لم يكن ما صدر فجأة إلا فرمان يعلن القتل الجاذر لذلك العشق الذي يربط كلاهما! إستكانت حنين ببطئ، وسقط الزجاج من يدها تدريجيًا، إلى أن سقطت هي الاخرى على الأرض، تمامًا كالذي نال مبتغاه المريح من بعيد... وبعد أن حصل عليه أكتشف أنه اسوء مما يمكن! ركض نحوها ليهبط لمستواها يحتضنها بقوة وهو يردد مسرعًا: -لا لا لا، قطع لساني قبل ما أقولها، أنا مش هقدر أتخيل حياتي من غيرك أبعدته عنها وهي تهمس بوهن:.
-ابعد عني كفايانا حرمانية بقااا هز رأسه نافيًا بصرامة وهو يمسك وجهها بين يديه: -اسكتي، إنتِ مراتي وهتفضلي طول عمرك مراتي طول ما فيا نفس، أنا هردك، اعتبري رديتك خلاص هزت هي رأسها نافية هذه المرة، وخرج صوتها جامدًا تمامًا كحالتها الساكنة بألم: -لا، أنا اللي مش هقدر أكمل حياتي معاك، أنت اكتر انسان غريب شوفته، او يمكن مش غريب بس انا اللي كنت مغفلة بزيادة.
ضم رأسها لصدره بقوة، وكأنه يثبت لنفسه استمرارية حقه فيها ويقول: -لا إنتِ مغفلة ولا أنا غريب، كل الموضوع اني مقدرتش اتحكم في اعصابي بس، ومعرفش ازاي قولتها زحف البكاء رغمًا عنها لأطراف حروفها وهي تهتف بنزق: -سبني بقا والنبي يا حمزة، أنا تعبت بجد شدد من قبضته التي تضمها وهو يخبرها بهدوء متوتر بعض الشيئ:.
-إنتِ عايزة تفهمي، وانا هفهمك، رغم إني مكنتش عايز أنطق الا اما اتأكد، زمان جدا كانت شروق جارتي، كنا بنلعب مع بعض كتير وبنروح الدروس مع بعض، كانت هي اقرب حد ليا، لحد ما لاقتني بحبها ومعرفش ازاي، حبيتها اوي، بس باباها معرفش اية سر كرهه ليا، بقا يعاملني وحش من ساعة ما لاحظ اهتمامي بيها، وعشان ابعد عنها، جه ف مرة لما شباب ضايقوها ف الشارع ودافعت عنها دخلني السجن، دخلني السجن 3 شهور شوفت فيهم الويل! كنت بفكر ياترى اية الي حصل لشروق، اذا كان وانا كنت بره كنت تكاد تكون زي المعتقلين في عذابها من ابوها دا، امال وانا جوه هيحصل فيها اية، بقا كل تفكيري انه اكيد بيموتها بالحيا، وانا مش قادر اعملها حاجة لاني كنت ف السجن، عرفت من ابويا ساعتها انها دخلت المستشفى ودخلت ف غيبوبة من كتر ضرب ابوها فيها لما الجيران حسوا بيها، طلعت انا من ااسجن بالعافيه واكرامية لابويا الله يرحمه بس..
اول حاجة عملتها اني روحتلها المستشفى، كانت محتاجة دم وانا دمي كان مناسب عشان اتبرعلها، دخلتلها ساعتها وقعدت معاها، شوفت نغزه غريبة عند بعد رقبتها بشوية، كانت زي عيب خُلقي، ودا نفس العيب الخلقي اللي شيروت اختي اتولدت بيه الي انا شوفته ف صورها وهي طفلة قبل ماتموت! بقيت هتجنن والشيطان يحدفني يمين وشمال، وفجأة ومن غير اي اسباب ولا مقدمات، روحت اشوفها ف المستشفى بعدها لقيتهم بيقولوا ابوها اخدها ومشيوا، اخدها يعني اية هي وكالة من غير بواب! بقيت عايش حياتي بدور عليها، سنتين كاملين بدور عليها ف كل حته اعرفها، لحد ما يأست واستسلمت اني مش هالاقيها، وكبرتي إنتِ وساعتها حسيت يعني اية حب بجد، كان اكتر من مجرد خوف من فقدان، كان هوس زي ما بتقولي!
مسك وجهها بين يديه يتابع بحرارة: -دا اللي مخلانيش اقولك بس، كنت عايز اتأكد الاول، وعشان هي ماتشكش في حاجة، لكن اقسملك بالله لما انفعلت عشانها دي كانت حاجة تلقائية جوايا، زي اللي بيصارع عشان مايحسش ان حد بيحبه بيتأذي وهو مش بيعمله حاجة، احساس العجز دا صعب اوي يا حنين، اوي! كانت تنظر له بصمت تام، وكأنها تترك للعقل فرصة الإقتناع! إلى أن ابتعدت عنه ببطئ متأوهه، تشعر بالألام المتفرقة في انحاء جسدها.
ليسرع هو يحيط خصرها، ويداه الاخرى اسفل قدماها ويحملها فجأة بين ذراعيه، اغمضت عيناها وهي تهمس بوهن: -حمزة لو سمحت سيبني وضعها على الفراش برفق، ثم تحسس وجهها الذي تظهر عليه بعض الخدوش وهو يتمتم: -اهدي يا عيون حمزة، ريحي شوية كدة مينفعش تنهدت بقوة وهي متسطحة على الفراش، تحنق عليه وتشفق على حيرته في آنٍ واحد! ربما لن يجعلها تبتعد عنه، ولكنها -ستريه النجوم في عز الظهر - كما يقولون...!
انتبهت له وهو يغلق الباب، لتقول له بجمود: -اطلع انت كمان يلا.. هز رأسه نافيًا، ثم امسك -المرهم- الموضوع على المنضدة، ليفتحه وهو يقترب منها، سألته بريبة: -أنت هتعمل أية؟ رفع حاجبيه ببراءة مصطنعة: -هدهنلك الخدوش اللي ف جسمك يا قلبي زمجرت فيه غاضبة: -جاك وجع ف قلبك، أنا هدهن لنفسي متشكرة جلس لجوارها، ثم مد يده يرفع التيشرت عنها، ليقشعر بدنها من لمسته التي تجعلها ترفرف في أعلى أفق الأحساس الممتلك!
هزت رأسها نافية بغيظ ثم صرخت فيه بحدة: -تبقى مجنون لو فكرت اني هسمحلك تعمل حاجة ضيق عينيه بخبث، ثم رفع عيناه لها يسألها بمكر متلبس البراءة: -اعمل اية بس يا حبيبتي، انا هحطلك المرهم بس، هو إنتِ دماغك راحت فين!؟ ابتلعت ريقها بتوتر ملحوظ، لتجده يتابع بخشونة حادة رسمها بمهارة: -هتسمعي الكلام ولا إنتِ بتحبي تشوفيني همجي؟!
لم تنكر أنها خشيت مخالب غضبه وهي في اشد حالات اعياءها، والألم يُغطي ما يمكن أن يظهر من مقاومتها الواهنة! فاقترب حمزة منها ليرفع التيشرت عنها فيظهر جسدها الأبيض بوضوح، بدأ يضع لها ويتحسس جسدها بحركة دائرية برقة متناهية... كانت هي مغمضة العينين تتمنى أن يتوقف ذاك القلب الذي تضخ دقاته باسم ذاك الأبله حتى الان..! ارتفعت يد حمزة ببطئ للأعلى، فشهقت وهي تمسك يده مغمغمة بضيق: -حمزة، خلاص حطيت ممكن تطلع بقا.
تجاهلها وهو يكمل وضع المرهم لها في الاماكن التي اصيبت بها.. إلى أن شعرت فجأة بشفتاه تسير على جسدها بدلاً من يداه، وأصابعه تتخلل أصابعها بحزم، كادت تعترض بقوة ولكنه فاجئها حينما رفع نفسه ليلتهم شفتاها في قبلة عميقة.. قبلة يسلبها فيها رغبتها في العوم وسط موجات البُعد عنه! حاولت التملص من بين ذراعيه الذي حاوطوها، ولكنه كانت قبلته تزداد تعمقًا وتطلبًا في آنٍ واحد...
استرخت ببطئ مستسلم، لا قدرة لها على المقاومة اكثر، الإنهاك النفسي والجسدي كان أكبر منها واكثر منها سيطرة! وحينما شعر هو باستسلامها تجرأت لمساته أكثر على جسدها، عبث بذاك التيشرت يود خلعه عنها، ولكنها قبضت على يده بقوة تزمجر بحدة خافتة: -لا، مينفعش يا حمزة نظر في خضرة عيناها التي تخطفه دومًا في رحلة قصيرة يغوص وسط أعماقها، ليستطرد من بين لاهاثه: -أية اللي مينفعش! إنتِ مراتي.
