أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

المنتدى للقرائه فقط -- للمشاركه انتقل الى منتديات جنتنا الجديده -forums.janatna.com





رواية جلاب الهوى

غريبة هي في أرض عجيبة يسودها الجهل و يحكمها العرف و تطبق على أنفاسها التقاليد البالية تحاول تحقيق هدف ما و رغم توافقه مع ..



11-01-2022 01:17 صباحا
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 

t22017_4320
غريبة هي في أرض عجيبة يسودها الجهل و يحكمها العرف و تطبق على أنفاسها التقاليد البالية تحاول تحقيق هدف ما و رغم توافقه مع هدفه إلا أن السبيل ليس بواحد، هي تسعى للسماح و المغفرة و هو يسعى للثأر تحقيقا لموروث عائلته العريقة.
فهل سيجتمع مأربهما يوما ما ؟ و هل للهوى يد فيما ستؤول إليه حالهما ؟
فصول رواية جلاب الهوى

رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول

بعنوان ( القربان )

وقفت العربة رباعية الدفع السوداء امام البناية المقصودة ليطل منها هو ناظرا لها بتردد و أخيرا تنهد و اسند جبينه على عصاه في قلة حيلة يتساءل هل ما سيقدم عليه الان صحيح .. ام لا ..!؟.. دوما ما كان يحكم الشرع و الأصول و الأعراف في كل ما يقوم به من أفعال .. لكن ما يهم بفعله الان لا يجد له تصنيفا في ايهم .. لكنه رغم عن ذلك هو مضطر لفعله ..

همس سائقه و كاتم أسراره مناع بصوت هادئ و هو مدرك تماما لتلك العاصفة العاتية التي تجتاح نفس سيده وولى نعمته:- مش هتنزل يا عفيف بيه ..!؟.. العمارة بتاعت الباشمهندس اهى ..
رفع عفيف جبينه من فوق كفيه المتشابكتين فوق الرأس المعقوف لعصاه هامساً بما يعتمل بصدره لمناع:- و الله ما اني عارف يا مناع اللى هنعِمله دِه صح .. و لا عملة شينة هنتعيروا عليها العمر كله ..!؟

همس مناع بدوره:- يا عفيف بيه .. ما اللي حُصل برضك مش هين .. و انت باللي بتعمله بتمنع المصيبة الكَبيرة واللى بچد ممكن نتعيروا بسببها العمر بطوله و تطول عيال عيالنا كمان يا بيه ..
هز عفيف رأسه متفهماً و مدركاً لصدق حديث مناع و حقيقة ما همس به ..
تنهد من جديد و قد استقر به الامر ليندفع خارج السيارة و خلفه مناع لداخل البناية و التى جاءا خصيصا اليها ليمنعوا ما لا يمكن منعه او الوقوف امام طوفانه ..

وقفت في حيرة امام خزانة ملابسها لا تعرف ما عليها انتقائه لتضعه في تلك الحقيبة المشرعة أمامها على طول الفراش
كل ما يدور برأسها الان هو انها لن تستطيع وداع اخيها الوحيد قبل سفرها المحدد له بعد الغد صباحا.. فها هي تجد نفسها مضطرة للسفر بديلا عن احدى زميلاتها الطبيبات لذاك المؤتمر بالخارج نظرا لظروف ألمت بها.. و ها هي متحيرة في كم الملابس و نوعها و المفترض وضعها في حقيبتها حتى يتنسنى لها الاهتمام بالامور الأخرى الخاصة بشقتهما .. تلك الشقة هى ميراثهما الوحيد من والديهما الراحلين و التي سكنتها معهما و أخيرا مع اخيها الذى يعمل الان مهندسا للرى معين حديثا بإحدى مدن الصعيد ..

تنهدت وهي تندفع خارج الغرفة باتجاه المطبخ لتصنع لنفسها كوبا من الشاي الساخن لعله يمنحها بعض الدفء وتساءلت ماذا ستفعل في تلك البلاد الباردة التي هى في سبيل السفر اليها عما قريب وهي لا تحتمل البرد بهذا الشكل و ابتسمت و هي تحتضن كوب الشاي الذي صنعته على عجالة متخيلة نفسها أشبه بتلك الدجاجة التي تحتفظ بها في المبرد و هي وسط ذاك الثلج الذى يحيطها من كل جانب في تلك البلد الاروبية الباردة..

جلست تضع شالها الصوفي يضم كتفيها والذي كان يوما ما لأمها و فتحت التلفاز لعلها تأنس بما يصرف عنها ذاك الشعور القاتل بالوحدة ..
و لكن لم يفلح اي من تلك المشاهد المعروضة على الشاشة في جذب انتباهها لتسرح كعادتها في ذكريات الماضى الذى تزخر به أركان تلك الشقة العتيقة ..
رحل والداها تباعا لتصبح هي المسؤولة عن اخيها الذى لا تكبره الا ببضع سنوات .. أصبحت الام و الأب له في مرحلة خطيرة من حياته .. لكنه لم يخيب ظنها وكان دوما نعم الأخ العاقل المستقيم أخلاقيا و دينيا والذي كانت تفخر به دوما في كل محفل مؤكدة على الرغم من فارق العمر البسيط بينهما انه ابنها و ليس اخيها ..
لكم تفتقده ..!؟..

يغيب كثيرا منذ جاء تعيينه في تلك البلدة البعيدة فلا تره الا عدة ايّام كل شهر او ربما اكثر .. وخاصة في الآونة الأخيرة اصبح يمر اكثر من شهر و نصف الشهر حتى ينعم عليها بزيارة لا تستغرق يومين لا تسمن و لا تغنى من جوع .. اه لو يعلم مقدار اشتياقها لمحياه و مجلسه الذى لا يخلو من المزاح و المحبة!؟..
تنهدت و هي تتذكر عتاب احدى صديقاتها
"... لما لا تتزوجي ..!؟.. هل عدم الرجال أنظارهم ..!؟.."..

و كم ظلمت الرجال ..! .. فالعيب فيها لا في الرجال .. فهى لم تعدم إطلاقا وجودهم بحياتها .. و كم تقدم لها الطالب تلو الاخر يتمنى الاقتران بها لكن هى من كانت ترفضهم بحجج مختلفة كان أولها اخيها و دراسته و انها كرست حياتها لخدمته حتى يقف على قدميه ويشق طريقا لمستقبله .. و ها قد فعل ..!؟.. فما حجتها الان ..!؟..
الجميع يعلم انها على مشارف الثلاثين .. و انها بحكم عادة المجتمع الغبية هي الان على وشك الحصول على كلمة عانس و الدخول الى نادى العنوسة المجتمعي بجدارة .. فلا امل قريب في الاقتران بمن تراه مناسب قبل بلوغ هذه السن المخيفة ..

ابتسمت في حسرة و هي تهمهم .. ان لا احد يدرك .. و لن يدرك بطبيعة الحال ان السبب الحقيقى في عزوفها عن الزواج هو رغبتها الدفينة و التي تحتفظ بها في أعماق قلبها .. انها تتمنى لو تتزوج عن قصة حب عميقة و رائعة كتلك التي عاشها أبواها ..

ذاك السر الذى لم تطلع عليه حتى اقرب صديقاتها زينب وظلت تحتفظ به داخلها تغذيه يوما بعد يوم بأحلام وردية و حكايات من نسج خيالها عن فارس أحلامها .. كانت تشعر انها ستنال التقريع الشديد من صديقاتها ان أخبرتهم بذلك .. و تحاشت ان يتهموها بأنها لازالت ترفل في أحلام المراهقة و ان ذاك ليس تفكير طبيبة تعيش فى مطلع التسعينيات من القرن العشرين بل انها احلام فتاة من مطلع القرن الماضي .. و ان عليها النظر حولها للواقع الذى ينتظرها وليس الأحلام التى تُغرق صاحبها في التعاسة عندما يتأكد من صعوبة تحقيقها و يصطدم بالواقع ومجرياته ..

تنبهت ان كوب الشاي بين كفيها قد برد وهى لم تتناول نصفه تقريبا .. همت بالنهوض الى المطبخ مجددا الا ان جرس الباب علا رنينه لتستدير عائدة لتفتحه و هي تلتقط حجابها من على المقعد المجاور لباب الشقة .. رفعت قامَتَها القصيرة نسبيا لتنظر من تلك العين السحرية التى اصر نديم اخيها على تركيبها بالباب منذ امد بعيد حتى يصمئن بأنها لن تفتح الباب لغيره عندما لا يكون بالمنزل وخاصة عندما كان ينسى مفتاحه كعادته ..

تطلعت عدة مرات في حيرة من تلك العين فلم تر بوضوح من يكون بالخارج ..
هتفت بخوف من خلف الباب:- مين بره .!؟
تكلم عفيف بلهجة هادئة لا تعكس مطلقا خبايا نفسه:- سلام عليكم .. افتحي يا داكتورة عايزينك ف كلمتين ..
هتفت بنبرة ترتعش خوفا:- إنتوا مين ..!؟ و كلمتين ايه اللى إنتوا عايزيني فيهم ..!؟..
هتف عفيف من جديد:- عايزينك بخصوص الباشمهندس نديم ..

كان ذكر اسم اخيها هو كلمة السرالتي جعلتها تنتفض في ذعر لتفتح الباب بلا وعي و خاصة عندما ادركت انهم من الصعيد حيث يعمل اخوها وهتفت في قلق بالغ و هي تشرع الباب:- ماله نديم!؟.. هو بخير ..!؟.. أوعى يكون حصله حاجة!؟..
تطلع اليها عفيف للحظة قبل ان يحيد بناظريه عنها تأدبا و هو يهتف:- متجلجيش يا داكتورة .. هاتعرفى كل حاچة .. بس مينفعش ع الباب كِده ..
تنبهت انها لاتزال على عتبة الباب واقفة في ذعر و هو يقف في هدوء بجلبابه و عمامته وعصاه التي تسبق موضع قدماه بخطوة و خلفه يقف احد مرافقيه كأنه ظل له..

ترددت هل تسمح لهما بالدخول ام لا .. و خاصة انها بمفردها بالشقة و حتى خادمتها التى تعينها بأعمال المنزل من وقت لأخر ليست هنا ..
ادرك هو ما يعتمل بنفسها من صراع ليهتف مؤكدا:- انا مش هاخد من وجتك كَتير يا داكتورة و مناع .. و أشار لمرافقه .. هيدخل معاي .. وهجولك المفيد و نتوكلوا ع الله..

كان فضولها و رغبتها في معرفة كل ما يخص اخيها اكبر من اي قلق او صوت تحذيري همس داخلها يردعها ..
تنحت جانبا مفسحة لهم الطريق في محاولة لوأد التحذيرات التى تصدح عاليا بجنبات صدرها و تركت الباب مفتوح و الذى وقف مناع على عتباته كحارس لن يتزحزح عن موضعه حتى يأذن سيده بذلك.. عادت ادراجها للداخل حيث وجدت عفيف يقف في منتصف الردهة لا يحرك ساكنا ..
همست محاولة تلطيف الأجواء:- اتفضل .. تحب تشرب ايه ..!؟..

هتف عفيف بلهجة محايدة:- احنا مش چايين نضايفوا يا داكتورة ..!؟ فين اخوكِ الباشمهندس نديم ..!؟..
هتفت بذعر:- نديم ..!؟.. ليه ..؟!. هو مش المفروض عندكم ف الصعيد ..!؟.. مش إنتوا برضو من البلد اللى اتعين فيها بقاله سنة ..!؟..
أومأ عفيف برأسه مجيبا:- ايوه .. هو كان متعين في بلدنا مهندس ري لحد امبارح …
هتفت في ذعر:- يعنى ايه ..!؟.. راح فين وعملتوا فيه ايه ..!؟..

هتف عفيف بلهجة باردة:- انتِ اللى هتجوليلنا راح فين يا داكتورة دلال .. مش دلال برضك ..!؟..
اومأت برأسها إيجابا و هي تهتف في تعجب:- أدلك ازاى على مكانه و انا معرفش هو فين أصلا ..!؟.. و بعدين انت عايزه ليه من أساسه!؟.. اخويا عمل ايه عشان تيجى تدور عليه بالشكل ده ..!؟..و انت مين م الأساس ..!؟..

جلس عفيف في نزق هاتفا:- ان كان على انا مين ..!؟.. فأنا عفيف النعماني .. كبير نچع النعمانية اللي اخوكِ شغال فيه .. و ليه بدور عليه!؟.. عشان المصيبة الكَبيرة اللى عملها و اللي لو ملحجنهاش هتضيع فيها رجاب و أولهم رجبة المحروس اخوكِ..
شهقت دلال في رعب و لم تعلق للحظات محاولة استيعاب الامر برمته ..الا ان عفيف لم يمهلها لتستفيق حتى من صدمتها بل اندفع باتجاه الردهة الداخلية التى تشمل غرف المنزل ..

هتفت هي في تعجب:- انت رايح فين .. !؟،..هي وكالة من غير بواب ..!؟..
لم يستمع لندائها او اعتراضها بل اندفع يفتح جميع الغرف في ثورة عارمة حتى وصل أخيرا لغرفتها ليطالع الحقيبة المفتوحة على الفراش مؤكدة ان احدهم كان في سبيله للرحيل بدوره .. لمعت في رأسه الفكرة ليجز على أسنانه في غيظ هاتفا بصوت كالفحيح من بين شفتيه المطبقتين تقريبا و هو يستدير ليطالع دلال التى كانت في أعقابه تحاول منعه من اقتحام حرمة منزلها بهذا الشكل السافر:- جلك اهُربى جبل ما نوصلولك .. مش كِده ..!؟..

تراجعت خطوة للخلف في هلع من مرأى الغضب الكامن في حدقتيه الفحميتين ..
وردت في حروف متقطعة:- اهرب ايه .!؟ و اهرب ليه من أساسه ..!؟..
هتف عفيف بصوت كالرعد:- تهربي عشان تداري ع المصيبة اللى اخوكِ وجع فيها حاله .. و هيوچعنا كلنا وياه .. هو مش عارف هو هيچر علينا ايه باللى عِمله دِه ..!
تجرأت و سألت في تردد:- معلش بس هو اخويا عمل ايه لكل ده ..!؟. اعرف بس ..






همس بنبرة مشتعلة بالقهر:- اخوكِ يا داكتورة هرب وَيَا اختي الصغيرة .. و الله و اعلم ايه اللى حصل دلوجت ..
شهقت دلال من جديد هامسة:- نديم مش ممكن يعمل كده ..
هتف في غضب:- لااه .. عِمل .. وهي اللى چالت الكلام دِه بنفسها .
واخرج من جيب جلبابه ورقة مطوية ألقاها باتجاه دلال التى تلقتها في عجالة و فضتها لتقرأ اعتراف المغفلة الصغيرة اخته بالحب..

انها تحب نديم وقررت الهرب معه بعيدا رغبة في الحفاظ على ما بقي من حقها في اختيار شريك حياتها و حتى لا تُغصب على الزواج من احد أبناء عمومتها حتى ولو لم يكن مناسبا لها او لا تحبه ..
أغلقت دلال الخطاب و نظرت الى ذاك الواقف كالطود بحجرتها لتشعر فجأة ان ابعاد الغرفة نفسها قد تغيرت و تبدلت بشكل عجيب ..
همس ساخرا:- هااا.. صدجتى يا داكتورة ..ايه رأيك في عمايل اخوكِ ..!؟..

