أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





رواية فرط الحب

أنتِ شعلة شوق تؤجج الحنين بين ثنايا قلبي...بل جنون مثير يضرم النيران بين أضلعي...ولكن نظرة وقحة من عيناك...تنتشلني من أح ..



21-12-2021 12:16 صباحا
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 

t21987_9523
أنتِ شعلة شوق تؤجج الحنين بين ثنايا قلبي...
بل جنون مثير يضرم النيران بين أضلعي...
ولكن نظرة وقحة من عيناك...
تنتشلني من أحلامي وتتركني خال الوفاض وهائم بين حجيم حبك وجنته...
وتعودي لتلومي فرط جنوني ولوعتي...
فصول رواية فرط الحب
رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

حَل المساء بظلالِه ليُنهي ليلة أخرى من ليالي الخريف الدافئه التي يتحدى هدوءها تلك الأنوار والأصوات السعيدة الصاخبة الصادرة من قاعة للإحتفالات تُنبئ بزيجة ورباط جديد، إبتَعَدت "ريم" عن ساحة المعركة الراقصة التي تدور بمنتصف القاعة متجهه نحو الركن البعيد حيث الحبال البراقه المزينة بالزهور الورديه مَالت تشُم رائحتها الفواحة متناسيه أنها بإحدى حفلات الزفاف التي صارت تبغضها وتكره مشاعرها الزائفه نحوها، نفضّت ٱفكارها السوداويه فلا أحد يبقى من أجل الآخر كما يدعون، لكنها تفعلها من أجله فهو يستحق كل تضحيه قامت وستقوم بها.

إلتفَتت نحو "أحمد" محور تفكيرها الذي إنضم إليها متسائلًا بابتسامة صادقه تُشرِق ملامحه الهادئه والحنونه:
- نروّح ؟
بادلته إبتسامته لكنها هزّت رأسها بالنفي مؤكده بملامح متهكمه:
- وندّي الفرصة لولاد خالك يسرحوا بخيالهم ويطلّعوا كلام جديد، لا شكراً.
ضحك برحابه صدر وتعلقت عيناه بخصلاتها الجذابه بينما يميل ليهمس في أذنها برضا:
- شكراً ليكي ياريم، إنتِ غلاوتك عندي بتزيد كل لحظة عن اللي قبلها.
رَفعِت يديها نحو خصلاتها السوداء المموجه بإحترافيه لتبعدها للخلف ثم أجابته بنبرة مازحه:
- دي أقل حاجة عندي، أنا اصلًا أتحب.

مرّت عيناه فوق وَجهِها الأسمر الخلاب المزين بإبتسامتها فتزيد من جمالِها المشاغب الأخّاذ، ف رَفَع يده فجأه يبعد تلك الخُصلة المتمرده عن وَجهِها وٱبتسم حين إحمرّت وچنتيّها كعادتها الخجوله:
- أحمد ماما بتناديك.

إبتعد عنها ليُطالع إبن خالته الصغير ثم نظر لها بابتسامة خفيفه مستأذناً:
- دقايق وهنمشي، كفاية عليكي كده النهارده.

أومأت برأسِها وتابعته ينضم لإحدى خالاته وإبنها المتعجرف، تنهدت متعجبه للهدوء والثقة الذي يتناقش بها أحمد معهما وشعرت بفخر لأنها نوعًا ما كانت سبباً في رجوع تلك الثقة، أعادت إنتباهها إلى تلك الزهور الرائعه دون أن تنتبه لزوجان من العيون يتربصان بها.

تعلقت عيناه السوداء كالبئر العميق والمخيف بجسدها، وشعر "ريان" بكل عضلة في بدنه تتصلب ل ثوان معدوده عندما لامس "أحمد" ما ليس حقه، حتى أخذت مشاعره تغلي وتتصاعد داخلهُ وكأنه إبريق من الشاي فتلك الخصلات الناعمة كشعر الخيل العربي وُجِدت لتتخللها أناملهُ هو فقط.
مدّ أصابعه لإمساك صغيرهُ صاحب الستة أعوام الذي إنطلق من جواره في لهفه مزّقت كيانه ليسبقه نحو تلك الواقفة بثوب أحمر اللون كالنبيذ مستكملةً طلتها بلا أي مبالاة بعقدٍ أسود يتدلى بمجون فوق مفاتنها.

تابعها تنتفض حين تعلق عمر بخصرها من الخلف كأنها الحياة، فأجبر أصابعها الرفيعة على إعتزال مداعبتها للزينة المغطاة بالورود لتستدير إلى الصغير بملامح مرتبكه ومرتاعه قبل أن تعكس تقاسيمها صدمة كبيرة.

- عُمر..
تغنّت بإسم الصغير بلهفه أعادت النبض لقلب الوالد قبل الولد ثم جثت تضمه بشوق عارم، تُقبِّل كل ما يقابلها من وجهِه البريء فقد مرت سنةً كاملة منذ أن إنتزع منها بقسوة، فكرت بمرارة وشعرت بدموعها تسبق كلماتِها وهي تتساءل:
- عامل إيه يا حبيبي وحشتني يا عُمر، إنت جيت هنا لوحدك؟!
سؤال غبي لقلب ضعيف ملتاع يهوى تعذيب الذات ... مسح الصغير برأسه في صدرها قبل ان يبتعد على مضض مجيبًا:
- مع بابي، أنا بحبك أوي يا ريم إنتِ رجعتي خلاص؟

رسمت إبتسامة ضعيفه تغطي ألم مبرح منبثق من أعماقها وقبل أن تجيبه كان الصغير يستعيد موطنه بين ذراعيها الحانيه دون مراعاه لمعرفة الإجابة أو ربما خوفً من المعرفة.
ضمته إليها في فزع خفي كأنها تتهرب من إنفجار وشيك داخل صدرها ولكن هروبها تلاشى بتروي ما إن إعترض مرمى بصرها خطوات صارمه لحذاء أسود لامع تحفظ صاحبها الجسور عن ظهر قلب، رفعت رأسها ببطء وقد جفّ حلقها رغما عنها وعيناها مع كل جزء من جسده الممشوق.

الذي إزداد عرضًا رياضيًا لم يكن عليه منذ سنة مضت، واخيرًا إلتقت عيناها البُنيه كقطعة من الشوكولا المخلوطه بزبدة البندق بعينيه السوداء الجذابه التي تزيد إطلالته الرجوليه أناقة والقادره على محو تاريخ مؤلم محفور في رأسها ليختفي في لحظة العالم سوى من كلاهما فينثُر الحنين ذكريات تمنّت نسيانها ولكن هيهات فما هي القلوب إلا فتات حِطامٍ لنِيران عشقٍ تزداد نحيبً، محمومةٍ بغيوم من ماضٍ هوىَ.

مُنذ عام مضى...
هبَطت "ريم" على الدَّرج بحماسة وسعادة إلى الطابق السفلي من المبنى التي تقطن به، فاليوم " عمر " الصغير لها وحدها وسيستمتعان كثيرًا بمشاهدة الأفلام الكرتونيه التي تخجل من الإعتراف بأنها تُفضّلها أي يوم عن الدراما الحقيقية، فيكفيها دراما حياتها بأنها الوحيده المتبقيه على قيد الحياة من أسرتها هي وخالتها التي علِقت في عالم من خيالها وسط رحلاتها المجنونة وٱنتهى بها الأمر بإتخاذ قرار الإبتعاد عن الوطن للإستقرار في الخارج ونسيانها تمامًا منذ أعوام مضت.






نفضّت أفكارها ووقفت على أطراف أصابعها كي تجذب المفتاح من فوق الإطار العلوي لباب شقة "ريان" وشقيقتهُ "ليان" المراهقة التي توسلت لها كي تهتم بإبن أخيها كي تخرُج مع رفيقاتها مؤكده أنه سيقضي يومه كامل في العمل، لوّت شفتيها بإنزعاج فبرغم سعادتها ببقائها مع الصغير إلا إنها تمنت رؤية "ريان" كي تنسج أحلام صبيانية يافعه في الخفاء عن كونهما معًا.

ضحكت على سخافة أفكارها بعبثيه، لا تدري كيف مر عليها عامين كاملين دون أن تذوب تحت قدميه معترفه بحبها العجيب له، فقلبها المريض تعلق بمصيدة غرامهُ مُنذ وفاة زوجتهُ ورجوعه هُنا بضع أيام سلب فيها قلبها، ثم سرق "ليان" كي تهتم بطفلهِ في الخارج سنة كامله قبل أن يعود وعلى حسب ما تتذكر وقتها أخبرتها "لِيان" أنه يعمل هنا بشكل مؤقت فمقر عمله الأساسي بإحدى الدول الخليجيه ولكنّهم بحاجة إليه هُنا للنهوض بفرع جديد داخل مصر.

وقتها لم تكن تدرك شيء ولم تهتم سوى بأنها وقعت أسيرة عينيه هو وصغيرهُ المسكين الذي لم يتّهنى بيوم واحد بين ذراعي والدته التي وافتها المنية وهي تمنحه الحياة، وشعرت بقلبها يتمزق آلاف المرات شفقه عليه متخذه على عاتقها مهمة الجارة المجنونة التي تراعي الصغير مع ليان كل يوم في أوقات غياب والدهِ الذي لا يشعر اصلًا بوجودها حوله ولا يشعر بحبها.

دَلفت ريم بإنزعاج من أفكارها القاسيه، فكيف ستلفت إنتباههُ وهي لا تمشط تلك الخصلات السوداء الشعثه الملفوفه كالإعصار أعلى رأسها مع وجهها الخالي من الزينة وفوق كل هذا وهذا فإن خجلها السخيف هو عكس المطلوب مائة وثمانون درجة، تأففت وٱنطلقت لتوقظ عُمر من قيلولتهِ راميه كل هذا الجنون خلف ظهرها.
وقف "ريان" تحت الماء البارد يحاول أخذ أنفاس متتاليه ويستغفر الله عن تلك الأفكار التي تدور في عقله منذ الصباح حين حاولت إحدى زميلاته في العمل إغوائه على حين غرة، ملئ كفيه ليضرب الماء البارد في وجهه يحاول تناسي شعوره بحرارة جسدها الناعم الذي إلتصق به في جراءة عاليه لم يصدّقها لكنها كانت كافية لإحياء رجولته الذي سعى للسيطرة عليها وقتلها منذ وفاة زوجته وصب جام إهتمامهُ وطاقته للعناية بصغيرهُ فقط، حمله تفكيره رغمًا عنه إلى امرأة أخرى كالملاك بشعر اسود مشعث وقد لا تفوق زميلته اللعوب في خانة الأنوثة ولكن البراءة والحب المنبثق من عينيها كافي لإغواء كاهن أو على الأقل اغواءه هو.

دقائق ثم خرج من تحت الماء يجفف جسده باحثًا عن ملابسه حين وصل إلى مسامعه نبرة مشاكسة تبهج قلبه منذ فترة طويلة بشكل غامض لا يستطيع تفسيره، ودون تفكير منه أسرع في اتداء ملابسه للخروج وملاقاتِها.
المنطق والعقل يؤكدان له أنه بظهوره سيرسلها بعيدًا ويحرم صغيره من متعة تواجدها لكنه قذف بهما عرض الحائط فشعور بالوحشه داخلهِ يناشدها ليخرج إسمها من بين شفتيه مبحوح مليء بالعاطفة:
-"ريم".

ضحكت "ريم" عندما خبأ عمر رأسه الصغيرة في الوسادة رافضًا الإستيقاظ متوسلًا بضع دقائق أخرى لتخبره أنها ستسمح له حتى وقت إنتهاءها من إعداد وجبة مغذيه له، جذب نظرها باب غرفة ريان المفتوحه وهفت عليها رائحة العطر الذي يستخدمه كي يغيب عقلها، أغمضت عينيها مستمتعه بإستنشاق الهواء المحمل بعِطره وتساءلت كم يضع من زجاجة العطر كي تبقى رائحتهُ معلقه كل هذا الوقت في المنزل وكأنه لم يغادره.
تفكير مغيظ جال بمخيلتها وهو يتجول بتلك الرائحة سارقًا قلوب الفتيات كان كافي لإشعال غيرتها.

