خرجت "نجمة" من كلية "الآثار" بملامح بيضاء طفولية رقيقة تنبض بالإرهاق بعد يوم طويل في المحاضرات، عدلت خصلاتها السوداء الناعمة خلف أذنها منزعجة من تمردها، نظرت أمامها مباشرةً متمنية إيجاد وسيلة مواصلات فارغة تنقلها فورًا لمنزلها، فاستوقفها رؤيته...!
وقف "سليم" مستندًا بظهره على سيارته عاقدًا ذراعيه معًا يرتدي بذلته السوداء الخاصة بالشرطة والتي تكرهها، تقابلت أعينهم في وصال سريع مخضب بالمشاعر، تكره حصاره لها وحضوره الطاغي، وتكره نظراته الرجولية التي تسبر أغوارها فترسل لها ذبذبة من المشاعر تبعث فيها ما تحاول هي دفنه.
أما هو فلم يكن أفضل حالًا منها وعيناه تأبى أن تطيعه فتظل مُثبتة عليها وكأنها لا تبصر غيرها، تأسره بطلتها المُهلكة رغم شحوبها بل تأسر قلبه الذي يذوب فيها كل مرة يقع نظره عليها، فتشدد على أقفال قلبه المغلقة بمفاتيحها...
نوفيلا
نجمة الباشا للكاتبة دينا ابراهيم و رحمة سيد الفصل الأول
خرجت
نجمة من كلية الآثار بملامح بيضاء طفولية رقيقة تنبض بالإرهاق بعد يوم طويل في المحاضرات، عدلت خصلاتها السوداء الناعمة خلف أذنها منزعجة من تمردها، نظرت أمامها مباشرةً متمنية إيجاد وسيلة مواصلات فارغة تنقلها فورًا لمنزلها، فاستوقفها رؤيته...!
وقف سليم مستندًا بظهره على سيارته عاقدًا ذراعيه معًا يرتدي بذلته السوداء الخاصة بالشرطة والتي تكرهها، تقابلت أعينهم في وصال سريع مخضب بالمشاعر، تكره حصاره لها وحضوره الطاغي، وتكره نظراته الرجولية التي تسبر أغوارها فترسل لها ذبذبة من المشاعر تبعث فيها ما تحاول هي دفنه.
أما هو فلم يكن أفضل حالًا منها وعيناه تأبى أن تطيعه فتظل مُثبتة عليها وكأنها لا تبصر غيرها، تأسره بطلتها المُهلكة رغم شحوبها بل تأسر قلبه الذي يذوب فيها كل مرة يقع نظره عليها، فتشدد على أقفال قلبه المغلقة بمفاتيحها...
سرعان ما أنهت وصال الأعين لتحرمه حلاوة النظر لهما وشوقه لتلك العيون التي سرقت منامه منذ النظرة الأولى، ضاقت عيناه بنفاذ صبر وغضب عندما نظرت له من أعلاه لأسفله بنظره يعلمها جيدًا، وأكملت طريقها دون أن تتوقف وكأنها لا تراه...
كان يعلم أنها لن تكلف نفسها عناء التحدث معه او حتى نهره، ولكن ماذا يفعل في قلبه العصي الذي يختض داخله قلقًا عليها خاصة كل يوم أحد منذ بداية هذا الفصل الدراسي اللعين فهو يعلم أن محاضراتها تنتهي في وقت متأخر أكثر من اللازم، فيظل ينتظرها كل أحد طوال شهرين مضوا حتى تنتهي ثم يراقبها بحرص حتى تصل بيتها دون علم منها ولكنه اليوم تعمد إعلان حضوره ووجوده بصراحة بعد شجارهم الأخير الشرس التي افتعلته هي بدون مبرر لتخبره بعدها برغبتها في الابتعاد عنه!
تحركت
نجمة مبتعدة عنه في عناد، عندما استوقفها نداء أحد زملائها لأسمها قبل ان يمد الأبلة يده بتلقائية يلامس ذراعها كي يوقف تقدمها لاهثًا بسبب ركضه خلفها:
-انتي بتجري كده ليه يا نجمة!
