أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





رواية لعبة الهوى

- رايحة فين يا رقية؟!.ابتعدت عنه وهي تجذب يدها من قبضته بعنف، مردفه بصوت غاضب لم تتحكم به:- قولتلك مليون مرة يا حمزة، مت ..



20-01-2022 10:54 مساء
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 

t22026_8093

- رايحة فين يا رقية؟!.
ابتعدت عنه وهي تجذب يدها من قبضته بعنف، مردفه بصوت غاضب لم تتحكم به:
- قولتلك مليون مرة يا حمزة، متمسكش ايدي، أنت ايه مبتفهمش.
- مـ... إيه، عديها كده.
قالها وهو يقترب منها بطريقة أفزعتها، فجعلتها تبتعد عدة خطوات للخلف كالبلهاء، وصوتها يخرج مهزوزًا رغم محاولاتها بأن تجعله ثابتًا بقدر الإمكان:
- مقصدتش، متفهمش كلامي غلط.
وفي لمح البصر كان يحاوطها بيده ويحتجزها بينه وبين الحائط من خلفها، مصححًا لها بطريقة حادة أربكتها:
- اسمها، أنا أسفه.

وضعت الحقيبة بينهم وعيناها تزداد عناد وقوة، وكأنها غير عابئة بنظراته التي تلتهم أدق تفاصيل وجهها، مما زاد من احمرار وجهها، فبدت كحبه الطماطم في أوانها، لم تعلم أنها في تلك اللحظة وبنظراتها تلك اندلعت بسببها نيران به، لم يعلم هويتها، كل ما يعرفه الآن، هو مدى استمتاعه بقربها ذلك، فقرر الاستمتاع بتلك اللحظة غير مراعيًا لمشاعرها التي كانت في حالة صراع قوي مع معتقداتها وأفكارها، وخاصةً حينما دق ناقوس الخطر بعقلها يحثها على الابتعاد بأي طريقة، ولكن كيف؟!، وهو يحاوطها كالأسد الذي يود التهام فريسته.
فصول نوفيلا لعبة الهوى
نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الأول

ما بين البدايات والنهايات خطوط طويلة، تملؤها أحداثًا أحياناً مريحة للنفس، وأخرى مرهقة، نحتفظ بحلاوة البدايات ونستمتع بها لأقصى درجة، حتى إنها تظل معلقة بقلوبنا لفترات، أما النهايات فلها طريق مختلف موجع، قاسٍ، مرارته تتعلق بعقولنا، وأحيانًا تطمس معها متعة البدايات!

في ليلة شتاء قارسة، تتساقط بها حبات المطر فوق شوارع القاهرة، في مشهد يتكرر إلى حد ما في فصل الشتاء، وكالعادة يفر المارة إلى بيوتهم، يحتمون بها من صعوبة الجو، إلا هي سرقها الوقت معه في الكافية الخاص الذي يملكه في إحدى مناطق القاهرة الراقية..

استندت رقية ذات الرابعة والعشرين على الزجاج الذي كان يمثل جزءًا كبيرًا من تصميمات الكافية، راقبت بعيناها الزرقاء تساقط حبات المطر في تناغم رهيب مع هدوء المكان الذي أثار بعض الريبة والقلق بداخلها.

وأثناء انغماسها في تفكيرها، انتبهت إلى تلك الساعة التي أصدرت صوتً مزعج فسرقت انتباها، حولت بصرها نحوها وحقًا لم تفهم سبب تعلق حمزة بها، فالمكان أساسه راقي وعصري، وهي قديمة وكبيرة، تحتل جزءًا كبيرًا من الحائط، غريب حمزة ذاك هو وأفكاره، رغم أن خطبتهم مرت عليها أكثر من شهران، إلا أن عيناه مازالت تدفن بها الكثير من الأسرار والغموض التي تحاول اكتشافه يومًا بعد الآخر، ظهوره في حياتها غريب وتقربه منها أغرب، ولكن، خرجت من تفكيرها على الأضواء التي تقفل واحدًا تلو الآخر، راقبت الإغلاق التدريجي بقلق، حتى توقف تمامًا وبقي النور الذي يقبع فوقها مضاء، التفتت حولها تبحث عن العاملين لم تجد أحد، إلى هذا الحد شردت ولم تنتبه بخلو المكان!

نادت بصوت مهزوز وضعيف:
- حمزة.
وانتظرت ثوان بسيطة رده، ولكن السكون هو سيد الموقف، كررت ما تفعله والرعب يدب في قلبها، حتى ظهر حمزة من آخر الردهة الخاصة بالمطبخ، تنهدت براحة وهي تقول في ضيق بالغ:
- حمزة ايه الرعب ده، بتقفل الانوار ليه؟!
اقترب منها حمزة وهو يضع يده في جيب بنطاله ببرود:
- علشان ميحصلش ماس وفي مطر بره، ومفيش حد هنا أصلاً، فسبت النور ده بس نقعد عليه.

شهقة غبية صدرت منها تعجب هو لها، وهي تهتف في تساؤل غريب:
- ياعني إحنا لوحدنا دلوقتي؟!، لا لا أنا هامشي.
لم تنتظر إجابته بل انطلقت تجذب حقيبتها بسرعة واتجهت صوب الباب الرئيسي، إلا أنه قطع طريقها حينما مسك يدها يحاول إيقافها.
- رايحة فين؟!
ابتعدت عنه وهي تجذب يدها من قبضته بعنف، مردفه بصوت غاضب لم تتحكم به:
- قولتلك مليون مرة، متمسكش ايدي، أنت إيه مبتفهمش.
- م، إيه، عديها كده.

قالها وهو يقترب منها بطريقة أفزعتها، فجعلتها تبتعد عدة خطوات للخلف كالبلهاء، وصوتها يخرج مهزوزًا رغم محاولاتها بأن تجعله ثابتًا بقدر الإمكان:
- مقصدتش، متفهمش كلامي غلط.
وفي لمح البصر كان يحاوطها بيده ويحتجزها بينه وبين الحائط من خلفها، مصححًا لها بطريقة حادة أربكتها:
- اسمها، أنا أسفه.

وضعت الحقيبة بينهم وعيناها تزداد عناد وقوة، وكأنها غير عابئة بنظراته التي تلتهم أدق تفاصيل وجهها، مما زاد من احمرار وجهها، فبدت كحبه الطماطم في أوانها، لم تعلم أنها في تلك اللحظة وبنظراتها تلك اندلعت بسببها نيران به، لم يعلم هويتها، كل ما يعرفه الآن، هو مدى استمتاعه بقربها ذلك، فقرر الاستمتاع بتلك اللحظة غير مراعيًا لمشاعرها التي كانت في حالة صراع قوي مع معتقداتها وأفكارها، وخاصةً حينما دق ناقوس الخطر بعقلها يحثها على الابتعاد بأي طريقة، ولكن كيف؟!، وهو يحاوطها كالأسد الذي يود التهام فريسته.

نظراته لم تكن مخيفة لها بقدر ما كانت تسبب لها الخجل والإحراج لانعدام المسافة بينهم، تمسكت أكثر بحقيبتها، وكأنها تتمسك بآخر حبل للنجاة من السقوط في غرامه أكثر والاعتراف له بحبها الذي بدأ في الاندلاع بقلبها الغض منذ أول مقابلة معه، ولكن أفكارها كانت لها السلطان الأكبر في التحكم بمشاعرها ورسم حالة الجمود على وجهها بحرفية كما اعتادت معه أو مع غيره.

ولكن مع ذلك الوميض الذي يأسرها بعينيه، جعلها تترك عد الدقائق، وتنسى وضعهما ذلك وتنغمس معه للكشف عن ذلك الغموض الذي يحتل عيناه، وكأنه حاجز قوي ومنيع يمنع حقيقته عنها، ربما تلك الحقيقة مخيفة وموجعة، وربما هي تتعلق بشخصيته، كم تمنت أن تتحلى بقدر أكبر من الذكاء، لفك شفراته وتستطيع الاعتراف بشيء كاد أن يصبح مستحيل البوح به يومًا ما.

ارتفع رنين هاتفه بنغمه صاخبة جعلتها تنتفض بقوة وتبتعد عنه بعنف كاد أن يوقعه للخلف بعدما فقد تركيزه تحت تأثير عيناها التي تحمل زرقة البحر وصفاء السماء، مع تورد وجهها الجميل، لم يكن جريء من قبل بتلك الطريقة، ولكن هي استطاعت سلب أنفاسه، وخاطره للتعلق بها.
راقب اندفاعها نحو الخارج، فارتفع صوته في نبرة رخيمة:
- استني في العربية وأنا هقفل كل حاجه وهاجي.

وقفت أيسل أمام الجهاز الكهربائي، تضع حبات الفراولة ثم السكر وهي تعد ملعقة خلف الأخرى.
- واحد، اتنين، تلاته، هي ماما قالت أربعة ولا ستة.
أربعه كبار ودوقي الأول يا هبله.
التفت أيسل في سرعة حتى أنها أفلتت السكر من يدها وتناثر على الأرض في طريقة عشوائية أثارت غضب الأم فقالت بغضب مكتوم كاد ينفجر من حروفها:
- انتي عبيطة يابت، هتشليني ولا ناويه على موتي، تصدقي بالله شهاب هيطلقك من تاني يوم.

زفرت أيسل في غيظ، وهي تنحني بجسدها الضئيل نحو الارض، قائلة:
- ياعني هو كده مش هيسمعك وهو بره، وبعدين شهاب ميهموش الكلام الفاضي ده.
ضربتها والدتها زينات بخفه خلف رأسها، مردفه في توبيخ:
- بقى أنا بقول كلام فاضي يا قليله الادب، يام لسان طويل..
واستكملت زينات حديثها وهي ترفع
يدها إلى السماء كحال جميع الأمهات المصرية، تمتم بضيق:.

- اعمل إيه بس، واحده لسانها طويل وتانية ماشية تنقط الناس بكلام دبش، وأنا أصلح وراهم.
نهضت أيسل في خفة وقامت بطبع قبلة فوق وجنة والدتها رغم اعتراض زينات لها:
- مالك بس يا زوزو، من الصبح مضايقة ليه.
- خايفه على رقية، كل يوم أعد في الأيام واشوف هاطول مع العريس ده ولا ايه.
كتمت أيسل ضحكة قوية بصعوبة، قائلة:
- هي كانت اتخطبت قبله علشان تعملي كده، ده أول عريس.
زفرت زينات في تفكير وشرود:.

- ماهو علشان أول عريس يابنتي، اختك محدش يستحملها، وأنا نفسي أطمن عليها، وبعدين اول مرة تطول معاه في الخروجه كده.
- متقلقيش هتكمل معاه إن شاء الله، وبعدين هو اللي خاطبها بمزاجه مش جاي عن طريق أمه ولا أخته زي باقي العرسان، وأنا حاسه أنها معجبه به بس مبتقولش.
انفجرت أسارير زينات في فرحة عارمة مردفه:





- قولي بسرعة قالت حاجه، انتي شوفتي حاجه.
هزت أيسل رأسها بنفي قائلة بلامبالاة:.

- بقولك حاسه، وبعدين فكري كده ده تقريبًا اول واحد توافق تتخطبله، ياعني في مؤشرات حلوة.
دفعتها زينات بغيظ من أمامها قائلة:
- مؤشرات، ابعدي يابت بعيد عن وشي، ما اطلع أشوف خطيبك وابوكي.

خرجت زينات تحت اعتراض أيسل في تركها في تلك المعركة وحدها ما بين السكر الملقاة أرضًا والفراولة في الخلاط، زفرت بحنق وهي تعاود مرة أخرى تنغمس بين الأشياء هنا وهناك، ولم تنتبه للشخص الذي يقف خلفها مباشرةً، سوى على لمسه يده لجانب وجهها في خفة.
كتم شهاب صراخها بأعجوبة، هامسًا عدة مرات بجانب أذنها بخفوت:
- اهدي، أنا شهاب.
ابتعدت عنه بعدما أدركت مدى اقترابه منها بهذا الشكل غير المقبول بالمرة:.

- شهاب مينفعش كده، إيه دخلك المطبخ.
التقط حبه فراولة من الطبق ووضعها في فمه، متجاهلاً تحذيرات عيناها والتي تحثه على الخروج.
- قولت لمامتك عاوز أدخل الحمام، وأنا داخل لقيتك قولت أشوفك علشان وحشتيني في الشويتن دول.
أشارت على فمها في سرعة كبير حتى يصمت، أو يخفض صوته، قائلة بفزع:
- شهاب هتودينا في داهية بعمايلك السودة دي.
اقترب منها شهاب ممازحًا:
- عفريت رقية أختك لبسك تاني أهو.