هتفت مدافعة:- اخويا متربى و مش ممكن يعمل كده ..!؟.. ده تربيتى .. نديم لا يمكن يعمل كده ..
انفجر عفيف ضاحكا بسخرية:- تربيتك ..!؟ و الله وتربيتك زينة يا داكتورة ..عرفتى تربي صحيح ..
لتهتف هي بغضب كان المرة الأولى الذى يظهر جليا بصوتها منذ قدومه:- اعتقد تربيتى لأخويا اللي مش عجباك متفرقش كتير عن تربية اختك اللى هربت معاه..
ساد الصمت للحظات كانت نظرات كل منهما للاخر كفيلة بقتله حيّا .. وأخيرا قطع عفيف ذاك الصمت مندفعا باتجاه الحقيبة التى كانت ممتلئة لمنتصفها تقريبا بالملابس من كافة الأنواع و الأشكال ليغلقها بعنف هاتفا:- هما دجيجتين تچهزي فيهم حالك و تلبسي و أهي شنطنتك چاهزة ..

اندفعت هاتفة بحنق:- اروح فين!؟..واجهز ايه ..!؟.. انت اكيد جاى تهزر!؟.. انا مسافرة مؤتمر طبى مهم جدا بكرة ..
هتف بلهجة جزلة:- مؤتمر مهم !؟ اكيد مش اهم من حياة اخوكِ و اللي ممكن يحصل له بعد العملة السودة اللى عِملها ..
تنهدت و قد ادركت انه يعلم تماما نقطة ضعفها فهمست بقلة حيلة:- يعنى انت عايز ايه دلوقت ..!؟.. اخويا و انا معرفش مكانه و معتقدش انه عمل اللى انت و اختك بتقولوه ده .. مش يمكن بترمي بلاها عليه !؟ ..

جز على اسنانه غاضبا:- و الله لو راچل اللى جال الكلمتين دوول لكان زمانه مدفون بمطرحه .. اما مكان اخوكِ .. سواء عرفاه ولا لاااه .. لما يعرف انك عندينا هايجي زاحف.. وساعتها هعرف مكان اختى .. و الحساب يچمع ..
قال كلمته الأخيرة في لهجة جعلت البرودة تسري بأوصالها ويرتعش لها بدنها كله ..

وأخيرا اندفع خارج الغرفة وهو يهتف في لهجة امرة:- هستناكِ بره يا داكتورة .. شهلى لسه الطريج طويل و ماجدمناش النهار بطوله..
عاد لموضعه الأول مع مرافقه الذي لم يبرح مكانه في الردهة الخارجية بينما أغلقت هي باب حجرتها لا تعرف ما عليها فعله و لا كيف يمكنها التصرف ..
نظرت للحقيبة المغلقة أمامها على الفراش و هي تشعر انها كالدنيا التي أغلقت أمامها في تلك اللحظة المصيرية أبواب الخلاص ..
فهل هناك من منجى ..!؟..

قررت انها لن تستسلم لذاك المتسلط الذي جاء لبابها يرهبها و يثير فيها رغبة الحماية لأخيها لترحل معه بهذا الشكل .. انها لن تبرح مكانها حتى تدرك مكان اخيها لعلها تستطيع ان تنقذ ما يمكن انقاذه و خاصة ان ذاك الرجل لا يعلم لغة للتفاهم غير العنف و ما يمكن ان يتبعه من مصائب هى فى غنى عنها .. انها متأكدة ان اخيها لا يمكن ان يقوم بتلك الفعلة المشؤومة .. لا يمكن ان يضع نفسه فى مأذق كهذا ابدااا ولو بدافع الحب ..

عزمت ان تضع قرارها موضع التنفيذ و تسللت بخفة من حجرتها حتى المطبخ و فتحت بابه الذي يطل على سلم الحريق كما هو الحال فى معظم البنايات القديمة ..
وما ان هبطت السلم حتى اصبحت خلف بنايتها فاندفعت تشير بلهفة لأحدى سيارات الأجرة التى توقفت بجوارها لتصعدها على عجالة امرة السائق بالاندفاع مبتعدا فى أقصى سرعة ..

طال انتظاره لها و شعر ان الامر اصبح غير عادي بالمرة .. توقف على اعتاب الردهة مناديا:- يا داكتورة .. متهئ لي طولتى جووى كِده ..
لم يسمع ردا .. فشعر بالقلق يعربد بصدره فاقترب من باب الغرفة فإذا به مشرعا و هى ليست بالداخل .. اندفع باتجاه المطبخ و صدق حدسه عندما رأى ان هناك باب اخر للخروج غير باب الشقة الأصلي و انها هربت ..

صرخ لاعنا مما استرعي انتباه مناع خفيره ليلحق به للداخل هاتفا فى اضطراب:- چرى ايه يا عفيف بيه !؟..
هتف عفيف بغيظ:- هربت .. هنعملوا ايه دلوجت !؟.. جلت هتاچي معانا .. چوم اخوها يظهر و نلموا الموضوع بدل الفضيحة ما تفوح ريحتها و تبجى سيرة النعمانية على كل لسان .. و الله ساعتها ما هيكفيني الا اني اشرب من دمهم الچوز..
هتف مناع محاولا امتصاص غضب سيده:- هتداوى يا عفيف بيه .. ربك هيدبرها ..

اندفع عفيف خارج الشقة و تبعه مناع بدوره و اغلق خلفه بابها و هو يشفق فى قرارة نفسه على حال سيده الذى وضعته اخته الصغري فى مأذق كهذا … كانت مدللته و اخته الوحيدة التى لم يكن يرفض لها طلبا و لو كان فى اقاصى الارض .. كيف تفعل به ذلك !؟.. كيف تضع رأسه في الطين و تجعل ذكره العطر مضغة فى افواه أسافل البشر ..

اندفع عفيف لداخل السيارة وتبعه مناع امام مقودها وهمس فى حذّر متقيا نوبة غضب سيده:- هنطلعوا على فين دلوجت يا عفيف بيه !؟.. ع النچع ..!؟
هتف عفيف فى اصرار:- لاااه .. مش راچع الا و معايا حد فيهم .. يا الباشمهندس و اختي .. ياخته الداكتورة عشان تبجى الطعم اللي يچيبه .. مش هعتب النچع الا و حد فيهم بيدي .. اطلع ع الفندج اللي بيتنا فيه عشية .. و ترچع انت على هنا تاني تجعد جدام العمارة .. و لو لمحت الداكتورة رچعت تكلمني ف ساعتها ..

هتف مناع مؤيدا:- حاضر يا عفيف بيه .. مش هايغمض لى چفن لحد ما ربنا يسهلها و ترچع ..
هتف عفيف و مناع يدير السيارة مبتعدا:- هترچع .. يعنى هتروح فين !؟.. و خصوصى انها جالت لى انها مسافرة بكرة و كانت محضرة شنطتها .. يعنى غصبا عنها هترچع ان مكنش عشان السفر ..هترچع عشان اخوها..
ابتسم ابتسامة صفراء عندما استشعر انه على حق .. و انها لامحالة عائدة من جديد الى شقتها و لن تستطيع ان تبتعد مهما حاولت ..

بكت دلال بدموع ساخنة و صديقتها زينب تقدم لها مشروبا ساخنا فى محاولة لتهدئة أعصابها المحترقة لوعة على اخيها الأصغر ..
هتفت دلال من بين دموعها:- مش عارفة اعمل ايه !؟.. قوليلى يا زينب .. اعمل ايه !؟.. بقى بزمتك نديم ممكن يعمل اللى بيقول عليه الراجل العجيب ده !؟.. انت تصدقى الكلام الأهبل ده على نديم!؟..

هزت زينب رأسها نفيا مؤكدة بثقة:- طبعا مش ممكن .. نديم ميعملش كده .. لا تربيته و لا اخلاقه تسمح له بانه يعمل الكلام المريب اللى قاله الراجل المجنون ده .. اهدى بس انت يا دلال و اكيد نديم هيظهر بين لحظة و التانية و نفهم منه ايه الحكاية ..
انتفضت دلال صارخة:- نفهم ايه يا زينب !؟.. هو الراجل ده هيسيبه اصلا لو ظهر !؟.. ده مش بعيد يقتله حتى من قبل ما يتكلم معاه و يعرف فين الحقيقة .. دوول شكلهم ناس مش بيتعاملوا الا بالسلاح .. و الدم أرخص حاجة عندهم .. يا حبيبى يا نديم .. يا ريتنى ما وافقت تتعين بعيد كده .. انا ايه اللى خلاني سبيتك تبعد عني !؟… اعمل ايه يا رب !؟.. اعمل ايه ..!؟.

لم تنطق زينب بحرف فلم يكن لديها ما تواس به صديقتها فقد كانت على حق بكل كلمة نطقتها و ما من هناك لحل لتلك المعضلة ..
مرت لحظات من الصمت لم يقطعها الا شهقات متقطعة صادرة من دلال على حال اخيها الذى لا تعلم مصيره حتى اللحظة الآنية ..
و اخيرا هتفت فى حزم:- انا هروح مع الراجل ده و اللى يحصل يحصل ..

انتفضت زينب مذعورة:- انتِ اتجننتى يا دلال !.. تروحى فين!؟.. تروحى بلاد بعيدة مع حد ما نعرف ان كان صالح و لا طالح!؟..او حتى ممكن يتعامل معاكى ازاى !؟ .. و لا يعمل فيكِ ايه !؟..ده جنان رسمى ..
هتفت دلال بقلة حيلة:- امال اعمل ايه !؟.. اسيبه لحد ما يوصل لنديم و يعمل فيه حاجة !؟.. اهو لو رحت معاه أكون موجودة لو حصل حاجة يمكن اقدر انقذ الموقف .. اهو أكون قريبة منه و اعرف اذا كان نديم وقع ف ايده و لا لأ .. يمكن ساعتها اقدر اتصرف .. اعمل اى حاجة يا زينب بدل ما اقعد كده حاطة أيدي على خدي مستنية خبر اخويا يجيلي ..

ربتت زينب على كتفها متعاطفة و هتفت فى إشفاق:- و الله ما عارفة اقولك ايه !؟.. ربنا معاكِ .. و ينتهي الموضوع ده على خير ..
انتفضت دلال فى اتجاه باب الشقة راحلة لتهتف زينب متعجبة:- على فين دلوقتى !؟.. استنى طب خدى نفسك .. انت ملحقتيش تستريحي م المشوار ..
هتفت دلال و قد كانت بالفعل تقف على اعتاب الشقة الخارجية:- مفيش وقت يا زينب .. لازم ارجع و حالا .. انا متأكدة ان اللى اسمه عفيف ده مستنيني .. لازم أخليه يرتاح انى بقيت ف ايده قبل ما نديم هو اللى يقع ف ايده و ساعتها معرفش ايه اللى ممكن يحصل .. دعواتك ..

هتفت زينب خلفها بعد ان اندفعت مبتعدة:- ربنا معاكِ .. و لو احتجتى اى حاجة اتصلى بيا .. و متقلقيش هبلغ اعتذارك حالا عن السفرية .. ربنا يسهل لك الحال ..
هتفت دلال مؤمنة:- اللهم امين ..
اشارت لأحدى عربات الأجرة لتستقلها عائدة الى حيث ذاك الذى تعلم تمام العلم انه بانتظار ظهورها.. و هاهى قادمة لتقدم له نفسها قربانا على طبق من فضة فداء لأخيها .. و ليكن ما يكون ..

كان القطار يتهادى مبتعدا عن محطة قنا وامامه اكثر من ثلاث عشرة ساعة سيقضيها يمخر عباب الطريق من قلب الصعيد حتى القاهرة و منها للأسكندرية .. كانت عيناه فى سبيلها للنعاس الذى جافاه بعد كل ما حدث عندما استيقظ بكامل وعيه مع صوت رئيس القطار مناديا رغبة فى الاطلاع على التذاكر ..

مد كفه بداخل سترته الثقيلة و أخرجهما ليهز رئيس القطار رأسه فى استحسان و يندفع متجها لأحد المقاعد الأخرى .. لاحت منه نظرة جانبية على محياها .. كانت قد راحت فى النوم منذ مدة قصيرة فقد جافاها النعاس بدورها .. فما حدث خلال الساعات الماضية يشيب له الوليد .. اشفق على حالها و هو يراها تضم ذراعيها حول جسدها رغبة فى بعض الدفء ..

نهض و خلع عنه سترته ووضعها برفق عليها و رغم انه حاول الا يوقظها بفعلته الا انها انتفضت فى ذعر متطلعة اليه فى شرود لدقيقة و اخيرا تذكرت ما حدث فدفعت سترته بعيدا فى رفق و بدأت الدموع تترقرق بمآقيها و استدارت تولي وجهها لنافذة القطار الزجاجية التى لمح دموعها الصامتة منعكسة على صفحتها .. تنهد فى قلة حيلة و ادار ظهره لها بدوره و هو يتساءل فى اضطراب و تيه .. هل ما فعله كان صحيحا !؟.. و هل كان عليه الهرب برفقتها !؟..

لم يجد نديم ما يجيب به على تساؤلاته التى شعر انها متأخرة بعض الشئ عن موعدها الطبيعى و المنطقى اناذاك غير زفرة قوية خرجت لاأراديا من اعماق صدره مؤكدة على كم المعاناة التى يرفل فيها عقله و مدى التيه الذى يسربل قلبه…

ما ان هم عفيف بوضع عصاه جانبا و شرع فى خلع عمامته حتى سمع رنين هاتف يلح فى طلبه .. اندفع ملبيا ليؤكد عليه عامل الفندق انها مكالمة لأجله .. جاءه صوت مناع هاتفا فى لهفة:- رچعت يا عفيف بيه .. الداكتورة اخت الباشمهندس توك راچعة ..
هتف عفيف فى عجالة:- طب خليك مطرحك .. و راجب مدخل العمارة و كمان خلى عينك على السلم الورانى اللى هربت منيه .. و انا چاى مسافة السكة .. سلام ..
اغلق عفيف الهاتف و اندفع يضع عمامته على عجالة و يجذب عصاه مندفعا للخارج ليلحق بها ..

لم يمر بعض الوقت الا و كان عفيف امام البناية من جديد .. اندفع باتجاه مناع متسائلا:- هااا .. خرچت و لا لساتها فوج !؟..
اكد مناع:- لاااه .. تخرچ فين و انا چاعد من ساعتها كيف الصجر !؟.. لساتها چوه ..
هتف عفيف امرا:- طب تعال وراي ..

اندفع عفيف بداخل البناية و خلفه مناع في عقبه كظله .. ما ان هم بطرق باب شقتها حتى وجدها تفتح فى هدوء و بجوارها حقيبة ملابسها التى كانت مشرعة منذ ساعات قليلة على فراشها و هى تقف فى ثبات هاتفة بنبرة حازمة:- انا جاهزة يا عفيف بيه ..
هتف و على شفتيه ابتسامة صفراء كرهتها من فورها:- كنت عارف انك هترچعي .. اتفضلى يا داكتورة..

مد مناع كفه متناولا حقيبتها حاملا إياها وهبط الدرج فى صمت لتغلق هى باب شقتها خلفها .. ليهبط عفيف الدرج بدوره و هى خلفه تتبعه فى هدوء ..
ما ان وصلا حتى العربة السوداء الفارهة حتى توقفت للحظة و عفيف يفتح بابها الخلفى هاتفا:- اتفضلي..
وقفت فى تيه للحظات لا تعلم هل ما تفعل فى صالح نديم !؟.. هل ذهابها سيكون رمانة الميزان التي ستحفظ التوازن عندما تحل الكارثة و يجده ذاك الرجل !؟.. ام انها تقدم نفسها الان كبلهاء على طبق من فضة كطعم لاصطياد اخيها ليقع بين براثن ذاك العفيف!؟..

