أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

المنتدى للقرائه فقط -- للمشاركه انتقل الى منتديات جنتنا الجديده -forums.janatna.com





رواية جلاب الهوى

غريبة هي في أرض عجيبة يسودها الجهل و يحكمها العرف و تطبق على أنفاسها التقاليد البالية تحاول تحقيق هدف ما و رغم توافقه مع ..



11-01-2022 01:21 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [4]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية جلاب الهوى
رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس
بعنوان ( يا مراكبي )

دقات خجلى على باب غرفته انتبه لها وهو يختم صلاته لينهض متوجها ليفتح الباب بشكل مفاجئ ينبئ ان ثورة غضبه لم تخب جزوتها ..
انتفضت مع انفراجة الباب بذلك الشكل العنيف لكنها رغم عن ذلك تماسكت هامسة على استحياء:- على فكرة انا جهزت العشا على الطربيزة بره لو انت جعان ..
وقف قبالتها للحظات ساهما و أخيرا أومأ برأسه ان نعم .. فهو كذلك بالفعل و كيف لا فهو بالفعل يتضور جوعا فهو لم يتناول إفطاره و جاء الغذاء فكان طعمه لا يُوصف..

تنحت جانبا لتدعه يمر حيث وضعت الاطباق ليجلس وتلحق به و هي تأتي بأخر الاطباق من المطبخ لتضعه في منتصف المائدة ..
جلس ينظر بتعجب للطعام .. فهو نفسه الذى كان موضوعا على طاولة الغذاء ولم يستطع احد منهما تناوله لسوء طعمه ..
تنهد في حسرة و بدأ في تناول الطعام بلا شهية .. لكن ما ان وضع أولى اللقيمات بفمه حتى اختلف الامر بمجمله .. نظر اليها في تعجب هاتفا:- انتِ عملتي ايه ف الأكل ده عشان يبقى حلو كده ..!؟..

ابتسمت في خجل هامسة:- شوية تعديلات .. خبرة ستات مش اكتر..
بدأ يأكل في شهية واضحة فالجوع قد بلغ منه مبلغا حد المجاعة .. ابتسمت هي عندما طالعت تبدل ملامحه بهذا الشكل السريع .. من ملامح غاضبة ثائرة .. لملامح طفل وديع وجد ضالته في طعام يشتهيه منذ زمن .. او قطعة حلوى ادخر ثمنها ليبتاعها و يتذوقها الان في شوق و خاصة و هو يهمهم الان بإستمتاع مع كل قضمة..

تناولت طعامها محاولة تجنب النظر اليه من جديد و هي تتذكر ذاك الشاب الذى وطأ ارض نجعهم البعيدة ليصبح حديث بنات النجع بأكمله .. لم يكن الامر يتعلق بوسامته الرجولية بل الامر كان يتعدى ذلك .. فلم يكن هو اول ولا اخر المهندسين الذين عينوا عندهم .. لكنه كان الأطهر يدا و الأنقى سريرة .. و الأرفع اخلاقا ..

انهى طعامه ليلقى بظهره على ظهر مقعده و هو يتنهد في راحة شاعرا بالامتلاء .. ابتسمت رغما عنها و هي تراه على تلك الحالة من الاسترخاء و التي حركت رغما عنها مشاعر عجيبة ليضطرب داخلها فجأة حتى انها نهضت فجأة و بلا وعى هربا من تلك الأحاسيس حاملة الاطباق في تعجل فكادت تسقطها ليتلقفهم عنها في سرعة ..
نظر اليها وهو يهم بالنهوض حاملا الاطباق عنها للمطبخ هاتفا بمرح:- انت طبختى و انا عليا الشاي ..

أمسكت عنه الاطباق لتضعهم جانبا هامسة في اضطراب و كأنما تدفع نفسها دفعا للتحدث قبل ان تخونها شجاعتها:- ممكن تجعد.. عايزة أجولك كلمتين ..
جلس في هدوء و ترقب منصتا لها .. تنحنحت هي و هي تدفع الكلام دفعا لحلقها و تفرك كفيها معا باضطراب لاحظه هو على الفور و أشفق عليها:- انا .. انا عايزة اجولك انا آسفة .. انا فكرت ف الكلام اللي جولتهولى .. والصراحة لجيت ان عندك حج فيه.. انا كنت انانية و مش واعية الا لحالى و بس .. احنا ف نفس المركب و يا نغرج سوا .. يا نجدر نعدى الموضوع سوا ذي ما جلت .. و انا اخترت اننا ننچح و نعديه...

رفعت رأسها أخيرا في خجل لتطالعها ابتسامته التي أضاءت وجهه الأسمر الوسيم القسمات فيتحرك شيء ما هناك بجوار معدتها مضطرباً فتشيح بوجهها عنه وهي اكثر اضطراباً ..
وقف هو في اعتدال و مد كفه هاتفا بلهجة مرحة:- اتفقنا ..

نهضت من مكانها في تردد تنظر لكفه الممدودة .. لتمد كفها اليها مصافحة .. تصافحا و ما ان جذب كفه من كفها حتى تذكر انه مازال ملوثا ببقايا الطعام التى سقطت على كفه من تلك الاطباق التي لحقها قبل سقوطها أرضا ..
نظر اليها مبتسما و هو يرفع كفه ليشمها و هتف مازحا:- اتفاق بصلصة البامية محصلش ..

انفجرت ضاحكة رغما عنها لمزاحه ليتطلع اليها في تعجب و قد رأى في تلك اللحظة ناهد أخرى تماما .. ناهد التي كان يسمع عن حسنها و دلالها من حكايا الفلاحين و همساتهم وهو يباشر ري أراضيهم و كأنها احدى الأميرات التي كانت تعيش في ذاك البيت الكبير على تلك التلة البعيدة .. و لم يكن ليجرؤ احدهم على التطلع حتى لنافذة حجرتها .. او حتى يدنو من سُوَر حديقتها .. فهو مفقود .. مفقود كما وصفه نزار في احدى قصائده..

تنبه لتطلعه فيها بهذا الشكل المطول و تنبه اكثر لتوترها و هي تقف هكذا في اضطراب لا تعرف ما عليها فعله .. حتى كان هو الأسبق ليهتف مندفعا للداخل:- تصبحي على خير ..

تعجبت .. فها هو اليوم الثالث يمر دون ان تأتيها المريضات كالعادة .. و يمر النهار دون ان يلوح بالافق ظل إحداهن يقترب من المندرة .. او حتى تطرق واحدة من النساء اللائى يأتين مستترات رغبة في عدم معرفة امر ترددهن عليها باب غرفة الكشف طلبا لاستشارة ما ..
لم تكتم تعجبها بل افضت به في استغراب واضح للخالة وسيلة و كلتاهما تغدو و تروح من و الى المطبخ حاملات أطباق الغذاء الى الطاولة المعدة لتناوله حالما يصل عفيف ..

لتهتف دلال:- هي الستات راحت فين يا خالة وسيلة ..!؟.. دوول مكنوش بيبطلوا روح و جي على أوضة الكشف .. !؟..
هزت الخالة وسيلة رأسها نافية معرفتها بالسبب هاتفة:- و الله علمي علمك يا بتي .. هيكون راحوا فين يعني ..!؟.. يمكن چاهم الشفا على يدك ..
تسألت دلال:- طب و الستات الحوامل اللي بتابعهم .. و اللى مواعيد زيارتهم ليا كانت المفروض تبقى الأيام دي راحوا فين هما كمان..!؟..
ثم استطردت دلال مقترحة:- انا بفكر اروح لهم بيوتهم بنفسي .. ايه رأيك يا خالة ..!؟ .. أروح ..

هنا هتف ذاك الصوت الذى يزلزل كيانها كليا و يخلق جو من الرهبة و الرغبة يتنازعان بلا هوادة بأعماق روحها:- لا هتروحي .. و لا هم هاياچوا ..
استدارت بكليتها لمواجهته محاولة وأد شعورها المتنامي داخلها بالاضطراب لمرأه هاتفة و هي تحاول السيطرة على نبرات صوتها المرتعشة:- معلش يا عفيف بيه ..تقصد ايه بلا انا هروح .. و لا هما هيبجوا ..!؟..

هم بأن يوضح لها مقصده و هو ينثر رزار المطر من على عباءته الصوفية السوداء .. الا انها استبقت الاحداث كعادتها مبتسمة في ثقة و هي تتطلع للجو بالخارج:- اه .. حضرتك اكيد قصدك علشان المطر و الجو صعب شوية .. لا انا هقدر اروح لهم ولا اكيد واحدة قدرت تخرج من بيتها عشان تيجى للكشف في الجو ده .. مش كده..!؟..
خلع عباءته ووضعها جانبا و اتجه لطاولة الغذاء يتسيدها كالعادة و يهم بتناول الطعام في لامبالاة هاتفا:- لااه .. مش كِده يا داكتورة ..

جلست على مقعدها المعتاد على الطاولة دون ان تمس الطعام ناظرة اليه مستفهمة ليتجاهلها تماما مستمتعا بطعامه و كأنها لا تجلس قبالته تتحرق لمعرفة السبب الذي يدعي العلم به بكل لهفة .. اللعنة عليه .. هتفت بنفسها ساخطة وودت لو تقلب المائدة بِما عليها فوق رأسه المعممة لعلها تشفي بعض من غليلها وتطفئ نار الغضب المستعرة الان بداخلها كالجحيم ..

باغتها متسائلا ليقلب هو طاولة افكارها رأسا على عقب:- مجلتليش يا داكتورة .. هي ايه حكاية الخيار والطماطم اللي دايرين يجولوها ف النچع دي ..!؟.
امتقع لونها و اضطربت بشكل واضح و حارت أين توجه أنظارها بعيدا عن نظراته المسيطرة التي تكبل نظراتها بقيود حديدية لا تستطيع منها فكاكاً ..
همست عندما استطاعت إيجاد صوتها:- ابدا .. دي حكاية كنت بحاول اقرب بيها فكرة ان الراجل هو المسؤول عن تحديد نوع الجنين ..طبعا بعد إرادة ربنا سبحانه و تعالى..

هتف أمراً:- عايز اسمعها الحكاية دي ..
هتفت مراوغة:- ما انت اكيد سمعتها من اهل النجع .. مش بتقول دايرين يحكوها !؟..
اكد فى اصرار:- عايز اسمعها منيكِ يا داكتورة !؟..
تلعثمت حروفها و هي تشرح له ببساطة ما أخبرت به النساء .. ليصمت للحظات ثم ينفجر ضاحكا بشكل مفاجئ أفزعها و جعلها تجفل منتفضة موضعها ..

و أخيرا هدأت نوبة ضحكه ليهتف:- فكرة حلوة يا داكتورة .. لكن ملامح وجهه انقلبت بشكل مفاجئ هاتفا في لهجة ساخرة:-بس تفتكري كان دِه وجتها يا داكتورة جبل ما تكسبى الحريم لصفك !؟.. اكيد الجضية خسرانة ..

هتفت مستفسرة:- مش فاهمة حضرتك تقصد ايه ..!؟.. انا كنت بوعيهم بحقايق علمية مش كلام من تأليفي ..
هتف بلهجة قاسية:- الحجايج اللى بتتكلمى عنيها دِى خلت الرچالة تمنع حريمها انها تاجيكي .. كل واحد جال لمرته لما سمعها بتكرر حجايجك العلمية .. متروحيش للداكتورة الخرفانة دِي تاني ..
هتفت في اعتراض مصعوقة:- خرفانة ..!؟
أكد ساخرا:- دي الرچالة اللي بتجول ..

ساد الصمت للحظات شعر انه اثقل عليها بنقده فتنهد وتحولت نبرته للهدوء هاتفا:- انا عارف يا داكتورة انك بتحاولي تساعدي .. كتر خيرك .. بس هنا .. ف جلب الصعيد و ف نچع بعيد بحضن الچبل .. مش من الساهل ان الناس تصدج اى كلام يتجال لهم و لو كانوا شايفين انه حجيجى ذي الشمس ما هي فوجهم حارجة روسهم و بالخصوص لو بيخالف عادة اتربوا عليها وورثوها من چدود الچدود .. و كمان بتمس كرامتهم كرچالة .. اهى دي بجى بالذات .. حطي تحتيها مليون خط…

نظرت له و كأنها تراه للمرة الأولى وكأنها تستوعب ان هذا الرجل الواقف هناك يمتلك عقلية تختلف تماما عن تلك العقلية المتحجرة التي ظنت طويلا انه يمتلكها .. من يتكلم الان رجل واع على قدر عال من المعرفة و قادر تماما على فهم طبيعة أهله و عشيرته التي يتزعمها ..
أخرجت نفسها من بين براثن افكارها التي كانت تتمحور حوله و كادت تلتهم جل انتباهها لتهتف معترضة:- يعني معنى كده ايه..!؟.. نسيبهم بقى فالجهل ده تسيطر عليهم الموروثات القديمة!؟... و لا نقدم لهم الصح و اللي بيقوله العلم حتى و لو كان صادم ف البداية ..!؟..

