اُصيبت اذناها بالصم حرفيًا! اهي بحلم ام علم، هي مصدومة، مصعوقة من بركان إنفجر فجأة بأعترافًا كان كوشم وُضع بعد صراع طويل! نظرت له بعينيها المتسعتين على وسعهما، لتهمس ببلاهه: -حمزة أنا حنين!؟ نظر في غابات عيناها الزيتونية، هناك هو عالق بين تلك الجذور، أسير حرب العشق التي خرج منها منهزم... ليتحسس وجنتها بأصابعه مكملاً بهمس خشن رجولي وعميق: -إنتِ حبيبتي أنا، ملكي أنا، إنتِ روحي!
إبتلعت ريقها بشيئ من القلق، والعقل يردد داخلها يبدو أنه يحلُم بأخرى حتى بات يراها في كل الوجوه! وبالفعل إقتنعت بما املاه عليها عقلها المصدوم، لتومئ موافقة قبل أن تحاول إزاحته عنها: -تمام، ممكن أنزل بقا يا حمزة؟ وجدته يسحبها بقوة مُعاكسة لرغبتها في المغادرة لتصطدم بصدره شاهقة، رفعت عيناها له لتُلاقي حتفها الأكيد!
نظرة عيناه في تلك اللحظات كانت كفيل بأرعابها حرفيا، لتجده يستطرد بشيئ من الحدة: -عايزة تروحيله صح؟ وحشك اوي كدة، مش عايزة تقعدي معايا عشانه! هزت رأسها نافية بسرعة متوجسة: -لا مش كدة بس آآ، الناس هتقول إية لو شافتنا كدة!؟ عاد يحتضنها مرة اخرى، يكبلها من خصرها، وشفتاه تبحث عن سبيلها لأرتواء عطشًا طال كثيرا على الروح حتى اُرهقت!
يقول بصوت مهزوز وسط قبلاته المتلاحقة: -بحبك، بحبك بجنون، هموت لو راجل غيري لمسك! حاولت ابعاد يداه عنها، ولكنها فشلت، تفوق هو هذه المرة، حُسبت لها جولة إنتصار بعد هزيمة ساحقة! واخيرًا مس شفتاها، لا بل إلتهمها، يأكلها بنهم مشتاق، مشتاق بجنون! ألف شعور وشعور تضاربوا داخل كلاهما! كادت حنين تصرخ وهي تشعر بيداه تتسلل لجسدها اسفل التيشرت.. ظلت تُعافر بقوة، وهو كالملهوف ل إقترابًا لم يَحل له يوما!
إلى أن استطاعت دفعه اخيرا بقوة حتى ترنج للخلف، حبست دموعها بصعوبة لتركض مسرعة مستغلة فرصة ترنجه في مكانه.. وكأنه في حالة الوعي واللاوعي! ظل ينظر حول والدوار اختلط بيه فمسح على شعره بوهن وهو يهمس بصوت يكاد يكون مسموع: -حنين!
ليلة زفاف مهاب و سيلين ... ليلة تقريبًا كانت خط بداية أحمر ومُخيف بالنسبة ل سيلين، فكانت ترجوه ألا يقترب! كان كشبحًا يُلاحقها منذ اخر فترة، وخاصةً أنها لم ترى مُهاب منذ تلك الليلة! وصراحةً هي حمدت الله أنه لم يتعرض لرؤيتها اساسًا... كان الجميع في حديقة منزلهم الواسعة، الجميع يقف هنا وهناك في إنتظار العروس.. ومُهاب يتأفف كل ثانية والاخرى لجواره حمزة و اسر ..
كلاً منهم بئر من الاساس اوشك على الاكتمال وما بعده من مرحلة انفجار! اقترب منهم والد مُهاب، ليلقي التحية على اسر وحمزة: -منورين يا ولاد، كتر خيركم جيتوا المسافة دي رُسمت ابتسامة باهتة على وجه كلاهما ليردوا في صوت واحد: -احنا اخوات يا عمي! ضحكوا ثلاثتهم على الجملة الصادقة التي إندفعت منهم.. بينما كان مُهاب في موال اخر، يرى اولى خطواته تخطها حروف الجدية لتلك الحياة البائسة...
سمع صوت عم سيلين وهو يقول مقتربا منه: -يلا يا مهاب اطلع هات مراتك اومأ موافقا: -حاضر يا عمي وما كاد أن يسير متجهًا للأعلى، حتى وجد والدتها تهرول ناحيتهم راكضة تضرب خديها وهي تردد بهيسترية: -سيلين مش موجودة، سيلين مش موجودة يا كامل عم سيلين إتسعت حدقتا عيناهم جميعًا في ذهول! بينما شعر مُهاب أنه يتلقى صفعة جديدة من تلك الطفلة التي تُدعى زوجته!
هتف عمها مسرعا بغضب خروج في كلمات حانقة بصوت خفيض: -يعني اية اتنيلت غارت!؟ وإنت كنتي فين لما اتزفتت؟ والبنات؟ عرفت تغفل كل دول بسهولة كدة! هزت رأسها نافية تحاول كتمان إنفعالها خوفاً من الفضائح التي ستحل على رؤوسهم جميعا: -معرفش والله معرفش، أنا طلعت البنات قالولي إنها في اوضتها، وملاقتهاش خالص! كاد عمها ينطق منفعلًا، إلا أن مُهاب قاطعه يشير له بأصبعه: -أنا هجيبها يا عمي، هي هربت مني وانا هجيبها.