أغمضت عيناها ومازالت يدها تمسك يده التي كادت تأخذ في حافة اخرى بلمساتها... ورغمًا عنها وجدت دموعها تسيل من بين عيناها بصمت تام، وما أصعب ذلك الصمت في قسوته! سارع هو بالأبتعاد عنها وهو يهز رأسه بلهفة: -هششش، خلاص، خلاص والله مش هقربلك بس اهدي خالص لم تشعر بنفسها والنوم يسيطر عليها رغمًا عنها.. مد اصبعه يتحسس وجنتاها بابتسامة شاردة متألمة: -أنا أسف يا حنيني، أسف يا روحي، اوعدك عمري ما هاجي عليكِ تاني.
ثم قبل جبينها بعمق، كاد ينهض ببطئ ولكن وجدها فجأة تمسك يده وهي تهمس مغمغمة من وسط نومتها: -ماتسبنيش، ماتروحلهاش خليك جمبي! ابتسم بحنو على غيرتها التي تدفقت من حروفها المغتاظة دومًا... وبالفعل تمدد بجوارها ليضع ذراعه أسفل رأسها ويجعلها بين أحضانه، ضمها له اكثر وهو يهمس بنبرة شاردة مثبتًا انظاره على براءتها الطفولية وهي نائمة: -ياااه، قد أية نفسي أجيب عيل منك..!
كان أسر في مكتبه، عاد من توه من مهمة البحث المعتاد عن تلك الغائبة... شعوره الان كشعور ظمأن يسير في الصحراء بلا هوادة، يبحث ويبحث عن مبتغاه، عن مرتواه! ولكنه كان كسيل يسير أسفل الأرض، بين جحور الظلمات، وبعيدًا عن مرمى العين المجردة! كان يدخن بشراهة وهو ينظر للشرفة، غيابها بتلك الطريقة لم يؤثر عليه بطريقة طبيعية، بل كاد يصيبه بالجنون...! انتبه للسكرتارية التي فتحت الباب ودلفت بهدوء تردد: -أسر بيه.
أستدار لها ليسألها بحدة: -خير يا عايدة، مش قولت مش عايز أتزفت أشوف اي حد!؟ تنحنحت بحرج ثم اخبرته بجدية: -أسفة يا أسر بيه، في واحد بره عايز يقابلك ضروري ومُصر أوي مش راضي يمشي! سألها بخشونة: -واحد مين دا؟ هزت رأسها نافية بحيرة: -لا مش عارفه والله، هو مش راضي يقولي اسمه وبيقولي بلغي اللي مشغلك بس! اومأ موافقًا ثم أشار لها أن تغادر مغمغمًا: - روحي إنتِ ودخليه.
اومأت موافقة ثم رحلت، ليطفئ هو سيجاره ثم تنهد بقوة ليقف في انتظار ذاك الغريب... وبالفعل دلف بعد دقيقة، ليتفحصه أسر بعينيه ويسأله بخشونة: -أنت مين؟ وعايز أية! ابتسم بخبث، ثم قال بنبرة ذات مغزى: -أنا فاعل خير!
بعد مرور بضع ساعات.. كان أسر يركض بأقصى ما لديه نحو الداخل، إلى أن وصل امام احدى الغرف، طرق الباب بقدميه بعنف لينفتح مصدرًا صريرًا عاليًا.. دلف مسرعًا ليجدها تتكور على الفراش بشكل الجنين، وصوت بكاءها يغطي السكون من حولها! اسرع يركض نحوها بلهفة، ادارها له ليجد وجهها شاحب شحوب الموتى، سألها بلهفة متوجسة: -لارا، لارا فيكِ إية؟ أية اللي حصلك يا حبيبتي.
ظل يتحسس وجهها بلهفة، لفت أنتباهه الملاءة التي تغطي بها جسدها... ضمها لأحضانه مسرعًا وهو يسألها بصوت مرتعد من الأجابة: -عملك أية، عملك حاجة ابن *؟ كانت تبكي بصمت متشبثة بأطراف قميصه، صوت بكاءها مكتوم بتأوه متحطم...! ترتعش بشكل مأسوي يُمزق قلب عدوها اللدود! الى ان همست بصوت مشقق من كم الألم المخزن به: -دبحني يا أسر، دبحني بسكينة باردة!
سقطت الملاءة من على جسدها رغمًا عنها لتظهر ملابسها الممزقة من أسفلها وجسدها الظاهر بوضوح، لا يغطي ذاك التيشرت الممزق سوى اجزاء بسيطة جدا منها! جن جنونه وهو يتخيل ما يمكن أن يكون حدث ويسألها: -عملك أية ردي عليا؟ وحياة امي ما هرحمه ابن ال* وديني لاوديه ورا الشمس! باتت وكأنها ادركت وجوده فصارت تخبئ نفسها وسط احضانه وهي تردد بصوت مبحوح: -خبيني يا أسر، احميني منه!
شعر ان هموم الدنيا وضعت على صدره عقب جملتها.. سارع بضمها له وكأنه يخبأها كما ارادت ثم امسك بتلك الملاءة يبعدها عنها ببطئ ليشهق بصوت مكتوم وهو يرى الدماء بوضوح على تلك الملاءة... ليسألها بصوت يكاد يسمع ولكنه حمل كمًا ملحوظًا من الشراسة: -دا دمك؟ صمتت دقائق كالجثة الهامدة بين ذراعيه، وبعدها خرج صوتها ساكن كرماد متهالك وهي تخبره: -لا، دا، آآ دا دم ابننا!
نظرت سيلين لمسؤلة الخدم التي كانت تلقي عليها بعض اوامرها، ومن وسطهم قالت بهدوء: -اطلعي هاتي كل هدوم مهاب بيه، واسأليه عايز القهوة بتاعته دلوقتي ولا لسة شوية اومأت موافقة على مضض، ثم جرت قدماها نحو الاعلى.. وصلت أمام غرفة مُهاب، تنهدت بقوة ثم فتحت الباب لتصدم ب فريدة تجلس مقتربة من مُهاب جدًا، تكاد تكون ملتصقة به!
نظرت ارضًا مسرعة تكتم تلك الشهقة التي كادت تصدر منها، لتقول بصوت بارد يحمل خلفه صدمة عميقة: -اسفة، مكنتش اعرف آآ، اسفة! نهضت فريدة بغضب لتقترب منها مرددة بغيظ: -هو إنتِ حد مسلطك عليا يابت إنتِ؟ هزت رأسها نافية بهدوء تام مستنكرة: -حد هيسلطني عليكِ لية هو انا اعرفك اصلاً؟ اغتاظت فريدة بشدة ثم رفعت يدها وكادت تصفعها، إلا ان يد مُهاب منعتها وهو يتابع بجدية حازمة:.
-من امتى ومسموح انك تمدي ايدك على واحدة بدون وجهة حق يا فريدة؟ تمتمت فريدة بحنق: -أنت مش شايفها بتبجح فيا ازاي يا مُهاب؟ هز رأسه نافيًا ببرود: -لا، هي بترد عادي خالص، مش شايفها قالت حاجة تخليكِ تتنرفزي اوي كدة تأففت فريدة اكثر من مرة، ثم قالت بنزق: -ماشي يا مهاب، انا الغلطانة، اديني سيبهالك مخدرة وهمشي اصلاً وبالفعل استدارت لتغادر بغضب، فيما همست سيلين بصوت هادئ: -آآ، أسفة لو حطيتك فموقف محرج معاها.
هز رأسه نافيًا بلامبالاة: -لا ثم تخشب وجهه فجأة ليمسك يدها يسحبها خلفه، فسألته سيلين بقلق: -في اية يا مُهاب فتح احد الادراج، ثم اخرج صورة ما، ليضعها امام عيناها وهو يسألها بحدة عالية: -أنتِ مين؟! أنتِ مين بالظبط..! رمى الصورة ارضًا ليمسكها من ذراعيها ويهزها بقوة مكملاً صراخه: -إنتِ سيلين الخدامة، ولا سيلين مراتي؟! انتِ مين..! كانت هي مصعوقة من تواجد تلك الصورة التي تجمعهم سويًا في زفافهم معه!
كتلة دموع تجمعت في عينيها، ولم تشعر بنفسها سوى وهي تهتف فيه بصوت عالي مثله: -أنا سيلين اللي بتحبك..! تجمد فجأة مكانه، وترك ذراعها ببطئ، يحدق بها كالتائه بين شوارع تلك الدنيا العجيبة! ليجدها تكمل وهي تتحس وجهه ببطئ مغمغمة من وسط دموعها: -ايوة بحبك، بحبك أوي يا مُهاب رمت نفسها بأحضانه فجأة، لتكمل بحروف متقطعة: -أنت ابني، وحبيبي، وجوزي!
كان صامت مدة دقيقتان تقريبًا، ليبعدها عنه ببطئ جامد تحت انظارها المتوجسة، ثم يغادر وكأنه لم يسمع شيئ مما قالت...!
-خد يا حمزة.
قالتها شروق بصوت خفيض لحمزة الذي كان يجلس على الأريكة ويحك رأسه بأرهاق حقيقي.. نظر ليداها التي تحمل كوبًا صغيرًا، ليسألها مستفسرًا: -أية دا؟ اجابته بابتسامة صغيرة: -دي كوباية مخلوط كدة كنت بعمله لما يكون عندي صداع نظر لها لثوانٍ بتردد، ثم اصطنع الابتسامة ومد يده ليأخذها منها ببطئ هامسًا: -شكراً يا شروق اومأت موافقة ثم جلست لجواره بهدوء بعدما ارتدت ملابسها المحتشمة نوعًا ما عن ذلك القميص...