تاهت فى خواطرها و نزاعات نفسها و لم تستفق الا على طلب عفيف هاتفا:- اتفضلي يا داكتورة اركبى !؟.. و لا غيرتي رأيك !؟..
كان ردها هو اندفاعها داخل العربة و قد سلمت امرها لله و استودعته نفسها و أخيها .. و ليقض الله امرا كان مفعولا .. مرت لحظات حتى انتفض قلبها بين صدرها و ازداد وجيبه عندما بدأت السيارة فى المسير لتبدأ رحلتها الى ارض لم تطأها اقدامها من قبل .. رحلة لا تعلم مداها و لا ما يخبئه لها القدر خلالها .. ألتقطت انفاسها فى عمق و تطلعت من النافذة فى اتجاه المجهول ..
تاااابع اسفل
 
 



11-01-2022 01:18 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [1]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية جلاب الهوى
رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

بعنوان ( الكابوس )

جلست باعتدال في المقعد الخلفي واختارت ان تجلس خلف مناع مباشرة اعتقادا منها انها بهذا الوضع ستكون ابعد له من كونها تجلس خلفه مباشرة لكنها لامت نفسها لانها ادركت انها أصبحت الأقرب اليه فى تلك اللحظة ..

هتف بهدوء و بنبرة واثقة من مقعده جوار مناع وهو يتحاشى النظر اليها و لم يستدر حتى برأسه الذي تعلوه عمامته الناصعة البياض و ذؤابتها التي تتدلى على كتفه تمنحه مظهرا أشبه بفرسان العرب قديما مؤكدا ومخرجا إياها من ذاك الخاطر العجيب الذى شوش مخيلتها للحظات لتنتبه لصوته الأجش:- يا داكتورة .. دلوجت محدش يعرف اى حاچة عن الموضوع بتاع اخوكِ دِه غير اتنين .. مناع و الحاچة وسيلة .. و دى هتجبليها لما نوصلوا بالسلامة .. و
هتفت بتعجل:- يا عفيف بيه .. مفكرتش للحظة انا هيبقى صفتى ايه هناك ..!؟.. انا هكون موجودة ف البلد قدام الناس على اي أساس!؟..

تجاهل عفيف الاستدارة لمواجهتها مجددا هاتفا فى هدوء:- لو صبر الجاتل ع المجتول يا داكتورة ..
هتفت بضيق:- قصدك ايه ..!؟..
هتف عفيف من جديد بهدوءه الذى يوترها و تجاهله لمواجهتها:- انا كنت لسه هسألك .. تخصص حضرتك ايه ..!؟..
هتفت و كأنه سأل بالفعل:- أمراض نسا و توليد ..
هتف في ثقة و كأنه يحدث زجاج السيارة الامامى المقابل له:- عز الطلب .. تاهت و لجيناها .. النچع محتاج داكتورة للحريم عشان انتِ اكيد عارفة الرچالة هناك مش بيرضوا يودوا حريمهم لداكتور راچل .. و انتِ چتيهم نچدة من السما ..
هتف مناع مؤكدا و هو ينظر لعفيف نظرة ذات مغزى:- كنها چت بوجتها يا بيه ..

استدارت دلال لحقيبتها الطبية التي تشاطرها المقعد الخلفى من السيارة و تنهدت براحة انها استمعت لندائها الداخلي و هي تهم بمغادرة الشقة لتتناولها معها وهي مغادرة للمجهول الذى لا تعرف ما يمكن ان يطالها من مواجهته و هتفت مستفسرة:- انتوا تقصدوا ايه !؟...

هتف عفيف و هو لايزل يتجاهل الاستدارة لموضعها:- اصلك انا كنت ناوي اني اچيب داكتورة للحريم ف النچع و اهااا كنها اتحلت على يدك يا داكتورة و دِه اللي هنجوله لأهل البلد .. انك الداكتورة اللي اتفجت معاها تاجي عشان الحريم و طبعا مفيش مكان ينفع للضيافة ف النچع كله اكتر من بيت النعماني الكَبير .. و دِه هايبجي سبب كافي عشان تشرفينا من غير ما اهل النچع يشوفوا وچودك ف البيت الكبير غريب .. حضرتك عارفة طبعا نظرة الناس ف البلاد دي بتبجى كيف !؟..

اومأت برأسها دون ان تجيب و اخيرا هتفت عندما ادركت انه لا ينظر اليها:- اه طبعا يا عفيف بيه .
ابتسم مناع ابتسامة واسعة و هو يهتف موجها حديثه لها:- انى مرتي حبلى .. و البركة فيكِ بجى يا داكتورة تتابعيها ..دى هاتبجى اول اللي هياجوكي ..
ثم استطرد متوسلا عندما لم يعقب عفيف بأى تعليق بل ألتزم الصمت المريب الذى يجيده و لا يتحدث الا للضرورة:- اه والله يا داكتورة .. دِه حضرتك ربنا بعتك ليها دي كانت هتموت النوبة اللى فاتت لولا ربنا نچاها ..

واستطرد في أمل:- و اهااا يمكن ربنا يكتب على يدك مچية الواد ..
هتفت مستفسرة بتعجب:- واد ..!؟.
فسر مناع:- اه .. نفسى ربنا يرزجني بواد .. اصلك أني عِندي بتين ..

صمتت و لم تعقب .. و تعجبت انه لازال ذاك الفكر العقيم يسيطر على الرؤوس هناك في تلك البلاد البعيدة التي حكى لها اخيها بعض من عاداتهم و تقاليدهم و نحن على مشارف الألفية الثانية .. و تعجبت اكثر ان اخيها لم يذكر و لو لمرة واحدة اسم عفيف بيه او اخته .. هى على يقين انه لم يفعل و لم يذكرهما في حديثه و لو مرة .. و الأعجب من ذلك انه قد تورط معهم بهذا الشكل .. لازالت لا تصدق انه فعلها ..

لكن هناك هاتف داخلها يخبرها ان ما قرأته بخطاب ناهد أخت عفيف حقيقي و لا يمت للعبث بصلة .. و ان اخيها متورط معهم حتى النخاع و هذا ما دفعها للانصياع لمطالب عفيف بلا قيد او شرط تاركة حياتها و كل ما يخصها خلف ظهرها مخافة ظهور اخيها في اى لحظة و حدوث ما لا يحمد عقباه .. عادت بنظرها لعفيف .. ألقت عليه نظرة خاطفة و اعادت نظرها مرة أخرى للنافذة جوارها و هي تشعر ان هؤلاء لا يمكن العبث معهم فيما يخص الكرامة و الشرف ..

عندها ازدردت ريقها في صعوبة و سرحت بناظريها بعيدا حيث ذاك الجبل الغربي على مرمى البصر يحتل امتداد الطريق يقترب تارة و يبتعد أخرى .. و لأول مرة شعرت بالخوف يزلزل أركان نفسها و هي تتجه لعالم اخر ابعد من مخيلتها .. لكن كل شيء يهون لأجل خاطر اخيها وسلامته ..

توقفت العربة بعد بضع ساعات امام احدى الاستراحات المنتشرة على الطريق .. هتف عفيف و هو يغض الطرف عنها متنحنحا فى ادب:- انزلي با داكتورة حركي رچلك شوية ..و تعالي نشربوا حاچة .. لساتها السكة طويلة ..
اكدت فى هدوء:- انا مش تعبانة يا عفيف بيه .. ولو كمت وقفت عشان خاطري انا كويسة .. يا ريت نمشي عشان زي ما بتقول حضرتك السكة لسه طويلة و ده معناه ان الليل هيدخل علينا و احنا ع الطريق ..

تنهد عفيف و ترجل من السيارة هاتفا:- براحتك يا داكتورة .. اني عن نفسي نازل …
ابتعد خطوات فى اتجاه الاستراحة و جلس على احدى الموائد الخشبية تحت مظلة ما عاد فى حاجة اليها و الوقت قارب على الغروب ..
شعرت انه كان على حق بعدما احست بتيبس في عضلات كتفيها و ظهرها .. كان عليها ان تستمع لنصيحته و تنزل عن السيارة قليلا.. مرت دقائق اخذت تنازع فيها تلك الرغبة .. و اخيرا دفعت باب السيارة و ترجلت منها في اتجاه طاولته ..

ابتسم في هدوء عندما رأها قادمة تجاهه وتعمد ان لا يشعرها بالحرج .. جلست على مائدته ولم يعقب هو بحرف .. لحظات و جاء النادل بكوب من الشاي .. ليهمس عفيف مخاطبا إياها:- تطلبى ايه يا داكتورة !؟..
تطلعت للنادل هاتفة متجاهلة اياه:- عايزة شاي بالنعناع لو سمحت ..

زفر عفيف فى ضيق و تطلع في الاتجاه المعاكس في حنق .. و ما ان ابتعد النادل حتى هتف معاتبا فى لهجة حاول ان يسيطر فيها على انفعاله:- يا داكتورة .. لما يبجى معاكِ راچل جاعد .. جوليله اللي انتِ عوزاه و هو يطلبهولك .. مش تكلمي انت الچرسون و لا كني ليا لازمة ف الچاعدة دي ..
هتفت بحنق:- يا عفيف بيه الكلام ده تقوله لواحدة تخصك .. لكن انا واحدة غريبة عنك لا اعرف عاداتكم و لا تقاليدكم و لا ايه المفروض او مش المفروض بالنسبة لك .. و لا يهمنى اعرفه بالمناسبة لأني هنا ف مهمة محددة و باذن الله تخلص على خير.. مش موجودة عشان تعلمني ايه اللى يصح او ميصحش من وجهة نظر سيادتك .. عن اذنك ..

و اندفعت فى اتجاه العربة و فتحت بابها و دلفت اليها و اغلقته خلفها فى عنف ..
لحظات و تبعها عفيف و تبعه مناع.. كانت هى تتطلع من النافذة لا تريد ان تلق بالا لمن دخل او خرج من السيارة كأن الامر لا يعنيها..
لحظات و خرجت العربة للطريق مرة اخرى .. تنحنح عفيف و هو يمد كفه ببعض الاكياس و كوبا كرتونيا من الشاي ..
هتف فى هدوء:- شايك اللى طلبتيه يا داكتورة .. و معاه شوية سندوتشات .. احنا مكلناش لجمة م الصبح .. اتفضلي ..

مدت كفها تتناول كوب الشاي و الاكياس هامسة فى تحذير للسانها ان يلزم الصمت و لا يسبق عقلها في العمل كعادته .. لأنها بالفعل تتضور جوعا وذاك الطعام جاء بالوقت المناسب و كوب الشاي ذاك هو الأثمن على الإطلاق لعله يهدئ و لو قليلا من ذاك الصداع الذى اكتنف رأسها ولا سبيل لعلاجه ..
تنبهت انه يتناول طعامه بالمثل و كذا مناع .. همست بنفسها .. جيد انه لم ينس سائقه .. هناك بعض من رحمة في قلب ذاك الرجل ..

مر بعض الوقت .. و الصمت هو اللغة السائدة داخل السيارة .. شعرت بالضجر يكاد يقتلها و الطريق حولها قد تحول للون قاتم جراء زحف الليل لتصبح العربة و كأنها تسير فى طريق من رماد لا نهاية له ..
تنبهت ان عفيف كان يسند رأسه للخلف مستندا على ظهر مقعده .. يبدو ان رأسه يمور بالأفكار كرأسها .. و ذاك الصمت يعد تربة خصبة للكثير من الخواطر و الشجون .. لكن اعتقادها كان خاطئا فما ان ترجرجت السيارة قليلا بفعل احد مطبات الطريق .. حتى انحرف وجهه باتجاهها لتدرك انه يغط فى نوم عميق ..

لا تعلم ما دهاها حتى تتفرس فى ملامح الرجل بهذا الشكل !؟.. جبهة عريضة تغطي الجزء الأكبر منها تلك العمامة لتنحدرعيناها الى حاجبين كقوسين فحميين يظللان عيون صارمة خبرت نظراتهما عدة مرات اليوم و كانت كافية و زيادة لتدرك ان تلك العيون هى عيون نظراتها امرة لا تقبل الا الطاعة .. انف شامخ .. ينحدر قليلا عند ارنبته ليظهر منخاران متوسطى الاتساع تشعر بأنفاسه من خلالهما عميقة قوية .. و دافئة..

يظهر اسفل منها شارب كث متناسق و مهذب يحتل منطقة ما فوق الشفاه العليا و يغطيها تماما .. و اخيرا فم واسع بعض الشئ .. و شفاه مكتنزة .. كان باختصار مثال حي لرجولة خشنة و ملامح لا تعرف اللين ..
ظلت على تأملها له للحظات اخرى وفجأة انتفضت موضعها عندما فتح عينيه بغتة متطلعا حوله فى تيه ..
أبعدت ناظريها عن محياه و حمدت ربها فى نفسها انه لم يدرك انها كانت تتأمله ..

سأل عفيف مناع بصوت متحشرج لايزل يغلب عليه النعاس مما جعلها تشعر فجأة بعدم الارتياح لذاك الشعور الذى استبد بها ما ان وصل لاسماعها:- لسه كَتير يا مناع..!؟
اكد مناع:- لاااه .. خلاص يا عفيف بيه .. جربنا ..
ادار وجهه مواجها لها هاتفا:- تلاجيكِ تعبتي يا داكتورة !؟.. معلش .. بلادنا بَعيدة ..

همست و هى تحاول ان لا تتقابل نظراتهما فهى لم تجمع أشتات نفسها بعد الذعر الذى سببه لها استيقاظه المفاجئ ذاك:- لا ابدا .. انا كويسة الحمد لله .. و بعدين دلوقتى نوصل و نستريح..
قالت كلماتها الاخيرة و هى لا تع هل حقا ستستريح ما ان تطأ اقدامها تلك الارض ام انها ستكون بداية المعاناة الحقيقة !؟.. ظل السؤال حائرا بلا اجابة و مناع يؤكد على وصولهم لحدود نجع النعماني .. ليبدأ قلبها فى الوجيب توترا و قلقا..

اطلق مناع نفير العربة عدة مرات و هو يمر من خلال بوابة قصيرة نسبيا من الحديد المفرغ كانت مفتوحة على مصرعيها .. سارت العربة صاعدة منحدر طويل ينتهى قرب باب خشبى ضخم اشبه بأبواب القلاع القديمة .. راحت تتطلع لما حولها فى تيه و هى غير قادرة على تبين ملامح المكان حولها في ذاك الظلام الذى يسربلهم وتنبهت من شرودها و عفيف يستدير ليفتح لها باب السيارة هاتفا في هدوء اعتادته:- اتفضلي يا داكتورة ..

خطت خارج العربة في وجل تشعر انها تخط أولى خطواتها تجاه مجهول لا تدرك كيف يمكنه التأثير على مجريات حياتها التي اعتقدت انها ستسير دوما في وتيرة واحدة ما بين عملها و بيتها و اخيها و لكن هاهى تكتشف الان ان الأمور لم تسر على ذاك النحو السلسل الذي كانت تتوقعه فما بين طرفة عين و انتباهتها وجدت نفسها في بلاد غريبة مع شخصيات اغرب لهم عادات و تقاليد لا تستوعبها و حياة اخيها الوحيد في خطر من جراء معاداتهم ..

انتقضت عندما وصل لمسامعها هتاف عفيف ربما للمرة الثالثة داعيا إياها لمغادرة السيارة ..
بالفعل ترجلت منها في بطء عجيب و كأنها تنوى التراجع و العودة من حيث أتت و لكن هل هذا ممكن ..!؟ ترى أين هو نديم اخوها في تلك اللحظة ..!؟.. و هل ناهد اخت عفيف بالفعل معه ..!؟..

