بوجهه متسائلًا: - إيه ده، العصير ده في حاجة غلط ولا إيه.. تشنج جسد حمزة يسأله في ريبة: - في إيه، أنا بدوق أي حاجه قبل ما أقرر انزلها في المنيو..
هزت أيسل رأسها في نفي حينما وضعت الكوب الخاص بها وهي تقول: - بالعكس ده لذيذ جدًا. حول حمزة بصره نحو الصامتة، ليستشف رأيها وحينما وجدها تضع الكوب في صمت، ركز ببصره عليها أكثر، فجعلها ترفع نظرها له تقول بجمود: - حلو. لم يستطع منع لسانه من التفوه بتهكم: - كتر خيرك يا أنسه رقية، بس هو أنتي جاية غصب عنك. - نعم؟! قالتها في اعتراض، تزامنًا مع رفع حاجبها الأيسر.
- مفيش أصلك بتردي من غير نفس، لو مش عاجبك قولي، أنا أكيد مش هزعل. ابتسمت باستهزاء وهي تقول: - هو أنا يهمني زعلك في إيه يا أستاذ حمزة، أنا رديت وقولت رأي، مش شرط أكتب قصايد في العصير يعني. أحمر وجهه في غضب من تلك الجريئة التي تتفوه بحديث أشعل فتيل غضبه، ولكنه كتم انفعاله بصعوبة بالغة، ونظر له بتحدِ مقررًا توبيخها ولكن بطريقة مهزبة:.
- هو أنا لما اتكلمت عن الزعل، فأنا أكيد اتكلمت من باب مشاعر البشر، تعرفيها أكيد! قال حديثه الأخير بابتسامة سمجة، وأكمل بعد ذلك قاصدًا استفزازها: - ولما تحبي تدي رأيك لحد، ابقى فكري في نقطة الاهتمام وانتي بتتكلمي، وطبعًا أنا بتكلم عن مشاعر اللي قدامك، اللي من الواضح انك بتقدريها كويس!
ضغطت فوق لحم شفتاها السفلي، تحارب مشاعرها من الانفلات، حتى لا تنفعل كالحمقاء وتزيد الوضع سوء، فقررت أن تبتلع اعتراضها عن حديثه الوقح والذي كان بصفة مبطنة خبيثة، واستمعت لحديث شهاب في صمت كان يحرقها آلاف المرات. قال شهاب ضاحكًا: - معلش يا حمزة، أصل رقية مبتخدش على حد بسرعة. فردت رقية عليه بسماجة وعناد: - خليك في العصير اللي مش عاجبك يا شهاب.
أشار لها شهاب بيده قائلًا بحماس فتت طريقتها الصلبة معه، ليظهر عليها الاشمئزاز وهي تتابع حديثه مع أيسل. - أنتي صح، خدي كده يا حبيبتي اشربي من كوبايتي، شوفي في حاجه كده. وضعت أيسل شفاها فوق الشفاط الأحمر المتدلي من كوب العصير، ترتشف القليل، ثم هتفت بتلذذ ظهر بوضوح عليها: - جميل اوي. فوضع شهاب فمه فوق الشفاط خلفها يتذوق باستمتاع: - امممم فعلاً بقى حلو.
انكمشت ملامحها باشمئزاز أكثر عندما رفعت طرف أصابعها حول فمها كناية عن رغبتها في الغثيان. ولكن حمزة وصل له الأمر بطريقة مختلفة، طريقة ربما أكدت له، أن نظراتها ليست سوى إلا حقد وغيرة مما يحدث بين شهاب وأيسل، وخاصةً أن عيناها لا تفارقهم حتى وهما في أدق تفاصيليهم الخاصة. استئذن منهم ونهض لداخل الكافية، فدخل خلفه شهاب بسرعة، عندما لم يستطع كبت كلماته بداخله، فأمسك بحمزة في ركن بعيد يزجر به في انفعال:.
- حمزة إيه طريقتك دي مع رقية، امال احنا متفقين علي إيه! أشار حمزة نحو عنقه متمتمًا بضيق: - مش قادر يا شهاب، دي حقوده اوي. التوى فم شهاب ساخرًا: - أنت لسه شوفت منها حاجة، التقيل جاي ورا، المهم عاملها بطريقة ألطف من كده، المفروض تجذبها ليك. بينما على الجانب الآخر كانت أيسل تهتف بعتاب: - مينفعش يا رقية تعاملي حمزة كده. هزت رقية كتفيها بلامبالاة ظاهرية لتقول: - أنا بتعامل عادي على فكرة.
زمت أيسل شفتاها بضيق مردفه بإصرار: - لا على فكرة أنتي كنتي قاصدة، والراجل زوق معانا، وكفاية أنه عازمنا مرة تانية على الكافية عنده. - عازم صاحبه وخطيبته، مش انا مخصوص يعني. - لا منبه على شهاب إنك تيجي معانا، ومكنتش حابه أقولك علشان عارفه دماغك ومكنتيش هترضى تيجي. توترت رقية قليلًا، ولكنها أظهرت عكس زلك عندما تحدثت بضجر: - واديني جيت خلاص بقى، اعامله براحتي بقى.
التزمت أيسل السكوت ولم ترضى أبدًا بداخلها عن طريقة أختها في التعامل مع الأشخاص الغريبة، وكأنها تقصد أن ينفر منها الجميع للأبد، حزينة بداخلها على إقصاء الكل من حياتها سوى عائلتها فقط، فبدت الانطوائية والاكتئاب تظهر عليها بوضوح وخاصةً إن كان تعاملها مع الآخرين ليس سلسًاً.
عاد حمزة من شروده على اتصالها عليه بعدما لم يرد عليها وتلك كانت غير عادته، ورغم تكرار اتصالاتها إلا أنه قرر عدم الرد حتى يضع النقاط فوق الحروف، منهيًا تلك التمثيلية عند هذا الحد، فالاستمرار بها يعيني الخسارة، وخسارته لها أكبر ضربة قاضية له. رفع هاتفه وقرر إرسال رسالة قصيرة لشهاب وداخله يحثه على تنفيذ ذلك دون الرجوع لنقطة البداية.. شهاب لازم تيجي تقابلني بليل ضروري في الكافية.
أنهى رسالته وارتفع رنين هاتفه مجددًا باتصال منها، تمسك بقراره، حتى لا يصيبه الضياع عندما يخترق صوتها قلبه، ويذكره بضعفه اتجاهها.
دارت رقية في أرجاء غرفتها تفكر في حمزة وعدم رده عليها، لقد تخطت الساعة الخامسة وهي تحاول الاتصال به بين حين وآخر، وبالنهاية لا يجيب، تخبطت بين جنبات عقلها، حينما حاولت إيجاد مبررات له، ولكن بالنهاية تصطدم بإجابة واحدة ألا وهي أن ما يفعله ليس سوى إلا هروبًا منها، أصبحت شبه متأكدة من تلك الإجابة ولكن بقي حولها الكثير من علامات الاستفهام.
تنهدت بعمق وهي تشعر بالضياع، فأصبحت كالطفل الصغير الذي يفتقد والده فجأة، سماع صوته يوميًا واهتمامه لأدق تفاصيل حياتها تجعلها في حالة من الأمان والسعادة تضفي على روحها درر جديدة تنير بها ذلك الظلام الذي سيطر على جزء كبير من أحلامها! آلمتها ساقيها من كثرة تحركها في الغرفة، فقررت أن تأخذ قيلولة تريح بها جسدها وعقلها من التفكير المرهق لنفسها.
وما لبثت أن تريح جسدها في منتصف فراشها حتى فتحت أيسل الباب تقول باندفاع كعادتها: - رقية. اعتدلت رقية سريعًا تنظر لها بعصبية: - نفسي مرة واحدة تدخلي زي الناس الطبيعيين. رمقتها أيسل بتروٍ قبل أن تصيح بانفعال: - اوعي تقوليلي، إنك مقولتيش لحمزة كل سنة وهو طيب. رمشت رقية عدة مرات قبل أن تهز رأسها في بلاهة: - كل سنة وهو طيب على إيه! - يالهوي، على عيد ميلاده ياختي. انتفضت رقية تقف كمن لدغها عقرب، تقول:.
- عيد ميلاد مين، وأنتي إيه عرفك، ومقولتليش من بدري ليه. اقتربت منها أيسل تبرر في صدق: - معرفش والله إنك متعرفيش، وأنا عرفت من الفيس. - طيب طيب..