وبالفعل كان ينطلق متجهًا لسيارته دون ينظر خلفه ولو للحظة، دون أن يأبه ل حمزة واسر الذين يركضون خلفه! ركب سيارته سريعا وطار بها يبحث في كل الاماكن القريبة...
مر الوقت بطيئ على الجميع، تكفل كامل ووالد مُهاب بإنهاء كل شيئ، بحجة أن العروس اصابها مرض فجأة... بينما مُهاب يحلق بين افق الضياع والغضب، كتلة ثقيلة وعميقة تحتل ثنايا روحه حتى كاد يصرخ بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى آهٍ آهٍ وألف آهٍ من ذاك الضغط النفسي الذي يُرهق اوتار قلبه، بل روحه بشكل عام! واخيرًا وجدها، وجدها تسير بلا هوادة بين الشوارع متلطمة الشعور متحطمة الكيان!
ترجل سريعًا من سيارته، ليقترب منها فجأة يمسكها من ذراعها صارخًا بجنون: -كنتي مفكرة إنك هتعرفي تهربي مني؟ للدرجة دي عيارك فلت خلاص بتهربي من بيت اهلك؟ ذهلت في البداية ولكن سرعان ما قالت بشراسة: -وأنت مالك أنت؟ أنت ليك عين تيجي جمبي بعد اللي عملته يا حيوان! إحتدت عيناه بشرارة مشتعلة، بل حارقة لأبعد حد.. لم يتردد وهو يصفعها بكل قوته، بكل ذرة كيان رجل كاد يُهدم تحت الاقوال..
بينما وضعت هي يدها على وجهها شاهقة بعنف خرج بصوت عالي: -أنت مين عشان تمد ايدك عليا يا حيوان، غور انا بكرهك مش عايزاك صفعها مرة اخرى ولكن تلك المرة اقوى حتى ترنجت لتسقط على الارض باكية، انحنى نحوها يجذبها من شعرها الاسود بقوة ألمتها وهو يجرها نحو السيارة مغمغمًا: -ورحمة امي لاربيكِ من اول وجديد، انا حتة عيلة تعمل فيا كدة وتفرج عليا الناس!؟ انا هخليكِ تتمني إنك ماعملتيش كدة يا سيلين.
حاولت إفلات شعرها من بين يديه وهي تصرخ بهيسترية: -سبني، سبني ابعد عني ملكش دعوة بيا بقااا ولكن كان كالوحش الكاسر، وحش هي اخرجته من كوكب الواجب والحنان الذي كان يتمرغ داخله! اجلسها على الكرسي عنوة ولكنها لم تستسلم، فظل يصفعها صفعات متتالية حتى فقدت الوعي على الكرسي.. ليزفر هو بقوا لاهثا وهو ينظر لها من فرط الإنفعال!
كانت حنين تخرج من باب منزلها متجهة ل ذاك الذي يدعى شريف.. ولكن فجأة وجدت حمزة امامها، طل بهيئته الرجولية المعتادة التي لم تلون نظرات عينيها منذ ايام... منذ ذاك اليوم لم تره وهو اساساً كان يتهرب من ذاك اللقاء حتى الان! حتى الان وهو يراها تتهندم بأبهى شكل وقد علم من كاميليا محدش في البيت اصلًا، حنين زمانها راحت تقابل شريف زي ما اتفقوا من امبارح، وانا في الشغل زي ما أنت عارف.
جن جنونه وهو يتخيلها مع ذاك! يقترب منها مرة اخرى كما اقترب هو.. كادت حنين تهبط درجات السلم دون ان تهتف بحرف، لتجده يضع يداه امامها، نظرت له بعينيها الزيتونية التي اشتاقها حد الجنون.. ليقول بصوت اجش: -انا اسف على اللي حصل، أكيد إنتِ فهمتي إنك ماكونتيش المقصودة! اومأت دون ان تتحدث وهي تعود للخلف بتلقائية اسقطت قلبه صريعًا بتلك الحركة! لم يتوقع ان يُخيفها منه يومًا ولو من دون قصد، ولو كان بيد العشق...!
حاول الخروج عن افكاره وهو يسألها بخشونة صلبة يحاول اخفاء الغضب بين جوارحها: -رايحة فين؟ صمت برهه قبل ان تقول بثبات: -رايحة اشوف شريف -فين؟ سألها مباشرةً دون تردد وهو يحدق بها، ليجدها ترد بهدوء كُسرت له جميع قواعد الصمت داخله: -في شقته، عشان هيسافر صرخ فيها بحدة غاضبة ومفاجأة بالنسبة لها ؛ -إنتِ مجنونة ولا متخلفة ولا خلاص مابقتيش تلزمي حدودك وتحترمي نفسك؟! عايزة تروحي لراجل بيته ولوحدك!
