نظرت له وبكت بكاء مرير: يعني يابابا انت مش زعلان مني. اقترب منها والدها وازال دموعها: لا يابنتي مش زعلان منك، دا انتي ليلى، بنتي حبيبتي، انا لا يمكن ازعل منك. اتسعت ابتسامتها واردفت: خلاص خدني معاك يا بابا، انا عاوزة افضل معاك، مش عاوزه اسيبك ابدا. نظر لها بحنان وقال: لأ، يا ليلى، دا مكانك، كريم مكانك يابنتي، انا خلاص مبقتش موجود.
عبست قليلا وقالت: لا يا بابا مكانك مكاني، حتى شوف انا مبسوطة وفرحانة ازاي. اقترب منها والدها وجعلها تستدير للجهة الاخرى، وقف خلفها واردف: بصي هناك كدا يا ليلى، دا بقى بيتك انتي وكريم، ايوا دا اللي منور وشكله حلو دا. عبست ليلى قليلا ثم نظرت بدقة الى هذا البيت، وجدت حديقته مظلمة للغاية: بابا بس جنينته مضلمة اوي انا اخاف ادخله.
قال والدها بهدوء ولطف: ليلى دا بيتك، العش الحلو اللي هاتبنيه مع كريم، هاتقابلكو عقابات كتيرة اوي، لازم بحبكو تتغلبو عليها، هاتقعو وتقفوا تاني، وواحدة واحدة الجنينة هاتنور وهاتبقى احلى من البيت. صمتت ليلى قليلا تتامل جمال المنزل ثم استدرات بسرعة لم تجد والدها، التفت حوالها بقلق وصاحت: بابا، انت فين، بابا، بااااااا.
فتحت ليلى اعينها ودموعها تسيل على وجنيتها، صدرها يعلو ويهبط بسرعه، وجدت كريم امامها، يمسد على شعرها برقة ويهمس لها: اهدي يا ليلى دا كابوس، اهدي. انتفضت ليلى من نومتها وجذبت الغطاء بعنف عليها، وقالت: انت عاوز مني ايه، ابعد عني. رمقها بتعجب ثم ادرك انها كانت تحلم بكابوس فاردف بهدوء: انا هاعوز منك ايه، انا شوفتك بتنهجي وبتستندجي بوالدك، قولت يمكن دا كابوس، حاولت اصحيكي بس.
ترقرقت الدموع في عينيها، وماهي الا ثواني قليلة وبكت بشدة، حاول كريم الاقتراب، ولكنه تراجع واخذ مسافة حتي لا تخاف منه: ليلى اهدي، انا لايمكن اذيكي والله. ازالت ليلى دموعها واردفت بتلعثم: انا اسفة، اسفة، مكنتش اقصد. ابتسم كريم وقال: متتأسفيش، يالا قومي جهزي نفسك علشان نطلع نفطر مع بابا. أومأت ليلى بالموافقه واردفت بخفوت: ماشي.
في منزل رامي المالكي. وضعت شهد بقية الصحون على المائدة، وصاحت بصوتها: يالا يا خالتو، انا حضرت الفطار. اقبل عليها رامي عابسا: هشش، وطي صوتك، في حد يعلي صوته كدة على الصبح. رفعت حاجبها ببرود واردفت: يافتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، هو ايه بنام بمشكلة ونصبح بمشكلة. ابتسم رامي باستفزاز وقال: تعرفي انا مش هتخانق معاكي، عارفة ليه، علشان معكرش مزاجي على الصبح. ضحكت شهد بسخرية: اصمالله على مزاجك.
عبس رامي قليلا واردف: امال حمزة فين؟ قالت شهد بفخر: انا صحيت الصبح بدري ولبسته وعملتله سندوتشات ونزلت سلمته لباص بتاع المدرسة. قال رامي بضيق: وازاي ميجيش يصبح عليا وياخد مصروفه مني. اشارت لنفسها بفخر واردفت: انا سدادة، انا مكانك. انتفض من مكانه واردف بغضب: يعني ايه انتي مكاني، انا ابوه ياخد مصروفه مني، يدخل يشوفني قبل نزوله المدرسة.
صاحت بضجر: والنبي بلاش دوشة على الصبح، انا مش بقولك العدوان الثلاثي قام تاني على مصر علشان تتعصب كدا، دا انا بقولك الواد لبسته ونزلته واخد مصروف، عادي يعني مش فارقة، وبعدين اسكت، خلينا مكتومين بلاش فضايح. نظر لها رامي بتعجب وقال: مكتومين ليه ان شاء الله، وفضايح ايه دي، ما تتكلمي عدل.
ابتسمت بخبث ثم اردفت ببراءة مصطنعة: يالهوي انت مش فاكر، دا احنا قعدنا نخبط، نخبط ونقولك اصحي يا رامي، وانت ولا هنا، دا غير طبعا صوت شخيرك معرفناش ننام منه. اشار رامي بصدمة على نفسه وقال: انا! هزت رأسها مؤكدة وقالت: اه انت، لا حرام بجد صعبت عليا، المهم انا رايحة اعمل القهوة لخالتي. ثم توقفت في منتصف الطريق وضرب بكفها على جبهتها قائله: اه من حق حمزة بيبعتلك البوسة اللي على الهوا دي.
ارسلت له قبلة له على الهواء، تجمدت انفاسه اثر حركتها البسيطة، والتي كانت بالنسبه له مثيرة، تنهد بصعوبة وقال لنفسه: ربنا يصبرني عليكي يا شهد، اصل انتي بالطريقة دي هتلبسيني في الحيط.
كانت صفاء جالسة في غرفتها وممسكة في يديها الهاتف ترى ميمي ابنتها صوت وصورة على احد برامج الانترنت، ضحكت صفاء بخفوت واردفت: اسكتي دول هايولعو في بعض، مبيعرفوش يقعدو الا لما يتخانقو. قالت ميمي بخبث: ايوا بقى يا ماما وما محبة الا بعد عدواة. ابتسمت صفاء بسخرية: لا انسي يا ميمي، اخوكي خلاص هايعيش عمره كدا، يالا بقى الله يجازي اللي كان السبب.
قالت ميمي بضيق: لا يا ماما استغفري ربنا اللي كان السبب روحه طلعت لربنا، وبعدين ما اتزعليش مني، رامي اخويا مأفورها اوي. قالت صفاء موضحة: لا والله يا ميمي، انا كنت حاضرة وسامعة كل حاجه، واي حد مكانه هايعمل كدا يابنتي.
هزت ميمي رأسها برفض: لا يا ماما، اصل خلاص اللي مات مات، والحي ابقى من الميت، ورامي لو فكر يعملها ويتجوز، هو كدا مش هايعمل حاجة تغضب ربنا بالعكس، وبعدين لازم يفكر في مصلحته ومصلحة ابنه شوية. تنهدت صفاء بقلة حيلة: ادعيله يا ميمي ربنا يهديله حاله.
في منزل زكريا. دلفت مديحة الي غرفه زكريا، وجلست على طرف الفراش وقالت: اصحي يا زكريا، يالا علشان تروح شغلك. تململ زكريا في فراشه واردف بضيق: مش عاوز اروح كلمتهم وقولتلهم هاخاد اجازة. لوت مديحه شفتيها بتهكم وقالت: يوووه و دا كله علشان ايه، اوعى تكون يا واد يا زكريا محروق على المخفية اللي اسمها ليلى.
لكزته مديحة في كتفه وقالت بغل: دا احسن حل ولا اتسرعت ولا حاجة، خليها تمشي من هنا وتقعد في الشوارع، وكلاب السكك تنهش في لحمها، وبعدين انا طردتها علشان اقعدك في بيتها، انا اخدت شقتهم من ام حسين، وقبضت الجمعية وهابيع تلات فرد غوايش بتوعي، وهاوضبها احسن توضيب، هاجوزك فيها ومعاك احلى عروسة. ابتسم زكريا بسخرية: وفين العروسة بقى. غمزت له مديحة واردفت: عندي. زكريا بفضول: مين يا ما.
اقتربت منه مديحة وقالت بصوت منخفض: ايه رايك في البت سلمى، بنت حسني. ابتعد زكريا قليلا ونظر لها بصدمة: سلمي اخت شهد! هزت رأسها مؤكدة وقالت: اه هي، ايه رايك فيها، البت جميلة وحلوة. قال زكريا بجدية: يا ما انتي مركزة، انتي عارفة سلمى دي عندها ايه، دي عندها السكر.
ضربته مديحة بخفة على كتفه: ومالو يا عبيط، اهي دي تاخدها تكسر عينيها، ومتقدرش ترد معاك، وتعمل اللي انت عاوزه فيهاء واهو اسمك قدام الناس بتعمل ثواب فيها. قال زكريا بحيرة: مش عارف يا ما، بس متهايئلي لا. قال مديحة بصوت كفيحيح الافعى: لا ينفع، وينفع اوي يا زكريا، دايما يا واد خد اللي اقل منك، اللي تقدر تكسر عينيها. نظر لها زكريا بتركيز، ثم ابعد ببصره عنها وشرد يفكر في امر زواجه من سلمى.