أخذتها قدميها نحو الغرفة في خطوات هادئة دون وعي فتفحصت أثاثه واغراضه المرتب بشكل مفاجئ نظرًا لحركة عمر المفرطة في البيت فالفتي ذو الثلاث أعوام تقريبًا لا يترك أي مكان مرتب.
وجدت قميص لبني اللون ملقى فوق الفراش بإهمال فٱتجهت نحوه بإبتسامة واسعه مشاغبه مملوءه برهبة الخطأ، لترفعه نحو أنفها تشُم رائحة عِطره الممزوجه برائحتهِ الرجولية الفريدة من نوعها والتي تُحيي داخلها مشاعر لا تفقهها لكنها تتعلمها بسببه.

إتجهت نحو باب الغرفة مقرره الإستمتاع برائحته قليلًا في طريقها للمطبخ قبل ان تأتي وتُعيده لكنها صدمت عندنا رأت ريان يقف بكامل هيبته عند مدخل الباب يُطالعها بملامح مبهمه غامضه وعيونه حالكة الظلام وكأنها متحجره تمامًا كأصابعه المحتضنه بصلابة كوب من الماء.
شهقت ووقع القميص من بين أطراف أناملها ليلامس قدميها المزينة بطلاء وردي بسيط لكنه صارخ فوق بشرتها البيضاء الشاحبة وتسمّرت بذعر حين راقبته يضع الكوب بإهمال ثم يقترب منها دون أن يصدر حرف او تعطيها ملامحه نبذة عن مشاعره.

شعرت بحرارة وتأكدت أن كل وجهها صار أحمر كالبرقوق، فحاولت التحدث وإعطائه تبرير لتطفلها وقد قبض عليها في الجرم المشهود لكن لسانها كان معقود.
كان صامتً فقط عيونه تشتعل بالكثير والكثير لا يتحرك وكأنه تمثال وحدها أنفاسه المرتبكه التي تلامس أعلى وجهها تكشف إنه حي يرزق مثلها.
- أنا متأسفه، كنت بتأكد هو نضيف ...ولا...أصل...ليان...قالتلي...انا..

أسرعت في الحديث تفكر في مبرر لكنه قاطعها عندما رفع أنامله ليجذب رباط شعرها ويحرر خصلاتها المتمردة بيده الأخرى فتغوص أنامله بينها بعنف، فتقطعت كلماتها مع أنفاسها بجنون ثم فقدت القدرة على التفكير وهى تراه ينهي أخر مسافة تفصل بينهما برأسه ببطء، لا تدري انه يتراقص فوق أوتار حُبها مستغلًا براءتها بينما عيناه تحاول تثبيت نظراتها التائقة على نظراته الحارقه.
- بَحبَّك...!

ٱتسعت أعين كلاهما لهمستها المأخوذه بثمل عاطفي، فتأوهت في صدمة لِما خرج من فمها و أرادت الهرب لكنه منعها بإنقضاضه عليها في لحظة خاطفه مغلق المسافة بين شفتيها المرتعشه وشفتيه المتطلبه.
شَعرت بالحرارة تتملك في جوفها الجاف خاصةً عندما أحكم على خصلاتِها بإحدى قبضتيهِ بتملُّك سافر بينما الأخرى تلتف حول كتفيها كي يضمها إليه بقوة وقد إنساب وراء رغبة عارمه غيَّبته ما إن تذوَّق لذة شَفتيها رافضًا الإبتعاد عنها.

شَعرت "ريم" برأسها تدور وتأوهت من صلابة الخشب ما إن دفعها للخزانة خلفها لتستند كلاهما بينما يفعل هو الأعاجيب وما ليس له وصف بثغرها.
شَعرت بذعر أخيرًا عندما إحتدت جراءتهُ وإلتصق بها بشدة وشوق أفزعها وأعاد لها عقلها الصارخ بفداحة فِعلتهما بعد فوات الأوان، فدفعته عنها بعيون متسعه مرتعبه وشفتان ترفضان التوقف عن الإرتعاش، سمح لها "ريان" بإبتعادهُ محاولاً تمالك أنفاسه العاليه وعقله لا يصدق ما فعله للتو.
وَضعَت ريم يدها على فمها وحاولت تجاوزه فأمسك بمعصمها قائلًا بصوت ٱجش:
- إستني.
- سيبني... سيبني.

قاوَّمت بهستيريا فتركها لتركض مذعوره إلى خارج منزلهُ وشعور بالذنب يتطاير مع عبراتها ليستقر داخل صدره، بينما تحرك هو ليدور داخل الغرفة غير قادر على إستيعاب فعلته.
لقد إستغل فتاة مراهقه يتيمة دون راعي لتوه لا بل إنه إستغل إمرأة هي الوحيدة القادره على الإعتناء بصغيرهُ دون أن يَشعُر ب ذرة من القلق والأدهى أن تلك المرأة هي الوحيدة القادرة على هزّ قلبه بين جنبات صدره دون جُهد ولا يدري أين سيصل بها تفكيرها بشأن حقارتهُ ولكن سيكون عليه إصلاح الأمر سريعًا.
- غبي.

هتف ثم جذب أطراف خصلاته السوداء بقوة وكل ما أحتاجه هو أنفاس قليله ودون تفكير إتخذ قرارهُ بأن وقت الزواج قد حان.
وليس من أي امرأة فهو لن يرضى سوى بتلك المغوية التي لولا إستلامها له في خضم ثورة مشاعرهُ لظن انه أخافها حتى الموت.
وبذلك إتصل يعيد شقيقته الطائشة وشقيقهُ الأحمق إلي المنزل فهناك زواج في الانتظار وعلى شقيقته المسكينة الخضوع لتسرعه والصعود معه إلى ريم كي يعرض الزواج عليها الآن دون أي تأجيل.

عادت "ريم" من ذكرياتها على صوته الرخيم الغاضب:
- قدامك ثواني يا ريم، ولو مخرجتيش على البيت حالًا هرتكب جناية !
غامت عيناها بذهول لوقاحته بعد غياب عام كامل دون تواصل هذا هو ما ينطق به، فكرت بسخرية وماذا كنتي تتوقعين بعد ما حدث أن يأتي إليكِ ساجدًا يبكي ندمًا؟!
تحدت نظرته الغاضبة بمثلها أكثر حقدًا وقالت من بين أسنانها:
- أعتقد ده شيء ما يخصكش، لا ثانيه هو في الحقيقة انا مش مصدقه إني واقفه أتكلم معاك.
كادت تتخطاه وعُمر لايزال يحتضن كفها بكفه الصغير ويمضي معها، فأمسك ذراعها بقوة أفجعتها وجعلتها تلتفت حولهم بوجه شاحب مذعور وهمسَت في شراسة:
- لو سمحت أنا واحده مخطوبة واللي بتعمله ده ميصحش.

إستغلت وقوع كلماتها على مسامعهُ كالبرق نشلت معصمها في غضب من بين براثنه متلذذة بلذة الإنتقام للصدمة المرتسمه على وجههُ.
إبتعدت نحو المرحاض بخطوات مهتزه تخفي خلفها الكثير والكثير ثم طلبت من عُمر إنتظارها في الداخل بصمت كي لا تنزعج السيدات فهز رأسه بموافقه وإبتسامته لا تتضاءل لتكافئه بقبلة كبيرة أعلى رأسه وعناق طويل حاني وكأنها تخشى إختفاءه، إبتعدت وهي تمرر أصابعها فوق أنفه وتعجبت من شعورها وكأن الثلاثمئة وخمسة وستون يومًا لم تكن كافيه لزعزعه مشاعرها نحو صغيرها الرائع درجة.

أغلقت ريم الباب خلفها وتركت العنان لأنفاسها المتهدجه بإضطراب مشاعرها قبل أن تختفي إبتسامتها ببطء ليحل محلها تعبير مقيت يعبر عن الهلع لما يحدث حولها فوقفت ثوانٍ طويلة في حالة من الصدمة أنه عاد في حياتها من جديد، زمجرت في صدرها في عناد برفض فهي قوية...

في نفس الوقت على الطريق العام بمحافظة الإسكندرية ساد الهرج والمرج بين المتجمعين بأحد الكمائن بينما صوت شخص واحد يعلو فوق الجميع في غضب وٱعتراض:
- شيل إيدك من عليا، متجرنيش كده أنا مش حيوان.
دفع "بيجاد" يد الضابط في حده دون أي إهتمام بما هو قادر على فعله بحكم سلطته وزمجر مهاجمًا:
- أنا مش هسمح لأي مخلوق على الأرض إنه يهين كرامتي!
قال " بيجاد" بإصرار وهو يدفع جسده بعنف نحو الشرطي الذي دفعه للخلف بتحديٍ قائلًا:
- اه، ده إنت شكلك شارب حاجة.
- أنا مش شارب حاجة إنت اللي شايف نفسك علينا.

ضرب الضابط كف على الآخر يشعر بالإختناق من هتافاته التي تُسبب حالة من التوتر خاصة بوقوفه في منتصف الطريق وعدم الإمتثال للأوامر في حين إن كل ما صدر عنه كان طلبه لفحص رخصة القيادة خاصته.
ليتفاجأ بلسانه السليط وموقفه الهجومي نحوه وكل ذلك لأنه جذبه من قميصه بسبب إعتراضاته، ولولا تلك السيدة الباكيه خلف نافذته لسحبه من ذات القميص اللعين إلى داخل سيارة الشرطة ومنها إلى المركز ليعيد تأهيل تربيته وتعليمه الإحترام من جديد.

- أستغفر الله العظيم، مش إنت اللي عامل جامد أوي ومش عايز تمتثل للقانون..
ولّا أنا اللي مجنون مثلًا وموَقّفك عايز أرازي نفسي بأشكالك دي؟
تحرّك بيجاد أكثر نحوه بملامح لا تهاب وبلا أي تعقل بأنه يتحدى رجل دولة أثناء تأديته لعمله.
لكن زوجته المسكينة داخل السيارة واعيه لذلك فصارت تدبدب بكفيّها فوق وچنتيها بهلع حتى تدّخل أمين الشرطة المكتنز قليلًا كي يدفع زوجها عن الشرطي للخلف قليلًا محذرًا:

- إنت قليل الأدب ليه يا بني آدم، متعرفش تتكلم بلسانك ولا إنت طلَبت معاك تاخد على دماغك؟
- ما عاش ولا كان اللي يديني على دماغي، هي سايبه ولا ايه؟
- اه إنت معقد وجاي تطلّع عُقدك علينا مش كده،
بص يا ابني روح للي عماله تعيط دي وإرجع بيتك بدل وديني لأقلب على الوش التاني وساعتها ورحمة أمي ما هبيّتك فيه تاني!
قبض بيجاد كفيه بقوة وعَلت أنفاسه في غضب يحاول السيطره عليه قبل أن تضيق عيناه ويرمق زوجته بطرف عينيه فيجدها في حالة يرثى لها.

جانب داخلهُ أشفق عليها والأخر يود الصراخ في وجهها وتوبيخها لإظهار ضعف أمام الغير، فأبشع خطأ يمكن أن يرتكبه المرء تجاه نفسه هو أن يظهَر ضعيفًا منكسرًا أمام الآخرين فهذا ما يمنحهم الفرصة لتدميره، أوليس هذا ما أودَى بحياة والدهُ المتوفي بحسرته لأنه إختار الصمت وعدم المحاربة.

تخلت وسام عن صمتها الباكي وهي تراقب صراع زوجها الداخلي والظاهر جليًا لها فضربت على النافذة كي يفتح لها السيارة لتنقذ ما يمكن إنقاذه بدلًا من حبسها كالسجين بالداخل منذ أن أوقفه شرطي المرور.
كاد يفقد "بيجاد" صوابه وما تبقى من تعقله حين باغته أمين الشرطة وجذب المفتاح من بين أصابعه وهو يهتف به ساخرًا:

- يادي الهنى وحابسها، إياك تكون خاطفها هي كمان.
- دي مراتي ومش من حقك تفتح العربية.
حرّك الضابط يده بحركة متوعده بالصبر مستكملًا:
- أصبر لما نفتش العربية الأول إنت مستعجل على القسم ليه؟
قاطع إعتراضه وصول وسام بجواره والتي توسلت على لسانُه ما إن إحتضنت ذراعه:

- حضرتك هو إيه اللي حصل لكل ده، هو إحنا عملنا حاجة؟
حرّك الضابط رأسه بعدم رضا عما يحدث وأخبرها:
- معملتوش يا ستي لكن جوزك اللي عايز يعمل أقوله لا؟
- أنا متأسفه بالنيابة عنه هو ميقصدش.
- وسام متدخليش وروحي أقعدي في العربية.

