رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر
تجمدت من الجملة التي سقطت عليها كطلسُم يصعب فكه... وحوش الغيرة المستعرة نهشت داخلها بقسوة..! ألهذه الدرجة لا يستطع الابتعاد عنها ليأتي بها إلى هنا؟! جنون، جنون لا يليق سوى ب عاشقة تركت مكنونات حياتها لعشق مُتهور يرميك تجاه مصير مجهول...! فزمجرت فيه بعصبية: -ازاي يعني هتعيش معانا؟ امال احنا كنا سيبنا البيت التاني لية اصلًا! أغاظتها ابتسامته الباردة وهو يرد وكأنه يُفكر:.
-اممم تصدجي عندك حج، انا برضه بفكر نرچع البيت التاني صرخت بنفاذ صبر: -ده على جثتي ثم تقدم منها كأسد على وشك إلتهام فريسة ملطخة بدعوة الالتهام... ثم يقول بحدة وهو ينظر في عيناها التي لا تراه: -يبجى تسكتي وتحطي بُلغة في خشمك، أنا جبت نيرمين هنا عشان هي مرتي ثم تنهد وهو يكمل بجدية: -يعني ليها حج زيها زيك! تركها متجهًا لغرفته فحاولت الركض خلفه ولكنها لم ترى المنضدة بالطبع فكادت تسقط صارخه...
ولكن يد نيرمين أمسكت بها قبل أن تقع وهي تردد بهمس خافت: -على مهلك نفضت ترنيم يدها عنها وبدت كمن يختنق بسلاسل من حوله وإن كانت باردة ولكنها قاسية قساوة عدو يُعذبك بثلوج...! لتتشدق بحدة قاسية مزدردة: -ابعدي عني، انا مش محتاجة مساعدتك ولا هحتاجها إن شاء الله زفرت نيرمين عدة مرات وهي تحاول التحكم في كرات الدم التي تغلي داخلها، وبجدية حازمة أجابت:.
-بصي يا ترنيم، انا اللي مفروض احقد عليكِ مش العكس. مع ذلك انا مابكرهكيش والا كنت سبتك تموتي في الليلة اياها تركتها ترنيم واتجهت لغرفة صقر دون ان ترد... كانت تسير ببطء حتى لا تقع، ومع كل خطوة بطيئة تخطوها تذكرها بعجزها الذي يحاوطها من كل جهة كمادة قاتلة مُتسربة!
وصلت الغرفة فدلفت ببطء حتى إصطدمت بصقر فجأة، توقعته أن ينفضها عنه غير مباليًا بأي شيئ ولكنه على العكس أمسك يدها بهدوء ليُجلسها على الفراش وهو يردد بجمود: -ماتمشيش لوحدك كتير عشان ماتجعيش مش ناجصين مصايب! أمسكت يده التي كادت تبتعد وهي تهمس له: -صقر، أنت لازم تسمعني أبتعد عنها بالفعل متجهًا للمرحاض وهو يستطرد دون تعبير واضح: -انا تعبان وعايز أخد دش وانام سمعت صوت إغلاق باب المرحاض فتنهدت بأسى...
واخيرًا تصرفات صقر عالجت صمت القلب داخلها فظل يجهر رافضًا المساحة التي تُصنع بينهم هي السبب، هي من اعادتهم لنقطة الصفر هذه المرة ! تمددت على الفراش بتلقائية وهي تشعر بدموعها المتحجرة... ولكن رغمًا عنها غفت...
فلم تشعر بنفسها سوى بعد وقت لا تدري كم هو، نهضت وهي تستشعر ألم رأسها من البكاء... كان لا يوجد صوت بالغرفة فاستنتجت انها بمفردها، نهضت بهدوء بطيئ لتخرج من الغرفة وهي لا تعرف وجهتها... ولكن سمعت صوت يأتي من احد الغرف فتوجهت نحو الصوت بهدوء... فاخترقت جملة نيرمين اذنيها أوعى تقول أنك ندمان عشان قربت مني يا صقر؟
شهقت فجر مصعوقة من الصفعة التي تركت اثرًا عميقًا محفورًا داخل روحها وليس وجنتها فحسب... رفعت رأسها لترى المدعو ب والدها فابتسمت بسخرية وهي تردد: -اكيد هو ألف حاجة من تأليفاته عندها سألها ليث بحدة ليست مفاجئة بالنسبة لتلك الصفعة التي كانت مقدمة لصفحة مشعثو بالاهانات!.. أنتِ كنتي مع الو** اللي اسمه عمرو ده؟ نظرت لوالدها بخزي وهي ترد متساءلة: -هو فهمك أية؟ تشدق ليث صارخًا فيها: -ردي على سؤالي كنتي معاه؟
تخطته بخطى غير مبالية نحو غرفتها وهي تقول ببرود ظاهري: -بما انك صدقته يبقى اكيد هو قالك كنت معاه ولا لا كاد ليث يركض نحوها ولكن والدته أوقفته بجدية صارمة: -ليث! براحة على البنت انت مش شايف هي عاملة ازاي؟ وكأنه للتو أدركت عيناه هيئتها المزرية، تلك الفاجعة التي إلتقطتها اذناه فجعلته أعمى عما اصابها! تقدم منها يسألها بجدية متلهفة بعض الشيئ: -مالك؟ اية اللي حصل كان تنفسها غير منتظم وهي ترد: -ملكش دعوة.