حاولت رسم ملامح الجدية والجمود على وجهها، وعدم الانسياق خلفه كعادتها، متذكرة تنبيهات وتحذيرات رقية لها حول شخصية شهاب، فهو شخص متهور من وجهه نظرها، حاولت بقدر الإمكان إبعاده عنها، ولم تفلح بسبب تمسك أيسل به، وعلى الرغم أن رقية اعترضت اعتراض قاطع عن علاقتها به وقصة حبهما قبل الخطبة، إلا أن أنها استطاعت الاستمرار وقطعت مسافة ليست بهينه بعلاقتهم، إلى أن وصلت لارتباط رسمي، وهذا لا يعيني الا شيء واحد، ألا وهو أن أفكار رقية عن الحب خطأ، فشهاب ليس بالخائن، ولا يحمل صفات سيئة، هو فقط أفعاله مجنونة وغير متوقعة يعيش حياته كما هي ولا يحب التجمل، كما أنه صادق جدًا بحبه لها، ولكن رقية دائمًا تقف لها بالمرصاد، وتعلق على جميع تصرفاته وأفعاله، وكالعادة هي بكل ساذجة تخبر شهاب بحديث أختها ونصائحها، ولا تدرك أن سذاجتها تلك لها تأثير كبير على رأي كلاً من شهاب ورقية في الآخر، حتى إنها لم تستطع إنهاء تلك الفجوة بينهم، بل اتسعت تدريجيًا، وهي أصبحت كالضائعة بها، لا تملك سوى خيار واحد هو إرضاء الطرفين، لا تستطيع الابتعاد عن شهاب حبيبها، ولا كسر خاطر شقيقتها، في النهاية رقية تحبها وتفعل ذلك من دافع الأخوة والحب.

استفاقت من شرودها اللحظي على حركه يده أمام عيناها، قائلًا:
- انتي جاية تسرحي في الوقت ده.
حمحمت بخفوت، ثم قالت بعتاب:
- متتكلمش كده عن رقية، وبعدين بجد أفعالك دي هتودينا في داهية، أبوس أيدك يا شهاب ركز كده، وبلاش فضايح.
لم يعبأ بحديثها بل اقترب منها أكثر، ثم جذب يدها وطبع بهما قبلات صغيرة، هاتفًا بنبرة أثارت الخجل والشوق لديه:
- بحبك اوي.

أنهى جملته بإرسال قبله لها في الهواء، ثم خرج من المطبخ بهدوء كما دخل، والمسكينة أيسل تاهت في بحور عشقه التي لم يبخل أبدًا في إغداقها بها.
تنهدت بعمق ثم عاودت مرة أخرى في استكمال ما كانت تفعله، ولكن تلك المرة أصابتها الهمه والنشاط، مع ابتسامه بلهاء يتزين بها ثغرها الصغير.

راقبت الطريق بملل، ملل تقنع نفسها به، حتى لا تتذكر كيف كانت حالتها وهي تحت سطوة عينيه، وآه من عيناه البنية، تحمل مرارة القهوة، وحلاوة الشكولا، بها مزيج غريب، تجعل من يقترب منها ينغمس بهما، وخاصةً مع رموشه الكثيفة تلك، فشعرت وكأنها أمام حصن قوي يمنعها من السبر والوصول إلى أعمق نقطة بهما.

ضغطت فوق شفتاها بعنف، وكأنها تجاهد مشاعرها، فشعرت وكأنها مثل السجين الذي حصل على الحرية ولكن في صحراء جدباء، يركض باحثًا عن النجاة.

لم ينقطع المطر أبدًا منذ هطوله، حتى أن شوارع القاهرة بدت وكأنها بحورًا صغيرة، لم تعرف سبب بطيء السيارة أهو بسبب كثافة المياه، أم هو من يتعمد ذلك ويريد إرباكها. توقفت للحظات مع نفسها وبدأت تسأل نفسها سؤالاً مُهم لِمَ تعامله وكأنه عدو، أو يريد أذيتها، لِمَ يتجه تفكيرها نحو الاسوء، وسوء الظن به، سؤالاً واحدًا كان كفيلاً في تدفق الباقي، أسئلة أرهقت عقلها وقلبها، وما يجعل الأمر أكثر صعوبة هو معرفتها للإجابة ومحاولتها لدفنها في سراديب عقلها، صراع غريب إذا أوقع الإنسان به لن يتعافى قلبه، ولن يهدأ عقله، وهي من أوقعت نفسها به بكل غباء ظنً منها أنها تفعل الأصح والأفضل.

أجفلت على توقف السيارة بمنتصف الطريق، التفتت له في ذعر:
- لا متقولش إن العربية عطلت.
رمقها من الأسفل إلى الأعلى بسخرية، جعلت شرارة الغضب تندلع بعيناها:
- بطلي أفورة بقى، هو أنا خاطفك، أنا نازل أجيب حاجة وراجع.

أصابتها الصدمة من حديثه ذلك، ف لم يعد لديها القدرة على الرد، رغم أنها تستطيع الحصول على جائزة فن الرد، إلا أنه تحديدًا يتفوق عليها، لِمَ تشعر وكأنه والدها في تصرفاته معها، وعادت الأسئلة مجددًا لذهنها، ولكن ما جعلها تتعجب هو وقوفه أمام محل صغير لبيع المثلجات، عقدت حاجبيها بتفكير إلى أن جاء ومعه علبة صغيرة بها المثلجات التي تعشقها.
جلس مكانه مرة ثانية وقدم لها العلبة ضاحكًا:.

- ايس كريم في ديسمبر، خدي عارفك مجنونة وبتحبي الحاجات الهايفة دي.
فتحت فمها متعجبة من كم التوبيخ الذي سقط فوق رأسها من العدم، فقالت بتسرع:
- انت اللي مجنون بجد، حضرتك هي دي الرومانسية.
صمتت لبرهة بعدما تفوهت بذلك، ووضعت أصابعها فوق فمها بطريقة عجيبة، وكأنها تفوهت بشيء غير مناسب، فبادر هو بالتحدث متهكمًا:
- شفتي أهو لما بقولك بتأفوري بتزعلي، في إيه يا رقية، ناقصك حنان، قوليلي وأنا اظبطك.

- تظبطني!، بس يا حمزة بجد انت النهارده غريب، وتصرفاتك أغرب، جايبلي أيس كريم في الشتاء، غريب آوي بجد.
قالت جملتها الأخيرة بحرقة، وهي تضع العلبة بين يده، ولكن ما جعلها تتجمد مثل المثلجات بين يدها، هو إمساكه بكفيها بقوة، متحدثًا وهو ينظر في عينيها:.

- عارفة أنا مقدر إنك مضايقة، علشان أنا أخدت بالي عن حاجه بتحبيها، اللي زيك بيحب يكون زي البيت المقفول محدش يعرف عنه حاجه، لكن أنا بقى قدرت افتح الباب وأعرف عنك حاجات كتير جدًا.
ابتلعت ريقها وهي تسأله في توتر:
- زي إيه؟!
- زي إنك خايفة أن تكون علاقتنا طبيعية بين اي اتنين مخطوبين، على طول بتوقفيني وكأنك قاصدة أن الموضوع يبوظ، مع إنك موافقة بإرادتك ومحدش غصبك.
ابتعدت عنه بعدما داهمها حالة ارتباك قوية:.

- وايه اللي خلاك متأكد كده، ما يمكن بابا هو اللي غصبني.
عاود تشغيل المحرك، وبدأ في القيادة كما كان وهو يجيبها بتسلية:
- مش رقية اللي حد يغصبها على حاجة، عيب أنا قريت في عينك من أول مرة شوفتك فيها، إنك موافقة عليا بكامل إرادتك.
ضحكت ساخرة وبدأت في التلاعب بالإجابات كعادتها دومًا:
- أوقات بقلق عليك يا حمزة من ثقتك دي، الغرور هو بداية الهزيمة.

- لما تعرفي الفرق بين الثقة والغرور، ابقى تعالي اتكلمي، خدي كُلي يالا.
تناولت منه العلبة بغيظ وبدأت في أكلها وكأن شيء لم يكن، أو هي من أقنعت نفسها بذلك.

خرجت من المرحاض وهي ترتدي ثياب أخرى مجففة، مسحت بالمنشفة أثار المياه من على وجهها، جلست أمام المرآة وهي تتأمل منظرها الجذاب، أحقًا ترى نفسها جاذبة وجميلة، ولكن لِمَ لا يراه الأناس ذلك، حتى أن حمزة لم يعترف مرة بجمالها ولا بجمال عيناها، كل من يقترب منهما هي وأيسل يثني على جمال أختها، وينجذبوا لها رغم أنها ليست بيضاء وعيناها لا تمتلك زرقتها، هزت رأسها باستياء حينما وصلت إلى الإجابة ألا وهي الروح، هي تنقصها الروح التي تمتلكها أيسل، ورغم شبابها وتورد وجهها، إلا أنها شعرت وكأنها عجوز أنهكها الزمن وأرهقتها الصدمات.

- رقية، تعالي بسرعة بابا وشهاب أقنعوا حمزة يسهر معانا، دي هتبقى سهرة حلوة اوي.
أنهت حديثها بسعادة، وخرجت مرة أخرى، التفتت رقية نحو المرآه وحاولت رسم ابتسامة واسعة مثل أختها، تحاول إقناع نفسها بأنها تمتلك نفس جاذبية أيسل وابتسامتها المميزة، ولكن ظهر انعكاسها بابتسامة باهتة مصطنعة، تلاشت فورًا كالعادة وظهر جمود مغلف بالبرود وسيطر على ملامحها.

نهضت فورًا وارتدت حجابها ولم تحكمه لأول مره، خرجت بتسرع وكأنها تهرب من شيء ما يلاحقها.
تقدمت منهم وجلست بجانب أختها في صمت تام، وانفصلت بعقلها بعيدًا عن حديثهم، انفصلت في بقعة أوقعت نفسها بها، تتخبط هنا وهناك كورقة خريف ضائعة، أفكار عديدة ومشاعر أكثر تتأجج بصدرها.
انتبهت على أصابع أختها التي تغرزها بجسدها في خفة:
- في ايه يا أيسل، بتهببي ايه!
مالت أيسل نحوها هامسة:.

- حمزة بقاله ساعة بيبصلك جامد، وانتي ولا هنا.
حولت رقية بصرها نحوه، فوجدته يشير لها بعينيه نحو خصلات شعرها المتمردة من حاجبها، ارتبكت كثيرًا وهي تحاول احكام حجابها مجددًا، وعيناها لم ترفض الابتعاد عنه وعن ابتسامته التي تزين ثغره ونظرة الرضا التي احتلت عيناه.
التقط حمزة كوب العصير، وبدأ في الارتشاف قليلًا، غير منتبهًا لحديث شهاب سوى بآخره:.

- بس ياعمي أنا بقى حابب الصراحة اقدم معاد جوازي أنا وأيسل، ياعني بالكتير شهرين، نكتب الكتاب الشهر ده، وبعده الجواز.
حمحم والد رقية وأيسل في جدية، بعدما أخذ وقت قصير في التفكير ثم قال:
- على بركة الله، بس هيبقى كتب كتابكوا أنت وأيسل، ورقية وحمزة خلال الشهر ده، لكن الفرح بعد تلات شهور لو انتوا ترضوا ان فرحكوا يبقى مع بعض علشان المصاريف بردوا أنا بجهز بنتين.

وعند هذه النقطة اندفع العصير من فم حمزة دفعة واحده، واتسعت عيناه في فزع وكأنه يشاهد فيلم مخيف!
تاااابع اسفل
 
 



20-01-2022 10:54 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [1]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية لعبة الهوى
نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الثاني

وصلت إلى الكافية في وقت باكر، وبداخلها نيران منذ البارحة، لم تعرف عينيها طريقًا للنوم، منذ ذهابه بالأمس بعد أن ساد التوتر والقلق في الجلسة وهي في وضع صامت تفكر فقط، وقعت في حلقات من الأسئلة، التي لم تجد لها إجابة قط، تصرف أحمق، ساذج، لا يليق به، أو بشاب مثله، لم تنكر أن هناك شعورًا لأول مرة تعرف مذاقه احتل صدرها، ألا وهو الغيرة، حروف تلك الكلمة لم تكن في قاموسها أبدًا، بسببه ظهرت، وللأسف غيرتها تجسدت في أختها، فمنذ البارحة وهي في مقارنة ما بين شهاب وذلك المدعو خطيبها، توالت الشتائم بداخلها، متمنية أن تطلقها في وجهه، علها تهدأ السنة نيران الغضب التي تزداد كلما تذكرت ما فعله.

اختارت هذا الوقت تحديدًا، لعلمها خلو المكان من العمال، دخلت تبحث عنه فوجدته يجلس أمام فتاة، وأمامهم قدحين من القهوة، رفعت أحد حاجبيها وهي ترمقه في غيظ وانفعال، ووقفت دقيقة بجانب الباب الرئيسي تراقبهم بتركيز، وخاصةً إن كانت تلك الفتاة لم تراها من قبل.