قال بنبرة مستنكره لتوسلها وحاول دفعها للخلف فنفضت ذراعه وتوسلت للضابط من جديد وهي تخبط يدها بمحايله فوق صدرها:
- هو عصبي ده طَبعه لكن هو طيب أوي، أنا بعتذر من كل قلبي بس بلاش مشاكل أرجوك.
ضرب الضابط كف على الاخر حينما قاطعها المجنون وجرها عنوة لداخل السيارة فأستغفر الله وهتف بحزم متجاهلًا وجوده:
- رَجّع رخصته يا صلاح ومشّيه من قدامي حالاّ .

كاد يتحدث بيجاد فضغطت وسام على صدره ووضعت كفها فوق فمه تمنع كلماته قائلة:
- أنا متشكره جدًا، ربنا يسترك ويخليك لأولادك يارب.
إلتفتت لزوجها بعيون باكيه وتوسّلت بنبرة متقطعه:

- عشان خاطر إبنك أو بنتك اللي جايه مشيني من هنا يا بيجاد،
أنا حاسة بألم في معدتي فوق الوصف من كتر الرعب.

أطبق جفونه في تعب ثم وجّهها إلي مقعدها دون إجابه ليبتعد بعدها بخطوات متصلبة نحو مقعده وفقط عيناها المتوسله الملاحقه له هي ما دفعته للركوب والانسحاب.

تاااابع اسفل
 
 



21-12-2021 12:16 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [1]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية فرط الحب
رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

ربتت ريم على وجهها بالمناديل الورقية المبللة تحاول كبح دموعها التي أثبتت أنها لم تجّف رغم ما ذرفته منها في الفترة الماضية، انكمشت ملامحها باستنكار كانت تظن أنها قوية وأنها ستُجبِر قلبها على استقصاء ريان من عرشهُ وأنها ستطويه بين ثنايا النسيان ولكن ظهوره المفاجئ أثبت أنها أضعف من ذلك بكثير.
فحين تكون كل إرادتها منصبه على ألا تنهار باكيه متوسله تحت قدميه لاستعادتها فهي ليست قوية على الإطلاق.

فتحت الباب فقوبلت بطول سارق أفكارها الفارع وحدقتيه التي ازدادت سوادًا، لفّ ريان أصابعه حول رقبتها ودفعها للداخل مغلقًا الباب خلفه، حاصرها في زاوية حجرة المرحاض الضيقة مزمجرًا بجنون وغضب ينهش في صدره ويُلغي تعقُله:
- خطيبك؟ أنتِ جرا في مخك حاجة!

طالعته ببلاهة وتملكها خوف لطالما رافقها حين تظهر غيرته كالوحش تغرز أنيابها فيها، وزاد عليه خوفها من أن يراهما أحد بهذا الوضع فتثار فضيحة جديدة فحاولت السيطرة على دقات قلبها الذي استعاد نبضاته ما بين هلع وشوق مريض لتنجح في رسم ملامح الاشمئزاز على وجهها وهي تغرس أظافرها في ذراعه هاتفه من بين أسنانها وهي تدفع ذلك الذراع:
- أنا هعتبر نفسي ما سمعتش كلمة منَك لأن أكيد عندك خلل في دماغك، فٱبعد عني أحسن لك.

لم يهتز له شعره واحده بمقاوماتها لإبعاد أصابعه عن عنقها ولم يبالي بنظرات النفور في عينيها لكنه أومأ رأسه بجمود يخفي عيناه الغامضة كعادته عند الغضب ثم أردف في نبرة حادة مرعبة:
- فضايح، أنا هوريكي الفضايح حالًا لما أكسّر الفرح على دماغك أنتِ وهو.
استدار مندفعًا للخارج ونواياه منذرة بمن سيكون الضحية فاندفعت خلفهُ تجذبه وتوقف تقدّمه بجسدها وتُعاند بدفعهُ لتلك الزاوية التي حاصرها فيها منذ ثوان صارخة باتهام:
- إنت عايز مني إيه تاني، مش كفاية اللي حصل؟

ذُهلت عندما أطبقت أصابعه على خصلاتها التي بذلت مجهود فيها لترتب تموجها على كتفيها، ثم صرخ مستنكرًا:
- إنتِ ليكي عين تتكلمي، ده أنا هشرب من دمك قبل ما أشرب من دمه.
وضعت كفها فوق فمه تمنع كلماته الساخطة تحاول تمالك غضبها مقررة الانسحاب والتراجع وقد أرعبتها نظرة الجنون في عينه كي تنتهي الليلة بأقل خسائر، متجاهله مشاعرها المتضاربة وحقارته التي لا توصف لغضبه الغير مبرر وقالت بنبرة مهتزة باضطراباتها:
- ريان أرجوك إمشي دلوقتي، إنت مش مستوعب إننا في فرح ولو في حد شافنا بالمنظر ده هيكون شكلنا إيه؟
- إنتِ مراتي.

هتف بنبرة حادة مزقتها فجذّت على أسنانها لأنه على ما يبدو قد صوابه تمامًا ثم قالت كي تجاريه وتنجح في إبعاده:
- أرجوك لو في قلبك نفحه رحمة متفتحش بؤك بكلمة تانية وإمشي.
دفع يدها من فوق فمه ثم مرر أصابعه فوق خصلاته القصيرة وضحك بسخرية قائلًا بغضب مكتوم:
- حاضر هخلي في قلبي رحمة، تؤمريني بحاجة تانيه؟
- خُد عُمر اللي الله أعلم وديته فين وسط الزحمة اللي برا دي وقاعد...
أخرسها حين أعلن في هدوء يخالف العاصفة في مقلتيه:
- مع صديق ليا، أكيد مش هرمي إبني.

أومأت رأسها دون النظر في عينيه وعدلت خصلاتها المبعثرة بفعل أصابعه مستكمله:
- أنا عايزاك تاخد عُمر وتمشي من هنا.
- انتِ قبلينا ورجلي على رجلك.
أخبرها بتحدٍ يشعل عيناه سوادًا وكأنها تتحمل زيادة، فقالت من بين أسنانها:
- حاضر هقول لأحمد وهاجي وراك بس لازم نمشي مش هينفع نفضل هنا أكتر من كده.

ارتفع حاجبه في ذهول واستنكار ثم أقترب منها ليهمس في خطورة ملتهبة:
- إعمليها، أخرجي من هنا وروحي إستأذنيه وأنا هخليكي تندمي على اليوم اللي عرفتيني فيه.
تجاهلت تهديده الجلي وأرتفع جانب وجهها في تهكم معلنة:
- رغم إني ندمت بالفعل بس حاضر لإن مفيش حاجة ممكن تضرني غير إني أجيب مصايب للإنسان المحترم ده.
- للدرجة دي بتحبيه؟
خرج سؤاله محشرجً بحفيف قاتل وهو يمسك نظراتها الجامدة فأجابته بتروي وغل:
- فوق ما تتخيل، أنا هجيب شنطتي الأول .

ضغطت على كل حرف بعناد متناسيه أنها تتلاعب بلهيب النار لكنه فاجئها بقولهُ الهادئ وملامحه الرزينة التي لا تفصح عن مشاعره:
- معاكي ثانية واحدة جيبي شنطتك وحصليني على بره وصدقيني لو لمحتك قربتي منه مش هيحصل طيب.
وبذلك تخطاها بخطوات واثقة قوية يحاول بها إخراج ما يجتاحه من شعور بالغثيان والغضب الهادر من تصريحاتها كي يسيطر على غريزته الرجولية التي تحرضه على اقتلاع لسانها من مكانه.

اتبعته "ريم" في هدوء إلى الخارج وتابعته يأخذ الصغير ويلتفت نحوها بغموض يرعش أمانها واستقرارها، فتجاهلته وسحبت الحقيبة محاولة التسلل سريعًا قبل أن يلمحها أحد خاصةً " أحمد"، فتلك اللمعة في عيني "ريان" تؤكد لها إنه متعطش للدماء وإنه لن يتوارى عن إشباع تلك الحاجة إن خالفت أوامره.
وبالفعل ثوان معدودة وكانت في الخارج تتبعه ليترك عُمر كف والده وينضم لها محتضنًا كفها من جديد، حاولت منحه ابتسامه لكنها لا تتعدى عن كونها هزه من شفتيها حتى انضمت لهما داخل السيارة على مضض.

استمرت طوال الطريق تداعب خصلات الصغير الذي غرق في نوم عميق فوق صدرها بينما شعرت بعبراتها الساخنة تحوم داخل مقلتيها في اعتراض مهدده بالسقوط فقد فتح "ريان" بعودته أبواب من القهر وقلة الحيلة ظنت أنها أغلقتها وحطمت مفاتيحها ولكنها كالعادة كانت مخطئه.

على الجانب الآخر من المدينة، دلفت "وسام" مع "بيجاد" إلى شقة الزوجية في صمت ووجوم، قذفت حقيبتها وحجابها داخل غرفة النوم ثم تطلعت إلى وجهها الأحمر من شدة بكاءها زفرت في حنق بينما تعود للخروج حيث يجلس " بيجاد " فجلست جواره في صمت وكل ما يدور في عقلها هو تحذيرات والدها رحمه الله.

- إنتِ بنتي يعني حته من قلبي، سامحيني لإني عايز مصلحتك.
مسحت دموعها ثم مالت تستند برأسها على كتفه هامسة بحنو:
- بيجاد كويس يا بابا، أنا كل اللي بطلبه فرصة.
- يا حبيبة بابا بيجاد مش مناسب وهيتعبك،
هو أنا بجوزك عشان ترتاحي ولا عشان تعيشي متبهدله؟
أنهى جملته وهو يلقي بذراعيه في الهواء بانزعاج فربتت على أعلى ذراعه تهدئه بقولها:
- كلنا عصبين يا بابا محدش كامل.

ضرب والدها كف على الآخر قال بنبرة هادئة:
- بيجاد عنده عيب كبير في شخصيته صعب يتخطاها، اللي بيتطبع على شيء صعب يتخلى عن طبعه.
- غصب عنه يا بابا هو شاف في حياته كتير لكن هو وعدني إنه هيتحكم في نفسه أكتر.
حاوَلَت إقناعه بنبرة حزينة متوسلة فتنهد مستكملًا بجدية:
- ده غير إن شغله مش مناسب نهائي يعني إيه غطاس لحام ده كمان ولما يكبر شوية وميبقاش قادر يعوم هيعمل إيه؟

- هو عارف كده يا بابا عشان كده شايل من مرتبه مبلغ ومستني يكمل عليه وهيفتح جيم كبير.
- طيب وده ينفع يا بنتي، ولا هتستني قرن عشان يكمل المبلغ؟
ضمت كفه بين كفيها بإصرار مؤكدة بفخر:
- قرن إيه يا بابا، ده بيقبض كتير أوي في المهمة الواحدة عشان خطورة شغله.
- قولت حاجة أنا!
إنتِ اللي قولتي أهوه إنها شغلانة خطِره، إفرضي حَصله حاجة تترملي وترجعيلي تاني؟
- إتدخل بقى في قضاء ربنا !

تدخلت والدتها "سهام" بنبرة غير راضية عن عناد زوجها فرمقها بنظرة غاضبة محذرة لتقاطع "وسام" شجار الأعين بينهما بتوسلها وهي تضغط على أصابعه مرة أخرى:
- عشان خاطري يا بابا.
زفر بحنق لا يستطيع رفض طلبها كالعادة ولكن الأمر لم ينتهي:
- خلاص خليه يقابلني، لكن لوحده من غير أخوه، أنا هتكلم معاه مش أكتر.
- ربنا يخليك ليا يا بابا وما يحرمني منك ابدًا.

قبلت يده ورأسه في سعادة وركضت إلى غرفتها للاتصال به، بينما نظرت "سهام" إليه بحاجب مرفوع وقالت متهكمة:
- ناوي على إيه يا رضا؟
- خليكي في الغدا اللي بتطبخيه، أنا مش عايز أتكلم معاكي الله يرضى عليكي.
- عشان الحق بيوجع.
قالتها بمرونة وهي تقطع الخضراوات في الوعاء أمامها فأجابها بغيظ:
- أنا مش فاهم إنتِ موافقة إزاي على الولد ده بالبلاوي اللي فيه؟

- ماله، ما هو زي الفل طول بعرض وأهله الله يرحمهم كانوا بلسم والواد مفيهوش عيب لا بيشرب ولا بتاع ستات مثلًا.
ضحك بتهكم ليقول بسخرية:
- لا كتر خيره.
لكنها تجاهلته واستكملت بجدية:
- ده غير أنه بيحب بنتك وبقاله سنين هيتجنن عليها، يا راجل ده إتقدملك ست مرات وكل مرة ترفضه ويرجعلك تاني، وبعد كل ده مش عايزني أحبه؟
ضحكت فالتمع وجهها البشوش الذي جاء عليه الزمن لتؤكد:
- ده بقى إبني اللي مخلفتوش، ده بيسمع نصايحي وكلامي أكتر من بنتك.

