- رايحة فين يا رقية؟!.
ابتعدت عنه وهي تجذب يدها من قبضته بعنف، مردفه بصوت غاضب لم تتحكم به:
- قولتلك مليون مرة يا حمزة، متمسكش ايدي، أنت ايه مبتفهمش.
- مـ... إيه، عديها كده.
قالها وهو يقترب منها بطريقة أفزعتها، فجعلتها تبتعد عدة خطوات للخلف كالبلهاء، وصوتها يخرج مهزوزًا رغم محاولاتها بأن تجعله ثابتًا بقدر الإمكان:
- مقصدتش، متفهمش كلامي غلط.
وفي لمح البصر كان يحاوطها بيده ويحتجزها بينه وبين الحائط من خلفها، مصححًا لها بطريقة حادة أربكتها:
- اسمها، أنا أسفه.
وضعت الحقيبة بينهم وعيناها تزداد عناد وقوة، وكأنها غير عابئة بنظراته التي تلتهم أدق تفاصيل وجهها، مما زاد من احمرار وجهها، فبدت كحبه الطماطم في أوانها، لم تعلم أنها في تلك اللحظة وبنظراتها تلك اندلعت بسببها نيران به، لم يعلم هويتها، كل ما يعرفه الآن، هو مدى استمتاعه بقربها ذلك، فقرر الاستمتاع بتلك اللحظة غير مراعيًا لمشاعرها التي كانت في حالة صراع قوي مع معتقداتها وأفكارها، وخاصةً حينما دق ناقوس الخطر بعقلها يحثها على الابتعاد بأي طريقة، ولكن كيف؟!، وهو يحاوطها كالأسد الذي يود التهام فريسته.
فصول نوفيلا
لعبة الهوى
نوفيلا
لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الأول
ما بين البدايات والنهايات خطوط طويلة، تملؤها أحداثًا أحياناً مريحة للنفس، وأخرى مرهقة، نحتفظ بحلاوة البدايات ونستمتع بها لأقصى درجة، حتى إنها تظل معلقة بقلوبنا لفترات، أما النهايات فلها طريق مختلف موجع، قاسٍ، مرارته تتعلق بعقولنا، وأحيانًا تطمس معها متعة البدايات!
في ليلة شتاء قارسة، تتساقط بها حبات المطر فوق شوارع القاهرة، في مشهد يتكرر إلى حد ما في فصل الشتاء، وكالعادة يفر المارة إلى بيوتهم، يحتمون بها من صعوبة الجو، إلا هي سرقها الوقت معه في الكافية الخاص الذي يملكه في إحدى مناطق القاهرة الراقية..
استندت رقية ذات الرابعة والعشرين على الزجاج الذي كان يمثل جزءًا كبيرًا من تصميمات الكافية، راقبت بعيناها الزرقاء تساقط حبات المطر في تناغم رهيب مع هدوء المكان الذي أثار بعض الريبة والقلق بداخلها.
وأثناء انغماسها في تفكيرها، انتبهت إلى تلك الساعة التي أصدرت صوتً مزعج فسرقت انتباها، حولت بصرها نحوها وحقًا لم تفهم سبب تعلق حمزة بها، فالمكان أساسه راقي وعصري، وهي قديمة وكبيرة، تحتل جزءًا كبيرًا من الحائط، غريب حمزة ذاك هو وأفكاره، رغم أن خطبتهم مرت عليها أكثر من شهران، إلا أن عيناه مازالت تدفن بها الكثير من الأسرار والغموض التي تحاول اكتشافه يومًا بعد الآخر، ظهوره في حياتها غريب وتقربه منها أغرب، ولكن، خرجت من تفكيرها على الأضواء التي تقفل واحدًا تلو الآخر، راقبت الإغلاق التدريجي بقلق، حتى توقف تمامًا وبقي النور الذي يقبع فوقها مضاء، التفتت حولها تبحث عن العاملين لم تجد أحد، إلى هذا الحد شردت ولم تنتبه بخلو المكان!
نادت بصوت مهزوز وضعيف:
- حمزة.