هتفت بها رقية في عجالة وهي تنهض مجددًا، تجذب هاتفها لتُعايده برسالة طويلة، ولكنها تذكرت عدم رده عليه، فتبخرت ملامحها السعيدة والمبتسمة لأخرى عابسة، تفكر بشرود، لقد أصابها اليأس مجددًا من عدم رده، راقبتها أيسل بعيونها المهتمة بما تفعله، وقررت أن لا تتدخل مرة ثانية، وتترك زمام الأمور لرقية، ولكن اقتربت منها رقية بعيون ضائعة تهتف في حيرة صادقة:.
- اتصلت بحمزة كتير ومردش، مش عارفة ابعتله مسج ولا اجرب اتصل تاني. ردت أيسل في هدوء: - ولا ده ولا ده، أنتي تنزلي تشتري هدية حلوة كده، وتاخدي بعضك تطلعي على الكافية تديهاله. فكرت رقية لثوان قبل أن تعود وتقول برجاء رق قلب أيسل لها: - طب ممكن تيجي معايا، تديني زوقك، وكمان ممكن تتصلي على شهاب يحتفل معانا.
حقًا ما تسمعه، أيسل تطلب منها مجيء شهاب، هذا بالتأكيد ليس إلا حلمًا ربما يكون جميل أو يتحول لكابوس، فرقية وشهاب عندما يجتمعان تنهار كل أسس الراحة والسعادة، فهما كالسالب والموجب لا تتم عميلة صحيحة بينهما. وعندما طال صمتها، قررت رقية أن تتركها وتتجه لدولابها تنتقي ثياباً مناسبة، معتبرة أن بصمتها ذلك وافقت مبدئيًا على حديثها.
أخيرًا اختارت رقية لحمزة عطرًا مميزًا وقميصًا باللون الأبيض، لطالما عشقت عليه ذلك اللون، حملت الصندوق الصغير بين يدها تقربه منها في حركة لا إرادية، وعلي ثغرها تعتلي ابتسامة دافئة، تنم عن رضاها بما يحدث معها حتى تلك اللحظة، لمحت بطرف عيناها دخول عفت صديقاتها من أحد أبواب المول فجذبت أيسل سريعًا وحولت مسارها لتخرج من باب آخر مع تعجب أيسل لذلك.. - في إيه مالك؟!
- امشي بسرعة، عفت هنا ومش عاوزها تشوفني، مش ناقصة عكننه. أومأت أيسل بهدوء مردفه: - انتي صح، يلا بينا علشان منتأخرش. وبداخلها يتمتم حمدًا لله؛ بسبب تغير رقية الجذري بشخصيتها وتحديدًا اتجاه عفت رئيسة عصابة حقوق المرأة البائسة.
بينما كانت رقية تشعر بالرضا الكامل حول قرارها ذلك، فمنذ أن قررت ان تقتلع تلك النبتة الفاسدة وهي تشعر بالراحة تجتاح صدرها وقلبها من اضطرابًا وقلقًا من حياة قد ظنت بها السوء والتشاؤم.
وصل شهاب إلى الكافية وقلبه ينتفض بعنف من ذلك اللقاء المحتوم، بحث عن حمزة بعينيه، فأشار له الآخر نحو الردهة كي يتبعه، فعل ذلك ودخل خلف حمزة غرفة المكتب الخاصة به.. حرك الباب خلفه دون أن يغلقه كاملاً، ثم جلس فوق الأريكة يهتف بجدية شجعت حمزة على المضي بقراره أكثر: - خير يا حمزة. جلس حمزة أمامه يخبره في وجوم: - أنا قررت أنهي التمثيلية دي، وأحكي لرقية كل حاجة.
عقد شهاب حاجباه وهو يسأله في ذعر وعدم فهم: - إيه، ليه؟! - هو إيه اللي ليه؟!، أنت مش شايف أنها طولت وبوخت أوي، مش شايف إننا بنبوظ حياة إنسانة ملهاش ذنب في حاجة، لازم تعرف كل حاجة. قال حمزة حديثه في انفعال وحدة مغتاظًا من برود شهاب معه، فرد الآخر بضيق ممزوج الغضب: - ماشي، ياريت مش كل شوية تفكرني بالإنسانة ومشاعرها علشان هي مفكرتش في مشاعري للحظة، وكانت بتحاول تبوظ حياتي.
- غلط يا شهاب، كل اللي أنت بتفكر في غلط، رقية مفكرتش للحظة تعمل كده، هي كانت شايفه انها بتحمي اختها، ومن حقها دي اختها، ده مش حقد، ده خوف على أختها. قاطعه شهاب باستنكار قائلًا: - لا بقولك إيه مش علشان عاوز تخلع وتسيبني في نص الطريق وتطلع انت الملاك، تحسسني إن أنا ابن كلب وجيت عليها. نهض حمزة مؤكدًا حديثه في قوة وعناد: - لا هو فعلاً، أنت جيت عليها بأنانيتك. رمقه شهاب بتهكم وهو يقول:.
- جيت عليها لوحدي صح، وأنت كنت فين بتلعب شطرنج... وقبل أن يجيبه حمزة، كان شهاب يستكمل حديثه اللاذع بجرأة ووقاحة: - أنا أقولك أنت كنت بتحبها، ووافقت بكامل إرادتك على كتب الكتاب، فمتجيش وتعمل الشويتين دول عليا، وتحط الذنب كله فوق دماغي.
وفي الحقيقة شهاب كان يحاول الهروب من واقع ذنبها، فضميره لم يهدأ قط منذ بداية اللعبة، وعقله يصور له أبشع النهايات المختلفة، ولكن ذلك الطريق رسمه بمحض إرادته وأي اختلاف فيه، قد يؤدي إلى فشل خطته، وبالتالي ستنهار عليه كل أسسه من البداية، وتختفي بوادر النجاح التي كان يسعى أن يحققها في علاقته بأيسل، ومع خروج حمزة عن الخط المرسوم، جعله يتفاجئ ويصمت لدقائق رهن التفكير في محاولة تعديل أسلوبه واتخاذ منهجًا آخر ليعود بحمزة لذلك الخط الذي قارب على الانتهاء وخصوصًا بعد انتهاء ما يقرب من نصف المسافة.
- انت واحد بارد، ميهمكش غير مصلحتك وبس، علشان أنا فعلاً حبيتها، وكنت بحاول ادوس على قلبي بالجزمة علشان خاطرك، وفي الآخر دي جزاتي. اقترب منه شهاب متحدثًا بهدوء زائف غلفة بالاستعطاف: - طب ما تقف معايا لنهاية الطريق يا حمزة، أنا كنت بفكر لو أنت سبت رقية في النص حياتي هتدمر، ما بالك انك عاوز تحكيلها، دي مصيبة. - افهم بقولك بحبها، ومش قادر أكذب أكتر من كده، مقدرش أشوف نفسي حيوان بالشكل ده.
قالها حمزة في انفعال، انتفضت عروقه من تحت جلده وصارت نافرة، كحال نفور قلبه من مكانه مع ذلك الاعتراف القوي. - طيب لما أنت بتحبها، متكمل معها إيه مانعك، ما الحياة ما بينكوا حلوة وسهلة بتعقدها ليه، هتستفاد إيه لما تعرفها، دي هتبقى مصيبة على دماغنا كلنا. شدد حمزة على خصلات شعره بغيظ وهو يهتف من بين أسنانه وكأنه يحارب لاستخراج الكلمات من جوفه، بعدما كان يدفنها في سراديب ضميره:.
- مينفعش ابني حياتي على كذبه، مينفعش اكمل حياتي وهي رهن لعبة بايخة وافقت عليها في لحظة ضعف. - اعتبرها كذبة بيضا يابني. هز حمزة رأسه في رفض، مؤكدًا على حديثه بإخراج باقي كلماته المكتومة والموجوعة: - الكذب كله واحد، لا يمكن أكمل في لعبة حقيرة زي دي، رقية متستاهلش كده مني، أنا كذبت كتير، وخدعتها أكتر.. وسرعان ما سيطر الندم على نبرته: - ياريتني ولا وافقت على كلامك، مكنش لازم أعمل كده. تزمر شهاب ليقول:.
- أنت محسسني إننا اغتصبناها، ده مجرد لعبة عادية، تخطبها وتبعدها عن طريقي، أنت بقى حبيتها كمل عادي ولا كأن حصل حاجة، واللي بينا يدفن ما بينا، أنت اللي غاوي مشاكل ووجع قلب. وقبل أن يتحدث حمزة، كان صوت أيسل يصدح في المكان بانكسار وضعف: - وجع قلب!، تعرفوا إيه عن القلب وانتوا انعدمت منكوا الرحمة.