ارتشف جمال رشفة صغيرة من الشاي ثم قال: هو انت مش رايح المستشفى يا كريم. رفع كريم بصره، ثم اغلق الكتاب الذي بيده واردف: لا يابابا واخد اجازة. غمز له جمال وابتسم: اه علشان عريس جديد بقى وكدا. ضحك كريم بسخرية: اه ومش اي عريس. ثم استطرد قائلا: الا قولي يا بابا هي عمتو كريمة جاية فعلا. قال جمال بهدوء: انا عارف يابني انك مش بطقيها، بس اعمل ايه دي اختي الوحيدة.
اغلق كريم عينيه بعصبية وقال: يابابا انا عارف هي جاية ليه، اكيد حضرتك اتصلت بيها وقولتلها كريم اتجوز، فهي تسكت لا طبعا تيجي وتخنقني وتخنق ليلى. زفر جمال بقلة صبر: طب اعمل ايه يا كريم، لو معرفتش انك متجوز، وجت بعد كدا عرفت، هاتزعل مني. نهض كريم من جلسته وجلس بجانب ابيه واخفض صوته: يعني هي لما تيجي وتقعد تضايق في ليلى، وليلى تزعل وتعيط، هاعمل ايه انا وقتها.
قهقه جمال على ابنه: انت خايف على زعلها من عمتك، لدرجادي بتحبها يا دكتور. وضع كريم يديه وكمم فم جمال: اسكت يا بابا هاتفضحنا.
كانت تجلس بجانب خالتها تتساير معاها في امور مختلفة، حتى قاطع حديثهم، صوت جرس الباب، قامت شهد و فتحت الباب، لتجد امامها شاب طويل ورياضي، وسيم، حمحم الشاب بحرج، لتنتبه هي وتفوق من تأملها. احم، حضرتك عاوز مين. ابتسم الشاب بتهذيب: انا عاوز رامي، انتي مين! هتفت شهد بإحراج: انا شهد بنت خالته. رفع سامي حاجبيه باندهاش: بنت خالته!، اخص عليه مقاليش انه عنده بنت خالة حلوة كدا.
اصطبغ وجهها باللون الاحمر لشدة خجلها: شكرا. ثم تابعت قائلة: رامي مش هنا، في شغله. ابتسم سامي بلطف وقال: طيب هاروحله شغله، ابقي سلميلي على طنط صفاء، سلام. اغلقت شهد الباب وسندت راسها عليه وقالت لنفسها: اهدي يا شهد، اهدي هو اول واحد يعاكسك ولا ايه.
في منزل كريم. وضعت ليلى صينية التقديم على المنضدة امام كريمة عمة كريم وجلست بجانب كريم بتوتر، رمقتها كريمة لها بنظرات كلها حدة وقسوة، بلعت ريقها بصعوبة، ثم شعرت بيد كريم تمسك بيديها، نظرت ليديه ثم رفعت بصرها لكريمة بإحراج، وجدتها تنظر لها بغضب، حاولت سحب يديها من يد كريم ولكن كريم أصر وثبت يديها جيدا، انتبهت على صوت كريمة الحاد. ازاي يعني متعملش فرح يا كريم.
هتف كريم بهدوء: اصل والد ليلى لسه متوفي. هتفت كريمة بقسوة: ما يموت، احنا عاوزين نفرح بيك. ترقرقت الدموع في عينيها حاولت منعها، حين اردف جمال قائلا لتطليف الاجواء: بقولك يا كريمة هما حرين، يعملو فرح، ميعملوش براحتهم.
انتفضت كريمة بغضب وصاحت: انت بقيت نسخة منها يا جمال، الله يرحمها ماتت وسابت اثر كبير فيك، بقيت مهمل زيها يا جمال، وسمحت لابنك يتجوز واحدة معرفناش ليها اصل، انت مش شايفها عاملة ازاي، ولا حتى شايف لبسها، باين عليها بيئة اوي. صاح كريم بغضب: عمتي، لاحظي انك بتهيني مراتي وبتهينها في بيتي. اقتربت كريمة من كريم بغضب: انت بتكلمني انا كدا يا ولد.
صاح كريم بجنون هز صوته ارجاء المكان: انا الدكتور كريم، اوعي تكوني فاكرة للحظة ان ممكن اعديلك انك تهيني مراتي، لغاية هنا ولا لأ يا عمتي. حولت بصرها لجمال وقالت: انا ماشية، وبيتك دا انا مش داخله تاني الا لما ابنك يجيلي ويعتذرلي. خرجت كريمة من المنزل، ثم تحرك كريم بعصبية نحو غرفة مكتبه، بينما تحرك جمال نحو غرفته بكرسي، وبقيت هي وحدها، نظرت حولها لا احد، سالت الدموع من عينها وكتمت صوت شهاقتها.
كان رامي يجلس منهمك في عمله، قاطعه دخول سامي، رفع بصره وظهرت ابتسامة خفيفة على فمه وقال: يا اهلا يا عم سامي منور والله. جلس سامي امامه وقال: انا روحتلك البيت على فكرة ومش لقيتك. عقد رامي حاجبيه باستغراب: وانت تروحلي البيت ليه وانت عارف اني في الوقت دا بكون هنا في الشركة. هتف سامي بجدية: اه بس كنت بحسب انك مش هاتروح بعد ما الشاي اتكب على الورق بتاع المشروع.
هتف رامي سريعا: وانت ايه اللي عرفك بان الشاي وقع على الورق. ضحك سامي بخفة وقال: يابني انت نسيت انك كنت بتكلمني وقتها، وبعدها سمعت غلوشة جامدة وبعدها سمعتك انت وبنت بتتخانقو، وحقيقي يارامي مبطلتش ضحك، دمها خفيف اوي، وبعدها سمعتك وانت بتنادي على مامتك، فقولت اقفل كدا عيب. هتف رامي بتهكم: وعيب ليه، ما كنت تكمل وتسمع بالمرة مانت ماشاء الله سامع الخناقة كلها.
ثم تابع حديثه: على العموم دي مش حد غريب، دي تبقى بنت خالتي. هز سامي راسه مؤكدا: اممم منا شوفتها. ساله رامي بحدة: شوفتها فين؟! ضحك سامي بصوت عالي: لا يا رامي ركز بجد، انت مالك شارب حاجة، منا لسى قايلك اني شوفتها لما روحت بيتكو. هتف رامي بضيق: اه، وقولتو ايه؟ امسك سامي ببعض الاقلام الموضوعة امامه وحركهم بطريقة عشوائية واردف: مش حاجة اتعرفنا بس، بس حقيقي مزة، ما تجوزهالي يا رامي.
انتفض رامي من مكانه وقال بضيق: انت اتجننت يا سامي تتجوز ايه، انت ناسي انت ايه وهي ايه؟ مسامي مستغربا: انا ايه وهي ايه مش فاهم فهمني. هتف رامي بضيق: شهد لسى صغيرة يا سامي، ومش هاتتجوز حد كان متجوز قبل كدا. لوي سامي شفتيه بتهكم: مالي يعني ان كنت متجوز قبل كدا ومتفنقاش واطلقنا، اول مرة اشوف حد يعيب علي الراجل المتجوز قبل كدا.
زفر رامي بضيق: في ايه يا سامي، انت هاتحاسبني علي كل كلمة اقولها ولا ايه، انا قصدي انها لسى صغيرة ومش هاتتجوز دلوقتي. هتف سامي بهدوء: والله دي حاجة تقررها هي مش انت، وبعدين مش باين عليها ولا صغيرة ولا حاجة. صاح رامي بتحذير: سامي، الزم حدودك، على فكرة اللي واخد راحتك عليها في الكلام دي تبقى من لحمي ودمي، حاسب وانت بتتكلم عليها.
انتفض رامي من مكانه، وامسك سامي من ياقة قميصه بعصبية واردف بصوت مكتوم: واقسم بالله، لو مش حافظت على حدودك كويس، لاعرفك قيمتك، انا لغاية اخر لحظى عامل حساب الصحوبية اللي بينا، وبعدين يا محترم يا مؤدب انا عمري ما انسى وعدي لاميرة ولا عمري انسى اميرة نفسها، وانا بحب شهد فعلا بس زي اختي، وانا مسمحش ان حد مهما يكون مين هو يتكلم على اختي كدا.
ابعد سامي يد رامي بعنف واردف: وانت عيب تتكلم كدا مع المفروض انه يكون اخوك وصاحب عمرك، انا مش عيل لدرجادي، وبعدين عادي شوفتها وعاجبتني وطلبت اتجوزها، ومعرفش هي صغيرة ولا لأ، كان ممكن تتكلم معايا باسلوب احسن من كدا، انا ماشي يا صاحبي. ترك سامي رامي وخرج، جلس رامي علي احد الكراسى، وضغط علي اسنانه بغيظ وقال: يعني يقول عليها حلوة وعاوزني اسكتله، والهانم اكيد حكت معاه، ماهي رغاية.