أكد بهدوء واثق:- طبعا منسبش الچهل يسيطر .. لكن نختار الطريجة الصح اللي تناسب عجولهم عشان توصل لهم المعلومة وتترسخ عنديهم بالتدريچ لحد ما تبجى من ثوابتهم ..
همت بالتساؤل من جديد .. ليقاطعها دخول مناع المفاجئ و ثيابه تقطر ماء من جراء المطر بالخارج هاتفا في لهفة و اعتذار:- اني أسف يا عفيف بيه انى دخلت هاچم كِده .. بس مرتى باينها بتولد و محتاچين الداكتورة ضروري ..

هتف عفيف متعاطفا:- و لا يهمك يا مناع .. ارچع انت لمرتك و انا هجيب الداكتورة و احصلك ..
هتف مناع متعجبا:- حضرتك بذات نفسك هاتاچى .. !..
هتف عفيف:- وااه .. اومال اسيب الداكتورة تاجى لحالها و ف الچو الواعر دِه .. !؟.. روح ياللاه لمرتك و احنا وراك على بال ما تچهز الداكتورة حالها و نحصلوك...
هتف مناع ممتناً و هو يندفع للخارج من جديد:- ربنا يبارك لك يا عفيف بيه ..

لم تكن دلال تحتاج لأى توجيه من اى نوع فما ان سمعت ان سعدية على وشك الوضع حتى نهضت متأهبة و ما ان انتهى مناع من حديثه مع عفيف حتى اندفعت هي للمطبخ الكبير عابرة خلاله للمندرة و منها اعتلت الدرج لتجهز امرها فها هي الان في اختبار حقيقى امام الجميع لتثبت لهم ان العلم سينتصر فى النهاية ..

لازال المطر يهطل بغزارة و هي تندفع لخارج المندرة ليطالعها عفيف هاتفا:- چاهزة يا داكتورة .!؟ خدتي كل اللى ممكن تحتاچيه ..!؟..
اكدت بايماءة من رأسها و هي تجذب سترتها الثقيلة على جسدها عندما ضربها الهواء البارد و هي تغادر للخارج من الباب الخلفي لتسير بجانبه .. توقعت ان بيت مناع لا يبعد كثرا عن تلك التلة المرتفعة المقام عليها البيت الكبير موازيا للجبل الغربي لكنها كانت مخطئة عندما أشار لها عفيف لتركب تلك الكارتة التي تجرها الأحصنة و التي كانت مظلتها مشرعة كقبة يحتميان تحتها و تقيهما المطر ..

كيف يمكنها التصرف الان .. هي لم تأتي الى هنا الا بأحذيتها المعتادة والتي تتميز بكعوبها العالية نوعا ما بجانب ان مسند القدم لتلك العربة عال عن المعتاد ..
همست ساخرة فى نفسها:-لازم يكون عالى .. عشان يناسب طول صاحب العربية .. لكن الاقزام اللي زيي اخرهم يتعلقوا ورا الكارتة ..
شعر هو بحيرتها و ما كان الوقت متاح للمزيد من التساؤل و الحديث لذا صعد هو من الجانب الاخر و ووقف في منتصف العربة و انحني فجأة مادا كفه لها هامسا:- هاتي يدك يا داكتورة ..

هتفت في ذعر وهى تضم كفها لصدرها:- ليه ..!؟..
كاد ينفجر ضاحكا لولا بعض من ثبات جعله يؤد ضحكاته هاتفا:- عشان تطلعي الكارتة .. تفتكرى ليه يعني ..!؟.. لو تعرفي تطلعي لحالك ماااشي .. بس هِمى عشان اتأخرنا على مناع ..

ترددت في مد كفها و لكن أخيرا حزمت امرها و دفعت بكفها لأحضان كفه الممدودة امام وجهها وكأنه يطلب منها قراءة طالعها ..
لحظة .. كما هو الحال بينهما دوما.. لحظة ووجدت نفسها مدفوعة بقوة الى داخل العربة تجاوره كتفا بكتف في محيط العربة الضيق .. هتف هو لسائق الكارتة بالتحرك .. كان هذا كثيرا على أعصابها و قوة احتمالها مما دفعها لتهتف متسائلة بعد عدة دقائق:- لسه فاضل كتير عشان نوصل لبيت مناع ..!؟..
هز رأسه نافيا و هو يقول:- لاااه خلاص .. ادينا وصلنا للمعدية ..
هتفت في صدمة:- معدية ..!؟.. معدية ايه ..!؟..

لم يجبها و لكنه أوقف العربة ليأمر سائقها الا يغادر موقعه مهما طال غيابهما .. و استدار ليساعدها في النزول لكنها كانت الأسرع لتعتمد على نفسها و تنزل بمفردها هذه المرة و حذاءها يعاندها بكعبه العالي ..
كان قد وصل عندها يمد كفه لمساعدتها عندما وجدها بالفعل تخرج من العربة بلا حاجة لمساعدته ابتسم لعنادها و بالفعل انزلت قدمها الأولى لتلامس الأرض و كادت تتبعها بالثانية في نجاح الا ان ذاك الكعب الاحمق علق بمسند القدم لتتعرقل و تندفع للأمام و هي تمني نفسها بسقوط مدو في وسط كل ذاك الوحل الذى ملأ الأرض بفعل الأمطار ..

لكن كان هو الأسبق ليلحق بها .. و تسقط أيضا لكن هذه المرة بين احضانه .. يحيطها بذراعيه ..
لماذا لا تسير أمورها بشكل جيد و سليم ..!؟.. لماذا في وجوده تحدث كل كوارثها التي تبدو و كأنها تقيم معه معاهدة ظهور في حضرته !؟.. اللعنة .. همست وهى تعتدل بعد ان خلصت قدمها المتعلقة .. و كان دوره ليهمس بذاك الصوت الذى أصبحت تميزه ظاهرا جليا في بعض الأحيان يحمل نبرات متحشرجة مرتبكة على غير عادته مع اهتزاز واضح بتفاحة ادم العالقة كمصيرها بمنتصف حلقه:- اتفضلي يا داكتورة ..

أشار للمعدية التي ما كانت سوى قارب خشبي صغير سيحملهما للضفة الأخرى من ذاك المجرى المائى الصغير الاتساع ..
كان التحرك بحذاءها كارثي فقد كان كعبه يغوص في الوحل متى تحركت و أخيرا تنفست الصعداء عندما وصلت القارب .. مر عفيف لداخل القارب و مد كفه التي لم تستطع ان ترفضها في حالة كهذه.. كانت المرة الثانية في الدقائق الماضية التي تتلاقى فيها أكفهما .. وكادت تقسم ان لو للاكف حديث فإنها قد سمعته بين كفيهما الان ..كفه يهمس لكفها بعد لقاءه الأول .. مرحبا مرة أخرى .. وداعا لعلنا نلتقى قريبا من جديد ..

صعدا للمركب .. ليبدأ صاحبها المركبي في دفعها لتخوض الماء قليلا و أخيرا يدفع بنفسه داخلها .. ليقف و معه عصاه التي تزيد طولا عن عمق المجرى المائى فيدفع بها لأعماقه حتى تدفع المركب للأمام.. كان يفعل ذلك بسلاسة و يسر أذهلها وهي تراقبه في تعجب و لا تدرك ان هناك عيون تتفحصها و هي تبتسم في هدوء لتلك النظرات المغلفة بالدهشة التي تطل من عينيها السمراء .. و بدأ ذاك المركبي في الغناء بصوت شجى اخذها لبعد اخر تطلعت حولها في عدم تصديق شاعرة انها تدخل عالم مواز ما كانت لتدركه ولا بعين خيالها .. مركب و معدية و نهر وجبل شامخ و امطار .. و عفيف ..

وقعت عيناها عليه في تلك اللحظة لترتعش رغما عنها و تجذب الي جسدها سترتها الصوفية .. فلقد وجدته لا يحيد بنظراته عنها و كأنه شارد فيها و لم يدرك انها انتبهت لذلك .. او ادرك ولم يبال كعادته..
حادت بناظريها عنه تجاه المركبي وبدأت في الاستماع لغنائه الذى حاولت ان تستوضح معنى كلماته:-

فَرَطت جلعِي ما چانيش ريح
وعاودت ع البَر ناوي
ياما ناس زيِّنا مچاريح
لكين صابرة ع البلاوي
إوعى تجول للنـدل يا عـم
وان كان ع السرچ راكب
ولا حد خالي من الهم
حتى جلوع المـراكب..

وصولوا أخيرا للبر الاخر ليتبادل اكفهما الحديث اللحظي مرة أخرى و هو يساعدها على النزول من المركب و منه الى بيت مناع الذي لم يبعد عن شاطئ النهر كثيرا لكن السير بحذاءها ذاك كان أشبه بالخوض في بقعة زيت كبيرة و انت ترتدى حذاءً زلقاً..
ألتقطت أنفاسها أخيرا و تنفست الصعداء عندما وصلت لدار مناع المكونة من طابقين ..

ما ان رأهما مناع قادمين حتى هلل في لهفة مندفعا إليهما يحمل عن عفيف حقيبة دلال و التي اصر على حملها عنها و كم شكرت له ذلك وسط تلك الأجواء الموحلة التي كانت تسير فيها و كأنها تضع خطواتها على قشور من البيض مخافة كسرها ..
اندفع مناع لداخل الدار مصطحبا معه دلال يرشدها لغرفة زوجه التي كانت صرخاتها المتوجعة كفيلة بمعرفة مكانها دون الحاجة لإرشاد وعاد سريعا لعفيف الذى وقف ينتظر عودته المضطربة هاتفا:- متأخذنيش يا عفيف بيه .. اتفضل .. و الله دِه اني حصل لي البركة بمچية چنابك ..
دخل عفيف احدى الغرف الجانبية والتي كانت معدة مسبقا لاستقبال الضيوف ..

جلس في هدوء هاتفا في مناع:- روح شوف الأحوال و اعتبر اني مش موچود و ربنا يجومهالك بالسلامة ..
هتف مناع معترضا:- كيف يعنى!؟.. يبجى عفيف بيه النعمانى بداري و انب اعمل حالي كنه مش موچود .. و الله الليلة كنها ليلة عيد بتشريفك يا بيه ..
ابتسم عفيف لمحبة مناع الصادقة و التي تقطر من كلماته ليهتف به امرا:- طب روح شوفهم يكونوا عاوزين حاچة متجعدليش كِده .. و انى لو عوزت حاچة هنادم عليك ..
نفذ مناع الامر كما اعتاد دوما و اندفع خارج الحجرة متوجها لغرفة زوجه و التي علت صرخاتها حتى شقت عنان السماء ليقف متضرعا و هو يسأل دلال التي خرجت من الحجرة في تلك اللحظة باحثة عن احدى معداتها داخل الحقيبة التي تركها مناع بالخارج ليهتف بها الاخير:- مش خير برضك يا داكتورة و لا ايه ..!؟.. طمنينى ربنا يريح جلبك .. دي شكلها تعبان جووى..

اكدت دلال في لهجة حاولت ان تداري بها قلقها من صعوبة حالة سعدية:- اهدى يا مناع .. كله بأمر ربك .. قادر يقومها بالسلامة باذنه..
هتف مناع في جزع:- يبجى حالتها واعرة كيف ما انى واعيلها ..
لم ينتظر منها جوابا بل ترك المكان كله وولى مندفعا للأسفل حيث غرفة عفيف الذى زم ما بين حاجبيه ما ان طالعه وجه مناع الغائم فهتف مستفسرًا:- خير يا واد .. ايه في ..!؟..

تحشرج صوت مناع:- الحالة صعبة يا عفيف بيه .. وعيت لكلام الداكتورة .. ميطمنش .. يا رب ألطف بيا و بيها يا رب ..
نهض عفيف مشرفا عليه بقامته و مناع جالسا ارضا يضع رأسه بين كفيه في استسلام و ربت على كتفه في مؤازرة هاتفا:- واااه ..ما تچمد امال .. هتجوم بالسلامة .. بس جول يا رب ..

هتف مناع من أعماقه متضرعا:- ياارب .. يااارب يا عفيف بيه .. دى لو چرالها حاچة اروح وراها ..
تطلع اليه عفيف .. كانت كلمات مناع تحمل معان ما كان عفيف يدركها و لم يكن يعتقد انها موجودة من الأساس .. دوما قلبه ملكه هو لا سبيل ليهبه لاى من كانت .. و كان يتعجب من أقوال البعض عن العشق و الهوى .. و كم قرأ من روايات تصف تلك الحالة المبهمة التي ما وعاها قلبه يوما .. لكن لما يستشعر الان و في تلك اللحظة ان كلمات مناع ما عادت غريبة على إدراكه و ان قلبه بدأ يتفهمها .. و انه بدأ يفك شفراتها الغامضة ..

