نوفيلا حطام فريدة بقلم زينب محمد و آية عبد العليم الفصل الخامس
جلست أمام البحر وخصلات شعرها المتمردة تتطاير بقوة بفعل الهواء الذي لفح وجهها، فجعلها تشعر برجفة قوية رغم حرارة الجو المرتفعة، تأملت المياه وشردت بذهنها إلى ما حدث منذ يومين...
( فلاش باك) هتفت بتعب وعيون زائغة: خلاص يا تيتة بطلي عياط صدقيني أنا كويسة. ربتت نبيلة على يد والدتها قائلة: خلاص ياماما، الحمد لله عدت على خير. أشارت سميرة إلى القابعة بتعب في فراشها ووجها شاحب اللون: مش شايفة وشها عامل إزاي وتعبانة. تحدث رأفت بنبرة رخيمة: زمان خالد جاي دلوقتي وجايب دوا.
وعند ذكر اسمه انقبض قلبها، وتجمدت أنفاسها، تريد أن تبتعد عنه وعن أي شئ يخصه حتى تشفى جراحها التي تنزف كلما ذكر اسمه أو لمحت طيفه، رأته يتقدم إلى داخل الغرفة بهيبته التي مازالت تؤثر على قلبها وتجعله راضخ له في أي وقت، وضع الدواء على فراشها بإهمال قائلًا: الدوا أهو خدي بقى عشان متتعبيش، وياريت متعكيش في الأكل تاني، مش ناقصين خضة.
رمقته بغضب وحزن في آن واحد، فتجاهل نظراتها وأخرج هاتفهه يتابع شئ ما به، شعرت بنيران تتصاعد بداخلها وتلتهم قلبها وصدرها معًا، فخرج صوتها مهزوز:. تيتة كنت عاوزة أقولك حاجة، وياريت متزعليش. قالت سميرة بسرعة: قولي يا حبيبتي. أغمضت عينيها قليلًا تحاول إيجاد كلمات مناسبة لما ستقوله، فهي تعلم أن ما ستقدم على فعله سيسبب الحزن لجدتها، فتحت عينيها بعد دقائق وهي تقول: أنا هاروح لأهل بابا أقعد معاهم شوية وبالمرة أغير جو.
لم يكن صوت جدتها المعترض بل هو، خرج اعتراضه بقوة وعيناه تنطلق منها شرارت غضب قائلًا: لأ طبعا مفيش روحة في مكان، أنتي اتجنتتي ولا إيه. كادت أن تتحدث لولا صوت جدتها وهي تقول مستفسرة: اتجننت ليه يا خالد، هما مش حقهم بردو تروح وتطمن عليهم ويطمنوا عليها، كفاية إنها مقضتش الإجازة معاهم. هز رأسه برفض قاطع قائلًا بغضب: لأ أنا لايمكن أسمح بحاجة زي دي، كلهم هناك ولاد، ومينفعش تقعد في وسطهم، وكمان أنتي ناسية عمار عاوز يتجوزها نقوم احنا نخليها تروح.
هذه المرة كان رأفت المتحدث: أنت مالكش حكم عليها يا خالد، أنت ولا جوزها ولا خطيبها ولا حتى أخوها، أنت حيالله ابن خالتها، هى حرة في قرارها. ارتفع صوته قليلًا قائلًا بحدة وعروق وجهه تنتفض بغضب: يعني إيه ماليش حكم عليها دي، من صغرها وأنا ليا حكم عليها، أنا قولت مفيش روحه وبعدين ركزي في دراستك وبطلي جنان كليتك صعبة.
تحدثت أخيرًا ولكن خرج صوتها به نبرة تحدٍ قوية: لا هاروح، أنت فعلًا يا خالد مالكش حكم عليا في حاجة، ودول أهلي زي ما أنتوا أهلي بردو، وهما وحشوني عاوزة أقضي معاهم كام يوم قبل الامتحانات... وقبل أن يتحدث ويتحداها كانت هى منهية الحديث بفظاظة لم يعتادوا أن تخرج منها: معلش بقى عاوزة أريح شوية قبل ما أسافر، عمار جاي الصبح ياخدني.
تفاجئوا جميعًا بأنها تحدثت مع عمار ولكن في الأصل كانت تكذب حتى تثير غضب ذلك المعتوة أكثر، خرجوا جميعًا دون أن يتفوه أحدهم بكلمة، ماعدا خالد الذي كان ينظر لها بحنق وتوعد على ما فعلته وخصوصًا أنها تحدثت مع ذلك العمار، فهو يبغضه ولا يطيقه، تجاهلت نظراته بإطفائها للاضاءة ودثرت نفسها جيدًا تحت الغطاء وسمحت لدموعها الحبيسة أن تهبط بصمت على وجنيتها، تأكدت من خروجه عندما سمعته يتجادل مع جدتها ووالده بحدة في الخارج، أمسكت هاتفها وأجرت اتصال بابن عمها تطلب منه أن يأتى ويأخذها في الصباح وكما توقعت قبل اتصالها لهفته في الرد عليها وسعادته الكبيرة بقرارها، مؤكدًا أنه سيكون في الموعد المحدد أمامها، ابتسمت بحزن على سذاجتها لقد تركت حب حقيقي يتلهف لرؤيتها أو حتى سماع صوتها، وركضت خلف سراب... فاقت من شرودها على يد أمامها تلوح بقوة ...انتبهت له فما كان إلا ابن عمها عمار، الذي منذ مجيئها لا يفارقها أبدًا، قائلًا بحب وابتسامة على وجهه: سرحانة في إيه فريدة.