ضغطت فوق شفتاها في غيظ، عندما لم يلاحظها، لهذه الدرجة ينصب تركيزه عليها فقط!، حركها فضولها نحوهم، لترى من تلك الفتاة بوضوح أكثر، وعندما اقتربت وقف حمزة متفاجئًا بوجودها، أو لنقل تصنع ذلك، منذ دخولها من الباب الخارجي، مرورًا بالحديقة الصغيرة حتى وصلت إلى الباب الرئيسي، وهو يراقبها بطرف عيناه، لا شك أنه أصابته الصدمة حينما وجدها تمر من الباب الخارجي في هذا الوقت الباكر، ولكنه تعمد أن يتجاهلها، فلا بأس بقليل من التسلية معها، معترفًا أن انفعالها واحمرار وجهها مع توهج لون عيناها أصبح يعشقهما.

- رقية، إيه جابك؟!
نظرت له بتحدٍ وكأنها في حلبة مصارعة قائلة بجمود:
- ايه مينفعش اجاي لخطيبي.
ارتفع جانب فمه في ابتسامه خبيثة، فقرأتها هي جيدًا، وندمت على ما تفوهت به، بلعت باقي حروفها، وهي تضغط فوق لحم شفتاها السفلي.
حمحم حمزة وهو يحاول كتم ضحكه، فمد يده مشيرًا نحوها قائلًا:
- بشمهندسه سمر، اقدملك رقية خطبتي.

هزت المدعوة سمر رأسها في تحية صغيرة، ثم نهضت في خفة وهي تردف بصوت ناعم رقيق، أثار الغضب والغيرة أكثر لدى البلهاء التي كانت تقف تقبض فوق يدها بضيق بالغ وتحديدًا بعدما شملتها بنظرة سريعة من بداية شعرها الأسود الطويل، وملابسها الأنيقة والملتصقة بجسدها قليلًا.
- فرصة سعيدة، هكلمك بعدين يا حمزة، سلام.

لم تستطع عيناها الابتعاد عنها، فراقبتها حتى خرجت من الكافيه، ومازال رأسها مصوب نحو الاتجاه التي خرجت منه، شاردة بتفكير، تفكير بات يأخذ منحنيات لن تتقبلها أبدًا.
- رقية، روحتي فين، رقبتك هتتلوح يا ماما..
- ها، بتقول إيه.
اتسعت ابتسامته أكثر، ولكنها كانت مستفزة، يقصد بها مضايقتها، فعادت بسرعة لطبيعتها وقالت:
- مين دي، وازاي تقعدوا كده لوحدكوا، وليه يعني بتتقابلوا في وقت زي ده.

جلس حمزة مرة أخرى، ثم رمقها ببرود:
- دي بشمهندسه اللي صممت الكافيه، كان في كام حاجه عاوز اعملهم زيادة وبقولها عليهم، أما بقى ليه نقعد لوحدنا، وفي الوقت ده ليه!
صمت لبرهة قبل ان يجيبها بتحدٍ مماثل للذي ينطلق من عدستيها كالأسهم:
- ده شيء ميخصكيش.
- نعم؟!، ده اللي هو ازاي.

وقف حمزة أمامها مباشرةً، وهو يجيبها ببرود صقيعي، بعدما قرر بأنه لن يتهاون بعلاقتهم أكثر من ذلك، فيكفي مشاعره التي تأخذ منحنى تجاهها حتمًا سيجعله غارق في بحور عشقها، ولن يعرف بعدها طريق للنجاة:
- الإجابه دي عندك مش عندي، ولا انتي بتنسي بسرعة، ولا هو حلال عليكي، وحرام عليا، فاكرة لما سألتك في أول خطوبتنا مين الشخص اللي واقفه معاه، رديتي بكل برود أنه شيء ميخصنيش!

زفرت في حنق، عندما لاح بذهنها ذكرى شجار قديم لهم هي حقًا لا تود التفكير فيه حالياً، زمت شفتاها في ضيق وهي تعقد ذراعيها أمامها مردفه:
- براحتك، أنا جاية هنا علشان نقطة واحده، وعاوزة إجابه صريحة، ليه عملت كده امبارح لما بابا قال نتجوز مع أيسل وشهاب.
رفع كوب المياه ليرتشف منه القليل، بعدما علم أن ذلك التحدي الذي يحتل عيناها لن يمر مرور الكرام.
- زي ما قولتلك امبارح، شرقت، إيه أول مرة تشوفي واحد بيشرق.

التوى فمها ساخرًا وهي تقول:
- أنا مش غبية يا حمزة، أنت خوفت.
وضع الكوب على الطاولة في غضب، لم تستطيع تبريره.
- ايوه غبيه، ومش شرط كل حاجة اعملها تفكري فيها مليون مرة، وبطلي كلامك المستفز ده بقى، علشان حقيقي أنتي أكبر مستفزة شفتها في حياتي.

لأول مرة تجمعت الدموع في مقلتيها أمامه، وما جعلها تنفجر كالشلالات هو ظهور شهاب المفاجئ، لملمت بقايا كرامتها التي بعثرها حمزة بكلماته القاسية لها، وخرجت من الكافية تركض بسرعة، تبتعد عن مرمى بصره الذي كان يحرقها بعدما لمحت شيء من الكراهية به.

في منزل رقية...
وضعت أيسل الأطباق فوق طاوله الطعام، وهي تستمع لحديث والدتها لوالدها في صمت تام.
- أنت يا محمد غلطت لما قولتله كده امبارح، شهاب يطلب يقدم جوازه هو حر، لكن حمزة مالوش دعوه، الصراحة صغرت نفسك معاه.
التفت محمد نحوها يحدجها بغضب، فتراجعت على الفور في حديثها، وحاولت تصحيحه بعد تلك الزلة الغير مقصوده:
- أقصد هو ممكن يفكر كده يعني، بس أنا عارفة أنك اتكلمت عادي وبدافع ان الفرح يبقى فرحين.

- لا بدافع ان بنتك مش ناوية تجيبها لبر، أنا ملاحظ معاملتها معاه جامدة، وردودها زي الدبش، بتعند في كل صغيرة وكبيرة، وكأنها داخله تحدي.
قال حديثه بصوت مرتفع إثر انفعاله وضيقه، لاحظت أيسل توتر الوضع بينهم، فقررت أن تمتص غضب والدها، فقالت بهدوء:
- أنا شايفة انه معملش حاجة أوفر، الراجل كان بيشرب وشرق عادي، وبعدين هو اعتذر وبالعكس مرفضش، يبقى احنا بنعمل حكاية ليه.
أشار محمد نحو زينات زوجته متهكمًا:.

- قوليلها يا أيسل، من امبارح وهي كل شوية تغلطني.
نهضت زينات من مقعدها ثم طبعت قبله فوق رأسه، متمتمة باعتذار:
- والله ما أقصد، بس أنا خوفت أننا نكون بنضغط عليه، حقك عليا، وربنا يهديها بنت بطني.
تمتم كلاً من محمد وأيسل خلفها:
- أمين.

- أنت السبب يا شهاب، إزاي تفكر في حاجة زي دي من غير ما تقولي وتعرفني حتى.
طرق حمزة بيده فوق الطاولة بعصبية، وتحديدًا بعدما لاحظ برود شهاب معه.
- أقولك إيه!، أنا عاوز أتجوز، هو إيه الغلط في كده، أنت هتحجر عليا.
اندفع حمزة نحوه، يجذبه من ياقته، مشددًا عليها، وهو يجز فوق أسنانه، فخرجت الحروف غليظة:.

- متخلنيش اعمل حاجات هتندم عليها اوي، أنت اللي ورطتنا، وأحنا الاتنين في مركب واحده، فتظبط كده معايا، أحسنلك.
- متهددنيش يا صاحبي، علشان اللي بينا ميوصلناش للوضع ده.
قالها شهاب بهدوء محاولاً امتصاص غضب حمزة، وهو يجاهد في فك أصابعه القوية القابضة فوق قميصه بقوة، فابتعد حمزة عنه وهو يحرك أصابعه في جانبي رأسه قائلًا بصوت قاتم، يحمل مشاعر مكبوتة، وصراع نفسي وحده من يعلم بمساوئه.

- ربنا يسامحك، أنا من امبارح منمتش، أنت حطتنا كلنا في دوامه كبيرة اوي، مش هنخرج منها إلا وكلنا خسرانين.
ابتسم شهاب في ثقة، تعجب لها حمزة:
- مفيش خسارة، انت بس اللي قلوق بزيادة.
بادله حمزه ابتسامته بأخرى ساخرة:
- ماهو من كتر قلقي، جيت عليها وهي مكنش ليها ذنب.
ارتفع ضحك شهاب عاليًا، وهو يطرق كف بآخر في انبهار:.

- بس انت جاحد، أنا أول مرة أشوف رقية بتعيط في حياتي، واشوفها ضعيفة كده، دي كانت لازم تتصور وتنزل على النت والله.

أغلق حمزة عيناه في ضيق لِمَ فعله بها، وهي لا تستحق ذلك، غضب غير مبرر، ولكنه كان كطوق النجاة للهروب من إجابة موجعة، آلام اجتاحت صدره وقلبه بعدما تذكر سقوط عبراتها بضعف، ضعف لأول مرة يراه بعيناها الحادة، حقًا لو انتظر دقيقة أخرى دون أن يركض خلفها، ويقوم بمراضاتها، لن يسامح نفسه قط، فانطلق لسان عقله في الحال يوبخه على مدى ثباته الانفعالي معها، بدأت قرارته الهامة تتبدد كجندي انهزم في حرب ظن بها الانتصار، والآن هو يهدم كل أفكاره، تاركًا لمشاعره حرية التصرف اتجاهها، جذب متعلقاته وهم بالخروج سريعًا تحت تساؤلات شهاب له، ولكنه اكتفي بإجابة قصيرة، بالطبع لن ترضى فضول شهاب.

- مالكش دعوة رايح فين، عقابًا ليك هتقعد مكاني النهارده لغاية ما ارجع.

خطوة خلف الأخرى، ودموعًا تتسابق فوق صفحات وجهها، حتى أن الرؤية أصبحت مشوشة لديها بسبب ذلك الغلاف الرقيق الذي تكون في مقلتيها، هدوء الطريق في هذا الوقت الباكر جعلها تسير في أحد جوانبه تستنشق الهواء العليل، فذلك الضجيج الذي يعتلي صدرها يحتاج إلى هواء نقي يدخل رئتيها لعلها تهدأ لو قليلًا، ولكن كلماته كانت تتشبث أكثر بذهنها فجعلتها تنصهر في حزنها وضعفها الذي لأول مرة ظهر كوضوح الشمس أمامهم.

التقطت أذنها رنين الهاتف، ولكن عقلها أبى أن يخرج من تلك العاصفة، فتجاهلته عن قصد، مقررة أن تحظى ببعض من الوقت مع نفسها لتعود كما كانت، وتتخلى عن ذلك الضعف الذي ينهش في كرامتها.
جلست فوق إحدى المقاعد الخشبية المرصوصة على جانب الطريق، يغطيها الأشجار الكثيفة، سلطت بصرها على نقطة ما، وأطلقت العنان لنفسها في التفكير في رسم خطوط خطبتها من حمزة بهدوء.

ولكن من أين ذلك الهدوء ومازال هاتفها يصر على إخراجها من تفكيرها، أخرجته من الحقيبة وهي تقرر أن تصب كامل غضبها على المتصل، دققت بالشاشة فوجدت اسمه ينيرها، دق قلبها بعنف، وقررت أن تغلق في وجهه الهاتف.
وحقيقةً لم تمنع نفسها من سبه بغل:
- حيوا...
ابتلعت باقي الحرف في جوفها، بعدما وجدت سيارته تصف بقوة أمامها، وترجل منها بكل عصبية منطلقًا نحوها:.

- أنتي إزاي مترديش عليا، أنا لولا المطب ده مكنتش هاخد بالي منك، وهفضل ادور عليكي زي المجنون.
بكل هدوء رمقته بنظرة مطولة جهل تفسيرها، ثم أخرجت منديلاً ورقياً من حقيبتها ورفعته بطرف أصابعها مسحت به دموعها التي مازالت متعلقه بجفونها، وكأنها تزيل آخر بقايا هزيمتها، ومن ثم ألقته أمامه في حركة مقصودة، رفع هو حاجبه لها، وبصوتها الحاد الذي حاولت أن تخفي خلفه قهرًا منه ومما فعله بها، قالت:.