مرت الدقائق وهم جالسان هكذا دون حرف اخر، وكأن كلاً منهم داخله ما يكفيه من زوبعة الكلام والمشاعر المختلطة! بدأ حمزة يشعر بالثقل يزداد في رأسه، فزاد دعكه لرأسه وهو يتأفف... وفجأة شعر بيد شروق على فخذيه، تشنجت ملامحه الي حدا ما، ولكنها لم تعطيه الفرصة فاقتربت منه اكثر لتسنده برفق متجهين نحو غرفة ما، بعد وقت...
نهضت حنين من نومتها الطويلة، لم تشعر كم نامت من الوقت هكذا من كثرة التعب الذي سيطر على مقاليد شعورها! فتحت باب الغرفة التي تجلس بها وسارت متجهة للخارج ببطئ تستند على الحائط لجوارها.. لم تجدهم في الخارج فنادت بهدوء: -حمزة؟! لم تجد رد ايضًا، فبحثت في الشاليه كله بسكون، الي ان وصلت امام تلك الغرفة ففتحتها بهدوء تام لتقع عيناها على ذلك المنظر الذي خدر حواسها تقريبا!
حمزة عاري لجواره تلك التي كانت تجلس على الفراش لجواره تضم ركبتاها لصدرها وتبكي بصوت مكتوم.. ربما ندمًا؟! ولكن ماذا يفيد الندم الان، بعد أن انفجرت القنبلة وانتهى الامر...!
رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والعشرون
كان جسد حنين ينتفض بقوة من ذلك المشهد الذي لم يخترق مخيلتها ولو في أحلامها حتى..! القدر يعاندها وبكل جبروت، وهي تسقط بكل بهوت! رفعت شروق عيناها تنظر لها ببطئ، لتزداد شهقاتها في العلو... فهمست حنين بصوت متبلد: -يعني أية!؟ رويدًا رويدًا بدأ حمزة هو الاخر يتململ في نومته، الي ان فتح عيناه، ليدرك تلك الفاجعة التي سقط بها...! نظر بفزع لتلك التي تجاوره مرددًا: -أنتِ، أنتِ بتعملي، آآ بتعملي أية!
لم ترد عليه وإنما احتضنها البكاء أكثر وكأنها لا تجد سواه مستقبل...! هب حمزة منتصبًا ليجد نفسه عاري، إنتصب في جلسته ليسرع مرتديًا بنطاله وعقله متوقف تمامًا عن التفكير! نهض نحو حنين التي كانت تهز رأسها نافية والدموع في سباق على وجنتاها التي احمرت.. ليمسك بيدها مسرعاً يهتف بصوت مبحوح يحمل لونًا ملحوظًا من الصدمة: -أنا معملتش كدة يا حنين.
أبعدت يدها عنه تنظر لهما بازدراد، تقزز واضح في نظرتها قبل أن تستدير لتغادر مسرعة نحو غرفتها.. ركض هو خلفها ليسرع ممسكًا بها قبل أن تغلق الباب، ليدلف ويغلقه خلفه، ثم ينظر لها وهو يتابع بنبرة شبه هيستيرية: -أنتِ مش مصدقاني؟ أنا معملتش كدة، أنا مكنتش في وعيي يا حنين، أنا مقدرش ألمس واحدة غيرك! صرخت فيه بحدة عالية: -بس قدرت، قدرت أنت واحد كداب وبياع كلام وخلاص!
أمسك برأسه بين يديه وهو يهز رأسه نفيًا بصورة هيستيرية.. ويهذي وكأنه يركض من تلك التهمة التي كادت تتلبسه: -لا، لا ياحنين انا معملتش كدة، أنا ملمستش اللي ممكن تكون اختي لااااااااا صرخ بعلو صوته.. صرخ بعنف لشعوره المميت بالذوبان تحت تأثير الصدمة ببطئ! وحنين لم تكن أقل صدمة منه، وخاصة وهي تسمعه يكمل بصوت مبحوح: -أنا، أنا آآ ماحستش بنفسي بعد ما شربت المخلوط دا! كنت حاسس كأني مشلول بين الوعي واللاوعي يا حنين.
دقيقة تقريبًا مرت حتى صرخت حنين هي الاخرى مذهولة: -أنت قصدك إنها عملت اللي عملته دا عن قصد؟! جلس على الفراش بهمدان، ممسكًا رأسه التي كادت تنفجر من كثرة التساؤلات ثم همس: -مش عارف، مش عارف، مش عارف أي حاجة! سكنت ملامحها تمامًا، وكأن تلك القبضة بالصدمة سكرتها بين زوابع الإنفجار... فقالت بصوت هادئ ولكنه جامد: -احنا لازم نتطلق يا حمزة! نهض فجأةً ويده مرفوعة، ولكنه ضم قبضته بقوة وهو يردد أمام وجهها بجنون:.
-أسكتي بقا، أسكتي ابوس ايدك سيبني ف همي! جلست بالفعل لجواره بصمت تام.. لا يدرون كم من الدقائق مرت وهم يجلسان هكذا يعدون الأفكار المترامية التي تردم أملهم حينًا بعد حين...! الي ان شعرت حنين بدموع حمزة ولأول مرة تسيل ببطئ مكتوم على وجنته الخشنة! وضعت يدها على فاهها، ولكنها تدرك حجم الكارثة التي زجوا فيها كلاهما... اقتربت منه ببطئ، ثم ضمته رأسه لصدرها علها تمده ببعض القوة وإن كانت تفتقدها هي!
ازدادت دموعها وهو يحتضن خصرها بقوة مغمغمًا بصوت مكتوم بأهات المعاناة: -مش قادر أتخيل إن دا ممكن يكون دا حصل، انا هتدمر لو حصل يا حنين، يااااااااااارب ظل تنظر له بصمت، إلى أن شعرت بدموعه على أصابعها، فلم يكن منها إلا أن مسحتها بأصبعها برقة ثم نظرت لعيناه تجبر نفسها على الأبتسامة مغمغمة: -أكيد في حاجة غلط، ممكن يكون فعلاً هي حطتلك حاجة في المشروب زي ما بتقول! وكأنها تُمني نفسها بحقيقة المبررات؟
وكأنها تلصقها في الواقع بلقصة الأصرار او اليقين من عدم الحدوث... وإن كان حمزة به كل العبر! ف حمزة ليس ب زاني وإن كان على قتله...! رفعت رأسه ببطئ وهي تمسكها بين يديها، ثم همست له في حنو: -ممكن كفاية دموع، أنا ماتعودتش عليك كدة ثم قالت مشاكسة بمرح تفتقده هي: -انا عايزة الهمجي بتاعي حاول اصطناع الابتسامة، رغم كل شيئ هي تتدراك تلك الكارثة! ملس على وجنتها بعاطفة رائقة وملتهبة هامسًا له بامتنان:.
-ربنا يخليكِ ليا يا حنيني نهضت بهدوء تسحب يده متجهة نحو الخارج وهي تقول بجدية: -يلا بقا نشوف ست شروق دي.. اومأ موافقًا وبالفعل اتجها نحو الغرفة التي كرهها كلاهما وكانت تلك الصاعقة التالية... شروق هربت! هربت بعد أن اسقطت كلاهما في فجوة تخنقهم ببطئ...
كان مُهاب يختلي بنفسه في غرفته بعدما سمع إقرارها المؤكد على الشكوك التي ساورته منذ تلك الصورة التي وجدها في مكتب والده الراحل... كان يحك رأسه باختناق، إن كانت هي زوجته بالفعل فكيف تقبل شريك لها في حياة زوجها؟! أي جنون هذا..! ربما اعترافها ذاك أكد له على فكها لتلك الرابطة التي تجمعهم...! تأفف بضيق حقيقي ثم نهض يدور في الغرفة بحيرة، ماذا يفعل معها؟!
نظر من الشرفة بشرود، ليرى فجأة سيلين في اتجاهها للخروج من المنزل حاملة حقيبتها في يدها... ركض مسرعًا نحو الأسفل متجاهلاً ألم رأسه الذي لفح به! واخيرًا استطاع اللحاق بها ليمسكها من ذراعها بقوة متساءلاً: -أنتِ رايحة فين! لم تنظر له وهي تجيب حانقة: -رايحة فين يعني، أكيد رايحة بيت اهلي يا مهاب رفع حاجبه الأيسر ساخرًا، وبتهكم صريح قال: -بالبساطة دي؟! دا أنتِ على نياتك اوي يا نونه.
نظرت له بعدم فهم، لتجد ملامحه تشتد جدية وضعت لمسة الحدة عليها ويخبرها: -أنتِ مش هتروحي ف حته، أنتِ مكانك في بيت جوزك، ف إقصري الشر وخشي جوة بهدوء يا سيلين كادت الدموع تكتسح مقدمة حروفها وهي تردف بوهن: -ما أنت مش عايزني اصلاً، أخش جوة لية بقاا؟! سحبها من رأسها فجأة بقوة لتصطدم به ثم همس امام وجهها مباشرةً: -مين قالك إني مش عايزك، أنتِ غبية!؟ وهج من نوع خاص ينيره أمل لمع بعينيها البندقية قبل أن تسأله:.