- بتفهم، تربية أبوها.
تمتم بعناد فرمقته بغيظ سائله بنبرة محذره:
- بتقول حاجة يا رضا !
- لا قولت ولا عدت، أنا داخل أنام.
تأفف "رضا" متجاهلًا نظراتها المنزعجة وأتجه لفراشه محاولًا التفكير في طريقة لإبعاد "بيجاد" عن طريق ابنته.

خرجت "وسام" من ذكرياتها ما إن شعرت بأنامله تلامس كفيها فوق بطنها المنتفخة، ففتحت جفونها تحدق بوجهه وبأدق تفاصيله، إنساب بصرها إلى عينيه المسبلة برموشه الطويلة تخفي عيناه عسلية اللون المائلة إلى لون الذهب كأشعة الشمس أو ربما تخفي نظرته الخجلة.
قاطع تحديقها بإحاطة ذراعه حول خصرها بينما اتجهت يده الأخرى لرأسها يضمها نحوه بحنو مناقض للغضب الحارق الذي كاد يهلك كلاهما، جذبت "وسام" عدة أنفاس كي لا تنفجر مشاعرها في وجهه فهي أكثر إرهاقًا من أن تتشاجر معه بعد ما مرا به اليوم، لكنه قال:
- أنا آسف، مكنتش حابب إن ده يحصل وإنتِ معايا، بس هو اللي نرفزني.
- لكن يحصل وأنا مش معاك وتروح في داهية عادي؟

ثم هو منرفزكش يا بيجاد، إنت اللي متصرفتش بأي منطقية!
أكملت جملتها وهي تبتعد عن صدره لتستكمل بنبرة حادة فاقده للأمل:
- دي مش أول مرة ومش هتكون الأخيرة معاك،
هفضل لحد إمتى أقولك بلاش عصبية زيادة بلاش الغضب المشحون جواك ده بدون أي مبرر.
ابتعد عنها هو الآخر ليُجيب بانزعاج:
- لا في مبرر طبعًا، أنا مش مجنون يا وسام.

- صدقني مش مهم أنا يهمني إنك تتغير، السنتين اللي عدوا علينا دول حاجة ودلوقتي حاجة تانيه،
إحنا دلوقتي مستنين طفل عايز يتربى ويتقوّم على الصح عارف يعني إيه يتقوّم صح؟
- عارف وبلاش أسلوبك ده أنا مش عيل صغير.
رد بنبرة مستنكرة والغضب يتملك تقاسيمه لتهز رأسها وهي تقف أمامه مؤكدة باتهام:
- أنا ما بقتش عارفة أتعامل معاك،
واضح إن بابا الله يرحمه كان عنده حق، إنت مستحيل تتعدل وتبقى طبيعي.

عكس حركتها بتهديد أكثر من اللازم وهتف في وجهها وقد كفح كيله:
- إنتِ اللي مش طبيعية، مش كل حاجة تعيدي عليا الإسطوانة دي وتحسسيني إني مجنون هربان من المصحه،
إعترفي إنك ندمتي على جوازنا وقولي إنك زهقتي بدل ما تعملي كل يوم مشكلة من مفيش.
انفرجت شفتاها في صدمة واقتربت تدفعه في صدره بسبابتها زاجره:
- دلوقتي بقيت بتلكك لا على فكرة أنا مش بتلكك أنا بنت أصول وإنت عارف كده كويس وطالما الموضوع طلع سهل كده، يبقى أنت عندك حق.

اندفعت نحو الغرفة بعنف تاركه إياه يتبعها ليهتف:
- كملي ولا مكسوفه تقوليها إنك عايزة تكوني مع اي حد غيري.
- إنت إنسان مش سوي وأنا رايحه عند بيت ماما.
أغلق باب الغرفة ثم وقف لها بالمرصاد عندما جذبت حقيبة يدها يمنع ذهابها بتحدي دون أي كلمة.
عقدت ذراعيها أمام صدرها بذات التحدي مردفه بنبرة غاضبه:
- عديني يا بيجاد، المرة دي أنا مش بهزر، مش كل مرة ربنا هيسترها أنا هاخد موقف وهبعد عنك نهائي لحد ما تشوفلك حل في عصبيتك دي، إن شاء الله تروح مصحة تتعالج فعلًا،
أنا مش هخاطر إن عقبال ما أولد ألاقيك جرالك مصيبة ولا مقبوض عليك زي ما كان وارد أوي يحصل النهارده.
ضرب كف على الآخر وانتفض جسده بموجة جديدة من الغضب الذي يحاول السيطرة عليه ليهتف:
- أنا مش مدمن وبتعالج، كل الناس بيجي عليها وقت وتتعصب، إنتِ اللي من يوم ما والدك إتوفى وبشوف الندم في عنيكي وبقيت أحس إني تحت مجهر الميكروسكوب، بترَاقب أربعة وعشرين ساعة ومستنيه أعمل حاجة تأكدي بيها لنفسك ان ابوكي كان صح!

وضعت كفيها على وجهها بتعب فما يقوله أصابها في مقتل، فمنذ وفاة والدها وتحذيراته تراودها والخوف من المجهول يحاوطها رغم عشقها له بكل ذرة في جسدها، اتجهت تريح جسدها على الفراش وهمست تُطمئِن مخاوفه نوعًا ما لكنها تمسكت بتلك النبرة الحازمة:
- خلينا صريحين مع بعض، إنت عارف إني مش هنفع لغيرك ولا إنت هتنفع لغيري فأنا مش هقول أنا زهقت وتعبت وطلقني والكلام الفارع ده.
- كويس إنك فاهمه ده.

أخبرها بخفوت وقد هدأت مخاوفه وهو يجثو أمامها بينما صراعات العالم تدور في مقلتيه لتستكمل في جدية:
- أنا هقعد عند ماما لحد ما ربنا يهديك وتتغير لأني أخدت قراري خلاص إني مش هكون جزء من حياتك الغلط دي،
أنا مش هستنى لما تأثر عليا أنا واللي جاي ومفيش حاجة هترجعني عن القرار ده.
- وتروحي عند أمك ونبقى متفرقين بس الإسم متجوزين مش كده.
أغمضت جفونها ترفض التأكيد على كلماته فصمتها كافي لكنه أكمل:
- وهو ده الصح عشان إبننا؟!

إننا نعيش بطريقة غير سويه زي المطلقين؟
- وهو لما يجي يلاقي أبوه بيسعى عشان يأذي نفسه بعصبيته، هي دي اللي حياة سويه؟
- إنتِ عايزاني أقولك إيه؟
قال بتعب وهو يفرك ركبتيها فهمست مؤكده:
- مش عايزه يبقى ليا أي علاقة بيك نهائي لحد ما تشوف حل وألاقيك إتغيرت فعلًا ومش هقبل إنك تضحك عليا بكلمتين زي كل مرة.
استقام بكبرياء رجولي وجذب الحقيبة من يدها ثم أردف بلا مشاعر:
- لو هو ده اللي عايزاه فأنا موافق بس تفضلي في بيتي، عندك بدل الاوضه تلاته نقي اللي تعجبك وأنا هبعد عنك نهائي لكن أنا من حقي إن الطفل اللي بيكبر في بطنك لحد ما يتولد يكون تحت عيني.

غطت وجهها بكفيها ثوانٍ تخفي تحتهما مشاعرها المنكسرة لأنه لم يحاول حتى التظاهر بالتغيير لأجلهما، قبل أن تهز رأسها باستسلام وتنسحب بعيدًا عنه بخطوات ثابته نحو إحدى الغرف المجاورة تحت أنظاره الثاقبة، الحزينة والمرهقة.

21-12-2021 12:17 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [2]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية فرط الحب
رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

وقفت "ريم" في منتصف المنزل تنتظر خروجه من الغرفة المنزوية بأخر الشقة والتي كانت يومًا مخصصه ل "عُمر" كي يضعه في فراشه الصغير الذي لم تمس به أي تغيير حتى بعد مرور سنة على انفصالهما، ففراشه تحرص على تغييره اسبوعيًا بجانب تنظيفها للألعاب وعلب الألوان الصغيرة التي فقدت رونها باشتياقها لسحر طفولته.

غمرتها رغبة عارمه في البكاء والصراخ لتلك الطريقة البشعة التي اقتلع بها ريان صغيرها منها.
ألهذا الحد لا قيمة لمشاعر أمومتها بعد أن توَلت تربيته وعشقته منذ كان وليد يومين ؟!
نعم، فهي أمه رغمًا عن أنف الجميع وماذا إن لم يقتطع من رحمها لكنه عاش وترعرع في روحها وملئ فراغ موحش داخل قلبها، ولا حق لأحد حتى المسمى بوالده في انتزاعه منها بتلك الطريقة المتوحشة.

حاولت التركيز على تلك المشاعر العنيفة والابتعاد عن أخرى ضعيفة مثيرة للشفقة تدافع بلهفة عن عودة "ريان" وظهوره الغير متوقع لكنها لن تستسلم لأوهامها وقلبها الأحمق مرة أخرى ولن تنساق وراء مشاعرها السخيفة وقد ذاقت بسببها المرار، فإن كان للحب وجود بينهما لما مزقها بتلك الطريقة المروعة.
قطع أفكارها خروج "ريان" من الغرفة، فاعتدلت تنتظره شامخة الرأس بإصرار على فعل ما يمليه عليها عقلها تراقبه يتقدم منها بخطوات غامضة.

ثنى ريان قميصه في طريقه لها ثم توقف يغمض عينيه لحظه واتجه للمقعد جوارها حتى يخلع حذائه في تأني قبل أن يضع ساق فوق الأخرى مستند للخلف بأريحيه يخفي خلف جفونه ثورة كالداهية ستكون هي ضحيتها.
- ممكن أفهم انت ظهرت في حياتي تاني ليه؟
انعقد حاجبيه وهو يمرر إصبعه على شفتيه في تهكم وتفكير ثم قال في نبرة غريبه:
- وإنتِ مكنتيش عايزاني أظهر؟

طالعته كأنه مجنون وعقدت ذراعيها كي تمنع نفسها من الانقضاض عليه لتُمزق وجهه، قبل أن تقول بحده:
- وإنت كنت متوقع إني هرحب بيك تاني بعد اللي عملته فيا؟
- وده يديكي الحق إنك تتخطبي لواحد وإنتِ على ذمة واحد تاني !
أخبرها بنبرة حاده قاتلة وهو يستقيم ويقف أمامها مباشرة غير قادر على التصرف بتحضُر وكل حرف يخرج من فاهها يكوي رجولته، لكنها ابتعدت خطوة للخلف بحذر وقالت في توتر:
- أعتقد الموضوع كده زاد عن حده، إنت بأي حق بتكلمني عن خياراتي، على ما أتذكر إنت اللي رمتني وطلقتني مش أنا.

- وأنا بردو اللي رديتك لعصمتي وإنتِ اللي فضلتي تبعدي وتعزليني عنك وأنا سيبتك بمزاجك لحد ما أرجعلك مصر، لكن متخيلتش إنك ممكن يجيلك الجرأة وتعملي مصيبة زي دي.
- ردتني لعصمتك، يعني إيه ردتني لعصمتك؟
تساءلت بغباء عاجزة عن استيعاب ما يخرج من فمه فابتسم تلك الابتسامة الساخرة البغيضة وهو يمد أصابعه يلمس وجنتها الحمراء من شدة انفعالاتها ثم أردف:
- إنتِ عايزه يبقى معناها إيه؟
- بلاش تهريج وفهمني يعني إيه، لو قصدك ترجعني فأنا مش هرجعلك ولو على جثتي!

