رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والعشرون
ومن دون مقدمات كان صقر يندفع كوحش كاسر على وشك إلتهام فريسته.. ما إن وقف أمامها حتى سألها بهدوء حاد: -رايحة فين؟ إرتجفت وإرتجف كل شيئ بداخلها بمجرد أن أخترق صوته دواخلها الملكومة بسموم الحيرة والغضب... شددت من قبضتها على يد زوبيدة وهي ترد بصوت مبحوح: -رايحة آآ مع زوبيدة كرر سؤاله بحدة أكبر: -جولت فيييين مش مع مين! نظفت حنجرته التي ازدادت خشونتها من فقدان ملمس الشجاعة، فأكملت: -هنروح نجيب باباها.
لم يسع صبره أكثر لتكرار الأسئلة ليشكل جملة مفيدة من إجاباتها المُبهمة فسحبها من يدها بقوة خلفه وهو يعود للداخل، متجاهلًا أعتراضاتها النزقة: -صقر سبني، ماتشدنيش بالطريقة دي أوعى دلف بها الى الغرفة التي ما إن سمعت صوت إغلاق بابها حتى ثلج قلبها من الخوف وهي تعود للخلف بتلقائية، خاصة وهي تسمع صوته الذي يشبه الفحيح يسألها:.
-ومجولتيش للحيوان اللي بره أنك هتتنيلي تخرجي لية؟ ولا أنا مليش لازمه! وبعدين هتروحوا تجيبوا ابوها منين؟ ردت وهي تغلق جفناها بتوتر: -نيرمين خطفت أبوها وهددتها أني لو مارحتش مش حتخليها تشوف وشه تاني ابدا صمت... صمت رهيب سيطر جزعه على شظايا الحروف الواهية مبتلعًا أي مخالفات له! لتسمع بعدها صوت قبضته وهي تضرب الدولاب بعنف حتى أعتقدت انه مؤكد كُسر... وصراخه المجنون يتعالى عليها:.
-إنتِ مجنووووونة! عايزة تروحيلها برجلك؟ وفجأة وجدته يقبض على ذراعاها بعنف حتى لم تعد ملامسمة الارض واستطرد بخشونة قاسية: -لو مش خايفة على نفسك على الاقل خافي على اللي ف بطنك.. ثم دفعها حتى عادت للخلف خطوتان بذهول تسمع آنين الرعد في كلماته وهو يستطرد: -لو كان ينفع تروحيلها لوحدك كنت قولتلك غوري، إنما ولادي لااااا يا ترنيم لاا، دول تكملة حياتي وحسي في الدنيا من بعد موتي!
لم تستطع كتمان الشهقات التي تتلوى داخلها للخروج فبدأت تشهق بعنف وهي تهتف بحروف متمزقة: -أنا آآ ك كنت خايفة عليه لانه م آآ ملهوش ذنب، وأنت تليفونك آآ كان مغلق! وبالطبع مع بكاءها إكتوت قسوته لتذوب رويدًا رويدًا... جنونه لم يكن سوى خوفًا عليها.. تتصرف بغباء كاد يودي بحياتها للجحيم وهو معها، ماذا سيحدث عندما يتركها؟! أمسك وجهها بين يداه هامسًا بحنو: -بس، ارجوكِ ماتبكيش، الا دموعك، ارجوكِ!
بدأت شفتاها ترتعش كالعادة بالأضافة لاهتزازة جسدها وهي تخبره: -أنا خايفة وضع إصبعه على شفتاها المرتعشة وهو يردد في المقابل: -مينفعش تخافي وأنا عايش تحتمي منه إليه تخشاه فتهرع إلى احتضانه، هو جلادها وحاميها في آن واحد!.. ضمت نفسها لأحضانه تهمس: -خايفة منك، احيانًا تحسسني أنك مهووس بيا، واحيانًا تحسسني انك عايز تقتلني!
تحسس شفتاها بشرود ونظراته مثبتة عليها بينما ينطق ببحة خاصة ثابتة ملتهبة رغم البرود الظاهري بها: -انسي خوفك، انسي عصبيتي، وانسي حتى اسمك واسمي... أغمض عيناه وهو يملأ رئتيها برائحته مكملاً: -افتكري بس أني عاشق ليكِ ومجنون بيكِ وطوع أيديكِ، افتكري أنك احتلتيني، احتليتي قلبي! وتبخر غضبها، تبخر حنقها من غلظته، بقي فقط تسرب رنينه لأذنيه وكأنه سم لذيذ يخدرها...!
أقترب منها حتى لامس شفتاها دون أن يقبلها، وقال: -جولي أنك بتحبيني... همست دون تردد مغمضة العينين: -بحبك، بحبك اوي! لم تشعر بعدها بشيء، سحبها من يدها بنعومة وهو يهمس لها بولهٍ: -ترنيم، انا محتاجك وعندما صارحها محتاجك لم تتردد وهي تدفن أي شيء بين بواطن قلبها، لتُحيي فقط احتياجه، فبادرت هي بقبلتها هذه المرة ولاول مرة... فلم يتركها بالطبع بعدها..!
بدأ صراخ فجر يعلو شيء فشيء، ركضت الى المرحاض لتحتمي به وإنحنت جوانب الشجاعة داخلها.. في نفس اللحظات عَلى صوت صفير الأنذار وثواني استغرقتها الاجهزة لتهطل المياة او ما شابه ذلك على الغرفة من كل جهة.. لحسن حظها لم يكن الفندق عاديًا بل كان عاليًا على أعلى مستوى ومتطور...! اجتمع الناس عند الغرفة بكثرة وكانت هي كما هي تبكي في المرحاض بعنف وترتعش من الخوف...