وقفت في تردد تتطلع حولها بقلق و وقعت عيناها على ذاك البيت الذي يقف شامخا قبالتها .. لم يكن من الصعب حتى في ذاك الظلام تبينه كان بيت من البيوت القديمة يعلو لثلاث طوابق يغلب عليه الطابع الحجرى فله بعض الأيقونات و النقوش على بعض افاريز النوافذ و الشرفات جعله أشبه بقلعة قديمة من قلاع القرون الوسطى .. أين هي!؟.. تسألت في دهشة و هي تجول بناظريها حولها من جديد ..

كان عفيف مدركا تماما لحيرتها و توجسها لذا تركها و تمهلها قليلا حتى استعادت ناظريها ووجهتهما اليه من جديد ليهتف في هدوء مريب:- مرحب بيكِ يا داكتورة ف النعمانية .. اتفضلي ..
تقدمها خطوات لتتبعه و يتبعهما مناع حاملا حقيبتها الوحيدة التي استطاعت المجئ بها ..
دخلت خلفه لبهو الدار لتجده واسع رحب يحمل الكثير من المقاعد و الأرائك المريحة موزعة بشكل منسق على جميع الجوانب و في احد الجوانب يطل درج لابد و انه يقود للطابق الثانى ..

هل يعتقد انها ستبقى معه بنفس المنزل ..!؟
هل هذا من الجائز ..!؟.. انها لن تسمح بذلك... و ليكن ما يكون ..هو نفسه اشار لما يمكن ان يكون رد فعل اهل النجع من وجودهما معا تحت سقف بيت واحد ..
قطع استرسال افكارها دخول احدى النساء التي كانت تتلفح بالسواد من احد الأبواب الجانبية هاتفة في سعادة:- حمدالله بالسلامة يا ولدي .
اتجه اليها عفيف في تقدير يقبل هامتها القصيرة مقارنة ببنيته السامقة هاتفا:- كيفك يا خالة وسيلة!؟..

تسألت في نفسها:- خالة ..!؟.. كانت تعتقدها امه من حفاوة الترحيب ..و للمرة الأولى ترى ذاك النزق ينحني لأى من كان و هو يقبل رأس تلك العجوز في محبة و تقدير زاد من تعجبها ..
هتف بها عفيف بصوته الاجش الذى يثير رعبها لا تعرف لما و خاصة انها تحاول ابعاد ناظريها عن تفاحة أدم التي تعلو و تهبط عند تحدثه في منتصف رقبته:- دى بچى يا داكتورة الخالة وسيلة .. دى في مجام امى الله يرحمها .. هي اللى ربتنى انا و ناهد .. و غلاوتها من غلاوة امى بالمظبوط ..

ربتت الخالة وسيلة على كتفه بكفها المتغضن هاتفة في فخر:- ان شاء الله تعيش و تسلم يا ولدي .. زينة الشباب و نوارتهم .. و حمدالله بسلامتك يا داكتورة .. نورتينا ..
هتفت دلال بعفوية للمرأة العجوز الطيبة:- ده نورك يا خالة وسيلة ..
هتف عفيف من جديد و العجيب انه ابتسم هذه المرة و هو يسأل الخالة وسيلة:- ها محضرالنا ايه ع العشا يا خالة ..!؟.. مش عايزين الداكتورة تجول علينا بُخلة ..
شهقت المرأة العجوز هاتفة:- بيت الحچ النعمانى بُخلة !... دِه بيت الكرم و الچود كله .. هي ترتاح بس و هتشوف احلى اكل داجته ف حياتها من يدي ..

ابتسمت دلال في سعادة و قد ارتاحت لإستقبال المرأة العجوز و كرمها:- تسلمي و تعيشي يا خالة .. هنتعبك ..
هتفت الحاجة وسيلة و هي تستدير عائدة من نفس الباب الجانبى:- تعبك راحة يا بتي ..اروح اشوف اللي ع النار ..
عادت دلال لنفس الأفكار عن محل أقامتها و ما ان همت بمناقشة ذلك معه حتى رأته يعود ادراجه للخارج هاتفا و هو يتوجه يساراً و كأنه قرأ خواطرها مشيرا لها لتتبعه ..
سارا خطوات خارج باب الدار ليستديرا بعد خطوتين بالضبط و يتوقف فجأة امام باب اصغر حجما من باب الدار الواسعة المنقوشة بنقوش خشبية بارزة .. فتحه وأخذ جانبا ليدعوها للدخول في تأدب ..

ترددت قليلا و أخيرا دلفت للداخل تقف على بعد خطوتين من المدخل لتدع له الفرصة ليمر و يدوس احد الأزرار الموجودة على احد جانبي الباب ليسطع الضوء في المكان منيراً عتمته ..لتدرك ان حقيبتها وضعت هاهنا .. لابد و ان مناع يعرف أين سيكون موضعها بالضبط ليدرك أين يضع حقيبتها دون ان يدله احد ..
اندفع يضئ كل انوار الردهة في سرعة و يده تحفظ أماكن مكابس الإضاءة في مهارة لتتحول القاعة الداخلية التي تراها الان بعين خيالها قاعة بهو معد لحفل راقص من شدة الإضاءة مما دفعها لتجول بناظريها في ارجاء المكان بعين حالمة تشع رقة ..

هم بالحديث اليها لينتبه لشرودها و لتلك النظرة التي كللت عينيها ليلتقط أنفاسه في عمق متعجبا من تبدل نظراتها للنقيض بهذا الشكل .. منذ لحظات كانت نظرات تحفز و استعداد لقتال و الان نظرات حالمة تفيض رقة لمجرد رؤيتها لبهو ساطع بالإنوار ..
نفض تلك الأفكار المتمركزة حولها ليندفع هاتفا و هو يشير لبعض الأبواب المغلقة و الرواق الجانبي الطويل:- هنا هتلاجى المطبخ و الحمام بتاع الضيوف .. اصلك دي استراحة الضيوف اللي بناها الحاچ النعمانى الكبير عشان يبجوا براحتهم بعيد عن الدار و اللى فيه .. انت يمكن متعرفيش لسه عوايدنا .. على كد ما بنكرموا الضيف .. على كد ما الضيف له مكانه بعيد عن الدار و حريمه اللي مبينكشفوش على غريب ..

وتنحنح وهي تومئ برأسها متفهمة ليشير لباب اخر هاتفا:- دِه باب المجعد .. أوضة كبيرة فيها كراسي ممكن نفضوها و نجلبها أوضة للكشف .. و خصوصي ان ليها باب بيتفتح من بره و دِه هيسهل انها تبجى لحالها بعيد عن المضيفة و محدش يدخلها غيرك يا داكتورة ..
وأخيرا قال في تردد بعد ان عم الصمت للحظات:- اني عارف يا داكتورة ان اللي بيحصل دِه مش على هواكِ .. و صدجينى مهواش على هوايا .. لكن ما باليد حيلة ..
غير الموضوع فجأة ليهتف:- اي حاچة انتِ محتچاها عشان الكشوفات جولي عليها و انا اجيبهالك على طوول ..

تحرك في هدوء ووقف على عتبة الباب من جديد مستعدا للرحيل وهمس بصوت أجش:- اتفضلي يا داكتورة …
نظرت الى كفه الممدودة لها بمفتاح المضيفة متعجبة وهتفت بسخرية:- هتديني المفتاح .!؟.. مش خايف اهرب ..!؟..
نظر لها بثقة اغاظتها:- احنا مش خاطفينك يا داكتورة عشان تُهربي .. انتِ جيتى معايا بخُطرك .. و اكيد مش هتهربي لأنكِ هنا ف الأساس عشان خايفة على اخوكِ منينا .. يعنى انا لو جلت لك دلوجت امشي .. انتِ اللي هتجولي لاااه .. اما اطمن على اخويا هتعملوا معاه ايه ..

لم تعلق بحرف و ماذا يمكنها ان تقول و قد قال الحقيقة و أصاب كبدها بمجمل كلماته التي وصفت الحال التي هي عليها بالفعل ..
غير راغبة في البقاء ولا قدرة لديها على الرحيل..
مدت يدها لتتناول المفتاح من كفه الممدودة و تلك النظرة الواثقة مازالت تكلل عينيه و التي جعلتها تود لو تحيد عنها ناظريها و لكنها ابت حتى لا يستشعر ضعفها ..
تمنت لو انه يكف عنها و خاصة لانها توترها و تدفعها لتشعر بمزيد من الغيظ و القهر ..

خرج في هدوء و أغلق الباب خلفه لتندفع هي في سرعة لتغلق الباب بالمفتاح عدة مرات سمعها و هو يغادر لتضيق عيناه على تلك النظرة التي تمقتها ويبتسم وهو يلقي بنظرة أخيرة الى باب المضيفة و يغادر..

اما هي فقد أسندت ظهرها على الباب الذى أغلقته للتو وهي تلتقط أنفاسها في تسارع من شدة توترها .. فهى ستكون وحيدة في هذا المكان مع أناس لا تعرفهم و لا تدرك كيفية التعامل معهم .. تطلعت من جديد حولها لذاك البهو الواسع الأنيق رغم قدم الأثاث المستخدم الا انه لا يخل من ذوق و فخامة و طالعها ذاك الدرج في اخر الرواق لتدرك ان غرف النوم بالأعلى .. فلابد ان تلك المضيفة مقامة على نفس طراز الدار الأساسية الملحقة به ..

حملت حقيبتها التي لم تكن بالثقيلة على الإطلاق .. و صعدت الدرج في تمهل تنظر بترقب للأعلى و هي تصعد الدرجات في حرص حتى وصلت لرواق طويل يبدو انه يحوى عدة غرف لم تتبين في الظلام عدد الأبواب التي تراها على جانبيه ..

لم تكن تملك الترف في تلك اللحظة و قد وصل بها الإنهاك و التعب لمبلغ شَديد ان تبحث في الغرف عن أجملها او أفضلها لذا فتحت اول الأبواب التي طالعتها و دخلت تتحسس الجدار حتى تجد زر الإضاءة الذى لمسته أخيرا لتسطع الغرفة لتدخل و تفتح النوافذ و تلك الشرفة الوحيدة بها ليطالعها منظرا جانبيا للحديقة الخلفية المحيطة بالدار وعلى مدد البصر لم تتبين الا بعض أعمدة الإنارة المتفرقة هنا و هناك ..

لا تعرف كم ظلت تقف تتطلع الى الظلام و تخيلت مصابيح الإنارة البعيدة ترقص جعلها ذاك الخاطر ترتجف و هي تتخيلها رؤوس اشباح تطل على القرية الناعسة التي تعمها العتمة في تلك اللحظة مما جعلها تنتفض و تدخل إلي الغرفة مغلقة الشرفة بإحكام ..
هي تدرك ان لياليها في تلك المضيفة لن تمر بسلام .. بل ستكون أطول مما تتخيل ..

لقد كانت تموت رعبا و هي وحيدة في شقتها عندما غادر اخوها لعمله هنا .. و كم ظلت مستيقظة الليل بطوله حتى اعتادت أخيرا على عدم وجوده و استطاعت التكيف مع شقتها ووحدتها فيها ..
الان كيف يمكنها التكيف على العيش و المبيت في مثل تلك المضيفة الواسعة وحيدة ..!؟..
ان الأيام و الليالي القادمة لن تكون من السهولة ابدا بأى حال من الأحوال ..
و همست و هي تحتضن جسدها بكفيها في محاولة لبث الطمأنينة داخلها لعلها تهدأ:- يا ترى انت فين يا نديم ..!؟.. سؤال ما كان له اجابة تريح اوجاع روحها ..

دس صديق نديم مفتاح شقته بكفه و هما واقفين بالقرب من ناهد التي كانت تنتظره تحت ظل احدى الأشجار على مقربة منهما ..
تطلع صديق نديم لها ببعض النظرات المتفحصة التي دفعت نديم للغضب هاتفا فيه بحزم:- سمير .. ركز معايا هنا ..
هتف سمير باستحسان:- مكنتش اعرف ان ذوقك عالي كده .. طلعت..

قاطعه نديم هاتفا بغضب حقيقي و هو يدفع بسمير مبتعدا عن مجال ناهد حتى لا يصلها صوتهما .. و هتف و هو يجز على اسنانه في غيظ:- انت فاكر ايه ..!؟.. دى مراتى يا بنى آدم ..
هتف سمير مندهشا:- مراتك ..!؟.. انا أسف يا نديم ..مقلتش ليه كده من الأول !..
ثم استطرد متصنعا الحزن:- و بعدين تعال هنا.. اتجوزت امتى و ازاى و انا معرفش و لا تعزمنى كأنى مش صاحبك ..!..

تنهد نديم في ضيق:- و الله الموضوع جه بسرعة يا سمير و فيه شوية أمور كده ملخبطة .. المهم .. انت هتحتاج الشقة امتى !.
صمت سمير للحظة مفكرا ثم هتف:- يعنى مش قبل أسبوعين .. انت عارف احنا شتا دلوقتى و الشقة ف إسكندرية ملهاش مطلب الا ف الصيف .. بس ربنا يهدي ابويا عشان ده من عشاق إسكندرية ف الشتا .. ربنا يجعل كلامنا خفيف عليه ..

ابتسم نديم و هو يدس المفتاح في جيب بنطاله هاتفا و هو يمد يده مودعا سمير:- متشكر يا سمير .. ربنا يقدرنى على رد جمايلك ..
هتف سمير موبخا:- جمايل ايه يا راجل ..!؟.. هو في بين الأخوات جمايل .. ياللاه روح لعروستك شكلها زهقت من الوقفة و الدنيا برد الصراحة ..
ألقى نديم نظرة عابرة على ناهد فتيقن من صدق سمير ليودعه و يلتفت متوجها اليها حاملا حقيبتهما..
همس بصوت رتيب:- أسف اتاخرت عليكِ .. اتفضلي .. الشقة مفتاحها معايا .. ياللاه بينا ..

اومأت ناهد برأسها إيجابا و سارت خلفه دون ان تعقب بكلمة و كل ما برأسها هو اخوها عفيف .. كيف استقبل خبر هروبها بهذا الشكل..!؟.. و كيف تصرف حيال ذلك ..!؟.. أغمضت عينيها رعبا و هي تتخيل مجرد تخيل ما سيكون عليه حاله ما ان يعلم بالأمر .. فكيف سيكون حالها و هي تقف أمامه مذنبة و متسربلة في خطيئتها ما ان يجدهما .. فهل تراه يفعل و يعثر عليهما ..!؟.. انتفضت عندما وصل بها الامر لهذا المنحى .. و استفاقت على صوت نديم هاتفا:- اتفضلي .. وصلنا ..

خطت اعتاب البناية الشاهقة المقابلة للبحر و الهادئة في تلك الفترة من العام حتى تظن انه لا يسكنها مخلوق .. و ارتعشت عندما أدار نديم المفتاح في موضعه ليهمس لها مشيرا لداخل شقة سمير:- اتفضلي..
دخلت بأرجل مرتجفة و هي لا تعلم الى اى شاطئ مجهول سيرسو بها قارب أيامها...

كان التعب قد بلغ منها مبلغا عظيما و هي تضع جسدها على طرف الفراش راغبة ف البقاء ممددة قليلا لعلها تُهدئ من ألام ظهرها التي انتابتها جراء ذاك السفر الطويل بالسيارة على الطريق الذي كان في في بعض الأوقات غير ممهد ..
لكنها لم تشعر الا و هي تنتفض غارقة في هزيانها .. تلفتت حولها لتتأكد ان ما رأته ما هو الا حلم او بالأحرى كابوس وولى هاربا ما ان فتحت عيونها بانتفاضة .. و ها هي تنتفض من جديد عندما طالعها ذاك الشبح الأسود قادما اليها من الباب و الذى اخيراً تبينته لتستكين روحها متنهدة .. لكن ضربات قلبها التي كانت تصم آذانها في تلك اللحظة لازالت على علوها فزعا ..