- وتاعب نفسك ليه، احتفظ بعقلك وكنت خليك مكانك.
ضغط فوق أسنانه محاولاً ضبط انفعالاته من تلك الخرقاء التي تصر على إخراج أسوأ ما لديه، فقال:
- بقولك إيه، هتستفزيني هستفزك وهنزعل من بعض، وهيبقى يوم مهبب على دماغك، هنحترم بعض اشطا اوك، هيبقى يوم لطيف ويعدي.
وقفت في لحظة أمامه بتحدٍ، مردفه:
- وماله أنا بقى مش عاوزة يعدي، ما نشوف أخرتها معاك.

فرك وجهه في يده، متمتمًا ببعض الكلمات بصوت خافت وهو يكور يده بغضب منها ومما فعله، ومما يخفيه!
مرت الدقائق عليهم وهما على ذلك الحال، حتى أبعد يده عن وجهه، ثم قال بهدوء زائف:
- ما تيجي ناكل، أنا جوعت.
نظرت له ببلاهة غير مدركة لِمَ يقوله، حتى إنها نظرت للخلف تتأكد من خلو المكان، قطع عليها تعجبها بقوله الذي أثار جنونها، وفقدت أخر ذرة هدوء وعقلانية لديها:.

- حقيقي أنا مش فاهمك، انت مدرك عملت إيه، أنت زعقتلي بدون أي وجه حق، كرامتي اتهانت ولأول مرة، وقدام شهاب كمان، مش كفاية أحرجتني امبارح لا جاي تكمل عليا النهارده، والمفروض تتأسف، تصلح على الأقل اللي أنت عملته، بس لا إزاي لازم تكابر وكمان تزعقلي وكأني جارية عندك مثلاً.

- أنت ليه مش قادرة تقتنعي إن شرقت فعلا، بدليل معارضتش بباكي، رقية عارفة إيه نقطة الخلاف، إن ببساطه على طول بتشككي في كل تصرف أو كلمه بقولها، لازم يكون في بينا ثقة أكتر من كده.
ألسنة من النيران اندلعت بصدره بعد هذا الكم من الكلمات الخادعة، تصرف أهوج أوقعه في خداع أصبح يتقنه جيدًا، ولو استمر على هذا النحو حتمًا سيخسر من روحه واحترامه لذاته.

تنهد حمزة بعمق، ثم أردف بنبرة استسلمت لنداء خفي كان يحركه منذ خروجه للبحث عنها:
- حقك عليا متزعليش مني، صدقيني أنا عمري ما أفكر أهين كرامتك، بالعكس إحنا اتنين مخطوبين مش أعداء، ياريت يا رقية لو تحاولي تهدي، ونظبط أمورنا مع بعض بطريقة ألطف من الخناق على كل حاجة.

زمت شفتها بضيق، وهي تفكر في حديثه الذي كانت تعرفه عن ظهر قلب، وتدرك سبب تلك الفجوة القابعة بينهم، وقعت في حيرة ما بين القبول بكلامه، أو التشبث أكثر بما يدور بها.
- أظن أنه عيب ترفضي، عزومتي ليكي واحنا اتنين مخطوبين، أنا مش خاطفك يابنتي.
أغلقت عينيها بنفاذ صبر، قائلة:
- على فكرة مينفعش تكلمني كده..
اقترب منها خطوة قاصدًا مشاكستها وهو يقول:
- امال اكلمك إزاي؟!

عادت للخلف خطوة كبيرة، فالتصقت بالمقعد الخشبي، وكادت أن تتعثر من فوقه، فأمسك بها حمزة في ثوان، دفعته رقية برفق للأمام قائلة بحزم:
- عيب، إحنا في الطريق، وبعدين مينفعش أنا اللي اقولك تكلمني ازاي، المفروض دي تكون زوقيات منك.
ابتسم حمزة لها، وهو يغمز بطرف عيناه قائلًا:
- اممم قصدك ان انا معنديش زوق.
- ما تخلصونا ياعم انت وهي بكلامكوا الغريب ده.

صرخت رقية في فزع حينما ظهر رجل ثلاثيني أشعث الشعر، يرتدي ثياب ممزقة ورديئة من وسط الأشجار، ولا إراديًا منها التصقت بحمزة في خوف، بينما سمح لها حمزة بالاقتراب موجهًا حديثه للرجل:
-معلش ياعمنا قلقنا نومك بمشاكلنا، كمل نوم انت.
وبصوت هامس وهو يميل نحوها في خبث:
- تحبي نحكي مشاكلنا أكتر معاه، هيتبسط اوي منك.
- لا لا، يلا بينا نمشي.

انطلقت صوب السيارة، تختفي بها من نظرات ذلك المجذوب، وما إن تحرك حمزة بها، هدأت قليلًا وعادت بسرعة لطبيعتها الجامدة.
- رقية هو أنتي مبتعرفيش تضحكي.
رفعت أحد حاجبيها باعتراض قائلة:
- نعم؟!، هو إيه مناسبة السؤال ده!
هز كتفيه ببرود مجيبًا:
- عادي فضول، شوفي احنا قد إيه مع بعض وقليل لما بشوفك بتضحكي.
جذبت نفس طويل قبل أن تجيبه في حدة:
- لاحظ إنك بتلمح لحاجات هتزعلني منك أكتر.

أوقف السيارة جانبًا ثم التفت نحوها وهو يسألها في جدية:
- أحب افهم ايه الحاجات اللي بلمح ليها.
اعتدلت نحو أكثر قائلة بضيق بالغ:
- أنت قاصد إنك توضحلي إن أنا نكدية مثلاً.
- مثلاً، أنتي مش متأكده من كده.
قالها في سخرية ولم يستطع منع ضحكه بعدها، فاغتاظت هي من طريقته معها، وزادت وتيرة أنفاسها العالية، وعقلها يحثها علي نشب شجار معه، أو غرس أظافرها في وجهه اللعين بابتسامته الألعن.

- اهدي، على فكرة دي كلها محاولات ان أضحكك.
اتسعت عيناها وهي تعود ببصرها نحوه مجددًا غير مصدقة قائلة:
- انت فاكر إن أنا ممكن أضحك بالطريقة البايخة دي.
عبس بوجهه قاصدًا ليقول متسائلًا:
- أنت قصدك إن أنا بايخ مثلاً.
- مثلاً مش متأكد يعني.
قالتها وهي تعقد ذراعيها أمامها في عناد طفولي.
- أنا شايف أن حد يجي يولع في أم العلاقة القذرة دي ونخلص.
شهقت بصدمة قائلة:
- أحنا علاقتنا قذرة.

انفعل حمزة في ضيق وعصبية وهو يعاود تشغيل السيارة:
- يمين تلاته مانتي متكلمه كلمة زيادة، انا حاسس إننا هنولع في بعض كمان ثانية، اقعدي ساكتة بقى لغاية ما نوصل.

بعد عشرون دقيقة مرت عليهم في صمت، كلاً منهما غارق في تفكيره، خاصةً هو وجلد الذات، لن يستطع تقدم خطوة جديدة وهناك نوائب تقهر حياته، تذكره بموافقته على لعبة ظن بها النجاة، ولكنها ليست سوى هلاك يدمر حياته تدريجيًا، وقع في حالة من الشتات والضياع ما بين عقله وقلبه، عقله يحثه على الهروب تاركًا مشاعره تتلوى في البعاد، ولكن القلب كان له رأي آخر، حينما صور له بعض المشاهد في حال ابتعاده عنها، لاح على ذهنه فكرة حتمًا ستهدأ من حالته المضطربة، سيوافق على عقد قرانهم معطيًا لنفسه مساحة يتجرأ بها على مصارحتها بكل شيء يكنه بداخله، وبالتأكيد سيفعل ذلك قبل حفلة زفافه بها، مقنعًا نفسه بأنها لن تستطيع الهروب منه بعدما تصبح زوجته، سيكون مصيرها له حتى وإن كان أخر نفس يلفظه بالحياة كان على يدها.

وصلوا أخيرًا أمام أحد المولات الشهيرة، فتعجبت رقية قائلة:
- هو إحنا جينا هنا ليه؟!
حمحم حمزة ثم هتف بنبرة خشنة وكأنه يصارع شيئًا ما بداخله:
- أنا شايف إن أنا زعلتك كتير النهارده، فقررت أننا نقضى وقت لطيف مع بعض من غير عناد ولا زعل.
- مكنش له لزوم علشان شغلك والكافية.
قالتها في حرج وخجل من عرضه الذي خالف توقعتها، ومما زادها خجلاً هو إجابته التالية التي كانت لها أثر واضح على وجنتيها.

- أنتي أهم من أي حاجه يا روكا انزلي.
وكيف لها أن تترجل بعدما فقدت طاقتها واتزانها بعد حديثه ذلك، فالبرغم من بساطة الجملة إلا أنها كانت لها أثر كبير في نفسها، وتحديدًا بذلك العضو الذي ينبض بصدرها، فأقسمت أنه كان يقرع كطبول الحرب.

تحركت بجانبه وعقلها يكرر بلا انقطاع جملته الأخيرة، فلم تستطيع منع ابتسامتها من الظهور، ابتسامة هادئة صافية بقدر صفاء جملته التي بعثرت ثباتها معه.
ولكنها لم تقدر على كتمان تلك الهواجس المنبعثة بين حين وآخر داخلها، فاندفعت تخبره في هدوء:
- حمزة، أنت لو مش حابب نكتب كتابنا مع أيسل وشهاب عادي أنا...

- لا انا موافق، وقولتلك إنها كانت مجرد شرقة بسيطة، ده أنا حتى فكرت أن كتب الكتاب هيكون مع الافتتاح التاني في الكافية عندي إيه رأيك!
صمتت بخجل، وهزت كتفيها بالموافقة فلا يوجد لديها أي اعتراض على كلامه، يكفي إصراره بالزواج منها، هذا وحده يجعل قلبها كالطير الذي يحلق عاليًا فرحًا بقدوم الربيع.

لاحظ حمزة خجلها وتورد وجنتيها، فابتسم بعذوبة عندما شعر براحة تجتاح صدره بعد هذا القرار الذي اهتدى له مؤخرًا حاسمًا الجدال لقلبه، فقلبه لن يستطع الابتعاد عنها، فقد أيقن أن عشقها هو السبيل الوحيد لتمسكه بالحياة بعدما كانت لديه ليست سوى مجرد حياة كئيبة لا روح بها!

ساد الصمت بينهما، فاتجه حمزة يبحث بعينيه عن محل لبيع الهدايا حتى يقتني لها هدية تعبيرًا عن أسفه لِمَ فعله معها اليوم، وأخيرًا وقع بصره على هدفه، فاستئذانها وابتعد ليدخل المحل بحماس حاول احكامه خوفًا أن تحبطه هي بآرائها، فدائمًا ما كانت ردود أفعالها تبهره، وأحيانًا أخرى تصدمه.

أما هي فانشغلت بمراقبته، وتعجبها من دخوله لذلك المحل حتى خرج بعد فترة قليلة يحمل حقيبة هدايا ويبتسم ابتسامة عريضة، حتى وقف أمامها وقدم لها الحقيبة بصوت خافت لقرب المسافة بينهم، ونبرة دغدغدت تلك الفراشات التي ترفرف داخل أروقة قلبها:
- متزعليش مني على أي حاجة، أكيد مش عاوز أضايقك، هو ضغط شغل مش أكتر، ويارب الهدية دي تعجبك.

مدت أصابعها الصغيرة نحو الحقيبة تمسكها بفرحة لم تستطع منعها من الظهور له، فارتاح قلبه من لوعته، وبقي ينظر لها مطولاً وكأنه يحفر بعقله ملامحها تلك بسعادتها التي أدخلت البهجة لصدره بعد حربه مع ذاته منذ الأمس.
إلا أن فرحتهم لم تدوم طويلًا؛ بسبب اقتراب شخص ما منهما، لم تتخيل رقية أن صديقتها قد تراها مع حمزة يومًا ما، فتوترت وأصبحت كالغريقة التي تحاول البحث عن أكثر الطرق سليمة للخروج من ذلك المأزق.

- إزيك يا رقية.
خرج صوت رقية مهزوزًا بعدما ابتلعت ريقها:
- عفت، وحش، ، وحشتيني.

20-01-2022 10:55 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [2]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية لعبة الهوى
نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

- مين ده يا رقية، أوعي تكوني..
شهقت عفت في صدمة عندما لمحت تلك الحلقة الذهبية التي تحتضن أصبع رقية، على الفور أخفت رقية يدها في توتر خلفها، وهربت الكلمات من على طرف شفتاها.
- اتخطبتي يا صاحبتي ومفكرتيش تقوليلي، ايه خايفة أحسدك، على إيه ده أنا حتى جربت حظي قبل كده.
هزت رقية رأسها في سرعة كبيرة، ترفض حديث عفت:
-لا أبدًا، هو بس الخطوبة جت بسرعة.