مش قولتلك هوصلك في طريقي.
عادت
نجمة خطوة للخلف محاولة عدم احراجه فخالد لطيف ومهذب ويساعدها كثيرًا عند غيابها بل ويتكبد عناء الامضاء في كشف الحضور بدلًا عنها دون طلب منها، ثم هزت رأسها نافية بابتسامة مُجاملة تشكره:.
-لأ شكرًا يا خالد أنا هروح لوحدي وكده كده هاخد تاكسي متتعبش نفسك.
هز خالد رأسه بإصرار، فهو ينتظر ذلك اليوم من الأسبوع للأسبوع حتى يتقرب منها بأي طريقة لكنها كل مرة تهرب منه:
-تعب إيه بس، مفيش تعب ولا حاجة يا ستي، الوقت اتأخر واحتمال كبير متلاقيش مواصلات دلوقتي،
واحنا طريقنا واحد يعني مش هروح حته مخصوص.
تحركت
نجمة من جديد وبنبرة رقيقة شاكرة ردت في محاولة لتثنيه عن إصراره:.
-صدقني مفيش داعي، شكرًا جدًا بجد.
أما سليم فكان يتابعهما في صمت قاتل وكل ثانية تمر تجعله يتراقص على جمر الانتظار لا يصدق أنها تتجرأ على محادثة رجل غيره أمام عينيه، ازدرد ريقه محاولًا إطفاء نيران صدره وهو يراها تتحدث مع ذلك الأحمق بينما هو مُحرم عليه سماع صوتها أو التثبت بحق امتلاكها، وفوق ذلك هي تقف هناك بكل وقاحة توزع ابتسامات لا يحق لغيره أن يغرق في حلاوتها...
كان يحاول تكبيل غضبه وغيرته ولكن زمام انفعالاته فلت من يده ووقت وقوفهما سويًا يزداد، تقدم نحوهما بخطى نارية حتى أصبح أمامهما مباشرًا، ودون أن يعير الأحمق الواقف أمامه أي اهتمام كان يحادث
نجمة في نبرة أجشه تحمل الكثير من الغضب والوعيد المكتوم:
-امشي قدامي على العربية.
حاولت هي كبح الدهشة التي استباحت ملامحها لتدخله الغير مسبوق بينما تجهم وجهه خالد وهو يشاهد في دهشة دخول شاب من رجال الشرطة بينهما فقاطعه بنبرة منذهله لا يستوعب المنافسة:
-إيه ده، مين ده يا
نجمة وساحبك يوصلك ليه مش فاهم!
اقترب منه سليم خطوة وأردف من بين أسنانه بنبرة خافتة مُقلقة:
-اسحبها؟
لا أنا ابقى ابن عمها يا خفيف يعني مش ساحبها ولا حاجة وأحمد ربنا اني هعدي وقفتكم دي على خير لكن اعمل حسابك لو اتكررت تاني،
ساعتها أنت اللي هتتسحب معايا، فاهم يالا؟!
أغمضت
نجمة عيناها في ذعر تستغفر بصوت منخفض وهي تدعو ألا يتضخم الأمر لشجار يسبب لها فضيحة أكبر، فرفعت يداها امام سليم تفصل بينه وبين زميلها المسكين المرتبك ورددت بحروف متوترة كحالها:
-خلاص يا سليم، شكرًا يا خالد وبعتذرلك عن سوء الفهم.
استدارت حتى تذهب وهي تواكب خطوات سليم مشيرة بنظرة غاضبة متوعدة إليه بينما هو ينفث الدخان من أنفه خاصةً حينما استطرد خالد بنبرة أرادها أن تعكس التهكم لكنها خرجت مهتزة قليلًا:
-ولا يهمك يا
نجمة انا بس مش فاهم الكابتن دخل حامي علينا كده ليه؟
-كابتن؟!