أرسلت له ابتسامة صافية وقالت: في البحر، البحر حلو أوي يا عمار. بعد أن كان جاثٍ على ركبتيه أمامها اعتدل وجلس بجانبه ونظر للمياه بحب قائلًا بنبرة تحمل حزن: كان ممكن تعيشي قدامه عمرك كله، بس أنتي اختريتي البعد اخترتي القاهرة. التفتت له وقالت مبررة: أنا اخترت هناك عشان تيتة لوحدها ومتعلقه بيا وأنا كمان روحي فيها. وقبل أن تكمل حديثها، قطعه هو بنبرة قوية: روحك فيها، ولا في حد تاني.
تصاعدت الدماء لوجنيتها، فالأول مرة يتحدث معها عمار بتلك الجرأة وأيضًا بتلك النبرة، كادت تتحدث متلعثمة كاذبة، ولكنها صمتت لبرهة وهي تنظر له وتقرأ ما في عينيه، فوجدت نفسها تقول: كانت روحي فيه، بس خلاص فوقت لنفسي، وعرفت قيمتي عنده، وعرفت قيمتي عند نفسي، فوقت يا عمار، متخافش. لم تتخيل أن تصل سعادته لهذا الحد عندما تفوهت بذلك الاعتراف، فوجدته يجذب يديها ويقبلها برقة قائلًا بحب: أيوة كدة فوقي واعرفي إنك غالية أوي يا فريدة، أنا كنت هاموت وأنا شايف الحب في عنيكي لحد مايستاهلش ولا مقدره، فوقي بقى واعرفي مين عنده يبيع الدنيا كلها عشانك، وعشان يشوف ضحكة تنور عيونك ووشك...
على جانب آخر ليس ببعيد عن فريدة وعمار، كان يقف كلًا من خالد وأدهم يتابعان فريدة بصمت، وما إن رأى خالد يد فريدة التي كان يقبلها عمار بأريحية، حتى تصاعدت شرارات الغضب بداخله، فتقدم منهم، وهو عازم أن يفصل رأس ذلك الأبلة عن جسده، كيف له أن يتجرأ ويمسك يديها بتلك الأريحية، والأدهى من ذلك يقبلها أيضًا، عارض طريقه جسد صديقه القوي وهو يدفعه للخلف قائلًا بحسم: أنت رايح فين يا خالد.
حاول خالد أن يبعده عن طريقه قائلًا بخشونة: اوعى من وشي ماشوف الزفتة دي إزاي تسمحله يمسك إيدها بالشكل ده. تحدث أدهم مستنكرًا من حديث صديقه: وفيها إيه هو مش ابن عمها، زي ما أنت ابن خالتها،وبتمسك إيديها عادي. رفع خالد أحد حاجبيه ليقول بحزم: أنا غيره يا أدهم، أنا غيره، فاهم ولا لأ. هز أدهم رأسه بنفي ليقول بنبرة تحمل السخرية: لا مش فاهم الصراحة، أنت يابني ولا خطيبها ولا حتى حبيبها عشان تتحكم فيها كدة.
حاول خالد أن يبعده عنه ليقول بغضب: طب ابعد من وشي، مدام أنت مش فاهم حاجة. أوقفه أدهم مرة أخرى بسؤاله الجاد: خالد، فريدة بالنسبالك إيه، أنت بتحبها زي ماهي بتحبك. هرب خالد بنظراته من صديقه والتزم الصمت، فعاد أدهم وسأله مجددًا: خالد رد عليا، أنت بتحب فريدة ولا لأ؟! تحدث خالد ليجيبه: آه طبعا بحبها أومال بكرها. زفر أدهم بحنق وقال: أنت فاهم كلامي كويس يا خالد، وبلاش تحور عليا.
نظر خالد للأسفل وخرج صوته حائرًا: مش عارف صدقني، كل اللي أنا عاوزه إنها تيجي معايا وبس. ابتسم أدهم وقال باستنكار: مش عارف!، أنا أقولك يا صاحبي أنت اتعودت إن فريدة تجري وراك، واتعودت إنك تمتلكها، وده اللى جبنا هنا، التملك، أنت عاوزها ترجع عشان تفرض شخصيتك عليها تاني. كاد أن يتحدث لولا صوت فريدة المتعجب: خالد أنت بتعمل إيه هنا!. التفت أدهم لها وتحدث بعتاب: خالد بيعمل إيه هنا، وأنا كويس جوافة يا ست فريدة.
قهقهت بخفة لتقول بابتسامة واسعة: لا طبعًا، أنت الخير والبركة. صمتت لبرهة لتعود وتتحدث ببلاهة: اوعى يكون البت نهال بعتتك هنا عشان تجبني، أنا كنت هاجي لوحدي النهاردة بليل، كنت هاخلي عمار يوصلني. صدم عمار من قرارها المفاجئ ليتحدث بعبوس: أنتي راجعة النهاردة احنا ملحقناش نشبع منك. التفتت له لتتحدث مبررة قرارها: جدتي وحشتنى يا عمار، متعودتش أبعد عنها، وبعدين أنت ناسي امتحاناتي على الأبواب ولازم أركز في الدراسة شوية... صمتت لتستشف مدى تأثير حديثها عليه، فوجدته مازال عابس، أمسكت يديه تتحدث برجاء ألا يحزن بسبب قرارها: عشان خاطري متزعلش مني، وعد هاجي في إجازة نص سنة وهاقضيها كلها معاكوا.