أصوات زغاريد منطلقة أخرجته من شروده و جعلت مناع ينتفض مندفعا باتجاهها غير مصدق ما تنبئ به .. وصل لباب الغرفة التي تحوي زوجته يتطلع بأعين زائغة منتظرا البشارة لتعاجله امه هاتفة في سعادة تكاد تقفز فرحا:- ألف مبروك يا ولدي .. واد ذي البدر الله اكبر ..
واعادت إطلاق زغاريدها المدوية من جديد و قد وضعت الوليد بين ذراعىّ والده الذى اغرورقت عيناه بالدموع و هو يضمه لأحضانه .. و في غمرة سعادته هتف في جزع:- و سعدية ياما .. زينة .. !؟..

هتفت امه تطمئنه:- زينة يا ولدي وذي الفل .. الداكتورة ماشاء الله عليها .. لولاها ما كنّا عارفين ايه اللى كان هيُحصل ..
كانت دلال لازالت بالداخل ترعى سعدية و لم تنته بعد .. مما دفع مناع لينزل الى عفيف حاملا ولده في فرحة غامرة ليضعه بين ذراعيه .. تناوله عفيف في حذّر ناظرا اليه في سعادة .. لكم تمنى ان يحمل أطفال ناهد و من بعدهم اطفاله .. لكم يعشق الصغار وهم بتلك البراءة والنقاء ..
انحنى في وجل يقبل جبين الطفل في حنو و همس لمناع حتى لا يوقظه:- نويت تسميه ايه باذن الله!؟..
اندفع مناع هاتفا في حماسة:- هسميه عفيف ... بعد إذن جنابك طبعا ..

قهقه عفيف في سعادة و هو يعاود النظر للطفل بين ذراعيه هاتفا في فخر وهو يخرج مبلغا ماليا كبيرا من جيب جلبابه ليضعه بداخل غطاء الطفل وهو يعيد الوليد بين يدىّ والده من جديد:- مبروك ما چالك يا مناع .. يچعله الولد الصالح يا بوعفيف ..
انتشى مناع من اللقب الجديد و رغم ذلك هتف معترضا:- ده كَتير جووى يا عفيف بيه دِه كفاية مچيتك.. ربنا يخليك لينا و يبارك لنا ف عمرك ..
هتف عفيف في هدوء و هو يربت على كتف مناع:- لا كَتير ولا حاچة .. و بعدين هو عشانك .. دِه عشان عفيف الصغير ..

كانت تقف على عتبة الباب منذ لحظات .. أنهت مهمتها بالأعلى و اطمأنت ان حالة سعدية مستقرة و هبطت الدرج لتستعد للرحيل .. ليطالعها ذاك المشهد الذى غزا قلبها بشكل عجيب .. مظهره الغير معتاد و هو يحمل طفل مناع جعل ضربات قلبها تتضاعف بسرعة صاروخية و ملامح وجهه تلك التي كانت تحمل كم غير طبيعى من الحنو والرأفة جعلت روحها تئن مترنحة تكاد تسقط صريعة لتلك الأحاسيس التي اثارتها تلك الملامح..
كم وجه يملك ذاك الرجل ..!؟.. يكاد يدفعها للجنون بحق و هي ترى أوجه عديدة كلها اغرب و اكثر تناقضا من ان تجتمع في شخص واحد .. رجل واحد .. اسمه عفيف النعمانى ..

لم تعد قادرة على البقاء اكثر مكانها وترك الحبل على غاربه لأفكارها و مشاعرها الفوضوية اللامسماه تجاه ذاك الرجل لذا اندفعت داخل الغرفة ترسم ابتسامة بلهاء على شفتيها هاتفة بصوت ليس لها:- مبروك يا مناع .. و حمدالله على سلامة سعدية .. يتربي في عزك ..
هتف مناع في امتنان:- البركة فيكِ يا داكتورة .. و الله ما عارف اجول ايه ..!؟.. و لا اوفيكِ حجك كيف!؟..

اتسعت ابتسامتها و هي تكاد لا تقف على قدميها من شدة الإرهاق:- متقلش حاجة يا مناع .. انا معملتش حاجة بجد.. ده فضل ربك ..
واتجهت برأسها لتنظر للطفل النائم بوداعة بين ذراعىّ ابيه لتمد كفيها تحمله في شوق .. و تساءلت في جوف أعماقها هل سيمن عليها الله يوما لتحمل اطفالها كما تحمل أطفال الغير بتلك المحبة ..

استأذن مناع في عجالة و خرج من الغرفة مندفعا ليتركها تتفقد الطفل في حنو بالغ و قد نسيت تماما انه يقف يتابع بنظراته المتفحصة كيف تقف مأخوذة كليا بالعفيف الصغير و تأوّهاته المحببة .. و التي دفعت الابتسامة لشفتيها و دموع الفرحة لمآقيها ..
همسه ايقظها من سبات أحلامها الوردية و هو يقترب منها قائلا:- شكلك تعبتي يا داكتورة .. مش نرچعوا بجى ..!؟.. و لا لسه في حاچة جدامك هنا ..!؟..
ما ان همت باجابته حتى انتفضت في ذعر تلتصق به و هي تضم عفيف الصغير بينهما ..

صوت الطلقات النارية الحية التي كان يطلقها مناع بالخارج فرحة بميلاد طفله جعلتها تنتفض ولم يكن بمقدورها ان تأت بأي رد فعل ممكن و خاصة و الطفل بين ذراعيها ..فانكمشت على نفسها و هي تغلق عيونها بقوة ..

كان من العجيب ان تشعر فجأة ان صدى الطلقات قد خفت و بدأت في الاسترخاء رويدا .. رويدا .. و فتحت عيونها تدريجيا لتصطدم بعينيه المتطلعة اليها و كفيه اللتان أحاطتا بجانبي وجهها ضاغطة قليلا على اذنيها فوق حجابها بشكل لم تستشعره لضغطها على أسنانها جزعا.. فاصلة إياها عن عالم الأصوات الخارجية ..

تطلعت الى عمق عيناه التي لا تستطيع ان تحيد بنظراتها بعيدا عنهما .. فضولها يقتلها لتفسر مغزى تلك النظرات التي ما عادت قادرة على تحمل ألغازهما اكثر من هذا .. لكن فجأة انقطع الوصل كما بدأ عندما دخل مناع هاتفا في سعادة فاقت الحد و هو يتناول ولده من بين ذراعيها ناظرا إليهما في امتنان:- عجبال ما نشيل عيالكم وتفرحوا بيهم ..

لم تعد تستطيع ان تنتظر لحظة واحدة امام سيل النظرات التي غمرها من تلك العيون الفحمية و خاصة بعد كلمات مناع الأخيرة ..
اندفعت في عجالة خارج الدار ليندفع عفيف لاحقا بها .. و هو يجذب الحقيبة التي تناولتها في طريق خروجها ليحملها عنها ..
وقفت لترتدى حذاءها الموحل و الذى خلعته تأدبا على عتبات الدار لتتوقف قبل ان تدس قدمها به لهتافه و هو ينحنى جاذبا الحذاء ليكسر كعبه في سهولة و كأنه ينتزع قشة عالقة بثيابه ..

وضع الحذاء أرضا بعد ان انهى مهمته لينظر اليها مؤكدا:- كِده هيريحك ف المشى ف الوحل دِه على طول الطريج للمعدية ..
دست قدميها في الحذاء بضيق و هي لا تصدق انه فعل ذلك بحذاءها الغالي الجديد و الذى اشترته مضحية بمرتب شهر كامل .. اللعنة عليه .. و على الأمطار و الوحل ..و على سيطرته الخانقة ..

استطاعت الوصول للمعدية و دخولها بسلام دون الحاجة لمعاونته .. و الحق يقال .. كان لديه كل الحق في خلع كعبىّ الحذاء و الذي اصبح المشى به اسهل كثيرا و ايسر مما مضى ..
عاودت الأمطار الهطول من جديد بعد ان توقفت لفترة .. لتشعر بالبرد و الماء يتخلل عظامها .. و تنبهت أخيرا انها قد نسيت سترتها الثقيلة التي خلعتها ما ان دخلت لسعدية الحجرة و أصبحت بحاجة للحركة بدون قيدها المحكم على جسدها ..

تنبه عفيف لارتجافاتها ليهتف حانقا:- فين الچاكت بتاعك ..!؟..
اكدت في خجل كطفلة يؤنبها ابوها:- قلعته في بيت مناع و نسيته..
زمجر في غضب ليتحرك بحذر داخل المعدية التي كانت تتمايل بعنف في تلك اللحظة حتى وصل اليها ليلقي عليها عباءته الصوفية و يعود ليجلس موضعه من جديد حتى يستقيم اتزان المركب ..

أغمضت عيناها و هي تشعر ان دفء عباءته وحده كان قادرًا على حمايتها بهذا الشكل الرائع ..
أحاسيس عجيبة تسربت لروحها و دفء العباءة المخلوط بعطره يدغدغ مشاعر مستترة ما خبرتها يوما و ما كانت على علم بوجودها من الأساس ..
و بدأ المركبي في الشدو من جديد:-
خلخال خطر ع الجدم ..
كل المحاسن فيه
والصايغ اسمه حسن..
صانع جميع مافيه
دايما على الحمل صبار
الـلـي أصـوله زكية
ويخشى من اللوم والعار
ومـن انكشاف الطوية..

تنهدت في راحة و تورد خداها بلون الزهر عندما ادركت انها الان تشعر و كانما هي بالفعل قابعة بين ذراعيه .. قريبة من قلبه .. تطلع على مكامن نبضه و تحاول الوصول لأعماق روحه التي تحيرها ..
انتفضت مستفيقة من رحلة المشاعر تلك بفعل دفء عباءته على ندائه باسمها ربما للمرة الثالثة ..

ابتسم في ثقة كعادته ابتسامة غيرت خريطة العالم في لحظات حتى انها ما عادت تدرك أين يمناها من يسراها.. و مد كفه ليخرجها من المركب فقد وصلا بالفعل حيث تركا الكارتة .. مدت كفها وهي تلتحف العباءة الثمينة و تضمها اليها وعاد حديث الأكف من جديد مرحبا و مودعاً في نفس ذات اللحظة ..

ركبا العربة التي ايقظ عفيف سائقها مناديا بإسمه لينتفض منتبها بكامل وعيه ليعودا لبيت النعمانى .. و على اعتاب المندرة حيث اصر على توصيلها دفعت بالعباءة الغالية مرغمة عن كتفيها و لم تعبء لاعتراضه بدورها و هي تضعها بين كفيه شاكرة إياه و تهرول في الدخول و الهرب منه فقدت اكتفت اليوم من محيا عفيف النعمانى الذي يؤرقها في صحوها و منامها ..

عاد لداخل البيت لتعاجله الخالة وسيلة:- حمدالله بالسلامة يا ولدي .. هااا .. مرت مناع چامت بالسلامة ..!؟..
أكد عفيف و هو يتوجه لاعلى الدرج:- اه .. الحمد لله .. بفضل الداكتورة .. چامت بالسلامة و ربنا رزج بعفيف الصغير ..
هتفت الخالة وسيلة:- الله اكبر .. الله اكبر .. عجبال ما يا رب يمد ف عمرى و اشيل عوضك و افرح بشوفته جادر يا كريم ..
ابتسم عفيف و هو يختفي باعلى الدرج هاتفا:- كله بأمره يا خالة .. كله بمشيئته ..

و تذكر فجأة امرا هام فعاد لاعلى الدرج منحنيا هاتفا باسمها:- خالة وسيلة ..!؟..
ظهرت من جديد ملبية في سرعة:- آمر يا عفيف بيه ..
أكد عليها هاتفا:- روحي للداكتورة دلال و خليكِ معاها و حطيلها اكل دى ملحجتش تتغدى و احنا اها داخلين ع المغرب ومش هوصيكِ عليها .. انتِ عارفة ..
هتفت في محبة:- لااه توصيني برضك .. دي ف عيني من چوه .. انا رايحة لها اهااا .. انت معيزش حاچة جبل ما اروح اعملهالك ..
أكد و هو يختفى بأعلى الدرج من جديد:- لااه يا خالة .. تسلمي ..

اندفعت الخالة وسيلة منفذة ما امرها به .. ليدخل هو لغرفته ملقيا جسده المرهق على كرسيه المفضل ليتنهد في راحة .. لحظات و شعر باسترخاء جسده طلبا للراحة فاتجه للحمام يدفع عن نفسه ذاك البرد الذى تخلل جسده من تلك الرحلة الطويلة لبيت مناع ذهابا و إيابا تحت المطر و كان بالفعل حماما من الماء الساخن كافيا ليشعر ان الدماء قد عادت تجرى في عروقه من جديد ليعود للغرفة مرتديا جِلْبابا نظيفا و ما ان هم بالتوجه لفراشه ليتمدد عليه قليلا قبل ان يحين موعد العشاء حتى وقعت عيناه على عباءته التي دثرتها و أحاطت جسدها الذى تراقص امام عيناه يوما كزهرة تمايلت على أغصانها وبتلاتها كانت تلك التنورة الواسعة التي رفرفت حولها في تمايل مُسكرلخطواتها المنتشية ..

