رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الحادي عشر
وقفت تنتظر قدومها تبحث بعينيها بين المارة، مرت ساعة، ثم اثنتين، ولكنها لم تأتي، شعرت بيد رامي على كتفها، التفت بعيون دامعة وهتفت بصوت حزين: شفت مجتش بردو، قلبي واجعني يا رامي، رغم كل الرسايل إلي بعتهالها هى وسلمى ازال دموعها بطرف إبهامه: خلاص يا شهد كفاية، انتي استنيتها كتير اوي خلينا ندخل، الشهود والمأذون زهقوا.
أومأت له دون التحدث، سارت معه وبداخلها حزن يكفي العالم بأكمله، تمت مراسم الزواج، واصبحت هي زوجته شرعا وقانونا، تمناها هو في ليلة وكانت أقصى امانيه ان يراها مرة اخرى يشبع نظراته ونفسه بها وبملامحها التي تشعل بداخله شعور لم يعهده من قبل مع أميرة او غيرها، وها هي الان زوجته ولكن لوقت محدد، هل سيخلف وعده مع اميرة، هل سيسيطر على مشاعره اتجاهها، من الان وهو يريد ان يعانقها يقبل شفتاها يردها ملكه، متى ستصبح شهد الحياة حياته، ولكن يجب عليه ان يكبح ذلك الشعور ويسيطر على مشاعره التي تزيد الضعف اتجاهها يوما بعد يوم.
هي من هي؟!، هي التي تركتها امها وحيدة وسط هذة الغابة، هي التي ضحت بنفسها وآمالها من اجل اسعاد امها واختها ومع اول عقبة باعوها، تتعامل مع الناس بصخب بقوة ومن داخلها ضعيفة هشة تريد البكاء في كل لحظة، غريبة هذه الدنيا لم ترى منها سوى الالام القهر و الظلم، يتردد على ذهنها دائما جملة ( الدنيا زي مابتدي زي ما بتاخد )!، ولكن معها هي ( الدنيا بتاخد بس )، رفعت بصرها للسماء تناجي ربها وحده يعلم ما بها وما مخاوفها وبما تشعر بيه، اعطها القوة والصبر يا الله.
بمنزل حسني. فتحت سميحة الغرفة باندفاع قائلة بغضب: خلاص يا حسني البت زمانها اتجوزت اديني التليفون اكلمها واقولها اي حجة. رمي هو لفافة التبغ من يديه ودهس بقدمه عليها قائلا بسخرية: مالوش لزمة ياختي انا قومت بالواجب. قطبت بين حاجبيها وهتفت بعدم فهم: قصدك ايه انك قومت بالواجب.
ابتسم بمكر مردفا: هاقولك عملت ايه، نزلت للواد عادل بتاع سايبر خليته يكتب رسالة للحلوة بنتك ويقولها معلش يابنتي اصل انا مش هاقدر اجاي اصل حسني محرج عليا ومش موافق، وبس اكيد شافتها وفهمت.
ضربت بكفيها على صدرها مردفة بصراخ: ليه ياحسني، عملت كدا ليه، ليه يا راجل عاوزها تكرهني مش كفاية طردتها مش كفاية مشافتش يوم حلو منك، دا علامات الحرق لسه في جسمها لغاية دلوقتي، لييه؟، حرام عليك ياخي ارحمها بقى، البت بعيدة وبعدت عنك وعن شرك وغلك وبردو مش عاوز تسيبها في حالها.
اندفع هو صوبها ثم غرس اظافره في جلدها قائلا بغل: عارفة ليه، علشان هي بنته من صلبه، بنت مصطفى اللي حبسني زمان، مصطفى إلي راح وشهد ضدي في القسم واتحبست سنة واتبهدلت في السجن. نفضت يديها بعيدا عنه بعنف مردفة بعصبية: مش انت إلي سرقت انت ومتولي الحج مسعد وبعدين احمد ربنا انك خدت سنة وخففوا الحكم. ضحك هو بسخرية: ولما انا سرقت اتجوزتيني ليه؟
انهارت في هذة اللحظه وجلست مكانها على الارض وبكت بكاء مرير: كنت غبية مغفلة، بنت الحج مسعد قالتلي ان انت ومتولي مش سرقتو وان مصطفى ظلمكو وهو مكنش بيحب يحكي عنك ولا يجيب سيرتك، بعد ما مات انت ومتولي خرجتو، هي اتجوزت متولي قولت مفيش واحدة تتجوز سارق ابوها، وقولت بس اكيد مصطفى ظلمكو، جتلي وقعدت تلف وتدور عليا علشان جوازي منك صدقتها وصدقتك ووافقت.
ثم رفعت بصرها ونظرت له نظرات توحي بالغل والكره: بس بعد كدا وبعد مامرت السنين وجبت سلمى، جت منال مرات متولي قبل موتها تعيطلي من قسوة متولي وانه متجوز عليها اتنين غيرها وانها كانت عارفة انكو السارقين بس من كتر حبها في متولي وافقت على كلامه ونشرت انك برئ ومصطفى ظلمك انت ومتولي.
انحنى هو بجذعه الاعلى نحوها وهتف بحقد دفين: وانا انسى لما اتحايلت عليه يشهد ان مسرقتش وهو قالي الساكت عن الحق شيطان اخرس وانت سرقت يا حسني ولازم تتعاقب، اهو مات وانا بكمل انتقامي في بنته. ازالت دموعها بقوة مردفة بغضب: انا بكرهك يا حسني، بكرهك وبكره اليوم إلي شوفتك فيه واتجوزتك، بضرب نفسي بالجذمة اني وافقت عليك.
اثارت تلك الكلمات الغضب في نفسه، استقام في وقفته واتجه صوب الخزانة اخرج الحزام الجلدي منها وقام بلفه حول يديه عدة مرات واندفع اتجاها يذيقها العذاب، نزل بذلك الحزام الجلدي على جسدها الضئيل ارتفع صوت صراخها، وكلماتها وهي تطلب منه الرحمة، ولكن الرحمه قد تجردت من قلب ذلك الرجل، سمعت سلمى صراخ امها، انتفضت من جلستها، وباتت تطرق الباب بعنف هاتفة بقوة: بابا، حرام سيبها، ابوس ايدك، سيبها.
ارتفع صوته من الداخل وهتف بغلظة: لمي نفسك يابت وروحي اتنيلي على اوضتك، اصل والله اجاي وانزله على جسمك انتي. ارتعدت هي بعض خطوات للخلف، انكمشت على نفسها، شعرت بالضعف والخوف، صمتت ولكن بداخلها قلبا يصرخ وينزف، صمتت ولكن عينيها رفضت الصمت وتمردت وسالت دموعها بغزارة.
وقفت تنظر للمبنى الشاهق بخوف ورهبة، حتى شعرت بيد كريم الممسكة بيديها يجرها خلفه بهدوء، سارت معه بخطوات بطيئة، استقلوا المصعد وبداخلها شعور بالخوف اتجاه ما تقدم عليه، وقف المصعد في الطابق المنشود، تحركت هي خلفه وبداخلها مشاعر متضاربة، تحدث ببعض الكلمات لسكرتيرة، ثم اخذها وجلس، نظرت حولها في اوجه الموجدين زدات وتيرة القلق في نفسها، شعر بها حاوطها بيده هامسا في اذنيها:.
متخافيش هي مش هتاكلك، انا مسمحش لحد ياكلك اصلا انا إلي هاكلك بعد كدا. اصطبغت وجنيتها باللون الاحمر القاني عقب كلماته تلك، اخفضت بصرها ارضا ثم قالت بهمس: عيب يا كريم كدا. ضغط بيديه اكتر على جسدها وهو يبتسم بمكر وماهي الا دقائق معدودة حتى اتت السكرتيرة وابلغتهم ان الطبيبة في انتظارهم، جذبها من يديها باتجاه غرفة الطبيبة في هذه اللحظة تريد الهرب مما تقدم عليه.
في منزل حسني. جلست بجانب والدتها تضع لها ( المرهم المخصص للكدمات) بدأت سميحة تأن تحت لمسات يديها هتفت سلمى بحزن: معلش يا ماما، استحملي ان شاء الله المرهم هيريحك. هتفت سميحة ببكاء: اه ياني، بنتي زمانها بتكرهني، اتصرفي يا سلمى لازم تعرف، مش كفاية كرهها ليا.
اغلقت سلمى عينيها بضيق ثم هتفت بنفاذ صبر: اعمل ايه يا ماما، مانتي شوفتي قدامك كسر تليفوناتنا، وكمان حلف علينا ما احنا طالعين من باب البيت الا على معاد فرحي. ازداد بكاء سميحة ثم هتفت بحقد دفين: ربنا يخدك يا حسني الكلب، ربنا يزلك، زمانها يا حبة عين امها مقطعة نفسها من العياط.
