هتفت مجيبة بلامبالاة :- اسمي سعادة .. سعادة سعيد ابوالسعد..
قهقه وقد واتته الفرصة للأخذ بثأره على طبق من فضة :- حصل لنا منتهى الانشكاح ..
ثم هتفت متسائلة :- صحيح ..مقلتش هو انت اسمك ايه !؟..
تردد قليلا قبل ان يهتف أخيرا :- حزن ..
تطلعت اليه في شك لكنها ما ان ايقنت انه اسمه الحقيقي فعلا حتى انفجرت ضاحكة وهتفت من بين قهقهاتها :- بتهزر صح !؟..
اكد في غيظ :- لاااه .. ده اسمي يا ست سعادة ..
حِزن عايش الضنك ..واوعاكِ تضحكي والا هرچع ف كلامي واخد كوفيتي واغور..
لم يكن الامر محتملا .. حاولت ان تضغط على نفسها لتمنع تلك القهقهات التي تتزاحم بحنجرتها لتخرج صادحة .. جاهدت جهاد الابطال لوأدها لكنها لم تستطع لتخرج مجلجلة في تلك الساعة من الليل ..
فصول نوفيلا
صاحبة السعادة والسيد حزن
نوفيلا
صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول
دخل الي الحارة في ذاك الوقت المتأخر من الليل، كانت هذه عادته ان يتسلل الى حجرته بعد ان يكون الجميع قد هجع للنوم حتى لا يكون مضطرا لمقابلة صاحب البيت المتهالك الذي يسكن فيه مطالبا بأجرة الغرفة المتأخر في سدادها للشهر الثالث على التوالي..
وصل الى البيت ودفع بوابته الحديدية الصدئة فأصدرت صريرا مزعجا ينم عن غضبتها لإيقاظها من رقادها في هذه الساعة..
صعد الدرجات الأربعين التي تفصله عن سطح البيت حيث غرفته الوحيدة به، اخرج مفتاحها من جيب جلبابه وعالج به القفل بصعوبة في هذا الظلام المنتشر حوله..
دفع الباب في حذر وولج للحجرة واضعا ربابته على الطاولة العرجاء وجلس بحرص متأوها في إرهاق على ذاك الفراش الذي يدفع النوم بعيدا عن الاعين دفعا قسريا بهذه المرتبة المتأكلة والوسائد التي خلت تقريبا من القطن وألواحه التي فقد بعضها فأصبح المسافة بين كل لوح وأخيه كافية لينزلق جسده بينهما..
تمدد متطلعا للسقف المشقوق بالأعلى وهمس لنفسه وهو يلتف لينام على جانبه الأيمن: - مش مهم، كله هايبجى تمام باذن الله..
واغمض عينيه يحاول ان يوازن جسده على الفراش الخرب حتى راح في سباب عميق لايدرك كيف سيأتي الغد وهو لا يملك بجيبه ثمن إفطاره، ولا يعلم كم سيصبر عليه صاحب البيت من اجل أجرته المتأخرة، لكنه نام يحلم رغم ذلك بالغد الوردي..
صرخت نعمات في صدمة وهى تضرب بباطن كفها على صدرها في لوعة: - اتجوز عليا!؟، حسبنا الله ونعم الوكيل، اشوف فيك يوم يا سعيد يابوالسعد، يجي ويحط عليك..
هتفت سعادة وهي تربت على كتفها تحاول تهدئتها: - معلش يا خالتي، عادة ابويا ولا هيشتريها يعني!؟، ما هو اتجوزك على خالتي سنية ومن قبلهم كانت امي الله يرحمها..
صرخت بها نعمات في غيظ: - قطيعة تقطعك انت وأبوك ف ساعة واحدة، ولما هو بسلامته اتجوز سايبك ليا اعمل بيك ايه!؟، حاجة من ريحته!؟، مستكفية ياختي كفاية عليا دوول..
وأشارت لإخوة سعادة المبعثرة أجسادهم
نيام..
هتفت سعادة في اضطراب: - قصدك ايه يا خالتي..!؟.
جذبت نعمات كف سعادة ودفعت بها باتجاه باب الشقة التي لا يصح ان يطلق عليها لقب شقة من الأساس، فهي عبارة عن حجرة بدورم كانت ف الأصل غرفة مخزن مكونة من اتساع كبير تم تقسيمه بأغطية الفراش الممزقة لحجرات يتجمع بها اخوتها الخمس كما تراهم اللحظة حتى انه لا متسع لحركة قدم توضع ما بين إلتصاق أجسادهم، فتحت نعمات الباب ودفعت بسعادة خارج الشقة هاتفة: - روحي ياختي لأبوك ومراته الجديدة، خليها تنفعه وتتفعك..
وأغلقت الباب في وجهها بعنف اجفل سعادة التي وقفت على أعتابه متشبثة بأسياخ الطاقة الحديدية وطرقت في تضرع: - افتحيلي والنبي يا خالتي، افتحيلي ومن النجمة همشي، طب ابات الليلة دي بس وبعدين اعرف ابويا فين وأروح له..