ثم نظرت لخالتها لتكمل بصوت مبحوح: -خالتو بعد اذنك في سواق تاكسي تحت الحقوه قبل ما يمشي اديله فلوس حق التوصيله عقدت ما بين حاجبيها وهي تسألها بعدم فهم: -وأنتِ فين حاجتك يا بنتي؟ نظرت للجهة الاخرى وهمست: -وقعت مني هناك سألها ليث مرة اخرى بغضب: -اية اللي حصل يا فجر!؟ لم ترد وإنما دلفت إلى غرفتها، يؤلمها تبخر الثقة بينهما، يؤلمها جدًا! هبط ليث لسائق التاكسي الذي قالت عليه، ابتسم الرجل ما إن رآه وقال بهدوء:.
-الحمدلله على سلامتها، ماتخلوهاش تنزل لوحدها تاني بقا عقد ليث ما بين حاجبيه وهو يغمغم بصوت أجش: -متشكرين ليك مد يده له ببعض الاموال فهز الرجل رأسه نافيًا ثم اخبره: -دي زي بنتي، وأي حد مكاني كان هيعمل كدة -لية؟ معلش فهمني سأله ليث وقد شعر بخطبًا ما في الامر، فهتف الرجل متعجبًا:.
-هي الانسه ماحكيتش ليكم ولا اية؟ انا لاقيتها بتجري وحالتها صعبة وفي واحد عمال يجري وراها وهدومها شبه متقطعة فركبت التاكسي بتاعي ووصلتها لهنا شعر ليث بعمق الخطأ الفادح الذي ارتكبه عندما صدق ذلك المعتوه والدها نظف حنجرته بتوتر ثم همس لها: -تمام، شكرا ليك مرة تانية ابتسم الرجل بهدوء ثم اخذ بعض الاموال فقط وغادر بتمهل...
صعد ليث مرة اخرى وداخله يحترق كون ذاك اللعين عمرو حاول أخذها عنوة وهو صدق والدها أنها ذهبت معه برغبتها...!
دلف الى المنزل فتوجه نحو غرفة فجر مباشرة عندما وجد والدها قد رحل على الفور...! بمجرد أن دلف وجدها مُلقاه على الارض فاقدة الوعي وبدت كمن فقدت القدرة على التنفس حتى...!
جسار في المرحاض يستحم بعد يوم مرهق كالعادة في العمل... إنتهى فخرج وهو يلف المنشفة حول الجزء السفلي منه وقطرات المياه تتساقط على وجهه فتعطيه لمعة جذابة كلمعة لوحة فنان مبدع..! بمجرد أن خرج ورفع وجهه رأى نور تجلس على فراشه بهدوء وتضع قدم فوق الاخرى وتبتسم وهي تنظر له... حدق بها مذهولا من تواجدها الذي بالرغم من انه انعش روحًا مشتاقة حد الجنون الا ان المفاجأة احزمت خيوط العقل حولها!
فسألها بصوت متشتتة حروفه اثر الصدمة: -نور؟ أنتِ بتعملي أية هنا وازاي جيتي اصلًا؟! رفعت كتفها وهي تشير له مرددة بهمس لم يظهر صوتها بوضوح: -بزور م ماما سألها مستفهمًا بتوجس: -مال صوتك؟ اجابته بنفس النبرة: -اصلي عندي دور برد جامد اومأ موافقًا ثم سرعان ما كان ينتبه لهيئته فقال متعجبًا: -نور عايز اغير هدومي! ابتلعت ريقها بتوتر ثم ردت بهمس مبحوح: -منا عاوزه اتكلم معاك.