ظلت تنظر الى غرفة الطبيبة وتتفصحها جيدا، لم تنصت لحرف واحد ينطقه كريم مع الطبيبة حتى انتبهت لصوت الطبيبة الجاد: طيب يا دكتور كريم، ممكن تسيبنا شوية نتكلم.
أومئ كريم دون التحدث، امال على ليلى وطبع قبلة رقيقة على مقدمة رأسها ثم خرج من الغرفة، كانت هي تتبعه بنظراتها حتى خرج ثم حولت بصرها للطبيبة، كانت امرآة في الاربعنيات هادئة ملامحها بسيطة صوتها دافئ من ينظر اليها يشعر بالراحة، ابتسمت الطبيبة قائلة بلطف:.
بصي يا ليلى مبدئيا انا اسمي الدكتورة هدى، ثانيا انا عاوزكي تتأكدي ان اي كلمة هاتقوليها عمرها ما تطلع برا الاوضة دي، انا عاوزكي تحكي عن كل حاجة جواكي، انشالله باللخبطة مش عاوزة ترتيب، قولي اللي انتي حاساه دلوقتي او قبل كدا، قولي شقعورك سواء كان خوف او قلق او اي حاجة، انا معاكي وهسمعك، كل جلسة هانقعد ساعتين مع بعض، هانحكي فيهم كل حاجة.
عم الصمت بالغرفة عقب حديث الطبيبة، اخفضت ليلى بصرها ارضا ثم تساقطت بعض الدموع من عينيها مردفة بنبرة يتخللها البكاء: بابا مات بسببي...
في منزل رامي المالكي. جالسة على السرير تبكي وتشهق بصوت عالي، وحولها اكوام من المناديل، يجلس بجانبها حمزة ممسكا بعلبة المناديل كلما رأها تنتهي من منديلا يخرج الاخر بسرعة معطيا اياه، وامامها رامي يزم شفتيه بضيق، وبجانبه صفاء تنظر لها بحزن، نظر حمزة لوالده وهتف باسمه بهمس شديد، حول رامي بصره نحو حمزة مضيقا عينيه بتركيز، حتى هتف حمزة بتحريك شفتيه دون اصدار صوت: شهد خلصت المناديل.
ابتسم رامي بشدة على براءة ابنه، رأته شهد على تلك الحالة، اندفعت واقفة على الفراش مردفة بانفعال: جرى ايه يا رامي مفيش احساس، انت بتضحك وانا بعيط. وضعت صفاء يديها على رأسها ثم قالت لنفسها: يالهوي هانبدأ المشاكل. رفع رامي بصره نحوها مردفا بهدوء: انزلي ياشهد كملي عياط، الفقرة لسه مخلصتش. اتسعت عيناها بصدمة ثم هتفت بغيظ: انت بتتريق عليا يارامي، بتتريق على مشاعري.
حمحمت صفاء بصوت عالي: احم، انا رايحة اخد دوا الضغط والسكر يالا بينا يا حمزة ساعديني. هتف حمزة بنبرة طفولية: اقعدي يا تيتة خلينا نتفرج. قطب رامي بين حاجبيه مردفا بصرامة شديدة: تتفرج علي ايه يا ولد، انت اتتجننت. هتفت شهد بصوت عالي: انت بتزعقله ليه انت هاتجيب غيظك مني فيه.
اشارت صفاء بيديها لحمزة بخفة ثم تسلل حمزة هو وصفاء خارج الغرفة، بينما وقف رامي بطوله الفارع واردف باستفزاز: عاوزة ايه يا شهد، هي امك كبستك ومجتش هاتجيبي ضيقك عليا انا ولا ايه.
انسابت الدموع مرة ثانية من عينيها عقب جملته الحادة المستفزة وتعالت شهقاتها لم يعلم انه بهذا الحديث انه قام بالضغط على جرح عميق بقلبها، رأها هو على تلك الحالة استغفر ربه بصوت عالي، ثم اقترب منها وجذبها من يديها واجلسها على السرير مرة اخرى وجلس بجانبها، اعطاها بعض المناديل، ثم هتف بضيق: انتي اللي بتخليني اتعصب واقول كلام يزعلك ويضايقني من نفسي.
هتفت هي بكلمات متقطعة إثر بكائها الحاد: محدش حاسس بيا، مش عارفين انا حاسة بوجع قد ايه، والله كلمة قلبي مكسور دي قليلة اوي على إلي حاساه. ألمته تلك الجملة كثيرا ( قلبي مكسور دي قليلة )، جذبها لاحضانها معانقا اياها بقوة، دفن وجه في عنقها مستنشقا رائحة الورد التي دائما تفوح منها كلما اقترب منها او جلس بجوارها، ثم هتف بنبرة حنونة: سلامه قلبك من الكسرة يا شهد، اوعي تنطقيها تاني ابدا فاهمة.
ابتعدت قليلا عنه واصبح وجهها مقابل لوجه ثم هتفت بنبرة حزينة: ازاي قلبي مش يوجعني يا رامي، ازاي قلبي مش يتكسر واقرب الناس ليا خذلوني، امي يا رامي عارف يعني ايه امي، يعني المفروض كل حاجة في حياتي، انا مش عارفة هي بتعمل معايا كدا ليه، ليه تبيع بنتها علشان خاطر جوزها، دا بيهنها وبيضربها، انا كنت بطلع من اوضتي اخد مكانها الضرب، كانت بتشوفه بيحرقني وتبقى ساكتة مش قادرة تتكلم، انا طلبت منها ايه، طلبت حاجة بسيطة عاوزها تيجي تحضر معايا جوازي.
وضع يده على احدى وجنيتها قائلا بغضب: كان بيضربك وبيحرقك. هتفت هي بنبرة طفولية: اممممممم. عانقها مرة اخرى بقوة، شعرت هي بقوة عناقه، طبع قبلة رقيقة على عنقها من فوق وشاحها مردفا بصرامة: اياكي اسمعك تجيبي سيرتهم تاني، انسيهم خالص يا شهد دول مش موجودين في حياتك، انا بس انا وامي وحمزة احنا من انهاردة حياتك الجديدة، فاهمة ولا لأ.
بادلته هي عناقه فهي في اشد الحاجة لذلك الحنان والدفئ، ثم هتفت بهمس: حاضر، هانساهم وانتو من انهاردة حياتي الجديدة.
في العيادة النفسية مرت الساعتين وكأنهم دهر على ليلى كانت تجيب بكلمات بسيطة، ابتسمت الطبيبة ثم هتفت: خلاص يا ليلى كدا كفاية باذن الله هاستناكي الاسبوع إلي جاي في نفس المعاد.
أومأت ليلى لها دون التحدث، فحديثها مع الطبيبة ارجعها لاحداث تحاول جاهدة نسيانها او عدم التفكير فيها، دقت الطبيبة الجرس ثم دلف كريم مع السكرتيرة، هتفت الطبيبة بجدية: خدي مدام ليلى خليها تملى شوية بيانات بس وعرفيها المواعيد كويس وشوفي الاول مناسبها ولا لأ. خرجت ليلى مع السكرتيرة تائهة شاردة، فور خروجها، اندفع كريم بالحديث: هي مالها وشها باهت ليه كدا ومببتكلمش.
ابتسمت الطبيبة واردفت بحكمة: عادي يا دكتور دا طبيعيى انه يحصل في اول جلسة، على فكرة هي اتجاوبت معايا بس يعني بنسبه ٤٠٪. هتف كريم بتعجب: ٤٠٪ نسبه حلوة.
أومأت الطبيبة مؤكدة ثم هتفت بتوضيح: طبعا يا دكتور، متنساش هي اتعرضت لازمة نفسية صعبة ومش سهل تعدي منها، صحيح هي اتكلمت معايا علي موت والدها ومجبتش سيرة اغتصاب خالص، بس دي خطوة كويسة، بس في حاجة في وسط الكلام قالت جملة انت مصر على انك تسرع في علاقتكم، ودا شئ غلط لازم ليلى تاخد وقتها ومتتسرعش ابدا ليلى لازم تتخطى مرحلة اغتصابها، هي عمرها ماتنسى ابدا بس الاثر النفسي بيقل مع الوقت لو قدرت تثق في حد وتفتح قلبها له، بس دا مبيحصلش بين يوم وليلة، أهم حاجة يا دكتور انك تتحلى بالصبر.
قام كريم من جلسته ثم مد يديه لكي يصافح الطبيبة قائلا برسمية : شكرا اوي يا دكتور هدى وان شاء الله هاجبهالك الاسبوع الجاي في نفس المعاد.
مر الاسبوع سريعا على ابطالنا، وجاء اليوم المحدد لزفاف سلمى وزكريا، جلست امام المرآة في صالون التجميل المسمى ب ( الكوافير ) تضع لها الفتاة اللمسات الاخيرة، كانت في غاية الجمال والبساطة بفستانها الرقيق، تعالت الزغاريط وابواق السيارات معلنة عن وصول زكريا، زدات دقات قلبها، تسرب الخوف رويدا لقلبها، انتهت الفتاة من وضع الطرحة ثم اطلقت زغروطة عالية مردفة بعدها بحماس:.