في منزل كريم. وقفت ليلى امام مكتب كريم، واخذت نفس طويل، ثم طرقت الباب، سمعت صوت كريم يأمر الطارق بالدخول، فتحت الباب ودلفت بهدوء ووقفت على اعتاب الغرفة، وجدته يجلس على الاريكة مغلق عينيه. هتفت ليلى بتلعثم: احم، هو انت زعلان مني في حاجة. اجابها كريم وهو لازال مغمض عينيه: وانا ازعل منك ليه؟
هتفت ليلى بصوت مهزوز: اصل انت من وقت ما مشيت عمتك وانت متعصب ومضايق، وقافل على نفسك الباب، وكمان انت اتخنقت معاها بسببي. فتح كريم عينيه ثم اشار لها ان تاتي، اعتدل في نومته، اتت عليه وجلست حيث اشار لها، ثم وجدت يديه تجذب يديها ويمسكها بتملك: ليلى، انا عمري ما اسمح ان حد يهينك، انا مش متجوزك علشان تتهاني، انا لو مكنتش وقفت عمتي عند حدها كانت كملت واتطاولت عليكي بزيادة و دا شئ غير مسموح بيه ابدا.
ابتسم كريم، حاول جاهدا منع ابتسامته ولكنه فشل، وذلك بسبب يديها التي مازالت تمسك بيده دون ان تجذبها منه، نهض معها واخذها لغرفة والده طرق الباب بهدوء ودلفوا معا، نظر له جمال بغضب ثم تجاهله ووجه حديثه لليلى خير يا ليلى كنتي عاوزة حاجة. ابتسم كريم على والده، ثم ترك يد ليلى وذهب لابيه وجلس على ركبتيه امامه وهتف بهدوء: حضرتك زعلان مني. هتف جمال بعتاب: دا ينفع يا كريم انا ربيتك على كدا، تهين عمتك كدا.
هتف كريم بعصبية مكتومة: يعني يا بابا عاوزني اسكت وهي بتهين مراتي، دا ميرضيش ربنا. قال جمال بعصبية: تقوم ترد بالطريقة دي، دي عمتك ليها احترامها.
ثم رفع بصره نحو ليلى واستطرد قائلا: ليلى، الكلام دا مش ليكي طبعا، انا زعلان جدا من كريمة اختي وعلى كلامها، بس صدقيني يابنتي، هي كدا طول عمرها، حتى مع ناني ام كريم، بس انا عتبي على كريم ابني، اللي المفروض يرد بس بذكاء، وميحرجش نفسه، ولا يخليها تشرط على حضرته انه يروح يعتذرلها في بيتها. طبع كريم قبلة على يد جمال وهتف: طب قولي ايه اللي يراضيك يا بابا واعمله، انا عمري ما زعلتك، ومقدرش على زعلك.
تنهد جمال بضيق: اللي يراضيني انك تروح لعمتك البيت وتراضيها وتاخد ليلى معاك كمان، هي لازم تعرف ان ليلى بقت جزء من حياتنا، ولازم تتقبلها، وانت بتحبها وهاتكمل حياتك معاها سواء برضاها ولا لا، وبعد كدا اتعود تتحكم في انفعالاتك يا كريم، وتكون اهدى من كدا. قالت ليلى بتلعثم: لا، يا عمي انا مش هاروح في مكان، ولا هافرض نفسي على حد.
هتف كريم بحزم: لا يا ليلى كلام بابا صح، لازم الكل يعرف انك مراتي، واولهم عمتي وتعاملك حلو.
وقف رامي بمنتصف المنزل بغضب وصاح بصوت جهوري: اللي بقوله تسمعيه يا شهد احسنلك. همست شهد لصفاء واردفت: ردي انتي يا خالتي، اصل باين عليه الجنونة طلعت ولا ايه. هتف رامي بغيظ: ما تردي عليا يا هانم. رفعت شهد حاجبيها باعتراض: لا حول ولا قوة الا بالله، مالك يا بن خالتي، ارد عليك واقولك ايه لامؤاخذة، هو انت قولت كلام يترد عليه.
اتسعت عيني رامي وقال بغيظ: بقى كل اللي قولته دا، وفي الاخر تقوليلي هو في كلام يترد عليه. جلست شهد واردفت بلامبالاة: ايوة انا عندي حق، هو دا كلام واحد عاقل، ينفع تقولي متفتحيش باب الشقة تاني، يعني ايه مفتحش باب الشقة تاني، مش فاهمة، اديني سبب مقنع مفتحش بسببه باب الشقة تاني.
كان على وشك الرد ولكن منعه رنين هاتفه، نظر فيه وجده الموظف المسؤول عن مشروعه، ضغط على زر الاجابة سريعا وهتف: اهلا يا استاذ رأفت، خير. رأفت: ... عقد رامي حاجبيه وقال: ايه، بتقول ايه!
شهد انتي باصة ناحية بابا ليه؟ التفت شهد لحمزة وهتفت بحيرة: هو مكنش من شوية بيزعقلي، دلوقتي بيضحك وبيتكلم في التليفون، حقيقي سبحان مغير الاحوال. رمقها حمزة بعدم فهم ثم وضع امامها كتاب باللغة الانجليزية و قال: طب بصي في الانجلش مش عارف انطق الكلمة دي، قوليها كدا.
نظرت شهد في الكتاب و شعرت بالاحراج لعدم معرفتها، تظاهرت بإنشغالها وتركت حمزة دون اي رد، ودلفت المطبخ، بمجرد دخولها، اطلقت العنان لعينيها وبكت بصمت.
عند زكريا كان يجلس بتوتر وعصبية يفكر في أمر زواجه من سلمى، فدلفت عليه مديحة مبتسمة بمكر، نظر لها وقال: ايه يا ما، بتضحكي ليه؟ جلست بجانبه وقالت: اصل انا نزلت لعم حسني المحل بتاعه وكلمته وفرح اوي ومستنينا بليل عنده. اتسعت عينيه، وصاح بضجر: ايه يا ما دا، ازاي تعملي كدا، هو انا كنت لسى قولتلك رأي.
هتفت مديحة بضيق: وانا هاستني رأيك في ايه يا عنيا، انت عارف سنك كام، عندك ٣٠ سنه، هاتفضل عايش على زكراها، لا انا عاوزك تتجوز وتملى عليا البيت دا. هز رأسه برفض وقال: لا، انا فاهمك انتي عاوزني اتجوز، علشان اللي ام ابويا عملته فيكي زمان، تعمليه انتي في مراتي، عندك عقدة لامؤاخذة. نظرت له بصدمة ثم بكت بكاء مصطنع: اخص عليك يا زكريا، بقا انا عندي عقد، دا انا نفسي اجوزك واتملى عليا البيت عيال.
اقترب زكريا منها وقبل جبينها: مش تزعلي ياما مني، بس يعني ملقتيش غير سلمى دي، طب يعني هي هاتخلف وهي عندها السكر. ازالت دموعها المزيفة وقالت: اه عادي بتحمل وبتخلف، ها هنروح بقى لحسني بليل نخطبها. زم شفتيه بضيق وقال: طيب ياما، هاخد الطقم وانزل اكويه تحت. ذهب زكريا باتجاه الدولاب واخرج ثيابه ثم خرج من المنزل، جلست هي باريحية وضحكت بشر وقالت لنفسها.
وانا انسالك يا سلمى كلامك لليلى عليا، دا انا هاوريكي اللي عمرك ما شوفتيه. ( فلاش باك ). عم الفرح في بيت عم احمد، واعتلت الزغاريط والاغاني البيت، فاليوم خطوبة زكريا وليلى، وقفت هي تصطنع الابتسامات اقتربت من عم احمد قائلة: الا قولي امال ليلى فين عاوزة اسلم عليها، قبل ما تطلع للناس. اشار لها والد ليلى قائلا: ادخلي يام زكريا، ليلى جوا في اوضتها معاها شهد وسلمى بيساعدوها في اللبس.
ذهبت هي باتجاه غرفة ليلى ووضعت يديها علي مقبض الباب الا انها توقفت وسمعت: سلمى: والله يا ليلى الله يكون في عونك طنط مامت زكريا صعبة اوي، الصراحة انا مبحبهاش ابدا ولا عمري ارتحتلها، بحس ابتسامتها كدا مش صافية حتى سلامها بردو مش صافي كدا.
هتفت ليلى ضاحكة: البلد كلها بتحس بكدا، بس انا ياستي ماليش دعوة بيها انا ليا دعوة بزكريا وبس، وبعدين انا هاقعد بعيد عنها دا كان شرطي على زكريا، انا مش ناقصة وجع دماغ. هتفت شهد مؤكدة: صح الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح، المهم اتكتمتو بقى خلينا نخلص، اصل الولية القرشانة دي تطب علينا زي القضى المستعجل. تعالت ضحكات ليلى وسلمى عقب جملى شهد، بينما اتسعت عيني مديحة، واردفت لنفسها بغيظ.