لم تنتظر رده فاقتربت منه ببطء تبث بعضًا من الشجاعة الهاربة داخلها لتضع يدها على صدره العاري بعبث ارتفع حاجبه الايسر من جرأتها التي خُلقت فجأةمن اللاشيئ...! سألها بهدوء حاول فيه السيطرة على نفسه: قولي طيب عاوزه تتكلمي ف اية؟ رفعت نفسها ببطء لتحيط عنقه وسط تعجبه الذي وصل ليعانق السماء! ثم همست وهي على وشك ملامسة شفتاه: -اكتشفت اني بحبك وعايزة اكون مراتك!
صباحًا... استيقظ صقر فنهض متململاً يشعر ببرودة الفراغ الذي كانت ترنيم تملأه... توجه نحو الغرفة التي تقطن بها لا اراديًا فهي مهما فعلت ستظل ملكةذاك القلب والسيطرة الوحيدة عليه...! ولكن ما ان دلف الى الغرفة حتى ذبحته الصدمة اذ لم يجد ترنيم بالغرفة اطلاقًا! فزع حقيقي ملأ مخزون قلبه الضعيف الذي مازال يأن بأسمها، ظل يبحث في المنزل بأكمله ولكنه لم يجدها...
وفجأة سمع طرقات على الباب فركض على امل ان تكون هي ولكن خاب امله وهو يرى حارس المبنى يهتف له بجدية: -صقر بيه، البريد ده جه لحضرتك ضلك(دلوقتي) امسكه منه يفتحه بلهفة ليجد شطر مدون بحروف كللهب احرقته بقسوة مراتك معايا، ابقى قابلني لو عرفت توصلها تاني يا حلاوي !
رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر
جن جنونه حينئذ، اختطفوها من بين يداه ولم يستطع انقاذها! سلبوا روحه منه دون ان يغلفها كهرباء جنونه اللاذعة فيحميها... انصرف الحارس وظل صقر يدور حول نفسه وصرخات حبيسة داخله تكاد تشق سكونه القاسي!.. دقائق معدودة ووجد زوبيدة تدلف في حالة يرثى لها فسارع يسألها بلهفة: -زوبيدة أنتِ كنتي مع ترنيم صح؟ بدأت تبكي بخوف من رد فعله وهي تقص عليه:.
-ايوة يا بيه، هي اتصلت بيا بدري وجالتلي اجي عشان عايزة تروح مشوار فأنا جيت وروحت معاها وفجأة لاجينا ناس غريبة ضربوني واخدوا الهانم ركض وهو ينادي على الحرس الذي عينه لها: -يا مرووووان خلال ثواني كان مروان امامه يسأله بقلق: -اؤمرني يا صقر بيه سأله بحدة مخيفة كمن على وشك قتل مجرم ليريح العالم من شره الحالك: -انتوا كنتوا فين لما الهانم اختفت؟
ابتلع ريقه بتوتر ومن ثم اجابه بقلق من هيئته التي رُسمت بلوحة شياطين هوجاء: -الهانم نزلت ورفضت رفض قاطع نروح معاها وقالت ان حضرتك عارف لما أصرينا نروح! جز صقر على أسنانه بغل حقيقي، تهورها وعنادها هو من خلق يدًا من طينةالحظ فألقتها في جحيم جديد!.. أمسك الرجل من تلابيبه ليصرخ فيه بحدة مفرطة: -اقسم بالله لاطين عيشتك انت وشوية البهايم اللي مشغلهم معاك عاد يمسك بالظرف مرة اخرى وهو يردد بنبرة ساخرة قاسية:.
-لا ناصح يا عزيز كل حاجة بتبعتها بريد وورج لكن وديني لاهجيبك وهسففك التراب حج كل لمسة اتجرأت تلمسها بيها! كل ذلك ونيرمين تتابع الموقف من الغرفة بصمت تام...
عجز جسار عن الرد امام صدمته فيما تفعله، لم يراها يومًا هكذا فبدت له وكأنها في حالة غير طبيعيةبالمرة...! ابعدها عنه مسرعًا وكأنه يخشى الوباء الذي اصابها ان ينتقل اليه... فقال بجزع: -أنتِ بتعملي اية يا نور أنتِ من امتى وانتِ اللي بتقربي مني؟ دقيقة صمت وكان يكمل متعجبًا وكأنه يكشف لها النقاط الفارقة التي لم تستطع تغطيتها! ليكمل بعدها: -أيش حال لسة طالب منك نكتب الكتاب ورفضتي!؟
ابتلعت ريقها بتوتر وجاهدت لأعلان الثبات الذي انسحب من حالة الحرب تلك..! بينما ابتعد عنها جسار وهو يقول بجدية: -اطلعي بره يا نور تنفست بعمق وحاولت النطق معترضة: -جسار آآ... ولكنه نهرها بحدة: -بقولك اطلعي بره يا نور تنحنحت بغيظ وغادرت بالفعل ليتنهد هو بارتياح...