وانتظرت ثوان بسيطة رده، ولكن السكون هو سيد الموقف، كررت ما تفعله والرعب يدب في قلبها، حتى ظهر حمزة من آخر الردهة الخاصة بالمطبخ، تنهدت براحة وهي تقول في ضيق بالغ:
- حمزة ايه الرعب ده، بتقفل الانوار ليه؟!
اقترب منها حمزة وهو يضع يده في جيب بنطاله ببرود:
- علشان ميحصلش ماس وفي مطر بره، ومفيش حد هنا أصلاً، فسبت النور ده بس نقعد عليه.
شهقة غبية صدرت منها تعجب هو لها، وهي تهتف في تساؤل غريب:
- ياعني إحنا لوحدنا دلوقتي؟!، لا لا أنا هامشي.
لم تنتظر إجابته بل انطلقت تجذب حقيبتها بسرعة واتجهت صوب الباب الرئيسي، إلا أنه قطع طريقها حينما مسك يدها يحاول إيقافها.
- رايحة فين؟!
ابتعدت عنه وهي تجذب يدها من قبضته بعنف، مردفه بصوت غاضب لم تتحكم به:
- قولتلك مليون مرة، متمسكش ايدي، أنت إيه مبتفهمش.
- م، إيه، عديها كده.
قالها وهو يقترب منها بطريقة أفزعتها، فجعلتها تبتعد عدة خطوات للخلف كالبلهاء، وصوتها يخرج مهزوزًا رغم محاولاتها بأن تجعله ثابتًا بقدر الإمكان:
- مقصدتش، متفهمش كلامي غلط.
وفي لمح البصر كان يحاوطها بيده ويحتجزها بينه وبين الحائط من خلفها، مصححًا لها بطريقة حادة أربكتها:
- اسمها، أنا أسفه.
وضعت الحقيبة بينهم وعيناها تزداد عناد وقوة، وكأنها غير عابئة بنظراته التي تلتهم أدق تفاصيل وجهها، مما زاد من احمرار وجهها، فبدت كحبه الطماطم في أوانها، لم تعلم أنها في تلك اللحظة وبنظراتها تلك اندلعت بسببها نيران به، لم يعلم هويتها، كل ما يعرفه الآن، هو مدى استمتاعه بقربها ذلك، فقرر الاستمتاع بتلك اللحظة غير مراعيًا لمشاعرها التي كانت في حالة صراع قوي مع معتقداتها وأفكارها، وخاصةً حينما دق ناقوس الخطر بعقلها يحثها على الابتعاد بأي طريقة، ولكن كيف؟!، وهو يحاوطها كالأسد الذي يود التهام فريسته.
نظراته لم تكن مخيفة لها بقدر ما كانت تسبب لها الخجل والإحراج لانعدام المسافة بينهم، تمسكت أكثر بحقيبتها، وكأنها تتمسك بآخر حبل للنجاة من السقوط في غرامه أكثر والاعتراف له بحبها الذي بدأ في الاندلاع بقلبها الغض منذ أول مقابلة معه، ولكن أفكارها كانت لها السلطان الأكبر في التحكم بمشاعرها ورسم حالة الجمود على وجهها بحرفية كما اعتادت معه أو مع غيره.
ولكن مع ذلك الوميض الذي يأسرها بعينيه، جعلها تترك عد الدقائق، وتنسى وضعهما ذلك وتنغمس معه للكشف عن ذلك الغموض الذي يحتل عيناه، وكأنه حاجز قوي ومنيع يمنع حقيقته عنها، ربما تلك الحقيقة مخيفة وموجعة، وربما هي تتعلق بشخصيته، كم تمنت أن تتحلى بقدر أكبر من الذكاء، لفك شفراته وتستطيع الاعتراف بشيء كاد أن يصبح مستحيل البوح به يومًا ما.
ارتفع رنين هاتفه بنغمه صاخبة جعلتها تنتفض بقوة وتبتعد عنه بعنف كاد أن يوقعه للخلف بعدما فقد تركيزه تحت تأثير عيناها التي تحمل زرقة البحر وصفاء السماء، مع تورد وجهها الجميل، لم يكن جريء من قبل بتلك الطريقة، ولكن هي استطاعت سلب أنفاسه، وخاطره للتعلق بها.