ربت عمار على يديها بحب وقال: ماشي يا ديدي هاستناكي. كاد أن يخرج من فمه قذائف في وجه ذلك الأبلة، ولكنه تماسك لآخر لحظة وقام بجذب يديها بسرعة: طب يالا عشان نجيب حاجتك ونروح. جذبت يديها بقوة وتحدثت: أنا قولت هاروح مع عمار بليل، زي ما جيت روح تاني. اقترب منها وعروق وجهه تنتفض بغضب من لهجتها تلك، كيف لها أن تتجرأ وتتحدث معه هكذا: أنتي اتجننت..
قطع حديثه يد عمار التب دفعته بعيدًا عنها قائلًا بخشونة: في إيه هي قالت إيه غلط عشان تزعقلها كدة، أنا زي ما جبتها هاروحها، يالا يا فريدة. نظرت لخالد بقوة وتحدٍ في آن واحد، وأرسلت له نظرة أخيرة قبل أن تتحرك وكأنها تقول لها، انتهت تلك الساذجة على يدك أيها المعتوه!، تقدمت مع عمار متجاهلة نظرات خالد الحانقة والغاضبة، التفت لصديقه فوجده ينظر لها بإعجاب عما فعلته فقال بزعق: أنت بتضحك عشان كلمتني كدة يا أدهم، مبسوط منها، والله لأربيها لما ترجع.
ابتسم أدهم باستنكار ثم قال: مظنش يا خالد، فريدة القديمة ماتت، وظهرت مكانها واحدة تانية، واحدة لسه هنتعرف عليها واحدة، واحدة، استعد بقى... التفت هو الآخر ليذهب صوب سيارته وبداخله سعادة بتغيرها البسيط، فحان الوقت أن تربي خالد وتذيقه ما أذاقه لها على مدار كل تلك السنوات!. أما خالد فكان يقف مصدومًا منها أولًا ومن صديقه ثانيًا...هز رأسه برفض ليقول لنفسه: قال تربيني قال، ماشي يا فريدة هتشوفي اللي عمرك ما شوفتيه!.
ذهبت معه تريد أن تلتف وتراه ولكن قلبها يوبخها بشدة يقول لها أن تبتعد عمن يؤلمها وتقترب لمن يريدها ويحبها لمن يتمنى فقط أن تحبه ربع مقدار حبه لها وضعت كفيها على عنقها تخلع سلسال فضي محفور به اسمه، كورت كفها عليه لثوانٍ ثم ألقت به بقوة وسط الأمواج ومع ارتطامه كانت آخر لحظة تردد وقهر لقلبها، قبضت على يد عمار وقررت أن تمنح لقلبها معه الفرصة لعلها تراه غير أخيها وتختفي هي وهو تحت أنظاره هناك بجوار صديقه ولأول مرة يشعر بالوجع والخسارة وأتت الرياح بما لا تشتهيه سفنه وانسدل الستار هنا بيننا ولم ينسدل هناك بينهم فالطريق طويل جداً قد يصل إلى ما لا نهاية.
نوفيلا حطام فريدة بقلم زينب محمد و آية عبد العليم الفصل السادس
بعد مرور أربعة شهور..
حزم حقيبته بضيق واضح على ملامحه، وضعها بإهمال جانب الغرفة ثم تقدم للنافذة يحاول فيها تنظيم أنفاسه الهائجة، لم يكن ينوي قطع عمله لولا إلحاح صديقه عليه بسبب عقد قرانه على حبيبته وطفلته نهال، اندفع الباب بقوة ... _ إيه ياعم خالد، خلصت. التفت بنصف جسده قائلًا بنبرة رخيمة: آه وأنت. تقدم منه أدهم بملامح سعيدة، وابتسامة تعلو ثغره قائلًا: آه هاروح أجهز العربية لغاية ما تيجي، عارفك لازم تمم على المعسكر قبل ما تمشي. هز خالد رأسه وهو يحاول أن يخرج ابتسامته ولكن فشل كعادته منذ مجيئه بعد آخر إجازة له، خرج أدهم وعاد خالد ينظر من النافذة يتذكر كلمات مذقت قلبه إلى أشلاء...
فلاش باك... اقترب من غرفة صديقه بالمعسكر حتى يبوخه كالعادة بسبب تأخيره..فوصل إلى مسامعه صوت أدهم الغاضب... _ مش قصة هى يا نهال، بس حقيقي اضايقت من فريدة، أنا أصلًا مبرتحش لعمار ده... كاد يدلف له ولكنه امتنع في آخر لحظة ووقف على أعتاب باب غرفة صديقه وساعده في ذلك تلك الفتحة التي كانت تساعده في رؤيه صديقه وهو يتحدث في هاتفه.. _ لا مش عشان خالد والله، بس مش عارف بقى، ولا يمكن عشان خالد، المهم يعني واد بيجيلها كتير. انتظر يسمع حديثها أما الآخر كان يود أن يأخذ منه الهاتف ويسمع ما يجري من خلفه، فعاد أدهم يتحدث بضيق: طيب، والله لو في خير ليها يبقى على البركة، فريدة تستاهل كل خير طبعًا.
أغلق عينيه بقوة وعروق وجهه تنتفض بغضب مما يسمعه، وعاد عقله يعصف به من كثره الأسئله، ماذا يعنى حديث صديقه، هل وافقت عليه، ماذا تخبئ عنه أمه ووالده، لما يمتنعان عن ذكر اسمها كالسابق، فتح عينيه وكانت كجمرتين من النار إن طالت أحدهم لأحرقته، الإجابة واضحة، فريدة وعمار معًا، جز على أسنانه بعنف وهو يتقدم نحو غرفته وأغلق الباب خلفه، ثم انحنى بجذعه إلى الأسفل وضغط بيديه على ركبتيه.