دخلت الخالة وسيلة بردائها الأسود الذى ارعبها بعد ذاك الكابوس العجيب لتهتف وهي تتطلع حولها في اضطراب:- يا بتي ..!؟.. ايه اللي دخلك الأوضة دي !؟... ما الأوض عِندك كَتير ..
تطلعت اليها دلال في تعجب متسائلة:- ليه يا خالة ..!؟.. هي الاوضة دي فيها ايه ..!؟..

تنبهت الخالة وسيلة أنها افضت بأزيد من المفترض فهتفت متعجلة بصدمة:- مفيهاش يا بتي ..هيكون فيها ايه يعني ..!؟.. هي بس ريحها تجيل .. و مش هاترتاحي فيها ..
و مدت كفها لملاءات السرير النظيفة التي كانت قد احضرتها معها و وضعتها جانبا ما ان دخلت الغرفة لتهتف بدلال متعجلة:- جومي يا داكتورة اختارلكِ أوضة تريحك .. تعالي معاي ..

مدت دلال كفها لحقيبتها تحملها في استكانة طائعة لاوامر المرأة العجوز لتخرج من الغرفة لتضغط المرأة ذر إطفاء النور على عجل و تغلق الباب خلفها وهي تتمتم ببعض الكلمات التي لم تتناهى كاملة الي مسامع دلال و لم تستوضح حروفها للأسف ..
توقفت المرأة العجوز عند اخر حجرة في الرواق لتفتحها متنهدة في راحة هاتفة:- الأوضة دى هتعچبك و هتستريحي فيها و كمان طالة على الدار كله .. و الباب اللي جارها دِه باب مكتب عفيف بيه ..
هتفت دلال بتعجب:- مكتب .. !؟..

اكدت الخالة وسيلة في حماس:- اه ..معلوم مكتب .. بياجيه الناس اللي عيشتغل معاهم و يجابلهم فيه ..و بيدخلوا من هنا .. هو عمره مدخل حد غريب البيت الكَبير .. الأغراب دايما بيچبهم على هنا طوالي و أكلهم و نومتهم هنا و لما يحب يجابلهم و يتحدتوا ف اشغالهم بيجوه ع المكتب من الباب دِه ..
اصلك النعمانى الكبير كان عايش ف المندرة دي جبل ما يبني البيت الكَبير و لما بناه عِمل بابين مفتوحين على المُندرة باب المكتب دِه والباب التانى باب المطبخ تحت .. يعنى ف اى وجت عايزة تاجينى سهلة اهااا ..

ابتسمت دلال للمرأة الطيبة التي استشعرت معها حنان امومي افتقدته منذ رحلت أمها عند دنيانا .
تذكرت المرأة لما جاءت من الأساس لتهتف و هي تضرب كفا بكف:- واااه يا وسيلة كنك كبرتي و خرفتي يا حزينة .. متأخذنيش يا بتى .. اني چاية أجولك عفيف بيه مستنيكِ ع العشا وجالى اجولك اتفضلي ..

همست دلال و هي تتثاءب في كسل و إرهاق واضح:- اشكريه يا خالة .. بس بجد انا مش قادرة انا بس عايزة انام و مليش نفس اكل ..
هتفت وسيلة في تعجب:- كيف دِه.!؟.. تنامي كيف من غير عشا ف البرد !؟ .. الچوع يجرصك ف الليل ماتعرفيش تنامى و لا تدفي .. جومى يا بتى ياللاه ..هِمي ..
تنهدت دلال و هي على يقين انها لن تستطع إقناع الحاجة وسيلة بما ترغب و لن تثنها عن تنفيذ أوامر عفيف بيه في الإتيان بها و لو محمولة على الأعناق من اجل العشاء المقدس في حضرته ..

11-01-2022 01:20 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [2]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية جلاب الهوى
رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

بعنوان ( الشبح الأسود )

سارت خلف الحاجة وسيلة و كل خلية من خلاياها تكاد تهتف برغبتها في الراحة و النوم.. فقد مر على اخر مرة نامت فيها بعمق ما يقارب الثلاث ليال منذ جاءها ترشيح سفرها و هي تدور حول نفسها توترا لتنجز اكبر قدر من أعمالها المؤجلة و تنظيم مواعيدها و حقيبة سفرها قبل الموعد المحدد و أخيرا جاء ذاك الخبر القاصم للظهر بظهور عفيف على عتبة دارها يخبرها بفعلة اخيها لتسرع بالاعتذار عن سفرها لظروف طارئة و تأتي لتلك البلاد البعيدة التي ما وطأتها قدماها من قبل في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه مع ذاك الذى يدعوها للعشاء على مائدة داره في تلك اللحظة ..

وصلت لتلقى التحية في شرود و جلست على طاولة الطعام التي تتسع لعدد كبير من الأفراد .. و وجدت عليها ما لذ و طاب من أصناف الطعام التي يسيل لها اللعاب .. لكن هي لا ترى أمامها الان الا دفء الفراش و دثاره ..

كما ان طعام كهذا كفيل بإصابتها بالعديد من الكوابيس لسوء الهضم و هي اكتفت الليلة من نصيبها من الكوابيس بعد ذاك الذى رأته في اول تلك الليلة الميمونة .. تطلع اليها عفيف بتعجب هاتفا:- ايه يا داكتورة .. اكلنا مش عاچبك و لا ايه ..!؟.. نجيبوا لك غيره ..!؟

هتفت هي في رفض:- لااا .. غيره ايه ..!.. ده جميل جدااا تسلم أيد الخالة وسيلة .. بس انا مش متعودة ع الاكل ده بالليل .. فمعلش اعفينى و استأذنك ارجع المندرة ..
نفض يده من طعامه الذى كان يلتهمه بشهية كبيرة و نهض على عجل هاتفا:- اتفضلى يا داكتورة .. أوصلك ..
هتفت دلال بإحراج:- لااا .. خلي حضرتك مرتاح انا عرفت طريقي ..متقلقش ..
هتف بأريحية:- على راحتك يا داكتورة .. دِه بيتك ..

ثم نادى الخالة وسيلة بصوت جهورى جعل دلال تنتفض لتظهر الخالة بسرعة كعادتها ليؤكد عليها هاتفا:- من دلوجت و طالع هتبجي مع الداكتورة ف المُندرة لو احتاچت اى حاچة تاجي جواام .. و تخليكِ بايتة معاها كل ليلة عشان متبيتش لحالها .. و اذا كان على كمال لما يرچع من مدرسته هايبجى معاي متجلجيش ..
سألت دلال بتهور دون تفكير اوعزته لتشوشها نتيجة رغبتها الملحة في النوم و الراحة:- مين كمال ..!؟..

لم يجبها احدهما للوهلة الأولى لكن الخالة وسيلة إجابتها:- دِه واد ولدي يا بتي .. هو اللي بجيلي من ريحته ..الله يرحمه
صمت عم المكان و لكن الخالة وسيلة اومأت برأسها موافقة على كل حرف نطق به عفيف دون ان تعقب بينما شكرته دلال داخليا في امتنان خاصة بعد ان امر الخالة وسيلة بمصاحبتها في المبيت .. الان فقط ستنام ملأ جفونها .. و ستحظى بنوم هانئ بعد ما حدث معها اول الليل في تلك الغرفة العجيبة التي دخلتها صدفة و لا تعرف هل كانت كوابيسها داخلها صدفة أيضا ..

استيقظت من نومها على صوت طرقات و ضوضاء تأتى من أسفل حجرتها مباشرة .. تنبهت انها نامت لفترة طويلة اكثر من المعتاد .. اطلت برأسها خارج أسوار شرفة غرفتها لتجد بعض من الرجال يحملون تلك المقاعد التي كانت موجودة في غرفة الجلوس او المقعد كما اطلق عليه عفيف بيه أمس يبدو انه يعمل على ترتيب تلك الغرفة لتليق بغرفة للكشف كما اخبرها البارحة .. ارتدت ملابسها على عجل و توجهت للأسفل ليقابلها هو بنظرته الغامضة و الواثقة دوما ..

تطلع للحظات لمحياها و هي تهبط الدرج في هوادة كأميرة متوجة و لكنه تنبه لنفسه فعاد يغض الطرف عنها حتى وصلت و ألقت التحية في ثبات هاتفة:- شايفة ان حضرتك بدأت بدرى .. و بتجهز الأوضة للكشف كمان ..
هتف عفيف مؤكدا وهو يتجاهل النظر اليها معطيا جل اهتمامه للعمال وعملهم:- اه .. جلت خير البر عاچله و اهو نشوف ناجصك ايه يا داكتورة عشان نچيبوه ..
ابتسمت في هدوء:- تمام .. انا هكتب لحضرتك أسماء الأجهزة و المعدات الطبية المطلوبة و بإذن الله أفيد البلد الفترة اللى قعداها معاكم ..

و صمتت فجأة لتهتف في وجل:- مفيش اخبار عن نديم يا عفيف بيه!؟..
تنهد في ضيق هامساً:- لو فيه اخبار حضرتك اول واحدة هتعرفيها .. بس مفيش .. حتى مهوبش ناحية شجتكم اللي ف مصر..
تنبهت لتسأل متعجبة:- و عرفت ازاى ..!؟..

أخيرا استدار لمواجهتها في ثقة تثير غيظها:- انى سايب اللى يتابع شجتكم هناك لانه اكيد هيلف و يرچع لها مهما بعد .. هو هيلاجي مين يوجف چنبه الا اخته .. و لما يعرف انك هنا .. هاياجى چرى على ملا وشه .. معلوم ..مش معجول يسيب اخته تدفع تمن غلطته السودا لحالها ..
هتفت دلال ساخرة:- و افرض عرف و مجاش .. هتعمل ايه ساعتها ..!؟..

ظهرت ابتسامة ساخرة على جانب فمه ثم هتف واثقاً:- مياچيش كيف يا داكتورة ..!؟.. لو بيعزك و بيخاف عليكِ كد ما بتعزيه و خايفة عليه .. يبجى هاياچي وهو بيرمح كمان..
تنهدت في ضيق وهي متأكدة ان كل كلمة نطق بها عفيف هي صحيحة تماما و ان أخيها لن يتورع عن المجئ الى عرين الأسد بقدميه متى علم انها هنا وانه قد تم استغلالها من اجل البوح بمكانه الذى لا تعرفه بالفعل ..

نظرت اليه بغيظ و هي تكاد تنفجر قهرا من كم الثقة الذى يعترى كل حرف ينطق به .. يا له من مسيطر ..!.. لا عجب من هروب اخته بعيدا عن سيطرته الخانقة و نظراته الواثقة حد الغرور و التي تخبر الجميع انه على علم بمجريات الأمور و كيف يمكن ان تسير على افضل وجه دون تدخل احدهم .. و أخيرا تنهدت و همست برجاء داخلي متضرعة:- ليتك لا تظهر يا نديم و لا تقرب الشقة مهما حدث فأنا قد احتمل ما يمكن ان يحدث لى هنا و لو بقيت مائة عام و لن احتمل ان يصيبك مكروه مهما كان من هؤلاء القوم و الذين على ما يبدو ليس لديهم اى عزيز او غالي يبقون عليه .. و على الرغم من غيظها و ضيقها من ناهد اخت عفيف والتي هى سبب هذا البلاء الذى حل بأخيها الا انها شعرت ببعض الشفقة تجاهها فماذا سيكون مصيرها اذا ما وقعت هى الأخرى بين يدى عفيف و رجاله و الذى ينتظر ظهورهما بفارغ الصبر حتى ينقذ شرف عائلته !؟..

تنبهت من خواطرها على نداء عفيف هاتفا:- الاوضة چهزت يا داكتورة ادخلي شوفيها لو ناجصها حاچة ..
اومأت برأسها و على شفتيها ابتسامة باهتة بقلب منقبض خوفا على اخيها الغائب الذى لا تدرك له مكان او ملجأ يمكن ان تستنتج انه لجأ اليه...ثم ردت بكلمات مقتضبة و توجهت حيث تركت حقيبتها الطبية على احدى المناضد لتتناولها رغبة في فتحها و التأكد ان الأجهزة الأولية التي ستحتاجها داخل الحقيبة بالفعل ..
حاولت مرارا و تكرارا ان تفتح الحقيبة لكنها ابت ان تُفتح ..

ليدرك عفيف حيرتها ليهتف في تساؤل:- خير يا داكتورة .. الشنطة مالها ..!؟..
تناولها منها رغبة في فتحها لكنها رفضت ان تبوح بسر مكنوناتها لأى منهما.. لذا هتف عفيف لأحد رجاله الذى لبى على الفور ليأمره هاتفا:- روح چيب الواد خرابة طوالى على هنا ..

اندفع الرجل ملبيا الامر على وجه السرعة لتهتف دلال بشك:- هو خرابة ده اللى المفروض انه يصلح الشنطة حضرتك ..!؟..
قفزت ابتسامة على شفتيّ عفيف لتعليقها الملئ بالسخرية على اسم خرابة و مدى تناقضه مع اي إصلاح يمكن ان يأتي من قبله ..
ليهتف مؤكداً و قد تنبهت ان تلك الابتسامة المتوارية قد غيرت في ملامحه الكثير:- متخافيش يا داكتورة .. دِه واد چن .. هيفتح الشنطة ف لحظة و من غير ما ياچى چنبها او يخربها.. متجلجيش..

ابتسمت ساخرة:- لا طبعا .. أخاف ازاى و انا خرابة بذات نفسه اللي هيفتح لى الشنطة ..!؟..ده انا طايرة من الفرحة ..
استدار مبتعدا تكلل شفتيه الابتسامة على الرغم انه يعلم انها تسخر من ذاك الشخص الذى ما تعاملت معه حتى لتحكم على قدراته لكنه لم يجادلها بل انتظر في صبر حتى ظهر خرابة على باب المندرة و معه ذاك الرجل الذى بعثه لاحضاره و الذى اختفى ما ان أتم مهمته ليندفع خرابة لداخل المندرة في اتجاه عفيف بيه يود لو يقبل كفه ليجذبها عفيف في صرامة و نبرة عاتبة لذاك الشاب الذى تعجبت انه صغير بالسن وهي التي ظنته رجل كبير و مخضرم في التعامل مع تلك النوعية من الحقائب الغالية الثمن و القيمة..

و شعرت بالضيق لاندفاع الشاب باتجاه كف عفيف الذى كان قابضا كعادته على عصاه العسلية اللون المعقوفة الهامة .. و تطلعت بغضب لذاك الذى كان ينحنى امام عفيف ليقدم له فروض الولاء و الطاعة .. هل هذا مفترض في بلد كهذه ..!؟.. هل هذا من عاداتهم و تقاليدهم ..!؟. ام انه خوف و رغبة في مداهنة الأقوى حتى يستطيع ان يعيش بسلام ..!؟..

تنبهت لصوت عفيف الآمر:- اديله الشنطة يا داكتورة متخافيش ..
تعلقت قليلا بحقيبتها ثم مررتها لخرابة و هي تستشعر ان حقيبتها لن تعود كسابق عهدها ابدا و ربما تعود قطعة من الخردة لا نفع منها من بين يدى خرابة ..كم شعرت بالأسى لذاك فتلك الحقيبة عزيزة على قلبها و لها ذكرى خاصة لديها فهى من رائحة ابيها الراحل ..