انصدم كلاً من شهاب وحمزة حينما حولوا بصرهم نحو الباب، فوجدوا أيسل تقف وبجانبها رقية تحتضن صندوق فضي اللون بيدها، ودموعها تنساب بغزارة فوق صفحات وجهها، ولا شك أن الصدمة والقهر اتخذوا حيزًا من ملامحها، أما عن عيناها فكانت تغوص في انكسارًا حطم قلبها لأشلاء، أشلاء صعب تجميعها باعتذار، فالأمر يفوق قدرتها وتحملها على الصدمات، فشعرت وكأنها زهرة جميلة اقتلعتها رياح قوية تحمل معها الأوجاع والحقائق المخفية، ومن شدة بشاعتها تفتت إلى قطع صغيرة لا تُرى.
- رقية أنا... هتف بها حمزة بنبرة منكسرة ذبحته وخاصة مع تجسد مرارة فعلته أمامه. قاطعته ونزيف الحزن يقطر من مقلتيها: - مش عاوزة أسمع كلمة منك. صمتت لبرهة تستجمع قواها وكبرياؤها الذي حطم على يد من امتلك قلبها في لحظة غدر وخداع، رفعت بنصرها تخلع منه قيدًا ذهبيًا اختارته يومًا وظنت أنه هو الرابط الوثيق الذي يتوج علاقتهم للأبد: - دبلتك أهي خدها، واعمل في حسابك أنك هتطلقني.
ألقته بوجهه فسقط أرضًا تحت قدمه، وبدون أي كلمات أخرى قد تزيد من جرحها، وتهدر بقايا كرامتها اتجهت صوب الخارج بأقصى سرعة لديها، ورغم أن الرؤية كانت لديها شبه معدومة؛ بسبب ذلك الغلاف الرقيق الذي تكون من دموعها الحزينة وأعاق بعض تحركاتها، إلا أنها كانت ترى أمامها طريقها الوردي الذي قد خطت فيه من قبل بإرادتها يتحول إلى شيء يصعب وصفة، لآخر مظلم وقاسٍ، وما أدراك حين ينبثق الظلام من رحم الحب!
اندفع حمزة خلفها يحاول منعها بكل قوته، رقية تستحق التبرير، تستحق أن يوضح لها سبب موافقته منذ البداية، تستحق أن تعلم مقدار حبها الذي يتملك منه في الثانية آلاف المرات.. وضعت أيسل يدها تمنعه من الخروج من الغرفة قائلة بنبرة عدائية رغم تلك الدموع المتساقطة فوق وجهها من حزن وقهر مما حدث لشقيقتها.. - متفكرش تروح وراها، أنا همنعك. - سيبني الحقها.
هتف بها حمزة بعصبية مفرطة، فلا وقت لديه في خوض جدال لن يحل شيء، فالوضع الآن لم يعد يحتمل شيء، فبدت وكأن سماء حبه تحولت فجأة إلى غيوم. تقدم شهاب منهما بعد وقت طويل استغرقه في الصمت، وعقله كان يعمل بقوة ليخرجه من ذلك المأزق الذي حشر به. - أيسل سيبه. تحولت أيسل فجأة من تلك الفتاة الرقيقة الناعمة، لأخرى شرسة تريد اقتناص حق شقيقتها من ذلك الذئب البشري والذي قد أزال قلبه ووضع مكانه حجرًا حتى يفعل ذلك.
- أنت مالكش دعوة، اسكت خالص. استغل حمزة تحول انتباهها نحو شهاب، وقرر أن يفلت يده من قبضتها، وتحرك بلهفة عاثت في أروقة قلبه، بحثًا عنها رغم علمه بأن عاصفتها بالتأكيد ستكون عاتية من شدة غضبها. انطلق في الخارج يبحث بعينيه التي كانت تحارب بعض دموعه من السقوط، لتعلن عن نهاية ثباته، وبداية هزيمته واعترافه بأن ذلك الفراق ما هو إلا بابً من أبواب الحب المجهولة، تخفي خلفها ذاتنا المحطمة وقلوبنا المنسكرة!
لمحها على بعد مسافة من الكافية تحديدًا في نهاية الطريق، ركض سريعًا يحاول اللحاق بها، وما إن اقترب منها حتى وجدها تسير بخطوات مبعثرة تبكي بانهيار وصوت شهقاتها يمزق أحبالها الصوتية، بالتأكيد لو سمعها أغلظ القلوب، لانهارت حزنًا عليها. - رقية، اقفي، استنى. التفتت فجأة نحوه، فتراجع هو للخلف خطوة حتى لا يفقد توازنه ويسقط عليها بسبب اندفاعه خلفها.
خرجت أنفاسها الملتهبة، تلهب مشاعره أكثر، قائلة بنبرة أشبه للصراخ: - أنت جاي ورايا ليه، مش كفاية اللي عملته فيا. تريث لثوان، محاولاً إيجاد كلمات تقنعها بالهدوء والاستماع له، ولكن شعورًا باليأس تسلل لقلبه، وأحس أنه سيكون حائلًا بينهم، ولكنه لا يجب ان يستسلم، فعاد وقال بنبرة رغم هدوئها، كانت مهزوزة ضعيفة: - رقية حبيبتي اهدي واسمعيني. ضحكت بصوت مرتفع ساخرة، قائلة بصوت متحشرج مختنق:.
- حبيبتك!، وليك عين تنطقها وتقولها، بذمتك مش مكسوف من نفسك وأنت بتمثل عليا الحب، مش مكسوف وأنت بتضحك على بنات الناس، تخليني أنا رهن لعبة حقيرة بينك وبين صاحبك. - رقية اسمعيني أنا عاوز افهمك، وافقت ليه. قاطعته حينما أشارت له بيدها وهي تتشدق بتهكم: - مبقاش ينفع، هيفدني بأيه، هسامحك مثلاً، أبدًا عمره ما يحصل، أنت سيبت علامة سودا في قلبي.
أخرجت حروف جملتها الأخيرة بألم كاد يشق قلبها لنصفين، بل هو انشق بالفعل منذ استماعها لحديثهما بصدمة زلزلت كيانها. أغلقت عينيها وفتحتها بوهن، تقول برجاء نابع من قلبها المفطور حزنًا على حالها: - أبعد عني، أنا مأذتكش في حاجة، ليه مُصر تكسرني. أشار على نفسه مبررًا بلهفة ضعيفة: - أنا عمري ما فكرت أكسرك. - وقوفك قدامي في حد ذاته بيوجع قلبي، حتى مش طايقة أشوفك، واعمل في حسابك أنك هتطلقني.
التفتت مرة أخرى، مقررة المغادرة من هذا العبث القاتل لقلبها، بينما هو استمر متحدثًا خلفها بكلمات ضعيفة، يقدم قدم ويأخر الأخرى، لم تعد لديه القدرة على مواجهتها وهي في أوج انفعالها، فملامحها الحزينة تعيق طريقه الذي قد أقسم منذ دقائق في الركض به، ليحاول إرجاعها لقلبه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة نقية عذبة، لا يشوبها أي شائبة قد تعكر صفو حياته معها فيما بعد.
كانت أيسل تحاول فتح باب الغرفة؛ بعد إغلاق شهاب له وتمسكه بمقبض الباب بقبضة فولاذية كي لا تهرب هي الأخرى منه. وبعدما فشلت محاولاتها هتفت بنبرة مجنونة مهددة له بأصابعها المهزوزة من فرط عصبيتها وانفعالاتها: - افتح بقولك، والله اصوت والم الناس عليك. أردف شهاب بطريقة جدية وحادة: - اسمعيني الأول.
فهزت هي رأسها في رفض قاطع، تقول من بين أسنانها مغتاظة من حدته وجرأته في الحديث معها وهو من المفترض أن يبكي ندمًا لذلك الذنب القاهر الذي أقدم عليه بتفكيره الشيطاني ذلك: - أنت كمان ليك عين، تقف وتتكلم وتبرر.
وفي الحقيقة هي كانت طريقة لجأ إليها شهاب حتى يحاول إخضاعها، وامتصاص غضبها، ظنً منه أن في هدوئه ضعف ثائرتها، ولكنه لم يحسب حساب شيئًا واحد، انها لن تمضي معه خطوة أخرى في طريقهما، وأن ما فعله بشقيقتها ليس إلا فعل دنئ. رفضت النظر إليه بعدما تحطمت صورته أمامها، لا تطمح أبدًا بأن ترتبط بشخص تتأصل الندالة في صفاته، ليذهب الحب إلى الجحيم، ولن تظل في تلك العلاقة أبدًا.