راقب اندفاعها نحو الخارج، فارتفع صوته في نبرة رخيمة:
- استني في العربية وأنا هقفل كل حاجه وهاجي.
وقفت أيسل أمام الجهاز الكهربائي، تضع حبات الفراولة ثم السكر وهي تعد ملعقة خلف الأخرى.
- واحد، اتنين، تلاته، هي ماما قالت أربعة ولا ستة.
أربعه كبار ودوقي الأول يا هبله.
التفت أيسل في سرعة حتى أنها أفلتت السكر من يدها وتناثر على الأرض في طريقة عشوائية أثارت غضب الأم فقالت بغضب مكتوم كاد ينفجر من حروفها:
- انتي عبيطة يابت، هتشليني ولا ناويه على موتي، تصدقي بالله شهاب هيطلقك من تاني يوم.
زفرت أيسل في غيظ، وهي تنحني بجسدها الضئيل نحو الارض، قائلة:
- ياعني هو كده مش هيسمعك وهو بره، وبعدين شهاب ميهموش الكلام الفاضي ده.
ضربتها والدتها زينات بخفه خلف رأسها، مردفه في توبيخ:
- بقى أنا بقول كلام فاضي يا قليله الادب، يام لسان طويل..
واستكملت زينات حديثها وهي ترفع
يدها إلى السماء كحال جميع الأمهات المصرية، تمتم بضيق:.
- اعمل إيه بس، واحده لسانها طويل وتانية ماشية تنقط الناس بكلام دبش، وأنا أصلح وراهم.
نهضت أيسل في خفة وقامت بطبع قبلة فوق وجنة والدتها رغم اعتراض زينات لها:
- مالك بس يا زوزو، من الصبح مضايقة ليه.
- خايفه على رقية، كل يوم أعد في الأيام واشوف هاطول مع العريس ده ولا ايه.
كتمت أيسل ضحكة قوية بصعوبة، قائلة:
- هي كانت اتخطبت قبله علشان تعملي كده، ده أول عريس.
زفرت زينات في تفكير وشرود:.
- ماهو علشان أول عريس يابنتي، اختك محدش يستحملها، وأنا نفسي أطمن عليها، وبعدين اول مرة تطول معاه في الخروجه كده.
- متقلقيش هتكمل معاه إن شاء الله، وبعدين هو اللي خاطبها بمزاجه مش جاي عن طريق أمه ولا أخته زي باقي العرسان، وأنا حاسه أنها معجبه به بس مبتقولش.
انفجرت أسارير زينات في فرحة عارمة مردفه:
- قولي بسرعة قالت حاجه، انتي شوفتي حاجه.
هزت أيسل رأسها بنفي قائلة بلامبالاة:.
- بقولك حاسه، وبعدين فكري كده ده تقريبًا اول واحد توافق تتخطبله، ياعني في مؤشرات حلوة.
دفعتها زينات بغيظ من أمامها قائلة:
- مؤشرات، ابعدي يابت بعيد عن وشي، ما اطلع أشوف خطيبك وابوكي.
خرجت زينات تحت اعتراض أيسل في تركها في تلك المعركة وحدها ما بين السكر الملقاة أرضًا والفراولة في الخلاط، زفرت بحنق وهي تعاود مرة أخرى تنغمس بين الأشياء هنا وهناك، ولم تنتبه للشخص الذي يقف خلفها مباشرةً، سوى على لمسه يده لجانب وجهها في خفة.
كتم شهاب صراخها بأعجوبة، هامسًا عدة مرات بجانب أذنها بخفوت:
- اهدي، أنا شهاب.
ابتعدت عنه بعدما أدركت مدى اقترابه منها بهذا الشكل غير المقبول بالمرة:.
- شهاب مينفعش كده، إيه دخلك المطبخ.
التقط حبه فراولة من الطبق ووضعها في فمه، متجاهلاً تحذيرات عيناها والتي تحثه على الخروج.