كز سليم على أسنانه وكاد يعود إليه لولا نجمه التي وقفت له بالمرصاد تقتله بنظراتها، فزمجرت تحاول إيقافه عن أخذ دور الفرعون المُدمر محذرة:
-سليم!
حاول بصعوبة تمالك أعصابه حتى لا يتسبب لها بمشكلة تكون جدار عازل جديد بينهما، فيما حاول خالد ألا يظهر قلقه من تهديد سليم له تاركًا لنجمة إبراز ملامحها بالنفور والغيظ من استغلاله لسلطته بهذه الطريقة..!
ولم ينتظر سليم أكثر بل تمادى بسحب
نجمة من ذراعها نحو سيارته وما إن ابتعدوا خطوتين حتى نفضت ذراعها بعيدًا عنه لكنها استمرت في سيرها مزمجره فيه وقد زالت قشرة الهدوء والتماسك ليتناثر الغضب على ثناياها:.
-أنت بتتدخل وبتعملي مشاكل كمان، وفرحان أوي بالبدلة اللي أنت لابسها.
لم يرد سليم عليها حتى لا يطحنها بكلمات سامة، ولكنها لم تصمت بل ازداد سعير غضبها من صمته المستفز:
-أنا بكلمك يا بني ادم ولا أنت مش بتنطق وتتشطر غير على الغلابه!
رفع سليم حاجبه الأيسر ساخرًا:
-الواد الصايع ده غلبان؟
والنبي انتي اللي غلبانه وهبلة!
انفعلت أكثر عندما وصلا للسيارة ووقف جوارها في ثبات يحجز جسدها من التراجع ويدفعها للركوب وبعد إغلاق الباب اتجه بخطوات قوية تصرخ بالهيبة قبل أن يجاورها في كرسي السائق وينطلق بالسيارة فصاحت فيه بغيظ:
-وأنت مالك أصلاً، أنا مش قولتلك ابعد عني، جاي الكلية ورايا ليه؟!
حينها استدار لها سليم قائلًا بصوته الرجولي الخشن وبثبات أذهلها:.
-عشان أنتي عارفه وانا عارف إني مش هبعد إلا أما اكون متأكد إنك فعلاً مش عايزاني،
إنما أنتي مرة تشغليني ومرة تتجنني زي دلوقتي، انتي عايزه ايه بالظبط يا بنت الناس؟!
أشارت
نجمة بيدها نحو صدرها وهي تتشدق بانفعال وارتباك:
-أنا مش بشاغل حد أنا كنت بعتبرك صديق، اه، صديق، واديني رجعت لعقلي ومش عايزة يكون ليا أصدقاء شباب في حياتي، مش طيقاك يا أخي الله!
عايز تتأكد أكتر من كده إيه؟
فعليًا لم يعد يفهم ما يدور في دواخلها، احيانًا يشعر أنه نجح في تسلق جدران قلبها وانه تسلل داخلها مسيطرًا على وهجها العاطفي، واحيانًا اخرى يشعر أن كل خلية بها تنفر منه بل أسوأ هي تجعله ينفر من نفسه بنظراتها تلك..!
زفر أنفاسه بحدة وهو يقول مستنكرًا:
-انتي ليه مصره تستفزيني بأسلوبك ده؟
استدارت بنصف جسدها ترفض النظر نحوه أو الإجابة وقالت في قسوة:.
-أنا مش مُلزمه أتكلم معاك أكتر من كده، انت أصريت تشبهني واللي حصل حصل خلاص، يا، يا باشا!
ارتفع طرف فمه في شبة ابتسامة قاسية كي لا ينسى رزانته ويمطرها بوابل من الشتائم الوقحة لأنها تصر على جرح كبريائه والاستهزاء بمركزة دون أي مبرر، فأخبرها ساخرًا:
-أشبهك؟
ليه ركبتي العربية مع قَتْاَل قُتله؟
عادت ترمقه في غل وقالت بنبرة تتقطر بالتهكم:
-يمكن ومين عالم اللي في إيده سلطة بيعمل أيه في خلق ربنا!