تناول خرابة الحقيبة و كأنه يتناول قنبلة على وشك الانفجار .. عاملها بإجلال واضح و هو يضعها على فخذيه عابثا بأقفالها ليهتف عفيف فيه مشجعاً:- ها يا خرابة .. هتعرف تفتحها !؟.. و لا هتخربها.. و تكسفنا جدام الداكتورة !؟ ..
ما ان انهى عفيف كلمته حتى أطلقت الحقيبة صوت مميز لتكات متتابعة دلالة على انصياعها لتُفتح على يد خرابة الذى جعلتها مهارته تفغر فاها في دهشة و عدم تصديق انه فعلها ..

ابتسم عفيف في سعادة و هو يربت على كتف خرابة الذى انتشى بفعل انتصاره على اقفال الحقيبة التي ما قاومت غزوه لها اكثر من لحظات..
تناولت دلال الحقيبة و بدأت في التطلع لمحتوياتها ليهتف عفيف رابتا على كتف خرابة الذى هم بالنهوض منصرفاً .. ليشيعه عفيف بنظرة استحسان و كلمات مبهمة لم تستطع دلال تبينها ..

هتفت دلال لعفيف:- خسارة الولد ده .. لو كان اتعلَّم .. كانت هتفرق كتير اكيد ..
همهم عفيف هامسا:- كل واحد بياخد نصيبه ..و الحمد لله ان نصيبه چه على كد كِده ..
لترد الكلمة خلفه بوجل:- صدقت .. كل واحد بياخد نصيبه ..
نعم .. كل منا ينال نصيبه من أرزاق الله كافيا ووافيا و لا يعلم كيف يأتيه النصيب و لا متى يأتي.. كل ما يدركه المرء ان نصيبه الذى قسمه الله له سيدركه كالموت لا فرار منه …

صرخة دوت في جوف الليل كانت كافية لانتزاع نديم من قلب فراشه مندفعاً لحجرة ناهد دون ان يطرق بابها ليجدها لازالت تصرخ مشوشة الفكر:- لااه .. مش انا يا عفيف .. انا اختك .. مش انا ..
جلس نديم على طرف فراشها يهز كتفيها حتى تستفيق لكن نظراتها الملتاعة كانت وكأنها ترى اخيها أمامها الان واقفا يتوعدها حيث تتسمر نظراتها وتهتف صارخة بأسمه ..
هزها نديم من جديد لعلها تصحو من ذاك الكابوس المسيطر عليها بهذا الشكل و المتكرر منذ ايّام ..

هتف فيها رغبة في إيقاظها:- اهدي يا ناهد .. اهدي .. ده مجرد كابوس .. انا نديم .. انا معاكِ متخافيش ..
لحظات من الشرود و التيه مرت و هي لا تجبه و أخيرا بدأت في البكاء عندما تيقنت ان ما رأته لتوها لم يكن الا كابوسها المعتاد منذ غادرت النجع و تركت كل ما يتعلق بحياتها السابقة خلف ظهرها حتى اخيها الوحيد الذى لا تحب مخلوق على الأرض بقدر حبها له ..

أشفق نديم عليها و هي على هذه الحالة من الضعف و الهشاشة .. فما مر بهما الأيام الماضية لم يكن سهل على الإطلاق على فتاة مدللة و رقيقة كناهد .. مد كفه ليناولها كوب الماء من الطاولة القريبة ..
امرها في هدوء وهو يقرب منها الكوب:- خدى اشربي .. هاتبقى احسن ..

دفعت الكوب بعيدا في غضب ناري صارخة و هي تنهض من فراشها دافعة الغطاء عنها غير مدركة انها تقف أمامه الان برداء نومها و بلا اى غطاء لشعرها الذى كان يسافر على كتفيها في غضب لا يقل عن غضب صاحبته:- انا مش عايزة أشرب .. انا مش عايزة حاچة .. انا عايزة اخوى .. عايزة عفيف ..
و انفجرت ثانية في بكاء يدمي القلب ولَم يكن بوسعه ما يقدمه في تلك اللحظة الا النهوض في هدوء و الرحيل خارج الغرفة تاركاً إياها لعلها تهدأ بعد قليل و تدرك انه لا يقل عنها حزنا و حرماناً .. و انه شريكها في نفس المركب .. مركب الضياع التي كتبها عليهما القدر ...

استعدت دلال للنوم و ما ان همت بوضع نفسها تحت غطاء فراشها حتى سمعت طرقات خافتة على باب حجرتها عرفت انها للخالة وسيلة فهتفت:- اتفضلى يا خالة ..
دخلت وسيلة و على وجهها تلك الابتسامة الوديعة المحببة و ما ان همت بالتوجه لفراشها في احد جوانب الغرفة حتى ابتدرتها دلال هاتفة:- تعالي جنبي يا خالة احكي معايا شوية لحد ما اروح ف النوم .

ابتسمت الخالة وسيلة و اتجهت لتجلس بالجانب الاخر من الفراش حيث اشارت دلال لتتدثر بالغطاء اتقاءً للبرد القارص في تلك الفترة من الشتاء هامسة وهي تربت على جبين دلال بحنان دافق استلذته الاخيرة و هي تتذكر حنان أمها و طيبة ابيها لتجده متمثلا في تلك المرأة التي انفتحت لها ابواب قلبها على مصرعيها ما ان طالعتها منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماها ارض النعمانية .. كانت تعتقد انها ستعاملها بجفاء و قلة اهتمام نظرا لمعرفتها بما حدث من اخيها لكن على العكس تماما كان تعاملها بكل حنان و ود و هذا ما اثار تعجب دلال و جعلها تسأل مستفسرة:- مقلتليش يا خالة ..

تنبهت حواس وسيلة لتجيب على ما تسأله دلال التي استطردت:- انتِ ازاى بتعملينى كويس قووى كده على الرغم من انك عارفة اللي حصل من اخويا و حكايته مع ناهد اخت عفيف بيه ..!؟..

تنهدت الخالة وسيلة و هي تملس على شعر دلال برقة هامسة:- أجولك الحج يا بتي ..اني مكنتش هديكى وش و لا كنت عايزة أعرفك م الأساس .. كفاية اللي عِمله اخوكِ .. لكن عفيف بيه كان محرچ علىّ اني أعملك زين .. و مضايجكيش و لا افتح معاكِ سيرة الموضوع دِه من اصله .. و ان چيتى للحج اني كمان اول ما اطلعت لكِ .. جلبي انفتح لك و جلت ذنبها ايه في اللي حصل من اخوها و ناهد ..

همست دلال بشجن:- بس نديم اخويا مش ممكن يعمل كده يا خالة..
همست الخالة وسيلة متنهدة:- و مين كان يجول إن ناهد بت النعمانى و اخت عفيف بيه تِعمل كِده ..!؟..
تنهدت دلال بدورها و همست بفضول:- بس إنتوا هنا بتسمعوا قووى لكلام عفيف بيه و محدش يقدر يكسر له كلمة . ..
واستطردت دلال ساخرة:- ده و لا الحاكم بأمره .. ده إنتوا شوية و تتنفسوا بإذنه ..
هتفت الخالة وسيلة من جديد:- معلوم يا بتي .. مش كبيرنا .. و امره و طاعته واچبة ..

هتفت دلال:- بس يعنى عفيف بيه مش كبير ف السن كده عشان يبقى كبير النعمانية .. ده سنه ميتعداش ال٣٥ سنة ..
هتفت الخالة وسيلة:- و من ميتا هي بالسن يا بتي ..!.. كفاية جوى انه يبجى حفيد النعماني الكَبير عشان يبجى ليه الامر والطاعة ..
تعجبت دلال:- يا سلااام ..!.. للدرجة دى ..!..

هتفت الخالة وسيلة مؤكدة:- معلوم .. اصلك انتِ متعرفيش يعنى ايه النعماني الكَبير .. النعماني چد عفيف بيه دِه .. هو اللي بنى النعمانية دي بيده .. يوم ما نزل أرضها و هي كيف ما انتِ واعية ف حضن الچبل .. الناس جالوا عليه مچنون .. رايح ف حضن الچبل يزرع و يجلع و الأرض عنديه براح .. لكن هو مهموش و عِمل اللى براسه و اول ما بنى .. بنى المُندرة دي .. كان عايش فيها جبل البيت الكَبير .. و اتچوز هنا .. و خلف ولاده كلهم .. لحد ما راحت مرته الست الكبيرة و هي بتولد واحد من عياله .. عاش بعدها كيف الرهبان .. مجربش على صنف الحريم من يوم ما غابت ..

تنهدت دلال في تعجب:- ياااه .. واضح انه كان بيحبها قوووى ..!.
ابتسمت الخالة وسيلة في شجن:- كان بيحبها بس .. جولى بيعشجها عشج كيف الحكاوي اللي بنسمع عنيها ف السيما .. عاش يتمنى يسمع منيها كلمة واحدة تريح جلبه .. لكن راحت جبل ما تجولها و هو عاش بحسرتها العمر كله لحد ما مات .. مجدرتش تنساله اللي عِمله فيها ..

فغرت دلال فاها و قد وصلت القصة لمنحى خطر لتهتف بفصول متسائلة:- عمله فيها ..!؟.. عمل ايه عشان متسامحهوش العمر ده كله و هو بيحبها بالشكل ده ..!؟..
تنهدت الخالة وسيلة و قد شعرت انها كعادتها تفضي بما لا يجب عليها البوح به فهمست و هى تنفض الغطاء عن جسدها لتنهض متوجهة لفراشها:- يا بتي سهرنا كَتير النهاردة .. نامي لحسن هتلاجى الحريم دريوا بمچيتك و هياجوكِ من فچر ربنا ..تتمسي بالخير ..

دست الخالة وسيلة نفسها بفراشها غير واعية لدلال التي اثارت القصة فضولها لأبعد حد لتتركها دون ان تخبرها بكل أحداثها ..
تقلبت بفراشها عدة مرات و اخيرا هدأت ممددة على ظهرها وهي تحملق بسقف الغرفة العالي جدا عن عادة المنازل الحديثة .. و ظلت تفكر في كل الاحداث التي سردتها عليها الخالة وسيلة حتى جذبها النوم الى احضانه لتنام هانئة قريرة العين…

لا تعرف كيف نهضت من فراشها لتجد نفسها تقف في ردهة المندرة حائرة بين الغرف الكثيرة المتناثرة أبوابها على جانبيها .. و أخيرا سمعت هناك من يناديها .. توجهت بكليتها باتجاه الصوت الضعيف الذى يناديها بإستماتة .. تحركت في آلية تجاه احد الأبواب و الذي لم يكن الا تلك الغرفة التي نامت فيها سهوا ليلتها الأولى هنا بالنعمانية..

فتحت باب الغرفة في ترقب ليطالعها الظلام الدامس للوهلة الأولى و فجأة يشع ضوء غريب يبدأ في الظهور على الفراش ليكبر بشكل مبهر كان يغشى عينيها عن رؤية ماهية ذاك الشئ المضئ الا ان الصوت الضعيف ذاك و الذى استمر يناديها طالباً للمساعدة بدأ في الظهور بقوة الان ..

لا تعرف كيف واتتها الجرأة و الشجاعة لتتقدم داخل الغرفة تجاه ذاك الضوء الساطع حتى اذا ما وقفت قبالته تبينت انها امرأة تجلس على طرف الفراش تمد لها يدها .. و لم تتردد هى لتعطيها تلك اليد لتنهض من على فراشها لتتبين دلال انها امرأة حبلى .. همست لها في رجاء وبنبرة ضعيفة:- خديني من هنا ..
اومأت دلال برأسها موافقة و أسندت المرأة و هما بطريقهما للخروج من الغرفة ..

خطوات بسيطة حتى ظهر ذاك الشبح الأسود الذى يقف على عتبة الباب يمنع خروجهما .. لم تتبين ملامحه لان الضوء كان يغمره من خلفه لكنه يبدو كظلا لعفيف ..
تمسكت بها المرأة المجهولة في وهن .. وهى تضع كفها الطليقة على بطنها المتكورة ..

همست بشئ لم تستوضحه دلال والتي حاولت وأصرت على الخروج من الغرفة مهما حدث مع المرأة المسكينة .. لكن ذاك الشبح الأسود كان الأسبق ليجذب باب الغرفة مغلقاً إياها و صدى ضحكاته يهز أركان المندرة جميعها حتى ان دلال نفسها لم تتوقع منه ذلك فهتفت صارخة ليفتح لهما الباب و يطلق سراحهما لكنه لم يكن ليسمع احد .. و عم الظلام من جديد حتى ان نور تلك المرأة بدأ يخبو رويدا رويدا حتى اختفى تماما و تلاشت هى معه ليسود الظلام الدامس من حول دلال .. لتصرخ في فزع ..
كانت صرختها تلك مدوية مع انتفاضة أيقظتها و الخالة وسيلة .. لتتطلع حولها في ذهول لتدرك انه كابوس اخر لا تدرك كنهه ..

ابتدرتها الخالة وسيلة مندفعة اليها بكوب ماء هامسة:- بعد الشر عنيكِ يا بتي .. استعيذى بالله و خدي اشربي ..
تناولت دلال كوب الماء لترشف منه القليل ثم اعادته لكف الخالة وسيلة التي ربتت على كتفها في حنان هامسة:- جومي يا بتي .. أتوضي و صلي و ادينا بجينا الصبح .. هنزل احضر لك الفَطور التمام ..

ما ان همت الخالة وسيلة بالرحيل حتى أمسكت دلال بكفها كطفلة تتشبث بكف أمها هاتفة:- لااا .. خليكِ معايا يا خالة لحد ما ألبس و ننزل نحضر الفطار سوا ..
ربتت الخالة وسيلة على كفها المتشبثة بها هاتفة:- و ماله .. استناكِ .. بس شهلى عشان عفيف بيه مبيحبش أتأخر عن فَطوره ..
هتفت دلال بوجل:- هو هيفطر معانا ..

اكدت الخالة:- معلوم .. ياللاه بس .. همي انتِ و انا مستنياكِ اهااا ..
أسرعت دلال في مهمتها وخرجت معها لتتوجه لتحضير الإفطار و مرت بجوار الغرفة وهى في سبيلها لنزول الدرج لترتعش لاأراديا ..
تنبهت الخالة وسيلة لتسألها في اهتمام:- مالك يا بتي ..!؟.. فيكِ حاچة ..!؟..
تنهدت دلال مفضية للخالة وسيلة بكابوسها العجيب و الذي لا تعرف له تفسيرا ..

امتقع وجه الخالة وسيلة مع انتهاء دلال من سرد حلمها .. لتربت على كتفها وتهمس بصوت تحمل نبراته قلق مبهم:- خير يا بتي .. خير ..
وضعوا الاطباق على طاولة البهو الواسع داخل البيت الكبير و ما ان انتهت كلتاهما من وضع اخر الاطباق حتى ظهر عفيف من اعلى الدرج متوجها إليهما .. هبط الدرجات في تؤدة مثيرة للأعصاب و اخيرا اصبح قبالتها ليهمس بصوته الاجش الذى يعبق الجو حولها بسيطرة عجيبة تجبرها الا تنتبه الا لنبراته القوية و تفاحة ادم الراقصة بحلقه:- صباح الخير يا داكتورة ..

اومأت هامسة بحشرجة عجيبة على صوتها:- صباح الخير ..
جلست على احد المقاعد على جانب الطاولة الكبيرة و التي تصدّر هو بطبيعة الحال مقعدها الأساسي على رأس احد أطرافها ..
بدأ في تناول الطعام بشهية معتادة و هي التي تشعر منذ الصباح ان بجوفها نار تستعر ..
تنبه انها لم تمد كفها للطعام بعد فهتف متعجبا:- طب ايه يا داكتورة .. البيت بيتك منتيش محتاچة عزومة ..يعني جلنا العشا ماشي طب و الفَطور كمان و لا انتِ حالفة ما تكلى من اكلنا .. !..