- قولت لمامتك عاوز أدخل الحمام، وأنا داخل لقيتك قولت أشوفك علشان وحشتيني في الشويتن دول.
أشارت على فمها في سرعة كبير حتى يصمت، أو يخفض صوته، قائلة بفزع:
- شهاب هتودينا في داهية بعمايلك السودة دي.
اقترب منها شهاب ممازحًا:
- عفريت رقية أختك لبسك تاني أهو.
حاولت رسم ملامح الجدية والجمود على وجهها، وعدم الانسياق خلفه كعادتها، متذكرة تنبيهات وتحذيرات رقية لها حول شخصية شهاب، فهو شخص متهور من وجهه نظرها، حاولت بقدر الإمكان إبعاده عنها، ولم تفلح بسبب تمسك أيسل به، وعلى الرغم أن رقية اعترضت اعتراض قاطع عن علاقتها به وقصة حبهما قبل الخطبة، إلا أن أنها استطاعت الاستمرار وقطعت مسافة ليست بهينه بعلاقتهم، إلى أن وصلت لارتباط رسمي، وهذا لا يعيني الا شيء واحد، ألا وهو أن أفكار رقية عن الحب خطأ، فشهاب ليس بالخائن، ولا يحمل صفات سيئة، هو فقط أفعاله مجنونة وغير متوقعة يعيش حياته كما هي ولا يحب التجمل، كما أنه صادق جدًا بحبه لها، ولكن رقية دائمًا تقف لها بالمرصاد، وتعلق على جميع تصرفاته وأفعاله، وكالعادة هي بكل ساذجة تخبر شهاب بحديث أختها ونصائحها، ولا تدرك أن سذاجتها تلك لها تأثير كبير على رأي كلاً من شهاب ورقية في الآخر، حتى إنها لم تستطع إنهاء تلك الفجوة بينهم، بل اتسعت تدريجيًا، وهي أصبحت كالضائعة بها، لا تملك سوى خيار واحد هو إرضاء الطرفين، لا تستطيع الابتعاد عن شهاب حبيبها، ولا كسر خاطر شقيقتها، في النهاية رقية تحبها وتفعل ذلك من دافع الأخوة والحب.
استفاقت من شرودها اللحظي على حركه يده أمام عيناها، قائلًا:
- انتي جاية تسرحي في الوقت ده.
حمحمت بخفوت، ثم قالت بعتاب:
- متتكلمش كده عن رقية، وبعدين بجد أفعالك دي هتودينا في داهية، أبوس أيدك يا شهاب ركز كده، وبلاش فضايح.
لم يعبأ بحديثها بل اقترب منها أكثر، ثم جذب يدها وطبع بهما قبلات صغيرة، هاتفًا بنبرة أثارت الخجل والشوق لديه:
- بحبك اوي.
أنهى جملته بإرسال قبله لها في الهواء، ثم خرج من المطبخ بهدوء كما دخل، والمسكينة أيسل تاهت في بحور عشقه التي لم يبخل أبدًا في إغداقها بها.
تنهدت بعمق ثم عاودت مرة أخرى في استكمال ما كانت تفعله، ولكن تلك المرة أصابتها الهمه والنشاط، مع ابتسامه بلهاء يتزين بها ثغرها الصغير.
راقبت الطريق بملل، ملل تقنع نفسها به، حتى لا تتذكر كيف كانت حالتها وهي تحت سطوة عينيه، وآه من عيناه البنية، تحمل مرارة القهوة، وحلاوة الشكولا، بها مزيج غريب، تجعل من يقترب منها ينغمس بهما، وخاصةً مع رموشه الكثيفة تلك، فشعرت وكأنها أمام حصن قوي يمنعها من السبر والوصول إلى أعمق نقطة بهما.
ضغطت فوق شفتاها بعنف، وكأنها تجاهد مشاعرها، فشعرت وكأنها مثل السجين الذي حصل على الحرية ولكن في صحراء جدباء، يركض باحثًا عن النجاة.