حاول تهدئة ضربات قلبه التي تطرق بقوة داخل صدره،حاول التنفس، ضربات قلبه ستكسر قفصه الصدرى من شدة نبضها، اعتدل في وقفته وقام بالتحرك في الغرفة هنا وهنا بغير هدً، حتى اقترب من خزانته وقام بالضرب عليها بيديه بقوة، وهو يغمغم: ماشي يا فريدة، عاوزة تكسريني، والله لأكسرك قبلها... انتبه إلى طرق الباب، فتقدم بملامح غاضبة: في إيه!. تراجع أدهم عدة خطوات بعدما رأى ملامحه وهتف بتساؤل: أنت اللي في إيه، بتخبط في إيه جوا. أغلق الباب خلفه بعنف وهو يتقدم خارج المعسكر قائلًا بقوة: مالكش فيه.. ( عوودة).
انتبه على رنين هاتفه، فعلم أنه صديقه يحثه على المجيئ، غادر غرفته بل غادر المعسكر بنفس ملامحه الوجمة، واستقل سيارة صديقه وهو ينظر للاشئ يفكر بها وما سيفلعه وأثره عليها، لاحت على ثغره ابتسامة خبيثة وخرجت من صدره تنهيدة قوية!.
أما فريدة كانت تنتقل بالمول بجانب صديقتها وهي تنظر لتلك الفساتين بحالمية شديدة، تابعت بعينيها صديقتها وهي تقف بجانب كل فستان على حدى متنقلة بينهم برشاقة.. _ ده يايدي، ولا ده، لا لا ده. ابتسمت فريدة بحب لتقول: كلهم حلوين، وكلهم هايبقوا عليكي قمر يا قلبي. أرسلت لها صديقتها قبلة في الهواء وهي تشير لقلبها: قلبي أنتي والله. أشارت لها فريدة على فستان كشيميري: ده هيبقى عليكي حلو أوي ومناسب لكتب الكتاب. التفتت له وهي تنظر له بإعجاب قائلة: آه، هاخده أقيسه. تقدمت منه وهي تشير للبائعة عليه قائلة: عاوزة ده أقيسه.
ثم اسطردت وهي تشير لفستان أحمر كناري: وده عشان صاحبتي تقيسه. التفتت إليها فريدة بصدمة وقالت: لا يا نهال مش هالبس فساتين ده كتب كتابك أنتي، أنا هالبس أي حاجة. هزت الأخرى رأسها برفض قاطع وهي تقول بلهجة حاسمة: لا هاتقيس، وهاتلبسي فستان، أولًا ياهانم كتب الكتاب هانعمله في قاعة هو والشبكة، عشان أدهم قالي بحق فلوس الفرح نسافر نتفسح بيها، يبقى امتى بقى هاتلبسي فستان...والله يافريدة لو ما ريحتيني لأزعل منك.
ثم مطت شفتيها كالأطفال بحزن مصطتنع وقالت: يعني عاوزني أزعل منك، وتبوظي خطوبتي بكرة. أخذت الفستان من البائعة على مضض وهي تتقدم من غرفة تبديل ملابس: حاضر يا نهال هانم، ناقص تقوليلي اعمليلي فقرة رقص بكرة. تحدثت نهال بخفوت مع نفسها: وماله،ده أنا هاولعها بكرة...اصبري بس يا ديدي، دور ست الجادة اللي أنتي واخداه بقالك كتير ده هاينهار بكرة..
تعجب خالد عندما وقف صديقه بسيارته أمام المول فالتفت له ليقول: إيه ده، أنت عاوز حاجة من هنا، طب وصلني الأول مش قادر عاوز أروح. خلع أدهم نظارته الشمسية وقال: لا ده نهال وفريدة هنا، بيجيبوا فستانين للخطوبة بكرة، قولتلها نستنى نجبهم معانا بالمرة. لم يشغل باله أي شئ سوى أنها ستردي فستان، فقال ببلاهة: فريدة هاتلبس فستان!. ابتسم أدهم بمشاكسة وقال: آه مش خطوبتي وكتب كتابي يا جدع، تلبس متلبسش ليه، أنا نازل أجيبهم تيجي معايا.، ولا أقولك خليك أنت. وقبل أن يهبط أدهم كان خالد يسبقه وهبط بهيبته وبدلته العسكرية وهو يتقدم نحو المول، أما أدهم فوقف متعجبًا من سرعته، سار بجانبه وهو يقول: هدي من مشيتك، أنت عارف هما فين!.
توقف خالد وهو يعقد ذراعيه أمامه بضجر: فين يا أدهم اخلص. أشار له أدهم نحو الدور الثاني وهو يقول: في محل أيس كريم هنا. وصلا إلى هناك ورآها أخيرًا جالسة تلتهم المثلجات بنهم واضح وابتسامة سعيدة على وجهها،مهلًا!، سعيدة!، منذ متى وكانت فريدة سعيدة في غيابه!، زفر بحنق على نفسه وتفكيره المستمر بها حتى وهى أمامه، تقدم منها بخطى واثقة، فرفعت عينيها لتقابل عينيه...
رجفة قوية سارت بجسدها وإحساس قوي يهاجمها وعلى الفور طردته من داخلها بابتسامة مشرقة وهى تحول بصرها نحو أدهم: إزيك يا دومة. جذب أدهم أحد الكراسي وهو يأخذ الملعقة من يد نهال: بلاش دومة، عشان ملبسش الأيس كريم في خدودك. فلتت منها ضحكة عالية وهي تضع يديها على فمها، أما هو فرفع أحد حاجبيه قائلا: والله!.. رفعت عينيها مرة أخرى وقالت بنبرة باردة: ما تقعد يا خالد، واقف ليه!.