لتمر دقائق قليلة وتجد من يفتح الباب صارخًا بأسمها: -يا فجرر؟ أنتِ فين نبض قلبها بقوة عندما سمعت صوته، فركضت نحوه ترمي نفسها بأحضانه وهي تغمغم بلا وعي: -ليث، أنت س سبتني ورحت فين! انا ك خايفة اوي ظل يربت على خصلاتها برقة هامسًا لها: -هششش اهدي يا فجر خلاص أنا هنا بدأ اجتماع الاناس ينفصل ليعود كلاً منهم لمصالحه وبالطبع أتوا عمال الفندق لتنظيم ما دمره الحريق...
كان ليث يجمع الحقائب الصالحة نوعًا ما من الغرفة التي كانت مدمرة حرفيًا تاركًا فجر في غرفة اخرى.. انتهى من جمع ما احتفظ برونقه، عاد للغرفة وهو يزفر بيأس محدثًا نفسه كنت عاملها مفاجأة ومستنيها عشان اخدها لأهلها، اتاري هي اللي عملتلي مفاجأة وكانت عايزة تاخدني لجهنم !
ابتسم بسخرية وهو يفتح باب الغرفة، نظر ليده المكبلة بشيء غريب وضعه ملاعين لا يعرفهم ولكن عندما سمع صراخ فجر لم يأبه لهذا الشيء او لهم وركض لفجر متجاهلًا ما حدث او لنقل متناسيًا...! بدأ يحاول فكه وهو يدلف ولكنه كان صلب من حديد ومحكم ومغلف بقوة، رفع ليث عيناه لتقابل فجر التي كانت كرياح عصفها الحظ فأغدقت العقل برواسبها..! اقترب منها متساءلاً بهدوء: -مالك يا فجر؟ همست دون ان تنظر له: -مفيش.
ألقت نظرة عابرة على الذي يكمن بيده قبل أن تنظف حنجرتها بتوتر وصوتها يخرج مصحوبًا بألاف مكنونات السوالب المشعثة: -ليث طلقني، طلقني وحالًا عشان لو ماطلقتنيش هرفع قضية خلع!
كانت والدة جسار في غرفة ولدها الراحل حسام تلك الغرفة التي لم تخترقها نسمات عابرة حتى منذ وفاته... كانت تسير بلا هوادة وهي تفتش في الاشياء المُتربة بلا هدف.. ولكن تجمد داخلها بقوة وكأن ثلوج الدنى وُضعت بين ثناياها عندما ضغطت على -سيراميك- بالارض فتحرك هبطت بهدوء لتحركه فوجدته يُفتح، ابعدته ببطء لتكن الفاجعة بين طيات تلك الخفية... بدأت يداها ترتعش بخوف وهي تمسك بورقة مكتوبة بخط غريب.
له، له ولن يسمح أن تكون غير له واخرى مدونة السعادة، ستراها معه، وإن لم يحدث لن تراها! التملك ليس عيبًا، ولكن العيب هو التراجع عنه !. التراجع مرفوض، وديته واحدة فقط، -المووووت- ! واشياء اخرى موضوعة جانب تلك الورقات، اشياء غريبة لم ترها سوى بالأفلام فقط! وقطعة من ملابس نور موضوعة جانبهم...
نهضت راكضة كمن رأى إبليس يهفو بين ورقيات الحياة، دلفت الى غرفة جسار الذي كان ممدًا على الفراش بتعب، فاقتربت منه وهي تصرخ فيه آمرة بهيسترية: -انت لازم تطلق نور وتبعد عنها، النهاردة قبل بكره تصلب مكانه لدقيقة يحاول تنظيم عشوائيات حروفها التي اخترقته، ليسألها بعدها غير مصدقًا: -أنتِ بتقولي أية يا امي؟! أمسكته من ذراعه وهي تزمجر وكأنها جُنت بالفعل مما رأت:.
-هتطلقها يا جسار غصب عنك، كفاية انا مش مستعدة اخسرك لازم هي تبعد عننا نهائي هز رأسه نافيًا برفض قاطع: -لا، فهميني مش من حقك تحكمي على حياتي كدة بدأت تلطم خديها وهي تردد بصوت هيستيري عانقه عدم التصديق: -نور مش حتكون ليييك، ابدا مش حتكون ليك ولا ل** بني ادم من بعد حساااااااام!
ليلة سفر ترنيم لألمانيا... كانت منتظرة صقر في الصالون تفرك أصابعها بقوة.. صقر لم يعد طبيعيًا ابدًا، احيانًا يبدو ممثلًا لجهنم على الارض واحيانًا تشعره يموت قهرًا و، يودعها بصمت! انتبهت لصوت باب المنزل يُفتح، فنهضت بسرعة وهي تسمع مترقبة تلك الخطوات التي تقترب منها.. ولكن تلك الخطوات لم تكن خطوات صقر وحده اذ سمعت صوت ضحكة خليعة أطلقتها فتاة ما وهي تردف بنبرة ماكرة مُقززة:.
-امممم شكلها حتبقى ليلة حمرااا أتسعت عينا ترنيم وكأن هناك من صعقها فهمست متجمدة: -صقر! مين دي اجابها بجمود وهو يسحب تلك الفتاة ليتخطاها: -اهي واحدة، بجضي وقت ممتع وخلاص! بمجرد أن دلف الى غرفة ما مع تلك الفتاة، أبعدها عنه ولكن قبل ان ينطق وجدها تحيط عنقه بدلال وتنوي الاقتراب منه هامسة برقة متناهية: -يلا بقاا.
