وفي الطابق العلوي من نفس البناية..
تململت زينــة في فراشهـا وهي تفتح عينيها السمراوتين ببطئ وتغالب نعاسها ، نهضت بتكاسل ثم دلفت إلي المرحاض ومن ثم إرتدت ملابسها البسيطة ثم خرجت لتقول بإيجاز : صباح الخير ..
ردت والدتها السيدة نجلاء : صباح النور يا زينة ، خدي يا حبيبتي هاتي الفطار قبل ما شكري يصحي وبعدين يطين عيشتي !
زفرت زينـة أنفاسهـا بضيق وتابعت : يا ماما أنا عندي جامعة ، أنا مش شغالة عندكم ، قولتلك ميت مرة أنا مبحبش جوزك ده ولا بحب أعمله أي حاجه ..
قالت نجلاء بعتاب : عيب يا زينة ده في مقام أبوكي إتكلمي عنه كويس !
زينـة بحدة : في مقام مين ؟؟ .. ده ولا حاجة بالنسبالي ، بابا مفيش حد زيه لو كان عايش كان رحمني من الي أنا فيه ده !
تأففت نجلاء وقالت بنفاذ صبر :
- طيب خلاص إسكتي ، معلش ناوليني فول وطعمية بس من المطعم عشان مش قادرة أنزل ..
تنهدت زينة بضيق ثم قالت علي مضض : طيب .
إتجهت زينـة خارج المنزل وهي تتمتم بغضب ، بينما قالت نجلاء حانقة : مش عارفة بتكرهيه كده ليه بس !
فصول نوفيلا بين
أحضان الوحش
نوفيلا بين
أحضان الوحش للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول
وقفت الصغيرة علي أطراف أصابعها حتي تستطيع فتح الباب وتدلف إلي غرفة والديها، دلفت بخطوات سريعة حتي وقفت أمام الفراش وهي تبتسم بمرح طفولي، ثم صعدت تداعب وجه أبيها النائم وهي تهمس بخفوت: بابا حبيبي، إصحي بقي إنت وحشتني قوم..
فتح أكرم عينيه وراح يبتسم ل إبنته، ثم تفوه بنعاس وهو يتمطع بتكاسل: حبيبي، صباح الخير يا قلب بابا..
قبلته ندي من وجنته وهي تقول بحماس: تيته بتقولك يلا عشان تفطر وصحي ماما كمان..
زفر أكرم بضيق وهو يقول بنفاذ صبر: ماما مفيش مرة تصحينا هي ولا تعمل فطار زي مخاليق الله حاجة تقرف يا نودي..
وضعت ندي يدها علي فمها بحذر وهي تقول بخوف: شش يا بابا هتسمعك وتقوم تضربنا..
ضحك أكرم وهو ينهض جالسًا بإيجاز ثم جذبها إلي أحضانه وهو يقول بحنان: متخافيش يا حبيبي، متقدرش تضربك ولا حد يقدر يضرب حبيب قلب بابا خالص..
ضحكت بمرح وهي تتعلق بعنقه، بينما قالت بتذمر: أنا عاوزة أروح المدرسة بقي يا بابا هروح إمتي؟
أجابها مبتسما: هتروحي الشهر الجاي يا عيون بابا أنا قدمتلك خلاص وهتروحي مع صحباتك
- هييييه، هتفت الصغيرة بمرح، لتنتفض سها من فراشها قائلة بحدة: ندي إيه صوتك العالي ده مش عارفة إني نايمة؟
رد أكرم مزمجرًا: قومي يا هانم بدل ما تزعقي لبنتك قومي فطريها وشوفي طلباتها زي كل الأمهات مش نيمالي كده ولا علي بالك..
تأففت سها وهي تقول بضيق: هو أنت كل يوم هتسمعني الاسطوانة المشروخة دي يا أكرم، إنت إيه مبتزهقش!
صر أكرم علي أسنانه وتابع بغضب: أنا قايم أفطر، قبل ما أمد إيدي عليكي، تعالي يا ندي..
خرج بصحبة إبنته، تاركا زوجته تستشاط غضبا، لكنها تسطحت مرة أخرى لتستكمل نومها بلا مبالاه..