قالت باندفاع: -ده جوزي! كم قتلته تلك الكلمة، كم قتلت روابط كادت تنمو متعلقة بأمل كاذب! كم تمنى أن يُمحى من سجل الاحياء الان لكان افضل من تلك الكلمة... وجد نفسه يسحبها معه من يدها بقوة ألمتها الى حدًا ما، يزجها للداخل بعنف حتى كادت تسقط وهي تصرخ فيه: -أنت مجنون! انا عايزة اخرج اغلق الباب وهو يردد بصوت هادر: -لو إنتِ مابقتيش تعرفي التربية الصح يبقى انا هربيكِ من اول وجديد.
سمع صوتها تتابع شبه متوسلة بصوت زحف البكاء لاوائله: -افتح لي يا حمزة بالله عليك، سبني اروح عشان خاطري! زمجر بعنف حاد وهو يستدير: -اخررررسي، انا سبتك كتير، لكن خلاص بقا كفاية!
كانت حنين تجلس كالقرفضاء على الأرضية تبكي بعنف.. تخرج الشهقات منها كسلاسل تُطبق على روحه، نعم روحه هو التي عُلقت في ثناياها رافضة البُعد...! تتساءل بعنف إن كان يمر بفترة سيئة، فما ذنبي أنا! سؤال تكرر بخلدها، وأجابته ايضًا مرتكزة في القاع، ولكن تأبى الخروج، تأبى الظهور خشية الرفض..!
سمعت صوت المفتاح في الباب، فركضت على الباب سريعًا، لتجده فُتح، فتحته مسرعًا وكادت تخرج، ولكنه وجدته يقف امامها بثبات يقول: -حنين أنا عارف إنك يمكن زهقتي من معاملتي وقرفتي مني انا شخصيا، لكن أنا بمر بفترة زبالة جدا، معلش مضطرة تستحمليني!
نظرت له بطرف عينيها، نظرة بريئة تمامًا نقية كالأطفال لم تلوث بضباب الغابات، لتهمس بحزن: -بس أنت بتقسى عليا أوي يا حمزة! أنا ماتعودتش منك على كدة، أنت عمرك ما زقتني بالطريقة دي ولا زعقتلي قبل كدة، أنا مش عارفة إية اللي حصل بالظبط، لكن فعلاً انا مضطرة استحمل تقلباتك دي لفترة.
ابتسامة مُموجة سُطحت على أطراف ثغره الأسمر، ليتنهد متابعًا بخفوت: -ماشي يا حنين، المهم إنتِ ماتشيليش ف قلبك من ناحيتي! أنا مقدرش على زعلك ابتسمت بحنان وهي تنظر له، لتقترب منه بحركة تلقائية تقيد رقبته بذراعها وهي تهمس مشاكسة: -هو في حد بيشيل من خالو حبيبه، حمزة أنت ابويا اللي اتحرمت منه، واخويا اللي ماشوفتوش! سخرية مريرة فاحت من عقله، السبب يتكرر كل ثانية.. تتساءل ما سبب رفضك للأعتراف لها!؟
ببساطة هو خالها، اخيها، والدها، ولكن لم يخطر على الأذهان يومًا احتمالية كونه حبيبها او زوجها! ابتعدت بعدها تهندم ملابسها بحزم حانق: -أنا لازم الحق اروح، شريف زمانه هيولع فيا عشان التأخير! أمسك يدها فجأة قبل أن تذهب، لتنظر له متساءلة، فوجدته يهمس بصوت لم تلحظ رنة الالم به: -خلي بالك من نفسك؟ اومأت مبتسمة ببلاهه: -وأنت كمان.
اسرع يمسك بها مرة اخرى قبل ان تغادر، ليحاول الهدوء وهو يقول: -حنين شوفيه في اي حته تاني، لكن ماتروحيش له البيت! نظرت له تحاول فهم ذاك المبدأ، عُرفه الملغم الذي ينص عليها دومًا الموافقة على قراراته الغريبة احيانًا...! اومأت موافقة باستسلام: -حاضر يا حمزة، طالما أنت شايف إنه مايصحش يبقى خلاص مايصحش فجأة وجدته يترنج مكانه، يمسك برأسه والدوار يلفح به كأقوى عاصفة متمردة على امور تتم سوية!
اسرعت تمسك به وهي تسأله مسرعة: -حمزة مالك!؟ هز رأسه نافيًا وهو يشير لها بصمت، إلى أن قال بوهن: -مافيش تلاقي ضغطي وطي فجأة بس هزت رأسها نافية وهي تمسك به مقتربة منه، لتردد في حزم: -طب يلا تعالى اسندك تطلع هز رأسه نافيًا، يحاول الثبات، إلى أن سمع صوت ذاك يقول في عصبية موجهًا حديثه ل حنين: -يعني أنا مستنيكِ كل ده وفي الاخر إنتِ واقفة هنا!
إنتبهت له حنين على الفور، لتقترب منه معتذرة بأسف: -معلش يا شريف بس آآ قاطعها وهو يشير لها بحدة مزمجرًا: -أنا ماشي يا حنين، شكرًا على الوداع اللطيف اوي ده! اقتربت منه تحاول الأمساك به إلا انه دفعها بقوة إلى حدًا ما يزيحها من طريقه مرددًا: -خليكِ زي ما كنتي، كدة كدة ميعاد طيارتي جه قاطعه حمزة بخشونة يهتف: -طب رد السلام لله، أنا زي ابن عمك يعني، وبعدين هي ما اجرمتش، اتأخرت شوية بس!
