رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والعشرون
كانت ريم تركب السيارة جوار ظافر متجهان لمكان لا تعلمه ريم ولكنها تسير معه بناءًا على وعده بنزهة لطيفة!.. لازالت تتذكر مجيء الشرطة للمستشفى ذلك اليوم واستجوابهم لظافر، صدرت عنها تنهيدة عميقة وهي تراقبه بطرف عيناها هاتفة بتساؤل شارد: -ظافر، ألم يُحزنك إخباري للشرطة ذلك اليوم؟ تفرق ثغره بابتسامة حانية متزامنة مع حروفه المؤكدة بحزم حاني:.
-بالطبع لا، إن لم تفعلي ذلك لكنت اعتقدت أنني لا أهمك كثيرًا...! ابتسمت بتوتر ولكنها سألته رغم ذلك لتطمئن قلبها الذي يضخ بجنون مرتعد: -هل لي أن اسألك؟ ماذا سيحدث الان!؟ أنت لا تريد أن تخبرني بأي شيء! إلتفت ظافر لها، أمسك يداها الصغيرتان بين كفاه الكبيران، يربت عليهما بحنان ثم همس لها برفق:.
-لا تخافي صغيرتي، لن يحدث شيء مهم، أنا ارسلت احدهم لشركة ذلك اللعين ليعمل لديهم فترة ثم يفديني لأعوض خسارتي، بالأضافة لكونهم مشغولون بتحقيقات الشرطة معهم تلك الفترة بسبب شكوتنا، والان نحن سنذهب مدة يومان نقضيهم بمفردنا باسترخاء حتى يخبرني رجلي أنه أتم ما كلفته به! ثم سألها مشاكسًا يقلدها: -هل توجد اسئلة اخرى؟ هزت رأسها نافية بابتسامة عاشقة، ليشغل هو السيارة ويتجه بها نحو المكان المقصود...
بعد فترة ليست بطويلة... أوقف ظافر سيارته بمكان هادئ امام بحر، ترجل من السيارة وهو يشير لريم أن تنزل بابتسامة حنونة، توجها معًا نحو سفينة كانت تستقر على الشاطئ ليصعد ظافر اولاً ثم يسحب ريم برشاقة خلفه... كانت الابتسامة تزين وجهها حتى قبل أن ترى مفاجأته، تخللت يداه يداها برفق وهو يسحبها للداخل...
وبمجرد أن دخلوا كانت المفاجأة، السفينة من الداخل مظلمة لا يُنيرها سوى الشموع، وبعض الورود مُلقاه ارضًا بأول حرف من اسم ريم بالأنجليزية، وبعض البالونات في الأعلى مُلصقة، شهقت ريم بصوت مسموع وهي تحتضنه، الفرحة تغلغلت لمسام روحها باتساع، وذلك الشعور أن احدهم يحاول إسعادك يجعل كيانها كله ينبض بعشق ذلك الرجل... نظرت له بامتنان يصل للسماء وهمست: -شكرًا، شكرًا كثيرًا...
ابتسم هو بحنان يراقب تلك الفرحة التي تلمع كالوميض السحري بعيناها، ثم أشار لها برأسه متمتمًا: -هيا تعالي اعددت لعشاء سيعجبك اومأت مسرعة بحماس، ولكن هي تسير إلتوت قدماها فجأة فصرخت بألم وكادت تقع ولكن يد ظافر كانت الأسرع لتحيط بها وهو يقربها منه بتلقائية، أصبح وجهها مقابلًا لوجهه تمامًا، العيون تتقابل في ملكوت آخر والقلوب تصدح بتناغم لا ارادي...! همس ظافر بمشاكسة وهو يغمز لها بطرف عيناه:.
-بدأتُ احب هذا المكان! حينها ضحكت ريم وهي تنتفض مبتعدة عنه بخجل واضح، سار ظافر بهدوء يسبقها وهو يفتح الثلاجة ليُخرج شيكولاته من احدى الانواع الفخمة، اشار بها امام عيناها وهو يسألها بنبرة مرحة: -ألم تكن تلك الشيكولاته المستوردة من الولايات المتحدة التي كنتي تريدينها؟ اومأت مؤكدة وهي تنتشلها منه بفرحة كالطفلة الصغيرة، فتحتها ريم بحماس ولكن قبل أن تأكلها كان هو ينتشلها منها بمكر، نظرت له بحنق مغمغة:.
-ماذا؟ فتحها هو ببطء ثم كسر قطعة منها ليضعها بفمها ولكن بلحظة وبسرعة البرق كان يُقبلها هو ما إن وضعها بفمها، يلتهم ثغرها المُلطخ بالشيكولاته بلهفة انغمست برنين الشوق ودقات القلوب الجهرية... بعد ايام... كان علي يتقدم نحو السجن الذي يقطن به ثامر بعد أن أخذ الأذن وبصعوبة لزيارته، وبالفعل دلف له بكل ثقة ليهب ثامر منتصبًا ما إن رآه...