حدجها بشراسة، ثانية أخرى وسوف ينقض عليها تلك الباردة، حاول تهدئة نفسه قائلًا بخفوت: إنها الجولة الأولى يا خالد، اهدأ، حتى لا تخسر أمامها!. حرك عينيه بعيدًا عنها فوقع على زوج من العيون يتفحص جسدها بقوة، وهو يضغط بأسنانه على شفته السفلى، ارتفعت لديه وتيرة الغضب من ذلك الوقح، لم يمهل لنفسه التفكير بل تقدم منه وضرب الطاولة بيديه قائلًا بخشونه: عينك عشان مصفيهاش ياحيلتها!..
وضعت ساقًا على ساق وهي تستمتع بمشاجرته مع ذلك الوقح وأدهم يحاول تهدئته..أنهى أدهم ذلك الشجار، وهو يشاور لنهال وفريدة كى يخرجا من المول..امتثلوا لأمره ووقفوا استقلوا السيارة معًا، فهمست نهال بتعجب: أنتي مبسوطة كدة ليه، غريبة أوي. التفت لها فريدة وهي تقول بمكر: هو اللى غريب يانونو. حاولت نهال بصرها نحو أدهم الذي يحاول تهدئة صديقه: زمان لما كان خالد بيتخانق مع حد عشان خاطرك كنتي بتفضلي تعيطي خايفة عليه ومنه عشان هيزعقلك، دلوقتي حساكي مش فارق.
هزت رأسها بخفة وهي تخرج هاتفها من حقيبتها وقالت: زمان، فعل ماضي، أما دلوقتي أنا ولا خايفة عليه ولا خايفة منه. استقل السيارة بجانب صديقه، ونظر في المرآة وجدها تتابع شئ ما في هاتفها وابتسامة كبيرة تعلو ثغرها، الصبر يا فريدة، فلا تختبري صبري لاكثر من ذلك، فحتما أن نفذ صبري لن اتردد بقتلك، أعدك بذلك !...
وصلا أمام المنزل فترجلت من السيارة بسرعة وهي تصعد الدرج بخفة ورشاقة وهو خلفها منتظر اللحظة الحاسمة حتى ينفث بها غضبه ويخرج ما بداخله، ولكن قطعت هي تلك اللحظة بإغلاقها لباب بقوة في وجهه!.
دلف غرفته وهو يلقي بحقيبته على فراشه ثم رفع بصره وحدث نفسه في المرآة: قفلت الباب في وشي، فريدة قفلت الباب في وشي!، وأنا سكتلها، طب والله لأنزل أربيها!. غادر غرفته مرة أخرى بل الشقة بأكملها ولم يستمع إلى صياح والدته، هبط الدرج بسرعة وطرق الباب بقوة، ففتحت له الباب بعد ثوانٍ وهي تتحدث في الهاتف: ماشي يا عمار هاستناك بكرة، مش هتحرك إلا لما تيجى..سلام. أغلقت الهاتف وقامت بوضعه في جيب بنطالها وصاحت بأعلى صوتها تحت نظراته المصدومة: تيته، خالد جه، وعاوز يشوفك.
كادت أن تتحرك نحو غرفتها لولا يده، التى أوقفتها عنوة ليقول بنبرة خشنة قوية: أنتي بتقولي لمين بالظبط هتستنيه بكرة!. نفضت يده سريعًا بقوه وقالت بتحدٍ واضح على ملامحها: بكلم عمار، عشان يجي خطوبة نهال بكرة. زعق بها وقال: وأنتي تعزميه ليه أصلًا. وقفت بالند له وقالت بصوتٍ مرتفع: وأنت مالك أصلًا. هتف بصوتٍ جهوري هز أرجاء الشقة: فريدة. وقبل أن تتحدث كانت جدتها هي المتحدثة بلهجة قوية: فريدة مالها يا خالد التفت لجدته وقال بنبرة حاول أن تكون هادئة ولكن خرجت حادة بعض الشئ: الهانم عازمة عمار الزفت على خطوبة نهال وأدهم. جلست الجدة بهدوء وقالت: وماله يابني، أنا أصلًا اللى عازماه مش هي!.
خرجت من صوته باعتراض شديد: نعم!. تجاهلت اعتراضه ونظرت لفريدة لتقول: يالا يا ديدي ادخلي قيسي الفستان أشوفه عليكي!. ثم التفتت لأدهم بابتسامة باردة: وأنت يا ابني اطلع فوق يالا غير هدومك زمانك تعبان، يالا يا حبيبي. أشارت له على باب منزل ولم يتخلَّ ثغرها عن تلك الابتسامة الباردة التي كادت أن تصيبه بجلطة وتنهي حياته.. صعد شقته فقابل والده أمامه:. _ إيه يابني صوتك كان عالي تحت ليه!. أجابه بنبرة غاضبة: من المهزلة اللي الست فريدة عاملاها!.
نظر رأفت لزوجته بدهشة: مهزلة إيه!، مالها فريدة. رفعت كتفيها بتعجب، فتحدث هو: الهانم عازمة عمار الزفت على خطوبة أدهم ونهال. تحدثت والدته ببرود: وماله يابني،هو مش ابن عمها!.. اقترب منهما وهو يجز على أسنانه بعنف: لا بقولكوا إيه، أنا على أخري ومش طايق نفسي، البرود اللي كلكوا متبعينوا معايا ده، أنا وربنا على أخري وهانفجر فيكوا... دلف غرفته وهو يغلق الباب بعنف، أما هما فابتسما بسعادة على غضبه وتقدم كلًا منهما ينجز ما في يده، أما هو فرمى بنفسه على فراشه وهو يخرج تنهيده قوية من صدره متأملًا في سقف الغرفة، متخذًا قرار في تغيير خطته، فمن الواضح أن والديه وجدته في صفها أيضًا!.، الصبر يا فريدة،أتريدين النهاية يا فريدتي، هكذا ستكون النهاية، ولكن لها شرف إمضائي وليس إمضائك أنت..هكذا حدث نفسه بغروره المعتاد.