كان يحدق بها صامتًا الى أن وجدها تحاول فتح ازرار قميصه وتعبث به بخبث فدفعها بعنف بعيدًا عنه صارخًا بصوت حاول الا تسمعه ترنيم: -اوعي غوري اوعي تصدجي نفسك وتحاولي تجربي مني اخرج بعض الاموال من جيبه ثم ألقاهم بوجهها مكملاً باشمئزاز: -شوية وغوري لمطرح وساختك تاني يا***.
دون ان ينطق كلمة اخرى كان يتجه لغرفته، فتح احد الادراج ثم اخرج شريط ما من الدواء ليبتلع منه كمية كبيرة وهو يغمض عيناه هامسًا بقهر: -اسف يا ترنيمتي، أنتِ احتلتيني، احتليتي قلبي، لكن الشياطين حررتني!
رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون
كانت ترنيم في أشد حاجتها للأغتسال، الصدمة كانت قوية... قاسية ومؤلمة فتسبر أغوارها ليتصاعد الألم اكثر فأكثر..! ثقتها كلها فيه أصبحت مجرد رماد يضغط على روحها الآنية فيزاد أنينها!.. خرجت من المرحاض تستند على الحائط جوارها، المياة الباردة غمرتها كما تتمنى أن تغمر قلبها لتثلجه!..
مدت يدها ببطء للفراش فأمسكت بالقميص الذي أخرجته لها الخادمة، لترتديه ويداها ترتعش وصوت ضحكة تلك الخادمة يرن بأذنيها كرعد مخيف... إنتهت فأصبحت تتحسس الاشياء لجوارها لتصل للمرآة، ثم أمسكت الفرشاة وبدأت تصفف خصلاتها بشرود وكأنها تراها... ستقوم بعمليتها بعد ساعات، يفترض أن تكون أسعد انسانة! ولكن على العكس هي أتعس مخلوقات الكون..!
مرت دقائق وفجأة سمعت صوت الباب يُفتح، تسللت رائحة عطره لأنفها فعرفته على الفور لتنكمش ملامحها عندما خُيل لها نظرته وهو يراها بهذا الشكل... وبالفعل تأججت النيران بعيناه وهو يحدق بطلتها السارقة للأنفاس، اقترب منها ببطء دون ان يصدر صوت وفجأة شعرت بأصابعه تسير على ذراعه من بعد كفها حتى الاعلى ببطء شديد... بطء مُتلف للأعصاب!
حتى وصل لرقبتها حينها إنسحبت يداه لتحل محلها شفتاه التي ظلت تلثم رقبتها بعمق مُثير... عمق مفعوله كالسحر في يد الساحر.. سارت قشعريرة باردة على طول عمودها وهي تهمس بصوت مبحوح: -صقر، لو س سمحت أبعد! كان صوته خشن متفجر بالشوق قبل الرغبة: -لأ مش قادر أبعد ولا هقدر كان خلفها تمامًا ملتصقًا بها تقريبًا يحتضنها من الخلف وينظر لصورتهما معًا في المرآة... لعيناها المغلقة والتي تؤكد له أنها تحاول لملمة شتات نفسها!
تسللت يداه لربطة ذلك الروب ليفكها ببطء وصدرها يعلو ويهبط بتوتر... دس رأسه عند عنقه يشم خصلاتها الناعمة بعمق مغمض العينين ويردد بهسيس يكاد يسمع: -اااه منك ومن ريحتك واللي بتعمليه فيا! شبك أصابعه بأصابعه بيد واليد الاخرى تزيح خصلاتها على الجانب الاخر ليقبل رقبتها ببطء قبلات متعددة هبط بها لبعد رقبتها بقليل فبدأت يداه تُزيح طرف القميص من على كتفها ببطء...
عندها حاولت هي أن تدفعه بعيدًا وهي تهز رأسها نافية: -قولتلك لا لا ابعد عني أنت مش هتقربلي ولكن لم تسمع منه رد سوى صوت تنفسه العالي، ازدادت قبلاته لهفة وسرعة، اصبح يقبل كل جزء يظهر منها، كالعطشان وسط صحراء وفجأة وجد الذي يرويه... حاولت التملص من بين ذراعاه ولكنه احكم ضم يداه حول خصرها بقوة وأسقط القميص من على جسدها باليد الاخرى...
جعلها تستدير له ولم يمهلها الفرصة لينقض على شفتاها يأكلها بنهم، وهي مغمضة العينان بشدة كأنها تخشى فتحهم! وفجأة كان يحملها بين ذراعيه ولم يقطع قبلته بل ازدادت عمقًا حتى كانت انفاسهم تنقطع فابتعد اخيرًا، وقبل ان تنطق كان هو من يتابع بثقل: -مش هتحسي بالنار اللي جوايا الا لما تتكوي بيها زيي، شوقي ورغبتي فيكِ زي النار مهما بتاكل بتفضل زي ما هي مابتنجصش.
وضعها على الفراش وهو مُطل عليها يخلع قميصه بسرعة، ثم انضم لها ليهمس عند اذنيها ملامسًا اذنيها بشفتاه عن قصد: -هششش، سيبي نفسك، يمكن تكون الليلة الاخيرة..! فسمع همسها بشراسة: -لأ، روح للمقرفين بتوعك قضي الليلة مع واحدة فيهم كانت شفتاه تسير على وجهها ببطء ويداها تعرف طريقها لمنحنياتها وهو يقول بصوت أجش: -لا، أنا عايزك إنتِ، مش عايز أي واحدة في الدنيا أنا جعان ليكِ إنتِ بس!