اقترب في وجل لموضع العباءة على الكرسي حيث ألقاها عندما دخل الغرفة .. رفعها الى وجهه مغرقا إياه في طياتها يتحسس عطر روحها العالق بنسيجها لعله يبوح بمكنونات قلبها العصي ..
استنشق بعمق ما تبقى من عطرها من بين الثنايا لتهيم روحه في دوامات من الرغبة في البقاء قربها و ان لا يفارق محياها ابدا .. لكنه انتفض أخيرا مستغفرا و هو يدفع العباءة عنه ملقيا إياها بطول ذراعه.. فما عاد يحتمل مدى تأثيرها الدامى عليه ..

11-01-2022 01:22 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [5]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية جلاب الهوى
رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس
بعنوان ( وبدأت الحكاية )

تدثرت جيدا بمئزرها و هى تشعر ان البرد ينخر عظامها بعد تلك الرحلة العجيبة الى ومن البرالاخر حيث بيت مناع .. ابتسمت ابتسامة حالمة و هى تتخيل كل تفصيلة من تفاصيل تلك المغامرة و اندفعت اسفل غطاء السرير الوثير ربما يجلب لها بعض من دفء طاردا ذاك الشعور العجيب بالبرودة الذى يجتاح أعماقها .. احتضنت كوب الزنجبيل الذي أعدته لها الخالة وسيلة ليساعدها على استعادة الدفء لأطرافها و مدت كفها للرواية التي كانت قد قررت مطالعتها الليلة.. فتحت الرواية و بدأت في القراءة..

اندمجت بالاحداث و الشخصيات لحد كبير و بدأ الدفء يتسلل اليها بالفعل مشعرا إياها بالرغبة في النعاس.. كادت ان تغلق الرواية الا ان اسطر جانبية مكتوب بخط يدوي منمق استوقفتها.. حملقت في الأحرف المكتوبة على جانب الصفحة و بدأت فى القراءة هامسة في وجل:-
ياليتنى يوما رأيتكِ
قبل أَن تأتى الحروفُ.

وتعرفُ الأرضُ الحلالَ من الحرامْ
كنتُ انتزعتُ القتلَ من سُننِ الحياةِ
أقمتُ للعشاقِ مملكةً
وقصوراً من وئامْ
وتركتُ عمرى فى يديكِ سحابةً
تَمْضِى وتمطرُ كلما شاءتْ
وتغسلُ كل أدران العداوةِ والخصامْ
شهقت فى تعجب و تساءلت .. هل هو من كتب تلك الابيات على حاشية الكتاب !؟.. هل يحفظ الشعر و يكتبه حقا !؟..

أسرعت تفر صفحات الرواية في لهفة فلابد ان هناك اسطر تستثير به دوافع لكتابة تلك الابيات .. سقطت عيناها على المزيد من الابيات فهمست و دقات قلبها تتضاعف في سعادة عجيبة لا تدرك لها سببا:-
أحبك جدا وأعرف أني تورطت جدا
وأحرقت خلفي جميع المراكب
وأعرف أني سأهزم جدا
برغم الدموع ورغم الجراح و رغم التجارب
وأعرف أني بغابات حبك وحدي أحارب
وانني ككل المجانين حاولت صيد الكواكب..

اخذت من جديد تقلب و تقلب بين ضلفتيّ الرواية لتكتشف ابيات جديدة ما عادت تقرأ الرواية او تهتم لتفاصيلها بقدر ما اصبحت مولعة بالبحث عن اثار عفيف بين جنباتها و كانما قررت ان تقرأه هو و تفض أسراره و دواخله .. ما عادت الرواية تعنيها و لا الاحداث تثير انتباهها بقدر ما اصبح شغفها الاول هو كلمات عفيف المخبأة على حواف الصفحات.. لا تعلم كم ظلت على حالها من الاستطلاع حتى زارها النوم اخيرا و هى تتدثر اشبه بأحد رؤوس الملفوف فقدت شعرت ان البرد بدأ يزحف لأطرافها من جديد و ان النعاس بدأ يجذبها بقوة لعالمه حتى انها لبت الدعوة و هى تحتضن الرواية لصدرها و كانما تحتضن كلماته التي ودت لو كانت لها.. ابتسمت فى وداعة للخاطر و راحت في سبات عميق ..

همهم نديم بإستمتاع و هو يلوك اخر لقمة من طعامه بفمه مستمتعاً لتبتسم ناهد في خجل:- ايه يا باشمهندس .. كل الانبساط دِه عشان شوية عدس .. اومال لو كان المشمر و المحمر كنت عِملت ايه...!؟..
ابتسم نديم وهو يسند ضهره للأريكة خلفه في استرخاء هاتفا:- و ايه يعنى عدس.! نعمة .. و كمان لما يكون معمول بالطعم الجامد ده يبقى اكيد اكبر نعمة ..
وغامت عيناه فجأة بنظرات ملؤها الشجن لتنتبه هي الى تغير مزاجه لتتطلع اليه في قلق الا انه لم يطل حيرتها ليهمس قائلا:- بعد ما ماتت امي الله يرحمها فضي علينا البيت انا و دلال اختي .. كنّا بنشتهي اكلة سخنة لسه نازلة من ع النار معمولة بمحبة بأيد الغالية..

كنّا ممكن نقعد بالأسبوع على اكل بايت أو فول وطعمية ..طبعا الحالة المادية كانت مش ولابد .. معاش ابويا علينا انا ودلال .. هي كانت في تانية طب وانا ثانوية عامة .. دراستها صعبة ومش سايبة لها وقت لأي حاجة جنبها بجانب انها مكلفة و انا بقى بمصاريف دراستي و دروس الثانوية العامة .. لدرجة ان دلال كانت بتفكر جديا تسيب الكلية و تنقل اي كلية اربع سنين عشان توفر .. بس انا رفضت قلت لها لو سبتي الكلية .. انا كمان مش هكمل تعليمي وهنزل اشتغل.. كانت ايّام صعبة .. بس لولاها جنبى معرفش كنت هعديها ازاي..!..

تطلعت ناهد اليه في تعاطف هامسة:- ربنا يخليكم لبعض .. شوجتني أشوفها ..
ابتسم و قد عاد من شجن ذكرياته هاتفا بحماس:- انا متأكد إنكم هتبقوا أصحاب ..
همست دون ان تدرى انه ادرك همهماتها و سمعها بوضوح:- دِه لو ربنا أذن و الوشوش اتجابلت ..

صمت لحظة ثم نهض للحمام ليغسل يديه من اثر الوجبة الدسمة و ما ان عاد حتى وجد ورقة عليها بعض الطلبات الضرورية و فوقها وضعت هى خاتمها الذهبي ..
تصنع عدم الفهم هاتفا وهو يراها قادمة لحمل باقى الاطباق للمطبخ:- هى دي الطلبات .. هبقى انزل اجبها .. بس خدى بالك نسيتي الخاتم بتاعك هنا لحسن يتنطر في اي حتة ويضيع ..

ترددت قليلا وهو يقدم لها خاتمها لكنها لم تمد كفها لأخذه هاتفة:- انا اللى حطيته يا باشمهندس .. دي مساهمة بسيطة مني
فالمصاريف اللى مش عارفين هطول لأمتى ..و لا ..
هتف في ضيق:- متشكر .. لما ابقى اقصر ابقي فكري تساعدي ..

هتفت محاولة الدفاع عن وجهة نظرها:- مش انت جلت اننا ف مركب واحدة .. يبجى كل واحد يجدم اللى يجدر عليه .. و ده اللي ف مجدورتي..
هتف مؤكدا:- اه احنا ف مركب واحدة ..
وابتسم مازحا ومستطردا وقد أيقن حسن نواياها فأشارالى صدره فى تعالى هاتفا:- بس انا القبطان على فكرة .

ابتسمت ولم تعقب و دون ان تع وجدته يمد كفه ليلتقط كفها دافعاً بخاتمها في بنصرها من جديد .. ارتجفت كفها بين كفيه في اضطراب لفعلته .. حتى هو ادرك متأخرا انه قد تجاوز حده المعتاد معها .. فترك كفها وهو يتطلع اليها في حيرة وتعجب ..مما دفعها لتستأذن في عجالة و تندفع لحجرتها تلوذ بها ..

طرقات متتابعة على باب حجرته جعلته ينتفض فزعا يتطلع حوله في تعجب قبل ان يتنبه ويستيقظ بكامل وعيه مندفعا ليفتح الباب على عجالة هاتفا:- ايه في !؟..خبر ايه!؟..
انفرج الباب بقوة عن محيا الخالة وسيلة الملهوف هاتفة في ذعر:- ألحجني يا ولدي .. الداكتورة دلال..
سأل في لوعة:- مالها الداكتورة!؟ خير ..!؟..

لم ينتظر منها جوابا بل اندفع للدرج وما ان خط أولى خطواته هابطا حتى تذكر ان الذهاب لحجرتها من حجرة مكتبه اقرب و أسرع فعاد مسرعا متوجها للمكتب و مندفعا من بابه و الخالة وسيلة في أعقابه تجاهد لتلحق بخطواته المتسعة رعبا و حفيف جلبابه الذى كان يشى باندفاعه الغير معتاد لشخص مثله يمشى دوما واثق الخطوة يعلو مدللا على هرولته المضطربة ..

وصل لعتبة بابها و ما ان هم بالاندفاع للداخل حتى جذبه تعقله ليعود القهقري ينتظر وصول الخالة وسيلة بفارغ صبر ..
أخيرا وصلت لاهثة و دفعت باب الحجرة لينفرج قليلا حتى تدخل ليلمح دلال ممددة على فراشها تتأكلها الحمى .. و يبدو انها تهزى بهمهمات تصله حيث موضعه الذي وقف متسمرا فيه يغض الطرف بأعجوبة.. لا هو قادر على الاقتراب او حتى الوقوف هكذا مكتوف الأيدي و أخيرا هتفت الخالة وسيلة وهي تضع كفها على جبينها صارخة:- لساتها جايدة نار.. انا جمت اصلي الفچر ذي كل ليلة و جلت هتحصلني لكن لما صليت و رچعت سمعت صوتها جلت بتنادم علىّ لكن لجيتها غايبة وبتخترف و جتتها مولعة چريت اجولك ..

اندفع عائدا لحجرته لتستوقفه الخالة وسيلة هاتفة:- على فين يا ولدي..!؟...
أكد وهو يدلف للحجرة خالعا جلباب نومه ليضع اخر ويندفع خارجا يضع عباءته على كتفيه:- رايح اجيب داكتور بالعربية .. الداكتورطارج داكتور الوحدة ف أچازة ..
ضربت على صدرها فزعة:-.. هتسوج دلوجت ع الأرض المربربرة و ف العتمة دي ..!؟..
هتف و هو يدفع باب الدار خارجا:- امال يعنى هنسبوها كِده !؟.. ادعيلى بس ألجى داكتور يرضى ياچى معاي الساعة دي ..

خرج مندفعا بعربته والذي انتفض غفيره الناعس بديل مناع الذي استأذنه للبقاء الليلة بقرب زوجه و وليده لنفيرها والذى أطلقه ليفتح البوابة ..
خرج مسرعا على الطريق يحاول الوصول لأقرب مدينة يمكنه جلب طبيب منها و العودة به مجددا .. كان مظهرها وهي مستلقية تنازع بهذا الشكل يمزق نياط قلبه .. لابد وانه البرد والمطر اللذان تحملتهما في طريقها لبيت مناع و خاصة في وقت العودة عندما نسيت سترتها الصوفية الثقيلة ببيت مناع و عادت دونها ..

شعر بارتجافة فجذب العباءة على جسده اتقاءً لبرد الجبل القارص الذى تسلل اليه من خارج العربة في مثل تلك الساعة من الفجر ليكتشف انها نفس العباءة التي ألقاها على كتفيها اثناء رحلة العودة و التي أطاح بها جانبا عندما ادرك ان رائحة عطرها التي أصبحت جزءً منها هي من سلبت وقاره و قضت على ثباته ..لقد تناولها دون ان يعى لحظة اندفاعه ليرتديها وهو يخرج ..الان هو يتشبث بها اكثر.. يحيطها بجسده اكثر .. يلتحف بها اكثر.. لعلها تدفئ ذاك البرد الذي يتسلل لقلبه ما ان يتذكر محياها الشاحب على فراشها ..

همهم نديم بإستمتاع و هو يلوك اخر لقمة من طعامه بفمه مستمتعاً لتبتسم ناهد في خجل:- ايه يا باشمهندس .. كل الانبساط دِه عشان شوية عدس .. اومال لو كان المشمر و المحمر كنت عِملت ايه...!؟..

ابتسم نديم وهو يسند ضهره للأريكة خلفه في استرخاء هاتفا:- و ايه يعنى عدس ..!.. نعمة .. و كمان لما يكون معمول بالطعم الجامد ده يبقى اكيد اكبر نعمة ..
وغامت عيناه فجأة بنظرات ملؤها الشجن لتنتبه هي الى تغير مزاجه لتتطلع اليه في قلق الا انه لم يطل حيرتها ليهمس قائلا:- بعد ما ماتت امي الله يرحمها فضي علينا البيت انا و دلال اختي .. كنّا بنشتهي اكلة سخنة لسه نازلة من ع النار معمولة بمحبة بأيد الغالية..