نوفيلا حطام فريدة بقلم زينب محمد و آية عبد العليم الفصل السابع
وداع يا دنيا وداع على اللي باع ومكملشي، الحياة لو بيك أو من غيرك دي هاتمشي. كانت تلوح بيديها في الهواء وتتمايل بجسدها برشاقة وخفة وهى تدندن مع أصدقائها على كلمات الأغنية التي رغم بساطة كلماتها إلا أنها وصفت حالها بالتحديد. أما هو فكان يجلس مع والديه وجدته على طاولة ليست ببعيدة عن موقعها فكان يشاهدها بهدوء وعلى وجهه علامات امتعاض وغضب مما تفعله ومن ذلك الفستان اللعين ذو اللون الأحمر الذى أبرز جمال جسدها ومنيحاته ببراعة..زفر للمرة الألف وهو يتابعها بعينيه التي تشبه الصقر في حدته وهى تتمايل بأريحية وابتسامة كبيرة على وجهها، استفاق من تأمله على لكزات والدته، فانحنى بجسده ناحيتها يحاول أن يسترق السمع لما تقوله بسبب ارتفاع صوت المكبر بطريقه مستفزة.
_ ما تقوم يابني ترقص مع أدهم بدل ما أنت قاعد متخشب كدة. التوى جانب فمه بتهكم واضح قائلًا وهو يشير على فريدة بسخرية: وأرقص ليه ما كفاية فريدة هانم قايمة بالواجب وزيادة. امتعض وجه والدته لتقول برجاء: خالد بالله عليك، مش ناقصين نكد، سيبها براحتها. رفع كلتا يديه قائلًا: منا سايبها براحتها...
ثم اسطرد حديثه بشر: بس والله لأعلمها الأدب لما نروح، على المسخرة دي. لاحظ ابتسامة والدته ونظراتها مصوبة في اتجاه ما، حول بصره هو الآخر وجدها تتبختر في مشيتها بجانب ذلك الفظ عمار، جز على أسنانه وهو يقوم من جلسته حتى يلحق بهما فوجد يد والده تعيقه ونظرات تحذيرية: خالد لو سمحت اهدى شوية، متبوظش فرحتها. هتف بتهكم واضح على ملامحه وهو يميل عليه بجذعه العلوي ويقترب من أذنيه: ده أنا هاقتل فرحتها، مش هابوظها بس. غادر القاعة و جاب المكان بعينيه الحادة باحثًا عنها، حتى وجدها أخيرًا تقف معه وهى تلتهم حلوى غزل البنات بسعادة وطفولة، اقترب منهما وهو يضع كلتا يديه في جيب بنطاله ووقف بطوله الفارع وجسده القوي ينظر بتحدٍ لعمار ثم قال: خدي البتاع اللي بتاكليه ده وادخلي جوه يالا.
تجاهلت حديثه ولهجته الآمرة لتقول لعمار بامتنان حقيقي: حقيقي شكرًا يا مارو، أنا كدة خلاص مش زعلانة ومبسوطة كمان. تحركت أعين عمار بصعوبة عن أكثر شخص يبغضه، ونظر إليها بحب ليقول بنبرة هادئة: أنتي عارفة إن مفيش حد يشغلني عنك، بس دي حالة إنسانية وكان لازم اتصرف.. قطع حديثه يد خالد وهى تقبض بعنف على مرفقها ويجرها خلفه: متقربش ورانا عشان مزعلش أمك وأبوك عليك يا حيلتها. حاولت الأخرى التملص منه ومن قبضته لتهدر بعنف: خالد اوعى أنت اتجننت، اوعى بقولك.
وصل بها لمكان جلوس عائلته وألقاها بعنف على أحد الكراسي فكانت يد جدتها تتلقاها بلهفة وهى ترمق خالد بقوة، فجلس الآخر بجوارها ثم وضع سلاحه الناري بوقاحة كبيرة على الطاولة ومع هدوء صوت الأغانى وصل صوته جيدًا لهم: وربي وما اعبد، إن ما عديت الليلة دي على خير، وقعدت زي الكرسي اللي هي قاعدة عليه هافرغ البتاع ده فيها وأخلص منها.
وقبل أن يبوخه والده كان عمار تقدم منهم وجذب أحد الكراسي وجلس بجانبهم وسط ترحاب كبير منهم، فكانت نظراته ترسل شرارت التحدي له، وكأنه يقول فريدة حقي أنا ولست أنت أيها البغيض، أما خالد فحاول ضبط انفاعلاته حتى لا يقوم بتفريغ سلاحه به أو إخراج كل غضبه فيه ويقتلع عينيه تلك التي تتحداه بقوة، لاحظ يديها التي تحاول أن تتحرك بسرعة على مرفقها تحاول تهدئته من ألمه الحاد بسبب قبضته القوية، أمعن النظر لدقيقة ثم دقيقتين ثم ثلاث،حتى التفت إليها وهو ينظر لها بصدمة قوية على ملامحه وعيناه تنتقل بينها وبين يداها وتلك الشامة التي تظهر بوضوح من تحت ذلك الفستان، أين كان عقله وهو يسمح لها بتلك" المسخرة" هذا المسمى الذي أطلقت عند رؤيته ليديها..انتبهت على نظراته لتهتف وهى تتحاشى النظر لعينيه: في حاجة إن شاء الله!..