وبالفعل بدأت اعصابها ترتخي رويدًا رويدًا، ليعود ويختم جسدها بملكيته وصوت تأوهاتها كرنين وسط السكون، لتنقضي تلك الليلة، مشتعلة كالعادة، ولكن ربما لن تتكرر كالعادة!..
منذ ما سمعه جسار من والدته وما جعلته يراه في غرفة حسام وهو منزوي وحيد يعزل نفسه عن الجميع، ليس نفورًا من نور او ما شابه ذلك وإنما لحاجته الانفراد بنفسه ليرتب خيوط حياته التي تداخلت بشكل مُخيف...! نعم رمى تلك الاشياء حينها ورفض أن يؤمن بها، ولكن جزء مظلم داخله يؤمن بها! عاد من عمله بعد يوم شاق ليدلف للمنزل بخفة متجهًا لغرفته، ولكن قبل أن يقطع الخطوات الاخيرة كانت والدته تعترض طريقه منادية عليه:.
-جسار استنى لو سمحت! إلتفت لها متمتمًا بصوت مُرهق: -خير يا أمي في حاجة ولا إيه؟ هزت رأسها نافية ثم قالت بصوت متوتر بعض الشيء: -في حاجة عاوزة أوريهالك بس، لإني معرفتش أعمل اية لما شوفتها ابتلع ريقه بتوتر وحدثه يخبره أن القادم سيء، سيء للغاية! اخذته نحو غرفة نور وكان الباب مفتوح فدلفت على اطراف اصابعها وهي تسحب جسار خلفها...
لتشير له على نور النائمة بقميص يخص شقيقه الراحل حسام واسفله بنطالها العادي ثم همست: -بص نور لابسه إيه! انا جاية اصحيها لاقيتها كدا وكانت عمالة تهمس بأسمه تجحرت عينا حسام على نور التي كانت تحتضن نفسها وكأنها تشعر بوجود حسام بهذه الطريقة... كان المشهد قاسيًا عليه... خاصةً ووالدته تكمل بجدية شابها بعض اللوم:.
-عشان ماصدقتنيش لما قولتلك إنها بتحب حسام، هي كانت محتاجة لحنان بعد موت حسام الله يرحمه، ولما أنت ادتها الحنان دا هي فكرت إنها بتحبك وخاصة إنك حاوطتها بمشاعرك! رويدًا رويدًا بدأ حديثها يتسرب لعقله المشتت.. أيعقل أن تكون عاشقة لحسام حتى وقتنا هذا؟!.. ماذا عنه؟ ماذا عن من أعطاها الحب، الحنان، الشوق، من جعل من مشاعره تاج يحصنها ويخصها وحدها ملكة فوق قلبه!؟..
لم يكن منه إلا أن اقترب من نور ليزجرها بعنف مغمغمًا: -قومي، قومي يا نور اصحي بدأت تتململ في نومتها وما إن نهضت حتى عقدت ما بين حاجبيها وهي تهمس باستغراب: -جسار! إيه اللي جابك اوضتي رفعها من ذراعيها يسألها ونيران مشتعلة بعيناه التي أظلمت: -إنتِ بتحبي حسام؟ كانت تحدق به بعدم فهم، دقائق مرت وهي تنظر له بصمت! ومن سواد حظها فسرت السؤال بطريقة خاطئة، اعتقدت أنه يقصد هل كنتي تكنين له ام لا! هل تحترميه ام لا!
فأجابت ببساطة: -اه يا جسار اشتدت قبضته على ذراعها حتى تأوهت متألمة، فنظرت له متمتمة بألم: -جسار وجعتني! جسار يشتعل... لو كان لحريقه النفسي رائحة لكانت عبت المكان!.. اوردته تحترق كلما تخيلها تحلم برجل اخر! تعشق رجل اخر...! نظرت لوالدته قائلاً بجدية: -ماما اطلعي بره لو سمحتي وبالفعل إنسحبت والدته ببطء واغلقت الباب خلفها، ليحدق جسار بعينا نور هامسًا بصوت أجش: -وافقتي تتجوزيني لية؟! صمتت برهه ثم اجابته ببلاهه:.
-عشان انا عايزة كدا وكان هو الاخر يحيط خصرها بتملك ويلصقها به وهو يهمس بنبرة جامدة أرعبتها: -وانا عايزك، دلوقتي! دخلتنا هتبقى النهاردة؟
شهقت فجر عندما ألصقها ليث بالحائط عندما دفعها فجأة بقوة، ليثبت يداها عاليًا وهو يردد بخشونة حادة: -إياكِ، إياكِ اسمعك بتقولي كدا دا مش لعب عيال! إنتِ مراتي وهتفضلي مراتي لحد اخر يوم ف عمري صرخت وكأنها تبصق في وجهه بقسوة: -بس انا مش عايزاك! أغمض عيناه يحاول تمالك نفسه ورأسه للأسفل ويهتف بصوت على وشك الإنفلات: -فجر، إنتِ شكلك متوترة من اللي حصل، أنا هاسيبك ونتكلم بعدين.
ولكنها استمرت في زمجرتها التي أطاحت بثباته الارض: -لا انا عايزاك تطلقني! أنا اصلًا اتجننت عشان اتجوز واحد قرب يحصل سن ابويا وفرق بيني وبينه 10 سنين كاملين وبكرا يعجز قبل ما يشوف ولاده ف المدرسة حتى! رفع يده ينوي صفعها ولكنه توقف عند أخر لحظة ليعود ينزلها وهو يتذكر وعده لنفسه... لقد اقسم الا يؤذيها بأي شكل من الاشكال! ووعد الحر دين عليه...