- أنا بحاول أكلمك، وأنتي مش مدياني فرصة. صرخت في جنون لتقول: - ولا هديك، أنت من اللحظة دي برة حياتي، ودبلتك اهي خدها، ميشرفنيش إنك تبقى في حياتي وأنت أسود كده من جواك، طلقني حالاً. قالت جملتها الأخيرة باستحقار زعزع حدته التي كان يتشبث بها منذ قليل. - أنا عامل ده كله علشان تفضلي معايا، رقية كانت هتفرقنا. أشارت نحو عقله قائلة في استهجان:.
- ده في خيالك المريض بس، أنا أختي أكبر من كده، وتصدق فعلاً يا شهاب، هي كانت صح في كل كلمة قالتها عنك قبل كده، أنت ميهمكش غير مصلحتك وبس، والباقي كله تحت جزمتك. حرك أصابعه من فوق المقبض في إحراج بعدما تعرى هكذا أمامها واستطاعت هي بكل جرأة مواجهته دون خوف، وإبراز عيوبه في نقاط قوية.
استغلت هي زعزعته، وفتحت الباب ثم خرجت من تلك الفتحة الصغيرة، ومنها إلى الخارج، تبحث عن رقية بلهفة وخوف، حتى وجدتها تسير في نهاية الطريق وحمزة خلفها، انتبهت لبوق سيارة أجرى من خلفها، فالتفتت وقررت إيقافها، ركبتها سريعًا وانطلق بها السائق بعدما أشارت له بالاستمرار في السير للأمام، وعندما اقتربت من رقية، توقف السائق بأمر منها وفتحت الباب قائلة بصوت مرتفع قليلًا: - رقية تعالي اركبي.
حولت رقية بصرها، تأكدت من وجود أختها بالسيارة، ركبت بجانبها في ثوان، تاركين حمزة يقف كالطفل الصغير الذي لا يجيد التصرف، ضائع في صحراء جرداء، لا وجود للماء ولا الطعام، وكل ما يهمه استعادة نبضات قلبه.
تحرك حمزة نحو الكافية مجددًا وتبخرت معه كل آماله، عقله مشوش من الأفكار التي مازالت ترهق في خلاياه، أما عن قلبه تكدست المشاعر به، فشعر بضيق يحتل صدره، يحبس معه أنفاسه، ليحسرها بين رئتيه. قابله في منتصف الطريق، شهاب الراكض اتجاهه، يقول في لهفة وقلق: - قدرت تتكلم معاهم. هز رأسه في نفي، والتزم الصمت بينما كان يسير في طريقه الذي أصبح مشوش لديه.
أوقفه شهاب مرة أخرى، مغتاظًا حينما شعر بتجاهله، فقال بعصبية: - ما تقف تكلمني ياعم، سايبني أهري مع نفسي. استدار حمزة له وعيناه كانت تطلق شرارت الغضب والكره، حتمًا لو طالته لأحرقته، ليشعر بما يندلع بصدر حمزة، فقال من بين أسنانه: - اهري مع نفسك، علشان ده أنسب حل ليك يا شهاب على الورطة اللي حطتنا فيها كلنا.
برزت عروق شهاب الغاضبة، ليقول بنفاذ صبر، بعدما طفح الكيل به من تأنيب الضمير الذي بدأ يحتل حديث حمزة مؤخرًا، ومما زاد الطين بله، هو نظرات أيسل له، وكلماتها التي أصابت قلبه في مقتل. - أنا، أنا، هو كل حاجة فوق دماغي، ما أنت كنت معايا من الأول، ولا يكون غصبتك مثلاً، وأنت عيل يا حرام سمعت كلامي، خوفً مني.
لم يتحدث حمزة بل اندفعت يداه المتكورة في غضب، يلكم وجه شهاب في غيظ وكره، ترنح شهاب للخلف أثر تلك اللكمة المفاجئة، والتي لم يكن يتوقعها أبدًا، وابتسم ساخرًا، بعدما نجح في إخفاء صدمته، مردفًا: - بتمد إيدك عليا، فاكرني مش هقدر اردهالك مثلاً. ضربه حمزة بكلتا يداه في صدر شهاب، هاتفًا بغضب وانفعال: - ولا تقدر، ابعد عن طريقي أحسنلك، كفاية إنك سبب المصايب في حياتي، أنت أذى والقرب منك شر.
حرك شهاب رأسه يمينًا ويسارًا يحاول التحكم في غضبه متحدثًا بهدوء زائف: - كلمني بأسلوب أحسن من كده يا حمزة، أنا مش شغال عندك، أحنا في مركب واحده، ومعلش يعني أنت مش هتصلح علاقتك برقية على قفايا، واطلع أنا ابن كلب في الأخر. اقترب منه حمزة يهمس بفحيح وحثته نواياه على نشب شجار مع شهاب، لينفث به غضبه الذي يتملك بكل ذرة في كيانه: - ما أنت فعلاً كده يا شهاب.
ضربه شهاب بلكمة قوية، وقع حمزة على أثرها على ظهره، ولكنه سرعان ما وقف مرة أخرى، وصفع شهاب بقوة، فرد الأخر له، فبدوا وكأنهم بلحبة مصارعة، يقاتلون بشراسة، كلاً منهما كان يحركه دوافع مختلفة، لم يشعرا بأن الصفعات واللكمات طالت وجوههم لتترك أثر واضح عليها، انتهت المعركة حينما أوقع حمزة شهاب ووضع يداه حول عنق شهاب يخنقه بغل، فكاد غضبه يعمي بصيرته بعدما خرج عن طور تعقله، والأخر كان يصارع يد حمزة القوية القابضة فوق عنقه، انتبه أخيرًا لِمَ يفعله، فابتعد عن شهاب ببطء بعدما بدأت قوته في النفاذ، هاتفًا بضعف وصوت مجهد:.
- قولتلك ابعد عني، أنا مش طايق نفسي. نهض حمزة مرتبًا ثيابه، ثم خطى خطواته نحو الكافية في بطء وحزن لِمَ حدث اليوم. أما شهاب فنهض في صعوبة، بعدما انهمك جسده في ذلك الشجار، الذي كان من المفترض أن يبتعد عنه بكل الطرق السليمة، حمزة يتفوق عنه جسديًا ورياضيًا، وبالتالي المعركة لم تكن في صالحه.
صعدت رقية الدرج وبجانبها أيسل، التي لم تتفوه بأي كلمة حتى لا تجرح شقيقتها أكثر من ذلك، يكفي ما تشعر به، ولن تزيد فوق قدرتها، بالإضافة إلى ما تشعر به من خذلان أصاب قلبها على يد شهاب، من الواضح أن رؤيتها للشهاب كانت زائفة، ورغم أن فضولها كان يدفعها إلى أن تقف لتستمع له، إلا أن قلبها رفض مكتفيًا بالأسباب الواهية التي احتلت حديثه.
وقبل أن تصعد أيسل الخطوة الفاصلة عن باب شقتهم، أوقفتها رقية بصوتها المبحوح ووجها الشاحب تقول بتردد: - آآ، أيسل كنت عاوزة أقولك حاجة. ربتت أيسل فوق يدها بحنو، مردفه: - قولي يا حبييتي، أنا سامعكِ. مسحت رقية عبراتها الهابطة فوق وجهها، تسرد حزنها وانكسارها بين تساقطهم المستمر: - ياريت متقوليش لبابا وماما حاجة من اللي حصلت النهاردة. صمتت لبرهة، قبل أن تعود وتسطرد حديثها في انكسار:.
- مش هقدر اتحمل نظرات الشفقة منهم. عضت أيسل فوق شفتيها السفلي، ثم همست بتردد: - طيب وهتعملي مع حمزة إيه! هدرت رقية بصوت عنيف وحاد: - متجبيش اسمه قدامي، أنا بعد كده هبقى أشوف أي حكاية اقولها لماما تنفع تكون سبب انفصالنا. طوقت أيسل خديَّها تهمس بصوت حاني ودافئ:.
- ماشي، أنا مش هتكلم ولا هقولها حاجة، بس أنتي حاولي تخرجي نفسك من الحكاية دي بسرعة، واحمدي ربنا ان خطوبتك مطولتش ولا لحقتي تتعلقي به، وده مجرد كتب كتاب، مش جواز فعلي.
آه قوية ودت أن تخرجها للعلن، لتعبر عن كم الألم الذي تشعر به وهو يتوغل داخل ثنايا قلبها، كلمات أيسل كانت الخنجر والذي غرس بقوة في قلبها، فذلك الخذلان الذي داهم قلبها، جعلها مثيرة للشفقة، وأي درجة من درجات الشفقة وقلبها قد حطم بذلك الشكل! ورغم أن الكلمات بدأت في التسابق على طرف لسانها، إلا أنها فقدت القدرة على ترجمة ما تشعر به، فاكتفت بكتم مشاعرها داخلها.