: وحيات امي لانتقم من كل واحدة فيكو، واولهم انتي يا خطيبة ابني هانتقم منك اشر الانتقام. بااااك. تملكها الغيظ بعدما افتكرت حديث الفتيات، ابتسمت بغل وقالت: عمري ما نسيت كلامكو، ومع اول فرصة انتقمت من ليلى وشهد، اما انتي بقى هاذلك واربيكي واعلمك الادب وهاجبلك الضغط كمان.
في منزل رامي المالكي. وضعت شهد القهوة على المنضدة امام المعلمة الخاصة بحمزة، نظرت لها المعلمة بتعالي، حين اردف حمزة قائلا: مس هايدي، دي شهد تبقى بنت خالة بابا و صاحبتي. تجاهلتها هايدي ونظرت في الكتاب الممسكة بيه وقالت بفتور : امممم اهلا. رفعت شهد حاجبيها وقالت: اهلا بيكي ياختي.
تركتها شهد ودلفت الى المطبخ، اخذت نفس طويل ثم اخرجته ببطء، ثم جذبت احد الكراسي وجلست عليه وقالت لنفسها: اهدي يا شوشو متعيطيش، اهدي، تعيطي ليه كان ذنبك ايه انك متعلمتيش، لا انا هاعيط، هاعيط وربنا.
لم تحتمل اكثر من ذلك وبكت، فعدم تعليمها ترك اثر في نفسها، اصبح نقطة ضعفها، اصبحت تشعر بالخزي من عدم اكمال تعليميها، دلف رامي الى المطبخ، وجدها تعطيه ظهرها والواضح من حركات جسدها انها تبكي، اقترب ببطئ ووقف امامها وهتف في قلق: مالك يا شهد بتعيطي ليه؟ رفعت بصرها اليه ودموعها تملئ وجها واردفت بضيق طفولي: مفيش. اشار الى دموعها وقال: ازاي مفيش، ودموعك دي، اوعي تكوني زعلانة ان بقولك متفتحيش الباب.
وقفت وهتفت بعصبية: بص انت لو مضايق مني، وكارهني قولي، وخليني امشي، بس مش كل شوية مشكلة. اقترب منها وازال دموعها بيديه، سرت قشعريرة في جسدها اثر لمساته، رجعت بضع خطوات للخلف، حمحم هو بحرج وقال: مين مزعلك يا شهد الحياة. رفعت بصرها اليه بصدمة وقالت: انت ايه اللي عرفك بالاسم دا. ابتسم واردف بهدوء: مش هاقولك الا لما تقوليلي زعلانة ليه؟ احم، انتو هنا وانا بدور عليكو.
التفت كلا من رامي وشهد لمصدر الصوت، وجدوا هايدي واقفة وتنظر لهم بحدة، عقدت شهد حاجبيها وقالت: وانتي بدوري علينا ليه، انتي مش المفروض بتعطي لحمزة الدرس. تجاهلتها هايدي عن قصد ونظرت لرامي وقالت: استاذ رامي، حضرتك انا كنت بدور عليك علشان اشتكيلك من حمزة، ينفع كدا مش مذاكر، اجي اسأله يقولي معرفتش اذاكر، وتقريبا سأل اسمها ايه دي معرفتش.
اغلقت شهد عينيها بعصبية، شعرت بالحرج الشديد، ترقرقت الدموع في عينيها، انتبهت لحديث رامي الحاد: وانتي نظامك ايه هنا يا مس هايدي، حضرتك المفروض بتقولي الكلمة مرة واتنين وتلاتة، وانا قبل كدا قولتلك ان معاه تليفون وتقدري تسجلي الدرس كله بصوتك علشان لما يعوز مراجعة، يرجع للفويس اللي بصوتك، انا ممكن اقرى الكلمة غلط وهي نطقها حاجة تانية خالص. هتفت هايدي بضيق: قصدك ايه، ان انا مقصرة في حق حمزة.
هتف رامي مؤكدا: دا الواضح قدامي يا مس هايدي، بدام حمزة مش عارف ينطق، يبقا انتي مقصرة في الشرح. ابتسمت نصف ابتسامة وقالت: طيب يا استاذ رامي، هاخد بالي من الشرح اوي، ومانشوف التقصير من مين، عن اذنكو. خرجت هايدي، اردات شهد ان تهرب من اسئلة رامي، تحركت صوب الباب، ولكن يد رامي منعتها، استدرات ببطئ ونظرت له بتساؤل، حين اردف مبتسما: مش هاتقولي بقى زعلانة من ايه.
نظرت له باستغراب ثم قالت: انت غريب اوي يا رامي، بتزعق وبعدين تهدى ودا كله في ثواني، انت ازاي قادر تتحكم كدا في نفسك. غمز لها بشقاوة وقال: شوفتي، انا مش اي اي ولا زي زي. نظرت له شهد بعبوس وما هي الا ثواني قليلة حتى تعالت ضحكتها على حديثه، نظر لها رامي بحب، وقال في سره: يخربيت ضحكتك يا شيخة. بالخارج.
ما ان سمعت هايدي ضحكات شهد ورامي، شعرت بالغضب، شردت قليلا وقالت لنفسها: بقى انا اقعد اظبط في نفسي واحبك سنين، وتيجي دي في الاخر تاخدك مني. انتبهت هايدي على صوت حمزة: مس دي حلها كدا صح. هتفت سريعا وهي تحاول التركيز مع ضحكات شهد ورامي : اه، اه صح يا حمزة كمل يالا.
وقفت ليلى بتوتر في غرفتها تنظر الى ملابسها بحيرة، ماذا ترتدي، كريمة انتقدت ثيابها قبل ذلك، جلست بحزن واردفت: البس ايه. عاوزة نصحيتي البسي البلوزة دي، بتبقى حلوة اوي عليكي، لما كنتي بتيجي بيها المستشفى كنت بتبسط اوي. نهضت سريعا بتوتر من الواضح انه كان يقوم بمراقبتها، اصطبغ وجهها باللون الاحمر واردفت بتلعثم: مينفعش البس الوان، انا وال...
قاطعها كريم بهدوء: ليلى عمر الحزن على والدك ما كان باللبس، انا شايف دي كلها مظاهر كدابة، الحزن بيبقى في القلب. هتفت ليلى موضحة: لا هي مش مظاهر كدابة، بس الواحد مبيبقاش له نفس يلبس الوان ويفرح، بيبقى كاره الحياة والدنيا.
صمتت هي قليلا، ثم اخرجت ما في نفسها: طب تعرف انا مش عارفة عايشة ازاي، انا مش قادرة اوصف مدى الوجع والالم اللي جوايا، انا نفسي اخرج اللي جوايا مش عارفة، صحيح انا مببكيش كتير، بس انا قلبي بيبكي على موت ابويا، المفروض ان وجعي بيقل، بس الحقيقة انه بيزيد، انا ساعات بحس انه مماتش، ساعات بحس انه مسافر، بس راجع بعد شوية، انا مش قادرة اصدق انه مات، انا جوايا حاجات كتير اتكسرت وعمرها ما تتصلح.
قال كريم بجدية: طب انتي عارفة انتي طلعتي اهو اللي جواكي ودي خطوة حلوة. ابتسمت ليلى بتهكم وقالت: دا ميجيش نقطة في اللي جوايا. اقترب كريم منها وربت علي كتفيها وقال بهدوء: بس انا فرحان اوي يا ليلي بالنقطة دي، واتمنى انك تزودي كل يوم نقطة هايبقى عندي رصيد كبير انا متأكد. شعرت بالخوف اثر لمسته وبلعت ريقها بصعوبة، ادرك هو حالتها ابعد يديه وقال بحماس:.
طب ايه رأيك تلبسي الفستان الاسود دا، اهو اسود، ومتركيزش على الفراشات البيضة ياستي اعتبري كانها مش موجودة. أومأت هي برأسها واخذته ودلفت الى المرحاض، بينما هتف كريم بضيق: شكلي هاتعب معاكي اوي يا ليلى.
في منزل حسني. ضربت بكفيها على صدرها وهتفت بصدمة: يالهوي يا حسني عاوز تجوز سلمى لزكريا. رفع حاجبيه ببرود وقال: وفيها ايه يا ولية، ماله زكريا! هتفت سميحة بضيق: ماله زكريا، ماله، انت ايه يا حسني مش واخد بالك هو وامه عملو ايه في ليلى. زمجر حسني بحدة وقال: عملو فيها ايه، يكونش اتبلو عليها، وبعدين دا حقه يفضحها في الحارة كلها. اتسعت عينيها بذهول وقالت: حرام عليك يا راجل، دا احنا عندنا ولايا.