غمغم بضيق وهو ينظر للجهة الاخرى: -معلش يا حمزة كنت مضايق ماخدتش بالي وبالفعل كان شعوره بالذنب صكًا نفسيًا دائمًا يكبت حريته الطبيعية.. وخاصةً امام حمزة فلم يعد يدري ما الذي يصيبه فيتملكه الجنون والحدة! ربما هو ضغط نفسي، نعم ضغط نفسي ثقيل جدًا! -عن اذنكم أنا كدة هتأخر على الطيارة، مع السلامة قالها وهو يستدير مغادرًا دون تردد!
لتحدق حنين بمكانه متعجبة من اللون المختلف لعصبيته التي تراها لأول مرة منذ أن قابلته...!؟ رأت سيارته تغادر من امام البناية، فتنهدت بكل قوتها على تلك الجاذبيات المعاكسة في حياتها! إلتفتت لحمزة الذي كاد يغادر هو الاخر بضيق، لتمسك بيداه متساءلة: -أنت رايح فين يا حمزة أنت تعبان!؟ -أنا كويس، سيبيني.
قالها محاولاً الابتعاد عنها، لتمسك هي بيده مرددة في حزم تتظاهر به بدلاً عن البكاء المرير الذي كاد يتأكلها: -تعالى اقعد اهدى واشرب مياه بسكر كدة بعدين روح مطرح ما أنت عايز استسلم يسير معها، مقتربًا منها، يتمتع بدفء اقترابها، يُخالف قانون طبيعي اخيرًا في قربها..
دلف حمزة مغلقًا الباب خلف حنين التي ما إن دلفت حتى إنزلقت قدماها في مياة على الأرض لتصرخ متمسكة بأطراف قميص حمزة الذي سقط معها، بل فوقها على ارضية المنزل! تأوهت متألمة وهي وهي تمسك برأسها، بينما كان هو مصدومًا لما حدث في لحظات معدودة! يطل عليها بهيئته الرجولية وهو متلاصق لها تمامًا.. كاد ينهض ببطئ ولكنه السلسلة الحديدية التي ترتديها حنين التي تشابكت به جعلته يسقط مرة اخرى بتلقائية بالأضافة لترنجه!
التصق وجهه بوجهها أنفاسه التي التهبت من ذاك القرب تلفح قسماتها التي اختزنت بالحمرة الخجولة من تلك الوضعية.. حركت حنين وجهها في محاولة للسماح للمسافة باختراق ذاك القرب ولكن على العكس اصطدمت اكثر بوجهه.. وفجأة شعرت بما جمدها مكانها، شعرت بشفتاه تلتقي بشفتاها في قبلة عميقة، نعومة قاتلة ورغبة كاسحة.. شعرت بسخونة شفتاه التي تلتهم شفتاها بنهم..
وكأنه جوعًا يقرصه دومًا فكان يأكل شفتاها بشوق، بينما كانت هي متجمدة أسفله! وكأنها دخلت في حالة اللاوعي من تلك الصدمة..! تجولت شفتاه على ثغرها، يعتصر شفتاها في قبلات متلاحقة دامية، بغضب لمسته هي ولكن الصاعقة التي اصابتها اوقفت عقلها تمامًا عن العمل... وفجأة دفعته بكل قوتها صارخة، ليبتعد عنها جالسًا يلهث بعنف! لا يدري لمَ يضعف هكذا امامها! لمَ يموت شوقًا دائما لأكل شفتاها، نهضت هي مسرعة تحدق فيه بصدمة..
لتهمس بصوت مصعوق: -أنت، ازاي! أنت، انت مجنون نهض يحاول الثبات دون ان ينظر لها لتدفعه ضاربة على صدره وهي تكمل بهيسترية مصدومة: -انت مجنون، مريض! أنت استحالة تكون حمزة لا، أنت واحد شهواني مريض انا اول مرة اشوفه!، طب ازاي اصلا فكرت ف كدة! ازاي قدرت تعمل كدة؟!
كان صامت يحدق في الارضية بخزي حقيقي، لاول مرة يشعر انه حقير بالفعل! حمدالله ألف مرة انه لم يعترف لها بحبه سابقا! كاد يقترب منها يحاول التفوه: -أنا.. ولكنها قاطعته تشير له نحو الخارج مزمجرة بحدة غاضبة جامدة: -برررة، مش عايزاك تقرب مني تاني ابدا طول ما ماما او جوزي مش معانا، مش عايزة اشوفك اصلا! انا مش عارفة ماما هيحصل لها اية لو عرفت، هيحصل لها حاجة والله!