بينما على الجهة الاخرى... كانت نور في غرفة مظلمة بعض الشيئ مُكممة ويداها مقيدة، دموعها تهطل بغزارة وهي تتذكر السيدات المجهولات اللاتي اختطفهنها! فُتح الباب لتدلف شاهيناز وهي تبتسم بمكر، فشهقت نور بمجرد ان رأتها، لتهتف شاهيناز بخبث: -اية يا مدام نور مش فاكرة شاهي اللي موتي ابنها ولا اية؟ حاولت نور النطق ولكنها كانت مكممة فأبعدت شاهيناز اللاصق عنها لتهتف نور مسرعة بخوف باكي:.
-والله العظيم انا ما موت ابنك ولا اقدر اعملها اصلا ده كلاللي حصل كن صدفة مش اكتر! امسكتها شاهيناز من شعرها بعنف تزمجر: -والله؟ وانا برضه هموت ابنك وهقولك صدفة مش اكتر اتسعت حدقتا نور... ولكن جوهر الارتياح داخلها ازدهر بعض الشيئ فهي تعتقد انها حامل...! وقبل ان تنطق كانت شاهيناز تتشدق بمكر: -بس قبل ده عاوزة اوريكِ حاجة هتعجبك اووي.
نظرت لها نور بعدم فهم لتجدها تخرج هاتفها لتشغل فيديو ما وتقرب الهاتف من نور مغمغمة: -اتفرجي وقوليلي رأيك شعرت نور كما لو انها تلقت صفعات أدمت تلك الروح التي اصابتها شرنقة الحظ...! كانت ترى واحدة تشبهها تمامًا بل هي نسخة ثانية منها، تُطابق مقولة يخلق من الشبه اربعين ولكن الفاجعة لم تخلق بين حروف تلك الجملة بل كانت عندما رأت تلك الفتاة تقترب من جسار بطريقة خطره...
وفيديو اخر كانت نفس الفتاه مع رجل اخر في فراشه ومظهرهم مثير للتقزز! فاتسعت ابتسامة شاهيناز وهي ترى تعبيرات نور التي ارضت غزيرتها الانتقامية وفجأة...
كان ليث طوال الليل لم يترك فجر للحظة فظلت بأحضانه بعدما استعادت وعيها لتغفو من شدة الارهاق بعدها... كان يشعر بأرهاقها يمزق نفسه المتشبثه بروحها الملكومة...! عندما استيقظ ليث في الصباح لم يجدها جواره فهب مفزوعًا ينادي بأسمها: -فجر، فجر أنتِ فين؟ انتبه للتو ان الدولاب مفتوحًا وملابس فجر ليست موجودة به، ركض مسرعًا للخارج ليجد والدته جالسة فسألها بقلق: -فين فجر؟ اجابت بهدوء متعجب:.
-معرفش هي مش كانت نايمة معاك من امبارح؟ اجابها بصوت مبحوح: -فجر سابت البيت! شهقت والدته مصدومة وهي تردد بخوف حقيقي على قطعة اُخذت من روحها: -ازاي دي مستحيل تروح لابوها هتروح فين؟! لم يجيبها بل انطلق على الفور يُبلغ الشرطة...
بعد مرور ساعات#### تلقى ليث اتصالاً من الشرطي الذي بدأ يتابع قضية اختفاء فجر... ليجيب على الفور بلهفة: -ايوة يا حضرت الظابط لاقيتوا حاجة؟ سمع صوته الاجش يرد: -ايوة بس للاسف الاخبار مش حلوة -قول ارجوك من غير مقدمات سمع تنهيدته قبل ان يكمل: -اللجنة اللي في منطقة (، ) لاقت اتوبيس مسافر على طريق (، ) وشاكين في واحدة راكبة -لاقيتوها يعني؟ -للاسف الاتوبيس ده اتقلب وتقريبا مبقاش حد عايش منه!