يالا يابنات افتحو الباب للعريس خليه يدخل يشوف عروسته القمر. وبالفعل دلف زكريا يبحث في وجوه الفتيات عن سلمى حتى وجدها بفستانها البسيط وملامحها الرقيقة ولاول مرا يدق قلبه بشعور غريب لم يشعر بيه من قبل مع ليلى، اتسعت ابتسامته تدريجيا ثم اقترب منها قائلا بصوت منخفض للغاية: بسم الله ما شاء الله، قمر بدر منور يا سلمى.
نظرت له نظرات خاليه من التعبير، حتى احتدت نظراتها مع ظهور مديحة من الخلف، اقتربت منها مديحة بابتسامة مصطنعة مردفة: الله اكبر ايه الحلاوة دي يا مرات ابني. ثم تابعت قائلة: يالا علشان الفرح هايبدا والناس بتستعجلنا.
ذهبت معهم وكانها دمية يحركوها كما يشاؤون، تفاجئت هي بكم الاضواء والناس الحاضرين، تعالت الاغاني وبدأ الرقص، نظرت لامها الجالسة وحدها حزينة، وجهها متورم ونظرات الشفقة من نساء الحي وهمسات مديحة للنسوة، طأطأت رأسها لاسفل، تمنت ان الارض تنشق وتبعتلها تمنت ان تختفي من الوجود، مرت الساعتين ببطء حتى امرت مديحة بانهاء حفل الزواج، صعدت هي الدرج مع زكريا تبكي حتى وصلت اعتاب شقة زكريا، وقفت ثم استدرات لعناق والدتها تحت انظار السخط من مديحة و حسني، جذبتها مديحة عنوة من احضان سميحة مردفة بسخرية:.
ما خلاص ياختي، هو حوار ولا ايه نكدتو على الواد في ليلة دخلته. ثم تابعت بصرامة: خد عروستك يا زكريا، يالا وانا وامها وابوها قاعدين هنا نستنى الخبر الحلو. اتسعت عيني سميحة بصدمة: قصدك ايه بالخبر الحلو يا مديحة، انتي بتتكلمي جد لا يمكن يحصل ابدا، انتي مش شايفة البت خايفة ازاي. رفعت مديحة حاجبيها باعتراض: قصدي عاوزين نعرف هي بنت ولا لأ، اه لتطلع مغشوشة ياختي، يبقى ابوها ياخدها يقتلها هو حر.
ترنحت هي عقب حديث مديحة، رأها زكريا مد يديه يحاوطها بخوف حقيقي، ثم هتف: انتي بتقولي ايه ياما، مينفعش اللي انتي بتقوليه دا. جلست مديحة ثم هتفت بمكر: اتكلم انت يابو سلمى، انا مش هاتكلم. جلس هو الاخر على الكرسي مردفا بخشونة: بقولك ايه يا جوز بنتي، انت تنفذ إلي امك قالتلك عليه، احنا هانستنا هنا وناخد البشارة. صرخت سميحة: حرام عليك يا راجل دي حتى بنتك، اتقي الله بقى..
قاطعها حسني بصفعة على وجهها مردفا بغلظة: لو مش سكتي هاموتك انتي فاهمة. خرج صوت سلمى بضعف: خلاص يابابا حاضر هانفذ كل حاجة. ابتسمت مديحة بسخرية: شاطرة يا مرات ابني بتسمعي الكلام... ثم استطردت: وبقولك ايه يا زكريا، انا عاوزك تدخل عليها يا حبيبي علشان اخدها بكرة عند دكتورة اطمن عليها، بلاش ضحك على الدقون، انا مستنية اهو...
رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الثاني عشر
بمنزل زكريا. وقفت في منتصف الغرفة تنظر لزكريا بخوف، تحاول تنظيم انفاسها المضطربة، حاول تهدئتها ولكن كلما اقترب خطوة ترجع هي للوراء خطوتين، تمسكت بطرف فستانها بخوف ثم هتفت: بص اوعى تكون فاكر انك هاتعمل حاجة وانا صاحية وحاسة. هتف بعدم فهم: قصدك ايه وانتي صاحية وحاسة، امال هتنامي. أومأت هي ثم هتفت موضحة: انا كنت عارفة ان امك هاتعمل كدا بس متوقعتش بالسرعة دي، علشان كدا فكرت وجهزت نفسي.
جهزتي نفسك لايه؟! تحركت نحو الدولاب ثم فتحته واخرجت شريط من الدواء، نظرت لهذا الدواء قائلة: دا منوم هاخاد حبيتين منه واعمل إلي انت عاوزه. اتسعت عيناه بصدمة ثم هتف بغضب: لدرجادي مش طايقة لمستي، مش عاوزة تحسي بيا. انسابت دموعها بكثرة قائلة بحنق: امال انت فاكر ايه، فاكر ان هادوب في هواك، لأ طبعا بس...
قاطعها بحدة: بس ايه، انا كان ممكن معملش معاكي حاجة واضحك على امي بس بتفكيرك وكلامك دا خلتيني هاعملها وانتي صاحية.. اندفعت نحوه ثم جلست على ركبتيها ممسكة بيده تقبلها وتتوسل له: لا يا زكريا ابوس ايدك لأ، مش هاستحمل والله، لو عندك رحمة في قلبك متعملش كدا فيا، بص انا مش منعتك اعمل اللي انت عاوزو بس بالله عليك وانا نايمة..
جذبها من مرفقها ثم نظر في عينيها قائلا بضيق: انا هاضطر اعمل كدا وانتي نايمة بس مش هاحطه تحت بند انك قرفانة مني، هاحطه تحت بند انك خايفة زي اي بنت في ليلة دخلتها، وكمان علشان امي مش هاتسيبك الا لما تتأكد عند الدكتورة، ولو كنتي لسه بنت انا عارف تفكير امي كويس يا سلمى وهاتقول ايه.. ثم استطرد: روحي يالا غيري هدومك، وانا هاغير وخدي الحبيتين خلينا نخلص الحوار دا.
عم الصمت عقب حديثه ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ثم تحركت نحو الدولاب تخرج ملابسها شعرت بانفاسها تقل تدريجيا مما تقدم عليه. في الخارج... وضعت صينية الشاي على المنضدة هاتفة بسخرية: اشربوا الشاي لغاية ما المحروسة بنتك تنجز في ليلتها دي. رفعت سميحة احد حاجبيه قائلة بضيق: والله كنت عارفة انك مش هاتجيبها لبر يا مديحة.
شهقت مديحة باعتراض: ليه ياختي بر ايه إلي بتتكلمي عنه، انتي مش واثقة في بنتك، انتي لامؤاخذة لو واثقة هاتقولي اه ومش تخافي، اما انتي لامؤاخذة مش واثقة. هبت واقفة تهتف بعصبية: اما انتي ولية... قاطعها حسني بحدة: اسكتي يا ولية لاقطع لسانك، الست مديحة مغلطتش اقعدي زي الجزمة اما نشوف راسنا من رجلينا. وان مش سكت يا حس... قاطعها للمرة الثانية بصرامة: ويمين الله لو نطقتي بحرف لمفرج الحارة كلها عليكي النهاردة.
جلست بانكسار تحت نظرات السخرية من مديحة، مر ساعة و اثنين حتى خرج زكريا من الغرفة بقطعة قماشة بيضاء بها ثلاث نقط من الدم، اطلقت مديحة الزغاريط، بينما نظرت له سميحة بكره شديد، اخذها حسني من يديه بفرحة عارمة ثم هتف: بنتي امال، دي تربيتي. نظرت له سميحة بحقد قامت بسبه في سرها، ثم حولت بصرها نحو زكريا هاتفة بضيق: عاوزة ادخلها اطمن عليها.
هتف سريعا بارتباك: لا هي نامت من التعب وبتقولك هي كويسة بس محتاجة تنام. لوت مديحة شفتيها بتهكم: بنات اخر زمن. تجاهلتها سميحة ثم وجههت حديثها لزكريا: زكريا انا هامشي وبكرا هاجليها اطمن عليها. اومئ زكريا دون رد ثم دلف الى غرفته مغلقا الباب جيدا، ذهب الى السرير وجلس بجوارها ثم ربت على شعرها بحنان قائلا: مكنتش عاوز دا كله يحصل، سامحيني كان نفسي نعيش حياتنا واحنا مبسوطين بس اظاهر ان هاعاني معاكي يا سلمى.
بمنزل رامي. عاد متأخرا من عمله، منهكا، جسده يصرخ بالراحة، تسرب الى انفه رائحة شهية، تقدم بخطوات بطيئة نحو المطبخ، رأها تقف بهمة وتصنع (كيكة الشوكلاته)، حمحم بصوت منخفض التفت بخضة واضعة حجابها على رأسها باحكام ثم هتفت بضيق: ايه دا يا رامي ينفع كدا. اقترب بعض خطوات ثم اتكأ بنصف جسده على الثلاجة هاتفا: ينفع ايه مش فاهم؟! قالت شهد بعبوس: تدخل فاجأة، مش المفروض تعمل صوت.