هتفت وهي تبعد أصابعه في حده فارتفع حاجبه يحلل كلماتها، تنفس من فمه ببطء سبب أخر يدفعه للتروي ويُذكّره بأنها فاقدة للكثير والكثير بموت ذويها لكن لم يمنعه ذلك من القول بتشفي:
- يعني في شرع ربنا إنتِ لسه مراتي!
حركت يديها بينهما بانفعال شديد قبل أن تتوالى اتهاماتها:
- كذاب، أنا مش مصدقه حرف واحد من اللي قولته، إنت فاكرني عبيطه وهصدَقك، شرع إيه اللي يخليك تردني بعد سنة طلاق وبعدين بيجاد أكدلي إنك هتبعتلي ورقة طلاقي أول ما تنزل أجازة يبقى إزاي ردتني زي ما بتقول!

عقد ذراعيه وهو يراقبها في غضب يحاول تحليل غضبها أهو صادق أم أنها تعلمت المكر والخديعة في غيابه لتلمع عيناه وقد تَذكّر أمر هام، فبادلها نفس الخطوة ومال لتصبح عينيه الحالكة بغضبه بمستوى عيناها ويتهمها من بين أسنانه:
- لمّا كلمتي بيجاد كان لسه بقالنا شهرين، لكن أنا رديتك بعد ٣ شهور يعني قبل العدة ما تنتهي بأيام وأظن الرسالة كانت واضحة فبلاش كدب عشان تداري على عملتك.

- أداري على عملتي!
لا إنت تطلع برا بيتي حالًا، والكلام اللي إنت بتقوله ده مش صحيح أنا مجاليش أي رسايل بكلامك الفارغ ده.
- لا حصل الرسالة وصلتلك مع عقد الشقة.
حركت رأسها لليسار واليمين بنفي وهي تجزم في ذعر:
عشان تعرف انك كداب، العقد معايا لوحده ومكنش فيه اي رسايل لما وصلي الظرف وبعدين عايز تفهمني انك ردتني زي ما بتقول برساله، لا انا مش مصدقاك دي أكيد لعبة من ألاعيبك.

- أنا كلمتك بدل المرة ألف وبدل الرسالة ألفين لكن إنتِ اللي رفضتي تكلميني وغيرتي رقمك.
ضحكت باستخفاف لتقول بلهجة يغلبها اختناقها بمشاعرها:
-تعالى اتهمك بالظلم وارميك رميه الكلاب واسافر، وبعديها بتلت شهور هبقى افتكر اني ابعت اكلمك وشوف كده هتتصرف ازاي، ولا انت كنت فاكرني معنديش دم او كرامة وكنت عايزني أرد اقولك عشان خاطري تعالى رجعني.

خرجت جملتها الأخيرة مهتزة لتلعن الحياة وتلعن وجوده فيها، فأجابها في غضب يوازي غضبها وهو يميل بوجهه نحوها:
- أنا معترف إني غلطان بس أنا إنسان ومفيش إنسان كامل وكل الناس بتغلط مش أنا بس، وموضوع الرسالة ده وصلك ولا لا فأنا هعرف أوصل لنهايته.
هزت رأسها بموافقة والتفت بعيدّا عنه تخفي عمق أحزانها لتعلن بصرامة:
- كويس إنك عارف وحتى لو الكلام ده صحيح متتعبش نفسك وتدور في حاجات تافهة، فأنا مستحيل أوافق إني أرجع لعصمتك.
- إنتِ رجعتي مراتي فعلًا، الشرع بيقول كده.

- شرع إيه اللي متعرفش عنه حاجه ده، والشرع بردو اللي قالك تردني وتسبني مرميه سنه إنت في بلد وأنا في بلد ومعرفش عنك حاجة، وفي الآخر عايز ترجع وكأن شيء لم يكن!
صرخت بكل قوتها وهي تلتفت في هياج عصبي شديد وتدفعه في صدره دون مراعاة لهيئته الغاضبة بل المرعبة فجذبها ريان نحوه من معصميها غير مبالي بأصابعه المنغرسة في لحمها ليحذرها بنبرة غليظة واستنكار:
- أنا اعترفت إني غلطت والموضوع إنتهى ولا إنتِ عايزاني أسجد قدامك وأقولك سماح!

تعلقت عيناها المتسعة بعينيه القاسية غير مصدقه أنها كانت يومًا تغرق في بحور عشقه بكل هذا الولع والهيام.
- ريم...؟
قاطعهما صوت "عمر" المتلعثم بخوف والمختلط ببكائه الصامت وهو يطالع والده وريم يتدافعان في غضب.
التفَتَ كلاهما نحوه قبل أن تجذب ريم معصمها من بين براثن "ريان" لتردف بصوت تستحضر فيه هدوءها وحنانها:
- متخافش يا عُمر أنا وبابي بنتكلم شوية.

- أدخل جوا يا عُمر ومتطلعش غير لما أنادي عليك، ده كلام كبار متدخلش فيه.
علا صوت "ريان" من خلفها فأغمضت عينيها تحاول السيطرة على رغبة كبيرة في الالتفاف وصفع وجهه الرجولي ولكنها فتحتهما وهي تستمع لصوت تحركات قدم الصغير المترددة نحو الداخل.
فاستدارت نحوه مسترسلة في حزم:
- آخر كلام عندي يا ريان أنا شوفت مصلحتي وإنت مش فيها وبعد إذنك إتفضل من غير مطرود لإنك مش مرحب بيك هنا.

دوت ضحكته المكان وهو يتركها ليعود للجلوس في مقعده ويعلن بعنجهية:
- على ما افتكر البيت ده يبقى بيتي.
جزت على أسنانها كي لا تمطره بأسوأ السباب وقالت في حده:
- على ما افتكر ده كان بيتك قبل ما تطلقني وتكتبوا بإسمي.
- وعلى ما افتكر لما كتبته بإسمك مكنش عشان تروحي لراجل غريب وتتجوزيه.
- حاجة ماتخصكش، دي حياتي وأنا حرة فيها.
وقف بحده ليهتف في ضيق:
- وكنتي هتعملي إيه هتتجوزي وإنتِ متجوزه ؟

- دي غلطتك إنت مش أنا بس إحنا فيها إنت لازم تطلقني ودلوقتي حالا.
- مستحيل وأسيبك إنتِ وهو تكملوا الفيلم عليا مش كده، مش ده الصديق اللي في محنة ومينفعش تتخلي عنه، إيه دلوقتي ينفع يتجوز عادي!
احمرت وجنتيها وعقدت ذراعيها بعناد رافضه تماما الرد وذلك الأمل الذي يحاول اختطافه من قلبها بسبب تملكه، اقترب "ريان" نحوها يحاول إمساك أصابعها لكنها رفضت بحدة وهي تبتعد للخلف ليقول ساخرًا:
- بعينك إنتِ وهو مش عايزه ترجعيلي إنتِ حره بس إبقي قابليني لو عرفتي تتجوزي من بعدي، خليكي كده زي البيت الوقف من غيري.

- هتجوزه غصب عنك..اااه.
تأوهت "ريم" في ذهول وقد تشابكت أصابعه بين خصلاتها يجذبها للخلف بعنف ويجبرها على النظر في وجهه المرعب وكأن الجحيم انبثق من عينيه بكلماتها، فقد طفح الكيل وتلاشت محاولاته في السيطرة على ذلك الشرقي المختبئ خلف فعلته الحمقاء معها ولكن لكل شيء حدود ولطالما كان حبه لها كلعنه موسومه بالغيرة والتملك السافر.
تجمعت قطرات العرق الحامي فوق صدغيه وتكاد أسنانه تتكسر من شدة تشنجه، فهدر من بين شفتيه وهو يتنفس بصعوبة ويصرح عما ينهش في مخيلته:
- قرب منك ... لمسك ؟

إنطقي وإلا قسمًا بالله لو حسيتك بتكدبي ولا بتدُّوري بس كده لهقتلك بإيدي قبل ما أروح أخلص عليه!
انتفض جسدها لاتهامه المقزز وهو يعتصرها إليه وفي ذات الوقت يضع على خصلاتها للخلف يكاد يفصل رأسها عن جسدها بقبضته لكنها همست في خفوت مرتعده الفرائص:
- أقسم بالله ما قربلي، إنت إزاي تقولّي كده.
هزت رأسها بذهول لحقارة كلماته وعنفه الذي دب الرعب في أوصالها ودفعها لتتلبس تلك المرأة الضعيفة مرة اخرى.

شعرت بدموعها تحارب للهرب من عينها ولكنها لن تستسلم لتلك الراحة الواهية، فقاومت للتخلص من قبضته خلف رأسها ثم أخبرته وهي تضغط على كل حرف من بين شفتيها:
- سيب شعري وإطلع برا بدل ما أصوت وألم عليك الناس.
تركها ولكنه لم يفلتها بالكامل:
- عُمر...!
صرخ في نبرة نفضت قلبها عن جسدها ووجهه لايزال في مقابلة وجهها ليركض الصغير نحو والده بحيرة قائلًا:
- نعم يا بابي.
- يلا عشان ماشين.

ركض الصغير ليمسك في ساق ريم فسقط قلبها بين قدميها ساحبًا ذلك الأمان الواهي التي حاصرت ذاتها به، وضعت ذراعيها حول الصغير ترفعه إلي أحضانها وتقبّله بجنون واخيرًا سمحت لدموعها في الهبوط عندما همس في قلق جلي:
- ريم هتروّح معانا.
- لا ريم مش عايزة تبقى معانا.

قال "ريان" فحدجته " ريم" بنظرات قاتلة لتوحشه وقالت مبررة بصوت مرتعش:
- أصل بابا مينفعش يفضل هنا عشان عنده شغل يا حبيبي.
لمعت عيون ريان بشيطانية ليستغل ضعفها بقوله:
- لا أنا معنديش شغل يا عُمر هي اللي مش عايزه ترجعلنا.
- ريان!
هتفت محذره فرفع عُمر عينيه الملائكية بتوسل نحوها متسائلًا:
- لو بابا معندوش شغل ينفع نفضل معاكي هنا ونرجع بيتنا تاني؟

- بس هو عنده ...
- لا معنديش
أغمضت جفونها بقوة عندما قاطعها "ريان" بنبرته القاطعة وسمعت شهقة عُمر الفرِحة ليقول في حماس:
- ريم معندوش، كده ممكن نبات صح؟
أجبرت ابتسامة على الارتسام فوق وجهها وأومأت رأسها بالموافقة في ضعف، غير منتبهه لتلك الابتسامة واللمعة المنتصرة في أعين سوداء خلفها.
- ممكن تنامي جنبي زي الأول.

تحركت ريم وعُمر لايزال بين يديها لتلبي مطلبه وللحظة تناست ما حدث ويحدث في حياتها ليقفز قلبها في سعادة لاستعادتها لصغيرها هنا في أحضانها.
حاولت عدم الالتفات والنظر إلى ريان حتى تستجمع شتات عقلها في محاولة لفهم لعبته وما يرغبه منها وينوي عليه، لكنها ستسمح له بالانتصار اليوم مرجعة ذلك للإرهاق الذي يغرقها ولأنها تستحق قضاء الليلة في أحضان صغيرها.

تابعها ريان تختفي ورمى بجسده على المقعد خلفه ثم تنهد بتعب يشعر وكأن قلبه على وشك الانفجار ويحمد الله أنه استطاع بدهاء البقاء بين جدران هذا البيت فعنادها وذبذبات الكره في عينيها تجزم له بأن خروجه من هذا البيت الآن يعني خروجه التام من حياتها وهذا ما لن يسمح به أبدًا.
يعلم أنه أخطأ ولكنها أيضًا لا تعطيه فرصة لتكفير ذنبه بل تصّر على معاقبته ومعاقبة نفسها فهو ليس أبله ليَفت عليه تلك النظرة الموحشة التي قابلته بها وكأن قلبها يشتاق إلى نبضات قلبه كما يفعل هو.

فرك خصلاته السوداء والقصيرة للخلف وتَعجَب من الغباء الذي تملًكه وأعماه عن حبها لصغيره، كيف استطاع تصديق كلمة تتهمها بإهماله حتى وإن كانت من شقيقته وبذلك سرح بمخيلته في ذكريات مؤلمة من عام مضى.

- إنتِ متأكده يا ليان يعني هي راحت فين وسابته لوحده؟
سمع ريان صوت شقيقته من الجهة الأخرى:
-مش عارفة، أكيد راحت لأحمد.
شعر بقبضة تعتصر قلبه فهتف من بين اسنانه:
- خليكي معاه أنا هستأذن وجاي حالًا.
حاول ريان الاتصال بها لمعرفة أين تجرأت بالذهاب وترك صغيره نائمًا في المنزل وحده دون رعاية ولكنه تفاجأ بصوت شقيقته تخبره بأنها نسيت هاتفها.