فتحت نعمات الباب بالفعل لكن ليس لان قلبها رق لابنة زوجها ولكن لتدفع ببعض ماء من دلو قذر امام باب الشقة حتى تمنعها من النوم حتى على الأعتاب مما دفع سعادة لتشهق في صدمة تحاول تجنب الماء حتى لا تبتل ملابسها مندفعة باتجاه الدرج تعتليه للخارج وهتفت في قلة حيلة وزوجة ابيها تهم بغلق الباب: - طب هاتي هدومي من جوه..
هتفت نعمات في غل: - هدوم ايه يا ام هدوم، هي الهلاهيل دي بتسميها هدوم!؟، روحي ياللاه اتكلي على الله، روووحي..
صرخت عنايات بكلمتها الأخيرة في غضب وهي تغلق الباب بوجه سعادة في عنف كاد ان يخلعه لتتركها وحيدة في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل لا سقف يظلها ولا تملك مليما واحدا تضمن به قوت يومها على الأقل..
كانت تنوي النوم امام عتبة البيت حتى الصباح لكن ما باليد حيلة وقد اصبح المكان كله مبتلا بماء قذر مما دفعها لتكمل صعود الدرجات التي تفصلها عن باب البيت متطلعة للعالم المجهول خارجه لا تعلم ما عليها فعله..
ما هذه الصرخات والهتافات المدوية، اما من سبيل للنوم براحة في هذه الحارة المنكوبة بسكانها..
تعالت الصرخات من جديد ليستشعر ان الأرض تميد به مترنحة وتنبه لتحذير واحد وصل لمسامعه جعله ينتفض من سباته ملتقطا ربابته واندفع يقفز الدرج في سرعة ليتزاحم جسده مع باقي سكان العقار الذي يبدو انه ينهار في تلك اللحظة على رؤوس قاطنيه..
لحظات وكان يلتقط أنفاسه في تتابع من اثر الصدمة بعدما ايقن انه نجى باعجوبة من الموت تحت انقاض ذاك البيت الذي يبصره بالكاد من بين غبار ركامه المتطاير والمنتشر هنا وهناك حاجبا الرؤية عن الجميع..
جلس بأحد الأركان البعيدة عن ذاك الصخب والعويل وقد استيقظت الحارة كلها على صوت انهيار المنزل ليتحول بها الليل لنهار..
ما عاد له بقاء بهذه الحارة ولم يعد لديه ما يربطه بها، هو يعلم حظه التعس، وماذا بعد الحزن اسما حتى يعلم ان الحزن سيرافقه دوما طوال حياته، الا يقولون ان لكل امرؤ نصيب من اسمه، فماذا ينتظر واسمه هو، حزن..
كان امامه العديد من البيوت ليسكن بها لكنه لم يختر الا هذا البيت، وما العجب وقد ايقن تماما ان لا اختيار جيد واحد قام به في حياته..
نهض مبتعدا وسار حتى كلت قدماه ولازال النهار بعيدا وهو تقريبا لم يغمض له جفن، وجد نفسه
امام خرابة بنهاية احدى الحارات، دخلها وجلس على احد الأحجار الموجود بها مستندا برأسه على الجدار الملاصق محتضنا ربابته متشبثا بها وراح في نوم عميق..
كان البرد ينخر عظامها وهي لا ترتدي الا تلك العباءة التي لا تقيها قرصاته، كانت ترتجف موضعها لكنها قررت العبث بما حولها لعلها تجد غطاء ما ممزق او بعض القطع الكرتونية التي يمكن جمعها لتصنع لنفسها حائط صد امام تيارات الهواء البارد الذي يكاد يحولها الى تمثال متجمد..
تحركت هنا وهناك وما ان عثرت أخيرا على بغيتها ووجدت ذلك الصندوق الكرتوني حتى سمعت صرخات رجولية مصدومة تهتف في ذعر: - عفريتة، عفريتة الخرابة..
تطلعت لموضع الصوت محاولة استيضاح مصدره في ذاك الظلام الدامس الا من لمبة خافتة الضوء بأحد أعمدة الإنارة التي تقف كأشباح ما عادت تخيف أحدا لتجده لشاب يقف مرعوبا ملتصقا بالحائط خلفه..
اقتربت منه تحاول إظهار حقيقتها الا انه صرخ من جديد: - عفريتة، لا تأذيني ولا ااذيكي..
انصرفي، انصرفي..
لكنها لم تنصرف بل كانت تقترب منه اكثرا بغية تهدئته وتأكيد هويتها البشرية لكنه لم يحتمل الصدمة وسقط غائبا عن الوعي..
انتفض مبتعدا ما ان لامس وجهه رزاز المياه الذي اندفعت تحضره من اقرب صنبور عمومي وهم بان يصرخ من جديد وهو يرى ذاك الشبح لامرأة متشحة بالسواد تطل عليه في رقدته الا انها هتفت في محاولة لطمأنته: - انا مش عفريتة متخفش، انا إنسية..
هتف في شك: - احلفي بالله انك بني ادم زيي زيك..
هتفت مؤكدة: - والله العظيم انا بني أدمة زيك بالظبط..