وقف هو مقابلها وقال بتحدي: عيدي كدا يا ولية اللي قولتيه، على ايه ياختي، جثتك، اه ماهو فعلا هايبقى علي جثتك، اوعي تكوني فاكرة انك هاتلوي دراعي، لا ابدا، انتي ناسية وصلات الامانة اللي كتباهم على نفسك لحج متولي، اكلمه ومن بكرة اخليه يرفعهم عليكي.
صاحت سميحة بغضب: يالهوي، عاوز تحبسني يا حسني، تحبس مراتك، وبعدين انا يا خويا كنت كتبتهم ليه، مش علشان تفتح محل الجزارة وتقف على رجليك دي اخرة المعروف يا ابو بنتي. لوى حسني يد سميحة خلفها واردف بشر: انا معنديش عزيز ولا غالي، اسمعي كلامي وانتي ساكتة علشان محطكيش في دماغي، بنتك هاتطلع بليل والضحكة من الودن دي للودن دي، فاهمة والا لأ. اردفت هي ببكاء: فاهمة، بس سيب ايدي.
كانت تقف سلمى في الخارج تستمع الى حديثهم، سالت الدموع من عينيها، ذهبت الى غرفتها واغلقت الباب، ثم جلست على فراشها تبكي، والدها يريد ان يزوجها زكريا اكثر شخص كرهته في العالم هو السبب في فراق اختها وصديقتها، اخذت هاتفها وحاولت الاتصال بشهد حتى تنجدها بحل، ولكن لا رد، جلست تفكر ماذا تفعل، تهرب، ام تتزوج زكريا خوفا من تنفيذ والدها لكلامه ويسجن امها، رفعت بصرها الى السماء وقالت بصوت مبحوح:.
يارب ساعدني انا ضعيفة، ساعدني يارب، زكريا لا، زكريا لا يارب، يارب الموت عندي اهون من اني اتجوزه.
في منزل رامي. القت شهد هاتفها بعنف وهتفت: لسى فاكرين تتصلو عليا، دا انتو زي مايكون ما صدقتو امشي، حتى مفكروش يطمنو ان كنت عند خالتي والا لأ، وزي ما قسيتو قلبكو عليا، هاقسي قلبي عليكو. انتبهت لجرس الباب، فتحت باب غرفتها وذهبت باتجاه حتى ترى من الطارق ولكن اوقفها صوت رامي الحاد: هو انتي ليه يا شهد مبتسمعيش كلامي، انا مش قولتلك متقربيش ناحيته.
ضحكت هي باستهزاء وهتفت: انت طبيعي يا رامي ولا نظامك ايه، يعني ايه مفتحش الباب. تجاهلت اوامره وذهبت صوب الباب ووضعت يديها علي المقبض وجدت يديه فوق يديها ويهتف بغضب: انا هنا راجل البيت واللي اقوله يتسمع، فاهمه والا لأ. هتفت شهد بتحدي: طب والله لافتح بقى، اوعى كدا. جذبها بعنف والصقها بالحائط واقترب منها واردف بهمس: بلاش انا يا شهد، اصل انا مجنون وهاتزعلي مني، يالا على اوضتك.
استدار هو وفتح الباب، وجد والدته تنظر لهم بغضب، ابتسم هو ببرود وقال: ايه يا ست الكل دا كله تأخير. هتفت صفاء بضيق: والله قول لنفسك، سايبني ساعة على الباب، وقاعدين تتخانقو، مش عيب على سنكو، وانتو عاملين زي العيال الصغيرة. استدار هو بخفة واردف بخبث: دي شهد السبب، بتحب تعاندني وتضايقني وانا والله في حالي. اشارت هي لنفسها بصدمة: انا!، طب اشهدك يا خالتي في حد عاقل يقول متفتحيش الباب.
امسكت صفاء برأسها بتعب وقالت: اه ياني من وجع الدماغ، وسعو كدا من طريقي والله حمزة اعقل منكو. ذهبت صفاء بينما وقفت شهد امام رامي ونظرت له بغضب: بص بقى انت ولا تكلمني ولا ليك دعوة بيا واقولك الكبيرة انا مخاصمك. قال رامي بتهكم: لا يابت انا اللي هاموت واكلمك، ابعدي كدا، بلا قرف. تسمرت مكانها مصدومة عقب جملته، اردفت بغيظ وقالت: انا قرف، ماشي يا رامي اما وريتك مبقاش انا.
وقف كريم وليلى على اعتاب المصعد ينتظرون قدومه، التوتر بداخلها يزداد، نظر هو لها نظره خاطفة، ثم جذب يديها برقة وهتف بصوت حاني: خلاص متتوتريش، لازم نعمل كدا علشان عمتي تبطل تضايقك، وهي طبعا اكيد مش هضايقك في بيتها، انا معاكي ياقلبي وعمري ما اسمح حد يضايقك ابدا.
شعرت بالخجل عقب نطقه لكلمة قلبي، كلماته بسيطة ولكن لمست شئ ما في قلبها، اخفضت بصرها ارضا وصمتت، بينما وصل المصعد، دلفو ثم ضغط كريم زر الطابق الثاني عشر وماهي الا دقائق ووصل المصعد الطابق المنشود.
جلس رامي امام صفاء بينما هتفت صفاء قائلة: شهد فين؟ قال رامي: في المطبخ، بتعمل الغدا. أومأت صفاء ثم اردفت قائلة: بص انا نزلت النهاردة روحت فعلا زورت قبر ابوك بس عملت مشوار تاني. عقد رامي حاجبيه وقال: مشوار ايه؟ قالت صفاء بهدوء: روحت بعت سلسة دهب من بتوعي، وجبتلك ٥٠٠٠ جنيه، اديهم لسامي. وضعت صفاء المال امام رامي، بينما قال لها رامي بضيق:.
ليه كدا يا ماما، انا كنت هاسد سامي لما المشروع يمشي، انا مش هاخد الفلوس دي. قالت صفاء بحزن: والله ازعل منك يا رامي، انت ليه يابني كدا، مبتحبنيش اساعدك، انا مش حد غريب، انا امك، ودهبي ليك انت واختك، يعني لما تتزنق واجب عليا اقف جنبك، وبعدين مشروعك لسه لما يكمل ويقف هاتتأخر في سداد الفلوس، انا حاسة بيك يابني، الله يكون في عونك، انت مقطع نفسك يا حبيبي، الرحمة شوية بنفسك.
ابتسم رامي ثم قام باحتضان والدته وقال: ربنا يخليكي ليا يا أمي، متحرمش من وجودك في حياتي يارب.
وقفت هي في المطبخ تنظر للشئ الذي في يديها، ثم ابتسمت بمكر وقالت: مش انا قرف، يبقى تتعلم الادب يا رامي. فتحت الغطاء وسكبت قليلا من تلك الزجاجة في صحن رامي، و قلبتهم جيدا، ثم اخذت الاطباق للخارج، ورفعت صوتها: يالا يا خالتو الاكل جاهز.
كانت هي تنظر لمنزل كريمة بانبهار، مصمم على احدث طراز، وضعت الخادمة امامهم القهوة، تمسكت اكثر بيد كريم، عندما لمحت كريمة تأتي في تكبر واضح، ثم جلست بتعالي وقالت: خير يا كريم؟ حاول كريم التحكم في نفسه وقال بهدوء: كل خير يا عمتي، انتي مشيتي زعلانة من عندنا، انا جتلك علشان اراضيكي. ابتسمت هي بتهكم وقالت: لا كتر خيرك يا كريم والله.
ثم نظرت لليلى واستطردت قائلة: انتي، قومي ادخلي المطبخ اقعدي مع الخدامات، لغاية ما اقول لابن اخويا كلمتين. بلعت ليلى اهانتها ثم أومأت نهضت بخزي، وجدت كريم يسبقها، واحاط يديه حولها وقال بابتسامة مصطنعة: معلش بقا يا عمتو، انا هامشي اصل مش فاضي، وعدت ليلى اخرجها النهاردة، عن اذنك نبقى نكمل كلامنا بعدين.
لم يستطيع الصبر لسماع رد كريمة، اخذ ليلى واتجه صوب الباب، ثم خرجو، وقف بعصبية امام المصعد، وضغط بعصبية على زر المصعد، نظرت هي له وجدته في حالة لا يرثي لها، فضلت الصمت.
في منزل رامي المالكي.
خرج رامي من المرحاض بتعب، وجد والدته و شهد وابنه يقفون بتوتر، مدت شهد يديها واخذت يديه وذهبت باتجاه الاريكة، ساعدته على الجلوس، اغمض هو عينيه من شدة الالم، وأن بصوت ضعيف، انبت نفسها على ما فعلته في حقه، فهي لا تعلم بجان نقطتين من الملين في الطعام فسوف تفعل كل هذا، بينما جلست صفاء واخذت تراقب الموقف في صمت، بداية من يد شهد الممسكة بيد رامي، ونظرات القلق والخوف في عينيها، ورامي الممسك بيديها بقوة، تحرك الصغير ناحية والدة وقال ببكاء:.