كان صقر تقريبا كمدمن رفض الحظ اعطاءه جرعته المعتادة... منذ غياب ترنيم وهو لم يجلس قط ولو دقيقة واحدة، وكيف يسترح من الاساس؟! هل رإيت يومًا شخصا يعيش بدون روح تملأ ما خُلقت له!.. لم يستطع التوصل لمكان اختباءهم، وهذا الشيئ يعتصر روحه بقسوة مميتة وكأن قبضته من حديد ملتهب...! وجد طرقات على الباب فأسرع يفتحه ليجد الحارس وهو يهتف بحيرة:.
-معرفشي مين اللي عمال يبعت مظروفات لجانبك لكن المرة دي في كيس مع الظرف التقطه صقر بلهفة ليفتح الكيس فتجمدت يداه عندما وجد ملابس ترنيم الداخلية ! فتح الظرف وهو يشعر كأن الصدمةخدرته ليجد داخله كالعادة جملة مميتة تصدق البت طلعت فرررسه في السرير كمان !
رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر
هل رأيت الجنون يومًا؟! هل تلبسك شيطان الجنون لدرجة كدت أن تفقد فيها عقلك؟! هل تمنيت يومًا أن تفقد بصيرتك فلا تحترق مما تراه...! تقريبًا كان حال صقر كذلك، ذبيح لا تنطلق منه الروح فينتهي عذابه، ولا تشفيه فيزداد تألمه...! كان يصرخ بجنون وهو يحطم كل ما أمامه: -لاااااااا والله ما هرحمك، والله لاقتلك بأيديا يابن ال*** عندها ركضت نيرمين له وهي تحاول تهدأة الثور الذي هاج امامه: -اصقرم اهدى، صق...
ولكنه قاطعها صارخًا بصوت عالي أرعبها: -غوري من وشي ملكيش دعوة ب*** ام صقر ولكنها لم تتركه بل ظلت تحاول تهدئة انهيار الذي نجحت فيه نوعًا ما عندما قالت: -ممكن يكونوا عملوا كدة عشان يقهروك مش أكتر! عندها توقفت يداه عن تحطيم كل ما هو قاطن امامه، فنظر لها بلهفة يتعلق بحبال ذابت من الامل: -قصدك أية؟ اقتربت منه مسرعة وهي تكمل:.
-قصدي ممكن يكون محدش قرب لها اصلًا، بس معروفه إن اكتر حاجة توجع أي راجل هي حاجة زي كدة! صمت دقيقة يُفكر... عزيز رغم كل مساؤه الا انه يعشق زوجته؟! تنهد عدة مرات وهو يعتصر قبضته التي بدأت تنزف الدماء من اصطدامه بالزجاج اكثر من مرة...
بعد فترة وفي مكان اخر#### كان عزيز ينظر للشرفة بشرود عميق، يفكر في مصير تلك المسكينة المُلقاه بالداخل، عندما أتت زوجته تهتف بجدية: -ناوي تعمل أية في البنت يا عزيز؟ البنت منهارة من ساعة ما فاقت.. تأفف عدة مرات وهو يشيح بيداه لها متابعًا بضجر: -ماتسيبيها تغور في داهية! وقفت أمامه مباشرةً تواجهه بحزم: -عزيز، البنت حامل وبالطريقة دي ممكن تسقط، احنا نعاقب شخص اذانا اه، لكن نقتل طفل برئ لا والف لا.
عندها زمجر فيها بعصبية: -عايزة أية يعني يا ميرڤت مش كفاية ماخليتنيش اعمل اللي انا عاوزه!؟ أمسكت وجهه بين يديها بحنان لتهمس له بنبرة تعرف كيفية اللعب بخطورة على اوتاره الحساسة: -عايز تقرب من واحدة غيري؟ اهو انا خليتك تحرق قلبه بس من غير ما تدخل المسكينه دي في دايرة ملهاش فيها أبتسم بسخرية وهو يردد: -لأ حلو, أخلي بنت زيها تاخد منها هدومها وهي مغم عليها وابعتها لجوزها وكدة انا انتقمت؟ اومأت مؤكدة بخبث:.
-ايوة طبعًا، لا هو يعرف إنك ماقربتلهاش، ولا هي تعرف مين اللي عراها واخد منها هدومها! تنهد بعمق، وكأن شيطانه داخله يصوبه في اتجاه، وضميره في الدنيا هي يصوبه نحو اتجاه مُعاكس... أعادت وجهه لها وهي تتشدق بجدية ؛ -دلوقتي لازم نرجع البنت نظر لها مستنكرًا براءتها التي لا تُناسب جو مشحون بعبث الشياطين: -نعمممم؟! اهو ده اللي ناقص، نرجع أية ياختي!