-سلطة أيه هو انا رئيس الجمهورية!
وبعدين مهما كانت سلطتي قوية أكيد مش أقوي من سلطة ربنا،
تفتكري لو مشيت أضر في الناس زي ما خيالك المريض مصورلك، السلطة دي هتفدني بأية قدام ربنا؟
-بقولك أيه متعملش نفسك مؤمن أوي انتوا مفترين ومعدومين الضمير أصلًا!
-هما مين دول اللي مفترين يا بنت ال...
عض سليم فوق شفتيه يكبح كلماته القاسية فطبيعة عمله أجبرته على كسب بعض الخصال الحادة في طباعه منها رفض الإهانة بشكل قطعي ولكن
نجمة هي النجمة التي تعتلي عرش قلبه رغم جحودها وقسوتها الغير مبررة نحوه.
قطعت أفكاره عندما التفتت نحوه تلوح بيدها في وجهه مؤكدة:
-شوفت مقدرتش تستحمل كلمة واحدة، وبتسأل مش طيقاك وبكرهك ليه ده أنت جبروت.
أوقف السيارة في حدة والتفت يميل نحوها مجبرًا جسدها على الابتعاد للهرب منه قليلًا في خوف.
انتقلت عيونه كالقناص فوق ملامحها ووجهها المتخضب بحمرة فجائية بسبب قربه، ثم سرق منها شهقة رفيعة عندما مد كفه يلامس معصمها يستشعر نبضاتها الهادرة مع ملمس بشرتها الناعمة بينما كفه الاخر يقبض على جانب عنقها ووجهها في قوة يجبرها على النظر في عينيه بثبات، مستطردً في غموض حاد:
-نجمة بتحبيني ولا لا؟
كانت تنظر له ببلاهة عاجزة عن الرد بل عاجزة عن التنفس وقد اقترب منها لهذه الدرجة لأول مرة ورغم لمسته الخاطئة الغير مقبولة إلا انها لم تقوى على منع مشاعرها نحوه من الانتفاض بكل الزوايا داخل صدرها لكنها تمالكت نفسها بما يكفي لتجيب في ارتباك حاد وعيون مرتعشة:
-قولت لا، الله، هو، هو بالعافية..
أبعدت عيناها عنه تشعر كمن يتعرى من مشاعره بنظراته الثاقبة ثم دفعت كفه عن وجهها.
عادت ابتسامته الجذابة تتسع فوق شفتيه وتنير محياه قبل ان يخبرها في ثقة مخلوطة مع نبرة جفاء أثناء تعديله لجلسته مشغلًا سيارته:
-كل حرف بيطلع منك كدب، انا مش بس ظابط بيشم الكدب من على بُعد ميل أنا واخد دورات لغة جسد كمان فلما تحاولي تكدبي سيطري على جسمك أكتر من كده.
كانت تنظر له بأعين وفم منفرجين يعبران عن ذهولها مما يتفوه به لكنها هتفت في غصب:
-أنت مش طبيعي، لا لا أنت مش طبيعي...
-اه فعلًا، أنا اللي فضلت ألاعبك ٨ شهور، وبعدين جيت قولتلك من غير أي مبرر اني هقطع علاقتي بيكي وكسرت قلبك مش كده؟
أخبرها في تهكم أثناء انشغاله بالطريق، فاعتدلت تزمجر اعتراضها في غرور:
-اولًا كان في مبرر اني مش هرتبط بظابط، ثانيًا أنا ملعبتش بيك احنا كنا مجرد اصحاب مش ذنبي انك فهمت علاقتنا غلط.
توقفا في اشارة المرور فالتفت برأسه يطالعها من اسفلها لأعلاها قبل أن يردف ساخرًا:.
-اه فعلا الحق عليا انا اللي فضلت اشاغلك عشان اوقعك على جدور رقبتك مش كده،
يا شيخه منك لله ده أنا هاين عليا اخزق عنيكي دي بإيدي!