تجاهل حديثها قائلا: انتي بتعملي ايه، في حد بيعمل كيكة بليل. نظرت للخليط التي تقوم ياعدادة مردفة بسعادة: حمزة جه وراني مكتوب في الكراسة انهم يعملوا نشاط طبخ او رسم، وبما اني مبعرفش ارسم حلو قررت اعمله كيكة. اتسعت ابتسامته على نبرتها الطفولية: شهد البنات مامتهم يعملوا حاجة للطبخ والولاد رسم، يعني حمزة المفروض يرسم. نظرت له بصدمة ثم هتفت بحزن: يعني الكيكة دي مش هتنفع، دا النشاط هايتسلم بكرا..
اقترب منها ثم حاوط وجهها هاتفا بنبرة حنونة للغاية: متزعليش حتى لو ماخدوش هاكلها انا كلها، انا بحب الكيكة بالشوكلاته. نظرت له ودموعها تلمع في عينيها: بس انا كان نفسي اوي اديهاله، كان نفسي اعمله حاجة بايدي. صمت قليلا ثم هتف: ايه رايك تعملي الكيكة وتزينيها وانا ارسمها وارسمه حواليها وارسمهم كانهم في الفصل طب والله نشاط تحفه.
عادت ابتسامتها على ثغرها مرة اخرى هاتفة: بجد يا رامي يعني هاياخد اللي انا عاملها. داعب وجنيتها بلطف قائلا بهمس: طبعا، هو انا اقدر ازعل شهد الحياة مني. تأثرت هي بلمساته، تجمدت انفاسها ولكن عند نطقه لشهد الحياة هتفت بتلعثم: انت مش هااتقولي عرفت الاسم دا منين بقا. داعب وجنيتها اكثر مردفا بابتسامة صغيرة: لا مش هاقولك، وبعدين انتي بتلبسي الطرحة في وجودي ليه؟
امسكت يديه لتوقفه عن تلك المداعبة: بس يا رامي، انت بتعامل بنت اختك، وبعدين انا بلبس الطرحة علشان مينفعش اظهر قدامك بشعري. رفع حاجبيه باعتراض ثم هتف: انتي هبلة يا شهد هو انتي فاهمة ان لما بلعب في خدودك ابقا كدا بلعب مع بنت اختي انتي فاهمة الدنيا غلط يا ماما، ثم تعالي هنا دا اللي هو ازاي مينفعش تقعدي بشعرك قدامي.
حاول ازاحة حجابها حتى قامت بتثبيت يديه، نظر لها مستفهما، هربت هي ببصرها: رامي مينفعش احنا هانعيش مع بعض اخوات زي الاول هو اصلا مفيش حاجة اتغيرت في حياتنا وبعدين خالتي كانت واضحة من الاول قالت هاتتجوزو علشان الحرمانية، مالوش لزوم اكشف شعري وكدا.
شعر بالغيظ عقب حديثها حاوط خصرها ثم جذبها اليه، وكانت لمسته متملكة لها ثم هتف بعبوس: انتي مضايقة ان بقولك اكشفي شعرك، مش احسن ما اقولك تقلعي الاسدال دا كمان وتيجي تنامي في اوضتي وحضني. تاهت هي في اخر حديثه مردفة: ها! ابتسم بمكر ثم اقترب بوجهه وهمس امام شفتيها: تيجي تنامي في حضني. اصطبغت وجنيتها باللون الاحمر القاني مردفة بتتلعثم: اوعا تتهور يا رامي.
لم يتحكم في نفسه عقب جملتها تلك وصدرت ضحكاته عالية مصاحبة ببعض الدموع، وضعت يديها بتلقائية على صدره قائله: هو انا قولت ايه خلاك تضحك بالشكل دا.. هدأ قليلا من ضحكاته المستمرة ثم هتف بمرح: اصلك استاذة في انك تبوظي اي مشهد رومانسي في الدنيا تاخدي اوسكار احسن واحدة تضحك في الرومانسية.
قطبت ما بين حاجبيها بضيق ثم هتفت بنبرة يتخللها الضيق: لا طبعا ازاي، طب دا ليلى صاحبتي طول عمرها بتقولي انتي رومانسيه اوي يا شهد. ثم تابعت بحزن: تعرف وحشتني اوي يا رامي، بتصل بيها بيديني مشغول شكلها حاطني في لائحة الرفض، مش عارفة اكلمها كرهتني وانا ماليش ذنب والله. حاوط هو وجهها سريعا مردفا بحنان: اوعي تعيطي، اوعي عيونك تعيط انا بتخنق لما بشوفك بتعيطي...
قاطعته هي ببكاء: طب اعمل ايه منا مخنوقة وطول اليوم بفكر في اللي حصلي، انا ما صدقت حمزة طلب مني حاجه قولت اهو اغير من نفسي واشغل وقتي، بس بعملها وافتكرتها هي كانت بتحبها اوي يا رامي وبتحب تاكلها من ايدي هي وعم احمد. ازال دموعها مردفا بهمس: خلاص بقا يا شهد، بلاش تعيطي، طب يا ستي مش هاتهور بس انا لسه عند كلمتي انتي فاشلة في الرومانسية وليلى دي بتخدعك. نظرت له بضيق طفولي: لا والله انا رومانسية اوي.
ابتسم هو بمكر قائلا: طب ايه رايك نبص في عين بعض واللي يرمش يبقى خسران و التاني يطلب منه طلب. هتفت بتحدي: ماشي يالا. كانت خطته خبيثة يريد قربها الى اكبر قدر ممكن، اختلق الخطط والحجج التافهة والطفولية حتى يصل هو لمراده، بينما هي سرحت في جمال عينيه بلون العشب الاخضر الغريب شعرت بتجمد انفاسها ثم رمشت عدة مرات، حتى هتف بحماس: رمشتي اهو، انا اطلب بقا.
حمحمت بحرج: طب يالا اطلب وبعدين وطي صوتك، البيت كله هايصحى. اتسعت ابتسامته مردفا بخبث مصاحبة غمزة من عينيه: بوسيني. اتسعت عيناها بصدمة من وقاحته: انت اتجننت يا رامي، انت ازاي تطلب طلب زي دا. رفع هو حاجبيه باعتراض مردفا: لأ انا اروح فيكي في داهية احنا قولنا ايه، قولنا تحدي والي يخسر يطلب من التاني طلب، يالا بقى بوسيني.
حاولت هي ابعاد يديه عنها ولكنها فشلت ثم هتفت بتذمر: اوعا يا رامي، والله اصوت واقول بيتحرش بيا، قال ابوسك قال، انت اخويا يابني. زاد من تحكمه بها قائلا بعبث: لا انا مش اخوكي دلوقتي، بكرا ابقى اخوكي بوسيني يا شهدي، وبعدين بصي عرفيني انتي ازاي رومانسية ولا هو كدب وخلاص. ضربت صدره بخفة قائله بحنق: هو الرومانسية بالبوس، الرومانسية بالكلام.
تنهد هو بنفاذ صبر: لا ماهو بصي انتي ياتقولي كلام رومانسي يا تبوسيني اختاري. صمتت قليلا لتفكر ثم رفعت بصرها اليه مبتسمة واضعة يديها حول عنقه قائلة بهمس: اول مرة شوفتك فيها كرهتك اوي قفلت في وشي الباب، بعد كدا لما عرفتك بدأت احبك سنة سنة، بعدها لفت نظري باهتمامك للبسك وشياكتك واهتمامك بنفسك رغم انك مخلف والمفروض تبقى بكرش وكدا...
صمتت ثم ضحكت بخفة، بينما هو ابتسم على طفولتها في التعبير عن مشاعرها، قربها منه اكثر هاتفا بهيام: كملي يا شهد. اخذت هي نفس قصير ثم هتفت بنفس همسها بخجل واضح: ملامحك حلوة، وانت حلو، شبه بتوع الروايات، انا بقرا روايات على قدي، عمري ما اتخيلت ان البطل الحلو اللي في الرواية هايبقى موجود في الطبيعة، واهو لاقيتك قدامي.
وضع يديه على وجينتها قائلا بحب: انا كمان اتمنيتك بس روايتي من تأليفي، روايتي اللي رسمتها بيكي، روايتي اللي كتبت فيها اول سطر لما شوفتك من سنين كانت بتزيد كل يوم سطر عنك وعن جمالك، كنت فاكرها قصة حلوة هاتنتهي بعد يوم او عشرة او سنه بس اكتشفت انها بقت رواية دامت في قلبي سنين وهاتفضل العمر كله، انتي كنتي حلم بعيد اووي، ودلوقتي بقى بين ايديا.