كنّا ممكن نقعد بالأسبوع على اكل بايت أو فول وطعمية ..طبعا الحالة المادية كانت مش ولابد .. معاش ابويا علينا انا ودلال .. هي كانت في تانية طب وانا ثانوية عامة .. دراستها صعبة ومش سايبة لها وقت لأي حاجة جنبها بجانب انها مكلفة و انا بقى بمصاريف دراستي و دروس الثانوية العامة .. لدرجة ان دلال كانت بتفكر جديا تسيب الكلية و تنقل اي كلية اربع سنين عشان توفر .. بس انا رفضت قلت لها لو سبتي الكلية .. انا كمان مش هكمل تعليمي وهنزل اشتغل.. كانت ايّام صعبة .. بس لولاها جنبى معرفش كنت هعديها ازاي..!..

تطلعت ناهد اليه في تعاطف هامسة:- ربنا يخليكم لبعض .. شوجتني أشوفها ..
ابتسم و قد عاد من شجن ذكرياته هاتفا بحماس:- انا متأكد إنكم هتبقوا أصحاب ..
همست دون ان تدرى انه ادرك همهماتها و سمعها بوضوح:- دِه لو ربنا أذن و الوشوش اتجابلت ..

صمت لحظة ثم نهض للحمام ليغسل يديه من اثر الوجبة الدسمة و ما ان عاد حتى وجد ورقة عليها بعض الطلبات الضرورية و فوقها وضعت هى خاتمها الذهبي ..
تصنع عدم الفهم هاتفا وهو يراها قادمة لحمل باقى الاطباق للمطبخ:- هى دي الطلبات .. هبقى انزل اجبها .. بس خدى بالك نسيتي الخاتم بتاعك هنا لحسن يتنطر في اي حتة ويضيع ..

ترددت قليلا وهو يقدم لها خاتمها لكنها لم تمد كفها لأخذه هاتفة:- انا اللى حطيته يا باشمهندس .. دي مساهمة بسيطة مني
فالمصاريف اللى مش عارفين هطول لأمتى ..و لا ..
هتف في ضيق:- متشكر .. لما ابقى اقصر ابقي فكري تساعدي ..

هتفت محاولة الدفاع عن وجهة نظرها:- مش انت جلت اننا ف مركب واحدة .. يبجى كل واحد يجدم اللى يجدر عليه .. و ده اللي ف مجدورتي..
هتف مؤكدا:- اه احنا ف مركب واحدة ..
وابتسم مازحا ومستطردا وقد أيقن حسن نواياها فأشارالى صدره فى تعالى هاتفا:- بس انا القبطان على فكرة .

ابتسمت ولم تعقب و دون ان تع وجدته يمد كفه ليلتقط كفها دافعاً بخاتمها في بنصرها من جديد .. ارتجفت كفها بين كفيه في اضطراب لفعلته .. حتى هو ادرك متأخرا انه قد تجاوز حده المعتاد معها .. فترك كفها وهو يتطلع اليها في حيرة وتعجب ..مما دفعها لتستأذن في عجالة و تندفع لحجرتها تلوذ بها ..

دخل مناع لحجرته يطمئن على زوجه سعدية وولدهما عفيف الصغير .. دخل على أطراف أصابعه حتى لا يوقظهما ولكي يلتقط بعض حاجياته ليستعد للذهاب للبيت الكبير.. لكنه وجد سعدية مستيقظة تطعم صغيرها وقرة عينها..
اقترب في سعادة منحنيا يقبل جبينها هامسا:- ايه !؟..عفيف الصِغير مش مخليكي تنعسي !؟..
همست بصوت واهن:- معلش .. العيال كلها كِده .. بس انت خلاص بتچهز ورايح البيت الكبير .. !؟..

أكد قائلا:- اه يا دوب أفطُر و اروح طوالي ..
همست باسمة:- طب سلملي ع الداكتورة دلال .. ربنا يخليها و الله لولاها ما كنت عارفة كان ممكن يچرالي ايه ..!..
أكد بايماءة من رأسه:- حاضر من عنايا .. و الله صدجتى هى الصراحة تتحط ع الچرح يطيب .. ربنا يرزجها بواد الحلال اللي يستاهلها ..
اكدت سعدية متخابثة:- ما هو موچود .. و الله ما تلجى ذييه ..ربنا يچعلهم نصيب ف بعض ..

زم مناع ما بين حاجبيه مستفسرًا:- جصدك ايه ..!؟.. عفيف بيه !؟.. يا ريت ... و الله يبجى امه دعياله صح و أمها هي كمان دعيالها .. هو في ذي عفيف بيه ..!.. بس يعنى هي تجبل تسيب مصر و تاچي تعيش هنا ف النچع ..!؟.. مظنيش ..
هتفت سعدية و هي تتطلع لمناع في عشق:- و الله لو بتحبه كيف ما بحبك يابو عفيف لتاچي من اخر الدنيا وتفضل معاه ..

ابتسم مناع منتشيا و هو يميل ليقبل جبين زوجه في محبة هامسا:- ربنا يخليكِ ليا .. دِه انى كنت هروح فيها النهاردة .. و لما ولدتى و جالولى انك بخير اتردت لي روحى ..
ابتسمت في دلال ليغيب في محياها للحظات قبل ان ينتفض مبتعدا و قد أيقن انه تأخر كثيرا هاتفا:- اني أتأخرت جووى .. لازما اروح دلوجت ..
و خرج مودعا إياها هامسا في محبة:- خلى بالك على حالك .. يا ام عفيف ..
انتشت للقب الجديد و شيعته مودعة بابتسامة سعيدة ..

لا يعرف لما هو واقف هكذا امام غرفتها حيث سمح للطبيب الذي احضره منذ لحظات للدخول اليها ..
انه يقف كليث جريح لا يقوى على الاعتراض و طعنات الغيرة العمياء تتوالى على قلبه بهذا الشكل ..

و تسمر للحظة هاتفا في جزع:- غيرة .. !؟.. غيرة ايه يا عفيف .. شكلك اتچننت و رسمي كمان .. دِه الداكتور اللى انت چايبة بيدك دي .. مالك .. شكلك اتخبلت .. و غيرة ايه اللى بتتكلم عنيها .. شكل جلة النوم ليلة امبارح اثرت على عجلك..!؟...
سخر هاتفه الداخلى منه:- طب و هي جلة النوم دى ما هي اللى كانت سببها .. تنكر .. و نارك الجايدة عشان الداكتور عنديها تسميها ايه..!؟ .. ان مكنتش غيرة تبجى ايه..!؟.. رد يا عفيف بيه ..

لكنه لم يمتلك وقتا كافيا للرد بعد ان قاطع سيل أفكاره انفراج باب الغرفة عن محيا الطبيب و هو يقول في قلق:- الحمد لله انى جيت ف الوقت المناسب .. كان ممكن يحصل مضاعفات لكن انا عملت اللازم و باذن الله خلال أسبوع بكتيره هتكون بخير مع الانتظام على الأدوية دى و التغذية الجيدة..
استفسر عفيف:- يعنى هاتبجى كويسة يا داكتور ..!؟..

ابتسم الطبيب هاتفا:- باذن الله .. بس واضح انها غالية على حضرتك قووى عشان تسوق ف الجو ده و المسافة دى كلها عشان تجبني ...مش هى المدام برضو..!؟..
اضطرب عفيف و لم يجب على سؤال الطبيب بل هتف مناديا مناع الذى شاهده عند وصوله مؤكدا عليه مرافقة الطبيب و إعادته حيث يريد و شراء الأدوية المطلوبة ..
نفذ مناع في سرعة كعادته .. و عاد هو مرة أخرى لغرفتها يطرق على بابها برفق لتطل الخالة وسيلة من خلفه ليبادرها متسائلا:- هااا .. هي عاملة ايه دلوجت يا خالة .. مش احسن ..!؟..

اكدت الخالة هامسة:- اه يا عفيف بيه .. الحرارة نزلت و بطلت الخترفة .. و اهى رايحة ف سابع نومة .. انا هروح اعمل لها اكلة ترم عضمها ..
أكد عفيف هاتفا:- مسلوج يا خالة .. أكلها كله مسلوج زى ما جال الداكتور أوعى تنسي ..
هتفت في تأكيد:- لااه .. أنسى كيف .. ربنا يجومها لنا بالسلامة .. و انت كمان .. تعالى معاى اعمل لك لجمة تاكلها .. دِه انت على لحم بطنك من الصبح ..
اعترض هاتفا:- لااه يا خالة تسلمى .. ثم اندفع لغرفة المكتبة هامسا:- ماليش نفس .. خليكِ انت چارها و تابعيها .. و باذن الله تصحى رايجة..

اومأت الخالة وسيلة رأسها إيجابا و هي تغلق علي دلال بابها و تندفع للمطبخ تعد الطعام ..
رأته يستعد للخروج فهمست بنبرة خجلى:- انت نازل تجيب طلبات البيت ..!؟..
أكد هاتفا:- اه .. عايزة حاجة اجبهالك معايا!؟..
اكدت مترددة:- الصراحة عايزة .. عايزة اچى معاك ..
صمت للحظات قبل ان يهتف مبتسما:- طب و ماله .. روحى اجهزى و انا مستنيكِى اهو .. بس بسرعة ..

اندفعت في فرحة لحجرتها هاتفة:- ف ثوانى .. مش هتأخر ..
خرجا سويا من باب البناية ليطالعها البحر ضاربا وجهيهما برائحته المميزة و هواءه البارد في مثل ذاك الوقت من العام و رغم عن ذلك انتشت في سعادة و هي تتطلع لذاك الفضاء الأزرق الواسع ..

كانت المرة الأولى التي تخرج فيها منذ جاءا الى الإسكندرية بعد تلك الليلة التي امضياها فالقطار الى هنا .. منذ تلك اللحظة لم تخالط بشرا و لم تتبادل الحديث مع إنسان غيره .. تشعر انها كالنبتة التي ابصرت الشمس أخيرا بعد طول الظلام ..

وقف هو يبتاع الأشياء الضرورية للمنزل ووقفت هيا تطالع الشارع العريض و البشر السائرون هنا و هناك لكنها فجأة انتفضت و أسرعت تختبئ خلفه عندما سمعت من ينادى بأسمها .. تنبه نديم لذعرها و توجهت أنظاره تجاه المنادي فإذا به اب ينادى على ابنته التي تركت كفه لتجرى مسرعة و للصدفة كانت تحمل نفس الاسم ..ناهد ..

غامت ملامح وجهها و قرأ نديم حزنها المرسوم على تلك الملامح النقية بكل سهولة كقراءته لجريدته الصباحية .. فانتشل الحاجيات التي اشتراها بالفعل و أجّل الباقى ومد كفه ليمسك بكفها ليعود بها للبيت و قد لمس ان هذه رغبتها في تلك اللحظة ..
سارا متجاوران لا ينبس احدهما حرفا فما الذى يمكن ان يقال في ظل ما يشعر به كل منهما من الغربة المخلوطة بالحسرة و الألم..

وصلا شقة سمير ليفتح الباب و ما ان انفرج حتى اندفعت هي للداخل متوجهة لحجرتها و قد أغلقت بابها خلفها بقوة تنبئ عن مدى صعوبة الشعور الذى يعتريها و الذى حاولت كتمانه كثيرا حتى تعود وحيدة مرة أخرى لتفرغه كما يعلم جيدا دموعا سخية يسمع همهماتها ليلا و يدرك اثرها على عينيها النجلاوتين صباحا .. لكن ما بيده حيلة فهو ليس بأقل منها حزنا و ألما ويعلم تماما انها محقة في حزنها ولها كامل الحرية للتعبيرعنه كيفما شاءت .. اما بالنسبة له فلم يحن بعد أوان الوجع …عليه ان يكون قويا لكلاهما ومن أجلهما معا .. قويا بالنيابة عنها وعن نفسه ..

وقف عفيف ينتظر على باب غرفتها لتعلمه الخالة وسيلة بحالتها.. كانت لاتزل تهزي فقد ارتفعت حرارتها مرة اخرى ..
اكد عليها عفيف هاتفا:- عتطيها الدوا اللي جال عليه الداكتور يا خالة !؟..
هتفت الخالة وسيلة:- معرفاش يا ولدي .. مش جادرة اچلها من مكانها عشان اعطيهولها .. ادخل ساعدي ..
اضطرب عفيف .. يدخل !؟.. الي اين !؟.. الي حجرتها التي اصبحت مزار مقدس ما ان وطأتها قدماها منذ اللحظة التي قدمت فيها الي النعمانية !؟..