-نرجع البنت، انا مش هاسمح إن ابنها يموت، ارضي ربنا ده احنا بنتمنى ضفر عيل؟! بدا وكأنه في حالة صراع نفسي عنيف، فقالت هي بشيئ من المكر ارضى ثوران الانتقام داخله ؛ -ارميهاله قدام شركته وخلي اللي مايشتري يتفرج! نظر لها وهو يبتسم وبدا وكأنه اقتنع...!
بعد ساعات اخرى### اتصال من موظف الامن الخاص بشركة على هاتف صقر جعله ينتفض ليرد مسرعًا بلهفة: -خير يا رضوان؟ اجاب الاخر بصوت لاهث: -مرات حضرتك يا بيه جدام بوابة الشركة وحالتها صعبه جوووي رمى الهاتف دون مقدمات ودون ان يخبر نيرمين حتى اي شيئ ليركض مستقلاً سيارته بسرعة رهيبة نحو الشركة...
وصل بعدما يقرب من النصف ساعة ليركض نحو موظف الامن في الغرفة المخصصة له... وبمجرد ان رآها حتى سكن إنهيار قلبه ولكن بدأ إنهيار رغبة الانتقام تشتعل.. همس بأسمها وهو يقترب ليحتضنها بلهفة ملتاعة: -ترنيييييم ولكنها إنتفضت مبتعدة عنه وهي تصرخ بهيسترية: -ابعد عني ملكش دعوة بيا سبني في حالي ولكنه أحتضنها رغمًا عنها، ضمها بين احضانه بقوة وكأنه يريد أن يخبئها عن العالم كله...!
ولكن هي لم تخضع وظلت تزمجر بأحبال صوتية مُشققة من كثرة النواح: -ابعد عني بقولك انا مش طيقاك غوووووور ولكنه لم يتركها، بعد دقيقة تقريبًا شعر باستسلامها بين ذراعيها فنظر لها ليجدها فقدت وعيها.. انتفض بهلع ينادي على الموظف: -رضووووان، اطلب الاسعاف فورًا!
وفجأة عند نور سمعوا صوت -سرينة الشرطة- فانتفضت شاهيناز بفزع لتركض للخارج... دقائق مرت ونور تحاول فك تلك الرابطة حول يداها، وحالفها الحظ لوهله ليعطيها جدارًا من القوة لتستند عليه لفترة، فنجحت اخيرًا في فك يداها وبدأت تصرخ طالبة للنجدة: -حد يلحقنيييييي ارجووووكم! لمحت عصا من حديد فأمسكت بها على الفور وهي تسير للخارج ببطء خوفًا من هجوم شاهيناز في أي لحظة...
وبالفعل كادت شاهيناز تدلف عندما وجدت نور تخرج وهي حاملة تلك في يدها... وقبل أن تبادر شاهيناز بأي فعل كانت نور تضربها بعشوائية فتلقت شاهيناز الضربة على رأسها لتسقط ارضًا وهي تهمس متألمة بحروف متقطعة: -آآه ر آآ، راسي! ثم تجمد جسدها وسط دماؤوها التي نزفت بغزارة... وتصلب جسد نور هي الاخرى واتسعت حدقتاها وهي تستنتج أنها تقريبًا، قتلتها!
فلاش باك قبل حادث -الاتوبيس-#### ولحسن الحظ عند توقف الاتوبيس في احد المحطات مؤقتًا... هبطت فجر لتشتري بعض احتياجتها، لا تعرف وجهتها، ولكن تعرف جيدًا أنها في أمس الحاجة للابتعاد! الابتعاد عن الجميع... كانت تتفحص بعد الاشياء عندما فُوجئت بمغادرة الاتوبيس دون ان تستقله! حزنت وبشدة... ولكنها لم تدري أنها كُتب لها عمرًا جديدًا...!
كانت تسير كقشة وسط حقول غزيرة سوداء، واذ فجأةً ترى نفس سائق التاكسي يقف امامها متساءلاً بتعجب: -مالك يا بنتي عامله زي التايهه كدة لية؟! ابتسمت رغم كل الاحزان التي تخترق كفيروس يسلب ارادتك، ثم همست: -اية ده! انت تاني يا عمو؟ شكلنا هنتقابل كتير ابتسم هو الاخر وهو يردد: -حيث كدة بقا تعالي اوصلك مكان ما هتروحي هزت رأسها نافية وبصوت مختنق: -لأ، أنا مش عارفه أنا رايحة فين اصلًا!