بابا انت كويس، تعال نروح لدكتور، متخافش هاقوله مش يعطيك حقنة. فتح رامي عينيه بتعب، ونظر لصغيره مبتسما وقال: انا كويس يا حبيبي هما شوية مغص وهايروحو. هتفت شهد بحزن واسف: الف سلامة عليك يا رامي. ابتسم لها رامي، ثم اغمض عينيه وقال في سره: يادي النيله لما بتقولي اسمي بيحصلي حاجات غريبة، يارب صبرني، انا حاسس انها بقت خطر عليا ومبقتش قادر استحمل.
اتفقنا، نقرى الفاتحة، والجواز بعد اسبوعين، لغاية ما شقة زكريا تجهز. أطلقت مديحة الزغاريد، بينما نظر حسني بتحذير لسميحة، انتبهت لنفسها واطلقت هي ايضا الزغاريد مصاحبة لدموع الحزن، نهضت مديحة من جلستها واقتربت نحو سلمى، ثم عانقتها وقالت بفرح مصطنع: مبروك يا حبيبتي، يازين ما اخترت والله جمال وادب.
نظرت لها سلمى نظرة خاوية، ثم نقلت بصرها لزكريا المبتسم لها، القت نظرة غاضبة عليه، وزادها نفور اتجاه، بينما شعر زكريا بالسعادة والفرح واردف في سره: عندك حق يا ما، جميلة اوي وحلوة، ازاي عدت من تحت ايدي، وكمان صغيرة في السن، مخسرتش كتير يا واد يا زكريا.
في منزل رامي المالكي.
كانت صفاء تدور في غرفتها بعصبية تفكر في أمر ما، شعرت هي بمشاعر ابنها اتجاه شهد، هي اكثر شخص تعرفه، وتعرف ماذا يفكر، رامي لم يذق طعم الحب قبل ذلك، تزوج اميرة بناءا على رغبتها من كثرة اصرارها على زواجه، اختار اميرة لادبها و كانت يتيمة الابوين وزميلته في العمل، تزوجها ولم يحبها، ولكن مع ظهور شهد اصبح الوضع خطر، وقفت هي وشردت بتفكيرها قليلا ثم قررت ان تتحدث مع ابنها اولا، خرجت الى الخارج، بحثت بعينيها على شهد لم تجدها، ذهبت بإتجاه غرفة رامي وجدتها تجلس على طرف الفراش وهو نائما يتحدثون بهدوء اقتربت بخفة حتى سمعت:.
شهد بحزن: الف سلامة عليك يا رامي، معلش، مكنتش اعرف والله ان معدتك حساسة. ضحك رامي بخفة: وانتي مالك يابنتي محسساني انك السبب. ارتبكت شهد قليلا ثم حاولت الثبات وقالت: اقصد اكيد انا اتغابيت وحطيت سمنة كتير في الاكل، علشان كدا بطنك وجعتك. قال رامي بهدوء: عادي يا شهد، متخديش في بالك المهم انها عدت.
صمتت شهد قليلا ثم رفعت بصرها، وسألته بفضول: الا قولي يا رامي، انت حق هاتعمل مشروع وكدا، اصل خالتي حكتلي وانا الصراحة مفهمتش حاجة. أومأ رامي براسه وقال: اه مشروع على قدي كدا، مصنع ملابس بس يعني اطفال وحريمي ورجالي كله مش مقتصر على حاجة اللي هايبقى ماشي في السوق هاعمله. جلست شهد باريحية اكثر واردفت: ما شاء الله ومعاك بقى شركا ولا لوحدك.
هتف رامي موضحا: لا بصي في فالدولة جهاز اسمه جهاز تنمية المشروعات الصغيرة، يعني لو حد عنده فكرة مشروع وعاوز يعمله بس امكنياته مش قد كدا، بيعمل دراسة جدوى للمشروع وبيقدمها وهما بيدروسها ولو لاقوها بتعود بنفعة بينفذوها، انا عملت كدا والحمد لله وافقو، جابولي بقية المكن اللي انا عاوزها، لان انا كنت اشتريت شوية مكن ووقفت لقلة الفلوس، فا كنت قاعد قدام التلفزيون في مرة لقيتهم موجودين على برنامج وبيحكو عنه قولت ليه لا ماقدم واشوف يا صابت يا خابت، والحمد لله ربنا وقف جنبي، وزي ما قولتلك جابو بقيه المكن وصرفو الشيك تاني وهاجيب الخامات وخلاص هابدا اشتغل، ادعيلي بس اعرف اسوق المنتج بتاعي واقف كدا على رجلي وانجح.
نظرت له شهد بانبهار وقالت: ما شاء الله عليك يا رامي، بجد انت مثال للشباب الكويسة اللي بتحاول تسعى وتشتغل، انا بجد فخورة بيك، بس معلش انت يا رامي مش شغال محاسب في الشركة، ليه يعني تتعب نفسك في مشروع.
ابتسم رامي لكلماتها البسيطة المشجعة وقال: تسلمي ياشهد، بس ياستي اما بالنسبة ليه فكرت في مشروع تاني هاقولك، متطلبات الحياة بقت صعبة اوي يا شهد وانا كمان مدخل حمزة مدرسة خاصة، وكمان فلوس دروسه وحاجات كتير اوي، غير بقا ظروف البيت، انا ايه اللي يخليني اكتفي بمرتبي، ما ممكن اكبر نفسي، وابقى حر نفسي.
شعرت شهد بالاحراج فهي بمثابة عبئ جديد على حياته: طيب بقولك بما ان انت بتفتح مصنع وفيه ملابس، فانا كنت متعلمة الخياطة وشاطرة موت، انا هانزل اشتغل معاك، ومش عاوزة مرتب انا عاوزة اشتغل وبس. رفع رامي حاجبيه باعتراض وقال: هو انا كنت قصرت في حاجة، شغل ايه اللي انتي عاوزة تشتغليه، لا طبعا كلامك مرفوض يا شهد.
لوت شهد شفتيها بحنق وقالت: يا رامي انا كدا ولا كدا كنت هانزل واشتغل، انا مبحبش قعدة البيت، يا تشغلني عندك، يا تسيبني انزل ادور على شغل، وعلى فكرة عمر ماشغل الواحدة ما كان اهانة ليا، بالعكس انا كنت قريت في كتاب اللي قدرت افهمه يعني انه بيعمل مكانة كدا وحاجة كبيرة ليها.
اعتدل هو في نومته وجلس واردف بعصبية: هششششش بلاش كلام اهبل، مكانة ايه وبتاع ايه، انتي تقعدي هنا مفيش حركة ولا نزول ودا اخر كلام، ودلوقتي يالا اعمليلي ينسون بطني وجعتني تاني. شهد بنفاذ صبر: بص يا رام... قطع كلامها دخول صفاء، نظرت لها شهد وابتسمت: اهي خالتي حبيبتي اللي نصفاني هاتحكم ما بينا. قالت صفاء بهدوء: لو سمحتي يا شوشو، اعملي لرامي ينسون وانا شاي وبعدين تعالي حكميني زي ما انتي عاوزة.
أومأت لها شهد وتحركت خارج الغرفة، بينما جلست صفاء بالقرب من رامي وتحدثت بصوت خافت: انا عاوزك في موضوع مهم، واسمع الكلمتين الاول، وبعدها قول رأيك وبلاش صوت عالي علشان مش عاوزة شهد تسمع. نظر لها رامي باهتمام واردف: قولي يا ماما.
تحدثت صفاء بجدية: بص يا بني، انا مش عارفة اللي هاقوله صح ولا غلط، بس انا حاسة من جوايا ان هو دا الصح، انا مش هاعرف اسيبك انت وشهد واسافر لاختك السعودية الا وانتو متجوزين، لان يابني مينفعش تقعدو لوحدكو الشيطان شاطر، وكمان الناس تقول ايه، ودي سمعة بنت، وكمان انت عصبي وبتتخانق معاها على اي حاجة وهي كرامتها ناقحة عليها وكل ما تزعقلها تقول اسيب البيت وامشي، وانا اليوم اللي امها طردتها فيه، اعتبرتها بنتي، ولايمكن اسيبها ابدا مهما حصل.
حاول رامي التحكم في اعصابه وقال: تقصدي بايه الشيطان شاطر لان دي النقطة اللي لازم ارد عليكي فيها لان كل اللي قولتيه بالنسبالي تفاهات، علشان يا ماما انا لا يهمني ناس ولا حد يقدر يتكلم عليها بنص كلمة، ولا هي تقدر تسيب البيت وتمشي وانا وعدتك بكدا حتى لو اتخانقت معاها صبح وليل. زمت صفاء شفتيها بضيق وقالت: الشيطان شاطر يا رامي، بصتك لشهد مش مريحاني، واوعى تكدب عليا، انا امك و فاهمك كويس اوي.