بينما قال أكرم وهو يمسد علي شعر إبنته: حبيبي روحي أنتي لتيته وأنا هدخل الحمام وجاي ماشي؟
أومأت برأسها وركضت إلي خارج الشقة متوجهه إلي شقة جدتها حيث تقطن جدتها في الشقة المقابلة لهم بنفس الطابق..
وفي الطابق العلوي من نفس البناية..
تململت زينة في فراشها وهي تفتح عينيها السمراوتين ببطئ وتغالب نعاسها، نهضت بتكاسل ثم دلفت إلي المرحاض ومن ثم إرتدت ملابسها البسيطة ثم خرجت لتقول بإيجاز: صباح الخير..
ردت والدتها السيدة نجلاء: صباح النور يا زينة، خدي يا حبيبتي هاتي الفطار قبل ما شكري يصحي وبعدين يطين عيشتي!
زفرت زينة أنفاسها بضيق وتابعت: يا ماما أنا عندي جامعة، أنا مش شغالة عندكم، قولتلك ميت مرة أنا مبحبش جوزك ده ولا بحب أعمله أي حاجه..
قالت نجلاء بعتاب: عيب يا زينة ده في مقام أبوكي إتكلمي عنه كويس!
زينة بحدة: في مقام مين؟، ده ولا حاجة بالنسبالي، بابا مفيش حد زيه لو كان عايش كان رحمني من الي أنا فيه ده!
تأففت نجلاء وقالت بنفاذ صبر:.
- طيب خلاص إسكتي، معلش ناوليني فول وطعمية بس من المطعم عشان مش قادرة أنزل..
تنهدت زينة بضيق ثم قالت علي مضض: طيب.
إتجهت زينة خارج المنزل وهي تتمتم بغضب، بينما قالت نجلاء حانقة: مش عارفة بتكرهيه كده ليه بس!
جلس أكرم يتناول وجبة الإفطار بصحبة إبنته و والدته السيدة نادية..
قالت نادية بإبتسامتها المعتادة: كُل يا حبيبي أنا عملالك البيض بالبسطرمة الي بتحبه..
بادلها أكرم الإبتسامة وهو يقول بهدوء: تسلم ايدك يا ست الكل، ربنا ميحرمنيش منك.
بينما هتفت ندي بمرح طفولي: وأنا يا بابا ربنا مش يحرمك مني صح؟
ضحك أكرم ومال عليها مقبلا جبينها بحنان ثم قال: وأنتي كمان يا قلب بابا من جوه يلا كُلي البسطرمة الي تيته عملتهالك بس نقول إيه الأول..؟
نظرت الصغيرة إلي جدتها وقالت مبتسمه: تسلم إيديكي يا تيته، شكرا علي البسطرمة..
ضحكت السيدة نادية ثم قالت بحنان: بالهنا والشفا يا قلب تيته، ثم تابعت بجدية وهي تنظر إلي ولدها: هي سها لسه نايمة برضو يابني؟
أومأ أكرم بضيق وهو يتناول طعامه، بينما قالت نادية بقلة حيلة: ربنا يهديها يابني!
زفر أكرم بضيق، ثم قال بخفوت: أنا فقدت الأمل فيها يا ماما لولا ندي كان زماني طلقتها وخلصت منها..
نادية بهدوء: معلش يابني أكيد ربنا هيهديها وترجع تحبها زي زمان..
أكرم بحنق: لأ، أنا مش بحبها يا ماما أصلا ولا عمري حبتها وأنتي عارفة وعارفة بحب مين ومين الي معشش في قلبي وهتجوزها يعني هتجوزها..
نادية بتنهيدة: وهي مش هترضي تعيش معايا يا أكرم وكمان هي مش ميلالك يابني
رفع أكرم أحد حاجبيه متابعًا بثقة: مفيش حد ميميلش ل أكرم
الوحش يا أمي! وأنا هعرف إزاي أخليها توافق.
ضحكت نادية بخفوت وتابعت: طيب يا وحش الوحوش إنت كُل وإنزل علي أكل عيشك!