وبالفعل ابتلع ريقه متجهًا للأعلى بخطى سريعة، وكأنه اصبح يخشى لقاء نظرات عينيها تلك التي تقتله...! وإن كان لديه دافعًا يزجه نحو الاعتراف، فالان خُلق الاف الممنوعات تحذره من ذاك الاعتراف!؟
خرج مُهاب من غرفة سيلين ل الجميع الذين ينتظروه في الخارج على امل تفسير ما حدث.. تنهد بقوة وهو يراهم يقتربوا منه متساءلين في قلق: -إية اللي حصل يا مُهاب؟ لاقيتها فين وحصل اية!؟ هز رأسه نافيًا بهدوء: -مفيش هي اتهورت بس شوية وخرجت من غير ما تقول لحد، وبعد اذنكم انا محتاج اتكلم معاها لوحدنا لما تصحى تدخل عمها يهتف في غيظ غاضب: -سبني اخش اربيها بنت الكلب دي!
هز مُهاب رأسه نافيًا بصلابة يخبره: -لأ، محدش هيتكلم معاها في اللي حصل، أنا بس اللي من حقي اتكلم معاها، ارجوووكم!؟ اومأت والدتها بخزي تنظر للأرضية، كذلك الحال بالنسبة لعمها الذي انسحب بغضب، ليعود هو للداخل مرة اخرى.. نظر لها متسطحة على الفراش يسرقها النوم في رحلة راحة قليلة... رغبة في صفعها الاف المرات على تهورها ذاك، تضاهيها قفزات متتالية من الالم داخل روحه ترجوه ألا يفعل معها مثلما فُعل معه!
بدأت هي تستعيد وعيها ببكاء، تتحسس وجهها وهي تشهق متألمة ببكاء.. كان قد خلع التيشرت الخاص به لتصببه بالعرق الغزير، ليجدها هلع وجهها وهي تحدق به لتعود للخلف صارخة بهيسترية: -أنت هتعمل إية ابعد عني لا اقترب منها يجلس لجوارها يربت على شعرها هامسًا بحنو: -هششش، اهدي يا سيلين أنا قلعت التيشرت عادي، أنا اسف، اسف والله ما هقربلك.
إنتفض جسدها وهي تحاول الابتعاد عنه مغمغمة بصوت مبحوح: -ابعد عني بقا والنبي كفاية كان داخله يصرخ فعليًا، يصرخ على تلك الطفلة التي دُمغت حياتها بطلاء السواد وبسببه هو! هي مجرد طفلة، طفلة لا تنتمي لماضيه وعقدته بشيئ!
احتضنها يحاول تثبيتها داخل احضانه، لتضع هي يدها على صدره تنظر له بضعف هامسة بضعف اسر قلبه: -سبني في حالي بقا طلقني بالله عليك، أنا تعبت اوي والله، انا اسفة لو نرفزتك انا غبية، بس كفاية بقا!
مسك وجهها بين يديه ليقترب بوجهه منها مسندًا جبينه على جبينها، ليصدح صوته كجرس إنتباه لمسار اخر: -انا مش وحش يا سيلين، مش سلبي زي ما إنتِ متخيلة، بس أنا عانيت كتير اوي، عانيت حتى وانا اصغر منك! بقى عندي عقدة نفسية من الضعف، بتكهرب لما احس اني في موضع ضعف انتبهت له بلؤلؤتيها تحدق به، ليجدها تقول بصوت طفولي: -طب انا ذنبي اية، انا تعبانة والله.
قربها منه اكثر يلتصق بها بجسده كله ليتابع همسه الذي خرج من نوابع روحه بحرارة: -وانا تعبان والله، مش بمزاجي! نظرت ليداه العريضة التي تطوق خصرها، لتمسك يده وهي تستطرد بوداعة: -مالك؟ حصل لك إية؟
هز رأسه نافيًا ليجعلها تتسطح وهو يتسطح لجوارها، ينام بين احضانها ورأسه عند صدرها يطوق خصرها بذراعيه قبل أن يخرج صوته مبحوح بضعف غريب زُج وسط بنايات نبرته: -مش دلوقتي، مش عايز افتكر، خديني في حضنك بس، خليكِ جمبي بس! وبالفعل احتضنته، تضمه له بحنان وجسده العريض يكاد يغطيها.. بينما هو ينظر لوجهها الساطع ببراءته وسط سوءات ماضي مٌشوه! وبداخله رغبة كبيرة في تقبيلها، بل في امتلاكها بالكامل...!
جلست لارا لجوار فراش والدتها في المستشفى، تنظر لوالدتها المتسطحة تنام بسكون قد يكون طويل... تمسك يداها وتبكي بقهر، تبكي حظها في تلك الدنيا التي باتت تعاديها كأقوى عدو! أصبحت لا تطيق حتى الهواء الذي يخترق رئتيها... ازدادت شهقاتها في العلو وهي تهتف بحروف متقطعة: -أنا مكنتش هوافق عليه يا امي، بس كنت مضطرة، كنت مجبورة عشانك.
ابتسمت بحرقة من بين دموعها وهي تكمل: -هو مفكر إن انا عندي اللي اديهوله! مايعرفش إن انا ماعنديش حاجة اخاف عليها غيرك خلاص تمسكت بيد والدتها اكثر وكأنها تحتمي بها وهي تصرخ بصوت مكتوم: -مايعرفش إن انا سبب اللي حصلك يا امي، مايعرفش إن أنا اصلاً خسرت اللي هو عاوز ياخده ظل جسدها ينتفض وهي تهز رأسها بهيسترية: -بس هو مش هيسكت لما يعرف، مش هيصدقني اصلا، مش هيسبني في حالي!