-أنت، أنت إنسان مش محترم وانا ندمانة اني قربت منك في يوم!
قالت
نجمة في غيظ تخفي مشاعر الخجل داخلها، فجاءها رده السريع الحازم:
-ابقي قابليني لو عرفتي تبعدي!
جزت على اسنانها ثم التفتت تنظر للنافذة في غضب عندما تجاهل النظر نحوها تمامًا وملامح الرضا تملئ وجهه فعضت على شفتيها تكبح غيظها ثم عقدت ذراعها أمام صدرها في دفاعية.
أغمضت جفونها تبتلع إحراجها وخجلها الذي سببه بتصريحاته ولعنت ذلك القلب الذي يرفض الانصياع لها ويذوب في تصريحاته الصارمة ويتركها هاربًا نحو ذكريات تتمنى نسيانها.
مطت
نجمة رأسها من باب الغرفة الخاصة بالعروس داخل القاعة واتسعت ابتسامتها وهي ترى العريس يتقدم أصدقاءه متجهًا في حماسة شديدة نحو الغرفة، فسرق انتباهها صوت ضحكة رجولية مشاكسة بطريقة جذابة حولت نظرها لذلك الشاب الذي يجاور صديقه يحاول مواكبة خطواته الحماسية قبل أن يهتف ممازحًا في نبرة مغيظة تستهدف صديقة دون خجل:
-أنت على طول مستعجل كده، رامي أنا مش مرتاحلك، انت هتفضحنا مش كده؟!
حرك العريس كفه بإهمال غير مبالي بكلماته المغيظة أو بضحكات رفاقهم مقتربًا أكثر من الباب فاتسعت أعين
نجمة التي تخلت عن هيامها بذلك الوسيم وابتسامته الجذابة مغلقة الباب بإحكام تمنع دخولهم وهي تلتفت نحو العروس المحاطة بأكثر من شخص ما بين ترتيب ثوبها ووضع أحمر شفاهها:
-يلا بسرعة بسرعة العريس وصل!
صرخت
نجمة بصديقتها العروس داليدا التي قابلتها بصرخة حماسية متجاهلة عامل التزيين الذي يضع بصعوبة لمساته الأخيرة فوق وجهها دون أن يلطخ فستان زفافها الأبيض البراق.
-اوعي تخلي يدخل يا
نجمة لحد ما اجهز.
-عيب عليكي يا أنا يا هو انهارده.
انفتح الباب فاندفعت
نجمة تتمسك بقبضته مطلة برأسها صارخة وسط ضحكاتها:
-ممنوع ممنوع لازم تستنى الفريست لوك.
-يا
نجمة بطلي سخافة عايز أشوف مراتي.
تلك الفتاة الضحوكة المسماة
نجمة اسم يجسد أحلامه حرفيًا اجبرت ابتسامه كبيرة بلهاء على وجه سليم الواقف بجوار صديقه المتذمر والذي يحاول دفع الباب ليدخل لكن
نجمة العنيدة اندفعت للخارج لتمنعه.
توهجت عيون سليم وقد سرقت انفاسه بفستانها الذهبي الملفوف باحترافية حول جسدها الممتلئ نوعًا ما، زم شفتيه وارتفع حاجبه متفاجئ باكتناز خصرها الصغير مقارنةً بما تملكه من مفاتن أسفله.
أغلقت
نجمة الباب في قوة فانتشلته من جموده ثم سندت بجسدها الصغير فوق الباب الخشبي لاويه معصمها للخلف كي تمسك المقبض بأصابعها الرقيقة غير مبالية بأظافرها المنمقة بلون، آآمم، حسنًا هو لا يعلم مسمى هذا اللون الباهت المريب وحقيقةً لا يريد.
حرك سليم رأسه متعجبًا من التفاهة التي تتقاذف داخل أفكاره، ولكنه يميل لذلك حين يتشتت انتباهه وتلك الفتاة نجحت بجدارة في لفت انتباهه بخيوط الشقاوة المنبعثة من عيناها وقد جذبته لها دون أن يدري.