صباحًا تحركت أيسل في فتور، تساعد والدتها لإعداد وجبة الأفطار، كانت صامتة أغلب الوقت، لم تتحدث سوى ببعض كلمات بسيطة وكانت أغلبها إجابات مختصرة على أسئلة والدتها، عيناها كانت عبارة عن كتلة من الدماء، يغلب الانتفاخ عليها، أما الحياة فكانت شبه منعدمة من ملامحها.. أحيانًا كانت مقلتيها تخونها ويهبط منهما دموعًا بسيطة، تحرك مشاعرها الملتهبة بعدما كانت تحاول اخمداها في وجود والدتها..
ومن فرط حزنها كان انتباهها شبه معدوم، فسقط الصحن أرضًا وتناثرت قطعه في أرجاء المطبخ، اندفعت بطريقة هوجاء نحو القطع الصغيرة غير منتبهة لحدتها، أو غير مبالية، فهي الآن في حالة تجعل ذلك الجرح الصغير الذي شق أصبعها لا تشعر به، ف بالتاكيد ليس بقدر آلام قلبها.
منعتها والدتها من استكمال ما تفعله، وساعدتها على النهوض، ثم جذبتها نحو الصنبور تغسل إصبعها بعناية، ومن ثم جلبت صندوق الإسعافات وبدأت في تنظيف الجرح، كل هذا يحدث ولم تنبس شفاتها بأي كلمة، ولكن لعيناها رأي آخر حينما اندفعت الدموع منها تتسابق كالشلالات فوق صفحات وجهها الحزين والمنكسر. فقالت والدتها بتوتر، يحمل ضيقًا بالغًا من صمتها الطويل، وهيئتها الحزينة: - مالك.
مدت يدها الثانية تمسح دموعها سريعًا، ثم رسمت فوق ثغرها ابتسامة باهتة، وهي تقول بنبرة ضعيفة تغلب البحة عليها: - مفيش، ايدي بتوجعني بس. - بس من قبلها وانتي كنتي زعلانة، وبتعيطي، فاكرني مش واخدة بالي. قالت والدتها في إصرار، فردت أيسل في ارتباك: - لا أنا تمام مفيش أي حاجة، بس ممكن علشان متخانقة مع شهاب شوية.
جذبت يدها من يد والدتها، واتجهت صوب الخضروات تقطعهم في سرعة وتوتر تعجبت لها والدتها، مما جعلتها تتقدم منها قائلة باستنكار: - وشوية مشاكل مع شهاب!، تخلي أختك بردوا تعيط في اوضتها ومتخرجش منها خالص.
قاومت ايسل رغبتها في الاستسلام وإخبار والدتها بكل شيء، فذلك الحمل الذي تحمله فوق صدرها، أصبح ثقيلًا، ولم تعد لديها القدرة على خوض معركتها في الكتمان أكثر من ذلك، ولكن رجاء رقية كان يقف لها بالمرصاد، يجعلها تعود لنقطة الصفر، محتفظة بذلك السر داخلها، فقالت بجمود: - ما قولتلك يا ماما، رقية تعبانة وعندها برد في معدتها.
دق جرس الباب، فانتشل أيسل من تلك المجادلة الهادئة، والتي كانت ستسفر عن إفشاء ذلك السر. اندفعت أيسل صوب الباب، وهي تمسح بعض العبرات التي مازالت متعلقة بجفونها، ثم فتحت الباب وهي تخرج تنهيدة عميقة من صدرها، ولكن ما لبثت في إخراجها، حتى وعادت تكتمها مرة أخرى في صدمة وذهول حينما وجدت حمزة يقف أمامها وملامح وجهه مرهقة، تصرخ بالندم والحزن: - ممكن أشوف رقية!
- لا طبعًا مش ممكن، واستحالة كمان، واتفضل من هنا. ردت أيسل في عدائية وهجوم، فحاول حمزة امتصاص غضبها ليعاود قائلًا في هدوء ورجاء: - أنا محتاج أتكلم معها يا أيسل. قاطعته هي في عصبية خافتة: - وهي مش محتاجة، لو سمحت اطلع من حياتها وكفاية على كده.
كانت صوتها خافت جدًا، تحاول بشتى الطرق إبعاده عن شقيقتها ولكن ما جعلها تبتلع أي حديث آخر، هو صوت والدتها الذي ظهر فجأة من خلفها، تسألها من الطارق، ثم ترحيبها الشديد بحمزة.. - أهلاً يا حبيبي، تعال ادخل، واقف برة ليه!
حقًا زحفت الصدمة لملامح حمزة، فلم يكن في مخيلته ذلك الاستقبال الباهر والودود، فأدرك سريعًا أن والدتها لا تفقه شيء، مما جعله في حالة من الارتياح الشديد، ودخل بأريحية رغم اعتراض نظرات أيسل له، والتي كانت تحثه على الرفض. انتفضت مشاعره حينما استمع لشهقة زينات الصادرة من العدم، فحول نظراته سريعًا لها يتساءل في ريبة، فأشارت على عيناه قائلة: - أيه ده، انت اتعاركت مع حد ولا إيه.
رفع أصابعه نحو الكدمة التى اتخذت حيزًا كبيرًا في وجهه بالقرب من إحدى عيناه، ليقول بابتسامة بسيطة: - مفيش، متقلقيش، خناقة بسيطة بس في الشارع. أنهى حديثه بإلقاء نظراته نحو أيسل بعدما رمته بنظرة استحقار قرأها هو بطرف عيناه، ساد الصمت لدقائق، قطعتها زينات بتساؤلها والذي أربك أيسل: - أنت جاي تطمن على رقية علشان تعبانه! فتح فمه ليتحدث، فسابقته أيسل بحديثها المبطن والذي كان يحمل تحذيرًا قاسيًا له:.
- بعد ما مشينا من عندك امبارح، معدتها وجعتها، وهي دلوقتي تعبانة ونايمة. أومأ إيماءة بسيطة، متفهمًا مغزى حديثها الأول، والأخير عنادها به حينما وجه حديثها لزينات التي كانت تقف تحاول قراءة ما يدور بينهما، وقلبها يدق بعنف حينما توهجت لديها مشاعر الأمومة والقلق: - اه، منا عارف، بس كنت محتاج اشوفها واطمن عليها لو ينفع يا طنط. - ينفع طبعًا يا حبيبي، أدخل على الصالون، وأنا هدخل اناديها.
دخل حمزة إلى الصالون متجاهلاً نظرات أيسل له، جلس في أقرب كرسي فتقدمت منه تهتف في همس وعتاب: - على فكرة اللي بتعمله ده، بيضرها أكتر. - وانا مش عاوز الضرر ليها، أنا محتاج انها تسمعني. هتف بإصرار، تملك منه بالأمس، حينما شجع نفسه بأنها تستحق أن ينحت في الصخر ليصل إليها، ويهدم كل العواقب بيد من حديد، فهي الآن لديه كالحلم وسيحققه حتى وإن تعثر بالطريق آلالاف المرات.
فعادت أيسل تهمس بجانب أذناه حينما هتفت بنبرة ساخرة تحمل كره عميق: - براحتك، بس هي مش هتطلع ولا هتشوفها.
أنهت حديثها باستقامة جسدها، ثم خروجها من الصالون متجهة صوب المطبخ، وداخلها يغلى كالبركان من إصرار ذلك المستفز على هدم كل الحبال التي مازالت شقيقتها تتمسك بها نحو الحياة، فالمواجهة التي يصر عليها، لن تسفر سوى بانهيار قاتل لقلب رقية والتي يمكن الاحتفاظ بجزء منه بالتأكيد بعد محاولاتها العديدة والتي خططت لها حتى تعيد شقيقتها للحياة تدريجيًا.
أما داخل جدران غرفة رقية، كانت والدتها تحاول أقنعها بالخروج لحمزة، والأخرى كانت تتشبث بمرضها، متمنية أن تهرب من تلك المواجهة والتي حتمًا ستزهق روحها. - يابنتي عيب، قومي قابلي جوزك لو تعبانة تعالي اسندي عليا، بس الراجل كتر خيره جاي يطمن عليكي.
اعتدلت رقية بفراشها، ووجها باهت، ملامحه شاحبة، بل انطفئت لدرجة، أنها كانت تندم على أمر زواجها منه، فمنذ معرفتها بالحقيقة كانت تخاطب قلبها في حزن وانكسار، يا ليت يعود كل شيء إلى سابقه، دون خسارة قلبها في لعبة من تدبير عقول شياطنيه!