اقترب منها كثيرًا حتى اصبح ملتصق بها ليتحسس بشفتاه اذنيها وهو يهمس بأصرار: -اقسم بالله يا فجر إني ما هخلي راجل يفكر بس يلمسك.. ثم وضع اصبعه على شفتاها الصغيرة ليكمل بنبرة خافتة: -ولا شفايفك هتأن بأسم راجل غيري ثم قبل عيناها برقة متابعًا بصوت مذيب: -ولا عنيكِ هتبص لغيري ومع نهاية اخر حرف له كانت هي تزمجر بما يشبه الجنون:.
-فوق من جو التملك اللي فيك دا، انا عايزة واحد من سني مش زيك، انا وانت مش مناسبين لبعض! روح شوفلك واحدة قربت تعجز زيك!.. أمسكها من كتفيها وأصبح يهزها بعنف حتى اصطدمت بالحائط من خلفها اكثر من مرة وهو يتشدق بحدة عالية: -اخرسي. غصب عنك مش بمزاجك من يوم ما اتولدتي وإنتِ الوحيدة المناسبة ليا! تركها عندما بدأت تبكي بقوة، تشهق بصوت عالي كان كالوغزات على روحه، فقال هو بجمود:.
-هفكر أنفذلك اللي إنتِ عايزاه لو وافقتي إني اتجوز يا فجر، وإنتِ اللي هتختاريها بنفسك وهتحضري فرحي! همست هي دون أن تفكر بالعواقب: -موافقة! عندها ألقاها بعيدًا عنه كالقمامة وهو يستطرد بقسوة كتمرد على قلبه العاصٍ: -مش هطلقك يا فجر وهتجوز، وخليكِ كدا زي البيت الوقف لا منك مطلقة ولا متجوزة حتى!..
ثم خرج صافعًا الباب خلفه لتنهار هي ارضًا وهي تتذكر ذلك المجنون الذي أجبرها على قول تلك الهراءات التي ربما أنهت حياتهم سويًا!
في اليوم التالي وقت الظهيرة... وصلت ترنيم مع صقر أرض ألمانيا تحديدًا -برلين- فتنهدت بقوة وهي تحاول تهيئة نفسها للقادم... لم تخبر جسار بما حدث حتى لا ينتابه القلق عليها، وعلى سيرة تذكرها لجسار وجدت هاتفها يرن فأخرجته من جيبها ببطء لتجيب على الاتصال بهدوء: -الوووو ولكن ما من مجيب، ظلت تكرر الوو عدة مرات ولكن الاجابة بالصمت! انتشل منها صقر الهاتف ليرد بصوت اجش: -الوووو مين!؟ حينها اتاه صوت رجل يقول:.
-مهلتك قربت تخلص، 4 ايام لو مابعدتش عنها ابقى جهز القرص والحلاوة عشان توزعهم عند قبرها ثم ضحك باستفزاز ليغلق الهاتف... نظر لترنيم ثم أعطاها الهاتف بصمت، هم منذ أستيقظوا اساسًا لا يخاطبا بعضهما وكأنهما اعلانا الحداد بينهما!.. كاد يمسك يدها ولكنها ابعدت يدها على الفور لتخبره بنبرة جافة:.
-متحاولش تلمسني، وياريت نروح على المستشفى عشان نعمل التحاليل اللي بتبقى قبل العملية والعملية تبقى بكرا عشان نرجع مصر بسرعه! ألهذه الدرجة اصبحت تمقت قربه!؟ تساءل في نفسه بحسرة... ولكن لم لا؟! أوليس حقها؟.. وصلا بعد مدة المستشفى الخاصة التي ستُجرى بها العملية وتوجها نحو مكتب الطبيب المحدد.. جلس كلاً منهما منتظرين قدوم الطبيب الذي دق الباب بعد قليل ليدلف شاب في اوائل الثلاثينات من عمره...
وما إن وقعت عيناه على ترنيم الصامتة حتى اتسعت حدقتاه ممتلئة بأطنانًا من الشوق وهو يهمس غير مصدقًا: -يااااه ترنيم! إندفع ناحيتها ولكن قبل أن يصل لها كان صقر ينهض مغمغمًا بصوت اجش: -حضرتك مين وتعرفها؟ نظر ناحية ترنيم ليهمس بخفوت شارد والابتسامة شقت ثغره: -انا الدكتور اللي هعملها العملية، وهي زميلة قديمة غالية ليا اوي! مد صقر يده بابتسامة صفراء يهتف: -وانا صقر الحلاوي، جوز الغالية!
تنحنح الطبيب بسرعة وهو يعود لمكتبه عندها ابتسمت ترنيم ابتسامتها التي سرقها صقر في اخر اربعة وعشرون ساعة لهم، لتنهض متشدقة ب: -حازم!؟ بجد مش مصدقة الصدفة! تدخل صقر وهو يقول بصوت فاحت منه الغيرة: -بس انا اتفقت مع دكتور كورينا الالماني مش حضرتك! -مهو انا المساعد بتاعه، هعملها الاشعة والتحاليل والدكتور هيجي بكرا ان شاء الله.
تأفف صقر وهو يجلس مكانه مرة اخرى، ثم امسك يد ترنيم رغمًا عنها يضمها له وكأنه يعلن عنوانًا لصفحة الماضي الذي فتحها ذاك الحازم!.. نهض حازم موجهًا حديثه لترنيم: -تعالي معايا يا مدام ترنيم عقبال ما جوز حضرتك يدفع الاجر تكوني بدأتي عشان شكلكم مُرهقين وعايزين تروحوا بدري أكد صقر كلامه بسرعة: -اه جدًا نظر لهم بشك، لولا اضطرارية الامر لم كان تركهم بمفردهم ابدًا..