ازداد نحيبها في التعمق حد الغرق وسط الآهات وهي تردف: -هيعاقبني على حاجة انا اتعاقبت عليها بموت فرحتي للابد! على حاجة مش بمزاجي، ااااه يا امي، انا تعبت، ياريتني ما جيت الدنيا دي! سمعت طرقات على الباب، فنهضت مسرعة تمسح دموعها، لتجد الممرضة تخبرها بجدية: -خلاص يا انسة لارا الزيارة خلصت، من فضلك اتفضلي اومأت موافقة لتلقي نظرة وداع على والدتها المستكينة، ثم تغادر بأقدام واهية...
وصلت الى قرب البناية التي تقيم فيها، وما إن كادت تستدير لتدلف الى البناية حتى وجدت من يسحبها بقوة لشارع مجاور... شهقت برعب وهي تتيقن من طلته الباردة أنه ذاك الرجل، خالد المريض الذي دمر حياتها بأكملها! أنتفضت تحاول الابتعاد عنه لتجده يهمس بصوت اشبه لفحيح الافعى: -كنتي مفكراني مش هعرف اجيبك يا لارا، هتغفليني وتقوليلي هشتغل معاكم وترقصي ليلة وتهجي إنتِ وامك؟!
ظلت تهز رأسها نافية بهيسترية: -لا لا سبني والنبي يا خالد تقوس فاهه بابتسامة سمجة وهو يقول بتهكم مرير: -اسيبك؟! ده انا من ساعة ما هربتي من الواحات وانا بدور عليكِ، منا عارف إنك استحالة تيجي غير القاهرة، دورت عليكي في الاقسام والمستشفيات، لحد ما قدرك عطرني عليكِ خرج صوتها مختلط ببكاء حاد وهي ترجوه: -سبني في حالي بقا أنت مش خدت اللي أنت عايزه!
اقترب منها اكثر يشم رائحتها الفواحة وكأنها تُخدر روحه المريضة ليكمل: -بس ماشبعتش منك، محدش يقدر يكتفي منك اصلاً ازداد جسدها في الأنتفاض وصرخاتها في تلك الليلة المشؤومة ترن بأذنيها كرنين انذار الموت.. الموت الذي حُكم به على حياتها للأبد! وفجأة صدح صوت هاتفه، فنظر له يتفحصه ليرد، وبعدما سمع هتف مسرعا: -خلاص خلاص يلا انا جاي.
ابتعد عنها مسرعًا يشير لها بتوعد: -حظك فلتي المرة دي، لكن هاجيبك يا لارا ومش هتعرفي تهربي مني تاني ثم ركض مسرعًا يغادر، لتركض هي الاخرى نحو المنزل وتصعد للشقة، اغلقت الباب عليها.. لم تمر دقيقتان حتى وجدت اسر يدلف، ينظر لها باهتزاز... اقترب منها يسألها بخشونة: -مالك؟ وكنتي فين؟ عضت على شفتاها بخوف قبل أن تهمس: -م مكنتش في حته، عادي!
سحبها من يديها معه للداخل، وصوته يصدح معلنًا بداية النهاية: -طب اية بقا؟ أنا صبرت عليكِ كتير، أعتقد عداني العيب وأزح! لم تستطع الاعتراض اذ اكتسح شفتاها يقبلها بشراسة.. يلتهمها في هجوم مُخيف لكلاهما! ويداه تزيح عنها تلك الملابس بسرعة مُرعبة لأقتراب تلك المتاهة... وهذه المرة لم تستطع منعه، ابدًا!
مر الوقت، انتهى كل شيئ، إنتهى ببساطة كما بدأ.. انتهى بسرعة البرق كما اقحمها ايضًا بنفس السرعة.. في عُرفه الان ربما هي ميتة، او حتى مجرد ضبابية احتلت ركنًا متسخًا من حياته، وبالنسبة لها لم يضيف نقاط جديدة لحياتها... او ربما هكذا هي تظن! بعد فترة إنتفض مبتعدًا عنها كالملسوع، يحدق بها مصدومًا وهو يرتدي بنطاله على عجالة، بينما هي منكمشة في نفسها تنتظر مصيرها الحتمي...!
صدح صوت كاميليا تنادي على حنين من غرفتها بصوت عالٍ تخبرها: -حنييين اطلعي نادي حمزة بسرعة قوليله ينزل ياكل معانا! ابتلعت حنين ريقها بصعوبة، كيف؟! كيف بعد الذي حدث تواجهه، بل وتخط هي اولى خطوات سلخ البُعد! ظلت تهز رأسها نافية.. ولكن ماذا ستخبر والدتها؟ لن اصعد لانه لم يعد طبيعيًا كما كان!؟ استسلمت وهي تسمع والدتها تكمل بنبرة اعلى: -يلا يا حنيم الاكل هيبرد انجزي اطلعي نادي خالك.