ساد الصمت عقب حديثه، بقي الاثنين ينظرون لاعين بعض، يتأملون ويفكرون ويحللون حديث الاخر، حتى ابتسمت شهد مردفة بعبث: شوفت اهو عملنا مشهد رومانسي خطير، انا اتخيلتك الانسان الي هاحبه واقوله الكلام دا، وانت اتخيلتني حبيبتك وقولتيلى كلام حلو بس حقيقي كلامك لمسني يا رامي، انت رومانسي اوي. شعر هو بخيبة امل بعد انهاء حديثها ثم هتف: شكرا.
ابتعدت بعض الخطوات، ثم مسكت ذلك الخليط مرا اخرى مردفة بفضول: رامي لو اعتبرنا كلامك حقيقي والبنت اللي بتحبها رواية هاتسميها ايه؟! اغمض عيناه بضيق ثم هتف: بعدين بقى هاقولك بعدين، تصبحي على خير. هتفت سريعا: انت مش هاترسم الكيكة بعد ما ازينها.
لم يرد عليها وانما تحرك نحو غرفته بصمت، ما يشعر بيه الان خيبة امل، كانت تتخيله حبيبها وتهتف بكلمات الحب له وهو صدقها للحظات وتخيل انها له، حتى بعد ما استطاع البوح ما بداخله جاءت هي وبعفويتها دمرت كل شئ، آه منك انت يا شهد الحياة، اي حياة انت، حياة الحب والمرح والسعادة والطفولة، ام حياة البؤس و العذاب، اي حياة انت يا شهدي انا.
صباح اليوم التالي. استقيظت مبكرا تقطع قالب الحلوى ثم تضعه في ( الحافظة ) حتى تفاجئت بدخول رامي عليها وهو عابسا، يضع تلك الرسمة علي المنضدة وما ان رأتها ابتسمت من حرفيته في الرسم رسمها كأنها حقيقة وحولها حمزة وزملائه وامرأة دققت في ملامحها وجدتها جميله بشعر اشقر رفعت بصرها ثم هتفت بتساؤل: مين دي. اردف هو بخشونة: مس كلير مس بتاعت حمزة في المدرسة. همست باسمها عدة مرات: كلير، كلير!
ثم استطردت: بس هي حلوة اوي، وانت راسمها وكانها هي بالظبط. هتف وهو مازال عابسا: هي حلوة اصلا لو مش حلوة مكنتش هاقدر ارسمها كدا. شعرت بالضيق بسبب اثنائه على امرأه اخرى فهتفت: طيب ومرسمتنيش وانا بعملها ليه ولا انا مش حلوة. مش عارف، هابقى اشوف بعدين... كان رده السريع وهو يخرج من المطبخ، نظرت هي مرة اخرى للرسمة هاتفه: طب والله انا احلى منك، انتي جمالك جمال بارد انما انا جمالي جمال شرقي. في غرفه صفاء...
كانت ممسكة بذلك الهاتف تهتف بهمس: لا ما هو انا كان لازم اعمل كدا، انا عارفة ان رامي عمره ما يغلط ولا يخون تربيتي. ضحكت ميمي ثم قالت: اه منك انتي ياماما يا خطيرة، مثلتي انك شاكة فيه واقنعتيه بالجواز. تنهدت صفاء: يارب بس يحصل اللي في بالي واخوكي يتحرك شوية اصل هاتشل. هتفت ميمي مؤكدة: هايتحرك صدقيني ياماما، شهد هاتحركه، طب والله نفسي اشوفها، الله يخربيت الغربة وسنينها.
قالت صفاء: معلش يابنتي ان شاء الله ترجعي وتشوفيها.
بمنزل زكريا...
استقيظت على صوت طرق الباب، نظرت بجانبها رأته ينام واضعا الوسادة فوق رأسه، نظرت لنفسها رأت تلك المنامة الشفافة ملتصقه بجسدها، سالت دمعة ساخنة منها، لم تتمنى يوما ان يحدث ذلك ولكن ما باليد حيلة، صوت طرق الباب لم يهدأ، تنهدت بنفاذ صبر ثم قامت تبحث بعينها عن ذلك ( الروب) حتى تغطي بيه جسدها، رأته اخيرا ارتدته ثم تحركت صوب الباب، اخذت نفس طويل ثم زفرته ببطئ، قامت بفتح الباب نصف فتحة حتى دفعتها مديحة بعنف مردفة:.
ايه ياختي ساعة علشان تفتحي... هتف زكريا بصوت ناعس: فيه ايه يا ما على الصبح. هتفت مديحة بسخرية: قوم يا سبع، قوم يا زينة الرجالة، انت سايب مراتك ونايم. اعتدل زكريا في نومته مردفا: دا اللي هو ازاي ياما، انا نايم وهي نايمة وهى عروسة وانا عريس لامؤاخذة. اطلقت ضحكة ساخرة: يا فالح هو انا المفروض اقولك تعمل ايه، على العموم كمل نوم، انا عاوزة السنيورة تصحى.
رفعت سلمى بصرها لها مردفة بتساؤل: وانتي حضرتك عاوزني في ايه...
رفعت مديحة احد حاجبيها مردفة: هاقولك يا حبيبتي، بس الاول في كام حاجه تحطيهم زي الحلقة في ودنك، انا مش اسمي حضرتي، اسمي اماااا، تاني حاجة تصحي الساعه ٧ تكوني تحت ايدي، تاالت حاجة انا اقول اي حاجة تقولي حاضر ونعم ويا ويلك يا سواد ليليك لو فكرتي تقولي لأ، اخر حاجة في المطبخ في مواعين الفرح والحنة قومي يالا اغسليهم وشطبي المطبخ وروقي الشقة علشان الناس اللي جاية...
قاطعها زكريا بحدة: اماااا سلمى لسه عروسة. ابتسمت سلمى بتهكم: هو دا اللي فارق معاك اني لسه عروسة، يعني كمان كام يوم عادي.. هتفت مديحة بغضب: انتي يابت متتكلميش مع سيدك وتاج راسك كدا اتظبطي وربنا مايهمني انك عروسة، يالا يابت انجري على المطبخ... نظرت لزكريا رأته وضع الوسادة مرة اخرى على رأسه متجاهلها، توجهت نحو المطبخ بانكسار وبداخلها يقين انها سوف تذوق العذاب المر امرين على يد مديحة...
بمنزل كريم.. وقفت في المطبخ تجلي تلك الصحون وهي شاردة في اختلاق حجة حتى تخرج من البيت عندما علمت بمجئ كريمه ، شعرت بقبلة رقيقة اعلى كتفيها، التفت ثم هتفت بخفوت: صباح الخير حاوطها هو من خصرها عنوة مردفا بمزاح: صباح النور على البنور. اغلقت الصنبور ثم مسكت تلك المنشفة، نشفت يديها وهي تهتف: كريم لو سمحت ابعد احنا اتفقنا على ايه؟
ابتعد هو امتثالا لرغبتها مردفا بهدوء: حاضر ياستي، الا قوليلي انتي كنتي سرحانة في ايه؟! صمتت قليلا ثم استدرات تهتف بكذب: كريم كان في شوية حاجات عاوزة اشتريها ممكن ابقى اخرج.. ابتسم مردفا: ليلى لما تعوزي تكدبي اكدبي على حد غيري... عقدت حاجبيها بتساؤل: انت ليه بتقول كدا؟!.
اتسعت ابتسامته مردفا: علشان عينك بتتحرك كتير وانا بكلمك، معنى كدا انتي بتكدبي عليا، وبعدين دا سبب تافهه انك تسرحي فيه، قوليلي بجد في ايه؟! تنهددت هي بحزن مردفة: كريم انا عرفت ان عمتك جاية فانا يعني كنت بفكر ان اروح اقعد في اي جنينة لغاية ما تمشي، انا مش عاوزة احضر وهي موجودة انا مش هاستحمل اهانة منها ولا عاوزة اقعد اشتكيلك كل شوية وانت تتخنق مني، فارجوك افهمني ووافق..
حاوط وجهها مردفا: انا عمري ما اتخنق منك ابدا، وانا زعلان انك عاوزة تهربي من بيتك علشان عمتي وكلامها الرخم، بس انا يعز عليا تطلبي طلب وموافقش.. هتفت بفرحة: بجد موافق، ربنا يخليك ليا ياكريم يارب. لمعت عيناه لحديثها الفطري: بس مش هاتقعدي في جنينة هاتيجي معايا عيادتي تقعدي في اوضة لوحدك تتسلي براحتك ولو حبيتي تساعديني انا موافق.. أومأت هي بابتسامة: ماشي، هاروح البس.
بمنزل زكريا.. استمعت سلمى لاذان الظهر تنهدت بتعب، لم تنهي جلي تلك الصحون والآواني حتى الان سمعت صوت رنين جرس المنزل وماهي الا ثواني حتي سمعت صوت والدتها تسأل عنها، تركت الاواني وتوجهت نحو الخارج هاتفة بسرعة: مامااااا... نظرت لها سميحة بصدمة، من ملابسها المبتلة ووجهها الشاحب ويديها المليئة بالصابون: يالهوي ايه دا انتي بتعملي ايه في بنتي يا مديحة..