ولكن من المؤكد أن هناك ممرضات او ممرضات! المهم انهم لن يختلوا سويًا...
وبالفعل ساعد صقر ترنيم لينقلها مع ذلك الطبيب للغرفة المحددة، ثم تركهم على مضض ليغادر... وقبل ان تأتي الممرضات حينها إلتفت حازم نحو ترنيم ولا يدري ما الجنون الذي دفعه لاحتضانها وهو يردد بهيام حار: -وحشتيني اووووي، كل ما بنزل مصر كنت بدور عليكِ، سبتيني عشان تتجوزي دا يا ترنيم!؟ الصعيدي دا! كان يضمها له بقوة وترنيم تحاول الفكاك من بين ذراعاه، وتردد بصوت خافت: -لا لا أنا آآ...
ولكن لم تكمل جملتها اذ سمعت صوت صقر الذي جُن من ذاك المظهر يهتف بشراسة: -ترنييييم!..
رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والعشرون
إرتعش جسدها بتلقائية عندما لفحها الهواء البارد بعد إبتعاد حازم عنها فور أن دلف صقر ... بدأ قلبها يرتجف داخليًا.. سيقتلها صقر ويقتل ذلك الابله قبلها حتمًا!.. وبالفعل في الدقيقة التالية سمعت صقر يسب حازم بصوت عالي وتأوهات حازم تدل على أنه تلقى ضربة مؤلمة!.. للحق هي لن تحاول إبعاده الا في الوقت المناسب... فالعقاب يستحقه ذلك المجنون...
وفي الدقيقة المناسبة وحتى تضمن عدم تسبب الفيضحة لهم نهضت تستند على الاشياء جوارها ثم قالت بجدية عالية: -صقر كفاية سيبه، سيبه مينفعش اللي أنت بتعمله دا سيبه تركه بعد دقائق وهو يلهث مرددًا بجنون: -لو راجل فكر تقرب منها تاني يابن ال*** كان الاخر يبتسم باستفزاز وهو ينطق بحروف متفرقة غير متلاصقة: -هقرب وهتشوف، الحضن دا حقي انا مش أنت! أنا اللي عايزها من بدري مش أنت.. ثم أشار لبطنها مكملًا بصوت منتحب:.
-ودا كان مفروض يبقى أبني مش أبنك أنت! لم يتلقى سوى لكمة اخرى اسقطته ارضًا ولم يتركه صقر بل ظل يضربه ويضربه، مجرد حديثه ذلك يجعل الدماء تغلي بين عروقه... الجنون داء أخطر ما يمكن.. مرض بمجرد الهمس او اللمز ينشب بجسده فيجعله دون عقل او إرشادات فيصبح كغليان ليس له حدود!.. أدمى حازم حتى فقد وعيه من شدة ضربات صقر...
وفجأة دلف بعض الممرضين ليفرقوا بينهم بسرعة، حينها نهض صقر بخفة ليسحب ترنيم من ذراعها بحدة متجهًا للخارج، ما اصبحوا امام سيارة اجرة حتى اوقفها ليستقلها وهو يسحب ترنيم معه... وصلا بعد قليل الى الفندق الذي سيقيمون فيه، فكان صقر يسير اولًا ويسحب ترنيم من يدها خلفه كالبعير... إنفلتت زمام الامور منه، إنسحب العقل تاركًا الساحة للجنون ليقود هو جوانحه لمدة يعلم الله متى نهايتها!
صعد السلم وهو يسحبها بشدة حتى تلعثمت قدماها وكادت تسقط صارخة بألم: -اااه رجلي استنى الله يسامحك! تأفف بنفاذ صبر وبلحظة كان يحملها بين ذراعيه بسرعة لتنكمش ملامحها بقلق وهي تلاحظ الارتفاع... فأصبحت قريبة منه لدرجة أن ضرباته التي كانت في سباق لا نهائي طربت أذنها..! لم تلف يداها حول رقبته كالعادة بل امسكت قدمها وهي تتأوه بصوت مكتوم...
وصلا الغرفة فأخرج صقر المفتاح من جيب بنطاله برفق ليفتح الباب ويدلف مغلقًا الباب خلفه بقدمة.. إتجه نحو الفراش ثم وضعها عليه ببطء، اختلطت انفاسهم سويا وصقر مغمض العينان يحاول التحكم بعصبيته المفرطة ثم، رغبته الدائمة فيها! ابتعد عنها وهو يقول بخشونة: -استني هجبلك مرهم اتجه نحو المرحاض يبحث عن علبة اسعافات اولية ليأخذها ويعود لترنيم التي كانت تمسك بقدمها والالم مرتسم على ملامحها بوضوح...
جلس جوارها ثم بدأ يضع لها المرهم على كعب قدمها ويتحسسها برفق، صعد بأصبعه برفق وبطء للاعلى حتى ما قبل ركبتها لتغمض هي عيناها تحاول السيطرة على تلك الرعشة التي تٌولد من لمساته السحرية... وفجأة كان صوته الداخلي يحدثه ازاي عايزها تكرههك وازاي بتعاملها كدا؟ عندها نهض مبتعدًا عنها ليرمي المرهم عليها حتى تأوهت مصدومة، مرددًا بصوت قاسي: -انا مش شغال عندك حطيه لنفسك، مبتعرفيش تعملي أي نيلة لوحدك!