-امال أية؟ ولكنه ابتعد بهدوء للخلف متابعًا بجمود: -اصل مفيش راجل بيكون مش عايز مراته! لوت شفتاها بألم وهي تهمس قائلة: -يعني عشان كدة بس؟ اومأ مؤكدًا دون أن ينظر لها، ليشير بأصبعه للداخل مرددًا بصوت آمر: -يلا دخلي شنطتك كادت تسير ولكنه أمسك ذراعها قائلاً وهو يشدد على كل حرف: -ف اوضتي يا سيلين، ف اوضتي مش في اوض الخدم! خفت ابتسامتها الفرحة بصعوبة، رغم كل الظلمات من حولك...
رغم دراء اليأس الذي يتلبسك، يبقى هناك بصيص نور سيحلق يومًا في الأفق!
قطع تلك السعادة دخول كلاً من فريدة و والدتها التي كانت تمسك بذراعها وكأنها تعلن اتحداهم سويًا...! اختفت الابتسامة من على وجه سيلين التي عادت للخلف خطوتان وكأن الهرب مغناطيس يسحبها، لتجد مُهاب يمسك يدها متخللاً اصابعها بحزم وهو ينظر لها، وكأنه يخبرها لن تهربي كعادتك ! وقفت فريدة أمامهم، ليظهر الغضب جمًا على قسمات وجهها التي تقوصت وهي تهب مزمجرة في سيلين:.
-أنتِ تاني هنا! أنتِ مابتحرميش يابت أنتِ، مش قولتلك مليون مرة ماتقفيش زي الجاموسة كدة! كادت سيلين ترد وإنما مُهاب كان ك درعًا يحمي اختراقات تلك السموم لزمام روحها، ف رد بخشونة محذرًا: -فريدة، كفاية إهانة مش هسمحلك تاني، أنتِ اتخطيتي كل الحدود اشارت له وكأنها لا تصدق قائلة بصدمة: -أنت بتتحداني عشان خدامة يا مُهاب، بتعارض خطيبتك عشان واحدة زي دي؟! رفع حاجبه الأيسر وهو يخبرها بثقة جادة:.
-دي مراتي يا فريدة، مراتي من قبل ما تيجي! إتسعت حدقتا فريدة ووالدتها صدمةً، اذًا هي تلك -الحربائة- كما تلقبها تهاني، التي دخلت بين أقساط السعي بينها وبين مُهاب! وكأن مهاب بأخباره لهم وضع الزيت على النيران كما يقولون دون ان يقصد... فتحدثت تهاني بكره ملحوظ نوعًا ما: -بقا هي دي! وسرعان ما قالت فريدة بهدوء متردد: -ولو، أكيد دا مش هيأثر على علاقتنا يا مُهاب، أحنا كنا مخطوبين حتى من قبل ما تتجوز البت دي.
شهقت سيلين مصدومة.. هي لا تدري إن كان كلامها صحيح ام لا، هي لا تعلم أي شيئ عن حياة مُهاب السابقة حتى...! وكانت الصدمة لسيلين أن استطرد مهاب مؤكدًا بجدية: -أكيد يا فريدة.. ألجمت الصدمة لسانها ولم تعي ماذا تقول! نظرت لها فريدة بانتصار ثم غادرت للداخل مع والدتها التي تبسمت فرحًا وكذلك مُهاب الذي تأفف بضيق غادر مستقلاً سيارته...
بعد فترة... عاد مُهاب بعد حوالي ما يقرب من ثلاث ساعات، كان عقله مشتت بين ألف فكرة وفكرة.. تعجب من عدم تواجد فريدة او والدتها، ولكنه نفض تلك الفكرة عن رأسه واكمل سيره، اتجه لغرفته التي من المفترض أن سيلين بها، وصل امام الغرفة وكاد يفتح الباب ولكنه سمع اصواتًا غريبة...
ومن بينها ضحكات سيلين العالية، فتح الباب ببطئ شديد متعمدًا الا يصدر صوتًا، ليشعر بسهام تخترق صدره وهو يرى سيلين ترتدي -بُرنس- الاغتسال وتقف تعطيه ظهرها وتحيط عنق شخصًا ما وهو يقترب منها ببطئ حتى قبلها برغبة...!
هبت لارا منتصبة على فراش المستشفى تصرخ فزعًا من تلك الكوابيس الحقيقية التي تراودها.. لتجد أسر يجلس لجوارها ويربت على شعرها بخفة هامسًا: -هشششش، اهدي يا لارا، اهدي يا حبيبتي! وضعت يدها على بطنها بتلقائية لتسأله متشبثة بأخر امل لها: -ابني، ابني حصله حاجة يا أسر؟ نكس رأسه ارضًا، وبعد دقيقة من الصمت همس: -دا نصيب يا لارا، وأكيد ربنا هيعوضنا غيره كتير ظلت تصرخ بهيسترية باكية وهي تحاوط بطنها:.
-لااااااا، لااا حرام لااا لييية ياااربي لية، دا هو اللي كان الحاجة الحلوة اللي حصلت لي، حتى دا راح كدة بسرعة! حاول احتضانها بحنان متألم لأجلها، ولكنها نفضته عنها وهي تزمجر فيه بغضب اعمى: -اوعى كدة، ابعد عني اياك تقرب مني، أنت السبب اصلاً، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، حسبي الله قالت كلمتها الاخيرة وشهقاتها تزداد، كانت تشعر بروحها تسلخ من بين جسدها!
تشعر أن الحلو المركون في حياتها تبخر لتشعر بملوحة تلك الحياة القاسية... بينما كان أسر متجمدًا مكانه وهو يهمس بحزن حقيقي: -أنا يا لارا؟ أنا السبب! اومأت مؤكدة ثم نظرت له بحدة وهي تردف بغل: -ايوة انت، لولا إني روحت زي ما أمرت مكنش دا حصل.. ثم عادت تحتضن بطنها وهي تصرخ بصوت عالي مذبوح: -اااااااااااااه يا امي ثم ظلت تهمس وكأنها تسأل ذلك القدر:.
-أنا لية حياتي كدة! لية حياتي معقدة اوي كدة، لية كل صفحات الوجع مابتتقفلش ف حياتي ابدًا، لية مكتوب عليا اعيش القهر مرتييين، ليييييية أنا عملت ذنب أية ف حياتي وبكفره! وسرعان ما كانت تضرب خديها بقوة مستمرة في صراخها: -ربنا ياخدني بقا ربنا ياخدني عشان تعبت والله تعبت تعبت أسرع أسر يمسك يديها بقوة ويضمها له عنوة وهو يهمس بصوت وكأنه على مشارف البكاء على حالتها تلك:.
-عشان خاطري اهدي، بلاش عشان خاطري عشان خاطر ربنا كفاية، ارجووكِ، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا كان نحيبها يعلو بين أحضانه، ورغمًا عنها كانت تمسك بلياقة قميصه وهي تبكي بعنف مرددة بقهر مؤلم: -أنا اتدمرت يا أسر، اتدمرت، حياتي باظت للأبد... ثم عادت تصرخ مرة اخرى وهي تضرب صدره بقبضتها الصغيرة: -ابننا مااااات يا أسر، ماااااات من قبل ما يشوف الدنيا تجمدت فجأة مكانها، وكأنها رأت اللون الأخر لتلك الفاجعة..
لتهذي بصوت اختلط فيه البكاء مع ضحكاتها الساخرة: -هو ماخدش ابني بس، هو اخد اللي مش من حقه، انا مابقاش فيا حاجة زي ما أنت قولت يا اسر، انا بقيت مجرد واحدة كدة عايشة وخلاص مافيهاش اي حاجة تخلي الواحد يتقبلها او يعوزها ف حياته! هز رأسه نفيًا بسرعة، وراح يطوق خصرها بيداه وهو يهمس لجوار اذنها بصوت منتحب مكتوم: -لا، لا والله، أنا بحبك، بحبك اوووي يا لارا اووي ومقدرش أعيش من غيرك.
ثم نظر لعيناها وهو يمسك وجهها بين يداه هامسًا بحرارة تحمل شيئ من الرجاء: -أنا عايزك...! أبعدته عنها بقوة ثم قالت بسخرية مريرة: -عايزني، عايزني من أنهي اتجاه؟ لا طفل، ولا حب ولا حتى جسم! اقترب منها مرة اخرى يؤكد لها بحزم حاني: -انا عايز لارا، مش عايز جسمك! في تلك اللحظات دلف الطبيب، ليسرع مشيرًا للمرضة أن تجاورها ولكن بين أحضان أسر الذي كاد يبكي ندمًا على ما مضى...! نظر أسر يسأل الطبيب بجدية:.