لوت مديحة شفتيها بسخرية: بعمل ايه ياختي، بتغسل المواعين انتي شايفها بتشتغل في الفاعل... اندفعت سميحة نحوها جاذبة مرفقها بعنف: انتي فاكرة انك هاتسخريها وهاسكتلك... دفعتها مديحة بغضب: اوعي يا ولية انتي اتهبلتي ولا ايه، يمين الله اطردك برا وامنعك عنها العمر كله... خلعت سميحه حجابها وحدفته ارضا ثم اندفعت نحوها مردفة بصوتها الجهور: دا انا هافرج عليكي امه لا اله الا الله يا ولية ياقرشانة...
اشتبكت مديحة وسميحة بالايدي، وصوت صراخهما يصل لاخر منزل في الحارة، بينما اندفعت سلمى تحاول الفصل بينهم، خرج زكريا على صراخهما، اتسعت عيناه من الصدمة، حاول جذب امه بعيدا ولكن كانت هائجة لم يقوى عليها احد قامت بدفعه اختل توازنه ولم يكن في حسبانه ان سلمى وراءه وقعت على الارض واصدم رأسها بتلك الطاولة الصغيرة نزفت على الفور، رأها زكريا ورأي الدم الخارج من رأسها حتي صاح بأعلى صوته: سلمممممممممى.
رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث عشر
بمنزل رامي.. كانت شهد تشاهد التلفاز بملل حتى قاطع مشاهدتها صوت رنين الهاتف المنزلي، توجهت نحوه ممسكة بسماعة الهاتف مردفة بهدوء: الو. اتاها صوت امرأة تتحدث بجدية: السلام عليكم. ردت شهد تحيتها: وعليكم السلام، مين حضرتك؟! تحدثت المرأة بضيق: حضرتك انا الاخصائية الاجتماعية في مدرسة حمزة، احنا عاوزين ولي امره ضروري، اتصلنا على استاذ رامي تليفونه مقفول... هتفت شهد في قلق: في ايه حمزة بخير..
تحدثت المرأة: مينفعش كلام في التليفون، ياريت حاولي توصلي لوالده ويجي المدرسة ضروري. اغلقت المرأة الهاتف دون سماع رد شهد، بلغ القلق اقصى مراحله، ذهبت سريعا ل( صفاء)، طرقت الباب عدة مرات ثم دلفت بسرعة مردفة: خالتي معلش قطعت تلاوتك.. نظرت لها صفاء ثم هتفت بتساؤل: في ايه يا شهد. تحدثت شهد بنبرة يتخللها القلق والخوف: حمزة المدرسة بتاعته اتصلت وعاوزين رامي ضروري وتقريبا تليفونه مقفول..
وقفت صفاء مردفة بقلق: يالهوي في ايه.. هتفت شهد بسرعة: مش وقته يا خالتي، اديني عنوان المدرسة اروح اشوف في ايه. قالت صفاء: طيب هاتروحي لوحدك.. أومأت شهد مردفة: اه هاروح طبعا، لازم الحق اشوف في ايه؟! التفت صفاء حولها بتوتر حتى رأت تلك الاجندة، ذهبت نحوها ثم مسكت القلم وكتبت عنوان المدرسة، اخذت شهد تلك الورقة بسرعة متوجهة لغرفتها حتى ترتدي ملابسها على عجالة وبذهنها مئة سنياريو...
بمنزل زكريا... هتفت الممرضة وهي تمضع تلك العلكة بفمها: اهو يام زكريا نضفت الجرح وظبطته... هتفت مديحة بسخرية: امال الهانم اغمى عليها ليه يامروة؟!. اغمضت عينيها بضيق والتزمت الصمت بينما هتفت الممرضة: تلاقيها من الخضة بس يا خالتي. نظرت مديحة ل( سلمى ) النائمة بكره ثم قالت: تعالي معايا يا مروة برا عاوزكي بكلمتين و اهو نسيب السنيورة ترتاح...
خرجت مديحة ومروة ما ان راهم زكريا حتى هتف بقلق: سلمى اخبارها ايه يا ما... لوت شفتيها بتهكم مردفة: زي القردة يا اخويا، طب اطمن على امك الاول. هتف سريعا وهو متجها نحو الغرفة، قلبه يأكله من شدة قلقه عليها: انتي زي الفل ياما، عن اذنكوا. ثم اغلق الباب في وجوههم، اتسعت عيني مديحة مردفة: شوفتي الواد يابت يا مروة، قفل الباب في وشي ازاي.
هتفت مروة بجدية: . سيبك يام زكريا، انا عاوزة اقولك ان الاغماءة دي اغماءة سكر... زمت مديحة شفتيها بضيق: اه عارفين سيبك منها انشالله تموت، المهم انا عاوزكي في حوار كدا. قالت مروة: أمري ياخالتي تحت امرك.. هتفت مديحة بخفوت: انا عاوزة دكتور نسا يكشف على البت اللي جوا دي ويكون سعره حنين، اصل الدكتورة اللي علي اول الشارع مفترية ياختي سعرها ٧٧ جنيه تقولشي بتخترع الذرة..
مروة بفضول: ليه ياخالتي، عاوزة دكتور نسا ليه؟! هتفت مديحة بمكر: اصل عاوزة اطمن هي بنت بنوت ولا لأ. اتسعت عيني مروة بصدمة: هو زكريا معملش حاجة امبارح. لوت شفتيها بتهكم: رفضت ياختي وقعدت تعيط وتقول لا مروة بخبث: اه انتوا لامؤاخذة شاكين فيها... ابتسمت بمكر ثم اردفت باختلاق كذبة: اه سمعت طراطيش كلام انها كانت على علاقة بواحد، بس ايه عندك دكتور ولا لأ.
هتفت مروة مؤكدة: اه عندي، في دكتور نسا كبير اوي ومشهور فاتح عيادة في، ، ومخلي تلات ايام للغلابة يكشف فيهم ببلاش وحظك انهاردة هايكشف ببلاش، هاتصل ببت صاحبتي ليها علاقة بالممرضة اللي هناك وتحجزلكوا. اتسعت ابتسامتها: ببلاش اه حلوة دي ماشي معاكي رقمي اهو لو حجزتي بلغيني اخد المحروسة ونروح... مروة وهي تخرج الهاتف من صدرها مردفة: ماشي ياخالتي، هاتصل بيها اهو.
في عيادة النسا... وقفت ليلى على اعتاب غرفة كريم حتى خرجت المرأة من الغرفة مبتسمة ويديها تتشابك مع زوجها يشكلون لوحة جميلة تعبر عن السعادة ابتسمت لسعادتهم ثم دلفت بعدهم مغلقة الباب خلفها، رفع كريم بصره ما ان رأها ابتسم بشدة، كان على وشك التحدث حتى هي قاطعته بفضول: هما فرحانين اوي ليه كدا. هتف كريم بهودء: بقالهم سبع سنين مخلفوش والحمد لله ربنا كرمهمغ، حامل في تؤام ولد وبنت..
هتفت بحزن: يااااه سبع سنين.. ثم استطردت: بس الحمد لله ربنا كرمهم ربنا يتمملها على خير... ابتسم كريم ثم قال بتسرع: عقبالك انشاء الله يا روحي. اغمضت عيناها بقوة ظهر الحزن على ملامحها رويدا، شعر هو بها اقترب منها مردفا باسف: انا اسف يا ليلى مقصدش.. فتحت عيناها ثم اردفت بتلعثم: كريم هو انت يعني... حثها هو على التحدث: كملي يا ليلى انا ايه.
زدات وتيرة التوتر بداخلها ولكنها تريد الاطمئنان مردفة: انت عملت تنضيف كويس ليا، انا مش هاستحمل ابقا ح.. قاطعها بحدة: انسي بقا يا ليلى، اطمني مفيش حاجة هاتحصل... حزنت هي لنبرته تلك خرجت من الغرفة دون رد، وقف كريم يتابعها بعينه ثم ضغط على الجرس، وماهي الا ثواني قليلة حتى اتت السكرتيرة تهتف برسمية: نعم يا دكتور..
هتف بصرامة: اهتمي بمدام ليلى كويس وابعتيلها عصير فرش ودخلي الكشف اللي بعده، هو فاضل كام كشف.. فاضل ٨ كشوفات، بس في حالة عاوزين يدخلوا ضروري بيقولوا مسألة حياة او موت. تنهد كريم بنفاذ صبر مردفا: طيب ابقي دخليهم اخر ناس، وزي ما قولتلك مدام ليلى وديلها عصير ومتزعجوهاش فاهمة ولا لأ. فاهمة يا فندم متقلقش..