اقترب منها وهو يجز بغيظ واضح على أسنانه: ده في حاجات، حاسبنا في البيت اهدي أنتي بس، هاتقعدي مكانك واياكي تقومي، هاقتلك صدقيني. ارتعدت أوصالها من نبرته الغاضبة التي تحمل الشر بين طياتها، ولكنها أرسلت له ابتسامة باردة ونظرات حادة، ولكن في النهاية امتثلت لأمره، فهي تعرف مدى جنونه، وما سيحل بها إذا عاندته وقامت من مكانها، جلست على مضض وهى تتابع رقص أصدقائها بفرحة، فتنهدت بحسرة على فساد تلك الليلة التي خططت مليًا في إخراج ما لديها بها، ولكن مهلًا أيتها الغبية كنتِ متأكدة من فشل تلك الخطة بسبب عناد وغضب ذلك العنيف والغليظ والوقح ظلت ثانية أخرى تحاول في إيجاد لقب جديد له ينضم لقائمتها!.
وصل بسيارته أمام منزله، ثم هبط منها متوجهًا بخطوات واسعة نحو شقة جدته الأولى، طرق الباب بعنف، فتحت له جدته بعد عدة دقائق قد نفذ صبره بهم، وجد تلك الابتسامة الباردة التي أقسم بداخله أنها الوحيدة التي تستطيع هياج غضبه ووصوله لعنان السماء، وقبل أن يتفوه بكلمة، كانت هي تسبقه بحديثها:_ خالد، عمار جوه بيتعشى معانا وهينام هنا كمان ..
خرجت سبة نابية من فمه، فاتسعت عيناها بصدمة وهتفت موبخة: يا قليل الأدب يا سافل، أنت نسيت نفسك يا واد أنا جدتك. وقبل أن يتحدث ويحاول التبرير عما تفوه منه، كانت هى تسبقه بلهجتها الحاسمة وهى تشير للأعلى: على فوق يا قليل الأدب أنا هاقول لأبوك يريبك من جديد. زفر بحنق ثم تحدث محاولًا تهدئة الوضع: يا تيتة هو أنا عيل صغير، تقولي لأبويا إيه بس!.
جذبت ياقة قميصه لأسفل فانحنى قليلًا وقامت بصفعة بخفة عدة مرات على إحدى وجنيته: أنت الظاهر فاكر نفسك كبرت عليا، امشي يا واد اطلع فوق ياقليل الأدب . قامت بدفعه للخارج وأغلقت الباب في وجهه، فرفع أحد حاجبيه معترضًا على ما حدث، صعد الدرج وصل أمام شقته وجد أمامه والدته تهبط للأسفل، ابتسم بتهكم: رايحة فين يا ماما أنتي كمان. عقدت حاجبيها وهتفت: نازلة تحت أنام مع ماما وفريده وعمار يطلع ينام هنا!. قهقة عاليا فزدات من تجعيدة جبينها، فوضعت يديها على جبهته تتحسسه بقلق: خير يابني مالك. أبعد يديها بضيق وتبدلت ملامحه حتى هتف بهمس يصل إلى مسامعها: كويس أنكوا فاهمين في الأصول والصح، أنا بدأت أشك فيكوا والله. تخطاها وهو يرمقها بضيق، فهزت رأسها بأسف وقالت: الواد اتهبل ولا إيه!.
وقفت مع عمار في بلكون المنزل واستندا على حافة السور ينظران أمامهما والصمت سيد الموقف، حتى قطع عمار هذا الصمت بقوله: كنتي قمر في الفستان النهاردة. ابتسمت بخجل وقالت وهي مازالت بصرها أمامها متعلق بلاشئ: شكرًا. عاد وتحدث مجددًا: فريدة هو أنتي ده كله مش ناوية تديني فرصة!. التفتت له وقالت متلعثمة بعض الشئ: عمار أنا، يعني.. فاجأها بقوله: لسه بتحبيه؟!.
نظرت أمامها مجددًا وتنهدت: أبقى بكدب لو قولت لأ ده هما أربع شهور بس اللى عدوا، عمار ...خالد ده حب الطفولة والمراهقة وكل وقت، مش سهل أنسى، بس الأكيد إن مبقتش زي الأول بجرى وراه، أنا هادفن حبه في قلبي واحدة واحدة لغاية ما يموت جوا. لمع بريق الأمل لديه وقال: طيب إيه رأيك نتخطب مثلًا وأنتي هتنشغلي بيا وهتنسيه. هزت رأسها بنفي لتقول موضحة بعقلانية: ده يبقى أكبر غلط، اليوم اللي هاحط دبلتك في إيدي هيبقى قلبي ده ملكك، غير كدة لا ياعمار هابقى بظلمك وأنت هتظلمني كمان!.
أشار على نفسه متعجبًا: أنا هاظلمك، إزاي بقى؟!. هزت رأسها بإيجاب: لما تشك فيا كل لحظة والتانية لو خالد كلمني مثلًا!. صمت لبرهة، ثم رمقها بإعجاب قائلًا: يمكن. ابتسمت ونظرت أمامها، فعاد هو وتحدث بشئ من الضيق: والله أنتي خسارة في واحد زيه أصلًا، ده واحد همجي ... لم يكمل حديثه بسبب دلو من الماء سقط فوق رأسه على حين غرة، شهقت بصدمة قوية وهي ترفع عينيها بصعوبة بسبب شدة اندفاع المياه عليهما، فوجدته ينظر لهم من الأعلى وعلى وجهه ابتسامة سمجة!.