ولم يدري ما الذي جعله يقول لها ببشاشة: -خلاص تعالي يا حبيبتي معايا، انا عندي بنوته في سنك تقريبًا وعايشين انا وهي لوحدنا هزت رأسها مسرعة بنفي قاطع: -لا طبعًا متشكرة لحضرتك جدا وكأنه استشف خوفها الطبيعي في موقف كهذا والذي كان شفافًا رغم كثافة محاولتها لعدم اظهاره... فأخرج هاتفه وهو يستطرد بعفوية: -طب استني عشان تطمني ياستي اتصل بشخص ما ثم فتح السماعات عندما رد الطرف الاخر فقال ببسمة حانية: -ايوة يا رورو.
-اية يا بابا يا حبيبي لحقت اوحشك؟ -اه يا قردة شوفتي، بتعملي أية؟ -قاعدة لا بيا ولا عليا قوم هوب دوبل كيك أنت فزعتني في عز الصمت القاتل اللي انا قاعدة فيه ده ضحك الرجل على مشاكسة ابنته التي لا تنتهي... لينتبه لنظرات فجر المُكسرة التي تنم عن كم حرمان هائل من لحظات عفوية شغوفة كتلك بينها وبين اباها... فأردف بجدية لابنته: -طب بصي يا روفيدا أنا مع ضيفه، عاوزك تجهزيلي اوضة المرحومة اختك عشان تقعد فيها مؤقتا.
ردت بطاعة هادئة: -حاضر يا بابا -مع السلامة يا حبيبتي -مع السلامة، خد بالك من نفسك ابتسم وهو يغلق الهاتف ناظرًا لفجر بهدوء: -هااا يا ستي صدقتي ولا لسه؟ تنهدت فجر وهي تصدق، إن كان سيئًا لم كان ساعدها تلك المرة بل كان استغلها وهي في امس الحاجة اليه! اومأت عدة مرات وبالفعل استقلت معه التاكسي ليتجها نحو منزله...
كانت شقيقة نور قلقة حد الجنون وهي تدور هنا وهناك... فاقترب منها زوجها مصطفى يسألها مستفسرًا: -هي قالتلك اية يعني؟ اجابته متوجسة: -المفروض انها بتشتري حاجات خفيفة من السوبر ماركت تأفف مصطفى عدة مرات بنفاذ صبر من تلك المتهورة... اخرج هاتفه ليتصل على منزل جسار فأجابت والدته بعد دقيقة بهدوء: -السلام عليكم -وعليكم السلام ازيك يا ام حسام انا مصطفى -اهلا يابني ازيك.
-الحمدلله، كنت عاوز اسألك معلش هي نور جات عندكم؟ -اه جت تزورني فيها الخير -تمام يا امي، ياريت تخليها متتأخرش -حاضر يابني اغلق الهاتف وهو ينظر لزوجته بغيظ دفين مغمغمًا: -راحتله الهانم مش قادرة على بُعده!
عند ليث كان في حالة يُرثى لها، مُدمر نفسيًا بالمعنى الحرفي.. لا يشعر بمرور الدقائق او الساعات بل يشعر وكأنه قتيلًا يردموه اسفل الاتربة السوداء رويدًا رويدًا... وصل المشرحة التي من المفترض أن فجر بها... دلف بخطى مرتعشة مع الضابط لاول مرة بحياته، فتقدم الضابط اولاً نحو الجثة المشكوك بها ليرفع الغطاء عنها... اشمئز ليث وهو يدقق بها من بشاعة المنظر، ثم هز رأسه نافيًا عدة مرات وهو يركض للخارج:.
-لا لا مش هي، مش فجر خرج الضابط معه بعد قليل ليربت على كتفه عدة مرات متمتمًا بجدية: -متقلقش يا استاذ ليث، بأذن الله هنلاقي المدام في اقرب وقت اومأ ليث موافقًا دون رد... ليشرد بعدها هامسًا بصوت مبحوح متلهف لمعشوقة تقتله بابتعادها: -أنتِ فين يا حبيبتي؟!
وصلت فجر مع ذلك الرجل سعيد الى منزله... استقبلتها ابنته افضل استقبال فلم تُشعرها أنها عبء على الاطلاق... دلفت معها الى غرفة شقيقتها المتوفاه لتقول بمرح كعادتها: -ده بقا ياستي مخبئنا السري.. ثم نظرت لها بنصف عين مكملة: -خلي بالك احنا مابنفتحهوش غير للغالين ابتسمت فجر ثم تشدقت بامتنان: -بجد مش عارفه اشكركوا ازاي داعبت روفيدا وجنتاها مشاكسة وهي تجيب:.