هزت رأسها نافية:- لا ازاي يا عفيف بيه .. بس اصل مش متعودة أفطر .. أدى كل الحكاية ..
أشار للطعام بتأكيد هاتفا:- مدي يدك بس كُليلك لجمتين هتلاجي نفسك اتفتحت ..
نفذت بآلية و هي تضع الطعام بفمها مختلسة النظرات اليه في غفلة منه تتذكر حلمها الليلة الماضية و شبحه الأسود لا يفارق مخيلتها .. و أخيرا تنبه هو لنظراتها المختلسة ليهتف متعجباً:- خير يا داكتورة بتطلعيلي كنك بتشوفينى لأول مرة..!؟ ..

تدرج الأحمر ليكسو خديها بإحراج واضح و ما كان لديها المبرر الكافي لتنقذ نفسها من سيل نظراته التي غمرها بها بدوره ..
لكن الخالة وسيلة تدخلت و هي تضع أكواب الشاي على الطاولة هاتفة:- اصلها حلمت بيك الليلة اللي فاتت ..
وليتها ما تدخلت .. هكذا هتفت دلال في سرها لاعنة نفسها ألف مرة انها حكت للخالة وسيلة حلمها الغريب ذاك رغبة في ان تجد تفسيرا لديها .. لا ان تضعها الان امام المزيد من سيل النظرات المسيطر ذاك و قد ضاقت عيناه متعجباً ليهتف أخيرا ساخراً:- حلمتي بيا ..!؟.. حاچة چميلة و الله ان حد يحلم بيك ..

هتفت في غيظ بغية رد اعتبارها:- مكنش حلم حضرتك .. كان كابوس..
انفجر ضاحكا على غير عادته حتى كاد يغص في احدى اللقيمات التي كانت بالفعل في حلقه و أخيرا هتف و هي يتناول كوب الشاي يرتشف منه رشفة سريعة قبل ان يهتف:- كِده يبجى ظبطت يا داكتورة ..اصلك حلم دي غريبة حبتين ..

ظنت انها ستقتص منه جراء إحراجها الا انها على العكس أصبحت وسيلة لتسلية صباحية غيرت مزاجه للافضل حتى انه نهض مغادرا و هو يجذب عباءته من على أطراف كرسيه الذى كان يتسيده منذ لحظات ليندفع للخارج ليطالها منه همس منتشي وهو يترنم على غير عادته المتجهمة بكلمات أغنية شهيرة هامسا:- بحلم بيك انى بحلم بيك ..

ظلت تتطلع الى مكانه حيث غاب منذ لحظات في ذهول واضح لتغير مزاج هذا الشخص الاغرب على الإطلاق .. ليعاجلها مناع مخرجا إياها من شرودها هاتفا:- الحريم بره ع البوابة يا داكتورة .. ادخلهم و لا لساتك بتفطري ..!؟..
هتفت لمناع:- دخلهم يا مناع .. انا خلصت ..
و نهضت من مكانها متوجهة للمندرة لعلها تجد ما يلهيها عن تذكر ذاك الكابوس و رد فعل صاحبه الأعجب على الإطلاق ..

11-01-2022 01:20 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [3]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية جلاب الهوى
رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع
بعنوان ( غجري )

انتهت دلال من معاينة النسوة جميعهن و ما ان همت باغلاق باب حجرة الكشف الخارجية حتى طالعها مناع على عتبتها يسألها في لهفة على حال زوجته:- معلش يا داكتورة بس سؤال كِده .. ايه اخبار مرتى ..!؟.. تماام ..
ابتسمت دلال لاهتمامه هاتفة:- اه يا مناع ذي الفل .. قربت خلاص كلها حاجة بسيطة و تدخل الشهر التاسع ..
هتف مستفسرًا:- يعنى كل حاچة تمام .. طمنينى يا داكتورة .. اصلك كانت هتروح فيها النوبة اللي فاتت..

اتسعت ابتسامة دلال هاتفة:- متقلقيش .. لحد دلوقتى كل حاجة تمام .. بس الظاهر ان سعدية حظها حلو انها اتجوزت راجل بيعزها و خايف عليها كده !..
وللمرة الأولى ترى مناع الذى يشبه الأسد الجسور ببنيته الضخمة و شاربه المفتول أشبه بقط أليف مع تلك الابتسامة الخجلى التي ارتسمت على شفتيه ليجيب هامسا:- معلوم يا داكتورة .. لو مكنتش اتچوزت سعدية مكنتش هتچوز غيرها ..
ردت دلال في سعادة ضاحكة:- يا بختك يا سعدية ..

أكد مناع:- و الله يا داكتورة اني ما كنت عايز عيال تاني .. الحمد لله على اللى چابه ربنا .. بس هى .. اعمل ايه ف دماغها .. عايزة تفرحني و تچبلي الواد ..
هتفت دلال:- باذن الله خير و ربنا يرزقكم باللي تتمنوه ..
رفع مناع يديه و ناظريه للسماء متضرعا:- يااارب ..
وهنا انتفض مناع في مكانه عندما تهادى لمسامعه نداء عفيف بيه باسمه ليهتف مسرعا اليه:- نعم يا عفيف بيه .. جاى حلا اهاااا ..

و اختفى بلمح البصر من أمامها لتبتسم هي و تدخل غارقة في افكارها.. و ما لابد لها من فعله لتبدأ النساء هنا في ادراك الحقائق العلمية و التي مفادها ان الرجل هو المتحكم في نوع الجنين و ليس هن .. لكن كيف لها ذلك؟ .. ذلك ما اخذ منها جل وقت بعد الظهيرة ..

حاولت النوم قليلا لكنها لم تستطع .. تشعر بالملل الشديد هاهنا .. لاتجد ما يشغل وقتها بعد انقضاء فترة الكشوفات الصباحية .. بعد ذلك يصبح اليوم طويلا و مملا ..
تنهدت في ضيق و هي ترتدي تنورتها و بلوزتها و وضعت حجابها على رأسها بإهمال فهى على ايه حال لن تخرج خارج حدود المندرة و ستجلس بالأسفل قليلا ..
دارت حول البهو الواسع تتطلع الى أثاثه القديم القيم و تفتح الأدراج لعلها تجد جريدة او مجلة ما تطالعها .. لكنها و لحظها الحسن وجدت مذياع كبير الحجم حملته في سعادة داعية الله ان يكون غير معطل ..

بدأت في تشغيله ليصدح بالأنغام .. صفقت بيديها جزلا .. و بدأت تتمايل بفرح مع الأنغام الرقيقة المنبعثة من الجهاز .. أخذت تدور في البهو الواسع تضئ أنواره واحدا تلو الاخر لتسطع القاعة بنور مبهر يجعلها أشبه بقاعات الحفلات الكبرى .. جذبت احدى الوسائد الموضوعة على احد المقاعد وأغمضت عينيها لتسرح بخيالها كالعادة و تحلم بأنها تراقص ذاك الفارس الذى حلمت به دوماً ..

استدارة و أخرى بتنورتها الواسعة و حماسها للموسيقى جعل حجابها الواهن الاستقرارعلى رأسها يسقط دون ان تنتبه و هى التي كانت تركت شعرها الغجري منسدلا بعد ان مشطته لها الخالة وسيلة ككل ليلة .. شعرها الذى كلما كانت تهم بقصه تتراجع في اللحظة الأخيرة عندما تتذكر ان ابيها كان يحبه طويلا و غجريا هكذا .. لم تحظ بشعر ناعم مسترسلا كأمها و كان هذا الامر يثير ضيقها فكانت تكره ذاك الشعر الذى يشبه أمواج البحر في ليلة ظلماء بلا قمر ..

أخذت تدور و تدور و كأنها تفرغ شحنات الغضب و التوتر و القلق و الأرق الذى يعتريها لعلها تهدأ بعدها و تنام .. و صورة اخيها الان امام ناظريها و لا تعرف ما سيكون مصيره لو ظهر فجأة و معه اخت ذاك المسيطر الذى لن يقبل بأى عذر مهما كان لما حدث ..
و للحقيقة هي لا تلومه مطلقا .. فماذا ستكون ردة فعل نديم ان قامت هي بذاك الفعل المشين ..!؟..

عند هذا الخاطر استفاقت متأوهة فلابد ان افكارها جذبتها و لم تنتبه لتصطدم بباب المندرة الرئيسي .. لكن الباب ليس من هذا الاتجاه .. و الباب .. حسنا .. لا يملك أنفاساً .. فتحت عيونها فى بطء و خواطرها تتزاحم في تشوش لا تستطيع تجميعها لتستخلص فكرة واحدة مفيدة ..
نظراتها تباطأت متصاعدة لتصطدم بتفاحة أدم التي كانت تهتز في اضطراب صعودا و هبوطا مؤكدة ان صاحبها يزدرد ريقه في تكرار متتابع ..

و أخيرا اصطدمت نظراتها بنظرات فحمية كانت تموج بمشاعر و انفعالات لم تستطع ان تفسرها و لو للحظة نظرا لتشوش افكارها وهي في تلك الحالة من صخب و فوضى من المشاعر و الأحاسيس العجيبة .. فها هي الان تجد نفسها ملتصقة باحضان احدهم بهذا الشكل الحميمي اقرب لدقات قلبه من نفسه.. نظراتهما معلقة و كأنها مشنوقة الى لوح القدر لا تستطيع ان تنتزع نفسها من ما هو محتوم و مقدر منذ خلق الله الأرض و من عليها .. ارواحهما هائمة لا تجد براح كاف لتجول به مبعثرة النشوة البكرالتي تعتريها..

لا تعرف .. و لا تعتقد انه نفسه يعرف لكم ظلا على حالهما ..ربما ثوان او ربما دقائق .. لكنها كانت في مقياسهما أشبه بدهر كامل من الحلم ..
تنحنح هو و ابتعدت هي و لازال السحر العالق بينهما كامن لم يخبو...
همس عفيف بصوت متحشرج لم يكن له وقد اختفت نبراته المسيطرة فجأة و هو يشير لباب المقعد الذي اتخذته هي غرفة للكشف:- انا نادمت عليكِ .. و لما مردتيش جلجت و انتِ سايبة باب الاوضة البراني مفتوح ودِه اللي دخلني .. و..

لم تنتظر استطراده و لم تكن تملك جوابا و كانت لاتزل ترفل في ضياع تلك اللحظة العجيبة و المحملة بعبير الدهشة الصافي .. لذا ما كان منها الا ان اندفعت تصعد الدرج في هرولة مبتعدة عن محياه قاطعة ذاك الخيط الرفيع من الروعة التي كانت تجمعهما ..

دخل غرفته في سأم أغلق بابها خلفه و دفع بعباءته بعيدا و من بعدها عمامته التي ألقى بها على المقعد المجاور باهمال وألقى بجسده على المقعد الاخر في انهيار دافعا برأسه المنهك ليتكئ على ظهر المقعد و يمد قدماه الطويلتان أمامه بعشوائية كما اتفق ..
أغمض عيناه للحظات لكن خواطره ابت عليه الراحة لينتفض فاتحا إياهما من جديد عندما تجسدت أمامه صورتها الراقصة التي طالعها منذ قليل ..
هتف موبخاً نفسه:- وااه يا عفيف .. خبر ايه !؟.. من ميتا بتجلب حالك الحريم .. ايه ..!؟.. نسيت وعدك لحالك ..

لتعود نفسه للرد هاتفة:- و يعني اللي وعدت نفسك لچل عيونها وفت بالوعد و لا كانت جتى تستاهله م الأساس ..
رد من جديد على نفسه:- وااه يا ناهد .. ليه كِده يا بت ابوى .. دِه اني حرمت الحريم على حالي و حلفت ما تدخل مرة (امرأة ) البيت الكبير جبل ما انت تروحي لبيت چوزك معززة مكرمة .. يبجى دِه چزاتى يا بت جلبي !؟ .. ياللي ربيتك ع العزيز والغالي ..ليه يا ناهد..!؟.. ليه ..!؟..

لم يلق جوابا لسؤاله الحائر سوى الصدى لصرخاته الداخلية بجنبات روحه و صمت مطبق بعده .. تنهد في ضيق وهو يخلع جلبابه و يلقيه جانبا و يرتدي اخر اكثر راحة مستعدا للنوم ..

لكن من أين يأتي النوم و صورتها كأنها وشمت على مقلتيه فلا يبصر بعين خياله حين يغلق عينيه الا صورتها و هي تتمايل كنخلة جذرها ثابت لكن عروشها السامقة تتراقص في مهب ريح العشق في ليلة مقمرة .. شعرها ذاك الغجري ايقظ بداخله أحاسيس ما كان يدرك انه يملكها من الأساس .. ذاك الغجرى قاتله لا محالة .. و كأنه سعف نخل يضرب بعنف وجه السماء فيوقظها من سباتها .. ليطل القمر النائم من خلف الغيوم و يظهر متربعا عرش السموات بلا منازع ..

عيناها .. إعصار من المشاعر و الفوضى المربكة سمراء شهية .. تحمل الكثير من الأسرار و الأسرار ود لو افتضها واحد تلو الاخر لتبوح بهم له وحده ..
وجهها .. صفحة نقية خمرية .. تشبه ذاك العسل المصفى فيه شفاء لروحه العليلة منذ دهور ..
تقلب على الفراش كالمحموم لا يدرك ما دهاه .. و أخيرا تنبه انه يلتقط بأنفاسه عطر غريب .. بل عطر خطر ..

اخذ يتابع شهيقه لعله يدرك من أين يأتيه ذاك العطر .. لكنه لم يفلح في ادرك المصدر فألقى برأسه الذى يمور كالمرجل على وسادته ليتيقن الان ان مصدر ذاك العطر .. هو .. ووضع كفه على صدره ليصبح اكثر يقينا ان عطرها الخطر اصبح الان جزءً من روحه .. ولن يفارقها ابدا ...

اجتمعت النسوة امام باب غرفة الكشف و جلسوا جميعا في نص دائرة في انتظار الدكتورة دلال و التي استدعتهن لامر هام .. و التي ظهرت أخيرا لتجلس على احدى الوسائد على درجة من درجات السلم التي تفضي الى غرفة الكشف لتكون اقرب ما يكون لتجمع النسوة و اللائي تطلعن اليها في فضول و ترقب لتهتف هي قائلة:- بصوا يا ستات .. احنا لازم نتفق على حاجة من هنا ورايح .. اللى هى ايه ..!؟..

هتفت إحداهن:- ايه يا داكتورة..!؟..
ردت دلال بثقة:- انتِ قيمتك في نفسك .. في حياتك و اللى بتعمليه فيها .. في تربيتك لأولادك .. مش قيمتك ابدا في خلفتك للولد او البنت..
ردت سعدية زوج مناع:- كيف يعنى ..!؟.. الواحدة لما تخلف الواد تسعد چوزها و تخليه رافع راسه وسط الخلج يا داكتورة ..
ابتسمت دلال هاتفة:- و على كده بقى اللى مخلفش ولاد يفضل مطاطي راسه العمر كله .. !؟.. ايه معترض على عطية ربنا و رزقه..!؟..

لم ترد إحداهن لتستطرد دلال بحماسة:- ايوه .. اعتراضك على اللى ربنا وهبهولك ده مينفعش و خصوصا لما تعرفى ان ملكيش يد فيه .. لان الراجل هو اللي مسؤل عنه بعد إرادة ربنا طبعا ..
هتفت احدى النساء من الخلف:- كيف يعنى مسؤل ..!؟.. وهو الراچل اللب بيحبل و بيولد .. !..