لم ينقطع المطر أبدًا منذ هطوله، حتى أن شوارع القاهرة بدت وكأنها بحورًا صغيرة، لم تعرف سبب بطيء السيارة أهو بسبب كثافة المياه، أم هو من يتعمد ذلك ويريد إرباكها. توقفت للحظات مع نفسها وبدأت تسأل نفسها سؤالاً مُهم لِمَ تعامله وكأنه عدو، أو يريد أذيتها، لِمَ يتجه تفكيرها نحو الاسوء، وسوء الظن به، سؤالاً واحدًا كان كفيلاً في تدفق الباقي، أسئلة أرهقت عقلها وقلبها، وما يجعل الأمر أكثر صعوبة هو معرفتها للإجابة ومحاولتها لدفنها في سراديب عقلها، صراع غريب إذا أوقع الإنسان به لن يتعافى قلبه، ولن يهدأ عقله، وهي من أوقعت نفسها به بكل غباء ظنً منها أنها تفعل الأصح والأفضل.
أجفلت على توقف السيارة بمنتصف الطريق، التفتت له في ذعر:
- لا متقولش إن العربية عطلت.
رمقها من الأسفل إلى الأعلى بسخرية، جعلت شرارة الغضب تندلع بعيناها:
- بطلي أفورة بقى، هو أنا خاطفك، أنا نازل أجيب حاجة وراجع.
أصابتها الصدمة من حديثه ذلك، ف لم يعد لديها القدرة على الرد، رغم أنها تستطيع الحصول على جائزة فن الرد، إلا أنه تحديدًا يتفوق عليها، لِمَ تشعر وكأنه والدها في تصرفاته معها، وعادت الأسئلة مجددًا لذهنها، ولكن ما جعلها تتعجب هو وقوفه أمام محل صغير لبيع المثلجات، عقدت حاجبيها بتفكير إلى أن جاء ومعه علبة صغيرة بها المثلجات التي تعشقها.
جلس مكانه مرة ثانية وقدم لها العلبة ضاحكًا:.
- ايس كريم في ديسمبر، خدي عارفك مجنونة وبتحبي الحاجات الهايفة دي.
فتحت فمها متعجبة من كم التوبيخ الذي سقط فوق رأسها من العدم، فقالت بتسرع:
- انت اللي مجنون بجد، حضرتك هي دي الرومانسية.
صمتت لبرهة بعدما تفوهت بذلك، ووضعت أصابعها فوق فمها بطريقة عجيبة، وكأنها تفوهت بشيء غير مناسب، فبادر هو بالتحدث متهكمًا:
- شفتي أهو لما بقولك بتأفوري بتزعلي، في إيه يا رقية، ناقصك حنان، قوليلي وأنا اظبطك.
- تظبطني!، بس يا حمزة بجد انت النهارده غريب، وتصرفاتك أغرب، جايبلي أيس كريم في الشتاء، غريب آوي بجد.
قالت جملتها الأخيرة بحرقة، وهي تضع العلبة بين يده، ولكن ما جعلها تتجمد مثل المثلجات بين يدها، هو إمساكه بكفيها بقوة، متحدثًا وهو ينظر في عينيها:.
- عارفة أنا مقدر إنك مضايقة، علشان أنا أخدت بالي عن حاجه بتحبيها، اللي زيك بيحب يكون زي البيت المقفول محدش يعرف عنه حاجه، لكن أنا بقى قدرت افتح الباب وأعرف عنك حاجات كتير جدًا.
ابتلعت ريقها وهي تسأله في توتر:
- زي إيه؟!
- زي إنك خايفة أن تكون علاقتنا طبيعية بين اي اتنين مخطوبين، على طول بتوقفيني وكأنك قاصدة أن الموضوع يبوظ، مع إنك موافقة بإرادتك ومحدش غصبك.
ابتعدت عنه بعدما داهمها حالة ارتباك قوية:.
- وايه اللي خلاك متأكد كده، ما يمكن بابا هو اللي غصبني.
عاود تشغيل المحرك، وبدأ في القيادة كما كان وهو يجيبها بتسلية:
- مش رقية اللي حد يغصبها على حاجة، عيب أنا قريت في عينك من أول مرة شوفتك فيها، إنك موافقة عليا بكامل إرادتك.