استجمع شجاعته و دفع الباب برفق و دخل يغض الطرف عنها حتى وصل لطرف الفراش حيث ترقد و الخالة وسيلة راقدة على الجانب الاخر .. مد كفا مضطربة وضعها اسفل رأسها الذي تخلى عن غطائه و يا لوجيعته .. و يالأرتجافة روحه و هو يرى شعرها الغجري منثور هكذا بفضوضية بعثرت ثباته بكل ارجاء الارض ..
انحني مقتربا يرفع رأسها عن وسادتها ليضعها فى وضع مستقيم نسبيا حتى تبتلع دواءها لتسقط بلا اتزان على كتفه .. كاد يشهق مصدوما و هو يستشعرها بأحضانه.. تناول حبة الدواء بكف مرتعش من الخالة وسيلة هامسا بصوته المتحشرج اضطرابا باسمها كانها ستسمعه:- فوجي يا داكتورة ..خدي بس الدوا ونامي ..

وضع حبة الدواء داخل فمها وتناول كذلك كأس الماء من الخالة وسيلة و بدأ في مساعدتها لتبتلعها وهى شبه غائبة عن الوعي ..
تأكد انها ابتلعتها فأعاد رأسها على الوسادة من جديد وبدأ يبتعد وهو يسحب كفه من اسفل عنقها فتشابكت أصابعه بجدائله و كأنه يتمسك به متوسلا الا يرحل تاركا اياه .. نظر لتلك الخصلات في تيه و اخيرا نفضها عنه وتحرك مبتعدا امرا الخالة وسيلة:- اشتغلي ع الكمادات يا خالة و انا چارك ف المكتب لو عوزتي حاچة…

اندفع كالممسوس خارج الغرفة فما عاد قادرًا على البقاء لحظة و ما عاد لديه الشجاعة ليتطلع اليها ..فقد شعرانه فقد شيئا ما غاليا لا يدرك كنهه لكنه يستشعر ايضا انه لا يجد ضالته المفقودة تلك الا بقربها .. أي جنون هذا !؟.. ما عاد يدرك ..

فتحت الخالة وسيلة باب غرفتها ببطئ شَديد حتى لا توقظها ظنا منها ان لازالت تغط في نوم عميق من جراء تلك العقاقير الطبية التي تتناولها لكنها كانت مستيقظة بالفعل تطالع احدى الروايات التي وجدتها على جانب فراشها موضوعة على تلك المنضدة التي تحوى تلك الاباجورة النحاسية .. و التي تشع نورا يجعل الغرفة أشبه بقصص الحكايا القديمة فينقلها بشكل كلى الى جو الرواية التي تطالعها ..

لابد و انه هو من بعث بها الخالة وسيلة حتى اذا ما استيقظت تجد ما يشغل وقتها و هي لاتزل طريحة الفراش .. ابتسمت في ود مجرد ان مر ذاك الخاطر على مخيلتها .. انه يهتم .. بالفعل يهتم بها .. أسعدها ذلك سعادة مبهمة لا تعرف مصدرها لكنها سعيدة و هذا ما يهم .. هتفت ما ان طالعها رأس الخالة وسيلة المطل من فرجة الباب الضيقة تتأكد انها بخير:- تعالى يا خالة .. انا صاحية ..

دخلت الخالة و سيلة مستبشرة و هي تهتف في سرور:- الف بركة جومتك بالسلامة .. خلعتينا عليكِ يا بتي .. حتى عفيف بيه اللى ما كان يتهز ولا الجبل .. كان ناجص يطول السما بيده اول ما جريت اجوله ألحجها .. ده ساج ف الفجر و طريج الچبل واعر عشان يجيب لك داكتور مخصوص..
تضرجت وجنتيها بحمرة محببة ما ان سمعت تفاصيل الثلاث ليالى الماضية و ما فعله لأجلها ..

هتفت بتعجب:- عجيب عفيف بيه .. يعمل ليه كل ده عشان واحدة اخوها مسبب له مصيبة .. !؟.. ده انا قلت ممكن يسبنى اموت و اهو ينتقم من اللى حصل معاه بسبب اخويا .. !؟..
هتفت الخالة وسيلة:- يسيبك تموتى كيف !؟.. دِه من اول ما وصلتى و اللى على لسانه .. دي أمانة عندينا يا خالة .. هي ملهاش ذنب يا خالة .. خلى بالك عليها .. شوفي كل طلباتها ..

ثم تنهدت الخالة وسيلة مستطردة بعد صمت طال لثوان:- بالك يا بتي .. ما في حد يعرف عفيف بيه كدب .. المثل بيجول اللى ربى خير م اللي اشتري .. و هو رباية يدي.. حفظاه كيف ما واعية لكفي دي.. عفيف بيه لو شفتيه مع ناهد اخته و چلعه فيها مش هتصدجي انه عفيف اللى صوته بيهز الچبل اللي جصادنا على مدد شوفك دِه .. سبحان الله عفيف مخدش من النعمانى الكَبير غير شكله .. لكن طبعه كله طبع ابوه .. سيدى راغب الله يرحمه ..

انتفضت دلال بعد ان كانت مأخوذة كالعادة بحديث الخالة وسيلة كلما تحدثت عن ماضي النعمانية و أسرارهم .. لكن تلك النقطة بالذات جذبت انتباهها لتهتف في استفسار:- قصدك ايه ان عفيف بيه شبه جده النعماني في الشكل ..!؟.. يعنى نفس طوله و عرضه وكده !؟..

اومأت الخالة وسيلة مؤكدة:- ايوه يا بتي ..هو بالمظبوط .. محدش من عيلة النعمانية كلها يشبه النعمانى الكَبير كيف عفيف بيه .. كنهم فولة واتجسمت نصين .. نفس الطول و العرض و الهيبة و الصوت اللى يهز الچبل هز .. نفس الطلّة اللى توجف چريان الدم ف العروج .. لكن الحنية والطبع اللين .. كني واعية لسيدى راغب ابوه بالمظبوط .. صدج من جال .. اللي خلف مامتش ..

وأخيرا ادركت دلال من ذَا الذى يزورها في أحلامها العجيبة عن تلك المرأة الحبلى التي تستنجد بها .. انه ليس عفيف بل جده .. لكم اراحها هذا الخاطر .. لا تعرف ما سبب تلك الراحة الداخلية التي غمرت روحها لذلك الاكتشاف .. لكن سمة سكينة عجيبة شملتها جعلتها تتنهد و كأن حمل ما كان يجثم على صدرها و أخيرا تخلصت منه ..
و لكن عليها استغلال رغبة الخالة وسيلة في البوح و الحديث عن ماضى النعمانية لتسألها في فضول لازال مشتعلا منذ المرة السابقة التي قصت لها بعض من الحكاية و أغفلت بعض تفاصيلها لذا هتفت في لهفة:- لكن مقلتليش يا خالة ..

تنبهت الخالة وسيلة بكامل وعيها لدلال و تطلعت اليها بعيونها الدائرية الصغيرة التي تشبه عيون العرائس البلاستيكية لولا انها تنبض بالحياة الخالصة و يشع منها بريق وثاب ..
استطردت دلال بنفس النبرة الملهوفة:- ايه اللى خلى مرات النعماني الكبير .. اللى هي جدة عفيف بيه متسامحش جوزها طول مدة جوازهم و تموت حتى قبل ما تسامحه على الرغم انك قلتيلي انه كان بيعشقها ..!؟..

توترت الخالة وسيلة و همت بالنهوض محاولة تغيير الموضوع الا ان دلال كان فضولها أقوى من ان تترك المرأة تذهب لحال سبيلها دون ان تذكر كافة التفاصيل التي تريحها .. لذا هتفت بالخالة وسيلة مستعطفة:- قوليلى يا خالة .. متخافيش الكلام ده مش هيطلع لحد .. هو انا بكلم مين يعنى هنا غيرك..!..
تنهدت المرأة العجوز و عادت لتجلس على طرف الفراش من جديد هامسة بتردد:- ليه هتخلينى انبش ف الجديم يا بتى .. ما راح لحاله مع صحابه .. الله يرحم المراحيم كلها ..

هللت دلال بطفولية و هي تشعر ان الخالة وسيلة نفسها عندها رغبة كبيرة بالافضاء بتلك الأسرار التي تختزنها في جوف صدرها منذ سنوات بعيدة:- قولى بقى يا خالة عشان خاطرى ..
اومأت العجوز برأسها و بدأت في سرد قصة الماضى البعيد هامسة بصوت يأتي من أعماق بعيدة .. بُعد ذاك الزمن الذى تحكى عنه حتى انه جعل دلال ترتعش رغما عنها برهبة:- صلي ع النبى يا بتي..

أطاعت دلال في خشوع و تدثرت وهى تستشعر انها ستسمع حكاية من حكايا الماضي في تلك البلاد البعيدة التي يحكمها العرف و تقيدها العادة و يسوسها السادة و يخضع لملكهم صغيرها و كبيرها .. وبدأت الخالة في سرد حكايتها ..او بالأدق حكاية النعمانية منذ ان كانت قطعة ارض جرداء بحضن الجبل الغربي…

11-01-2022 01:23 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [6]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية جلاب الهوى
رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

نامت الليلة الماضية و عيونها شاخصة على ذاك السقف المزكرش للغرفة و عيون خيالها تنقلها لحكايا الخالة وسيلة الأشبه بالأساطير ..
تمطعت في فراشها في كسل و هي تشعر بدفء عجيب يسري في أوصالها وتنهدت لتتطلع حولها في سكينة عجيبة و خاصة و ذاك الغناء المبهج يصلها من مكان ليس بالبعيد..
نفضت الغطاء عن جسدها و تلحفت بمئزرها و وضعت حجابها على شعرها المسدول على ظهرها ..

فتحت النافذة لعلها تكتشف مصدر ذاك الغناء الأشبه بدعوة سحرية للاستماع و التمتع .. لكن ما طالعها من موضع وقوفها هو تلك الأرض الشاسعة مترامية الأطراف المبدورة بالأخضر حتى تصطدم بذاك الجبل الشامخ هناك في إباء كأنه شاهد على ما دار في تلك الأرض التي احتضنها منذ مئات السنين كأنها حبيبته التي ما من سبيل لافتراقه عنها ..لا تعرف لما خطرت على بالها قصة النعمانى الكبير و زوجه زهر الروض .. ياله من اسم لامرأة عانت من اجل قلبها الويلات..!؟..

جاء النعماني الكبير لتلك الأرض و هي صحراء جرداء تأبى الخروج عن طوع ذاك الجبل و ظلت لسنوات طويلة جزء منه .. تملك لونه و ملامحه الخشنة حتى قرر النعمانى بفأسه و ذراعيه تغيير تلك الحقيقة للأبد و استطاع الانتصار على الجبل ليستقطع تلك الأرض المحيطة منه و يحولها لجنة خضراء رغما عن انفه .. لتكون النعمانية نسبة اليه..

و يبدو ان هذا كان مبدأ النعمانى في حياته ليس فقط فيما يخص الأرض و الزرع و لكن حتى في الحب ..
رأها يوما مع تلك العائلات التي بدأت تفد للنعمانية ما ان بدأت بشاير الخير تهل .. هام بها عشقا و قرر ان تكون له مهما حدث .. لكن الرياح تأتى دوما بما لا تشتهيه السفن .. كانت الفتاة موعودة لابن عم لها كما هي العادة .. ذاك القريب الذي استطاع النعماني بما له من نفوذ الا يعجل في عودته من سفرته البعيدة .. و بالفعل ما عاد ..

لتظل الفتاة على حالها لا يجرؤ احدهم على الاقتراب منها او طلب يدها للزواج .. السبب الأول معرفتهم بخطبتها المزعومة للغائب الغير مرجوة عودته .. و ثانيهما .. ما شاع ان النعماني يرغب فيها كزوجة جعل الكل يغض الطرف عنها كأنها غير موجودة .. فمن كان يمكنه معاداة النعماني او مخالفة امر من أوامره !؟..

وكانت الفتاة تعلم كل هذا لكن ماذا تفعل بقلبها المعلق بابن عمها الذي نسجت معه أحلام الطفولة و الصبا..!؟.. و كيف يمكنها التضحية بسلامته بعد ذاك التهديد المبطن الذى ارسله لها النعماني .. اما الزواج به طواعية .. او موت بن العم في غربته والزواج به كنهاية حتمية للأمر !؟ .. و بالفعل قدمت نفسها قربانا لحماية الحبيب و رفيق الطفولة و حلم الشباب الضائع..

لتسقط في أحضان من جحيم ما ذاقت فيها الا اللوعة و الحسرة .. وعلى الرغم من انها سلبت لبه و كل من كان بالنعمانية يدرك هذه الحقيقة كادراكهم لطلوع الشمس يوميا من المشرق .. لكنه لم يستطع ان يجعلها تسامحه على فعلته .. لم يستطع ان يجعلها تحبه .. لم يستطع ان يغرز حبه في صحراء قلبها التي ما عاد ينبت فيها الا صبار الكراهية و حنظل القهر .. أنجبت أولاده جميعا .. عشقتهم بجنون لكنها لم تقدر ان تعشق ابيهم بالمثل لتموت وهى تلد طفلها الأخير في تلك الغرفة التي رأت فيها كابوسها الأول في ليلتها الأولى هنا في النعمانية .. و يظل النعماني بعدها لا يقرب امرأة..