-ها يا دكتور؟ تنهد الطبيب ثم اجابه بصوت هادئ ورسمي: -مفيش أي اثار للأعتداء ال**ي ثم نظر ل لارا التي تبلد جسدها بين ذراعي أسر صدمةً ليكمل: -سمعاني يا مدام لارا، مفيش أي إغتصاب تم زي ما أنتِ فاكرة ومنهارة يمكن عشان كدة! سأله أسر مسرعًا بلهفة: -امال، آآ ال الجنين نزل لية! رفع الطبيب كتفيه بأسف يخبره: -ضغوطات نفسية، قلق حاد وصراخ أكيد، عنف جسدي، كل دا كفيل إنه يعرض الجنين للأجهاض يا استاذ اسر.
اومأ أسر بحزن واضح، ليكتب الطبيب بعض الملاحظات ثم يغادر مشيرًا للمرضة بهدوء: -خليكي جمب الاوضة، لأي انفعال للمدام انتِ عارفه هتعملي أية اومأت الممرضة مؤكدة.. ظل أسر يربت على خصلات لارا برقة حانية وهو يردد: -شوفتي بقا، ربنا كريم لم ترد عليه، ليحتضنها ملتصقًا بها أكثر قبل أن يكمل: -فوقيلي بسرعة، أنا عايزك ومحتاجك أكتر من أي وقت وكل وقت! همست بضعف: -كداب...
ثم ارتخى جسدها تدريجيًا بين ذراعيه، لترقد جفونها بسلام ويختطفها النوم واخيرًا، ولكن بعدما اختطف القدر الجزء الوردي من حياتها!
بعد مرور ثلاث أيام... ثلاث أيام لم يغفل ل حمزة جفن، يبحث عن شروق في كل مكان، محتمل أن تذهب اليه وغير محتمل! يعود من الخارج ليدلف الغرفة ويغلق الباب عليه دون كلمة، ثم يبدأ يلعب -ضغط- كثيرًا جدًا حتى كاد الأرهاق يظهر على جسده كما هو ظاهر على روحه! وحنين صامتة، تحاول التدخل احيانًا ولكنه في كل مرة يعنفها لتبتعد عنه، وبالفعل تمتثل لرغبته في الأنفراد... ولكن إلى الان ويكفي، يكفيه عذابًا لنفسه حتى الان!
دلفت حنين الي تلك الغرفة بهدوء مترقب، لتجده يعطيها ظهره عاري الصدر ويدخن بشراهه ونهم ملحوظ وكأنه يخرج غلبه في تلك السجائر... وضعت يدها على ظهره الذي ارتعش للحظة من لمستها، ثم همست: -حمزة.. لم يستدير لها وإنما سألها بحدة: -عايزة أية يا حنين، مش قولتلك ماتتنيليش تدخلي هنا! مش عايز اتغابى عليكِ ادارته لها بقوة وهي تردف بحنق حزين لأجله:.
-مينفعش كدة يا حمزة، أنت من اول ما بتدخل البيت حابس نفسك وكأنك بتعذب إرهابي..! نفض يدها عنه وهو يزمجر منفعلاً: -طب ما دي الحقيقة، أنا بقيت اسوء من الإرهابي نظر لها فجأة يقول بسخرية مُشققة: -أنا زنيت، ومش مع أي واحدة، مع واحدة في احتمال تكون اختي! امسكت يداه تهمس له برجاء واهن: -لو سمحت كفاية يا حمزة، لسة في أمل إن يكون كذب، أنت لية بتعذب نفسك كدة!؟
دفعها فجأة بعنف حتى اصطدمت بالجدار خلفها فصرخت متأوهه وهي تمسك بظهرها، بينما ظل هو يصرخ بغضب اعمى: -امل امل امل، امل أية وهي هربت مش عارفين نوصلها اصلاً، مفيش امل، في سواد بس! وكأنه إنتبه لها لتوه فركض لها يحيط خصرها وهو يغمغم بلهفة حارقة: -أنا أسف، مش قصدي، قولتلك ملكيش دعوة بيا، أنا مش هادرك تصرفاتي يا حنين، قولتلك مش عايز أأذيكي! رفعت عيناها له، تحملق في عينيه السوداء ثم همست بهدوء صلب:.
-لو دا هيخليك تخف الضغط عن نفسك شوية يبقى أذيني، أضربني زقني طلع غلبك فيا! لم يشعر بنفسه سوى وهو يحيط وجهها بين يداه، ويقترب من شفتاها بنهم ربما نهم اختلط ببعض العنف... العنف النفسي الذي اصبح يحيط بكافة جوانب حياته..! وهي لم تعترض، بل تركته يخرج -غلبه-فيها كما قالت...! يداه تعبث بملابسها بسرعة، وشفتاه تحوم على وجهها وصولاً لرقبتها، حتى رفعها فجأة بقوة ليضعها على الفراش وهو معها...
ربما نحاول أن نتناسى، او نفشي حرقتنا في زفير الهواء، ولكنه سيُعاد لأجوافنا رغمًا عنا !
بينما على الجانب الأخر وفي منطقة مختلفة تمامًا.. كانت شذى تضحك بسعادة وهي تقف في وسط الصالة في ذاك المنزل، تصفق بفرحة حقيقية قبل أن تنظر ل شريف الذي كان يبدو عليه عدم الرضا: -شوفت، مش قولتلك! الله عليا بقااا مط شريف شفتاه مرددًا بسخرية: -الله عليكِ أية، دا إبليس ضرب ابنه بالقلم وقاله اتعلم يابن الكلب! ازدادت ضحكاتها الخليعة في العلو، لتقترب منه محيطة عنقه بذراعيها، وبصوت لعوب تسأله:.
-بس أية رأيك؟ مش حققنا اللي احنا عاوزينه! اومأ مؤكدًا بشبح ابتسامة، لتتابع مدندنة وكأنها اغنية: -كدة حنين ليك، وحمزة ليا، ويا دار ما دخلك شر! سألها شريف مفكرًا: -هي البت شروق دي أنتِ متأكدة إنها مش ممكن تقوله حاجة؟ اشارت بيدها بلامبالاة واثقة: -تقوله أية ياعم أنت عبيط، شروق دي أجبن من كدة عاد يسألها مرة اخرى بخبث:.
-وحصل مابينهم حاجة بجد؟ يعني اهو، عيشناها الف ليلة وليلة مع صديق الطفولة، وحققنا اللي احنا عاوزينه ضربته على رأسه بقوة وهي تزمجر فيه بغضب: -الف ليلة في عينك، ماحصلش بينهم حاجة طبعاً ثم طوقت يداها مكملة بتملك خبيث: -حمزة دا بتاعي، بتاعي انا بس، مش كفاية إني مستحملة إنه ممكن يكون بيقرب من الزفتة اللي اسمها حنين دي!
رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والعشرون
نهضت حنين من الفراش ببطئ، إكتسى ملامحها نوعًا من الألم الذي سببته قدمها فكانت تتأوه بصوت مكتوم... أمسك حمزة بذراعها قبل أن تنهض ليسألها متوجسًا: -أذيتك؟ هزت رأسها نافية وزينت ثغرها ابتسامة تخفي الكثير خلفها: -لا، متقلقش احاط وجنتها بيده ثم همس بحرارة: -بحبك أووي يا حنين، أوعي تبعدي عني! وضعت يدها على يده يداه التي تحيط وجهها، لتهمس بولهٍ: -وأنا بعشقك والله ومستحيل أبعد عنك.
كان إصبعه يتحسس شفتاها برقة، فابتلعت هي ريقها بتوتر لتجده اقترب بوجهه منها وعيناه مثبتة على شفتاها، كادت شفتاه تلتهم شفتاها إلا أنها وضعت يداها على صدره تمنعه وهي تهمس بنبرة مذبذبة: -حمزة كفاية، خلينا نقوم نخرج في أي حته عشان لو هنرجع القاهرة! هز رأسه نفيًا ولم يبتعد عنها بل أزاح يداها برفق متابعًا: -لأ، مش عايز أخرج لامس ثغرها بشفتاه ببطئ قبل أن يهمس: -خليكِ معايا بس..!
لم تدري لمَ شعرت بشيئ من الرفض، ربما لأن اثار صفعته لم تُمحى بعد...!؟ او ربما لأن حاجز كرامة الأنثى داخلها يعيق مشاعرها نحوه؟! لا تدري، ولكنها لم تكن بطبيعتها اطلاقًا! ابتعدت عنه ببطئ قبل أن ينغمس في قبلته، لتهتف بهدوء جاد بعض الشيئ: -حمزة لو سمحت، أنا تعبانة ابتعد عنها قليلاً ليسألها بنبرة قلقة نوعًا ما: -مالك يا حبيبتي؟ هزت رأسها نافية وحاولت إصطناع الأبتسامة وهي تخبره:.