في المدرسة.. هتفت شهد بغضب: انا مش فاهمة بردو انتي على اي اساس بتعاقبيه، الواد دا غلط فيه ووقعله كيكته في الارض واللي هي المفروض نشاطه وقطع رسمته... عقدت الاخصائية حاجبيها بضيق: اه والمفروض ان حضرتك انه يقوم يضربه ويزقه تاني على الارض يعني متعلمش الادب من اول مرة، اول مرة ضربه علشان شد شعر زميلته والولد اتعور ومستر رامي جه وحذرنا حمزة من انفعاله الهجومي دا، وبردوا كاننا مبنتكلمش.
هنا حضرت الروح الصاخبة بداخلها، انتفضت شهد بعصبية: جرى ايه يا ابلة ما تهدي كدا، اصل انا بدأت اتخنق منك، الواد مغلطش زي ما تعاقبي دا تعاقبي دا ولا هو كوسه بقى... رفعت الاخصائية حاجبيها مردفة: انا مش هارد عليكي، بس والله لابلغ ادارة المدرسة ولازم يتعاقب وياخد فصل اسبوع من المدرسة ولو اتكررت هاطلب تحويله من المدرسة لسوء سلوكه.
ارتفع صوتها قليلا: ياختي بلا قرف، والمفروض انك بتحلي مشاكل، انتي بتحلي على مزاجك لامؤاخذة.. جذبت شهد حمزة في يديها ثم خرجت من الغرفة بل من المدرسة باكملها، وقفت في الطريق عندما سمعت صوت بكائه، انحنت لمستواه: مالك يا حمزة مضايق وبتعيط ليه؟! اردف حمزة بتلعثم طفولي: بابا هايزعقلي يا شهد علشان قالي قبل كدا ان ابعد عن محمد زميلي ولو عمل حاجة اروح اشتكي للمس...
ثم تابع بلهفة: بس والله يا شهد روحت للمس وقالتلي مايوقعها عادي غصب عنه وهو كان قاصد علشان كدا اضايقت وضربته... ربتت على شعره بحنان: متخافش يا حبيبي بابا مش هايعملك حاجة. رفع بصره للسماء واردف ببكاء طفولي: يارب بابا مش يزعل مني.. عانقته هي بقوة ثم ابعتدت عنه هاتفة بحماس: ايه رايك نروح الجنينة اللي هناك دي نلعب فيها شوية وناكل ايس كريم. مسح دموعه بسرعة: ماشي، يالا...
بمنزل حسني.. القى الحزام الجلدي بعنف على الارضية ثم هتف بغلظة: اتعلمتي الادب ولا لأ يا ولية، اياكي تفكري تكلمي الست مديحة كدا، دي ستك وتاج راسك. تعالت صوت شهاقتها بالبكاء، بينما هتف بغيظ: ماتردي يا ولية. رفعت بصرها بتعب ثم هتفت بصوت متقطع: حسبي الله ونعم الوكيل، انا بكرهك ياحسني. اتجه نحو الحزام مرة اخرى ثم رفعه عاليا مردفا: لا انتي متربتيش بقى يبقى تتربي من جديد.
انزله على جسدها بقوة ظلت تكتم آهاتها مع كل ضربة ولكن انفجرت وظلت تصرخ بألم.
بمنزل رامي المالكي.. جلست التوتر يآكلها كلما نظرت لابنها، بينما هو بداخله غضب العالم بأكمله، نظر في ساعته بضيق مردفا: الساعة ٥ والهانم لسه مجتش وتليفونها مقفول. بلعت ريقها بصعوبة مردفة بتوتر: ان شاء الله خير، جيب العواقب سليمة يارب. مر ساعة اخرى ولم تأتي شهد، انتفض رامي واقفا هاتفا بغضب: لا انا هاروح ابلغ انا مش هاقعد كتير حاطط ايدي على خدي..
اتجه صوب الباب وما ان فتحه حتى ظهرت امامه شهد المبتسمة وحمزة وجهه الملطخ بالالوان، ارتد حمزة لبضع خطوات للوراء بخوف بينما هتفت شهد بمرح عكس ما بداخلها من توتر: انت فتحت سبحان الله كنت لسه برن الجرس.. تنحى جانبا ثم اشار لحمزة الى الداخل مردفا بصرامة مخيفة: على اوضتك في ثانية تغير وتستناني لغاية ما اجيلك، بسرررعة.
قال كلمته الاخيرة بصوته الجهور انتفض الصغير ركضا نحو الغرفة، ابتلعت شهد ريقها بخوف وايقنت انها سوف تدخل حرب مع رامي بالتاكيد هي سوف تكون الخاسرة، حولت بصرها نحو صفاء رأتها تنظر لها بعتاب ممزوج بضيق، شعرت بيده الصلبة تجذبها خلفه بقوة مردفا بصرامة: مش عاوز حد يدخل علينا يا ماما، لو سمحتي.
ادخلها للغرفة عنوة بينما وقفت صفاء في الخارج والتزمت الصمت فله الحق بما يفعله، رأته يغلق الباب بقوة اطلقت تنهيدة حارة ثم ذهبت لغرفتها... بينما الوضع بالداخل مشحون، رجعت للوراء بخطوات هادئة مردفة بتوتر: بص يا رامي، انا عارفة اننا اتاخرنا بس انت مش عارف حصل ايه..
قاطعها بحدة: عارف وصلي كل حاجة، دا حتى عرفت ان ابني اخد فصل اسبوع من المدرسة، ووصلي اني اب فاشل معرفتش اربي ابني، ولا حتى اختار زوجة محترمة تعرف تحل الموضوع كويس، لا ازاي اخلاقها الو طلعت وسيطرت وردحت وشرشحت في المدرسة والواد بسببها اتكتب في ملفه انه بعد الفصل هايقعد مع الاخصائيات يعيدو تكوينه، لا انا عرفت كل حاجة يا شهد، بس اللي مش عرفته بقى كنتي فين انتي وهو من الساعة ٣ لغاية ٦.
المها كثيرا حديثه عنها وعن سلوكها، تجاهلت سؤاله وذهبت صوب الباب بكبرياء، وقف امامها بغضب وهتف بصوته الجهور: انطقي، كنتي فين دا كله يا محترمة؟!.. في هذه اللحظة انفجرت غاضبة يكفي كلامه الحاد والمسئ: في ايه انت بتكلمني كدا ليه، انا عملت ايه لدا كله، على فكرة بقى الاخصائية دي قليلة الادب ومضطهدة ابنك وانا اخدتله حقه منها علشان كدا هي اتحرقت مني واضايقت ورزعته فصل من المدرسة.
هتف بصوت اعلى من قبل: وطي صوتك طول مانتي بتكلميني، انتي مش بتكلمي عيل في الشارع، انتي بتكلمي راجل وراجل البيت دا اللي بتاكلي وتشربي من خيره يبقى لما تتكلمي توطي صوتك وعينك في الارض، مش تبجحي وتعلي صوتك، لا دا انا اكسرك واكسر دماغك دي واعيد تربيتك من جديد انتي فاهمة ولا لأ.
اقتربت بوجها احمر للغاية مردفة بتحدي: لا مش فاهمة، واطردني من جنتك دي ومش عاوزة خيرك يا رامي الله الغني عنه ومحدش في الدنيا دي كلها يقدر يكسرني.. جذب مرفقها بعنف قائلا بغضب: انتي ايه متخلفة مبتفهميش، انتي المفروض تعتذري علي اللي هببتيه انهاردة. حاولت جذب يديها بقوة مردفة: ابعد عني، الي بيعتذر يبقى عارف من جواه انه غلطان وانا بقى مش شايفة اني غلطانة..
لوى رامي يديها بعنف ثم هتف بغضب مكتوم: عارفة ليه علشان انتي واحدة جاهلة مش فارق معاكي التعليم اصلا، هاستنى ايه بقى من واحدة جاهلة زيك.
نفضت يدها بغضب عارم ثم استدارت وهتفت في وجهه بصراخ: اسكت بقى مش كل شوية تزليني بكدا حرام عليك بتعاقبني على حاجة ماليش ذنب فيها ليه يا رامي بتعاقبني على حاجة انا بتمناها لغاية دلوقتي، بتعاقبني على حاجة انا حاسة اني ناقصة بسببها وقليلة في عين الكل بسببها، ارحمني بقااااا.
زمجر رامي بحدة: وانا ذنبي ايه لما ابني يتحول للفصل ويبقى مشاغب، ويقعدوني زي العيل الصغير اتهزق من الادراة وان اخترت زوجة اب مش مناسبة خالص، انتي ازاي تقوليلهم انك مراتي.
في تلك اللحظة رفضت دموعها للخضوع وابت وسالت بكثرة فهتفت بهدوء: انا مكنتش اعرف انك بتستعر مني، بس انا قولتلهم كدا علشان يرضوا يدخلوني، بس علي العموم انا غلطانة يا رامي انا فعلا ماليش حق ان ادخل في حياتك ولا حياة ابنك ولا اعملك مشاكل زي دي، عن اذنك.