لوهله اعتقد أنه نجح وأسيل قد أجهضت، فارتسمت ابتسامة متشفية مريضة على ثغره وهو يهتف: -علي الجبوري بنفسه قرر زيارتي! يا مرحبا اقترب علي اكثر ثم أردف بصوت خبيث مُلون بالغل والحقد: -جئت لأخبرك بخبر سعيد بدأت دقات ثامر تزداد بقلق، وخيط خياله المنتشي يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا لما اراده...! ولكنه سأله بصوت حاول جعله قوي: -ما هو؟
حينها جلس علي واضعًا قدم فوق الاخرى، ثم نظر له يأهب عيناه لاستقبال ردة فعله على الصفعة الكلامية التي سيُسددها علي له وتابع: -سارة المسكينة في مستشفى الامراض العقلية لم تستطع تخطي صدمة اغتصابها! بل واعتراف احد المجرمين للشرطة بأنه مَن حاول أن يصدم أسيل بسيارته باتفاق معك... ثم نهض تتسع ابتسامته وهو يكمل:.
-بمعنى أنه لم يعد لك اي شخص يساعدك في الخارج، ومدة سجنك بدلاً من ثلاث سنوات زادت للخمسة! اعتقد أنك ستُبشر بذلك الخبر بعد قليل ولكني فضلت أن اخبرك انا به.. كان كل شيء ينهار أمام عينا ثامر ، ما خطط له، مَن كانت تساعده، تيقن من خسارته التامة ل أسيل، وسيظل حبيس بين اربع جدران لخمس سنوات كاملة يعلم الله وحده كيف سيقضيهم...!
صرخ بجنون وهو يضرب الحائط عدة مرات بينما علي يبتسم بتشفي وراحة تامة تهاجم جوارحه الغائرة...! ثم استطرد ببرود ثلجي: -الى اللقاء، اووه عذرًا أقصد الوداع! ثم سار بكل هدوء متجهًا للخارج تاركًا ذاك الذي كاد أن يفقد عقله حرفيًا...
في احدى الايام... يستمر تجاهل حور لعاصي الذي كادت أن تتلف اعصابه من ذلك التجاهل الذي يُهلك روحه ويخدش كرامته بقسوة ولكنه دائمًا ما يرمم تلك الخدوش بعشقه الدفين لها حتى ينال ذلك الغفران الذي شعر أنه تخطى ابواب السماء واصبح صعب المنال بل مستحيل...! خصص لها مكتب خاص جواره تمامًا حتى لا تكون في الخارج تختلط بذلك وذاك، تجاهل أعماله التي تركها عندما سافر وجاءها دون تفكير بمجرد أن علم مكانها من علي...
للحظات يوسوس له شيطانه أن يأخذها عنوة ويعود بها لمنزلهم ولكن ترن جملة علي بأذنيه كالرعد دائمًا عاصي، لقد أخبرتك بمكانها حتى تذهب خلفها وتُشعرها أنها لها قيمة، أنها ليست منسية، أنك ستفعل المستحيل لتنال غفرانها، لا لتجبرها على ما لا تريده وحينها لن اقف اشاهد، ارجو ألا تخذلني ! تأفف بضجر وهو يتجه للمكتب الذي تقطن به، الاسباب التافهه التي يتخذها حجة ليراها اصبحت مكشوفة جدًا حتى لبعض الموظفين...!
حتى انه ذات مرة توجه لها ليخبرها أن احد العملاء سيأتي وأن تحضر له بعض الاشياء التي لا تهم بالمرة... ولكن لا يهم، كل الذي يهمه أن يعود ويرى ذلك العشق يُنير تلك العينان التي لا تجعلناه ينام الليل بارتياح بالرغم من أنه يقطن بأحدى المنازل الملتصقة بمنزلها...!
طرق باب مكتبها مرة واحدة ودون أن ينتظر كان يفتح الباب ليدلف بتلقائية ولكن تجمدت عيناه بصدمة وهو يرى احد الموظفين يجلس امام حور ويبدو أنه ممسكًا بيدها، احتدت عيناه حتى أصبحت كجمرة من النار خلقتها الشياطين، اقترب منهم بسرعة البرق ونظراته لا تدل على خير ابدًا فانتصبت حور بفزع تتراجع للخلف وهي تدعو أن يمر الامر بسلام ولكنه لا يبدو كذلك اطلاقًا...!
خلال لحظات معدودة كان عاصي يجذب ذلك الرجل من قميصه بعنف ليُسقطه أرضًا وهو يلكمه ويضربه في اجزاء متفرقة بجنون، بينما حور تصرخ بفزع وهي تحاول تفريقهم ولكن عاصي كان كالثور الهائج، وكأنه أطلق حرية الوحش المستكين داخله، وترك إعصار الغيرة المجنون ليتحكم به!.. وعندما كاد الرجل أن يفقد وعيه صرخت حور مزمجرة في عاصي: -يكفي عاصي ارجووووك.