اومأت في حنق تقول: -حاضر يا ماما حاضر وبالفعل صعدت بخطوات مترددة، لا بل مترددة كثيرا، تكاد تخضع للعقل وتستدير تعود لمنزلها... ولكن اشباحًا بيضاء من الماضي تحاول لين الفجوة بينهما، تخبرها بإلحاح... هو يُعاني من شيئ ما، حمزة لم ولن يكن يوما سيئ هكذا! طرقت الباب بخفوت، مرت دقيقة لتجده يفتح لها الباب، عاري الصدر ينظر لها بتساءل جاد!
ولكنه لم يكن امر طبيعي، اذ اخترق عقلها صورة فتاة اخرى تكمن خلفه، ولم تكن اي فتاة، بل كانت شذى بذاتها!
ماتت الحروف صريعة الرؤية، وتهالك الشعور مريض الصدمة! إبتلعت ريقها بازدراء وهي تُيقن أن حمزة تقريبا، إنتهى! نظرت لتلك التي تقف ببرود خلفه، لتقول وهي تنظر ارضًا: -ماما بتقولك تعالى كُل معانا وسرعان ما أكملت بنبرة مزدردة: -بس خلاص هقولها مش فاضي ألقت نظرة ساخرة عليهم شملتهم في مغطس الخطأ الجاذر! لتكمل بتهكم: -روح كمل اللي كنت بتعمله، يا خالو!
جذبها من ذراعها بقوا يزمجر فيها: -حنين اتعدلي وإنتِ بتكلميني، إنتِ فهمتي إية! نظرت في عيناه بقوة غريبة، لأول مرة يلحظ قطرات التحدي التي إرتكزت بين امطار نظراتها وخاصةً وهي تخبره: -واحد قالع التيشرت ومع واحدة لوحدهم في بيته، هكون فهمت اية، بتلعبوا استغماية اكيد! كاد يبرر مسرعًا، ولكن لا، يكفيه ضعفًا إلى الان، لن يبرر، لن يسقط ويترك كرامته تتساقط في الوحل اكثر!
إن خسرها هي، فلن يخسر قوته كرجل، وسيُعيدها له بأرادتها! تنهد بقوة قبل أن يخبرها بجمود: -حنين، اعرفي لكلامك، إنتِ بلغتيني خلاص روحي وانا نازل اومأت موافقة لتغادر دون كلمة اخرى، بينما اغلق حمزة الباب.. وقفت حنين تنظر للباب لدقيقة، تكاد تشعر أنها بين رحاب حُلم سيئ، سيئ للغاية! أن حمزة شيئ ما بدله لكائن اخر لم تعتاده، وإن كانت هي هذا الشيئ ولا تعلم...
سمعت صوته يصدح مزمجرًا: -إنتِ غبية، ما إنتِ مرزوعة في الصالون من ساعة ما جيتي، جاية تخرجي دلوقتي؟ لامتى هتحاولي تشوهي صورتي! اكتفت بتبرير القدر، فهبطت مسرعة والابتسامة الصغيرة على وجهها، على الأقل لم يُندس بالخطيئة! دلفت تعد الغذاء مع والدتها، ومرت دقائق معدودة ووجدت حمزة يدلف مرتديًا حلته الرسمية... وشذى خلفه ولكن كانت متجهة للأسفل، وفجأة سمعت صوت والدتها تقول ل شذى: -إية ده إنتِ رايحة فين يا شذى؟
نظرت لها الاخرى بصمت لدقيقة، وسرعان ما كانت تستغل الموقف وهي تخبرها: -هستنى حمزة تحت لحد ما يخلص غداه يا مدام كاميليا هزت رأسها نافية بحزم: -وده يصح بردو؟ طالما إنتِ هنا يبقى تعالي كُلي معانا بالمرة نظرت لحمزة الذي كان يكز على اسنانه غيظًا، وتصنعت التفكير وهي تغمغم: -آآ مهو... قاطعتها كاميليا: -يلا الاكل هيبرد ماهواش!
دلفوا جميعهم يجلسوا امام مائدة الطعام، وحنين ترمي شذى بنظرات مغتاظة ما بين اللحظة والثانية... إنتبهت لطعامها لدقائق، وفجأة شعرت بقدم شذى تُحرك اسفل المنضدة.. نظرت بطرف عينيها لتجد شذى تضع قدمها على قدم حمزة تتحسسها ببطئ! شعرت بالتقزز من تلك التي تُسمى بالخطأ فتاة.. فنهضت متأففة تهتف في حنق: -الحمدلله، شبعت رفع حمزة عينيه يسألها متعجبًا: -إنتِ لحقتي يا حنين؟ اقعدي كُلي زي الناس احسن تقعي مننا.