خرجت من الغرفة مطأطأة الرأس، تشهق بخفة من اهانته لها، دخلت غرفتها تبكي ثم هتفت بخفوت: تستاهلي يا شهد انتي كدا دايما بتسامحي في اهانتك واللي قدامك بيزيد، يولع هو وابنه، لا حمزة لا، يولع هو بس. وما ان عم الصمت في الغرفة حتى سمعت بالخارج صوته الحاد: اللي قولته يتنقذ شهد ملهاش دعوة بابني ولا ليها دعوة بيا هي ضيفة معززة مكرمة لغاية ما تيجي من السفر ليها اكلها لوحدها وتفضل في اوضتها.
اتسعت عيناها بصدمة من حديثه، هذا جزاؤها بعد كل ذلك، التزمت الصمت وبداخلها قررت الرحيل والليلة، لن تسمح باهانة مرة ثانية هاتفة لنفسها: كل الا الكرامة يا شهد، انا هامشي احسن والليلة.
بالعيادة النسائية.. نظر كريم للملف اكثر من مرة مردفا بجدية: خير يا افندم، انا من البيانات اللي قدامي ان المدام سلمى حسني متجوزة امبارح في مشكلة... هتف مديحة باسلوب مهذب: كل خير يا دكتور.. ثم اشارت لسلمى قائلة بحدة خفيفة: روحي على اوضة الكشف لغاية ما اقول للدكتور كلمتين..
عقد رامي حاجبيه بتعجب، تابع الفتاة بنظراته المتعجبة وما ان راها اختفت تحدث بهدوء: في ايه حضرتك انا هنا الدكتور وانا لازم اسمع حالة المريضة الاول وبعدها اقرر تروح على سرير الكشف ولا لأ... لوت شفتيها بتهكم مردفة: اهدى بس يا دكتور، دا سرير كشف هو احنا اخدنا دوا ببلاش... قاطعها بحدة: انا مش عاوز كلام كتير انتي قولتي للبنت اللي برا ان المسألة حياه او موت ايه هي بقى المسألة.
هتفت موضحة: هاقولك يا دكتور انا عاوزك تشوفلي البت دي ينفع تحمل ولا لأ، وكمان عاوزك لامؤاخذة تقولي اذا كانت بقت مدام امبارح ولا من زمان، اقصد غشائها اتفض امبارح ولا من زمان، انتوا اكيد بتعرفوا. اتسعت عيناه من وقاحتها هب واقفا مردفا بحزم: قومي اطلعي برا. هتفت بتعجب: في ايه يا دكتور انا قولت ايه غلط!
قال بغضب مكتوم: انتي واحدة تافهة وانا معنديش استعداد افضل اتكلم معاكي، حمل ايه يا ست انتي والبنت لسه متجوزة امبارح، الحمل دا يوم ما تفكرو فيه مش قبل سنة العلم بيقول كدا ابدأ اعمل فصوحات بعد سنة علشان اشوف سبب تأخير الحمل ايه مش من يوم، اما الموضوع التاني انا مش هارد عليكي فيه لان هانزل من مستوايا لو رديت وجوزها لو راجل كان جه معاها مش بعتك انتي، خدي البنت اللي جوا واطلعي برا، الوقت اللي انتي هدرتيه دا كان غيرك اولى منك بيه، براااا.
لم يعطيها فرصة للرد، ضغط على ذلك الجرس بغضب وبسرعة حتى اتت السكرتيرة مهرولة هاتفة: نعم يا دكتور... هتف بصوت عالي نسيبا: خلي الست دي تطلع برا.. شهقت هي بسخرية: ما براحة على نفسك يا خويا، في ايه وصفوك مش لاقوك والله تلاقيك دكتور نص كم وما عارف ولا فاهم حاجة... بغرفة مجاورة.. كانت ليلى ممسكة بالهاتف تبكي هاتفة بصوت مبحوح: انا عاوزة اجاي لحضرتك يا دكتورة هدي محتاجة اتكلم.
هتفت الدكتورة مرحبة: تيجي براحتك، لو حسيتي في اي وقت انك محتاجة تتكلمي متستنيش معاد الجلسة تعالي على طول.. سمعت ليلى اصوات ضوضاء بالخارج واصوات متداخلة وصوت كريم العالي الغاضب عقدت حاجبيها ثم هتفت بسرعة: طيب يا دكتورة هاكلم كريم واجيلك بكرة... هتفت الدكتورة بلطف: اوك مستنياكي، في رعاية الله.
اغلقت ليلى الهاتف ثم اسرعت للخروج من الغرفة، وجدت العيادة في حالة هرج ومرج اقتربت من السكرتيرة مردفة بقلق: في ايه.. استدرات السكرتيرة هاتفة بضيق: مفيش دي حالة ضايقت دكتور كريم فزعق وهي طولت لسانها. نظرت ليلى لغرفته ثم هتفت بتساؤل: هو جوا..
أومأت السكرتيرة، تركتها ليلى وتوجهت لغرفته طرقت الباب بخفوت ثم دخلت رأته يقف ينظر من النافذة وصدره يعلو ويهبط بسرعة وكأنه كان يركض لمسافات طويلة، تقدمت منه وتركت مسافة قليلة بينهم ثم هتفت بتوتر: مالك يا كريم، ايه عصبك كدا..
نظر اليها ثم قطع تلك المسافة بخطوة واحدة وعانقها بشدة هو في هذه الحالة في امس الحاجة اليها، تعجبت هي من فعلته ولكنها تركته ولم تقاومه او تمنعه، ساد الصمت دقائق حتى هتفت هي بلطف: في ايه يا كريم مالك.. ابتعد عنها مردفا بضيق: ست متخلفة جايبة الظاهر مرات ابنها اللي متجوزة امبارح علشان الحمل وكمان عاوزة تشوف هي بقت مدام امبارح ولا من زمان، اصل انا دكتور على الناصية..
ربتت على كتفيها ثم هتفت بحنان: طيب اهدى معلش، في ناس كدا كتير.. زفر بضيق: اكتر حاجة مضايقني ان البنت غلبانة ووشها حزين وزي ما يكون مغصوب على امرها والولية القذرة دي متحكمة فيها، انا لو كنت وافقت وكشفت عليها كنت كسرتها، ست متخلفة حرقت دمي والله. ابتسمت مردفة بهدوء: احلى حاجة فيك انك لايمكن تخالف ضميرك.
تجمدت انفاسه بعد حديثها ابتلع ريقه بصعوبة بالغة، هرب بعيناه بعيدا عنها، ثم شرد في ذكرى يجاهد في نسيانها...
بمنزل زكريا... كان يدور في المنزل بعصبية حتى سمع صوت المفاتيح في الباب، استدار بغضب، رأى مديحة تدخل وملامح الغضب على وجهها وسلمى ورائها تدخل بتعب، لم تنطق سلمى بكلمة واحدة ثم ذهبت لغرفتها مغلقة الباب خلفها، هتفت مديحة بتعجب: مالك يا واد واقف في نص البيت كدا ليه؟! زكريا بضيق: انتي كنتي فين ياما، انا نزلت ادي للواد سالم الجمعية وقعدت معاه شوية رجعت مش لاقيتكو.
القت حجابها على المنضدة بغضب: كنا عند الدكتور يكشف على السنيورة.. عقد حاجبيه مردفا بتساؤل: ليه ماهي الممرضة قالت انه.. قطع كلامه ثم تذكر امر ما فهتف بعصبية: انتي بردو وديتها لدكتور علشان يكشف عليها نفذتي اللي في دماغك ولا همك القماشة اللي ورتهالك امبارح، انتي ايه ياما مش ملاحظة انك بتشككي في رجولتي.
زفرت بضيق ثم اقتربت منه مردفة بخفوت: الحق عليا اني عاوزة اطمن يمكن تكون ضحكت عليك يا واد وعملت عملية، يا واد بنات اليومين دول الله اكبر تفكيرهم بقى شيطاني وانت بتسمع وانا بسمع، وبعدين انت المفروض تكون اتعلمت من خطوبتك السابقة مش لازم تثق كدا عارف صوابع ايديك دي شكك فيهم، وبعدين انا سمعت ان البت سلمى دي وهي في الصنايع كانت ماشية مع واحد وبتخرج معاه برا كتير احنا ايه عرفنا يا واد انها كانت صاغ سليم..
جاءت امام عينيه ذكرى ليلى اشتعل الغضب بداخله ثم زمجر بحدة: سلممممى، انتي يابنت ال.
بمنزل رامي المالكي.. وضعت اذنها على الباب، تنصت لاي حركة لم تسمع شيئا تاكدت انه لا يوجد احد بالخارج، فتحت باب الغرفة بهدوء، ثم خرجت على اطراف اصابعها تسير بهدوء شديد حتى وصلت لباب المنزل التفت تنظر نظرة اخيرة بحزن سالت دمعة ساخنة من عينيها مسحتها على الفور استدرات وفتحت الباب ثم خرجت مغلقة الباب خلفها تاركة ورائها كل شئ وقلوب تشتعل بعد معرفة غيابها...