هتف متعجبا: - طب ايه اللي چابك الخرابة ف وجت زي ده!؟.
هتفت مجيبة: - هو نفس السبب اللي جابك..
اعتدل قليلا وهو لايزل يتوجس منها لتستطرد متسائلة: - انت صعيدي!؟.
اكد في اعتزاز: - ايوه، ليه!؟.
ابتسمت هاتفة في سخرية: - امال اترعبت ليه ووقعت من طولك..!؟.
هتف في غيظ: - اني مترعبتش، اني بس اتاخدت على خوانة..
هتفت تشاكسه: - اتاخدت على خوانة!؟، هو العفاريت ف بلادكم بتديك خبر قبل ما تظهر ولا ايه!؟.
هتف في غضب: - لاااه بجولك ايه!؟، اني محدش يتريج علي، ده اني راچل وسيد الرچالة كمان..
همت بالنهوض هاتفة: - تشرفنا يا سيد الرجالة..
هتف متعجبا: - على فين يا اسمك ايه انت!؟.
هتفت مجيبة بلامبالاة: - اسمي سعادة، سعادة سعيد ابوالسعد..
قهقه وقد واتته الفرصة للأخذ بثأره على طبق من فضة: - حصل لنا منتهى الانشكاح..
تجاهلت سخريته متوجهة الي حيث وجدت صندوقها الكرتوني لتحمله حيث ذاك الطرف الخفي من الخرابة لتحصل على قسط من النوم في تلك الليلة العجيبة التي يبدو انها بلا نهاية..
وهتفت تستحثه ليعود لموضعه مبتعدا عنها: - انت يا صعيدي، ارجع مكانك بقى وسبني ف حالي، خلي الليلة دي تعدي على خير، كفاية البرد اللي متوصي بيا ده، هموت متجمدة..
وهمست تحدث نفسها حتى ظن انها جنت: - ليه كده بس يا عم سعيد!؟، ده وقت جواز!؟، طب كنت استني الصيف واتجوز براحتك، اهو مكنش الواحد اترمى ف البرد ده..
سمع همهماتها فاستحثته نخوته ليقترب من موضعها يخلع عنه كوفيته الصوفية التي كان يتلحف بها ومد كفه بها اليها هاتفا: - خدي يا ست بهجة..
هتفت متطلعة من خلف جدارها الكرتوني: - اسمي سعادة، وبعدين اخد ايه!؟، مش..
أخرست كفه الممتدة بكوفيته لسانها متطلعة اليها في رغبة لجذبها على الفور لكنها همست متسائلة رغم ادراكها مقصده: - ايه ده!؟.
هتف مؤكدا: - الكوفية عشان تدفيكي، البرد الليلة دي شديد جوي..
همست وهي تمد يدها بالفعل تتناولها متسائلة: - وانت!؟.
اكد مشيرا لصدره: - متجلجيش، اني متعود ع النوم ف الطل..
بدأت في فرد الكوفية الصوفية العريضة متلحفة بها في سعادة غامرة وقد شعرت ان الدفء قد بدأ يغزو جسدها قليلا فهتفت ممتنة: - انا متشكرة قوي يا..
ثم هتفت متسائلة: - صحيح، مقلتش هو انت اسمك ايه!؟.
تردد قليلا قبل ان يهتف أخيرا: - حزن..
تطلعت اليه في شك لكنها ما ان ايقنت انه اسمه الحقيقي فعلا حتى انفجرت ضاحكة وهتفت من بين قهقهاتها: - بتهزر صح!؟.
اكد في غيظ: - لاااه، ده اسمي يا ست سعادة..
حزن عايش الضنك، واوعاك تضحكي والا هرچع ف كلامي واخد كوفيتي واغور..
لم يكن الامر محتملا، حاولت ان تضغط على نفسها لتمنع تلك القهقهات التي تتزاحم بحنجرتها لتخرج صادحة، جاهدت جهاد الابطال لوأدها لكنها لم تستطع لتخرج مجلجلة في تلك الساعة من الليل..
وفي ظل محاولاتها لتحد من صخب تلك القهقهات تعجبت عندما وجدته يشاركها ضحكاتها في أريحية ولم يغضب كما كان يدعي بل انه هتف من بين ضحكاته: - ليك حج تضحكي والله، هو ده اسم يرضي ربنا!؟، اجول ايه بس!؟.
الله يسامحك ياما..
ابتسمت ولم تعقب ليهتف وهو يشير لموضعه السابق: - اني راچع مكاني، لو احتجتي حاچة نادمي علي، جولي يا حزن الحزن هتلاجيني جصادك..
ضحكت لمزاحه هاتفة: - زي جزر بتاعت إسماعيل ياسين!؟.
قهقه مؤكدا: - تمام، الله ينور عليك، ياللاه، تصبحي على خير..
همست بدورها خلفه: - وانت من اهل الخير..
اتجه الى موضعه الأول وانزل طاقيته الصوفية حتى مستوى أذنيه وضم جسده بذراعيه جلبا لبعض الدفء محاولا الخلود للنوم من جديد قبل ان تستيقظ الحارة..
تاااااابع اسفل