-ماتشكريناش يا بطه، غيري هدومك وانا هاجيلك كمان رُباعيه كدة هقرفك النهاردة، اه امال إنتِ مفكره القعدة عندنا بالساهل ولا اية؟! ضحكت فجر بحياء لتغادر روفيدا والبسمة لم يقتلها اي عبوس منافي لمرحها الباسط...
بدلت فجر ملابسها ثم فتحت الدولاب الذي يبدو أنه لم يُفتح مذ فترة طويلة، بدأ تضع ملابسها القليلة التي جلبتها، ولكن لفت انتباهها صورة منقلبة مُلقاه على ارضية الدولاب ويبدو أنها سقطت من روفيدا دون قصد... امسكت بها تتفحصها بعفوية ولكن ضخ قلبها بعنف عندما رأت انها صورة تجمعها وهي صغيرة مع فتاة اخرى ومُدون بخط صغير طفولي روفا، فجر = احلى اخوات !
بمجرد أن دلف صقر الى الغرفة التي بها ترنيم وجدها منهارة في بكاء حار بالطبع منذ أن استيقظت... تنهد بقوة ولا يدري كيف يهدأها، جلس جوارها وهو يهمس بصوت أجش: -ترنيم نظرت باتجاه الصوت لترد بشراسة كقطة على وشك إصابتك بأظافرها: -قولتلك ابعد عني زفته سألها مباشرة وقلبه ينبض بخوف: -حد قربلك؟! حد لمسك يا ترنيم!؟ عندها ظلت تبكي وهي تهز رأسها بحسرة وكأنها ضائعة وسط متاهات:.
-معررررفش معرررفش، انا صحيت لقيتهم غيرولي هدومي معرفش حتى عملوا فيا اية وانا مغم عليا تلوى قلبه بين ضلوعه يرجو الرحمة أن تمسه... ولكنها كانت ابعد ما يمكن عنه الان! أمسك بيدها المرتعشة وكان على وشك الأمساك بها ولكن بمجرد أن لمسها وجدها تهمس مزمجرة بقسوة: -كل ده برضه بسببك، لو مكنتش عاميه كنت حاولت أهرب بكل الطرق بدت وكأنها تراه وهي ترد بحروف شُكلت على هيئة سوط يجلده:.
-طلقني، انا دلوقتي مابكرهش في حياتي قدك! كاد يقترب منها ولكنها ظلت تصرخ بهيسترية وكأنها اغتنمت الفرصة للانهيار، نحيبها كان عالي فأتى الطبيب مسرعًا وهو يهتف لصقر: -صقر بيه، المدام لو فضلت على الحالة دي احنا ممكن نخسر الجنين! إنتفض قلبه بخوف فخرج بهدوء وهو يسمع شهقاتها التي مزقت روحًا تتلوى من الالم... اخرج هاتفه ليتصل بجسار ويخبره باختصار ما حدث وبالطبع لم يكن منه الا ان انطلق متوجهًا لهم...
مرت ساعات ووصل كلاً من جسار ووالدته اللذان ما إن رأتهم نور حتى انفجرت في البكاء وهي تحتضن والدتها مسرعة: -ماما، اتأخرتي لية! ازداد نحيبها بين احضان والدتها وهي تحاول تهدئتها مشفقة على حالتها تلك... بينما كان صقر في الخارج لم يتحرك وتفكيره يليقه من حافة لاخرى وكلماتها تتردد كل لحظة بأذنيه كالرعد في شتاء قارص انا ما بكرهش في حياتي قدك دلوقتي !
نهض بعد دقيقة ليدلف لها وبالطبع ما إن رأته حتى ظلت تصرخ بهيسترية... وقف امامها بصلابة يردد: -احنا فعلاً محتاجين نبعد عن بعض، محتاجين ندي مساحة للتفكير ونعيد حسابتنا، محتاجين نبعد عشان مانجرحش بعض اكتر، محتاجين نشتاق لبعض عشان مانوصلش للمرحلة دي تاني! كانت الاعين مصوبة نحوه خاصة جسار الذي سأله بصوت اجش: -قصدك اية يا صقر؟!
نظر لها مباشرةً وكأنه يسترق اخر صورة لها داخله، ثم نطقها لتجلده هو قبل ان تجلدها رغم مطالبتها بها: -إنتِ طالق يا ترنيم...!