ابتلع ريقه بصعوبة وقد جف حلقه من انتفاض مشاعره بكل الاتجاهات لا يصدق فعلتها تلك متسائلًا في صمت:
هل بالفعل فضلت أحمد على سلامة طفله؟
هل تمسكها بأحمد رغم غيرته الحارقة من علاقتهما الوطيدة وراءه أمر أخر أخطر من شعورها بالانتماء والامتنان لدعمه لها طوال حياتها؟
هل مبررها الأخير عن صحة أحمد هي كذبة ليخدعاه و...؟

لم يستطع إكمال التفكير واسئلة كثيرة مميته تفجر براكينه وتقتله تدور في رأسه وهو في طريقه متجه في صمت نحو المنزل يتوعد لها إن صح ظنهُ.
بعد مرور ساعتين دلفت ريم إلى المنزل بوجه واجم فتفاجأت بريان يجلس على الأريكة بجوار شقيقته وشعرت بوجود خطب ما، فهي لا تستطيع تفسير النيران المشتعلة في عينيه وبالفعل لم يجعلها "ريان" تفكر كثيرًا وهو يهتف:
- إنتِ كنتي فين؟
- هو حصل حاجه؟
- ردي عليا كنتي فين؟

حركت رأسها بتعجب لغضبه وقالت بصدق وهي تبعد خصلاتها للخلف:
- نزلت المحل عند أحمد كان فيه مشكلة واحتاجني.
ارتفع جانب فم ريان في سخرية وتلونت عيناه ببغض ما أن سمع اسم غريمُه ثم حرك رأسه وكأن ظنه قد خاب بها أو أنها اجرمت فانتقلت عيناها المرتبكة نحو شقيقته ذات العشرون عام والتي تشبهه إلى حد كبير بخلاف عيونها العسلية التي تحاول إبعادها عن مرماها بريبة تعجبت لها ولكن ريان استحوذ على جام انتباهها وهو يضع يديه في جيبي سرواله ويقف امامها بجمود متهمًا:
- تسيبي طفل أقل من أربع سنين في البيت لوحده عشان أحمد كان محتاجك ؟!

طفل كنت بتخدعيني وبترسمي عليا وعليه الامومة وإنتِ أحقر من كده بكتير.
- إيه الكلام ده، أنا مسبتوش لوحده طبعا.
قاطعته في حده وذهول ليخبرها في حقد:
- كنتي سايباه مع مين مع الملاك الحارس؟
- انت جرالك إيه؟!
اسأل ليان انا كلمتها وهي جت تاخد بالها منه لحد ما اجي، صح يا ليان؟!
نظرت لليان بثقه لكنها صدمتها بقولها:
- كلمتيني إمتى؟

أنا جيت صدفه لقيت عُمر بيعيط ومنهار وإنتِ مش هنا.
اتسعت أعين ريم ووقفت كالصنم عاجزة عن تصديق ما تتفوه به ليان من كذب وافتراء دون سبب، حاولت ريم اتخاذ خطوة نحو ريان وهي تقول بذهول:
- والله العظيم كلمتها يا ريان إنت عارف إني مستحيل أعمل كده في عُمر، صح مش إنت عارف يا ريان؟
اهتز صوتها بذعر بدأ يتملك حواسها ودواخلها لكنه هدر في عنف وغضب:
- كنت فاكر إني عارفك لكن طلعت مخدوع فيكي فوق الوصف، إنتِ إنسانه كدابه ومش أمينة ومستحيل هآمن على بيتي وإبني معاكي.

هربت دموعها وارتعشت شفتيها وهمست باختناق وهي تتجه نحو شقيقته الصغرى التي اعتبرتها أكثر من صديقة وشقيقة لها لتلمس يدها بتوسل:
- ليان إنتِ بتكدبي ليه مش أنا كلمتك؟
قولي الحقيقة ورحمة أمك.
- كفاية تمثيل، إدخلي يا ليان لمي كام طقم من هدوم عُمر.

حركت ليان رأسها دون أن تنظر نحوها مرة واحده ثم اندفعت للداخل تاركة إياهما في صراع القلوب، لامست "ريم" ذراعه وسألت بكل ما تشعر به من مشاعر وظلم:
- إنت هتعمل إيه والله أنا مش بكذب، أرجوك صدقني عُمر إبني والله العظيم إبني وأنا مقدرش اعمل الجنان ده.
لم يجيبها ورفض الرد عليها في عناد وداخله يشتعل بغيرة تنهش رجولته ليقول بنبرة حادة:
- إبقي خلي أحمد ينفعك، إنتِ اخترتيه على أغلى حاجة عندي.
دقائق وخرجت ليان بحقيبة صغيرة وضعت بها بضعًا من ملابس الصغير وحملت عمر باليد الأخرى معلنة بعيون ترفض النظر لريم:
- خلاص يا ريان.

- إنتوا رايحين فين، أنا مش هسيبكم ابدًا، ريان أرجوك إسمعني، ليان إنتِ بتكدبي ليه؟
قالت بذعر وقد انفجرت في شهقات بكائها ترفض ترك ذراعه الذي يحاول نفضه من بين أناملها المتشبثة به بقوة حتى أعلن في قسوة:
- البيت أنا مش عايزُه خليهولِك بدل شقة أهلك الايجار اللي خليتك تسبيها وكده انا مش ظلمك وهبعتلك عقدُه بكرا مع ورقة طلاقك.
- طلاقي؟

قالت في خفوت بعد لحظة تستطعم مرارة الكلمة ثم تركت ذراعه لوضع كفيها فوق فمها في خضه مبتعدة خطوتين للوراء تتمنى لو تختفي من فوق الأرض بتلك اللحظة المؤلمة.
ليتجه ريان بحزم نحو الباب في صمت قبل ان يتوقف لحظة ويخبرها بصوت مثقل مهتز وجفنين منغلقين يخفي خلفهم كسره وخذلان:
-أنتِ طالق.

وبذلك تحرك بشقيقته وابنه إلي خارج المنزل وتركها بمفردها في حالة من الذهول، سمعت صوت شهقات تحارب للتنفس لتتفاجأ أنها صادرة من صدرها، شعرت بالمكان ينغلق عليها ويبتلعها فسندت على الجدار جوارها لا تقدر على التحرك او ملاحقته للصراخ في وجهه ووجه شقيقته الكاذبة غير مصدقه انه يظلمها ويتهمها ببشاعة بعد كل الحب الذي أغرقته به وبعد كل الليالي التي حاربت فيها لإرضائه...
واخيرًا تركت دموعها تتساب تبكي بحرقة لأجل نفسها التي ظلمها بكل بساطة دون ان يعطيها فرصة للتبرير فقط تخلى عنها بسهولة وتركها وحيده تنهار وتغرق بدونه ودون صغيرها.

حرك ريان رأسه في ضيق يكره تلك الذكريات ويعلم تمامًا إنه مزق قلبها إلى قطع وقتها ولكن الله وحده يعلم كم تمزق قلبه أضعاف أضعافها.

21-12-2021 12:17 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [3]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية فرط الحب
رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

دلف "أحمد" إلى منزله بخطوات هائجة يشوبها الجنون، يحاول إزالة الغيوم من الأفكار السوداء التي تحتل رأسه منذ رأى ريم تغادر الحفل مع ريان.
اتجه إلى غرفته يحاول انتزاع رابطة عنقه في حدة يشعر باختناق كبير ثم رفع جواله ليحاول الاتصال بها من جديد وتلك المرة لغت المكالمة قبل أن تغلق الهاتف بشكل كلي، ارتفعت انفاسه بغل وغضب لان "ريان" عاد من جديد وهي ذهبت معه بكل سهولة و كأن شيء لم يكن.

تفاقم إحساسه بالحقد فمشاعرها ستظل حبيسه لرجل لا يستحق مهما حدث، حتى وهو متأكد من امتلاكه لجزء من مشاعرها واحترامها إلا ان هذا ليس كافيًا في وجود الحب المشتعل بينهما.
غامت عيناه بسوداوية و سيطر عليه الشعور بالحرمان وعدم إمكانية الحصول على تلك العلاقة ينهش قلبه ويمزق ما تبقى من رجولته.

فرك خصلاته البنيه في عنف وغموض وحدها رفيقة الدرب والصعاب تستطيع احتواء الظلمات داخله، كان يظن انه يملك الوقت وإنه سينتشلها من بؤرة حبها لريان ولكن انسحابها السريع خلفه اليوم اثبت له بأنه أحمق بل أحمق كبير.
وقف في حدة يبحث عن قنينة الدواء الخاص بالاكتئاب يرغب في أسهل وسيلة للهروب من الذات بالنوم، إلتهم قرصين دون تفكير وقذف بجسده على فراشه يتململ في وحدته وشقائه.

أغمضت عينيه يتذكر منذ سنوات مضت حين وضع إعلان يطلب فتاة للعمل وكيف دلفت ريم ذات السادسة عشر من العمر المكان ممسكه بورقة بيضاء نزعتها من الباب الزجاجي بين كفين مرتعشين قبل ان تغرِد في رجاء أنها بحاجة للعمل بأقل من المرتب المحدد وانها لا تملك أحد في الحياة وصرحت بوضوح انها تتوقع منه العطف عليها والموافقة بتعيينها.

العطف ... ابتسم في سخرية ... هو دونًا عن كل الناس جاءت إليه بعيونها الشبيهة بعيون الريم حقًا مطالبة إياه بالعطف، هو من لم يشعر ابدًا بهذا المسمى عطف او عاطفة بوجود والد مصاب بمرض ما يسمى الجمود والجفاء وفاقد الشيء لا يعطيه ابدًا.
تنهد ليعود بأفكاره إلى ريم التي يتعجب من سرعة تعلق كلاهما بالآخر فهو وريم علاقة أسمى من أن يفهمها أحد سواهما فبدون وجودها بجواره لكان جن جنونه على مجتمع سلبي وبدونه جوارها لأصبحت بلا أدنى شك ضحية سهلة لذات المجتمع.
- يارب.
تمتم في توسل وهو يغلق جفناه ببطء وتروي محاولًا استعاده رباطه جأشه، ومع الوقت انتظمت أنفاسه وهدأت حواسه المتراخية.

بعد مرور ساعات على ريان أرهقه فيها التفكير حول معضلة عدم استلامها للرسالة التي ارفقها مع عقد المنزل والتي يخبرها فيها بوضوح انه أعادها الي عصمته وبأنه سيتركها كي تهدأ وتفكر حتى يعود إليها في اجازته التالية.

زفر في حنق فقد أكد له صديقه بأنها استلمت الظرف المغلق بأحكام من جانبه، اتجه ريان بخطوات هادئة نحو غرفة "عُمر" يفتح الباب بهدوء ويتابع في رضا خلود كلاهما للنوم بين ذراع الآخر وتمنى لو يستطيع محو خطأه الفادح من ذاكرتِها والانضمام إليهما لينهل من حبها جانبًا
لكنه تنهد واكتفى بهذا الشعور القريب للاكتمال وهو يراها تحتوي قطعة منه وشعر بالأمل يشتعل من جديد فها هو قد عاد ولن يسمح لشيء بأن يعرقل طريقة في استعادتها قلبًا وقالبًا.

دلف بخفة ووقف أعلى رأسيهما يملي نظرة منهما خاصة ريم المتقوقعة حول عُمر كأنها تخشى اختفاءه، مد أطراف أنامله يلامس خصلاتها السوداء التي عادت لجزء من تمردها باشتياق وحب.
أيقظه من ولهه تذكره استعداداتها لاستبداله برجل أخر وكيف وقفت هناك تسمح للأحمق بملامسه خصلاتها وملامسة ما ليس له حق به، شعر بغضبه يتراكم فترك خصلاتها كالملسوع كي لا يمزقها بينما هي نائمة وخرج مغلقًا الباب خلفه قبل ان يفعل ما يندم عليه.

لطالما كان شخص قليل الكلام حبيس المشاعر متملك لأقصى حد بكل ما يخصه ويحميه ولكنه فشل في حمايتها من نفسه ومن الغيرة العمياء التي أوقعته في فخ لن يخرج منه بسهولة.
شعر بالضيق لهذا المأزق الذي أوقع نفسه به ومضاعفاته التي لم يتوقعها، فقد ظن طوال السنة الماضية انه يعطيها فرصة ووقت للهدوء والتفكير قبل ان يتمكن من ترك عمله والعودة إلى مصر بل انه حارب كي يتم نقله للعمل بالفرع الجديد داخل مصر من اجلها وهذا سبب عودته قبل موعده بثلاث شهور.