-مفيش حاجة، تعبانة عادي وعايزة أخرج لو سمحت يا حمزة تسطح على الفراش بهمدان، كان صدره يعلو ويهبط بزفير عالي، ثم قال بصوت أجش: -مش عايز أخرج في حته يا حنين، مش عارف أتعامل عادي وكل الوساويس دي في دماغي! ربما أصرارها يكمن بين جوانح رغبتها في إنفصاله عن ذاك العذاب النفسي..؟ وضعت أصابعها على طرف صدره العاري، ثم اقتربت منه هامسة بدلال: -ولو عشان خاطري؟
تأتأ بضيق مفكرًا، ليجدها تقترب أكثر لتطبع قبلة خفيفة على لحيته هامسة برجاء أشد: -عشان خاطري يا حمزة، أنا إتخنقت من القعدة دي بجد، عشان خاطري يا حبيبي؟! نظر لها بطرف عيناه بخبث، ليجدها ترفع كتفيه وبصوت أكثر بحة تتابع همسها المدلل: -عشان خاطري، وحياتي قبض على خصرها فجأة بيداه الخشنة، ليتنهد مغمغمًا على مضض: -ماشي موافق، بس هانرجع القاهرة على طول! اومأت مؤكدة وقد شقت الابتسامة عبوسها بحماس: -أيوة أكيد.
كادت تنهض ولكنه سحبها له فجأة بقوة لتصطدم بصدره، فرفعت عينيها له بتوتر، قال بعبث وهو يقترب منها ببطئ: -أنتِ رايحة فين، خليكِ هنا أحنا مش هنقوم من السرير النهاردة شهقت هي مصدومة وكادت تعترض وبشدة ولكن وجدته يلتهم شفتاها في قبلة عاصفة أهتز لها كيانها المرموق بعشقه.. فشلت محاولاتها في البُعد عنه فطوقت عنقه بذراعيها ببطئ رقيق، وما كان منه إلا ان ازداد تعمقه في إلتهامه شفتاها بنهم...
يداه تعرف طريقها لمنحنيات جسدها، ومشاعره الملتهبة تعارك ذاك الرفض المذبذب داخلها..! إلي أن ابتعد قليلاً ليلتقطا انفاسهم اللاهثة، ثم همس يشاكسها: -أصلي مش هكون فاضي في القاهرة، ورايا شغل، ومهاب، واسر.. ومع كل نهاية كلمة كان يختمها بقبلة سريعة لجوار فكها... إلي أن تخللت اصابعه اصابعها الناعمة، ليهبط ببطئ لرقبتها، وهي غارقة في تلك المشاعر التي تكتسحها معه، معه فقط دون غيره...!
نهضا اخيرًا بعد فترة، دلف حمزة إلي المرحاض ليغتسل، بينما كانت حنين تجلس على الفراش متنهدة.. تراودها أكثر من فكرة والاف الوساوس في آنٍ واحد! أصبحت وكأنها تنتظر حلول الكارثة القادمة باستعداد للجذر القادم بين ثنايا روحها... خرج حمزة بعد قليل يلف المنشفة حول خصره عاري الصدر، ليقترب منها وهو يردد بنبرة ذات مغزى: -يخربيت السرحان اللي واخدك مني.
نهضت بهدوء تكاد تغادر نحو المرحاض دون أن تنطق، لتجده يسحبها من يدها متساءلاً بجدية: -مالك؟ هزت رأسها نفيًا، لتجده يشدد من قبضته على يدها مكررًا سؤاله: -قولت مالك؟ هزت رأسها نافية بجدية خرجت حادة رغمًا عنها: -مفيش يا حمزة مفيش، سيبني بقا أخش استحمى ولا لسة التحقيق مخلصش!؟ لا يدري هو الاخر لمَ سألها ذلك السؤال الغريب في ذاك الوقت: -حنين أنتِ مبسوطة معايا؟
صمتت برهه وكأنها تبحث عن تلك الأجابة التي يُغيم عليها الشفق الحالي... ولكنها قالت مؤكدة بابتسامة مضطربة بعض الشيئ: -أنا لو مش مرتاحة معاك ومش بحبك مفيش حاجة هتجبرني أقعد معاك لحظة، لكن المشكلة إني بحبك! رفع حاجبه الأيسر مرددًا بنبرة مصطنعة الصدمة: -مشكلة! ااه يا مجرمة طلعتي مش طايقاني وحُبي بقا مشكلة فجأة سحبت ذراعه وهي تهتف باستعجال: -حمزة تعاالى ذهب خلفها وهو يسألها متعجبًا: -في أية يا حنين؟!
دلفت الي نفس الغرفة التي هدمت مقابلها أميالاً مزروعة بعشقًا غائر، لتتنفس بعمق قبل أن تسأله مشيرة نحو الفراش الذي لم يمسه شخصًا منذ ذاك الوقت: -مش ملاحظ حاجة؟ هز رأسه نفيًا وقد إنعقد ما بين حاجبيه، لتقترب هي من الفراش أكثر، ثم وبنبرة ذات مغزى مُحرجة نوعًا ما تردف: -أنت مش ملاحظ إن آآ، مفيش أي حاجة على الملايه..! لم يفهمها في بادئ الأمر ف راحت تشرح له بحرج خفي:.
-يعني لو، آآ لو كان حصل بينكم حاجة، وهي المفروض أنسة كان هيبقى في على الملايه... قاطعها مستطردًا بسخرية خشنة: -مهو أكيد اللي كان معاها دا وبيضربها مش خرونج، أكيد جوزها! ف حتى لو حصل حاجة او محصلش، مش هنعرف الا منها يا حنين ريحي نفسك تأففت أكثر من مرة، ثم احاطت عنقه بذراعيها فجأةً، وبدلال يليق بنعومتها همست امامه: -طيب بما انك مش ناوي تخرجني الليلة، ممكن تجيبلي شيكولاته.
أزاح يدها ببطئ وهو يخبرها قبل أن يتنهد: -احنا كدة كدة راجعين القاهرة هبقى اجيبلك في الطريق إتسعت حدقتاها صدمةً، ثم صرخت بوجهه مزمئرة ؛ -نعمم! وهو حد قالك إني كنت محتاجة مصيف ينكد عليا، أنا كنت عايزه انبسط، والحمدلله اتكيفت اووي! قالت كلمتها الأخيرة ببوادر سخرية ترفع شعار الألم الفطري... لتجده يحيط وجهها بيداه ثم يهمس اسرًا رفضها المزعوم:.
-حبيبي، أنا عارف انك تعبانة معايا خصوصاً الأيام دي، لكن أوعدك بس نفوق من الهم اللي احنا فيه، وساعتها يعتبر حياتنا سوا هتبتدي! ابتسمت بهدوء لتبتعد ببطئ.. بينما أنهى هو ارتداء قميصه، ليشير نحو الخارج وهو يردد بجدية: -أنا خارج يا حنيني، هاخد جولة اخيرة يمكن الاقي البت دي، وهارجع بسرعة مش هتأخر عليكِ اومأت موافقة بصمت، وبالفعل غادر هو لتتنهد هي ثم تدلف إلي المرحاض لتغتسل..
بعد ساعات... دلف حمزة الي ذاك الشاليه وهو ينادي بصوت هادئ: -حنين، حنين دلف إلي الغرفة ليجدها تجلس أمام المرآة وتمشط خصلاتها برقة، اقترب منها محيطًا كتفيها، ثم اخرج شيكولاته من جيبه مشيرًا لها بصوت حاني: -الشيكولاه يا روحي انتصبت مسرعة وهي تلتقطها منه مهللة كالأطفال: -ميرسي اوووي يا احلى ميزو!
ثم قبلت وجنته قبلة خاطفة أشعلت عاطفته المزمومة نحوها، سحبها من ذراعها بنعومة ليجلس على الفراش ويجلسها على قدميه، فحاولت هي الإفلات من بين ذراعيه مغمغمة: -حمزة، حمزة اوعي بقا هاكل الشيكولاته هز رأسه نفيًا، وحاول أن يمزح متشبثًا بأنفاسه التي كادت تُزهق: -تؤتؤ، عاوزة تاكليها لوحدك يا طفسة، دي اخرتها! مدتها له ببراءة مرددة: -طب خد، اما نشوف مين اللي طفس!
ابتسم بخبث، ثم فتحها ببطئ ليخرجها، قطع منها جزء صغير جدًا، ليضعها على طرف شفتاها ابتسمت هي بحرج وكادت تأكلها كاملة، الا انه قاطعها عندما هز رأسه نافيًا وبصوت عابث همس: -كدة انا اعرف اخدها لم يعطها تلك الفرصة للإندهاش فاكتسح شفتاها يلتهم تلك الشيكولاته التي تلونت بطعم شفتاها بين شفتاه... كانت قبلته عميقة، متطلبة وناعمة تمامًا كسارق النسمات من حولك سرقت هي أنفاسه..
سرقتها كانت جناية، وهو أحب القضاه ليقتنص منها بطريقته الخاصة...! تحسست يداه ظهرها بطريقة مثيرة، فانتفضت هي تبتعد عنه وهي تقول من بين أنفاسها: -يخربيتك يا حمزة، سيبني في حالي بقا أنت مابتشبعش ولا بتزهق!؟ ضحك بخشونة على توترها الواضح، ليهز رأسه نفيًا وهو يقترب منها ببطئ خبيث: -تؤ تؤ، وهو حد بيشبع من الحلويات اللي معاه اصبحت ملتصقة في الحائط، فتابع هو وحروفه قد غُمست بنوعًا من المرح العابث:.