يعيش على ذكراها و رغبة مجنونة ظلت عالقة بقلبه و مسيطرة على فكره .. انها حتما ستحبه يوما ما .. سيضمها و هي راضية .. ستضحك لمزاحه و تراعى غضبته و تدارى ضعفه و تحفظ هيبته و تكون له المرأة التي حلم بها منذ وعاها اول مرة و التي سرقت قلبه واستقرت بأعماق روحه .. لكن هيهات .. كلها كانت أمانى مستحيلة لشخص كان يرجو الحب بالسيف و القسوة .. لا باللين والرحمة .. فما جنى سوى الألم و العذابات...

تنهدت و هي تستفيق من ذكريات الليلة الماضية على صوت الغناء مرة أخرى ..
لا بديل عن الصعود للسطح لمعرفة مصدر الغناء و التمتع بمنظر اكثر وضوحا للنعمانية من ذاك الارتفاع..
حزمت امرها و خرجت تمشي بطول الردهة حتى مرت بجوار الغرفة التي شاهدت فيها حلمها.. غرفة الألم والقهر فتخطتها سريعا واندفعت باتجاه الدرج الجانبي الذي يفضى لباب خشبي سميك دفعته ليطالعها السطح الواسع والخالي تماما الا من بعض الأرائك الخشبية التي اُنتزعت اغطيتها حتى لا تتعرض للبلل بفعل الأمطار ..

تطلعت حولها عندما وصلت لمنتصف السطح لتدرك ان هناك سور مشترك فاصل بين سطح المندرة الذي تقف عليه وسطح البيت الكبير الذي يبدو شاسع الاتساع من موضعها ..

تقدمت الى السور الخارجي لترى منظر لم و لن ترى في روعته .. تلك السفوح السمراء البعيدة و كأنها ايادى لذاك الجبل العتيد تحتضن النعمانية الى صدره الحجرى الصلد.. ويمر بين شطريها ترعة كبيرة نسبيا هى احد روافد النيل الذي أنعمت به الطبيعة على النعمانية لتصبح قطعة من النعيم بحق مع ذاك اللون الأخضر المنتشر هنا و هناك و كأنه خضاب عروس في ليلة حنتها .. استمعت للغناء وهي منتشية..

لا تستطيع تمييز الكلمات ولا معانيها لكنها ترى رجال ونساء هناك في عدد من غيطان القصب القريبة نوعا ما يترنمون بما يصلها من أنغام في تلك اللحظة السحرية من الصفاء و السكون الذى تعيشه .

نظرت للارتفاع الشاهق للبيت الكبير والمندرة بالتبعية .. جمعت شعرها الغجرى من خلف ظهرها للأمام في اتجاه كتفها وتخيلت انها تدليه من موضعها و قفز الى فكرها خاطر .. هل احتفظت بشعرها بهذا الطول ربما يتحقق الحلم و يكون شعرها و سيلة الفارس الذى حلمت به طويلا في الصعود اليها في سجن حياتها الرتيبة .. انفجرت ضاحكة لهذا الخاطر .. ضحكة صافية رنانة تشبه ذاك الصباح الدافئ .. و تلك الأشعة البكر للشمس المتسللة من خلف غيوم الليلة الماضية ..

ضحكة طازجة .. منتشية جعلت ذاك المضجع في سلام على احدى الأرائك الموضوعة تحت السور المشترك المرتفع بينهما يقفز فزعا وهو يعتقد انه يتهئ ضحكاتها الوثابة ..
انتفض بكل قوته ليتطلع لمصدر الضحكات حتى يتأكد انه لا يهزي ولم يصبه الجنون بعد جراء ثلاث ليال وأربعة ايّام لم يطالع محياها فيهم .. ايّام عجاف ..
تسمرت عيناه على ما تفعله بشعرها وهي تدليه من فوق السور ضاحكة وجن جنونه ..

همس في تضرع:- هونها يا رب..
كان على استعداد ليقف عمره كله يتطلع اليها في موضعها بهذا الشكل الساحر الذى يفقده صوابه .. لكنه لم يحتمل المزيد وغض الطرف متنحنا وهو يستشعر انه يخرق عزلتها المقدسة ..

انتفضت هى في ذعر و خبأت شعرها أسفل مئزرها و اعادت احكام حجابها خلف رقبتها هامسة في احراج:- عفيف بيه ..!؟..
تنحنح من جديد رغبة في تصفية صوته المتحشرج دوما تأثرا لمرأها هاتفا:- حمدالله بالسلامة يا داكتورة .. جلجتينا عليكِ..
ابتسمت في رقة:- الله يسلمك .. تعبتكم معايا انت و الخالة وسيلة ..
هتف معترضا:- متجوليش كِده .. المهم انك بخير ..

ثم استطرد عاتبا برقة غير معتادة على مسامعها وهو يتوجه للسور الخارجي للسطح يقف في مواجهة الجبل البعيد كأنه يناطحه:- بس انتِ ايه اللى خلاكِ تطلعي هنا و انتِ لساتك تعبانة .. !؟..
ابتسمت و هي تتطلع بدورها للبعيد هامسة:- الغنا ده هو اللي طلعني الصراحة .. جميل برغم اني مش فاهمة هما بيقولوا ايه .. بس واصلني إحساس الفرحة فيه قووي..

تطلع اليها في تعجب لحظي ثم ابتسم ابتسامة من احدى تلك الابتسامات النادرة الظهور على ذاك الفك الصلب والتي تحرك شيء ما داخلها لا تعرف كنهه هاتفا:- احساسك ف محله يا داكتورة .. دِه موسم كسر الجصب ودايما مواسم الحصاد مرتبطة عندينا كصعايدة او حتى الفلاحين ف بحرى بالافراح .. بنستنوا الحصاد عشان نتچوز او نچوزوا عيالنا .. الاغنية دي مرتبطة بالفرح مع موسم كسر الجصب والخير اللي هاياچي من وراه ..

انتبهت لكل كلمة قالها وكأنها تعويذة سحرية ينطق بها .. نطقها بحب واعتزاز لتلك الأرض التي تحمل عرّق جده و رفاته و ستضم رفات أبناء النعمانية جميعا من بعده .. اشارت لغيط القصب حيث يجتمع الرجال لكسره هاتفة:- طب هم بيعملوا ايه دلوقتى وايه عربيّات السكة الحديد اللى بتمر دي..!؟..
ابتسم مؤكدا:- دي مش عربيّات سكك حديد .. دى عربيّات مصنع السكر .. بيچمع الجصب عشان يروح ع المصنع .. و الباجي يطلعوا بيه ع العصارة ..

ثم أشار لبناية عتيقة على أطراف الأرض البعيدة هاتفا:- شايفة المبنى الملون اللي على طرف الارض دِه ..!؟.. هى دي العصارة .. دي بنودوا فيها چزء من الجصب عشان نعِملوا منيه العسل الأسود .. اكيد دجتيه .. حتى من جبل ما تاچي هنا !؟..
أكدت بابتسامة صبت في دمه ملايين اللترات من العسل المصفى وهي تهتف:- اه .. مفيش احلى منه بالذات مع الفطير المشلتت من أيد الخالة وسيلة ..

انفجر ضاحكا على غير العادة هاتفا:- واضح انك چعانة يا داكتورة و نفسك مفتوحة تعوضي الأيام اللى فاتتك من فَطير الخالة وسيلة ..
قهقهت بدورها ولم تعقب للحظات وأخيرا هتفت مستفسرة مشيرة لغيط القصب:- ها و ايه اللى بيحصل بعد كده ف العصارة ..!؟..
أكد بهدوء:- خلاص كِده .. طلع العسل و مبجيش الا الچلاب ..
هتفت متعجبة:- جلاب ..!؟.. يعنى ايه ..!؟..

ابتسم متطلعا اليها و هو يقترب من السور المشترك بينهما:- الچلاب دِه .. حلاوة بنعملوها من بواجى السكر شكلها مخروطي و لونها مايل للخضار شوية .. و ..
صمت فتطلعت اليه مستفسرة لتجده مترددا ثم مد كفه الى جيب جلبابه ليخرج لها ورقة ملفوفة .. فضها أمامها هامسا:- هو دِه ..
مدت كفها اليه متطلعة في تعجب لذاك القمع المخروطى العسلى اللون ثم استأذنت في فضول:- ممكن ادوقه.!؟..
أكد بايماءة من رأسه .. فقضمت قطعة صغيرة لتهتف مستمتعة:- ده حلو قووى..

أكد في سعادة مقهقها:- ما هو كله سكر .. مش جصب ..
اعادت اليه قطعة الجلاب و التي تردد في اخذها لكنه أخيرا مد كفه و أخذها يطويها و يقذف بها من جديد في جوف جيبه ..
سألت في أريحية متهورة:- طب و حضرتك محتفظ بيه ليه في جيبك.!؟..
غامت ملامحه للحظات و طلت من عينيه نظرة حزن عميقة شرخت وعاء البهجة الذى كان يحتوي روحها منذ دقائق .. ندمت انها سألت و لو كان بإمكانها استرجاع الزمن لثوان حتى تُعقل كلماتها قبل طرحها لفعلت اتقاءً لنظرة الحزن الدفين المطلة من عينيه والتي اربكتها كليا ..

لكنه للعجب أجابها:- يمكن عشان الچلاب دِه الحاچة الوحيدة اللي بتفكرنى بأمى الله يرحمها ..
صمت ثقيل شملهما للحظات حتى استطرد هو بنفس الصوت الموجوع:- لما كانت بتكون عوزانى اعمل حاچة و انا مرضيش تجولي اعملها وانا اچيب لك چلاب..
ابتسم بغصة مستكملا حديثه المعجون بالشجن:- وكان ردي عليها .. مش عايز .. هخلي چدي يچبلي م العصارة .. لو اني واعي لحالي دلوجت بعد فراجها لكنت چريت عليها خدت كل الچلاب اللي كانت بتعطيهولي بيدها .. مش عشان أكله .. لاااه .. عشان اخبيه بين ضلوعي واطلعله بعد ما غابَت ومعدش بجي خلاص في چلاب تانى من يدها ..

شعرت بمرارة كلماته المغموسة بالشوق الفاضح لأمه و شعرت بنفس الغصة وهي التي فقدتها و تشاركه نفس المصاب ونفس الألم الحي الذى لا يندمل ابدا بفراقها ..
كادت ان تطفر الدموع من عينيها تأثرا لكنها كانت اكثر وعيا لتدرك انه لن يستطيب تعاطفها وربما يندم على ما أطلعها عليه من اسرار دفينة تعد سبق لم يحدث و ربما لن يتكرر لذا ابتلعت دموعها وهتفت بلهجة حاولت إكسابها بعض من مرح:- طب قبل ما ننزل نفطر عشان انا فعلا جعت قووى .. سؤال أخير ..

ابتسم و تغيرت الملامح الخشنة من جديد لتصبح ألطف و ارق:- اتفضلي اسألي ..
اشارت من جديد للغناء الذي كان على أشده بالأسفل هاتفة في فضول:- هما بيغنوا يقولوا ايه !؟..
عاد من جديد يتطلع للمشهد الساحر أمامه وتغيرت فجأة نبرة صوته لتصبح اكثر دفئا هامسا منغما كلماته يخبرها كلمات الاغنية الدائرة بالأسفل:-
يابو اللبايش يا جصب ..

عندينا فرح و أتنصب ..
چابوا الخلخال على كدِها
نزلت تفرچ عمها ..
جال يا حلاوة شعرها
يسلم عيون اللي خطب ..
يابواللبايش يا جصب ..
عندينا فرح و أتنصب
جابوا الجميص على كدِها
نزلت تفرچ عمها
جال يا حلاوة شعرها
تسلم عيون اللى خطب ..

وصمت فجأة ..ليتطلع اليها ليجدها في عالم اخر مبهورة بما تسمعه من كلمات بصوت ذاك الذى ظنت يوما ما انه رجل عتيد القسوة لا يعرف الا لغة القوة ..
سأل مستفسرًا عندما طال صمتها و شرودها:- عچبتك ..!؟..
هتفت منتفضة لسؤاله:- جميلة قووى ..
أكد متنحنحا في احراج:- أغاني فلكلور جديمة بتهون ع العمال التعب .. و بعدين هو في حد بيلبس خلخال عندينا ف الصعيد دلوجت..!؟..

هتفت في تحسر طفولى متهور:- خسارة ده انا كان نفسى ف واحد ..
لم يعقب .. بل شملها بنظرة لم تعرف لها تفسيرا و أخيرا هتف بجدية:- اشوفك ع الفَطور يا داكتورة .. زمان خالة وسيلة حضرته و بدور علينا .. بعد إذنك .. وحمدالله بالسلامة مرة تانية ..
اندفع باتجاه الباب المفضى للداخل ليختفى في لحظات حتى ظنت انه ما كان موجود هاهنا من الأساس و كانها كانت تحادث طيفه .. و ليس عفيف النعمانى بشحمه ولحمه ..