ومع إصرار والدتها، ونظرات الشك المنبعثة من عيناها، قررت ألا تزيد من قلقها وترضخ لمقابلته، رغم ثوران مشاعرها، وتأهب قلبها لتلك المقابلة، بعدما كان يدفعها كرهها له، إلى محاولاتها بالأمس على دفنه داخل سراديب عقلها قبل قلبها، ولكن كلما فكرت بذلك، كانت تفشل بكل بساطة، بعدما أدركت أنه كاللعنة التي يستحيل البعد عنها.
خرجت خلف والدتها بعدما أبدلت ملابسها، لأخرى سوداء تحاكي ما تشعر به الآن من ظلام حالك لأحاسيسها اتجاهه. تبادلت نظراتهم في حديث طويل، ودت أن يكتفيا به، ولن تتفوه ألسنتهم بحديث آخر، قد ينكأ جراحها مجددًا، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، حينما تركتهم والدتها وحدهم وخرجت من الغرفة. وقف حمزة متمتمًا بعجز بعدما تسلل له اليأس مجددًا؛ بسبب نظراتها الحادة والقوية: -ياريت نخرج نتكلم مع بعض شوية.
خرجت نبرتها مختنقة بها بحة تحمل ضعفًا وألم، على الرغم من تجهم ملامحها: - في إيه ما بينا نتكلم فيه! اخشن صوته وهو يردد بضيق: - ما بينا كتير يا رقية، ما بينا إنك مراتي وعلى ذمتي. عقدت ذراعيها أمامها في عناد وقوة: - وأنا بقولك خلاص، مبقاش مابينا حاجة، كل اللي بينا انتهى. دخلت والدتها تحمل صينية المشروبات، فتراجعت ملامحها إلى اللين، استغله حمزة بذكاء حينما قال:.
- ممكن يا طنط اخد رقية معايا، اخدها معايا الكافية شوية يمكن تفوق كده. وقبل أن تعطي رأيها، كانت والدتها تندفع برأيها الودود والمرحب لفكرته: - وماله ياحبيبي... حولت بصرها نحو رقية تقول في إصرار جعل رقية تندفع نحو غرفتها في غيظ: - روحي غيري هدومك، ويالا مع جوزك، علشان تفوقي كده من التعب اللي سيطر عليكي ده. ابتسم حمزة ممتنًا لزينات، هاتفًا: -شكرًا يا طنط. ابتسمت زينات ابتسامة عريضة، وهتفت بنبرة غامضة:.
- ولو كنتوا زعلانين من حاجة، الفرصة جت لغاية عندك اهي، رقية طيبة وهتتصالح بوردة. أومأ لها برأسه، مؤكدًا بداخله على أمر مراضاتها بشتى الطرق، فحبها سكن قلبه منذ لقاؤهم الأول، وأقسم بداخله انه لن يحيد عن طريقها حتى تعود إليه، فخسارتها تعنى فقدانه لروحه!
اندفعت أيسل نحو غرفة والدتها، تقول بعصبية خفيفة تعجبت لها زينات: - ماما هي رقية نزلت مع حمزة. أومأت زينات بصمت، وتركت لعيناها تفسير تصرفات أيسل العدائية والتي ظهرت فجأة دون أي مقدمات. زفرت أيسل في حنق، مردفه بعتاب حارق: - مكنش ينفع تسيبها تنزل معاه. انتفضت زينات سريعًا تقترب منها وهي تسألها في ترقب، أرسل الندم والتوتر لأيسل بعدما بدأت في التخبط أمام والدتها.. - أيوه، مكنش ينفع ليه؟!
تلعثمت وهي تجيب: - عل، ، علشان مينفعش تنزل وهي تعبانه، انتي مش خايفه عليها! عقدت زينات ذراعيها أمامها وهي ترمق أيسل في قلق، فحالتها غريبة تثير بداخلها شكوك تحرق تفكيرها: - أخاف عليها من جوزها!، الراجل كتر خيره أخدها معاه في الكافيه، تفك شوية عن نفسها. فتحت أيسل فمها للتحدث، ولكنها جال بخاطرها فكرة، فقررت تنفيذها على الفور، ارتدت قناع الهدوء، وعادت تهتف بثبات:.
- اممم، أحسن بردوا، أنا هنزل اشتري شوية حاجات ناقصني وقبل ما اروح هبقى اتصل عليها اشوفها هتروح مع مين. حركت زينات رأسها بالموافقة، وقبل أن تخرج أيسل من الغرفة، انطلق لسانها يسأل ابنتها في قلق وشك: - أنتي مخبيه عليا حاجه يا أيسل. صمتت أيسل برهة قبل أن تستدير مبتسمة، بابتسامة زائفة تخفي خلفها خوف على أختها وهي مع ذلك المحتال: - لا أبدًا، أنتي عارفه لما رقية بتتعب أنا مببقاش طايقه نفسي.
هزت والدتها رأسها بتفهم، وانطلق لسانها يهتف بالأدعية لحفظ ابنتيها من أي مكروه.
بينما دخلت أيسل لغرفتها، تبدل ثيابها في سرعة، وداخلها يحفزها على سرعة الذهاب للحاق برقية، قبل أن يحاصرها حمزة مجددًا، فحالتها النفسية سيئة للغاية، وبالتأكيد لن تجيد التفكير معه، وعند هذه النقطة، بدأ عقلها يصور لها، بأن تصرف حمزة ذلك، ليس سوى خطة جديدة من تدبيره هو وشهاب، فأقسمت أن ترد الصاع صاعين لهما، وأن تنجو بشقيقتها من خداعهما.
رن هاتفها وانتشلها من واقع تفكيرها المظلم، فردت على الفور دون أن تنتبه أن المتصل هو شهاب، تأهب قلبها وعقلها معًا عندما وصل إلى مسامعها صوته المجهد: - أيسل.. أصبحت شبه متأكدة، أن ما توصلت إليه الآن، هو لعبة جديدة من تدبيرهم، وما أكد لها هو مجيء حمزة واتصال شهاب الذي يعقبه، فهتفت بحدة: - عاوز إيه مني. - هعوز إيه منك، أنتي مش واخده بالك إنك مراتي! رد بحدة مماثلة، فأردفت معنفة:.
- يا بجاحتك، وكمان ليك عين تكلمني! ارتفعت نبرة صوته، فقال محذرًا: - بقولك إيه يا أيسل، أنا مش هستحملك كتير وأنتي كده. ضحكت ساخرة على الفور: - ومالي كده، فاكرني هبله، هرضى بكلمتين واسكت، لا انسى انت خدعتنا كلنا، كسرت بقلب أختي، وانا قولتلك زمان بلاش اختي يا شهاب، علشان وقتها هتبقى خسران، وأهو جه وقتها وخسرت. - مش هسيبك، ولو كان أخر نفس فيا، فاهمه. صرخت بخفوت وشددت على قبضتها للهاتف:.
- لا مش فاهمه، ومش عاوزة افهم، وطلعيني من حياتك أحسنلك. تراجعت حدة نبرته، فحاول أن يستعطفها قائلًا: - أيسل، صدقيني أنا مكنتش قاصد أذيها، وبعدين سيبني احكيلك وافهمك. قاطعته بنفاذ صبر، قائلة: - آه، دي بقى خطة جديدة، انت وحمزة بتعملوها، هو يجي ويضحك على رقية وياخدها الكافية، وانت تكلمني وتضحك عليا، وفاكرين ان الموضوع كده انتهي، لا، أنا مش هسيب اختي تكون لعبه في ايدكوا تاني، وهطربقها فوق دماغكوا.
رغم أن حديثها لم يفمهه، وجهل معظمه، إلا أنه رد في ترقب: - هتعملي إيه يعني؟! تشدقت بتهكم، وهي تجيبه في ثقه: - ببساطة، هقطع أي فرصة تحاولوا فيها معانا، وهنزل دلوقتي الحق اختي من الكداب التاني، ومش هسمحلوه انه يستفرد بيها في الكافية بتاعه، أنا بقى اللي هقف ليكوا بالمرصاد. - طب استنى...
وقبل أن يكمل حديثه، أغلقت الهاتف في وجهه، وأكملت باقي ثيابها، انطلقت خارج منزلها، مقررة الوصول في أقصى سرعة لكافية حمزة. أما شهاب فوقف دقيقة مع نفسه، يعيد ترتيب كلماتها بذهنه، ثم انتبه لحديثها عن ذهابها لكافية حمزة، فعاد وركب سيارته مجددًا وقرر اللحاق بها، تلك هي فرصته الوحيدة لمواجهة الجميع والاعتراف بخطئه بحق رقيه منهيًا الأمر بينهم بطريقة دبلوماسية، ظن ذلك بعدما اهتدى أخيرًا لذلك الحل..