حركت عفت رأسها نحو حمزة وهو يقف على بعد مسافة منهم، وشملته بنظرة سريعة وهي تقول بنبرة غامضة جهلت رقية تفسيرها:
- مبروك يا حبيبتي، وعلي كده بقى عن حب.
حركت رقية رأسها مرة أخرى في نفي قاطع، وكأنها تبعد عنها اتهام أو وصمة عار قائلة بنبرة سريعة:
- لا أبدًا، أنا بتاعت الكلام الفارغ ده بردوا، ده يبقى صاحب شهاب خطيب أيسل أختي وجه اتقدم رسمي وخطبني.
شهقت عفت في صدمة مردفه:.

- ده يبقى صاحب شهاب، شهاب خطيب أختك اللي ياما كلمتيني عنه، وعن أخلاقه، أخلاقه اللي كانت تشبه المخفي على عينه طليقي، انتي محرمتيش، مستفدتيش من درسي يا رقية، ده أنا ياما كنت أتصل أعيطلك وأحكيلك، وأقولك كان بيعمل فيا إيه هو وأهله.

حركت رقية بصرها ببطيء بعيدًا عن عفت وعن حديثها الذي أصابها بالتوتر والقلق، وتحديدًا عندما عادت تلك الهواجس مجددًا تغزو عقلها بعدما كانت تسيطر عليها بأسواط من الحكمة، لتستطيع استكمال حياتها مثل باقي الفتيات، إلا أن حديث عفت أيقظ لديها عنفوان كرامتها الذي أخمدته منذ قليل عندما وضعت يدها على هديته، وتقبلتها بعد إهانته لها، ولكن كانت كلمات صديقتها أحد من السيف عليها، فعادت مرة أخرى لها واستمعت بتركيز، رغم محاولات قلبها المستميتة للنظر مرة أخرى نحوه، وخاصةً إن كان يراقب ما يحدث بينهم عن كثب.

- أنتي روحتي فين، خليكي معايا، اهربي يا رقية، قبل ما تتدبسي في تلات عيال زي، وأبوهم ابن الجزمة يهرب من مسؤوليتهم.
بللت رقية طرف شفتاها قبل أن تنطلق في إعطاء مبررات لها:
- بس حمزة مش زي طليقك، حمزة مالوش أهل، ولا كمان بخيل زيه، ولا...
قاطعتها عفت في سخرية وهي تقول:.

- وهو ده كل معرفتك عن الصفات الوحشة في الراجل، لا يا حبيبتي ماهو ممكن يكون بتاع بنات، او ملاوع زي شهاب خطيب اختك، وبعدين ده انتي هبله اللي مالوش أهل ده ممكن يكون متجوز عرفي ولا حاجة.
اتسعت عيناها في انفعال بعدما دب الرعب قلبها من تلك الفكرة، فقالت لعفت:
- إيه متجوز عرفي.
- مين ده.

انتفضت رقية على صوت حمزة بعدما اقترب منهما جدًا، ووجهه يحمل العديد من الأسئلة التي بالتأكيد توترت بسببها عفت، وحاولت إنهاء لقاءها مع رقية سريعًا.
-دي، دي واحدة صاحبتنا جوزها طلع متجوز عرفي، يلا سلام يا رقية نتكلم بعدين.

غادرت عفت في عجالة، بينما وقفت رقية أمامها تنظر في نقطة ما بشرود، شرود أوقعها في فجوة سلبت معها أنفاسها وأفكارها، وأيضًا ذكرياتها معه، علها تحاول إيجاد وسيلة للنجاة بعيدًا عن أفكار عفت عن الزواج والرجال تحديدًا.
قطب حمزة ما بين حاجبيه مفكرًا بحالتها تلك، وتحديدًا بعفت صديقتها تلك الفتاة التي أثارت لديه الفضول والقلق نحوها.

زفر بخفه ثم خرج من دائرة أسئلته وهو يحرك يده أمام وجهها يحاول جذب انتباها، حتى انتبهت له أخيرًا ولكن عينيها أبت أن تترك طريق الضياع الذي رسمته بعقلها أثناء انغماسها في تخيلاتها.
- يلا بينا نروح.
هتفت بها بصوت متحشرج مختنق، قاتم، اندلع بسببه ضيق حمزة وهو يقول:
- في إيه يا رقية مالك، من وقت ما قابلتي صاحبتك دي وأنتي متغيره.
هزت رقية رأسها تحاول استعاده ثباتها معه، فقالت:.

- مفيش، المهم أنت كنت محتاج نعمل حاجه كمان، ولا نروح، أنا بصراحة تعبت ومحتاجه أروح.
حدق بها مستغربًا، لقد تبدل حالها بطريقة عجيبة، حتى أن ابتسامتها التي كانت تزين ثغرها، اختفت وظهر مكانها جمودها مجددًا، جمودًا أصبح متأكدًا أن تلك الفتاة غريبة الأطوار هي السبب به.
تحرك في صمت دون أن يهتف بكلمة أخرى، ودفن باقي حديثه بجوفه حتى إشعار أخر...

حل الليل سريعًا، وهي مازالت في فراشها، تحتضن وسداتها الصغيرة، تغلق عيناها في تفكير بعدما امتلأ عقلها بالعبث والأشياء المرهقة، كلمات عفت تتردد بلا انقطاع بذهنها، كلما حاولت الابتعاد عنها تعود مجددًا لتلك النقطة التي تخنقها، وتقيدها بحبال قوية تمنعها من السير خطوة واحدة للأمام، وقعت في حيرة وضياع، إلى متى ستظل هكذا؟!، ومع كل ذلك العجز والضعف، كان قلبها ينطق بكلمات لم يقوى لسانها على التفوه بها.

تخبطت هنا وهناك في أرض قاتمة، كحال سواد عقلها وأفكارها، أما داخلها فكان مُكتظًا بالمشاعر المرهقة، مشاعر تعيق حياتها التي تحاول التقدم بها عندما قررت أن توافق على خطبتها من حمزة.
كانت في بادئ الأمر تظن أنها ستلجم قلبها، ولن يستطع سلب مشاعرها نحوه، ولكنها كانت مخطئة، فمنذ أول لقاء بينهم، وهو استطاع أن يكتنفها في رحم الحب، ظهر على ثغرها شبح ابتسامة وهي تعود بذاكرتها لليوم الذي رأته به أول مرة.

جلست فوق الكرسي بجانب أختها، وهي تتأمل ديكور الكافية الجديد المالك لأحد أصدقاء شهاب، بعدما أصر شهاب على مجيئهم، إصرار غريب وخاصةً حينما أبدى بفرحته عندما وافقت على دعوته.
افتتاح صاخب لم يجذب انتباها، بل ساعد على نفورها من ذلك المكان، على عكس أيسل وسعادتها وهي تراقب الشخوص من حولهم، وكأن سعادتها مثلاً مرتبطة بقليل من الأغاني ذات النغمات الصاخبة ووجود شهاب معها.

تقدم منهم أحد العاملين، وبدء في تقديم المشروبات، لاحظت القهوة الساخنة التي وضعت أمامها فقالت متعجبة:
- أنا مطلبتش قهوة!
قال شهاب بهدوء:
- أنا اللي طلبتلك علشان عارف إنك بتحبيها.
رمقت شهاب بنظرة جليدية ثم هتفت بنصف ابتسامة مستفزة:
- غريبة أول مرة تفكر صح.
هز رأسه بتفهم وداخله يغلي من طريقتها المستفزة، ولكنه أظهر لها البرود والسخافة:.

- اممم م أنا طلبت لينا عصير فرش، وأنتي قهوة علشان عارف إن مالكيش في الفرفشة.
شعرت بمرارة وغصة بحلقها وخاصة عندما لمحت تلك النبرة التهكمية التي كانت تتخفى خلف بروده معها.
تجاهلت حديثه، وحولت بصرها نحو أيسل هامسة:
- هقوم أدخل الحمام، ثواني وهاجي.
نهضت أيسل على الفور معها بعدما لاحظت تلك العبرات المختنقة بمقلتيها.
- اجاي معاكي.
منعتها رقية بشيء من الحدة لم تستطع إخفائها قائلة:.

- خليكي مكانك، واعملي في حسابك هخرج من الحمام، نمشي على طول.
ثم حولت بصرها نحو شهاب بتحدٍ:
- وابقى خليك انت يا شهاب، كمل شرب العصير لوحدك.
أنهت حديثها بابتسامة سمجة استطاعت في تفجير بركان من الغضب لدى شهاب، بينما ضغطت أيسل فوق قدمه وهي تهمس له بعتاب:
- لو سمحت يا شهاب خف شوية على رقية.
- أنتي مش شايفه كلامها ليا وطريقتها وفي الاخر انا اللي غلطان، اسكتي بقى علشان على أخري منك ومنها.

كتمت أيسل اعتراضها وهي ترمقه بضيق ثم حولت بصرها تراقب دخول رقية إلى داخل الكافية.
ولجت رقية وهي تبحث بعينيها المتوهجة عن المرحاض، قبل أن تنفجر في البكاء أمام الجميع.
ومن شدة توترها دخلت في ردهة طويلة دون أن تلاحظ أن هناك أخرى بجانبها صغيرة تحتوي على مرحاضين..

بحثت بين تلك الغرف المغلقة عن أي علامة تدل على مرحاض ومخزونها من الصبر بدء بالنفاذ، حتى شعرت بأنفاس خلفها مباشرة، فالتفتت في سرعة وهي تضع حقيبتها أمامها في محاولة منها للتصدي لأي شيء قد يهاجمها..
رفع شاب طويل القامة يده لأعلى، لديه من عضلات صدره البارزة ما يكفي لخفق قلب الفتيات، أو ربما يكمن السر في تلك العيون البنية والجذابة في آن واحد.
حمحمت بحرج وقالت في ارتباك:
- أنا كنت بدور على التواليت.

ابتعد بجسده عن الطريق ليسمح لها بالمرور وهو يشير نحو الاتجاه، متحدثًا بصوت رخيم وجذاب:
- الطرقة التانية مش دي.
أنهى جملته بنصف ابتسامة مع ذاك الحاجب المستقيم، وشعره الكثيف والانسيابي ليلائم هذا الوجه وسيم الملامح.

شكرته بهمس وانطلقت تخرج من تلك الردهة، لتبتعد عنه وعن جاذبيته الغريبة التي جعلتها تغوص بملامحه دون حرج، وكانت تلك أول سابقتها مع صنف الرجال بأكملهم، حسنًا ستدفن تلك الملامح في طي النسيان وتخرج من ذلك الكافية بلا عودة له مجددًا.
خرجت في ارتباك جلي على ملامحها الجميلة وتقدمت من أختها، تحثها على النهوض، متجاهلة غيظ شهاب منها.
- ما تقعدي يا رقية، أيسل عاوزة تقعد معايا.

ضغطت رقية فوق يد أيسل، قائلة بهمس كاد أن ينفجر منه نيران تلتهم بها وجه شهاب المستفز:
- يلا علشان أنا على أخري من خطيبك والمكان ده.
حركت أيسل رأسها بالموافقة، ثم قالت لشهاب في تردد:
- معلش يا شهاب، هكلمك، متزعلش.
تقدم منهما ذلك الشاب الذي ودت رقية دفن ملامحه منذ قليل في سراديب النسيان، فتوترت بشدة وكأنها على حافة هاوية تجذبها لأسفل للوقوع صريعة تحت سطوة عيناه.

- رايحين فين، أنا لسه جاي أشوفكوا محتاجين حاجة.
ابتسم شهاب في ثقة وفخر اندهشت له رقية وهو يشير نحو صديقة مردفًا:
- ده حمزة صاحبي ومالك الكافية.
ثم انطلقت يده في سلاسة وهو يشير نحو رقية وأيسل:
- دي أيسل خطيبتي، ودي أختها.

واكتفى بذلك دون أن يعرفها باسمها، فاغتاظت منه ولكنها سرعان ما استطاعت في رسم ملامح الجمود على وجهها، وتجاهل حديثه عندما رفعت وجهها للأعلى قليلًا وكأنها تحارب للحفاظ على كرامتها أمام ذلك المجهول، ولكن ما جعلها تهتز وينهار ثباتها، هو يده الممدودة أمامها مع ابتسامة صغيرة قائلًا:
- زي ما شهاب قال، أنا حمزة، وأنتي..

نظرت ليده الممدودة أمامها بتفكير سبب له الأحراج، ولكن مع لكزات أختها جعلتها ترتبك وتمد يدها نحوه، تصافحه بخجل وهي تقول بنبرة رقيقة ناعمة:
- أنا رقية.
- مبسوط إنك شرفتي المكان.