-لو معاكِ علبة شيكولاته، وادامك 24 ساعة، مش هتاكليها كلها؟! اومأت مؤكدة بحماس: -هاكلها طبعًا! -وانا عايز اكلها اهو يا حبيبتي وإنتِ اللي منعاني! قالها وهو يقترب أكثر منها، وكأنها بجملتها أطلقت النيران بين جوارحه النازفة بعشقها الذي بات كأدمان لا يستطع السيطرة عليه! هبط بشفتاه نحو رقبتها الظاهرة أسفل ذلك -البُرنس- حاولت السيطرة على تلك الرعشة التي إرتجف القلب منها!
وضعت يدها على صدره املاً في إبعاده، ولكنه قبض على يداها ليضمهم معًا، ويداه الاخرى تفتح رابطة ذلك البُرنس.. أغمضت عيناها بشدة، ليزيحه هو عنها بسرعة مُتشوقة وجائعة! ليمد يده أسفل قدماها ويحملها فجأةً ولم يقطع قبلاته المتفرقة... وضعها على الفراش ولكن ربما تألمت فزمجرت فيه: -ااه ضهري يا حمزة حرام عليك براحه! ابتسم هو بخبث قبل أن يستطرد بحنق مصطنع:.
-بتفصليني من اللحظة يا حبيبتي، كدة مينفعش على فكرة، أنا شاب أملك من العمر واحد وتلاتين سنة ونص ونفسي أفرح بعيل قبل ما اموت، الله دا مش أسلوب! رفعت حاجبها الأيسر وهي تقول من بين ضحكاتها: -تملك من العمر..! طب قوم يا حمزة قوم، عليا النعمة ما هتفرح بالعيل النهارده، اوعى كدة قومني ضحك هو الاخر بمرح حقيقي، صدح صوت ضحكاتهم سويًا ولأول مرة منذ زواجهم يشعر أنه بلا هموم!
أنه خالي كالزبد في البحر الهادئ بلا موجات... إلي حين إشعار اخر!
كان شعور مُهاب في تلك اللحظات أشبه لشعور مريض حُمى سكبوا عليه الثلج المتتالي فجأةً! ولكن تلك الثلوج تحولت مع مرور الثواني لنيران مشتعلة أحرقته داخليًا.. فركض كالثور نحوهم ليجذب سيلين من خصلاتها بقوة حتى صرخت متأوهه بألم، وكاد ذاك الرجل يركض الا انه جذبه من ملابسه ليضربه بعنف صارخًا: -انت مين يابن ال*! كان يكيل له اللكمات بكل الغل الذي تكور داخله كوحش يكشر عن انيابه الان..!
دفعه الرجل فترنج وكاد يسقط، فركض الرحل بأسرع ما يمتلك من قوى... ركض خلفه مُهاب الذي جن جنونه تقريبًا فركض عائدًا ل سيلين التي كانت تقف في الغرفة متجمدة.. صفعها مُهاب بقوة مزمجرًا بصوت عالي: -بتخونيني يا سيلين؟ بتخونيني انا يابنت الكلب كان صوته عاليًا جدًا فاجتمع على اثره الخدم بالمنزل، وبمقدمتهم المسؤلة التي تدخلت بتوتر تسأله: -في حاجة ولا أية يا مُهاب بيه؟
صرخ بها وهو ممسكًا بشعر سيلين التي كانت تبكي صارخة من الألم: -غوري في داهية ملكيش فيييييه انتفضت تحدق به برعب، لاول مرة تراه على تلك الحالة، اشارت للبقية ثم استداروا وغادروا بالفعل! بينما كان مُهاب يسدد لها الصفعات المتتالية حتى سقطت ارضًا وهي تهتف بوهن: -كفاية حرام عليك سبني بقا ضربها بقدمه في بطنها حتى صرخت من الألم فظل يصرخ بهيسترية: -بتخونيني في بيتي!؟ يابجاحتك يابنت الكلب يا * يا زباااااااالة!
كانت تهز رأسها نافية، لا تستوعب شيئ من حولها! تشعر انها في دنيا غير الدنيا... تسطحت على الأرض من كثرة ضرباته فهمست: -كفاية ابوس ايدك، مش قادرة! جذبها من شعرها فجأة ليجعلها تنهض بعنف، ثم سار نحو الخارج مسرعًا، هبط بها متجهًا نحو باب المنزل حتى فتحه وهي لا تتوقف عن نحيبها... رماها في الخارج مغمغمًا بازدراد: -بره يا قذرة، مشوفش وشك هنا تاني، وبكرة هكون مطلقك!
ثم صفع الباب بقوة، ليستند بظهره عليه وهو يشعر بتنفسه يضيق وبشدة... بينما في الخارج احتضنت هي نفسها بذراعيها وهي تهز رأسها باكية بجنون: -عملت اية، عملت اية،!؟!
بعد حوالي خمس أيام... وفي منزل أسر كان يتحدث في الهاتف مع حمزة الذي لم يستعب شيئ من حديثه: -مش فاهم بردو يا أسر، يعني مراتك مالها ومال حنين! صرخ فيه أسر بعصبية: -مش وقته يا حمزة، هات حنين وتعالى مطرح ما قولتلك وهتفهم بعدين بطل رغي بقا! تنهد حمزة موافقًا على مضض: -حاضر يا أسر حاضر، مسافة السكة -سلام -مع السلامة أغلق أسر الهاتف ليضعه في جيبه، ثم دلف الي الغرفة التي تقطن فيها لارا.
لارا التي رفضت وجود أي ممرضة تعتني بها فكانت توبخها حتى تعتذر عن العمل وتغادر..! وما يكبت غضبه أنها تقريبًا ليست بوعيها الكامل، تستيقظ لتصرخ فيه أن يبتعد عنها وتهذي بالكلام، ثم تسرقها غيبوبة النوم السريعة التي تنقذه من عذابه النفسي معها... وجدها كالعادة تنام على الفراش منكمشة في نفسها تحتضن بطنها وكأنها تخشى فقدان ما فُقد وانتهي الامر؟!
جلس لجوارها، مد يده يربت على شعرها بحنان، رغم ذبولة وجهها الا انها مازالت تحتفظ بلمسة سحر عميقة ترتكز داخل روحها... اقترب منها يطبع قبلة خفيفة على جبينها، وشوقه القاتل إليها كان يكبله من تلابيبه ليقتنص منها قبلة صغيرة، قبلة واحدة فقط يشعر فيها بملمس شفتاها الناعمة! وبالفعل اقترب ببطئ من ثغرها، ليلتهم شفتاها في قبلة قصيرة، قبلة مُشتاقة تغير زمنها للتو عندما شعر بملمس شفتاها التي كاد يموت شوقًا له...
استيقظت هي شاهقة بفزع، لتبعده بقوة صارخة بهيسترية: -ابعد عني أنت عايز مني أية تاني! هز رأسه نفيًا بسرعة وراح يبرر متوجسًا: -اهدي بس يا حبيبتي، اهدي يا لارا انا مش هقربلك انا كنت، آآ أنا ضمت ركبتيها لصدرها وصارت تبكي مغمغمة بصوت مبحوح: -سيبني في حالي بقا أنا مش عايزاك تاني قولتلك أنا بكرهك حاول الامساك بيدها وهو يهمس لها بحزن متألم: -بس أنا عايزك!
نفضت يده عنها، واصبحت الشهقات يهتز لها جسدها كله بعنف، وصوته يكاد يسمع رغم أنه من المفترض صراخ: -أنت مش عايزني، أنت عايز مجرد جسم ل متعتك زي ما قولت قبل كدة، حتى أبنك ماعتقتهوش! ثم صارت تبتسم بسخرية مُشققة وهي تهز رأسها: -بس تصدق عندك حق، لما فكرت فيها أكتشفت إن معاك حق، أزاي كنت عايزة أخلف من واحد اناني وحقير أوي كدة!؟ ابتلع تلك الغصة التي احكمت حلقه، ثم حاول النطق مبررًا:.
-لارا صدقيني أنا مش كدة، أنا كنت بحاول أبقى كدة عشان أبرر لنفسي واثبت إني مش بحبك ثم اقترب منها وهو يستطرد هامسًا: -بس اكتشفت إني مش هقدر أكمل من غيرك، أنتِ بقيتي روحي يا لارا هتفت من بين أسنانها بحقد: -وأنت بقيت أكتر واحد بكرهه يا أسر، أكتر واحد بستحقره في الدنيا دي حاولت النهوض رغم محاولته لمنعها وهو يزمجر بغضب مكتوم: -لارا اقعدي، اعقلي بقا هتروحي فين.
لم تعبئ له ونهضت بالفعل، استدار هو نحوها يقف امامها قبل أن تخرج، ولم يشعر بنفسه سوى وهو يصرخ فيها عاليًا بحدة: -أنتِ عايزة أييييية؟! عايزة أية وبتعاقبيني على أية! هو أنا اللي نزلت اللي ف بطنك؟!، ولا أنتِ بتحبي تعيشي دور المظلومة وانا القاسي القاتل ابن ستين جزمة! إنكمشت هي في نفسها بفزع، وقد أصابتها رجفة مرتعدة حاولت تخطيها وهي تجهر بسبه بقدر كل الغل الذي يعتمل داخلها تجاهه:.