وقفت رقية بمنتصف الكافية تراقب تحركاته بتروٍ، زعزع ثباتها بعدما كانت تتحلى به معه منذ خروجها من باب منزلها. قبضت فوق حقيبتها بقوة فبرزت عروقها من شدة انفعالها، وكأنها تقبض على جمرة من النار.. تحرك بصرها مع يده وهو يحرك كرسي في مساحة خالية يضعه ثم جذب آخر ووضعه أمامه، أخرجت نفسها الأخير قبل مواجهتها معه، تلك الدائرة الصغيرة ستشتعل بنيران مشاعرهم الثائرة!
أشار لها بهدوء، وعيناه تترجاها لتعطيه فرصة أخيرة يحاول فيها هدم تلك الأسوار والتي بنيت فجأة بينهم. رفضت، وتجرأت على نطق رفضها، قائلة: - مش هقعد. خرج صوته هادئًا ينافي قلقه من تلك المواجهة: - لازم تسمعيني.. أشارت بيدها وقاطعته بحدة ورفض: - مش عاوزة أسمع كلمة منك. اقترب منها خطوة واحدة، وضم كفيه معاً يرجوها بعينيه، هاتفًا بصوت يغلب عليه الحزن والقهر مما فعله معها: - لازم تسمعي علشان تقدري تتخطي اللي حصل.
تشدقت بتهكم، وكررت خلفه حديثه: - أتخطى اللي حصل! صمتت لبرهة تستجمع أنفاسها والتي بدأت في الانحسار بصدرها، ثم عادت تقول بصوت مهزوز ضعيف، متقطع اثر محاولاتها في محاربة دموعها في السقوط: - أنت فاكر اللي أنت عملته ممكن أتخطاه، أنت سبت علامة سودا جويا، عمرها ما تروح باعتذار. حك أنفه بقوة، وكأنه يتمسك بآخر قوة لدية، قبل أن ينهار ويعلن ضعفه الكامن خلف هدوئه الزائف معها:.
- لازم تتخطي يا رقية، أحنا مش اتنين مخطوبين وبس، احنا مكتوبين كتابنا. هزت كتفيها بلامبالاة مع نزول أول دمعه من مقلتيها، قائلة: - وإيه يعني، عادي، كل واحد هيروح لحاله. اقترب خطوة أخرى، وهو يردف بخفوت داعب أوتارها والتي كانت تتخبط بين أروقة قلبها، وكأن اقترابه المهلك ذلك، كالرياح العاتية، تقتلع معها حصونها: - ترضي على نفسك تتطلقي قبل ما تخشي دنيا.
رفعت بصرها له، تقابله بتحدٍ، متعمده تذكيره بفعلته الشنيعة بحقها: - مش أحسن لما أدخل دنيا مع واحد كداب، بيخدعني، وأنا إيه ضمني مكنش العاشرة في ضحاياك، اللي يقدر يعمل كده في بنت، يعمل في مية بنت بسهولة.
كان يحرك رأسه بنفي مع كل كلمة كانت تخرج من ثغرها، كلماتها كانت كالأسهم النارية التي تصيب قلبه في مقتل، ويندلع بسببها ثورة بعقله، تجعله غير مدرك لِمَ يفعله معها، بعدما كان يتحلى بالهدوء أمامها، انهارت قوته الزائفة، وبدأت بالتصدع، فبدأ انهياره الوشيك في مواجهتها، جذبها بقوة رغم اعتراضها وأجلسها فوق الكرسي، وبدأ يتحدث بإصرار: - لازم تسمعيني، لازم تعرفي إن أول مرة أوافق على كده، أنا مكنتش قاصد أذيكي.
هتفت ببكاء وصوت مبحوح: - أنت لعبت بيا، ضحكت عليا وفهمتيني إنك بتحبني، اتجوزتني وأنت عارف أنها لعبة، ده كله مكنش أذيه. لمعت عيناه بدموع متحجرة، فقال بضعف لأول مرة تقرأه بنبرته: - أنا اعترفت بحبي، وأنا فعلاً بحبك، واتجوزتك علشان أنا عاوز كده، مش هسيبك يا رقية، أنت الروح اللي كانت ناقصة حياتي. ابتسمت من بين دموعها المتساقطة بلا انقطاع فوق وجهها، لتقول بانكسار:.
- روح!، إزاي، أنت كسرتني فوق ما تتخيل، وأنا ح، حبيتك. ارتعشت نبرتها في جملتها الأخيرة، وبدأت في الانهيار أمامه.. شعر حمزة بمرارة وغصة بحلقه، بعد اعترافها ذلك، ورغم كل الظلام الذي يحيط بقصتهم، إلا أن باعترافها اندفع نور فجأة له، فحثه على استكمال باقي حديثه والذي كان يكتمه بصدره:.
- وأنا بحبك فوق ما تتخيلي، والله العظيم فعلا حبيتك، بس بعد ما عرفت إنك غير الشخصية اللي شهاب حكالي عنها، أنا كنت فاكر إني بعمل عمل بطولي، وأنا بنقذ صحابي من واحده حقودة زي ما حكالي، اتصدمت واتفاجئت إنك غير، أنت أنقى وأنضف من كده كتير، منكرش أن كنت بحارب مشاعري معاكِ، بس مقدرتش.. أمسك بيدها ثم وضعها فوق قلبه عندما جثي أمامها على ركبتيه، هامسًا بحزن عاشق متيم:.
- قلبي كان بيتعلق بيكِ كل لحظة في وجودك معايا، وفي غيابك بعيد عني، رقية صدقيني أنا مش هقدر أبعد عنك، والله ماهقدر.
رغم أن كلماته كانت تصيب قلبها وعقلها معًا، فهو ببساطة أصبح الآن حبيب قلبها، وعدو عقلها، صمتت أثناء حديثه ولكن قلبها لم يصمت عن الصراخ، فهي كانت بحالة لم تستطع الحديث، أو إخراج مشاعرها بعدما تكدست بصدرها، ومع لمستها لصدره وتحديدًا عندما شعرت بدقاته العنيفة، لجم لسانها، فسمحت لنفسها بالانخراط في البكاء، فأصبح شبه هستيري وكأنها تبكي نيابة عنه.
اختنق صدره، وحلقه، فأصبح حلقه كالصحراء الجرداء، لم يعد لديه قدرة على شرح مشاعره، ومن شدة ضعفه امامها، كل شيء بداخله كان يقطر دمعًا.. احتضنها بقوة رغم محاولاتها الضعيفة في الابتعاد عنه، وانخرط الأثنان في البكاء، هي نحيبها كان عالٍ، تمزق به نياط قلبه، وهو كانت دموعه صامتة، تهبط بغزارة أثناء محاولاته للتحكم بها...
دخلت أيسل من الباب الخارجي للكافية، تبحث عن رقية بلهفة وقلق، وقبل أن تتخطى خطوة أخرى للداخل، لمحت احتضانهم لبعض من خلال الزجاج الخارجي، وقفت كالصنم، تراقب ما يحدث بينهم، وضعت يدها فوق قلبها، عندما شعرت بمشاعر شقيقتها وهي في حالتها تلك، فضعف رقية شبه مستحيل، وإظهاره هكذا، هذا يعيني أنها خاضت العديد من المعارك مع مشاعرها، حتى تسمح لها بالظهور هكذا.
وضعت أصابعها فوق الزجاج، تفكر بحيرة، في قرارها التالي، هل تفسد لحظتهم، أم تنتظر وتعطي لرقية حرية التصرف بحياتها.. شعرت بأنفاس خلفها، فاستدارت فجأة، وتحولت ملامحها من الذعر إلى الغضب. - أنت، جاي ورايا ليه! قرص شهاب فوق أنفه محاولاً ضبط انفعالاته معها، فقال: - جاي علشانك، علشان تسامحيني. - أسامحك!، على إيه ولا إيه، على كسرة قلب أختي، ولا قلبي أنا كمان! ضغط بيده فوق ذراعيها يقول بلهفة وعجز:.
- أنا كسرت قلبك في إيه، أنا كنت بحارب علشان علاقتنا تفضل زي ماهي، رقية كانت هتهد حياتنا بكلامها، متنكريش إنك كنت هتبعدي عني بسببها! نفضت يده بقوة، وتراجعت نحو الزجاج تلتصق به، وهي تهتف بغيظ من بين أسنانها: - لا يا شهاب، مكنتش هبعد عنك، انت اللي خيالك وشياطنك اللي كان مصورلك كده، بس دلوقتي هبعد عنك فعلا وهطلقني. عاد وأمسكها بقوة يهزها بعنف: - أطلقك، ده في خيالك، أنت عاوزة تسيبني، بعد ما حبيتك.