حتمًا ستنهار ويده تقبض على يدها بذلك الشكل الذي حثها على البكاء الآن، لِمَ وما حدث، هي حقيقةً لا تعرف، كل ما تتمنى أن يحدث الآن هو الهرب من عيناه التي مازالت تدقق النظر بملامحها وكأنه يبحث عن شيء ما، أبعدت يدها عن يده في سرعة وأخفتها خلف حقيبتها، وهي تحول بصرها نحو أختها تتمنى أن تفهمها وتساعدها على الخروج من ذلك المكان، و لكن كما توقعت جلست أيسل اللعينة مرة أخرى تحت إصرار شهاب، ودعوة ذلك المدعو حمزة للجلوس معًا، خابت آمالها في الهروب، كما انهارت سيطرتها على الأمور وانجذب انتباها نحوه، تسترق النظر إليه في لحظات بالتأكيد ستحفر داخل ذاكرتها بعد الخروج من ذلك الكافية.

عادت من شرودها على تلك النقطة وهي تضحك بشدة على سذاجتها، وساذجة ما تظنه أو ما تتمناه، كل ما فكرت فيه تحول لسراب، فكانت تظن أن الطريق بينهما مقطوع، وأنه لن يطال عينيها مرة أخرى، ولكن لا تدري متى وُصل هذا الطريق المقطوع بينهما وازداد متانة حتى صار يومها لا يكتمل إلا برؤيته..

نهضت بخفة وهي تبعد ذلك الغطاء عنها، وبصرها يجوب بالغرفة بحثًا عن هديته، فمنذ لقاءها بالصباح وهي لم تفتحها، اللعنة على عفت وحديثها الأرعن ذلك أوقعها في حالة من الخمول الحزين.

فتحت الحقيبة ثم دست يدها بها تلتقط منها صندوق صغير مخملي، ومعه حيوان يشبه الفيل صغير ولونه أزرق مبهج، أسعدها كثيرًا وابتسمت له ابتسامة عريضة، ولكن فضولها اتجاه ذلك الصندوق دفعها أن تفتحه في لهفة، وما إن وقعت عيناها على ذلك السلسال الصغير والذي يتعلق به قلب صغير فضي اللون يحاط به فصوص لامعه وبراقة زادت من جماله انتفض قلبها له، أخرجته من الصندوق ثم وضعته على رقبتها وهي تنظر في المرآة بفرحة كبيرة.

أما بالخارج...
جلست أيسل بجانب والدتها تراسل شهاب للاطمئنان على حاله وخاصةً غيابه عنها طوال اليوم، وهو أمر غريب بالنسبة لعلاقتهم، إلا أن صوت والدتها انتشلها من هاتفها وهي تقول:
- أيسل متعرفيش أختك مالها؟!
زفرت أيسل بحرارة حارقة وهي تجيبها:
- تقريبًا كده قابلت عفت، وانتي عارفه بقى بتتحول إزاي بعد ما بتشوفها.
تأففت زينات في ضيق:
- ربنا ما يسامحها عفت الموكوسه عقدت البت وهي لسه في بداية شبابها.

انتبه محمد على حديثهم، فأبعد عيناه عن التلفاز وسأل في ريبة:
- مالها عفت دي يا زينات.
أجابته أيسل بضيق مماثل لوالدتها:
- دي واحدة مطلقة وعقدية اوي يا بابا.
حدق فيها مستغربًا ورد قاطب الجبين:
- أيوه وإيه علاقته بأختك يابنتي!
تنهدت زينات بقوة وهي تجيبه بوضوح:.

- دي تبقى السبب في اللي بنتك وصلت له، صاحبتها من أيام الجامعة كانت مخطوبة لواحد بتحبه واتجوزته، وهو وأهله بهدلوها وطلعوا عينها، وبنتك طبعًا كانت معاصرة كل ده، زائد ان وقتها كان في كام قصة بردوا لكام واحدة من صاحبتهم جوازهم كلهم فشل، بنتك بقى اتعقدت وكرهت الجواز والرجالة كلهم، والله لولا إنك أبوها كانت زمانها كرهتك بالمرة فوق البيعة.

فلتت ضحكة عالية من أيسل، فحذرتها زينات بعيناها وخاصةً مع تجهم ملامح والدها، فسعلت أيسل وهي تحاول الشرح لوالدها أكثر باستفاضة:
- بص يابابا هي طبعًا رقية محكتش لينا حاجة عن كدة، بس انا وماما بنفهم، أول ما تكلم عفت عفريت بيركبها وتكره الرجالة، من الأخر عفت بتقعد تحكيلها بلاوى جوزها بيعملها فيها.
قاطعها والدها في حيرة وهو يسألها:
- وهي أختك شخصيتها ضعيفة لدرجاتي علشان تتأثر بكلام البت دي.

- لا، بس كل القصص اللي حواليها كده، طبيعي تتأثر، وخصوصا أن مرة سمعت عفت بتنصحها متتجوزش، وتفضل كده.
ضرب محمد كف بالآخر متعجبًا لِمَ يسمعه:
- وهي دي اسمها نصيحة، دي بتأذيها.
هتفت زينات في حسرة شديدة:
- شوفت أهي عفت دي سبب كل حاجه فيها دلوقتي، أنا ما صدقت أبعدها عنها، وأقنعتها متعزمهاش على الخطوبة تظهر تاني في حياتها.

قطب محمد ما بين حاجبيه بتفكير، فعم الصمت المكان بعد حديث زينات والذي بكل بساطة كان يحتوي على الحل المناسب للخروج من تلك المعضلة، فصاح هو برزانة:
- بس أنتي قولتي الحل، زي ما البت دي بتحاول تشد رقية بكلامها، أنتي كمان تقفي من الناحية التانية بالمرصاد، اتكلمي مع بنتك خليها تحب خطيبها، قربي منها أكتر علشان متفكرش تشتكي لواحدة زي عفت، والتانية تخليها تكرهه أكتر.

أومأت أيسل برأسها وهي تقول في حماس مؤكدة حديث والدها:
- بابا صح، انتي قدرتي تقنعي رقية تبعد عن عفت اكتر من تلات شهور وهي كانت لحد ما هاديه وطبيعية بدليل أنها وافقت بإرادتها تتخطب لحمزة، أنا وأنتي هنحاول نبعدها عن عفت الكلب تاني، ونقربها من حمزة لغاية ما تتخطى المرحلة دي يا ماما.
حولت زينات رأسها ما بين أيسل ومحمد في تفكير، فساعدها محمد على الوقوف وهو يقول:.

- ادخلي يلا اتكلمي معاها، شوفيها عامله إيه، قربي منها يا زينات هو أنا اللي هقولك.
عقدت زينات حاجبيها بضجر وهي تتجه نحو غرفة رقية بخطوات سريعة:
- ماشي، هعمل اللي عليا، ربنا يستر ما تصدني.

مازالت تجلس أمام المرآة وأصابعها تقبض فوق السلسال بلطف وكأنها تخشى المساس به، هذا الشيء الصغير اختطف قلبها ومشاعرها، وجوده حول عنقها يشعرها بأنها مازالت تحيا في غرام كانت تتوق له، قلبها يحتاج فقط أن يتحرر من قيود الخوف، ويتخلص عقلها من الهرج والمرج الذي أصبح مسيطرًا عليه في الآوانة الأخيرة، أما مشاعرها فكانت تتلهف لتنغمس في ضلوع من اعترف قلبها بحبه، لم يكن العشق في قاموسها، بل كان أمرًا صعب الحدوث، ولكن هو أتى ودمر جميع معتقداتها، معتقدات أوقعتها في حالة من الجمود العاطفي، متناسية أن ذلك القلب الذي ينبض بضلوعها له الحق بأن يحيا بكلمة لطيفة وبسمة هادئة ونظرة تلهب مشاعرها.

أجفلت من شرودها على دخول والدتها المفاجئ، فنهضت على الفور تستقبلها بابتسامة مهزوزة:
- تعالي يا ماما.
لمحت زينات السلسلة فقالت بانبهار وهي تقترب من رقية في لهفة:
- الله إيه السلسلة الحلوة دي.
مدتها رقية نحوها وهي تقول في خجل اكتسح ملامحها:
- حمزة اللي جبها ليا.
- الله جميلة، تتهنى بيها يا حبيبتي، حمزة زوقه جميل جدًا.
لم تسطيع السيطرة على ابتسامتها، فظهرت بوضوح وخاصةً عندما أثنت والدتها على ذوقه الفريد.

- مسألتيش يعني يا ماما، إيه مناسبتها.
أشارت والدتها بلامبالاة رغم أن داخلها كان يتلوى لمعرفة سببها، ولكن لن تضغط عليها وخاصةً إن كانت تقف معها في بداية طريقهم، طريقًا بالتأكيد يملؤه عقبات ونوائب عديدة..
- لا مش عاوزة أعرف، وبعدين متهايلي أنه مش شرط يا حبيبتي أن الخطيب يهادي خطيبته بسبب، بالعكس هي بتكون محبة ومودة، وممكن يكون شاف السلسلة دي وافتكرك علشان كده جبهالك.

نظرت رقية لسلسلة مرة أخرى تلمسها برقة وهي تبتسم في حنو، عندما لاح بذهنها فكرة أن ذلك الشيء البراق يذكره بها، هذه النقطة تحديدًا انتفضت دقات قلبها تطرق بعنف، واضطربت أنفاسها ومشاعرها، ولكن ما جعلها تتوتر هو حديث والدتها التالي والذي كان يرسل لها رسائل مبطنة لعلمها بشخصية ابنتها وردود أفعالها غير المتوقعة:
- الأهم أنك تكوني شكرتيه، وعبرتي له عن امتنانك عن حاجة زي دي، متكونيش خليتي الموضوع يعدي كده.

تخبطت رقية بين جنبات عقلها وهي تسألها في ترقب:
- ليه بتقولي كده؟!
نهضت والدتها ثم تقدمت منها حتى وقفت أمامها ونظرت في عينيها مباشرةً وهي تجيبها بهدوء:
- علشان عارفكِ، وفاهمة دماغك، حمزة مش ملزوم أنه يجيبها ليكي، بس أنتي واجب عليكي تشكريه وتحسسيه كمان إنك فرحانة بيها، حمزة طيب وابن حلال وباين عليه بيحبك وبيحترمك، ياريت متضيعيش فرصة زي دي من إيدك، أنا هسيبك بقى تفرحي بهديتك.

استدارت والدتها نحو الباب في سعادة، عندما قرأت شيء من الرضا يحتل عيون ابنتها..
- على فكرة جبهالي علشان كنت زعلانة منه.
أبعدت زينات أصابعها عن المقبض، ثم التفتت ببطء وهي تقول بابتسامة:.

- وماله، دي حاجة تفرح أكتر، هو كده بيشتري خاطرك وزعلك، وبعدين هي الحياة كده، انتي شوية تزعليه وتتأسفي، وهو يزعلك ويهاديكي، الحياة عمرها ما كانت وردي يا حبيبتي، بس أقولك طعم السكر بعد المُر بيبقى حلو أوي، أكيد هديته خليتك
تنسي زعلك منه، مش صح.

صمتت وهي تحرك رأسها بإيماءة بسيطة بعدما ابتلعت باقي الحديث بجبعتها، فهي لا تود أن تسرد تفاصيل حدثت بينهما، فما بينهما سيظل دائمًا داخل منطقتها المحرمة، خرجت والدتها وتركتها أمام خيارين، أما أن تظل في تلك العتمة التي فرضتها معتقدات بعض صديقاتها، أو تسلك نحو نور أصبحت تتشوق له، أيهما ستختار، وهل سيظل قلبها معلق هكذا، لا تعرف، كل ما تعرفه الآن هو أن ترسل له رسالة تعبر عن امتنانها بهديته التي أعجبتها كثيرًا، دون أن تدري أنها وبتلك الرسالة خطت أولى خطواتها المعلنة في العشق والغرام.

20-01-2022 10:55 مساء
مشاهدة مشاركة منفردة [3]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية لعبة الهوى
نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الرابع

رمى حمزة بثقله فوق فراشه، ثم أغلق عيناه بتفكير وإرهاق، وكأن همومه اليوم فاقت طاقته وقدرته على استكمال ما بدء به منذ البداية بكامل إرادته، ولا شك أن ذلك القرار المتهور والذي قد اتخذه في لحظة جنون أو عنفوان غريب لأول مرة يتملك منه بدء في التصدع أمامه ليظهر حقائق مؤلمة خلف تلك القشرة الضعيفة التي كان لها الفضل في انتشاله من عبث مظلم حالك احتل عقله، ينذر بعاصفة قد تقتلع معها مشاعره التي حاول لجمها بأسواط من ضميره!

ثلاث شهور يخوض بها معركة مع ذاته، قد تكون أصعب معركة مرت عليه، ولكن هو من أوقع نفسه بها، حتى أن خسارته بدأت تتجسد أمامه في وقت باكر، ولكن تلك الهزيمة ستكون قاسية في حقه وحقها، ليست هي فقط أو هو فقط، فأصر أكثر على تنفيذ ما فكر به مؤخرًا، فلن يتحمل قلبه خسارتها..