قالي رامي بضيق: بصي يا ماما، شهد بالنسبالي اختي وبس، انا لايمكن اتجوز بعد اميرة، لا يمكن احب بعد اميرة، انا قفلت قلبي وخلاص، لكن شهد استحالة يا امي تكون مراتي. رفعت صفاء حاجبيها باعتراض: دا اخر كلام عندك. ابتسم رامي ابتسامة مزيفة وقال: اه طبعا اخر كلام، انا وشهد استحالة، في فروق كتير ما بينا اصلا، هي عاوزة حد شبهها علشان يقدر يعيش معاها، وانا عمري ما اتجوز حد غير اميرة.
وقفت شهد على باب الغرفة واستمعت لحديث رامي، سالت الدموع من عينيها، ذهبت لغرفتها واغلقت باب الغرفة وبكت على حالها.
في منزل حسني. جلست سلمى تنظر بعداء شديد لزكريا، بينما ابتسم زكريا كالابله، زفرت هي بضيق شديد، فحمحم قائلا: ايه يا ست البنات، شكلك مضايقة من خطوبتنا. نظرت له باندهاش عقب جملته واردفت: طب كويس انك فاهم اني مضايقة، مكمل انت ليه بقى، انت ترضى على نفسك تتجوز واحدة مش عاوزك. ابتسم زكريا ابتسامة مصطنعة عكس البركان الذي بداخله وقال: مش عاوزني ليه يا سلمى.
قالت سلمى ببرود: علشان انت مالكش امان بتغدر، غدرت بصاحبتي وهي اكيد ملهاش ذنب في اللي حصلها، انت عارف وانا عارفة كويس مين هي ليلى وشهد، فضحتها في الحارة ومهنش عليك انها كانت في يوم خطبتك، اقولك بقى انا بكرهك يا زكريا لانك السبب في بعد اختي عني.
انتفض هو من جلسته واردف بلغظة وقال: انا اللي ماليش امان، ولا هي السافلة اللي غدرت بيا وسمحت لواحد يلمسها، انتي بتكرهيني، انا بقى هاقولك الكبيرة، انا اللي هاكون السبب في موتك يا سلمى هاكسر قلبها بيكي، لما تعرف ان اتجوزتك، وهانتقم منك علشان انتي بتحبيها، صدقيني يا سلمى انتي هاتموتي علي ايدي وايد امي، استعدي بقى لجحيم زكريا اللي بتكرهيه. ذهب صوب باب الغرفة وفتحه بعنف وصاح بأعلي صوته: يا ماا تعالي هنا.
خرجت مديحة مهرولة: في ايه يا زكريا. قال زكريت في اقتضاب: مفيش يالا. لوت مديحة شفتيها في تهكم وامالت على حسني الواقف بجانبها: خلي بنتك تفك بوزها يا حسني، انا ابني مش اي حد، هي بنتك كانت تطوله، دا اخر تحذير ليها. القت مديحة نظرة غاضبة على سلمى، ثم خرجت من البيت، فور خروجها اندفع حسني بإتجاه سلمى وجذب شعرها في يديه وصاح بصوته الجهور وقال: ايه يابنت ال، عملتي ايه في الراجل، دا انا هاموتك الليله دي.
صرخت سميحة واردفت بعصبية: . سيبها يا حسني هاتموت في ايدك. دفعها حسني على الارض وتحدث بغلظة: بصي يابت انا بقولك اهو انتي تتظبطي مع زكريا، هو انتي كنتي طايلة تتجوزي واحد زيه، دا انتي معيوبة وعندك السكر، والعرسان بتطفش لما بتعرف انك عيانة، انا عاوز اخلص من همك وقرفك، ولو فكرتي بس انك تهربي والله لاجيبك ووقتها هاقتلك، فهميها يا ولية انا معنديش عزيز ولا غالي.
ترقرقت الدموع في عيني سلمى عقب حديث والدها، بينما ربتت والدتها على كتفها واردفت: قومي معايا يا سلمى، قومي يا ضنايا اوديكي اوضتك.
في منزل رامي المالكي. طرقت صفاء باب غرفة شهد بهدوء، ثم دلفت وجدتها تجلس وتنظر لهاتفها بحزن، اقتربت منها وشاهدت اسم اختها سميحة علي شاشة الهاتف، تملكها الغضب، جذبت الهاتف من يد شهد بعصبية وضغطت علي الزر وقالت: الو. هتفت سميحة بتساؤل: صفاء.
قالت صفاء باندفاع: اه صفاء اختك اللي نسيتها وبقيتي سنين مبتكلميهاش علشان جوزك المحترم، عاوزة ايه يا سميحة بتتصلي على شهد ليه، سيبها في حالها، انتي مش رمتيها، جاية دلوقتي تسألي فيها، ودا كله علشان خاطر مين المحروس حسني، رميتي بنتك ومسألتيش وصلت هنا ولا لأ، زي ما عملتي زمان وقطعتيني سنين علشان حسني الزفت حالف عليكي بالطلاق، تقاطعي اختك يا سميحة، بقولك ايه اللي ما تعزش عليها بنتها واختها تبقى واحدة مش همها الا مصلحتها وبس، من النهاردة انسي ان ليكي بنت، انسي ان ليكي اخت، بنتك بقت بنتي وانا المسؤولة عنها، ويالا من غير سلام.
اغلقت صفاء المكالمة دون سماع رد سميحة، القت الهاتف ثم جلست بجانب شهد واخذتها في احضانها ظلت تمسد على راسها بهدوء، بينما الاخرى بكت بكاء مرير.
في منزل حسني. نظرت سميحة للهاتف بصمت، ثم رفعت بصرها لابنتها واجهشت بالبكاء، هتفت سلمى قائلة: في ايه ياماما، هو مين كان بيكلمك، خالتو صفاء. هزت سميحة راسها دون كلام، بينما هتفت سلمى بهدوء: طب قولي هي قالتلك ايه. قالت سميحة بصوت مبحوح: اقول ايه يا سلمى، اقول ان اختي سمعتني كلام يدبحني، طب اعمل ايه محدش حاسس بيا، ابوكي وماسك عليا شيكات لو خالفت كلامه هايكلم حج متولي يحبسني بيهم و..
قاطعتها سلمى: ماما هو بابا مكنش سدهم. اردفت سميحة بغيظ: سدهم الظالم بس ماسكني بيهم، علشان الحج متولي صاحب عمره خلاه يحتفظ بالشيكات وكل ما اجاي اخالفه يجي ويهددني بيهم، انا خلاص تعبت. زمت سلمى شفتيها في ضيق وقالت: معلش يا ماما اهدي، طيب هو انتي مبتكلميش ليه خالتو صفاء.
ضحكت بسخرية وقالت: ابوكي بردو السبب، بعد موت مصطفى ابو شهد، ابوكي ضحك عليا واتجوزني، صفاء وجوزها مش عاجبهم حسني وكانو شايفينه طماع، وهو حس بكدا، علاقتنا انا وصفاء مكنتش مستقرة اوي، بس جه طلب مني استلف من صفاء ١٠٠٠٠ جنيه علشان محل الجزارة وقتها عليه ديون، رفضت راح ضربني علقة، اضطريت و كلمتها واتوقعت ترفض بس هي كدا صفاء طيبة وافقت، بعد ما اخدتهم بشهر حلف عليا بالطلاق منا مكلماها واقطع علاقتي بيها، انا يابنتي كنت هاعمل ايه بشهد وبيكي، كنت هاروح فين، قطعت معاها وانتو كبرتو و عيالها كبرو ومحدش يعرف عن التاني حاجة، بس هي الصراحة، بعتتلي رامي ابنها مرة سأل عليا، ولما ابوكي منه لله عرف، ضربني وهددني بيكي انه هاياخدك مني، فبعتلها رسالة مع واحدة جارتي متكلمنيش تاني ولا تبعتلي ابنها تاني.
نظرت سلمى لسميحة بغضب: ايه دا يا ماما، ايه ضعف الشخصية دا، انتي ازاي كدا، مضيتي شيكات على نفسك لواحد المفروض انه صاحب بابا، وكمان بابا سدهم وسايبة بابا عادي يزل ويهين فيكي، كمان اختك اللي مدياكي فلوس وانتي بتتهربي منها، انتي ازاي كدا. انتفضت سميحة بغضب وقالت: دا جزاتي يا سلمى، يعني انا في الاخر استاهل كدا، انا كنت بخبي عنكو ليه، علشان متشلوش همي، بقى انا دلوقتي غلطانة.
هتفت سلمى بضيق: ايوة غلطانة، انتي ضعفك دا ودانا في ستين داهية شهد اهي مشيت وبعدت عننا، وانا هايجوزني لزكريا هو وامه يموتوني. هتفت سميحة بنبرة مهزوزة : خلاص يابنتي انا هاروحله واقوله انك مش هاتتجوزي زكريا، وانا السجن مصيري. اغلقت سلمى عينيها بتعب وقالت: خلاص يا ماما انتي عارفة كويس اوي اني مش هارضى تتسجني بسببي و كمان ايه يعني هي جوازة ولا اكتر، متتكلميش مع بابا تاني في حاجة وخليني اخلص.