-أنت واحد و*خ، هو خدوهم بالصوت لايغلبوكم ولا أية! أنا بعيش دور المظلومة سيبني في دوري وابعد عني بقاااااا رفع يده عاليًا وكاد يصفعها فأغمضت عيناها بفزع مرتعد بحق وقد إلتصقت بالحائط من خلفها وبدأت تبكي وهي تغمض عيناها وتخبأها بيدها.. اقترب منها فجأةً ليحتضنها ملتصقًا بها رغم محاولاتها في الابتعاد عنه...! رغم كل شيئ هو عصبي، عصبي بطبيعة أي رجل بل أشد.. ولكن امامها سيحاول التحكم في تلك العصبية بالطبع!
ضمها له بقوة وقد غمس وجهه عند رقبتها المغطاه بشعرها ليهمس لها بندم: -أنا أسف، حقك عليا، أنا آآ أسف بس مش بعرف أتحكم في عصبيتي ثم رفع وجهه لها يتابع بحرارة: -لارا أنا بحبك، والله العظيم حبيتك حبيتك أوووي! كانت تبكي بين أحضانه بغلب، الي ان سمع صوتها الواهن وهي تردد: -وأنا تعبانة، تعبانة أوي والله وحاسه إني جبت أخري خلاص رفع وجهها له برقة، ثم ملس على وجنتها بحنان مستطردًا:.
-أنا مش عايزك تحاولي فوق طاقتك، إنما ماتقفليش على نفسك باب الألم على طول! ثم تنحنح قائلاً بجدية هادئة: -حنين مرات حمزة صاحبي هتيجي معاه، يمكن لما تتكلموا مع بعض تهدي شوية لم ترد عليه ولم تكتم شهقاتها، سمع صوت الباب فتركها ببطئ ليتجه نحو الباب يفتحه ل حمزة الذي دلف وهو يهتف مرددًا بقلق: -في أية يا أسر؟ قلقتني يا راجل، تقعد كل دا ماتردش على تليفونك وحتى مش قاعد ف بيت ابوك، ويوم ما ترد ترعبني كدة.
أشار نحو الداخل وهو يقول بصوت أجش: -خش يا حمزة، خشي يا مدام حنين اتفضلي دلفوا جميعهم بالفعل بهدوء ليجلسا في الصالون.. تنهد أسر قبل أن يبدأ يشرح لهم باختصار ما مر خلال تلك الأيام، إلي ان قال: -عايزك يا حنين لو مش هيزعجك تقعدي تتكلمي معاها كأنك متعرفيش حاجة، هي مارضيتش تتكلم مع الدكتورة وبتقول انا مش مجنونة، فلما تتكلم مع شخص عادي مش هتحس إن دا عيب، هتبقى مجرد فضفضة لكن يمكن ترتاح شوية.
اومأت حنين موافقة بسرعة، ثم هتفت بشفقة تتساءل: -طب هي فين ادخلها؟ اشار لها نحو الغرفة لتنطلق بحماس نحو الداخل... بينما قال له حمزة بعتاب: -كدة يا أسر، منعرفش حاجة عن بعض غير في المناسبات والمصايب والتليفونات كل فين وفين، من امتى واحنا كدة؟! تنهد أسر محاولاً رسم ابتسامة سخيفة على ثغره: -الدنيا يا صاحبي، الدنيا دوامة مش أي حد بيعرف يدور معاها!
اومأ حمزة مؤكدًا، علاقته ب مُهاب الذي يعرف عنه معلومات سطحية او ب أسر لم تكن كذلك يومًا.. ولكن فعليًا الدنيا دائرة، دائرة تتعمق في رسمها لضياع الأقدار كل حين أكثر!
بينما في الداخل كانت حنين تحاول إقناع لارا التي تكورت اعلى الفراش صامتة: -والله العظيم انا ما دكتورة، لكن انا مخنوقة زيك ومش لاقيه حد افضفض معاه ثم اقتربت منها تشجعها بخفوت: -بصي يا لارا، أنا معرفش عنك حاجة وإنتِ كمان نفس الكلام، هتبقي حاجة كويسة لو كل واحد طلع اللي جواه لشخص ميعرفوش عشان مايحسش أنه متعري ادامه! نظرت لها لارا دقيقتان مفكرة، الي ان بدأت تتحدث بحروف متقطعة:.
-أنا اصلاً مش عارفه مالي بالظبط عشان أتكلم، أنا حاسه، آآ حاسه إني تايهه، مش عارفه أنا مخنوقة عشان معرفش عن امي حاجة، ولا ميتة بعد ما خسرت اول طفل كنت متأملة يفرحني، ولا زعلانة لإن جوازي كان غلطة والمفروض اصلحها، عارفه انا حاسه بأية؟ نظرت لها حنين باستفهام لتكمل ساخرة:.
-حاسه بالظبط زي اللي لسة طالع من خناقه، خناقه اتضرب فيها لما اتطحن، فلما جه يعالج جروحه مابقاش عارف انهي جرح اللي بيوجعه اكتر عشان يداويه! تأثرت حنين كثيرًا بعمق كلماتها الموجوعة، موجوعة كجسد تقطع من كثرة الصفعات اللاتي تشرخن فيه! كانت تنصت لها باهتمام وهي تفرغ ما بحوذتها من اختناق قاتل.. مر الوقت عليهم ولم يدريا طول الحديث الذي افرغ شحناتها السالبة...!
وصل حمزة وحنين الي منزل حنين الذي عادوا له منذ أيام قليلة.. ف باتت حنين تشعر بالانتماء وكأنها لا تشعر بالألفة سوى بالمكان الذي يحمل رائحة والدتها... دلفت الي المطبخ مباشرةً وهي تقول لحمزة بهدوء: -هدخل اعمل غدا بسرعة.. ولكنه امسك بها قبل أن تغادر ليهز رأسه نفيًا: -لالا انا مش جعان، انا عايز اتكلم معاكي شوية قبل ما اروح ل مهاب اومأت موافقة ثم جلست بجواره، ليتنهد هو مبتسمًا الي حدًا ما ويهتف:.
-مسألتنيش أنت رجعت مبسوط لية في اليوم اياه! ضيقت ما بين حاجبيها لتسأله: -يوم أية؟ غمز لها بطرف عينيه ليقترب من شفتاها هامسًا بنبرة عبث ذات مغزى: -يوم الشيكولاته، والاكل والطفاسة! ضحكت هي برقة واضعة يدها على صدره تومئ مؤكدة: -خلاص خلاص افتكرت انت ما بتصدق! ابتسم هو الاخر ثم قال فجأةً بصوت أجش متحمس ؛ -أنا افتكرت يا حنين، افتكرت اني ماقربتش منها! ثم طوق خصرها فجأة بيداه قبل أن يلتصق بها متابعًا:.
-أنا مالمستش غيرك يا روح الروح شهقت متأثرة وقد إحتلت الصدمة ملامحها البيضاء، ف راحت تستفسر بفضول: -ازاي مكنتش فاكر وازاي افتكرت فجأة طب؟ رفع كتفيه متنهدًا وقد تأكلته الحيرة: -مش عارف بس انا لما عصرت مخي افتكرت طشاشات كدة بس ماجتش فرصة اقولك وبيني وبينك مكنتش عايز افتح الموضوع دا تاني لحد مانلاقيها بس قولت لازم تعرفي بردو اومأت حنين موافقة بابتسامة واسعة، ثم صرخت بطفولية: -اخيرررررررا ظهر الحق!
كاد يقترب منها وهو يردد بضحك: -طب انا عايز اخد حلاوة الحق اللي ظهر بقا ضربته على صدره برقة خجولة، ثم نهضت وهي تخبره بجدية مصطنعة: -لا كفاياك حقوق بقا، قوم روح شوف صاحبك الله لا يسيئك يا حمزة صدح صوت ضحكاته الرجولية قبل أن يومئ وينهض مغادرًا بالفعل... بينما دلفت حنين الي الغرفة لتتسطح على الفراش متنهدة بارتياح..!
مرت فترة لا تدركها... استيقظت على يد تهزها برفق، فتحت عيناها الخضراء لتنتفض بفزع وهي تراه امامها.. نظرت له متساءلة برعب: -أحنا فين يا شريف وعايز مني أية! اتسعت ابتسامته، ثم اتجه نحو الشرفة ليزيح الستار... إتسعت حدقتاها صدمةً قبل أن تهمس بصوت مبهوت: -أحنا، أحنا ف أم امريكا! اقترب منها ببطئ وهو يهز رأسه مؤكدًا بثقة خبيثة: -بالظبط كدة يا حبيبتي، كويس إنك عرفتي وماتعبتنيش معاكِ.
صرخت فيه مصعوقة وحاولت النهوض ولكن وجدت نفسها مكبلة فصرخت تهز نفسها بعصبية مفرطة: -أنت عايز مني اية يا حقيير، أنت ازبل واحد شوفته ف حياتي، غور بعيد عني وسيبني بقاا وضع اصبعه على شفتاها هامسًا بحزم مصطنع: -اشششش، هي في واحدة تقول لجوزها كدة برضه يا حنونه؟! لا شكلك نسيتي الأصول كدة ازعل منك!