ارتفع رنين جواله وأخرجه من عمق أفكاره، تنهد بارتياح عندما وجد السبيل الذي استطاع إنهاء محاكمة ضميره التي تبدأ يوميًا عندما يختلي بنفسه بعيدًا عن صخب عمله.
طالع اسم المتصل في فتور تحول إلى ابتسامة واسعة عندما وجد أسم أخيه يتوسط الشاشة، أجاب على الفور بمزاح زائف أصبح يتقنه جيدًا في تلك المرحلة الخادعة من حياته:
- أهلا بالنمساوي الأصيل.
جاءه رد أخيه المشاكس له:.

- أهلاً بقليل الأصل والتربية، أهلاً بالمهزء اللي عاوز يتهزء أكتر.
رفع حمزة أحد حاجبيه في قلق وريبة:
- هو أنا هببت حاجة وأنا معرفش.
- كام مرة أقولك ابعتلي صور خطوبتك، أو صورك أنت وخطيبتك وأنت تطنشني، كام مرة أقولك عاوزين أنا ومروة مراتي نكلم خطيبتك نتعرف عليها وأنت ولا هنا، هو أنا علشان سافرت النمسا خلاص، فاكر إن مالكش أهل ولا إيه، لا أنا هفضل اخوك الكبير حتى وأنا بعيد عنك.

أخرج حمزة تنهيدة أخرى من صدره، تنم على راحته رغم ذلك القلق الذي سيطر عليه قليلًا، عند ذكر أسم رقية، أو أي شيء عن خطبتهم، فأخيه مثلاً لن يتفهم أمر تفكيرها بشأن تلك الصور، حينما حاول شهاب التقاط بعض الصور لهم وهي رفضت بشدة، بل خاضت مجادلة طويلة مع شهاب انتهت بشجار حاد بينهم، وحتى الآن لم يفهم سبب اعتراضها الحقيقي اتجاه الصور وتحديدًا إن كانت معه.

- هو كل الحكاية، إن فعلا متصورناش مع بعض، انا معملتش حفلة خطوبة بسبب انشغالي في الكافية، وكمان تقريبا مبقعدش معها كتير بسبب شغلي أغلب الوقت فيه.
- عامل نفسك مهم، وصاحب مشروع، على العموم ماشي، ناوي تحدد الفرح امتى علشان احجز قبلها وأعرف أحضر.
فرك حمزة وجهه في ضيق وهو يقول:
- لسه شوية، بس ممكن اكتب كتابي خلال الشهر ده، وأول ما أقرر معاد الفرح بالظبط أكيد هبعتلك وأعرفك.

تحرك حمزة بعدها نحو خزانته يخرج ثياب مريحة، وهو يستكمل حديثه مع أخيه الأكبر وزوجته وطفله الصغير، حديث لا شك أنه كان مليء بالحديث عن رقية، فمهما حاول الابتعاد عنها وإخراجها من أفكاره داخل منزله، تحيطه من جميع الجهات، تذكره بأشياءًا تعكر صفاءه الداخلي، وتجعله عبارة عن رجل آلي بلا مشاعر يردد الكلمات فقط، أخيرًا استطاع إنهاء اتصاله مع أخيه، وهو بالكاد يحاول تفريق جفنيه بعد هذا اليوم الطويل، هاجم النوم أفكاره، فجعله في حالة من الاستسلام للخوض مشاعر حاول أن يصرح بها في أحلامه فقط، أحلامًا بلا قيود، بلا خداع، بلا قرارات هوجاء تشعل فتيل الندم لديه فيما بعد.

وما إن استلقى على فراشه في أريحيه واستسلم لذلك الحلم الجميل الذي يجمعه بها وهو مازال في يقظته، فبدا كالمراهق الأحمق وهو يبتسم ببلاهة.

ولكن تلك المرة كاد أن يسب هاتفه والمتصل في آن واحد، عندما ارتفع رنينه مجددًا، اعتدل بفراشه وهو يطالع اسم المتصل وملامح وجهه تتحول تدريجيًا من الغضب إلى الدهشة، ماذا؟!، رقية!، تجري اتصالاً به في تلك الساعة المتأخرة، هذا ليس سوى مجرد تمهيد لمصيبة، فهو يذكر ذات مرة حاول أن يهاتفها في مثل هذه الساعة المتأخرة، شنت عليه هجومًا حادًا، وعن أدبية الاتصال.
اعتدل أكثر بفراشه، ثم أجاب بنبرة قلقة:
- رقية، خير.

تعجبت من نبرته تلك، فقالت:
- خير أكيد، هو أنا قلقتك ولا حاجة.
- أبدًا، أنا قلقان إنك بتتصلي بيا الساعة ١ بليل، وأنتي متهايلي كنتي مدياني محاضرة في الاتصال في الوقت ده تحديدًا.
لمحت سخريته في أواخر حديثه، فاندفعت الدماء إلى وجهها حرجًا مما تعرضت له، وهي تقول:
- أنا اتصلت بيك في وقت زي ده علشان عارفة إنك بتسهر، لو عارفه إنك بتنام في الوقت ده أكيد مكنتش اتصلت.
- وانتي لسه صاحية لغاية دلوقتي، أكيد في.

حاجه بتفكري فيها.
ابتلعت ريقها وهي تحارب نداء خفي بداخلها يحثها على الإغلاق، رغم أن هناك آخر مضاد له يدفعها لاستسلام نحو مشاعرها، فبدت وكأنها طفلة صغيرة تخشى عواقب اختيارها:
- كنت عاوزه أشكرك على هديتك، جميلة آوي، وعجبتني جدًا.
شقت شفتاه ابتسامة عريضة وهو يقول:
- بجد عجبتك، ولا بتقولي كده علشان تجامليني.
هزت رأسها في نفي وكأنه أمامها، قائلة بصدق نابع من قلبها:.

- أنا مبعرفش أجامل، بجد هي عجبتني، زوقك حلو.
أبعد الهاتف عن أذنه، يتأكد من ذلك الاتصال، وتحديدًا من اسمها الذي ينير الشاشة، هل حقًا ما يسمعه الآن، لِمَ يشعر وكأن ذلك الاتصال الفريد من نوعه هو البذرة التي ستنضج من خلالها علاقتهم المضطربة، حتى أن نبرة صوتها الرقيقة الخالية من حدتها وجمودها ستخلد في ذاكرته، اندلعت بداخله فكرة وقرر أن ينفذها لعلها تساعده في استكشاف خباياها أكثر:.

- أنا فرحت أكتر إنها عجبتك، إيه رأيك لو تقبلي نقضي يوم كله مع بعض في أي وقت انتي فاضيه فيه.
صمتت لثوان تفكر في حديثه الذي فاجأها، ولكن صوته انتشلها من تفكيرها وهو يطمئنها بكلماته الهادئة والرزينة:
- أنا بقول إننا محتاجين نقرب من بعض أكتر، كنت هقولك نجيب أيسل وشهاب، بس أنا حابب أننا نكون لوحدنا، وزي ما تحبي أي مكان أكيد هكون مبسوط معاكي فيه.

حقًا هو يحاورها هكذا ويتوقع مثلاً رفضها، حتمًا ستكون غبية أو حمقاء تترك من يدها خيوط علاقتهم، ستوافق ولكن مازال هناك تردد يمنعها من الركض في خطبتهم بتلك السرعة!
-م، ماشي، مش الاسبوع ده علشان هنشغل مع ماما في شوية حاجات.
- حاجات زي إيه؟!
أجابت في خجل وصوت ناعم وهادئ:
- يعني جهزنا أنا وأيسل لازم ننزل مع بعض نتشريه.
أومأ برأسه متفهمًا ثم قال بصوت ناعس يحارب سيطرة النوم عليه:.

- ماشي يبقى الاسبوع اللي جاي، مع إن أنا مش هقدر مشوفكيش أسبوع كامل.
ابتسمت في خجل، واحمر وجهها، فحاربت تعلثمها تخبره:
- معلش، وبعدين يعني أكيد هنشوف بعض شوية في أي يوم، أنا أقصد اننا نأجل يومنا ده للاسبوع اللي بعده.
- إذا كان كده ماشي، تصبحي على خير..
- وأنت من أهله، سلام.

أغلق الهاتف واستسلم لنوم سريعًا دون التفكير في أي شيء قالته، أو قد تفوه به هو، فحاجته للنوم والراحة الآن قادرة عن تخليه لأي شيء يسبب له الأرق والتفكير المزمن.

بعد مرور أسبوع..
خرجت رقية في حماس تملك من جسدها وملامحها وتحديدًا قلبها الذي كان ينتفض بتوتر متخيلة رد فعل حمزة بعدما اقتنت له هدية عبارة ساعة يد ذو تصميم فريد.

وقفت في أحد جوانب الطريق تحت شجرة كبيرة تحتمي بها من أشعة الشمس منتظرة قدوم حمزة لها، انفصلت عن الزحام وعن المارة وسافرت بعقلها تتخطي كل الحدود التي قد رسختها ووضعتها حاجزًا منيعًا بينهم في علاقتهم، لتجد ضالتها حتى تخرج من تلك القوقعة التي زجت نفسها بها دون أي تفكير في عواقبها حتى وإن كان مرهقة لذاتها.

وعلي بعد مسافة قريبة منها لم تلاحظ رقية ذلك الشاب الذي كان يتأملها بنظراته الوقحة، لم يترك تفصيلية بها إلا وتأملها بجرأة، وحينما وجد الطريق بدأ في الهدوء قليلًا، استغل تلك الفرصة واقترب منها رُويدًا، وعندما لم يلاحظ عليها أي ارتباك، رفع حاجبه في تسلية وهو يقول:
- لدرجة دي القمر سرحان ولا واخد باله مني خالص.

انتفضت رقية وهي تستمع لصوت رجل غريب عنها بالقرب منها، وعندما طالعت هيئته، تجهم وجهها قائلة في حدة:
- نعم؟!، حضرتك عاوز حاجه.
- عاوزك يا قمر.
قال حديثه مبتسمًا باستفزاز، فرفعت حاجبيها باعتراض على طريقته، ثم ابتعدت خطوتان للخلف وهي ترفع أصابعها تتوعد له في نبرة غاضبة تحمل التهديد والقوة:
- والله لو ما بعدت عني حالاً، ه اهينك وسط الناس دي كلها، وهتزعل على نفسك اوي بعدها.

ضحك حتى بانت أسنانه الصفراء وهو يحرك يده فوق صدره ويغمز بطرف عيناه قائلًا:
- شرسة، أول مرة أشوف حد عينه زرقة شرس كده.
- طب واللي عينه بني ظروفه إيه...
رفعت رقية بصرها بعدما كانت تثبته على ذلك الشاب بحدة، وخاصةً أن فارق الطول بينه وبين حمزة الواقف خلفه مباشرة واضح، التوى جانب فمها بسخرية حينما لمحت ذعر الشاب من حمزة وهو يقبض على ثيابه من الخلف..
- ما ترد يا خبير العيون، يا جبهز الألوان.

ابتلع الشاب ريقه في صورة واضحة وهو يهتف بتلعثم وخوف:
- أنا، أنا كنت بشوف يمكن عاوزه حاجة.
أدار حمزه الشاب نحوه في قوة، فكاد أن يقع، لولا يد حمزة الممسكة به، ثم قربه منه وهو يهتف بجانب أذنه، بنبرة تحمل التهديد المخيف وصوته أشبه بصوت الفحيح:
- ما توريني يالا الشرس من وجهه نظرك إيه، ولا أنت كلام وبس.

هز الشاب رأسه في سرعة كبير، موافقًا على حديث حمزة وعينيه تتطلع إليه في أمل حتى يتركه، ففارق الجسد بينهم واضح، وبالطبع لن يقوى على الدخول في معركة قتالية معه، فعاد وهو يبلل طرف شفتاه قائلًا:
- آه أنا كلام وبس، وأول وأخر مرة أعملها سيبني.

ابتعد حمزة عنه وهو يرفع جانب شفتاه في ابتسامة رضا، فظن الشاب أنه انتهى واكتفى بذلك، ولكن كان لحمزة رأي آخر حينما باغته بلكمة قوية بوجهه، ترنح لها الشاب للخلف، وكتمت رقية صرختها بجوفها واكتفت بتوسع عيناها وهي تراقب ما يحدث بقلق سيطر على جميع خلاياها.
- أنا كده راضي، يلا من هنا يا حلو..
اعتدل الشاب في وقفته، ثم ابتعد يهرول بعيدًا عنهم، وهو يحاول الضغط على وجهه ليخفف حدة الألم جراء تلك الضربة القوية.