مرت دقيقة لتسمع صوت صفعه للباب بعنف فارتعدت شاهقة وهي تحاول كبت دموعها بصعوبة شديدة...!
رمشت نور بعيناها عدة مرات تحاول إستيعاب جنون حروفه..! لا تدري ما الذي يدور بعقله تحديدًا، ولكن كلها هراءات! جنون كالحبيبات يلف ثنايا عقله بالتأكيد! ولكن على أي حال هي لن تفسد صفو التخطيط الذي تخططه لحياتهم سويًا.. لذلك قالت بصلابة وهي تحدق بعيناه: -أنت مستوعب أنت بتقول إيه؟ اومأ مؤكدًا ثم بدأ يقترب منها ببطء وهي تعود للخلف ودقات قلبها توازي دقات طبول حرب مشتعلة..
وضعت يداها على صدره تحاول إبعاده عنها وهي تهمس بقلق: -جسار ابعد عني، مش هينفع ابعد! مال عليها حتى اصبح فوقها تقريبًا وفجأة استدار للجهة الاخرى ليتمدد جوارها... حينها زفرت نور بقوة وكأنها وُضعت تحت الانعاش بعد قرابة توقف قلبها!.. مد يده يحيط وجنتها برقة، عيناه مثبتة على صفوة عيناها التي يغرق بها وكأنه ثمل من جنون تأثره بها.. ثم تابع بصوت أجش ولكنه هادئ:.
-حلفت يمين إني مش هلمسك الا اما تكوني ف بيتي، وراضية وعايزاني زي منا عايزك! ثم ابتعد عنها لينهض جالسًا يعدل من هندامه ينوي النهوض فأمسكت ذراعه لينظر لها فاستطردت بهمس ناعم: -جسار، انا عايزاك! تعلقت نظراته بها... آآهٍ لو تعلم كم أحرقته كلمتها البسيطة تلك!.. كم أشعلت جفونًا مغلقة من رغبة يسجنها خلف تحكمات العقل... أردفت هي مكملة بنفس الرقة: -بس عايزة حياتنا تبدأ صح زي أي اتنين!
بلحظة كان شبه ملتصق بها يبعد خصلاتها عن رقبتها ليلثمها بعمق حار... قبلاته كانت كالفراشات التي أججت براكين بجسدها الناعم، لتحاول إبعاده ببطء وهي تهمس بتوتر: -جسار كفاية ولكنه لم يبتعد، أحاط خصرها بيداه يضمها له وشفتاه تطبع عدة قبلات مشتعلة على رقبتها ثم كتفها الذي ظهر رويدًا رويدًا... شعرت بتطور لمساته فانتفضت بسرعة بعيدًا عنه متمتمة: -كفاية يا جسار كفاية! وبالفعل نهض وهو يتنفس بصوت عالي، ليردد بخشونة:.
-انا اسف ثم بدأ يفتح ازرار قميصه وهو يتجه نحو الباب ليفتحه ويخرج مغلقًا إياه خلفه... نظر للساعة يتأكد من مرور نصف ساعة، وكما توقع كانت والدته امامه ينبض قلبها بعنف من هيئته فسألته بقلق: -إيه اللي حصل يا جسار؟ رد بلامبالاة: -خلاص يا امي. مابقاش ينفع أطلق نور! ثم استدار ليتركها ويتجه لغرفته ببرود...
في اليوم التالي صباحًا... دلف جسار عاري الصدر كعادته اثناء نومه الى المطبخ وهو يتأثب ثم هتف بعد أن رأى نور تقف وتعطيه ظهرها، منشغلة بشيء ما: -صباح الاناناس على اغلى واحلى الناس لم ترد عليه فاقترب منها حتى اصبح خلفها ليمد يده على كتفها وفجأة وجدها تمسك بالسكين وتدمي صدره بها وهي تهتف بشراسة وجنون: -إياك تلمسني تأوه جسار بصوت عالي وهو يمسك مكان إصابته ليجدها تكمل بنبرة غريبة:.
-بتتوجع صح؟ وكل ما هتفكر تلمسني هيحصل نفس الموضوع لاني بكره لمستك دي!
-أنت قولتلي هتفك البتاعة اللي حوالين ايده دي اول ما اعملك اللي أنت عايزه، فكها بقاااا كانت فجر تصرخ بتلك الجملة على الهاتف تتحدث مع ذلك المريض عمرو لتجده يرد ببرود: -مع إنك لو كنتي جيتي معايا كان أسهل بس تمام، ارجع وافكرك إن اللي حوالين ايده دي زي قنبلة حساسه، لو حسيت بأي غدر منك هدوس على الزرار وكل سنه وإنتِ طيبة! مجرد ما يطلقك هبعت رجالتي هياخدوها منه بالعافية زي ما حطوهاله بالعافية.
سمع شهقاتها عبر الهاتف فأكمل ببرود أعتصر قلبها بين قبضتاه المؤلمة: -اوعي تفكري إني هموت عليكِ وعايزك تتطلقي عشان كدا! لا انا بس عايز اعرفك إني محدش يقولي لا واني لما بعوز حاجة بعملها، باي يا موزة! ثم أغلق الهاتف هكذا فجأة، لتجلس هي باكية تشهق بعنف منتظرة قدوم ليث بفارغ الصبر، منذ ليلة أمس لم يعد حتى الان! تراه أين يكون؟.. وماذا يفعل؟!. الشك كسيخ من حديد ملتهب ينغرز بين أطراف روحها الملكومة..!