هزت رأسها نافية ببرود: -لأ شكرا، كلوا انتوا بس اعترضت والدتها بحزم جاد: -حنين، اقعدي كملي اكلك بلاش دلع هزت رأسها نافية وهي تغادر نحو المطبخ، تقف لتُعد لها القهوة وهي تشرد في تغيرات حمزة رغمًا عنها.. مرت الدقائق فوجدت حمزة يقف لجوارها، تجاهلته وهي تنظر للجهة المقابلة... لتجده يديرها له بكلتا يداه، كادت تعلي صوتها وهي تخبره بحدة: -شيل ايدك من عليا! وإلا والله هطلع اقول لماما حالاً -بجد؟
سألها باستهانة ساخرة، وكأنه يخشاها؟! هو يحب كاميليا يعزها ويحترمها، ولكنه لا يخشى سوى فراق تلك المعشوقة! اقترب منها اكثر ليجدها تعود للخلف، فاقترب لأذنيها يهمس بما صلبها مكانها: -عادي يلا اطلعي قوليلها حالا، وأنا هعتذرلها كتير وابوس ايدها واقولها انا اسف ممكن اصلح غلطتي واتجوزها انا! شهقت حنين وهي تعود للخلف مصدومة! لتجده يراقبها ببرود وابتسامة خبيثة تتراقص على حبال ثغره..
بينما همست هي ببلاهه: -أنت اتجننت يا حمزة؟ أنا حنين، شكلك شارب حاجة! هز رأسه نافيًا ببساطة، ليقترب اكثر هذه المرة حتى بات على بُعد خطوة واحدة منها، ليميل بوجهه منها ف دنت وجهها بعيدًا، لتجده يقترب اكثر.. حتى بات تنفسها المضطرب يصله بوضوح، وفجأة سحب التفاحة من خلفها، قبل أن يلامس وجهه بوجهها عن قصد وهو يخبرها هامسًا: -أنا مش خالك، إنتِ تجوزيلي، وتجوزي لي اوي كمان! أنا ف مقام خالك بس..
ثم استدار يغادر ببرود لتقف هي مصدومة في مكانها...! وما إن خرج من المطبخ حتى اشار لنفسه يهمس بصوت يكاد يسمع: -اول خطوة، أنا مش خالك!
كان أسر يحدق في لارا مصعوقًا، هو تقريبًا كان في قائمة احتمالاته أنه لم يكن الاول في حياتها.. ولكن لمَ توقع الافضل منها؟! توقع أن تحافظ الراقصة على نفسها لزوجها فقط! يا للسخرية، نطلب المبادئ ممن هم صُك ختم الدناءة على جبينهم...! نظر لها بحدة مخيفة وهو يسألها: -مين؟ ابتلعت ريقها بخوف حقيقي وهي تحاول تغطية جسدها بغطاء الفراش، لتهمس بصوت واهن: -اسر اسمعني، مش بمزاجي والله!
صفعها بقوة يزمجر بحنق: -لية كان مشربك حاجة اصفرة ولا اية؟ إنتِ هتستعبطيني يا روح امك لم يعطيها الفرصة لتبرر فهجم عليها يجذبها من خصلاتها صارخًا بشراسة: -وأنا كنت متوقع إية من رقاصه، طبيعي تكون حياتها كلها شمال، حياتها كلها وساخة عشان إنتِ اصلاً! بدأت دموعها تهطل بغزارة وهي تتأوه من قبضتها، ليهزها بقوة وهو يصيح فيها: -وماتجوزكيش لية بعد ما اخد اللي هو عاوزه؟ ولا انتوا ملكوش غير ف الحرام!
هزت رأسها نفيًا بقهر حقيقي وهي تحاول اخباره: -لانه حيوان، أنا بكرهه وبلعن اليوم اللي شوفته فيه! صفعها مرة اخرى ولكن هذه المرة اقوى، وصوته يصدح ساخرًا: -وإنتِ اية؟ ما إنت حيوانة، ده الحيوان عنده شرف اكتر منك! واخيرًا استطاعت الصراخ فيه بحدة حارقة: -اسكت بقا أنت ماتعرفش حاجة، ماتعرفش اي حاجة! لم يشعر بيداه وهي تهبط على كل جزء منها تضربانها بعنف، بقوة صدرت لها صرخات لارا المذبوحة!
ربما من قهرته كونه خُدع في من تدعي البراءة وهي هكذا.. ترتدي الحجاب لتُداري من دنسته وانتهى الامر! وكأن جسدها تخدر من كثرة ضرباته فلم تعد تدري بشيئ... تتكرر المعاناة وتبقى هي الضحية، المذبوحة، المظلومة دائمًا وابدًا!
بعد مرور أسبوع... اسبوع لم يعترض فيه حمزة طريق حنين اطلاقًا، وكأنه يترك لها الفرصة لتُفتت صدمتها مما اخبرها به رغم انها تعلم، ولكن وكأن العقل لا يقبل تلك الحقيقة! اسبوع كان يطمئن عليها من كاميليا دون ان تدري... كان في منزله يدور ذهابًا وايابًا بشرود.. لا يدري هل الطريق الذي يسير فيه هو الصواب ام هو سراب مُتنكر!؟ وعلى أي حال.. هو سار وانتهى الامر..!
انتفض بهلع على طرقات قوية وسريعا على باب المنزل، اتجه مسرعا يفتح الباب، وما إن فتحه حتى صُدم بحنين ترتمي بين احضانه بملابس المنزل وشعرها المشعث، يشكلان لوحة ذابلة بوجهها الشاحب! لتهمس بين احضانه بضياع: -حمزة الحقني! قبل أن تفقد الوعي بين ذراعيه، ليصرخ مناديًا بأسمها في ارتعاد حقيقي...!