نهض أكرم وهو يمسح فمه بظهر يده قائلًا بإيجاز: ماشي ياماما خلي بالك من ندي..
نهضت الصغيرة تتعلق في ساقه وهي تهتف: هاتلي شكولاته وأنت جاي يا بابا عشان خاطري.
إنحني أكرم بجزعه وهو يقول بجدية: مينفعش شيكولاته يا ندي، إنتي تعبانة يا حبيبتي والشكولاته هتتعبك أكتر تيته هتعمل كيكه
حركت رأسها بإعتراض وقالت بغضب طفولي: لأ مش عاوزة الكيكة الي من غير سكر دي أنا زهقت عاوزة أكُل شكولاته أو أي حاجه حلوه يا بابا مليش دعوه..
أنهت جملتها وبكت وهي تشهق، فتنهد أكرم وراح يجثو علي ركبتيه قائلًا بحنو: ندي حبيبي السكر هيعلي عندك وهتتعبي معلش يا حبيبي إستحملي شوية وإحنا لما نروح للدكتور هقوله إنك عاوزة تاكلي حاجة حلوة بس لازم هو يقول الأول عشان متتعبيش يا حبيبتي ماشي؟
ظلت صامتة وتبكي فقط، فجذبها إلي أحضانه وقال مداعبا: خلاص مفيش ملاهي ولا هوديكي الجنينه لو فضلتي تعيطي كده.
إبتعدت عنه قليلًا وقد توقفت عن البكاء فورا، لتهتف بفرحة: هنروح الملاهي؟
أومأ برأسه مبتسمآ ثم تابع: اه بكرة هنروح بس لو فضلتي تعيطي كده مش هنروح..
مسحت دموعها سريعا ببراءة، ثم قالت بإبتسامة واسعه: خلاص مش بعيط يا بابا
ضحك أكرم ثم قبل وجنتيها بحنان وقال وهو يمسح علي رأسها: طب يلا بقي روحي إغسلي وشك..
أومأت برأسها وركضت في إتجاه المرحاض، بينما قالت نادية بتأثر: ربنا يشفيكي ويعافيكي يا حبيبتي.
رد عليها أكرم بنبرة حزينة: صعبانة عليا أوي يا ماما، دي طفلة ومحرومة من حاجات كتير مش عارف إزاي طفلة صغيرة كده وعندها السكر!
قالت نادية بعتاب: لأ يابني متقولش كده ده أمر ربنا ولازم نقول الحمدلله إستغفر ربك يا أكرم
أكرم متنهدا: أستغفر الله العظيم، الحمدلله علي كل حال، يلا أنا نازل علي أكل عيشي يا امي خلي بالك من ندي..
أنهي كلامه وخرج من الشقة هابطا الدرج بينما رفعت نادية يديها للسماء تدعو له من داخل قلبها ؛: ربنا يرزقك من أوسع أبوابه ويحبب فيك خلقه يا أكرم يا إبن نادية..
إشترت زينة الطعام الذي طلبته أمها، ثم سارت خارجة من المطعم الشعبي ذاك وسط معاكسات بعض الشباب لها، بينما هي تتأفف بضيق شديد وهي ترمقهم بغضب..
سمعت صوته الجهوري وهو يصيح بهم: جري إيه يا شحط منك ليه، مش مكسوف علي دمك ياض إنت وهو وأنتوا بتعاكسوا بنات حتتكم؟
وقفت زينة تنظر له وإلي ملامحه الصارمة وهو يتحدث مع الشباب بجدية تامة، بينما قال أحدهم بهدوء: آسفين يا وحش، بس أصل البت حلوة شويتين!
جذبه أكرم من تلابيبه وعينيه تتوهج غضبا: إخرس! كلمة زيادة وهقل منك أنت وهو!
قال الآخير محاولا تهدئته: يا كبير هنخرس إهدي أنت بس وكل شئ هيبقي زي الفل.
تركه أكرم بعد أن رمقه بنظرات نارية، ثم سار متجها إلي زينة قائلًا بجدية: لمؤاخذة يا زينة البنات، أوعدك محدش هيضايقك تاني ولو حد ضايقك عرفيني بس وأنا أكسرلك صف سنانه الفوقاني والتحتاني!