انفجرت النسوة ضاحكات و شاركتهن دلال مزاحهن حتى هتفت من جديد:- لا طبعا مش قصدي .. القصد ان الراجل ف جسمه نوع من ال..
و تحيرت كيف يمكنها توصيل فكرة الكرومسومات الذكورية و الأنثوية لنسوة غير متعلمات و لم يحصلن على القدر الكافى من المعرفة ليدركن تلك الحقيقة العلمية الشائكة و اخيراً و قعت أنظارها على احد الأطفال الذى جلبته امه معها و في احضانه بعض الخضروات من طماطم و خيار يتسلى بقضمها فنهضت تداعب الطفل حتى استطاعت استخلاصها من بين كفيه..

و عادت ادراجها مرة أخرى لمكانها على الدرج هاتفة:- بصوا يا ستات .. احنا هنعتبر إننا كستات الطماطم .. و الرجالة هم الخيار ..
انفجرت النسوة ضاحكات لتشبيهها ولكنها لم تعبء لذلك بل قابلته بابتسامة مستطردة:- كل راجل بيبقى ف جسمه خيار و طماطم .. لكن الست معندهاش ف جسمها غير الطماطم بس ..
ردت سعدية مازحة:- طبعا اومال ايه .. الستات حمّااار و حلاوة ..

لتنفجر النسوة في الضحك من جديد و تشاركهن دلال مقهقهة:- تمام .. يبقى كده اتفقنا الرجالة عندها خيار و طماطم .. و الستات عندها طماطم بس ..
لو ربنا أراد المولود ولد .. هتيجى خيارة من عند الراجل و تركب مع طماطماية من مراته .. و لو ربنا أراد المولد بنت هاتيجى طماطماية من عند الراجل و هتركب مع طماطماية من عند مراته يبقى المولود بنت .. فهمتوا ازاى ان الرجالة هي المسؤولة ان اللى جاى يبقى ولد او بنت .. الست ملهاش دعوة .. احنا زى الأرض بنطرح اللى اتبدر فينا .. عمركم شفتوا ارض اتبدر فيها حب خيار طرحت طماطم .. و لا العكس ..

ت النسوة رؤوسهن و هُن بعد غير قادرات على تصديق ذاك الكشف الذى قلب موازين ثوابتهن رأسا على عقب و جعل بعضهن يتنفسن الصعداء أخيرا بعدما كن يشعرن إنهن حكم عليهن بالموت البطئ كمداً لأنهن أرضا لا تطرح الا البنات ..

بدأت النسوة في الرحيل واحدة تلو الأخرى بعد استشارة دلال في بعض الأمور الطبية .. حتى خلت الساحة الخلفية منهن فنهضت في سعادة و هي تشعر انها بدأت تخطو أولى خطواتها تجاه ما ارادت منذ وطأت قدماها ارض النعمانية .. و الان استشعرت انها ساعدت و لو بقدر ضئيل على تنوير نسوة كن قابعات تحت كاهل الموروثات القديمة و الجهل بالعلم الحديث في فهم مجريات حياتهن و حقوقهن المشروعة ..

لم تكن تخرج من غرفتها الا للصلاة ماعدا ذلك لم يكن يدفعها شئ للخروج من الغرفة التي اتخذتها معزل اجبارى لها .. حتى الطعام عافته و ماعادت تطلبه او حتى تمتلك الشهية له ..
جهز هو الغداء بالفعل على قدر ما سمحت له معرفته المتواضعة في هذا المجال و على قدر ما يملكه بالفعل من نقود هى على وشك النفاد ..

توجه لباب غرفتها ليطرقه في صبر بشكل متتابع لعلها تجيبه .. مرت مدة من الصمت قبل ان تفتح الباب ووجهها يحمل الكثير من ملامح الإرهاق والأرق البادية على عيونها التي دبلت من البكاء و السهد الذى كسى وجهها بسحابة من الوهن ..
هتف ما ان طالع محياها بصوت مشفق:- الغدا جاهز يا ناهد ..

و أشار حيث وضع أطباق الطعام همست بصوت متحشرج من حنجرة أدمنت الصمت لفترة طويلة ليخرج الصوت بتلك النبرة .. او ربما هو من اثر الصراخ الذى قد اعتاده يوميا في الليالي الماضية نتيجة كوابيسها المتكررة:- انا مش چعانة .. شكرًا ..
اعترض في لطف:- يعنى ايه مش جعانة ..!.. مينفعش الكلام ده .. انت مكلتيش بقالك يومين ..

ثم تحولت لهجته لنبرة مازحة هاتفا:- انا عارف طبعا ان اكلى لا يعلو عليه .. بس قدرك بقى .. ربنا يسترها علينا ..
ابتسمت رغما عنها و اومأت برأسها موافقة ليفسح لها الطريق لتمر باتجاه الاطباق الموضوعة على الطاولة ..
جلست و جلس قبالتها ليمد كفه للطعام و تحذو هي حذوه .. و كانت اللقمة الأولى كافية تماما للحكم على مدى جودة الطعام الذى كان من الصعب على كلاهما حتى ابتلاعه لينظر كل منهما للاخر ..

ابتسم هو في احراج .. بينما صمتت هي و لم تعقب حتى بحرف يكشف عن ردة فعلها تجاه الطعام الكارثي الذى تذوقته لتوها.. نهضت في صمت مغادرة متوجهة لغرفتها..
كان الأسبق ليعترض طريقها هاتفا:- على فين ..!؟..
هتفت به في نفاد صبر:- انا قلت مش عايزة اكل .. رايحة انام ..

ما ان همت بالدخول لغرفتها حتى جذبها من ذراعها لتستدير اليه في قوة ليرتطم ظهرها بالحائط قبالتها و تصبح في مواجهته تماما .. ليقترب منها في غضب تحاشى ظهوره كثيرا منذ غادرا النجع حتى تلك اللحظة .. اقترب بوجهه من وجهها و علامات الثورة بادية عليه لتنكمش هى على نفسها ذعرا حتى كادت تدخل في تجويف الحائط خلفها لو استطاعت ليهمس هو بصوت يمور بالغضب و يحمل نبرات التقريع و اللوم:- في ايه!؟.. انتِ فاكرة انك ف المصيبة دي لوحدك..

مش حاسة بحد الا بنفسك و بس .. مش حاسة بالبنى آدم اللي معاك ف الكارثة دي و اللي من اول ما حصل اللى حصل و هو مفتحتش بقه بكلمة تأذيكِ او تجرح مشاعرك .. انا معاكِ في اللي بيحصل و تعبان زيك و مستحمل عشان خاطرك .. يبقى جزاءي التعامل ده منك ..!..

ثم تنهد في ضيق و قد بدأت تخف حدة نبرته عندما رأى ملامح الرعب تجسمت بصدق على محياها و بدأت الدموع تطفق من عيونها فابتعد قليلا ليهمس:- انا عارف ان اللى حصل مش سهل عليكِ .. و لا سهل عليا .. و ده اللى مخليني مستحمل ردات فعلك اللى ضاغطة على أعصابي اكتر ما هي مضغوطة .. لو سمحتي .. نستحمل بعض لأننا ف مركب واحدة .. يا تغرق و نغرق معاها .. يا نقدر نلحقها سوا ..عن إذنك ..

ثم ابتعد فجأة و اندفع لداخل حجرته صافقا الباب خلفه بقوة أودعها كل ما يعتمل بداخله من غضب جعلها تنتفض مكانها و أخيرا تحركت في اتجاه غرفتها لتغلق بابها خلفها في بطء و هي تلقى بنظرات شاردة على باب غرفته التي غاب خلفها ..

تمددت على فراشها منذ مدة و لا بوادر لنوم تلوح في الأفق .. عيونها شاخصة معلقة بسقف الغرفة البعيد تصلها انفاس الخالة وسيلة المنتظمة و المؤكدة على غرقها في نوم عميق .. تنهدت في سأم و هي تتقلب ذات اليمين و ذات الشمال .. لتعود مرة أخرى لتتطلع لنفس ذات السقف المزخرف بتلك النقوش الغريبة و المتداخلة مرة أخرى .. ما عاد يبرح مخيلتها ما حدث منذ عدة ليال بينها و بين عفيف في الردهة السفلى .. تلك اللحظات العجيبة و الصادمة لكليهما..

مشاعرها و أحاسيسها المبعثرة من وقتها لا تجد لها مدلولا و لا تفسير يستسيغه عقلها الواعي الان بكل شاردة و واردة و الذي كان في حالة إجازة مؤقتة لحظتها و غياب لاأرادى عن القيام بما هو مفروض وواجب ..

منذ تلك الليلة و هي تتحاشاه و يبدو انه يتحاشاها بالمثل فهى لم تقابله من حينها و تجنبت قدر استطاعتها التواجد معه في أوقات الوجبات و حتى كشوفاتها الصباحية كانت تؤديها سريعا حتى تعود لتغلق باب غرفة الكشف بأحكام .. ذاك الباب الذى دخل منه ليلتها و كأنه الريح العاصف لكل ثباتها و تعقلها الفطري لتعود يومها لحجرتها متعللة بالإرهاق فتطلب من الخالة وسيلة الطعام لتتناوله وحيدة في غرفتها و بعدها تكمل الليلة امام التلفاز الذى لا يحمل اى جديد بقنواته المحدودة ليهاجمها الملل من جديد لكنها لن تجرؤ على النزول مرة أخرى للردهة السفلية .. فمرة واحدة من ذاك اللقاء العاصف مع ذاك المسيطر كافية و زيادة ..

تنهدت من جديد ستجن حتما ان لم تجد ما يشغل وقتها في ذاك البيت.. تذكرت عندما سمعت صوت موسيقى هامس يتناهى لمسامعها منذ بضعة ايّام و قبل اللقاء الدامى بالأسفل و سألت الخالة وسيلة من أين يتسلل ذاك الصوت و تتهادى تلك الأنغام لتخبرها ان عفيف بيه يجلس في مكتبه في بعض الأحيان ليقرأ..
هل لو تسللت الان لذاك المكتب ستجد ما يمكنها قراءته ليقضي على بعض من ذاك الملل الذى يكاد يجهز عليها زاهقا روحها ..

لم تفكر للحظة و خاصة ان صوت الموسيقى التي عرفت انه يشغلها عادة عندما يكون بداخل المكتب يقرأ لا تتناهى لسمعها كالمعتاد و ذاك يعنى شيء واحد لا غير .. انه ليس هناك بالتأكيد .. فليست فكرة سيئة على ايه حال ان تذهب لتستطلع سريعا و تقفل عائدة ربما تفوز بما يمكنها من الانتصار على ذاك السأم الاحمق ..
كانت بالفعل الان امام باب المكتب من ناحية المندرة مدت كفها لمقبض الباب و ضربات قلبها كالمطارق في ساحة صدرها .. تنهدت في عمق تستمد قوة تدعى امتلاكها و هي تتأكد هذه المرة ان مئزرها على رداء نومها يحيط بقدها في إحكام .. و غطاء رأسها موضوع على هامتها مربوط حول رقبتها ..

فتحت الباب في وجل و ببطء شَديد.. تطلعت للداخل مجيلة نظراتها بالمكان لتقف مبهورة و قد فغرت فاها شاهقة في صدمة ..
اندفعت داخل الغرفة و قد نسيت حذرها السابق تماما لتقف في منتصف الغرفة بالضبط و عيناها كعينى طفل وجد نفسه فجأة بمحل الألعاب و الحلوى و هي تتطلع بإعجاب لتلك المكتبة الضخمة التي تحتل ذاك الجدار الواسع خلف ذاك المكتب الأبنوسي القيم و الفخم الذى يتوسط الغرفة تقريبا ..
الان فقط ستقول لذاك الملل وداعا بلا رجعة .. فمن لديه مكتبة كهذه و يشعر يوما بالملل .. و ابتسمت في فخر و هي تشعر انها تخرج لسانها لذاك السأم الذى ولى مبتعدا في تلك اللحظة و منذويا بأحد الأركان ..

اندفعت تتلمس الأرفف الزاخرة بالكتب من كافة الأنواع و الاحجام و كأنها فتحت كنز علي بابا ..
أعجبتها دقة التنظيم و الترتيب لكل قسم و رف .. و أخيرا توصلت لقسم الروايات لتتفقدها و تنتقي منها عدة روايات حتى لا تحتاج للعودة الى هذه الغرفة بشكل مكثف .. و خاصة اذا ما احتاجت لإعادة رواية او اختيار غيرها و هو متواجد بالفعل ..

احتضنت حملها الثمين في سعادة و همت بمغادرة الغرفة الا ان صوته المسيطر والذي كان يحمل نبرة عجيبة لم تعتدها تشبه تلك التي أيقظت كوامن المشاعر في أعماق روحها تلك الليلة الدامية و التي تتحاشى لقاءه من بعدها صدح هاتفا:- مش في حاچة اسمها استئذان يا داكتورة جبل ما ناخد الحاچة ..!.. و لا هي وكالة من غير بواب ..
ازدردت ريقها بصعوبة و هو يتقدم نحوها في تمهل عجيب أفقدها رباطة جأشها التي تحاول إقناع نفسها انها تمتلكها ..

وقف أمامها تماما و لحسن الحظ انه لم يتطلع اليها و كم حمدت الله على ذلك كثيرا .. فكان سيجد صفحة وجهها مسرحا زاخرا بكل ما يعتمل بصدرها الان من صراعات ..
مد كفه ليستعيد ما كانت تحمله من مقتنياته العزيزة .. هكذا ظنت .. لكنه وقف يقلب في الروايات يضع بعضها جانبا و ينتقي الأخرى ليعيدها لكفيها من جديد ..
اصبح المجموع ثلاث روايات هي كل ما كانت تحمل بين يديها .. اما الباقى فعاد به للمكتبة يضعه في مكانه بالضبط و كأنه يحفظ الأمكنة ككف يده ..

لم تجرؤ على التحرك قيد انملة او الرحيل كما كان يتوجب عليها .. بل تسمرت قدماها في موضعهما و كأنما نبتت لها جذور تشعبت و امتدت حتى باطن الأرض..
هتف أخيرا و هو يعاود الوقوف أمامها هامساً:- دي احسن روايات ممكن تجريها ف المچموعة اللى كنتِ هتخديها .. و لما تحتاچى لغيرها .. المكتبة تحت امرك ف اى وچعت يا داكتورة ..

وأشار بكفه تجاه الباب لتخرج و كأنما نبتت لها جناحين لتطير لا لتخرج .. هكذا شعرت عندما توجهت مندفعة للباب هاربة من التواجد لثانية أخرى معه .. او ربما هاربة من ذاك الشعور الغامض الذى اصبح يعتريها كلما اجتمعت به او حتى فكرت في الاجتماع به و لو للحظات ..

و لم تكن الوحيدة التي كان يثيرها ذاك الخاطر .. بل هو أيضا لم يكن بأفضل حالا منها و هو يراها تغادر بذات السرعة التي هربت بها في تلك الليلة راكضة على الدرج .. و خلفها شعرها الغجرى يعصف بكيانه كما هو بتلك اللحظة التي ولت فيها الان و هو يتطاير خلفها دون ان تدرى انه يغافلها رغم حجابها الذى تضعه على رأسها ليتمرد على ظهرها و كأنما يتحدى الحواجز ليطل عليه ليثير جنونه من جديد ..



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 7010 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 4086 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 3120 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 2985 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 3425 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، جلاب ، الهوى ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 12:52 مساء