-دي بتهزر يا سليم قولها تدخلني، مش كده!
قطع رامي المزمجر أفكاره وهو يطلب مساعدته، فوجد نفسه يتحدث دون تفكير بصوت شارد:
-ايه يا رامي سيبها براحتها!
شعر بقلبه ينقبض بشعور غريب يجتاحه لأول مرة عندما ارسلت
نجمة ابتسامة واسعة تخصه بها وحده، وزاد تيهه وارتباكه أكثر حين علت الزغاريد وبعض الكلمات التي لم يستوعبها قبل أن تبتعد
نجمة عن الباب سامحة لصديقه بالدخول بحركة مسرحية.
تابع حركة أصابعها وهي تميل للأمام فتحركت عيناه تلقائيًا فوق عودها الملفوف ثم تنحنح مبعدًا أنظاره عن جسدها صعودًا لعينيها ولدهشته كانت الفتاة تطالعه بابتسامة مشاكسة تخبره بأنه تم القبض عليه متلبسًا ونظراته المشتعلة تأكل جسدها الشبيه بجسد الحوريات.
ارتفع حاجبه في ذهول ولكنه ابتسم لها بتروي وقد أثارت جنونه بتلك النظرة المشاغبة التي رمقته بها فأججت نيران رجولته في أعماقه قبل أن تخفض في خجل عيونها المكحلة بطريقة تبرز لون العسل في عينيها.
خرج سليم من صومعة أحلامه الحارة عندما استدارت متجاهلة إياه منضمة للهرج والمرج في الداخل وكأن تلك اللحظة الخاطفة لم تسرق كيان كلاهما.
تنفس بعمق لا يصدق انه يقف في قاعة عُرس صديقه يتصرف كالمراهق تاركًا تلك النجمة التي لم يرى مثيلها مهمة التلاعب بمشاعره، أين الثبات يا باشا؟!
فكر متهكمًا ثم حرك كفه على وجهه يحاول تمالك رباط جأشه والاحتفاظ بابتسامته الواسعة على محياه وهو يقابل العروسان اللذان خرجا بملامح تفصح عن السعادة التي تتملكهما ليبدأ بذلك الاحتفال الكبير.
مر الوقت سريعًا في الاحتفال وكل ما كان يفكر به سليم هو انه يفقد صوابه تدريجيًا فها هو يراقص أصدقائه وعيونه لا تحد عن جسدها حوري الهيئة متابعًا عن كثب تحركات
نجمة التي تتجاهله وترفض عيناها الاعتراف بوجوده وكأنها تتعمد عدم النظر نحوه.
الأمر الذي أثار حنقه وغضبه بشكل غير مبرر، فبالرغم انه مر بعدد ليس قليل من العلاقات النسائية خاصة مع كونه الضابط الذي يجذب بهيئته ومركزه الكثير من الجميلات إلا انه لم يشعر بمثل هذا الشعور الغريب من قبل فهو لا يعرف الفتاة
نجمة من الأساس ومع ذلك يشعر بالامتلاك بل أسوأ هو يشعر بخليط من مشاعر التحدي والرفض بينما يراها لاهيه برقصاتها السخيفة مع صديقاتها بأصواتهم العالية المزعجة.
أقترب سليم من الركن البعيد من حلبة الرقص واندس بين أصدقائه القدامى سامحًا لهم بجره لمشاركتهم المرح بل سامحًا لنفسه بإبعاد تفكيره عنها ولكنه ظل يتلصص بنظراته نحوها كل بضع ثواني حتى التقت أعينهم أخيرًا فوجد نفسه يرسل لها ابتسامه صغيرة عاودتها هي بكل ترحاب ومرة أخرى تسرق أنفاسه وفضوله بتلك النظرات الحارقة قبل ان تستدير بعيدًا عنه.