رفعت زينة أحد حاجباها قائلة بعنفوان أنثي: وبصفتك إيه بقي يا أخ أكرم؟ علي فكرة أنا أقدر أدافع عن نفسي كويس أوي ومش محتاجة لحضرتك أبدا وياريت بعد كده متدخلش في الي ميخصكش!
رمقها أكرم بنظرات حادة ومغتاظة، ليقول بثبات: بصفتي إبن حتتك يا آنسة زينة وبصفتي وحش المنطقة وبصفتي إن الكبير قبل الصغير بيعملي ألف حساب!، صمت قليلًا ثم تابع بخفوت: وبعدين أنتي في القلب ومعششه يا زينة البنات مش ناوية تحني عليا بقي؟
لوت فمها بتهكم ثم سارت مبتعدة عنه بعد أن نظرت له ساخرة، لكنه لم يهتم وإبتسم قائلًا بخفوت وهو يمسح علي رأسه: هتحني يعني هتحني، ومبقاش أكرم
الوحش أما وقعتك في حبي يا زينة البنات..
أنهي حديثه الخافت وراح يسير في إتجاه ورشة الحدادة الخاصة به حيث أنه يعمل حداد في هذه المنطقة الشعبية، وتسمي ورشة
الوحش للحدادة وسُمي أكرم بهذا الإسم نظرًا لأنه قوي البنيه طويل القامة بملامح مصريه ورجولية بحتة لا يخشي أحدا سوي خالقه لا يترك حقه ولا يتهاون في الخطأ ودائما يسترد حقه بالقوة..
صعدت زينة ومعها الطعام، دلفت لتقول بإيجاز: إتفضلي، ثم إتجهت إلي غرفتها جاذبة حقيبتها بسرعة ثم عادت تتجه إلى الباب، بينما هتف شكري الذي خرج من غرفته بغضب: حضرتيلنا الفطار يابت أنتي؟
عقدت زينة حاجبيها وهي تهتف بغضب: بت! ما تحترم نفسك!
صاح شكري بنبرة حادة: ما تلمي نفسك يا بت هو محدش مالي عينك ولا إيه؟!
قالت زينة مشمئزة: أنت متكلمنيش كده ولا تعلي صوتك عليا أبدا!
إتسعت عيناه بغضب ناري، ليقترب منها صافعا إياها بقسوة جعلها تهبط أرضا من شدة قوتها!..
إنهمرت العبرات من عيني زينة التي وقعت علي الأرض آثر صفعة زوج أمها لها، بينما إستمر شكري في سبها بألفاظه البذيئة، ف تحاملت زينة علي نفسها ونهضت وهي تقول من بين شهقاتها: أنا بكرهك.
حاول صفعها مرة أخري بشراسة إلا إنها ركضت خارجة من المنزل والدنيا ظلام أمام عينيها ولم تري أمامها من كثرة دموعها.
خرجت من مدخل البناية وكادت أن تصطدم في العربة الصغيرة التي تسمي ب (التوكتوك ) لتشعر بذراعه القوي يجذبها ويسقط بها علي الأرض.
لتنهض هي بسرعة شديدة وهي تصيح به وكأنها تفرغ شحنة الغضب التي بداخلها: أنت متخلف إيه الي عملته ده!
صاح بها أكرم هو الآخر بحدة: أنا برضو الي متخلف؟ أنتي الي ماشية ولا شايفة قدامك الحق عليا إني أنقذتك! ده انتي عايزة قطع لسانك الطويل ده.
رمقته بنظرات حادة ثم إنحنت تنظف ملابسها ولا تزال تبكي بألم، فقال أكرم بشئ من القلق: إنتي كويسة..؟
لم تجيب عليه إنما سارت بصمت وهي تمسح دموعها، فتنهد أكرم بثقل وهو يقول محدثا نفسه بخفوت: الصبر جميل يا زينة البنات، بكرة تعقلي وترحمي نفسك من الهم الي عايشة فيه ومكانك يبقي في حضني أنا وبس!
تاااابع اسفل