أومأت سميحة ثم خرجت و ذهبت لغرفتها، دلفت واغلقت الباب جيدا ثم اخرجت من دولابها صندوق صغير فتحته واخرجت منه بعض الصور القديمة، امسكت صورة ثم قالت بصوت مبحوح:.
غلطت اكبر غلطة في حياتي يا ابو شهد، غلطت بعد ما اتجوزت بعدك، اتهنت، بقيت ابيع بناتي علشان خوفي من ان ادخل السجن، انا خايفة اوي يا مصطفى من اللحظة دي، عشت طول عمري معززة مكرمة، وفي لحظة حياتي اتقلبت جحيم بقيت انام احلم بكابوس دخولي السجن، انا عارفة ان انا انانية لما فكرت ابيع شهد وارميها واهو ببيع سلمى كمان، انا تعبانة اوي يا مصطفى، ومبقتش لاقية حل، حسني بينتقم منك فيا، مش ناسي اللي زمان عملته فيه، بينتقم وانا كنت غبية وصدقته، كلام صفاء اختي طلع صح، انا بتعذب يا مصطفى، حاسة ان نهايتي على يد حسني.
سمعت سميحة صوت حسني الغليظ خارجا، وضعت الصور في الصندوق واغلقته جيدا ثم وضعته في الدولاب، ازالت دموعها تنهدت بقوة وقالت: يارب كون معايا، انا ضعيفة اوي.
في منزل كريم. ضحكت ليلى بصوت خافت ثم قالت: ياااه ياعمي دا اخت حضرتك صعبة اوي. تنهد جمال ثم قال: يوووه صعبة بس، طب انتي مش ملاحظة اسم كريم وكريمة. عقدت ليلى حاجبيها وقالت: فعلا لاحظت بس قولت عادي يعني.
هز راسه بنفي ثم قال: لا عادي ايه، انا هاحكيلك ياستي، ناني مراتي عرفت انها حامل فرحنا اوي، جت كريمة قالت لو بنت هاتتسمى علي اسمي، انا رفضت لان كنت ناوي اسميها على اسم ناني، وطبعا كريمة كانت حاسة بكدا فكانت بتغير فأصرت بقى وعلشان ناني طيبة قالت خلاص لو جت بنت نسميها كريمة، جه بقى ولد أصرت تسميه كريم، هي كانت بتعاند طبعا علشان متديش فرصة لناني تسمي ابنها.
ابتسمت هي بتهكم وقالت: مرات حضرتك كانت غلبانة اوي. هتف جمال موضحا: كانت طيبة يا ليلى، كانت بتحب في تعيش جو فيه سلام نفسي، مبتحبش تعيش في ضغوطات نفسية، كانت بتحب تريح كريمة علشان تشتري دماغها. نظرت ليلى لغرفة كريم المغلقة ثم قالت: هو كريم من وقت ما جينا قافل على نفسه مبيتكلمش ليه. قال جمال: المفروض انك تكوني انتي الي عارفة، وبدام حسيتي انه مضايق، يبقى المفروض عليكي تروحيله وتسأليه وتحاولي تخففي عنه.
نظرت هي بتوتر لباب الغرفة، ظلت حائرة ما بين ان تذهب وتسأله عن سبب ضيقه، او تتجاهله حتى لا تعطيه أمل في علاقتهم.
في منزل شهد. هتفت شهد بعتاب: حتى يا خالتي لو كان هو وافق انا مكنتش هاوافق، انا مستغرباكي الصراحة ازاي تفكري كدا. قالت صفاء بتساؤل: وايه بقى اللي انتي مستغرباه يا شهد. قالت شهد بضيق: انك تفكري كدا، يا خالتي انا اول ما دخلت البيت دا وانا اعتبرت رامي اخويا الكبير، وعمري ما حسيت منه انه بيعاملني معاملة غير اخ لاخته.
ثم تابعت بانكسار: وبعدين ياخالتي في فرق بيني وبين رامي، انا شهد اللي مكملتش تعليميها ودا رامي ما شاء الله محاسب قد الدنيا، في فرق يا خالتي.
قالت صفاء بقلة صبر: بلاش تفكيرك العقيم دا ياشهد، هو اه يانعم التعليم حلو، بس انتي ما شاء الله عليكي بتعرفي تقري وتكتبي، وكمان عندك دراية بحاجات كتيرة اوي في الحياة مش جاهلة يعني، وبعدين يا ستي خلاص انا غلطت لما فكرت كدا انا اسفه ليكو، ممكن بقى تفكي بوزك دا، خلاص انتي و رامي اخوات.
ابتسمت شهد ثم جذبت يد صفاء وقبلتها: بجد انتي احن قلب يا خالتي، ربنا يخليكي ليا، انا عارفة انتي فكرتي كدا ليه، فاكرني يعني لما رامي يزعقلي هاسبله البيت، لا طبعا انا مش هاعمل كدا انا على قلبكو. قهقهت صفاء عقب جملة شهد وقالت: يالهوي عليكي بتعيطي وتضحكيني في نفس الوقت، يارب تقعدي على قلبي على طول. قالت شهد بفخر: اي خدمة.
وضعت صفاء كلتا يديها على وجه شهد واردفت: اوعي يا شهد تسيبي البيت دا وانا مسافرة، دا بيتك مش بيت رامي، اوعي يابت، يعلم ربنا اليوم اللي انتي جتيلي فيه وانا اعتبرتك بنتي اللي خلفتها، عاوزة اجاي الاقيكي وبعدين يا شوشو انا عاوزكي تخلي بالك من رامي وحمزة حطيهم في عنيكي.
قبلت يد خالتها وقالت: متخافيش انتي سايبة وراكي اسد، بس وحياتي يا خالتي قولي لرامي انزل معاه المصنع انا بكره القعدة في البيت وكمان اشغل وقتي اللي هو في فالشغل وحمزة في مدرسته. قالت صفاء بنبرة هادئة: حاضر يا شهد، هاخليه يشغلك معاه، بس خليكي هادية وبلاش مشاكل، رامي خلقه ضيق. هتفت شهد بحماس: انا مفيش اهدى مني، هاشتغل وماليش دعوة بحد.
في منزل كريم. وقفت ليلى امام غرفة كريم حائرة، واخيرا حسمت قرارها وقررت الدخول، طرقت الباب ثم دخلت وجدته يجلس على الاريكة ينظر في هاتفه، اقتربت وجلست على طرف الاريكة واردفت بصوت هادئ: مالك يا كريم، من وقت ما جينا وانت قاعد في الاوضة. رفع بصره وقال متصنعا اللامبالاة: مفيش. صمتت ليلى، ترقرقت الدموع في عينيها، ثم قالت بصوت حزين: هو انا عملت حاجة غلط عند عمتك، قولي لو في حاجة غلط عملتها.
رفع كريم بصره واندهش من دموعها، ترك الهاتف من يديه، ثم اقترب منها وقال بصوت حنون: بتعيطي ليه يا ليلى، قولت ايه يخليكي تعيطي، انا مش زعلان منك ولا عملتي حاجة غلط عند عمتي. هتفت ليلى بعصىبيه: امال افسر بايه اللي انت عامله من وقت ما جينا، مبوز في وشي، وقاعد لوحدك، انت بتحسسني انك مغصوب عليا، انا مبقتش فاهمة حاجة.
هتف كريم موضحا: لا يا ليلى، انت اللي محسساني انك مغصوبة عليا، علشان كدا بحاول ابعد علشان مضايقكش. قالت ليلى بحنق: لا يا كريم قول الحقيقة، انت قبل ما تنزل كنت كويس، روحنا عند عمتك قلبت، في ايه. ابتسم على مجادلتها معه ثم قال: انا زعلت علشان عمتي وكلامها، عمرها مهتتغير، مش عارف بابا عنده اصرار كبير يقحمها في حياتنا. ابتسمت ليلى من بين دموعها وقالت: يقحمها!، ايه الكلام دا.
شعر هو بالسعادة لابتسامتها، اقترب بخفة، ثم جذب يديها برقة وقال: تعرفي ايه اكتر تلات حاجات حلوة النهاردة حصلت. بلعت ريقها بتوتر ثم قالت بتلعثم: ايه هما. اقترب اكثر ونظر مباشرة لعينيها ذو اللون العسلي الصافي وقال بهمس: اول حاجة انك قولتي كريم مش دكتور كريم. ثم تابع بهمس مع اقترابه اكثر: تاني حاجه انك حسيتي بيا وانا مخنوق، وابتسامتك طلعت تاني ونورت الدنيا.
ثم اقترب اكثر فلم يعد يفصل بينهم انش واحد، قال وهو ينظر لفمها المكتنز: تالت حاجة اني هاعمل كدا ويومي هايتقفل باحلى حاجة حصلتلي. جذب كريم راسها نحوه وامال على شفتيها ينهل منهما ما يريد.