دخل إلى المرحاض ثم خلع قميصه قبل ان يغرق رأسه تحت صنبور المياه لكنه سرعان ما توقف وانعقد حاجبيه في انزعاج غير قادر على التحمل والصبر فرفع رأسه بسرعة أجبرت المياه على التساقط فوق نصف جسده العلوي بإهمال وأخذ يبحث عن منشفة يجفف بها رأسه.
اتجه للخارج يحمل هاتفه من على الطاولة الخشبية الملاصقة للباب حيث تركه مع باقي اغراضه لحمل عُمر من بين ذراعي ريم، عبث بأزرار الهاتف حتى وصل لاسم أخيه الأصغر "بيجاد" ثوان واتاه صوته الاجش الدال على استيقاظه من نومه:
- الو؟

- بيجاد، فاكر لما بعتك لريم عشان تقنعها تديك رقم اتواصل بيه معاها؟
سمع صوت خربشات وتوقع انه يعتدل في فراشه ثم اجابه:
- اه، هو فيه حاجة ؟
- ريم بتقول انها ما تعرفش إني رجعتها على ذمتي، أنا عايزك تفتكر بالظبط تفاصيل كلامك معاها.

ساد الصمت وبيجاد يحاول استرجاع ذاكرته للحدث قبل ان يقول بتروي:
- انا روحت البيت ملقتهاش بعدين نزلت المحل اللي بتشتغل فيه وقولتلها انك عايز تكلمها ضروري وان الطيب أحسن، اتعصبت وقالتلي مش عايزه اشوفك تاني وانها مستنيه ورقه طلاقها واني اقولك انها مش عايزه تتواصل معاك ومش هتديك اي تفاصيل عن حياتها.
- يعني مقولتلهاش اني ردتها؟
- هقولها ليه مش المفروض ان انت بعتلها على البيت ثم هي مدتنيش فرصة وكانت عايزاني امشي قبل ما أحمد يرجع وندب خناقة زي المرة اللي قبلها.

زفر ريان وهو يأتي ويذهب حول المكان متذكرًا شجار أخيه السابق لتلك الزيارة مع الوقح الذي وقف أمام أخيه متهمًا ريان بعدم الرجولة لأنه لم يفي بوعده ويرسل بورقتي الطلاق والعقد لريم وانه سبب لها خسائر فادحة برفضه لاستكمالها تأجير شقة والديها التي كانت على النظام القديم وتدفع فيها القليل وانه ان لم يعطيها المنزل فهي لن تتحمل تكاليف شقة بإيجار على النظام الجديد وهذا ما دفعه ليرسل العقد مع الرسالة بعدها بأيام معدودة مع أحد أصدقائه كي لا يندلع شجار جديد بين الوقح وشقيقه المنفعل دائمًا، زفر في غضب ثم أعلن في حده:
- ريم اتخطبت لأحمد ومش مصدقة اني ردتها من الأساس!
- أفندم !
يعني ايه اتخطبت وهي متجوزه وانت سكتلها؟

- وانت كنت عايزني أعمل ايه اقتلها مثلًا، ما انا بقولك مكنتش تعرف انها لسه مراتي.
ابتلع بيجاد كلمات وقحة يصف بها سوء تصرف شقيقه الأكبر ثم سأل في حدة:
- وناوي تعمل ايه، والسؤال الأهم هنا هي عملت ايه؟
سمح ريان لنفسه بالدخول إلى غرفتها فغمرته رائحتها المحلاة كالحلوى المسكرة وكاد ينسى مكالمته مع أخيه لولا تدخل الأخير:
- قولتلك بدل المرة ألف محدش بيقعد بعيد عن شريك حياته في الظروف اللي زي دي.

فأجابه ريان بغضب لعلو صوته وصحة مقولته:
- متزعقش يا بني آدم وبعدين مكنش بمزاجي ولّا كان المفروض اسيب شغلي في الوقت الصعب ده عشان ارجع مصر واضيع مستقبل ابني لأن الهانم بتتقل عليا!
- لا بس على الأقل كان المفروض تبعت تاخدها عندك وحلوا مشاكلكم، أو اي حاجه مش انك تسيبها تنعزل عنك وتكبر الفجوة اللي ما بينكم.
هتف بيجاد من بين اسنانه وهو يقفز من فوق فراشه يبحث عن كوب من الماء يطفئ به ظمأ غضبه.
- وهي كانت بترد عليا عشان ابعت اسفرها، بيجاد روح نام ما تستفزنيش انا مخنوق خلقه.

اجابه ريان في حنق رغم علمه بأنه على حق فتنهد بيجاد وهو يترك الكوب الفارغ ثم قال بنبرة هادئة:
- أنا اسف، بس انت محتاج تحط النقط على الحروف معاها وتعرفها انها مراتك وانت اكيد هتعرف تتعامل معاها وتقنعها ولا ايه؟
- مش عايزه تسمعني وبتقول حتى لو ردتها فهي عايزه تطلق.
صمت بيجاد دون تعليق فاستمر ريان في نبرة مزمجره وقد استعاد غضبه:
- بس ده على جثتي إني اسيبها لغيري.

انعقدت ملامح بيجاد في ضيق فلابد انها لعنة ما تحوم حول حياته وحياة شقيقه، فرك ذقنه في انزعاج ثم قال:
- ربنا يعينك، انا مش عارف افيدك ازاي.
صمت "بيجاد" وقد لاح تفكير في عقله قبل ام يسأل متعجبًا:
- اومال انت فين دلوقتي؟
- انا في البيت عندها.
قال ريان بصوته الرخيم المحبط فارتفع حاجبي بيجاد بذهول وهو يردف:
- الله، مش بتقول مش طيقاك؟
- وايه يعني؟

انا مش هتحرك من هنا من غير لما اقنعها ترجعلي ورجلها فوق رقبتها.
- ليه؟
تسآل بيجاد بغرابة فأجابه ريان متسائلًا:
- تقصد ايه ب ليه؟
- ليه بتعمل كل ده؟
شعر ريان بلسانه يعقد ولم يستطع الإجابة فهمهم بعد قليل بخفوت:
- عشان هي مراتي.
- برافو قولها كده وهي مش هترضى ترجعلك ابدًا.
- تقصد ايه؟

فرك بيجاد رأسه يحاول إيجاد طريقة يوصل بها لأخيه بانه لا وقت لغروره وان عليه الانحناء لمشاعره قليلًا فإن كان لعنة بيجاد الغضب فلعنة أخيه هي الغرور والأنانية.
- شوف.. حاول تتعامل معاها بهدوء هي بردو شافت كتير وتقريبًا كده على حسب كلامك فهي بقالها سنة بتعاني فراقك عنها، وكلنا عارفين انت وعُمر كنتوا بالنسبه لريم ايه.
ضحك متهكمًا ليقول:
- مش هنكون أغلى من أحمد أكيد.
- تحب اخلصلك عليه؟

اتسعت عيون ريان في ذهول ورغم رغبته العارمة في الموافقة إلا أن صوت العقل انتصر ليقول في نبرة مستنكرة:
- ايه قررت تعالج الغضب جواك بانك تبقى قتال قتله خلاص؟!
ارتفع صوت بيجاد الحاد باعتراض لتنتهي بذلك لحظاته الحكيمة:
- مش كل اللي يكلمني يقولي كلمة اتعالج، انا مش مريض نفسي!
تنفس ريان من انفه قبل ان يقول له بجدية تامة:
- ربنا يهديك لنفسك وتفهم ان الدنيا مش سيناريو واحد.

- ريان انا هقفل عشان انام مش ناقصه فلسفه على المسا.
اخبره "بيجاد" بنبرة تؤكد لريان بانه فهم ما يحاول تلميحه دون كلمات كثيرة فتقبل هروب شقيقه بأن رمى عليه السلام قبل إنهاء المكالمة.
تنهد بأسى يحارب مشاعر محتده تضيق في صدره فحملته قدميه باعتيادية عجيبة حول الغرفة التي كانت مهد غرامهما وإلى فراش حمل العديد من ذكرياتهما، فرد جسده بتعب ومال بعد دقائق يلصق أنفه في تلك الوسادة الممتلئة برائحتها الجذابة التي أثارت جنونه في غربته.
"فالغربة" لم يدرك معناها إلا بفراقها، وحدها هي من جعلته يعاني من هذا الشعور المهلك بحاجته للانتماء لوطن..

وكم كان أحمق حين ظن عندما غادر وتركها انه سيعود لذلك السكون الجاف الخالي من المشاعر في حياته ليثبت له الواقع العكس ... فكل خطوة يخطوها تركته حاني لحياة تذوقها من طرف معلقتها... هي موطنه الذي يرفض احتواءه ويعاقبه بقسوة يستحقها بجدارة.
ترك نفسه للنوم برضا بين فراشها وكأنه محمل فوق السحاب تاركًا تفكير وتدابير الغد للغد.

تتصلب كل عضلة في جسده وذلك الظل الأسود الكبير يعلن عن وجوده فوقه لينتفض جسده بخضه وهو يستيقظ على صراخ وعويل مرعب لوالدته وذلك الظل يمزق خصلاتها بيده الكبيرة ويتوالى عليها بالصفعات وهو الصغير يندفع للخلف يبكى وفقط يبكى كالجبناء ...
وكالومضة انتهى المشهد لتعلو صرخة أخرى وهو يستيقظ بصفعة مدوية على وجهه من ذات الظل بينما هو صاحب العشر سنوات يتلوى كالسمكة على المشواة لا يرى ولا يعي ما يحدث له من ظل أسود كبير...

صرخ والنيران تتلاعب من حوله فأخذ يلتفت ويدور في حيرة متسائلًا تُرى أين سقط هذه المرة، تساقطت قطرات العرق من جبينه وصدغيه بينما شعور مرعب يدفعه للركض والاختباء ولكن أين المفر والنجاة ؟!
صراخ يعلو وجسد ينتفض من جديد منتهي بآنين كحيوان مسكين ارتطمت به سيارة إنسِ تجرد من إنسانيته تاركًا إياه جريح بلا أي حول ولا قوة.

صوت الصراخ يعلو فيعبث في ثباته ويعيث الجنون فيما تبقى من عقله وتلك المرة وجد نفسه عاريًا وصوت ضحكات أصدقاءه وسخريتهم بعدم قدرته على الخوض في رهان قبيح مثل رفقتهم ظل يعلو ويعلو خارج غرفة كاد يبيع فيها نفسه لشيطان تنكّر في صورة امرأة مغوية تلامسه وتنتهك براءته ليأتي العقاب من الله سريعًا على تلك المتعة الغير مكتملة لتنطفئ روحه ورجولته وهو يفر هاربًا يلملم ملابسه ويركض للخارج متجاهلًا ضحكات رفاقه التي توغلت داخل أعماقه كالسكين واستقرت هناك.

صرخة مفجعه اتسعت لها عيناه على وسعهما ليجدها تلك المرة قد خرجت من أعماقه للواقع، تلاحقت انفاس " أحمد" في جنون ومرر كفه المهتز فوق جبينه بسخرية مفكرًا بأنه يطلب النوم ويجبره اجبارًا وحين يغمض عيناه يهاجمه الجحيم من كل جانب.
نظر إلى الساعة بجواره ليجدها العاشرة صباحًا فقفز في حدة وقد عاد إليه ما حدث بالأمس ثم هرع للمرحاض لأخذ حمام بارد يعيد إليه صوابه ورزانته.
عازمًا النية على الذهاب إلى ريم فهو لن يقبل بتركها له، ومهما كان الثمن لن يقبل بأن يقضي حياته في وحده موحشة تلتهمه في نومه وصحوته.

استيقظت ريم أولًا ليطالعها سقف لبني اللون مليء بالرسومات الكرتونية انعقد حاجباها في شرود محاولة استيعاب ما هذا المكان لأنه بالتأكيد ليس غرفتها، حركة خفيفة في ذلك المكان بين كتفها وأعلى صدرها وتلك اليد المتثبتة بها جعلتها تنظر للصغير المتكور بين احضانها وكأنها الحياة.
ضربها الواقع من جديد لتزيد من ضم عُمر إليها تلقائيًا كأنها تحتمى من مشاعرها المتضاربة والمتلاحقة بين حزن وألم وسعادة، لكنها اختارت إبعادها مستمتعة بالدفيء المحاط بقلبها وهي تضم الصغير وكأن كل ما حدث كان حلم قبيح وانتهى.