ظهر صفوت بين رجال النعمانية الذين اجتمعوا كعادتهم في مندرة الشونة الملحقة بالاسطبلات و المقامة على الهضبة المرتفعة القائم على جنباتها بيت النعمانى الكبير و الملاصقة له تقريبا ليهتف في نبرة حاول ان يغلفها بالهدوء رغم ما كانت تنضح به من توعد:- للمرة التانية يا عفيف .. اهااا بتجدم لك جَصاد رچالة النعمانية كلهم و بطلب يد اختك ..ايه جولك ..!؟..

على الرغم من الاضطراب الذى أعتمل داخل نفسه و توتره الذي عربد بجنبات روحه الا انه ظل رابط الجأش لم تظهر على ملامحه الحادة ما يثير اى شك في دواخل نفسه التي تناقض مظهره الخارجي الحازم المعتاد ..
بل انه هتف بنبرة مسيطرة غير قابلة للنقاش:- هي جصة ابوزيد و هنحكوها ع الربابة يا صفوت ..! ما جلنا انها مش موچودة ولسه مارچعتش من عند بت خالتها ف المنصورة .. لما ترچع بالسلامة يبجى لينا حديت تانى ف الموضوع دِه ..

هتف صفوت في تعجل:- و ايه فيه كانت موچودة و لا لااه .. هتفرج ايه .. هي هيكون ليها رأى بعد رأيك ..!؟.. و بعدين هي راحت فين يعنى ..!.. اروبااا ..ما تبعت لها تاچي ..
اندفع عفيف ناهضا في ثورة هاتفاً بصوت جهورى هز أركان المكان وجعل صفوت يبتلع لسانه في خوف:- بجولك ايه يا صفوت .. اني جلت كلمتي و بمردهاش .. بعد ما ترچع نتكلموا .. و ساعتها اني هجولك رأيي .. جبل كِده .. معدش ينفتح الموضوع دِه تاني ..

نظر صفوت لرجال النعمانية حوله لعله يتلقى الدعم من احدهم .. لكن لا صوت يعلو فوق صوت عفيف الذى عندما يزأر تنكمش أشباه الأسود في مواضعها معلنة الولاء و الطاعة ..

دخلت عليها الخالة وسيلة هاتفة في حماسة:- انتِ لساتك نايمة يا داكتورة و النسوان برة بيسألوا عليكِ..!؟..
انتفضت دلال من موضعها تتطلع للخالة وسيلة في صدمة هاتفة:- نسوان ..!؟.. نسوان مين ..!؟..
فما عاد هناك من احد يأتيها بعد ان منع الرجال نساءهم من المجئ اليها بعد حادثة الخيار والطماطم ..
هتفت الخالة ضاحكة:- هيكونوا مين يعني ..!؟.. النسوان الحوامل اللي بياجوكي يكشفوا .. كلهم جاعدين تحت منتظرينك على نار..

دفعت دلال بجسدها خارج الفراش واندفعت للحمام تغير ملابسها فأخيرا ستنتهى ايّام الخمول و الدعة التي عاشتها و مرحبا بالعمل من جديد ..
اندفعت للنساء اللائي استقبلنها بحفاوة غريبة بعد هذا الانقطاع الطويل و استنتجت من أحاديثهن ان سعدية زوج مناع قد قامت بواجب الدعاية اللازمة لها بين نساء النجع و صاحباتها ليعدن من جديد لزيارة الطبيبة (وش الخير) .. والتي جاء على قدمها وولد على يديها بن مناع الذى كان يترجاه من الدنيا على حد قولهم .. على الرغم من ان مناع لم يترج شيئا من الدنيا الا سلامة زوجه سعدية مهما كان نوع المولود و هي شاهدة على هذا..

ألقت بكل هذا خلف ظهرها وبدأت في استقبالهن بفرحة فمهما كان سبب عودتهن فالأهم إنهن عدن ..
بعد قليل اندفعت للمطبخ تطلب بعض الحاجيات من الخالة وسيلة .. همت بإلقاء التحية عليها في ترحاب الا ان وجه الخالة وسيلة لم يكن ينذر بالخير ابدا فهتفت دلال متسائلة في قلق:- خير يا خالة !؟.. شكلك ميطمنش .. انتِ مخبية عليا حاجة !؟..
تنهدت وسيلة هاتفة في شجن:- هخبي ايه بس يا بتي !؟.. ربنا يستر ويفضّل المستخبي مداري ..

هتفت دلال متعجبة:- ايه الألغاز دي يا خالة !؟.. في ايه !؟..قلقتيني.
تنهدت وسيلة في حسرة:- صفوت واد عمة عفيف بيه و ناهد طلبها لتاني مرة النهاردة جدام رچالة النعمانية كلهم ..
شهقت دلال في ذعر:- طب و بعدين !؟.. عفيف بيه قاله ايه !؟..
اكدت وسيلة مشفقة:- هيجوله ايه يعني !؟.. جاله هى عند بت خالتها ف المنصورة و لما ترچع نبجى نتكلموا ف الموضوع ..
تنهدت دلال بدورها:- طب ما هو الحمد لله اتصرف كويس اهو ..

اكدت وسيلة:- لحد ميتا يا بتي !؟.. المرة دي وعدت على خير .. طب و لو طلب تاني هايبجى ايه الجول ساعتها .. صفوت دِه اصلا لما يحط حاچة ف دماغه ياللاه السلامة..
شردت دلال للحظة و اخيرا تساءلت بلهجة متعاطفة:- طب و عفيف بيه عامل ايه !؟..
لم تكد تنهي سؤالها الا وانتفضت و الخالة وسيلة موضعهما ما ان تناهى لمسامعهما ندائه الجهوري:- يا خالة وسيلة ..

هتفت وسيلة مشيرة الي اتجاه مجئ الصوت الهادر هامسة:- اهااا .. واعياله .. من ساعة ما چه م الجاعدة إياها وهو ع الحال دِه ..
لم تعقب دلال والخالة وسيلة تندفع لخارج المطبخ ملبية ندائه لكنها استشعرت تعاطفا كبيرا مع حاله .. واشفقت عليه بحق .. فذاك الرجل كبير قومه لن يسمح ابدا لأي من كان حتى و لو كان اخته الوحيدة و مدللته بان تحط من قدره اًو تكون سببا في عار يلحق باسمه .. سيفعل المستحيل حتى يتجنب حدوث ذلك حتى ولو كان ثمن ذلك باهظا ..

أنهت كشوفاتها بشرود كبير فما زال القلق يخيم على روحها و بالرغم من سعادتها لانها أخيرا ستعود لسابق عهدها و تجد ما يشغلها نهارا الا انها سعادة مبتورة مغموسة بالقلق و الترقب.
دلفت للمطبخ حيث الخالة وسيلة لعلها تخبرها بما يريح خاطرها المنهك لكنها لم تجدها بموضعها كالمعتاد تأهبت لدخول البيت الكبير و اذا بها تسمع عفيف يهتف في عنف رج روحها رجا:- يعني انت متاكد انهم عنديك!؟.. طب متتعتعش من مطرحك و اني چايلك مسافة السكة.. سااامع !؟..

اكد من كان على الطرف الاخر بالسمع والطاعة واغلق الهاتف ليغلقه عفيف بدوره مندفعا باتجاه اعلى الدرج .. سقط قلبها ذعرا بين قدميها .. هل وجدهما !؟.. هل كان الحديث التليفوني الدائر عن اخيها و ناهد اخته !؟.. هتفت بنفسها مؤكدة.. و من غيرهما يمكن ان يكون محورا لحديث كالذي دار منذ لحظات!؟..
اندفعت لأعلى الدرج خلفه لتستطلع الحقيقة لتجده يخرج من غرفته و هو يعدل من وضع سلاحه بجيب جلبابه الداخلي .. شهقت في صدمة مما استرع انتباهه ليرفع رأسه متطلعا اليها حيث لم يتوقع وجودها.. فتلك هى المرة الاولى التي تعتلي فيها الدرج باتجاه حجرات الدار ..

صمت ولم يعقب لكنها هتفت بصوت متحشرج:- انت لقيتهم !؟.. صح !؟..
اندفع مهرولا هابطا الدرج لتتعقبه مهرولة بدورها واخيرا توقفت بطريقه تسد عليه منفذ خروجه و هتفت صارخة والدموع تتأرجح بمقلتيها:- هتعمل فيهم ايه !؟.. عشان خاطري حكم عقلك ..

هتف بنبرة عجيبة على مسامعها كأنها ليست له:- خاطرك على عيني يا داكتورة بس في حاچات مينفعش فيها چبر الخواطر .. عن اذنك ..
هم بالخروج الا انها تشبثت بذراعه هاتفة في توسل:- طب خدني معاك .. انا متأكدة ان وجودي هيفرق .. و يمكن لما نسمع..
لم يمهلها لتستكمل حديثها بل اندفع خارج البيت الكبير ولم يسعها الا السقوط على قدميها التي ما عادت قادرة على حملها ذعرا و قلقا على ما قد تأتي به الاحداث القادمة ..

رن التليفون مما جعل كلاهما يقفز فزعا .. فمن يمكنه الاتصال بشقة معروف انها مغلقة في مثل هذا الوقت من العام و لا يسكنها احد.. كاد نديم ان يغص بلقيمة الطعام التي كان على وشك ابتلاعها عندما علا رنين الهاتف..

نظر الى ناهد في شك يسألها المشورة في صمت هل يرد على المتصل ويرفع سماعة الهاتف ام يتجاهل الرنين رغبة في عدم فضح أمر وجودهما !؟.. لكن ناهد كانت اكثر حيرة منه وهى تتطلع للهاتف وكأنه قنبلة موقوتة على وشك الانفجار ..

عزم نديم امره لينهض في تثاقل ليرد .. لكن قبل ان يصل لموضع الهاتف .. انقطع الرنين .. فتنهد في راحة لم تدم طويلا عندما علا رنينه من جديد ليرفع السماعة بسرعة حتى لا يتردد في الرد من جديد..
وضع السماعة على أذنيه في حذّر دون ان يجيب ليندفع لمسامعه صوت سمير صارخا باسمه:- نديم .. رد يا بنى آدم ..
هتف نديم في قلق:- خير يا سمير.. في حاجة ..!؟..

هتف سمير مذعورا:- ايوه في .. امال برن عليك ف الوقت ده عشان اقولك سلامات .. ابويا فطريقه للإسكندرية انا معرفش أتحرك امتى بالظبط و لا هيوصل عندكم امتى .. بس ألحق اخرج من الشقة بأسرع ما يمكن وحاول تخليها ذي ما كانت ..
انتفض نديم متطلعا حوله في اضطراب:- حاضر .. حاضر يا سمير حالا .. و متشكر على كل حاجة ..

هتف سمير في ضيق:- متشكر على ايه مفيش بينا الكلام ده .. انا أسف اني هخرجكم من الشقة دلوقتى بس غصب عني .. ده انا عرفت بالصدفة من امي ان ابويا طلعت ف دماغه ينزل إسكندرية النهاردة .. أسف بجد يا نديم ..
أكد نديم:- ولا أسف ولا حاجة انت ذنبك ايه انت كتر خيرك لحد كده .. انا هتصرف و هسيب لك المفتاح بتاع الشقة مع البواب ذي ما اتفقنا .. متشكر مرة تانية يا سمير .. سلام بقى عشان ألحق اسيب الشقة قبل وصول الوالد .. سلام عليكم ..

ووضع السماعة لينظر لناهد في ترقب فأومأت برأسها هامسة:- فهمت .. ولا يهمك.. ياللاه نسرع ونمشى قبل ما الراچل يوصل ويعمل لأبنه مشكلة ..
اندفع كل منهما في اتجاه يعيدا الشقة كما كانت ويجمعا حاجياتهما …

هتفت دلال صارخة تبحث عن الخالة وسيلة و التي ظهرت اخيرا قادمة من خلف البيت الكبير حيث غرفة الخبيزهاتفة بذعر بدورها:- ايه في يا بتي !؟.. خبر ايه !؟..
اندفعت اليها دلال ترتمي بأحضانها هاتفة في لوعة:- لقاهم يا خالة .. عفيف لقي نديم و ناهد ..
شهقت وسيلة بدورها:- لجيهم !.. يا منجي م المهالك يا رب ..

هتفت دلال من بين شهقات بكائها:- حاولت اروح معاه .. مرضيش يا خالة .. يا ترى ايه اللي هيحصل .. هيموتهم !؟..
و هتفت فى صدمة:- بجد هيموتهم!؟.. يعملها يا خالة !؟.. قوليلي.. طمني قلبي و قوليلي انه ممكن يحكم عقله و نلاقي طريقة غير قتلهم تداوي الموضوع ..
صمتت وسيلة و لم تعقب بحرف لكن دموع عينيها التي انسابت كانت كافية للرد على تساؤلاتها و زيادة ..



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 7010 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 4086 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 3120 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 2985 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 3425 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، جلاب ، الهوى ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 10:37 صباحا