وفجأة سمعت صوت الباب يُطرق وهو يدلف ببطء فركضت دون تردد تحتضنه وهي تهمس دون وعي: -الحمدلله الحمدلله أبعدها عنه بهدوء تام، لتسأله هي بحنق تعجب ليث منه: -كنت فين؟ قلقتني عليك حرام عليك من امبارح مفكرتش تسأل فيا! كانت نظرته باردة، قاتمة خاصةً وهو يقول دون تردد او قلق: -منا كنت بنفذ اللي قولت عليه وقبل ان تستوعب مقصده كان يشير نحو الباب وهو يقول بابتسامة متسعة باردة: -تعالي يا چوليا.
ثم نظر لفجر يكمل بخبث ثابت: -چوليا، مراتي ودُرتك!
كان حازم في مكتبه منفعل حد الجنون يقص على صديقه ما حدث وما إن انهى كلامه حتى قال بانفعال: -انا يضربني وسط الناس وف مكتبي! زجره صديقه بحدة: -أنت اللي غلطان، الراجل واضح انه كان متردد يسبكم سوا ورجع بسرعه عشان يلاقيك حاضن مراته؟ رفع كتفيه وهو يردد بلامبالاة مغتاظة: -دا كان عادي يعني كنت زي بسلم عليها -انت عارف إنها مش زي البنات اللي هنا، وبعدين دي رفضتك وهي مش متجوزة فلما اتجوزت تفتكر هتخون جوزها؟
تأفف وهو يشرج له ببرود: -هي مش فارقة معايا اصلًا، انا بس كنت متغاظ انها سابتني عشان الراجل الهمجي دا! سأله صديقه بشك: -هتعمل إيه يعني؟! خلي اي حد تاني يبقى مكانك احسن هز رأسه نافيًا والخبث يتقافز كنسمات الهواء بين عيناه: -لا، هنتقم لأهانتي وبعدين هبعد!..
كانت ترنيم تغط في نومٍ عميق عندما أقترب منها صقر ليقبل جبينها بعمق، ثم اصبح يتحسس وجنتها بشرود هامسًا: -سامحيني يا ترنيمتي، بس هما زي الشياطين محاوطينا من كل حته وماقدرش اخاطر بحياتك إنتِ بالذات! ثم نهض يقف امام الشرفة يضع يداه في جيب بنطاله ويشرد فيما حدث عندما ذهب لجلب والد زوبيدة.
فلاش باك### أجاب على إتصال من رقم -خاص- وهو متيقن من كونها نيرمين ليجدها تهتف بغيظ جم: -بما إنك اكيد منعت مراتك تيجي يبجى أنت مضطر تنفذ اللي انا عايزاه والا هتشيل ذنب الراجل اللي ملهوش دعوة بحاجة دا! زمجر فيها بنفاذ صبر: -إنتِ عايزة إيه؟ مفكراني مش هعرف أجيبك يا نيرمين! -تؤ تؤ انا عارفه إنك تجدر تجيبني، بس مش هتقدر تجيب ابو زوبيدة الا جثه، لإنه بين ايدين ناس مابيفهموش الا الاوامر!..
الا يعلم هو؟.. نيرمين أكثر من مجنونة، نيرمين عندما تخوض حرب لا تضع لها قوانين بل تحارب بالحيل والشيطنة!.. عاد يسألها مرة اخرى محاولًا التحكم في اعصابه: -عايزة إيه يا نيرمين؟ اجابته ببرود: -هتديني الطفل اللي انا عاوزاه، ولو الحمل الطبيعي مانفعش هتفضل معايا لحد ما نعمل اي عملية المهم إني هشيل حته منك بأي شكل من الاشكال! وهتمضي تعهد على نفسك إن لو دا ماحصلش هتدفع 20 مليون جنية!..
اصبح صوت تنفسه عالي، يكاد يجن وهو يحاول التحكم في الفهد الذي إهتاج داخله وبشدة... ليجدها تستطرد بجدية: -في شارع*** هو شارع مهجور هناك في اوضة في*** سرية، مابتتفتحش الا بحاجة سرية، هتحط ورجة التعهد بعد ما توصلك من البريد وتمضيها واول ما تحطها الباب بتاع الاوضه هيتفتح وهتلاجي ابو زوبيدة، معلش هتلاجي فيه اصابات خفيفة بس دي لزوم الشغل، سلام يا زوجي العزيز!
وبالفعل اغلقت الهاتف ليلقي الهاتف صارخًا بجنون عانق عصبيته المفرطة! واسفًا لم يكن امامه سوى تنفيذ ما ارادته وامضاء ذلك التعهد، والا لم كان والد زوبيدة معها الان! وما زاد الامر سوءًا هو وضع نيرمين كاميرات مراقبة ليُريها تلك الورقة جيدًا قبل ان يضعها منعًا لأي خداع!.. باك####.
نظر لترنيم بحنان وكأنه يعتذر منها، يعتذر على منح غيرها طفل... ولكن للاسف ولاول مرة فعليًا لم يكن باليد حيلة! كل الحيل اصبحت كالسلاسل تُلفه حول عنقه حتى كادت تخنقه رويدًا رويدًا...! رد على هاتفه الذي رن ليفيقه من شروده: -الووو مين؟ -جدرك يا زوجي العزيز، مستنياك في الاوضه رقم (، ) جمبك وفي نفس الفندق اللي نزلت فيه انت والهانم مرتك! اجابها بجمود: -جايلك خلاص.
ثم اغلق الهاتف ليلقي نظرة اخيرة على ترنيم قبل ان يغادر الغرفة، عندها فتحت ترنيم عيناها الدامعة وقد كانت متيقظة! فلم يكن منها الا أن نهضت بسرعة ترتدي اي شيء لتركض خلف صقر دون ان يلحظها و...