تنهدت متمنيه لو ان الأمر بتلك السهولة، أبعدت نفسها عنه ثم دثرته جيدًا قبل أن تتجه بدفاعيه نحو الخارج لا تدري بعد ما الذي سيقرره المخبول الذي عاد لحياتها بكل غرور وكأنها ستتقبله وترتمي تحت قدمية بسعادة لعودته.
انقبض قلبها الخائن وهي تتذكر كلماته بأنها لاتزال زوجته لكنها لن تقع في نفس الخطأ مرتين ليس بعد كل ما عانته من ألم في فراقه لتتعلم إن الإنسان أضعف من ألا يبني جدار حوله يفصله عن حماقة العالم.

نظرت حول المكان لكنها لم تجد أثر له ولولا الحذاء الملقى في الردهة لظنت انه ذهب وتركهما، اتجهت نحو غرفتها وهي تكذب شعورها لكنها تفاجأت به نائم في ثبات عميق فوق فراشها، شعرت بحقد للهدوء الذي ينعم به بينما تشتعل هي، فاندفعت نحوه في شر وهزته في حدة هاتفه:
- اصحى يا بني آدم.
انتفض ريان يمسك قبضتها التي تدفعه في ذعر لكنه سرعان ما اعتدل يبعد الغطاء عن جسده النصف عاري ليعترض بنبرة غاضبة وهو يجذبها بقوة أشد من اللازم:
- إنتِ اتجننتي في حد يصحي حد كده!
- إنت اللي ازاي تتجرأ وتنام في اوضتي وعلى سريري اتفضل اطلع برا.

قالت وسط حركتها المفرطة مستنكرة استعراضه لقوته على معصمها الضعيف المتألم، شد عليه أكثر في غضب حتى تأوهت وجثت امامه على الفراش تقابل في استسلام جسده الجاثي المتأهب على أمل إرخاءه لقبضته المميتة على معصمها دون ان تضطر لإظهار ضعفها ولكن ملامحها المتألمة كانت كافية لتجعله يرخي قبضته نوعًا ما قبل ان يزمجر بصوته الصباحي الخشن:
- واضح ان غيابي عنك نساكي أداب التعامل.
ابتسم في سخرية ثم استطرد ببطء حامي:
- طبعًا وجودك مع أحمد رجعك لأصلك من تاني.

كانت كلماته حقيرة لكنها استقرت بصدق داخل روحها، اهتزت ملامحها لكنها سيطرت على تلك الفتاة الضعيفة التي كانت عليها يومًا فنجح هو في تلقينها درسًا قويًا أجبرها على حبسها بعيدًا عن أعين العالم خاصة هو، ازاحت عيناها لأسفل بهدوء ونجحت في إخراج صوتها المدافع في قوة:
- عندك حق وجودي مع أحمد رجعني لعقلي ومبقتش الطفلة الصغيرة اللي كانت بتتمنى منك كلمة حلوة أو لمسة حب، أحمد علمني إزاي أبقى ست بجد مش طفلة كل هدفها سعادتك.

ارتفع جانب شفتيه في قسوة محاولًا السيطرة على كبرياء رجولته الغير متقبل لنبرة الفخر برجُل غيره على لسان زوجته، ودون إدراك وجد نفسه يحيط وجهها بين أصابعه القوية، يميل نحوها متحدثًا أمام فمها مباشرة دون اهتمام بذعرها:
- أحمد علمك تبقي ست في ايه كمان؟
أتسعت مقلتيها واشتعل الغضب سريعًا لمرمى كلماته وقالت من بين فكها الحبيس داخل قبضه:
- قطع لسانك يا همجي، ابعد إيدك دي عني.

حاولت الفكاك منه لكنه اقترب أكثر حتى الصق وجهه بوجهها وقال في خفوت مريب:
- متفتكريش إني هعدي كذبتك عليا انك مش هتتخلي عن شغلك معاه لأنه الوحيد اللي ساعدك واداكي شغل، مش ده كلامك وزودي عليه انه مريض وميقدرش يتجوز من الأساس وأنك زي أخته؟
ضغطت على لسانها كي لا تقذفه بشتائم تليق بكلماته لكنه لم يعطها الفرصة واستكمل في تهكم:
- ولما إنتِ أخته، فيه أخت تبقى عايزة تتجوز أخوها العاجز؟
- اخرس انت اللي عاجز بتفكيرك مش هو، أحمد...اممم...

قطع حرقة حديثها المسموم بلهيب مشاعره الثائرة وكل هذا الحديث عن غريمه أفقده صوابه، قبض على كتفيها يمنع هروبها من هجومه السافر على شفتيها الوردية يروي شوق عارم ويطفئ رغبة تمزق صدره في اشتهاء لبتلاتها الناعمة، احاط ذراعيه بقوة حولها.
وفي لحظة هبطت مؤشرات الغضب لتعلو أخرى وقد تناسى كلماته ومشاعره الغاضبة خاصة عندما سكنت بين ذراعيه تحت وطأة قبلاته التي صارت تداعبها برقة وشغف لتتركه يعيث في مشاعرها الفساد بلمساته المتتالية المناداة لمكنونات روحها.

لا تعلم "ريم" كيف انتهى بها الحال من الغضب والتمرد إلى التمايل الحُلو في أحضانه بين ذراعيه القوية، تثبتت بصلابة كتفيه العاريين وفكرت في ضعف "مرة أخيرة ولن تتكرر" لتشتعل دقات قلبها المشتعلة بنيران حبه من جديد.
صوت رنين الباب أخرجها من سكونها الخدر فانطلقت أطرافها دون وعي تلاطم جسده للابتعاد عنها وما ان تركها حتى قفزت وهربت سريعًا للمرحاض دون اهتمام بمن الطارق.

أغلقت الباب بإحكام وحاولت السيطرة على انفاسها العالية بوضع يدها على صدرها الصاعد والهابط في قوة قبل ان تلتقي بانعكاس صورتها في المرأة فتتأوه بغيظ لبشاعة هيئتها، تنقلت بنظرها من عيناها المحاطة بمساحيق التجميل السوداء المنسابة حتى منتصف وجنتها لتبدو كالموتى الأحياء، هذا ما تحصل عليه فتاة حين لا تزيل مساحيق التجميل من على وجهها قبل الذهاب للنوم، تفقد حقها في الاستيقاظ رطبة وناعمة كالكعكة.

تأففت في سخرية وهي تحاول تهذيب خصلات شعرها الذي عاد لتشعته المزمن بكل الاتجاهات بسبب عبث يديه المتملكة، فتحت الرف أعلى الحوض تخرج مناديلها المرطبة لإنقاذ الموقف وكادت تنتهي من إزالته بالكامل حين سمعت أصوات متشاحنة بضراوة في الخارج، رمت ما بيدها وقد نست تمامًا إن أحدهم كان يطرق الباب لتتفاجأ بريان يمسك بتلابيب أحمد ويدفعه بعنف في الباب الخشبي.
- ريان!
ركضت نحوهم تحاول إبعاد "أحمد" المذهول من قبضته وهي تصيح:
- انت بتعمل ايه؟
سيبه بقولك عيب كده!
- انا اللي عيب، وكونه إنه يجيلك البيت ده مش عيب ويا ترى بيجي عيني عينك كده ولا بيبقى في الخفى.
- ابعد إيدك دي، ريم إنتِ كويسة؟!

قال أحمد وهو يدفع ريان عنه في عنف فنجحت ريم اخيرًا في الفصل بينهما بدفع جسدها بينهما ليلتقط ريان خصرها بتملك وغضب فيجذبها نحوه مبتعدًا خطوات عن غريمه وسمح لها بوضع جانب جسدها في صدره وكأنه تسيطر على تحركاته.
- انا كويسه طبعا، انا متأسفة جدًا...
- ممكن اعرف هو بيعمل ايه هنا؟
تسآل أحمد في اصرار بينما يمسك بنظرها المتوتر:
- اعتقد السؤال ده من حقي انا !

صرح ريان وهو يضغط على ذراعها يحاول إبعادها عنه لكنها رفضت التزحزح من امامه وهي تقول من بين أسنانها:
- ممكن تبطل أسلوبك العنيف ده وتخليك متحضر شوية.
- متحضر لا حاضر من عينيه، اتفضل تعالى ادخل الشقة عند مراتي وانا هطلع أخد لفه بالستالايت بتاعي لحد ما تخلصوا تحضر مع بعض، حلو التحضر ده باين على راسي ولا لسه مدفون؟
انكمشت ملامحها في اشمئزاز وغضب من سخريته اللاذعة قبل ان تهز رأسها بخيبة أمل وهي تلتفت لأحمد مجيبة:
- كان فيه حاجة يا أحمد؟
- انا استغربت انك مشيتي بدري امبارح وحاولت اكلمك الفون مغلق فقلقت قولت اجي اطمن عليكي، قابلني البني آدم ده عندك في الشقة ممكن افهم إنتِ ازاي سايباه يضحك عليكي بعد اللي عمله فيكي.

قال أحمد وهو يحرك ذراعه نحو ريان برفض وغل فجز ريان على أسنانه ثم هتف في غضب:
- أحب افهمك إنك بتكلم مراتي، يعني...
- بابا .. ريم انا خايف.
قطع ريان حديثه وهو يعض على لسانه بينما التفت ريم نحو عُمر وحاولت رسم ابتسامه لتقول في حنو:
- متخافش حبيبي ادخل جوا بليز، بابا متضايق شويه ههديه واجيلك.
هز رأسه بالرفض وانتقلت عيناه الطفولية البريئة رغم تشابه تقاسيمه مع تقاسيم والده الحادة قبل ان يقول في دفاعية غريبه على سنه الصغير:
- مين ده؟
رمشت أكثر من مرة قبل ان ترمق أحمد بنظرة وتجيبه:
- ده أحمد صاحب الشغل انت نسيته؟

عادت ذاكرته الصغيرة إلى كلمات والده حين كان يبكي بتذمر لاشتياقه لها ورغبته في العودة إليها فيخبره والده بحده بأنها تركته من أجل هذا الرجل البغيض ذو العيون الهادئة المخادعة وهاذان الحاجبان المرسومان لأعلى في شر ك "شرشبيل" حين يفشل في القبض على السنافر المساكين.
ركض عُمر نحوها يمسك طرف ثوبها في تملك يوازي تملك والده ثم حدج أحمد في نظرة تحدي طفولية وهو يعلن في صدق:
- انا مش بحبه، امشي من بيتنا ريم هتفضل معايا انا لوحدي.
- عُمر!
قالت في استنكار فاستغل ريان انشغالها بصغيره وتسلسل من خلفها ليواجه أحمد ويحذره في نبرة حذرة متروية:
- لو قربت من مراتي تاني هجيب أجلك انت فاهمني.
- مش هتبقى مراتك كتير وهتكون مراتي أنا، انت متسحقهاش انت خدت فرصتك وضيعتها من زمان.

لكمة ريان ضربتان متتاليتان في غضب ثم دفعه للخارج قبل ان يغلق الباب بقوة في وجهه لا يرغب في قتله أمام صغيره فحاولت ريم الصارخة تخطيه لفتح الباب لكنها تأوهت عندما انتشلها ريان لجواره ليردف في سوداوية:
- افتحي الباب عشان اقتله وارتاح من وجوده في حياتنا.
جذبت رسخها من بين أصابعه وهمست من بين أسنانها وهي تغطي أذني الصغير:
- طلقني وارحمني من وجودك إنت في حياتي، مش مكسوف من نفسك شايف الولد بقى عنيف ازاي؟
- مش هيحصل.

قالها في لهجة هادئة مزعجة وهو يلتفت مبتعدًا عنها بينما يدلك أصابعه متجاهلًا أصوات أحمد الغاضبة من الخارج قبل ان يذهب، فهتفت في قهر:
- انا مش عايزه اعيش بالطريقة دي.
- وانا مبسوط كده.
استدارت تخفي غليانها من وقاحته واتجهت للداخل فعلى ما يبدو غرفة الصغير ستكون ملاذها لوقتًا طويل.



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 7308 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 4313 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 3355 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 3232 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 3786 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، الحب ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 02:53 صباحا