أما حمزة فانتفخ صدره في فخر وارتياح، وشدد على جسده الرياضي وكأنه في حالة استعراض وهو يراقب بعينيه هروب الشاب من تحت قبضته، حول بصره لرقية الواقفة وهي تراقبه في صمت تام، تأملها لثوان بسيطة ثم لمح تلك الحقيبة الورقية الصغيرة والتي كانت تقبض عليها بعنف، رفع نظره نحو وجهها يحاول تفسير ملامحها، غضب ام خوف، ام شعورًا آخر يجهل ملامحه أو يختبره لأول مرة معها، وما أكد تفكيره، هو اهتزاز مقلتيها وهي تنظر له في صمت، صمت أقلقه فجعله يقترب منها في لهفة، ممسكًا يداها رغم اعتراضاتها من قبل على تلك النقطة، فهمس لها بنبرة تحمل مشاعر نبيلة اتجاهها، جعلتها ترضخ لمسكته تلك التي أوقعتها في بحر حنانه وخاصةً حينما شعرت به في صوته:.

- رقية أنتي كويسة، أنا اتأخرت عليكي، الواد ده اتطاول وعمل حاجه غير اللي انا سمعتها.
بعد برهة من السكوت، كانت تتذوق بها مشاعر جديدة تضرب صدرها وعاطفتها وهي قريبة منه هكذا، وأمام عيناه مباشرةً، خرج صوتها مهزوزًا رغم محاولاتها في إخراجه ثابتًا متزناً:
- لا، معملش.

نبرتها كانت بها بحة غريبة سيطرت على حواسه، فعينيه كانت تتوق للمزيد من عدستيها، وقلبه كان ينتفض في لوعة من قربه منها وهي لم تعارضه كحال كل مرة.
- أنتي كويسة..
قالها مرة ثانية وهو يحرك أصابعه فوق كفها، فأصابتها بقشعريرة اجتاحت جسدها وقلبها، وهو كان تحت سطوة عاطفة حاول كبحها ولكن كيف وهو لأول مرة يشعر بملمس بشرتها الناعمة تحت أصابعه التي بالتأكيد كانت خشنة أمام نعومتها.

جذبت يدها من قبضته الحانية وهي تحاول الابتسام لتخفف حدة فعلها معه، وقالت في خجل:
- هروح أركب العربية.
أومأ حمزة في هدوء، وهو يراقبها تبتعد عنه، فأيقن حينها أنه مريض بفرط انتباهه المنصب حولها وعما يصدر منها، تفاصيل صغيرة بداخله جعلته يقع في حب قد يكون تعيس جراء لقرار أرعن أقدم عليه في مشواره معها.

هز رأسه في رفض وكأنه يحارب مشاعره التي تحاول جذب انتباهه نحو عمق خطير، يكاد يجن إن انساق خلفها ووقع في قاعه، ولكن كل ما يهمه حاليًا هو قضاءه يومه معها بما سيريح نفسه، ويخلده في ذكرياته للأبد في خانة لن يمكن المساس بها، أو طيها في وادٍ النسيان.

جلس أمامها بعدما كان يصافح أحد أصدقائه وتحدث معه قليلًا وهي كانت في عالم آخر وتحديدًا لم يمر بها الزمن منذ لمسه يده ليدها بذلك الشكل الذي داعب قلبها في حنو ورقة، انتبهت على صوته وهو يسألها بنبرة عادية تخالف ما يشعر به منذ تلك اللحظة الفريدة التي مازال أسير لها...
- تشربي إيه.
حمحمت وهي تسأله بفضول حتى تخرج من تلك الهالة التي هاجمت صدرها بلا رحمة:
- ليه مروحناش الكافية بتاعك.

- علشان تبقى براحتك، أوقات بحسك إنك مش مبسوطة وانتي عندي في الكافيه.
حركت رأسها في نفي تبرر له بطريقة لطيفة:
- لا أبدًا، بس بتحرج من اللي بيشتغلوا معاك، اوقات بحسهم مركزين معايا.
ضحك في خفة، مردفًا:
- فضول البشر، تقولي إيه بقى.
ابتسمت بطريقة ألهبت مشاعره، وخاصة أنها لم تبعد عينيها عن عدستيه مثلما تفعل كل مرة.
- الكافية ده مش عاجبك؟!
سألها في هدوء، فأجابته نافية:
- بالعكس لطيف وهادي.

ساد الصمت بينهما قليلًا، حاول كلاً منهما تخطيه بطريقة ما، اندفع الكلام على طرف شفتاهما، ولكنها نجحت في إخراجه بطريقة جعلته مندهشًا وتحديدًا عندما سألته، سؤالاً غلفته بحزن طفيف قائلة:
- هو أنت شايفني بايخة؟!
ضيق عيناه في تفكير باحثًا عن مغزى سؤالها الذي حقًا فاجأه، فهو لم يتوقعه أبدًا وخاصةً إن كان يخالف شخصيتها، فحاول مراوغتها قبل أن يجيب أي إجابة قد تجرح كرامتها.

- ليه بتسألي سؤال زي ده؟!، او إيه مناسبته؟!
ابتسمت في تهكم وهي تضع يدها تحت ذقنها وكأنها ترسل له رسائل مبطنة عما يحاول فعله:
- متحاولش تهرب بسؤال، أنا سألت المفروض يكون ليك إجابة، ب آه او لا، وأنا على فكرة مش هزعل خالص بالعكس أكيد هحترم رأيك جدًا.
قابل ابتسامتها بأخرى ساخرة وهو يقترب بجسده منها، قائلًا:
- يعني أنتي عاوزة تفهميني إني لو قولتلك اه مثلاً، أنا بقول مثلاً..
صمت لبرهة ثم قال بمكر:.

- مش هتزعلي، أو حتى تاخديها في نفسك.
حركت رأسها في نفي قائلة بجدية خالفت تلك الحمقاء التي كانت تغرق في بحر غرامه منذ قليل:
- لا أبدًا، وأزعل ليه، أنا مخي كبير جدًا وبقدر استوعب كلام اللي قدامي.
عقد ذراعيه أمامه ثم رجع بظهره يتكئ على ظهر الكرسي، هاتفًا:
- دي ملهاش دعوة بالتفكير، دي ليها علاقة بالمشاعر، وأكيد أنتي مش حجر يعني علشان متزعليش.

ارتبكت من مغزى حديثه، فحاولت تصحيح حديثها بطريقة عقلانية، أو هي اعتقدت في ذلك، فهي دون تدري أخرجت ما تخبئه بداخلها:
- لا أنا مش حجر، بس اللي عاوزه أوصوله ليك إن مثلاً شهاب شايفني بايخه ومبيطقنيش، وأنا عادي ياعني مش فارق معايا.
طرق حمزة أصابعه فوق الطاولة بتفكير قبل أن يجيبها:.

- أكيد فارق معاكي لو ٣٠ في المية، بس يمكن أنتي بتقنعي نفسك بكده علشان زي ما بتقولي ميهمكش، لكن لو أنا جاوبت نفس إجابة شهاب أكيد هتزعلي، لأنه أنا المفروض أفرق معاكي يا رقية.
زمت شفتاها في ضيق وهي تلعن نفسها على قدرته في مراوغتها بسهوله وهي إلى الآن لم تسمع رده بشأن سؤالها، فقالت:
- بس إنت لغاية دلوقتي مجاوبتنيش، أفهم كده أنه آه.
هز رأسه نافيًا، وهو يقول بخفوت قد اخترق مسامعها وقلبها معًا:.

- أبدًا، أنا عمري ما شفتك بايخة، أنا بقى أفرق معاكي ولا زي شهاب.
ردت في لهفه ابتسم هو لها سعيدًا:
- بالعكس أنت تفرق جدًا، شهاب ولا حاجة بالنسبة ليا.

عادت بظهرها للخلف، تنكمش في الكرسي من نظراته التي شملتها بتركيز مع ابتسامته المهلكة، التزمت الصمت دقيقة واحدة، وما لبثت أن تسأله سؤالاً آخر، كان هو الأسرع في سؤاله الذي أربكها وجعلها تتخبط بداخلها بين جنبات عقلها تحاول إيجاد إجابة مقنعة دون أن تمس السبب الحقيقي.
- هو أنتي ليه بتكرهي شهاب؟!
ساد صمتها كثيرًا، فقررت أن تتخطى ما تحاول التفكير فيه، بإجابتها الحقيقية والنابعة من داخلها دون تزيف:.

- مبرتاحش لشخصيته، متهور، وبحسه مش حقيقي، مزيف.
اهتز كيانه لكلماتها البسيطة تلك، فكانت ملامحه في تلك اللحظة غائمة، بينما هي كانت في وادٍ آخر، تحاول التحدث بما تكنه بصدرها:
- أنا عارفة إن بكون حاده معاه، بس هو يستاهل وكمان علشان ميفكرش يضحك على أختي في يوم من الأيام، أيسل طيبة وغلبانة وهو ممكن يضحك عليها، ودي أختي ومن حقي أحافظ عليها بالطريقة اللي أنا شايفها صح.
عقد حاجبيه مسترسلاً في تعجب:.

- يضحك عليها إزاي، وهو خاطبها، شهاب مضحكش على أيسل هما آه حبوا بعض قبل الخطوبة وأنا كنت عارف بحكم صداقتنا، بس هو كان راجل وقد كلمته واتقدم رسمي وخاطبها، ولسه من كام يوم كان بيطلب أنه يقدم معاد جوازهم، تحافظي على أختك من إيه بقى!
ابتلعت لعابها وهي تجيبه في خجل وحرج مما تعتقد به:
- هو مش ممكن يضحك عليها وهما مخطوبين، وياخد اللي هو عاوزه وبعدين يسيبها.

-شهاب مش ندل كده يا رقية، للأسف أنتي قريته غلط، ومعرفتيش تحكمي عليه صح.
فركت أصابعها في توتر من حدة كلامه، فقالت:
- وأنا مش قصدي أبوظ علاقتهم، أنا بحب أختي جدًا وبخاف عليها فبحاول أحميها.
- حقك، بس نصيحة مني، متحاوليش تنقلي كرهك له لأيسل، البنت طيبة جدًا وأنا شايف أنها جميلة وبتحب شهاب بلاش تبوظي عليها سعادتهم يا رقية، فترة الخطوبة دي من أجمل اللحظات اللي مينفعش تتعوض بعد كده.

لاحظت تلميحاته المبطنة، والتي لمست جزءًا من ضميرها، فهي كانت دائمًا تفسد عليهم لاحظتهم تحت مبرر الحفاظ على أختها، شعرت بالخجل قليلًا من نفسها، وخاصةً بعدما أحست بضألتها أمامه، واستطاعته قراءه ما يدور بداخلها بذكاء، أو ربما هي كانت غبية لدرجة إنها كشفت أوراقها له بسهوله، لن يهم كل ذلك، كل ما يهم الآن، هو اندفاع الدماء لوجنتيها بطريقة ملحوظة أخجلتها منه، فابتعدت ببصرها بعيدًا عنه تحاول التقاط أنفاسها بعدما انقطعت في تلك المجادلة التي كشفت مكنوناتها.

- رقية، أنا حابب إننا ناخد كام صورة مع بعض، علشان شريف أخويا بيسألني كل يوم تقريبًا على صورنا، عاوز يشوفنا مع بعض.
- يشوفنا مع بعض ليه؟!
سؤالاً صدر منها، جعله يضحك بصوت مرتفع قليلًا وهو يجيب:
- أخويا الكبير ومسافر، وأنا خطبت، ومشافش صور خطوبتي، أظن من حقه يعني ولا أنتي ليكي رأي تاني.
قال جملته الأخيرة مشاكسًا، فقالت ببلاهة:
- طيب هنروح فين علشان نتصور..

حرك كرسيه فور جملتها، حتى التصق بها ورفع هاتفه في ثوان قائلًا:
- لا هو حقيقي مش محتاجين نروح، في اختراع اسمه سليفي، اضحكي للصورة بقى.

كانت تنظر له أثناء حديثه، ولم تلاحظ أن ذلك الخبيث كان يلتقط لها الصور وهي على ذلك الوضع، وضعًا كان غريبًا عنها، قربه منها بهذا الشكل الذي جعلها تتورد للمرة الثانية، وعينيها تلمع بوميض الحب والغرام، فباتت لا تقدر على إخفاء مشاعرها اتجاهه، فقلبها الأحمق كانت له السلطة الكبيرة في السيطرة عليها وعلى انفعالاتها، التقط لهما الصور فبدا وكأنهما عاشقان في دروب الهوى.

وأثناء التقاطه للصور، قدمت له رقية هديتها بعيون تلمع من فرط سعادتها في تلك اللحظة، لحظة اعتصرت فؤاده بعدما كان قد نسي ما كان يسعى له منذ البداية!



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 7304 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 4313 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 3355 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 3231 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 3785 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، لعبة ، الهوى ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 07:53 مساء