عضت
نجمة فوق شفتيها لا تصدق أنها نجحت في لفت انتباه الوسيم ذو العيون الرائعة، ثم اتجهت تعانق العروس أثناء ميلها نحوها هامسة في نبرة ممازحة:
-داليدا الف مبروك وكل حاجة بس صاحب جوزك قمر وانتي لازم تخليه يتجوزني هالحين.
ضحكت داليدا وهي تضع شفتيها قرب أذنها قائلة:
-انهي واحد عشان في ماسورة رجالة قمر ضربت قدامي.
-الأسمر الطويل اللي واقف بين رامي والولد الأبيض ده.
-قصدك سليم؟
أيه ده، ده بيبص عليكي!
انفرجت أسارير
نجمة واتسعت عيونها في رضا هامسة:
-يا بركة دعاكي يا أمي بيبص عليا و سليم وانا بعشق الاسم ده،
لا لا جوزونا بسرعة بدل ما أروح أقوله بحبك وافضحكم!
-والله مجنونة، بت ده بجد مش بيشيل عينه من عليكي، انتي عملتيله ايه؟
ضحكت
نجمة بمكر هامسة:
-ده سر الصنعة يا ماما خليكي في جوزك وسيبيني أنا هعرف اجيبه على بوزة.
قطع حديثهم وصله جديدة من الأغاني التي استدعت استعراض العروسين فوقفت
نجمة تصفق بابتسامه سعيدة سامحه للعريس بسحب زوجته ولم تنتبه لذلك الذي جاء بجوارها يطالعها وكأنها أحجية.
شعرت
نجمة بنظرات حارة تخترق جانب وجهها فمالت برأسها تطالع الواقف جانبها لتتقابل عيناها بعينيه البنية وكعادته قابلها بابتسامه رائعة خطفت أنفاسها فارتبكت نظراتها وابعدت عيناها بوجه أحمر عن مرماه.
الان تخجل فكرت ساخرة بينما ارتفع جانب وجه سليم متعجبًا للون القرمزي الذي تملك وجهها في تصريح واضح يعبر عن خجلها فأصبح أكثر تشتتًا بالإشارات المختلفة التي ترسلها إليه.
مر أحدهم بجواره فدفعه مجبرًا إياه على ملامسه كتفه بكتفها فزادت ابتسامته عندما نظرت له باعين متسعة قبل ان تلتفت بارتباك بعيدًا عنه، علت ابتسامه واسعه على وجهه قبل ان يميل قليلًا نحوها ليخبرها:.
-متأسف والله في واحد خبط فيا، مكنتش أقصد.
ارسلت له ابتسامه صغيرة خرجت خجلة رغم رغبتها في رسم المبالاة واجابته:
-حصل خير.
-انا اسمي سليم على فكرة، صاحب العريس.
-وانا
نجمة صاحبة العروسة.
-نجمة، اسمك جميل أوي شبهك يا نجمة.
ضحكت ممتنه قبل ان تخبره بشجاعة تحاول امتهانها:
-اعتبر دي معاكسة؟
ارتفع جانب وجهه في ابتسامه جذابة متعجب للمشاغبة التي تتنقل من عينيها لتستقر داخله فتبهت عليه وهو يؤكد بنبرة أكثر مشاغبة:
-حسب هترضي ترغي معايا بعدها ولا هتنفضيلي؟
وضعت
نجمة يدها فوق فمها تخفي ضحكة عالية قبل ان ترمش بعيونها الواسعة مؤكدة:
-أسفة مش برغي مع شباب معرفهاش.
رمقته بنظرتها المراوغة التي أثارت فضوله نحوها اكثر وأكثر وذهبت بعيدًا وسط صديقاتها ولكنه لم يستلم وتتالت لقاءات الأعين بينهما، فهي تبعث له بابتسامات خجلة تارة ونظرات ماكرة تارة أخرى وكأنها تعلم تمامًا انها أشعلت فتيل فضوله والتحدي داخله.
تااابع اسفل