ضحكت ساخرة وبدأت في التلاعب بالإجابات كعادتها دومًا:
- أوقات بقلق عليك يا حمزة من ثقتك دي، الغرور هو بداية الهزيمة.
- لما تعرفي الفرق بين الثقة والغرور، ابقى تعالي اتكلمي، خدي كُلي يالا.
تناولت منه العلبة بغيظ وبدأت في أكلها وكأن شيء لم يكن، أو هي من أقنعت نفسها بذلك.
خرجت من المرحاض وهي ترتدي ثياب أخرى مجففة، مسحت بالمنشفة أثار المياه من على وجهها، جلست أمام المرآة وهي تتأمل منظرها الجذاب، أحقًا ترى نفسها جاذبة وجميلة، ولكن لِمَ لا يراه الأناس ذلك، حتى أن حمزة لم يعترف مرة بجمالها ولا بجمال عيناها، كل من يقترب منهما هي وأيسل يثني على جمال أختها، وينجذبوا لها رغم أنها ليست بيضاء وعيناها لا تمتلك زرقتها، هزت رأسها باستياء حينما وصلت إلى الإجابة ألا وهي الروح، هي تنقصها الروح التي تمتلكها أيسل، ورغم شبابها وتورد وجهها، إلا أنها شعرت وكأنها عجوز أنهكها الزمن وأرهقتها الصدمات.
- رقية، تعالي بسرعة بابا وشهاب أقنعوا حمزة يسهر معانا، دي هتبقى سهرة حلوة اوي.
أنهت حديثها بسعادة، وخرجت مرة أخرى، التفتت رقية نحو المرآه وحاولت رسم ابتسامة واسعة مثل أختها، تحاول إقناع نفسها بأنها تمتلك نفس جاذبية أيسل وابتسامتها المميزة، ولكن ظهر انعكاسها بابتسامة باهتة مصطنعة، تلاشت فورًا كالعادة وظهر جمود مغلف بالبرود وسيطر على ملامحها.
نهضت فورًا وارتدت حجابها ولم تحكمه لأول مره، خرجت بتسرع وكأنها تهرب من شيء ما يلاحقها.
تقدمت منهم وجلست بجانب أختها في صمت تام، وانفصلت بعقلها بعيدًا عن حديثهم، انفصلت في بقعة أوقعت نفسها بها، تتخبط هنا وهناك كورقة خريف ضائعة، أفكار عديدة ومشاعر أكثر تتأجج بصدرها.
انتبهت على أصابع أختها التي تغرزها بجسدها في خفة:
- في ايه يا أيسل، بتهببي ايه!
مالت أيسل نحوها هامسة:.
- حمزة بقاله ساعة بيبصلك جامد، وانتي ولا هنا.
حولت رقية بصرها نحوه، فوجدته يشير لها بعينيه نحو خصلات شعرها المتمردة من حاجبها، ارتبكت كثيرًا وهي تحاول احكام حجابها مجددًا، وعيناها لم ترفض الابتعاد عنه وعن ابتسامته التي تزين ثغره ونظرة الرضا التي احتلت عيناه.
التقط حمزة كوب العصير، وبدأ في الارتشاف قليلًا، غير منتبهًا لحديث شهاب سوى بآخره:.
- بس ياعمي أنا بقى حابب الصراحة اقدم معاد جوازي أنا وأيسل، ياعني بالكتير شهرين، نكتب الكتاب الشهر ده، وبعده الجواز.
حمحم والد رقية وأيسل في جدية، بعدما أخذ وقت قصير في التفكير ثم قال:
- على بركة الله، بس هيبقى كتب كتابكوا أنت وأيسل، ورقية وحمزة خلال الشهر ده، لكن الفرح بعد تلات شهور لو انتوا ترضوا ان فرحكوا يبقى مع بعض علشان المصاريف بردوا أنا بجهز بنتين.
وعند هذه النقطة اندفع العصير من فم حمزة دفعة واحده، واتسعت عيناه في فزع وكأنه يشاهد فيلم مخيف!
تاااابع اسفل