ليقول بصوت مرتفع نسبيًا: أوبس هو جه عليك يا عمار ده أنا كنت أقصد أرميه على كلب نتن في الشارع قارف أمي، فقولت أربيه بطريقتي . جزت على أسنانها بعنف وغادرت الغرفة متجهه إلى الأعلى وشرارات الغضب تتصاعد بداخلها، أما عمار فوقف مكانه ثابتًا ومازالت الصدمة تؤثر عليه بقوة.
وصلت لباب شقته ودفعته بقوه لتقف في منتصف الصالة قائلة بصوت مرتفع وغاضب: خاااالد. خرج إليها من البلكون وهو يطفئ سيجارته قائلًا ببرود: نعم!. اقتربت منه وهي تقول بحنق: نعم إيه يابارد، أنت اتجننت عشان تعمل كده. هز رأسه ببرود قائلًا: اديكي قولتي مجنون، فعادي يطلع مني كده٥. زفرت بحنق، ثم أشارت بإصبع السبابة في وجهه: والله ياخالد لو ما بعدت عني، وشلتني من دماغك أنت حر. وضع يده على صدره وهتف بتمثيل: يامي خفت أنا كدة...
صمت لبرهة، ثم أزال قناع البرود واحتل مكانه الغضب فتقدم منها وهو يقول: والله أنتي لو ما لميتى نفسك، وبعدتي عن الواد الملزق ده، لأوريكي النجوم فى عز الضهر، أنتي لسه مشوفتيش وشي التاني. قالت بغضب: ولا يفرق معايا تهديدك ده. عقدت ذراعيها أمامها لتقول بتهكم: إيه هتعاقبنى بإيه، هاتخطب البت اللي كانت معاك في الكافيه، طب والله أحسن دي حتى شبهك ومن نفس عينتك. ابتسم فظهرت غمازته قائلًا: طب وأنتي مضايقة أوي كدة ليه وأنتي جايبة سيرتها، بالراحة على نفسك.
نظرت له بصدمة، فرفعت يديها للسماء قائلة بشئ من القهر: يارب خده، يارب. غادرت الشقة بضيق بالغ، فوصل إلى مسامعها صوته: هياخدني شهيد متقلقيش. تراجعت عن خطواتها، ألم اعتصر قلبها بقوه فوقفت تنظر لأعلى: يارب لأ، أنا مقصدش. رجعت تكمل خطواتها وتهبط الدرج فعادت تقف وهى تقول: مش عشاني، عشان خالتي وجوزها وتيتة.
جلس أمام التلفاز بأريحية وابتسامة سعيدة تعلو ثغره، فقطع سعادته دخول عمار، رفع خالد أحد حاجبيه ثم قال بوقاحة: شايفك أخدت على البيت كأنه بيتك، داخل طالع براحتك . جلس عمار على الأريكة بجانبه متجاهلًا وقاحته ليقول ببرود: عادي، بيت بنت عمى زي بيتي. كادت أن تخرج من فمه قذائف لتوبخ ذلك المعتوه، ولكنه تراجع وحاول أن يتسم ببعض البرود، قلب في التلفاز بملل، حتى جذب عمار الريموت من يده وأغلق التلفاز تحت صدمة خالد من جرأته قائلًا: أنت عاوز إيه بالظبط من فريدة يا خالد؟!.
وقبل أن يتحدث خالد، كان هو يستكمل حديثه: عاوزها تفضل تجري وراك، عاوز ترضي غرورك بيها، عاوز تحس إن كل البنات بتعشقك، بس أنا عاوز أقولك إن كلهم غير فريدة، وفريدة غيرهم كلهم. اقترب منه خالد ثم تحدث بغضب مكتوم: أنت أكتر واحد، عارف إني بعاملها غيرهم كلهم، أنا عمري ما تعديت حدودي معاها حتى بحبي ليها، عمري ما اديتها ريق حلو ورجعت سحبته منها، أنا عمري ما كنت بوشين معاها، هي بالذات اللي حقيقتي كلها قدامها، مبحاولش أجمل نفسي، أو أخلي نفسي شيخ السجادة مثلًا، وأنا من جوايا بلاوي، أنا قدامها أنا زي ما أنا ياعمار، ده الفرق اللي ما بينى وبينك.
هتف عمار بعدم فهم أو لنقل أنه تصنع ذلك: قصدك إيه؟!. ابتسم خالد باستنكار: مش عليا ياعمار، أخبارك كلها عندي، أنت بتكلم بنات وعايش حياتك عادي، وأنا بردو كذلك، بس الفرق إن أنت قدامها قد إيه محترم، قد إيه خلوق، قد إيه بتخاف تجرحها، أنت بوشين وبتتلون، أما أنا حاجة واحدة، شخص واحد قدامها مبتغيرش شايفة فيا عيوبي قبل مميزاتي. ابتسم عمار بتهكم ثم قال باستهجان: آه وده يديك الحق إنك تعمل اللي أنت عاوزه، وترجع تقول آه منا بحبها وهي بتحبني ومبكذبش عليها وهي عارفة عيوبي، دي تبقى متخلفة لو كانت هتفكر كدة.
هتفت بشراسة من خلفهما وهي تحمل أكواب العصير في يديها: أنتوا اللي تبقوا متخلفين بجد لو فكرتوا إن ممكن أفكر فيكوا يا شوية حيوانات... قالت جملتها الأخيرة بصرخة عالية وألقت تلك الأكواب أرضًا لتتهشم تزامنا مع تهشم قلبها وتحوله إلى قطع حطام صغيرة من شده جرحهاا!.