راقبت حالته الثائرة بذعر، فعادت نبرته الي اللين ولم تهدأ قبضته بل كانت تزداد عنف وكأنه يتمسك بآخر فرصة للنجاة من ذلك الواقع المظلم الذي بدأ في التجسد من حوله: - أيسل، أنا مش بس بحبك، أنا بعشقك، عاوزة تسيبني وأنا ماليش حد غيرك، أنتي كل حياتي، أنتي اللي مليتي عليا وحدتي بعد موت أهلي، انا هموت بجد من غيرك.
قاومت مشاعرها في الاستسلام له، من الممكن أن تتجاوز جميع المصاعب، ماعدا الخذلان الذي ذاقته على يده! فردت برفض وهي تهز رأسها وكأنها تريد عدم استماعه: - لا يا شهاب، لا. دفعها بقوة نحو الزجاج، وبدأ في الهياج، وأعماه غضبه، فبدأ بالتصرف بجنون، صرخت هي إثر تعنيفه لها. - مش هسيبك يا أيسل، أنا خالفت كل مبادئي علشان اوصلك، أنت بتعملي كده علشان عارفه إن أنا بحبك، بتدلعي عليا، صح.
ارتفعت نبرته وهزت أرجاء المكان، فصرخت وهي تحاول إبعاده عنها.. انتبه حمزة ورقية لصوت شجار في الخارج، ولكنه كان مكتوم بسبب قوة الزجاج، ابتعد حمزة عنها في مضض، بعدما بدأت مشاعرهم بالتصالح، وأحس أنها رضخت له إثر قبلاته الحنونة والتي كان يوزعها برفق فوق وجنتها وكتفها. التفتت رقية للخلف عاقدة حاجبيها، عندما التقطت أذنها بعض الكلمات منها: - أيسل أنا بحبك. - ابعد يا شهاب.
وفورًا كان حمزة ينهض في استقامة، وخرج وخلفه رقيه، يمنعان جنون شهاب والذي فاق كل التوقعات.. احتضنت رقية شقيقتها، تحميها من غضب شهاب وانفعاله، ، فثارت ثائرة شهاب أكثر، عندما وقع بصره عليها، وهي تحتضن أيسل بذلك الشكل، فهدر بعنف: - انت بتعملي إيه، بتخوفيها مني اكتر، أنتي السبب أصلا في كل حاجه، كلامك ليها عني، كرهتيها فيا، أنت بتكرهيني ليه، عملتلك إيه.
قال جملته الأخيرة وبدأ بالاندفاع نحو رقية، فتراجعت هي بخوف وذعر من حالته الجنونية، أمسكه حمزة يمنعه من التقدم خطوة أخرى نحوهما، فقال بعصبية: - شهاب اهدى انت اتجننت. أبعده شهاب عنه بقوة، وهز رأسه بانفعال: - اه اتجننت، أنت بقى ظبطت أمورك، وأنا الشيطان واللي حياته بتتدمر عادي. حول بصره نحو أيسل يقول في عناد: - أنا مش هطلقك يا أيسل، مش هطلقك فاهمة. صرخت هي في جنون مماثل له: - هطلقني، أنا بكرهك.
رفع يده يشدد بها على خصلات شعره، وكأنه يريد اقتلعها من مكانها، ثم اندفع نحو الكراسي المرصوصة جانبًا، ورفع إحداهم وأنزله بقوة أرضًا، فتهشم إلى قطع، ابتعدت أيسل ورقية أكثر يحتمون من جنونه، وخاصةً إن كانت عيناه تطلق شرارات من الغضب. جذبه حمزة بقوة نحو الخارج هاتفًا: - أنت فعلا بتدمر حياتك، باللي بتعمله، لما تهدى نبقى نتكلم. أبعده شهاب عنه بكره وقبل أن يخرج نظر لأيسل بحرقة ثم قال:.
- مش هطلقك، لو طلقتك هموت بجد. ثم خرج من الكافية وعيناه تطلق شرارات من الغضب والكره والحقد، مشاعر جمة تملكت منه، فجعلته عبارة عن بارود، إن نفجر سيدمر جميع من حوله.. عبر الطريق وجسده يتشنج بالكامل، فبدأت أفكاره السلبية تتدفق تمحي في طريقها أي بارقة أمل بعلاقته مع أيسل، تحولت الحياة فجأة من حوله إلى ظلام قاتم، ابتعاد أيسل عنه، يعيني الهلاك...
هز رأسه بقوة وكأنه يحارب أفكاره المهلكة، متوعدًا بداخله أنه لن يتركها أبدًا، سيحاول ألف مرة حتى تعود إليه كما كانت، لن يرضى بأنصاف حلول، ولن يهدأ قلبه في لوعته وهي بعيدة عنه.. عبر الطريق دون أن يراقب جهاته، متجهًا صوب سيارته والتي كان يصفها بالجانب الأخر.. وفجأة ارتطم جسده بسيارة مندفعة بسرعة، فأصدرت السيارة صوتًا قويًا نتيجة لاحتكاكها المفاجئ بالأرض.
ارتطامه كان قويًا، ليس لجسده فقط، بل لمشاعره وقلبه وعقله، فشعر حينها وكأنه في دوامة كبيرة، يدور بها وشريط حياته وأفعاله تتجسد أمامه في مشاهد قصيرة، تتحرك من أمام عيناه بسرعة، سرعة تنافس سرعة أنفاسه والتي كان يلفظها خلف بعضها وكأنه يحارب من أجل البقاء، لأجلها فقد، فمازال قلبه ينبض من أجلها حتى وهو في وداعه الأخير، لقد ظن ذلك، وبدأ يستعد تدريجيًا، حتى أن جسده بدأت الالامه تنسحب منه بعدما كانت تفوق قدرته، وأنفاسه ثقلت وكأن هناك جبل فوق صدره، تزامنًا مع بطء ضربات قلبه، أنها النهاية، ولا مجال للفرار من ماضِ أهوج.
- شهاب. استمع لصوت حمزة وهو يخرج متلفهًا، يناديه بصوت مرتفع، ولكنه لم يملك القوة للرد فكان في حالة أشبه بفقدان الوعي، بدأ الدم يخرج من أنفه، ومحاولات حمزة لاعتداله وصراخه لرقية وأيسل كانت عديدة.
نظرت رقية بصدمة لأيسل، ولم تستطع التفوه بأي كلمة، سوى أنها تركتها واندفعت خلف حمزة، أما أيسل فتحركت بخطوات بطيئة للخارج تحارب هاجسًا سيطر عليها، وما إن رأت جسد شهاب لا يتحرك ساكنًا، وضعت يدها فوق فمها بضعف وألم، بينما اندفعت دموعها أخيرًا من تحررها لتسقط فوق صفحات وجهها تعبر عن مدى خوفها وألمها بعدما رأت حبيبها ملقى أرضًا لا حول ولا قوة له، لقد كتب الفراق عليهما إجبارًا وليس اختيارًا، ولكن ذلك الفراق موجع وقاسٍ، لن يتحمله قلبها أبدًا، ولن يتصوره عقلها، فالحياة من بعده، ستصبح بلا روح.
مسكت رقية يد شهاب عندما قال لها حمزة بنبرة مهزوزة تحمل خوفًا على صديقه: - خليكي جنبه، لغايه ما أجيب العربية وأجاي. نظرت رقيه له بعدما سال أنفه بدماء غزيرة، وكانت عيناه غائمة، رفعت بصرها نحو الاتجاه التي فرت منه السيارة التى اصطدم به، ولكنها عادت مرة أخرى تنظر له حينما ضغط هو برفق وضعف فوق يدها.. فمدت يدها الثانية تمسد على ذراعاه في حنو: - شهاب هتكون كويس، هننقلك المستشفى دلوقتي..
خرج صوته متقطع عقب آلامه التي تجتاح جسده بلا رحمه، فقال بوهن: - رقية سا، سامحيني. - اهدى أرجوك، بلاش كلام دلوقتي. وقبل أن يفقد وعيه نطق بآخر جملة: - قولي لأيسل أنا بحبها اوي. وفقد وعيه بعدها، فهزته رقية بصراخ: - شهااب، خليك معانا..
اقترب حمزة بسيارته، ثم ترجل منها سريعًا، وهدر بأيسل حتى تتحرك معهم وتساعدهم في نقل شهاب لداخل السيارة، وبدلاً أن كان حمله وحده ثقيلًا، زاد ثقلاً بأيسل والتي كادت أن تفقد وعيها هي الأخرى عندما تركتها أنفاسها منذ أن وقعت عيناها عليه وهو في تلك الحالة.