ثلاث لؤلؤات تركهن زوجها الراحل أمانة فى جيدها، فهل تستطيع التصدى لموروثات قاسية فى صعيد مصر و الوقوف امامها فى سبيل ازاحة الأوحال عن لؤلؤاتها ..!!؟
فصول نوفيلا
بنات عنايات
نوفيلا
بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول
أغلقت بابها خلف اخر سيدة من المعزيات واستندت على ضلفتيه في شرود..
فها قد مرت الأيام الأولى لوفاته كأيام عجاف لا ترى فيهن ولا تسمع الا صوت النواح و النحيب، إنما هي، فلم تبكى، لا تعرف لما لم تذرف الدمع عليه حتى اللحظة وهو نور عينيها و وحيد قلبها..
انه من دق له الفؤاد منذ وعت انها أنثى لها قلب يعشق، ذاقت معه معنى الحب الذى تكلل بحلال الله، و أصبحت زوجته منذ بلغت السابعة عشر من عمرها..
تنهدت بصوت مسموع وخرجت أنفاسها و كأنها جمر خارج من أتون مستعر..
جالت بانظارها في ارجاء المنزل المتواضع لتستشعر ان حتى الحوائط الباهتة تنظر اليها شذراً مما جعلها تنتفض في ذعر..
فحتى جدران بيتها أصبحت تخيفها في عدم وجوده، باتت اضعف من ان تقف في مواجهة مخاوفها دونه، كان أمانها و سندها و ظهرها الذى انكسر برحيله..
سحبت اقدامها بالكاد حتى وصلت لحجرة
جانبية صغيرة فتحت بابها لتطالعها الآسرة
الصغيرة التي يتكوم عليها بناتها الثلاثة
ثمرة زواجها من حبيبها و رجل عمرها..
دخلت تتفقدهن كعادتها و اليوم ليس استثناءً، جذبت الغطاء على أجسادهن
و ربتت بحنو على وجناتهن التي جفت عليها اثار الدموع..
توجهت لغرفتها و ما ان دفعت بابها حتى
طالعتها صورته المعلقة على الحائط قبالتها
سارت حتى أنزلتها من عرشها و ضمتها لصدرها لعله يهدأ بقرب الغالى حتى ولو كذبا، و الان..
الان فقط، بكت، بكت بدمع ساخن يخرج من جفون القلب الضائع منذ ليال هي حصيلة غيابه عن دنياها..
انها تفتقده، تفتقد الأمان في وجوده حتى ولو جثة هامدة أنهكها المرض على ذاك الفراش، تفتقد همساته و ضحكاته و حتى صوت سعاله الذى كان يضج به الدار عندما يزداد عليه الألم..
انها تفتقده حد اللانهاية و تخاف..
نعم تخاف، بل ترتجف رعبا مما هو قادم..
فقد غاب من كان بوجوده يقيها من الكثير و يحميها من الكثير، و يصرف عنها الكثير و الكثير، الان هي في مهب الريح وحيدة
تزود عن نفسها و بناتها، كفارس اعزل فقد جواده الرابح و كُسر سيفه في قلب المعركة، معركة الحياة..
نظرت الى الصورة تملّى عينيها من ملامحه التي كانت ولازالت هي عشقها الذى لا ينضب معينه..
هتفت في حزن: - اتوحشتك يا غالى، أسوى ايه من غيرك..!؟، و أجف كيف وسط الريح اللى جاية تچرى، واعيالها وانا لحالى..!؟.
و كأنما سمعت صوته الرخيم الذى يحمل تلك النبرة المميزة التي لا يخطأها قلبها قبل مسامعها يهتف عاتبا: - وااه يا ام البنات، طول عمرك شديدة، هتاجى دلوجت و تجولى تعبت، لساته المشوار طووويل يا غالية، أچمدى..
هزت رأسها في طاعة هاتفة: - حااضر يا وهدان، حاضر يا جلب عنايات، هاجف
و لا عمرى هطاطى، بس تبجى راضى يا غالى..
هتف الصوت بتأكيد: - راضى يا غالية، راضى يا جلب وهدان..
رفعت صورة زوجها لموضعها و توجهت لفراشها تتحسس موضع نومه لتضع خدها حيث كان يضع رأسه، تمسح دموعها في عزيمة، وهى تؤكد له وهى تتلمس رائحته الطيبة على وسادتها، انها لن تخيب ظنه ابدا، و ستظل كما كان يدعوها دوما..
عنايات، عناية القلب، و عناية الروح..
عناية لكل ما يخصه و يحمل اسمه في هذه الدنيا...
فتحت باب دارها الذى اصبح بعد انقضاء أيام العزاء لا يُفتح الا نادرا، ليطالعها مرأى محروس عم بناتها و أخو وهدان الغالى، لكن شتان بين الأخين..
و كأنك تفرق الليل عن النهار..
هتفت في فتور: - مرحب يا محروس، خير..!؟.
هتف بنفس الفتور: - مرحب يا مرت اخوى، انا جلت أجى عشان نتفاهموا بخصوص الورث و تجسيمته..
هتفت بحنق: - اخوك لساته مربعنش و انت چاى تحدتنى في كلام ماسخ ملوش عازة..
هتف حانقاً بدوره: - الحَج ميزعلش يا مرت أخوى..
كظمت غيظها و لم تعقب ليستطرد هو في برود اثار تعجبها و كأن من مات هذا لم يكن أخيه يوما: - اللى سابه وهدان جُليل يعنى مش اللى أطمع فيه بس ده حجى و انا مسبش حجى ولو كان مليم..
كادت ان تتهور و تلقى به خارج دارها الا ان بقية من تعقل جعلتها تمسك باعصابها حتى ينهى ما جاء لاجله و يرحل بلا رجعة كما كانت تتمنى..
هتف في لهجة تقريرية: - بصى يا مرت اخوى، البنات كلاتهم جُصر، يعنى تحت وصايتى، و ابتسم ابتسامة سمجة هامساً
بصوت كالفحيح: - ما انى عمهم برضك و حجهم معايا يزيد، و لا ايه..!؟، كمان، بتك الكبيرة سماح دلوجت الله اكبر عروسة
و انا هاخدها لولدى حسان، و يبجوا..
عند هذه النقطة و لم تستطع الا ان تنتفض هاتفة في غضب: - بتى مين دى اللى تخدها لولدك..!؟، سماح اللى ما تمتش خمستاشر سنة بجيت عروسة..!؟، لااه و ايه هاتخدها لولدك المتچوز و اللى عنديه عيلين، يعنى كمان مستخسر فيها ولدك التانى المتعلم، طبعا موفره تعمل بيه مُصلحة و تجوزه بت فلان و لا علان..
انتفض محروس بدوره صارخاً: - لمى لسانك يا مرة (امرأة ) و اتحدتى بأدب لحسن و عهد الله ما انت و لا بناتك طيلين منى مليم احمر..
هتفت عنايات: - هو دِه اللى انت چاى عشانه من الأول، انك مطولناش مليم و البنات يبجوا تحت طوعك هم و فلوسهم..
لكن الله في سماه منولهالك يا محروس و لو كان دى اخر حاجة اعملها جَبل ما أموت هتف محروس هاتفاً وهو يندفع نحو الباب مغادراً: - يبجى انت اللى جنيتى على نفسك و على بناتك، و ابجى انفعيهم بجى..
و اندفع صافقا الباب خلفه في ثورة..
لتهتف هي للفراغ حولها و كأنها تشهده على ما انتوت: - ايوه هنفعهم، هنفعهم غصباً عنيك، و بكرة تشوف
بنات عنايات..
تااااابع اسفل