واخيرًا تركه وهو يلهث بصوت مسموع، يحدق به بشراسة وكأنه يود قتله في تلك اللحظات ليُسكت لهيب الغيرة الذي يحرق دواخله بجنون...! أمسكت حور عاصي بسرعة وهي تنظر للاخر مرددة بتوجس: -هيا انهض ارجوك وغادر الان وبالفعل نهض ليغادر ولكن قبل أن يخرج كان عاصي يصرخ بصوت جمهوري مُحذر: -بلا عودة، وإن رأيتك بالقرب منها ولو بمحض الصدفة أعدك ألا أتركك إلا وأنت تلتقط انفاسك الأخيرة...!
خرج بالفعل يمسح الدماء التي لخطت وجهه ترسم غيرة ذلك المجنون على ملامحه، وما إن تأكد عاصي من خروجه حتى جذب حور من ذراعها يقبض عليهما بعنف حتى تأوهت بألم هامسة: -عاصي ذراعي بدأ يهزها بجنون، غمامة الغيرة تعمي عينيه عن أي شيء، لا تصل أي انذارات لعقله سوى أن احدهم كان يمس جزء منها...! ثم صار يهدر فيها بعنف مستنكرًا ما إلتصق بذاكرته:.
-كيف تتركينه يمسك يدك هكذا؟! تجاهلتيني ولم اعترض، أهنتيني واحكمت زمام اعصابي لأصمت، هربتي دون علمي وايضًا لم أحاسبك، ولكن يصل الأمر أن يلمس رجل آخر جزء منكِ! هذا ما لن أصمت عنه ابدًا...! عضت حور على شفتاها تحاول تمالك نفسها، تحاول كبت تلك الدموع التي تتسابق لتنهمر مغرقة وجنتاها، سمعته يهزها بعنف اكبر وهو يسألها بنفس الصوت الحاد: -ما الذي كان يفعله ممسكًا يدك اجيبيني؟
ابتلعت ريقها عدة مرات، ثم بدأت تخرج الحروف من بين شفتاها عنوة وهي تخبره: -سقطت الأسوره فكان يحاول مساعدتي لأرتديها مرة اخرى فقط رغم اعتراضي، لم يكن يمسكها اعجابًا منه بي! كز على أسنانه والغيظ المغموس بغيرته العاصفة مازال يحرق الاخضر واليابس داخله، ثم أردف بصوت أجش متملك: -رغم ذلك لم يكن يجب عليكِ أن تتركيه يساعدكِ، الاقتراب منكِ ولمس أي جزء منكِ ولو يداكِ، ملكية خاصة لي فقط!
تركها اخيرًا وهو يتنفس بعمق، يتماسك ويتماسك ثم تأتي الغيرة كالعاصفة التي هبت على اوراق شجر متماسكة بصعوبة لتدمر تماسكها ذاك...! نظر لها ثم استطرد يحاول تهدأة نفسه: -في المرة القادمة لا أعدك أن اتمالك نفسي ورد فعلي لن يكون مجرد صراخ وغضب فقط!.. حينها رفعت هي عيناها له تقول بصوت متحشرج مهزوز من البكاء الذي يشرف على حروفها رغمًا عنها: -لا يحق لك التدخل بحياتي اساسًا سيد عاصي، لا تنسى ذلك!
كادت تستدير لتغادر ولكنه امسك يداها جيدًا ثم سحبها خلفه نحو الخارج، حاولت هي إفلات يدها من بين قبضته وهي تتشدق بحنق واضح: -عاصي اتركني ماذا تفعل؟! ولكنه كان متجاهلاً اياها تمامًا حتى اصبحوا امام حشد من الموظفين، فجذبها له ببطء حتى أحاط خصرها بيداه حتى أصبحت ملتصقة به، شعر بتلك الرعشة التلقائية التي انتابتها بمجرد أن مستها يداه، ولكن ما هز أعماقها حرفيًا هو صوته الذي صدح في الارجاء يتابع:.
-حور تكون زوجتي، ويعني ذلك أنه لا يحق لأي شخص منادتها دون ألقاب حتى، ولا احتاج أن اقول أن مَن سأراه من ** الرجال يختلط بها بأي طريقة دون سبب واضح ومُحدد سينال عقاب ليس هينًا! ثم استدار بنفس الهدوء وهو يسحب حور معه متجاهلاً الهمهمات التي بدأت تصدر عن الموظفين بينما حور يكاد الخجل أن يشطر وجهها نصفين من شدة تأثيره عليها...!
ما إن دلفا إلى الغرفة أمسك عاصي يداها الاثنان بين يداه برقة، ليرفعها لشفتاه ثم قبلهما بكل ذرة حنان يمتلكها، ليرفع عيناه التي تفيض حنانًا وعشقًا لون بريق عيناه الرمادية فهمس بخشونة: -اعتذر حوريتي ولكن أرجو ألا تختبرين صبري مرة اخرى خاصةً في غيرتي عليكِ...! سحبت يداها من بين يداه بسرعة وهي تتمتم: -حسنًا ابتعد اتركني.
زفر عاصي بضيق واضح، بعد دقيقة واحدة تقريبًا سمعوا طرقات هادئة على الباب فقال عاصي بهدوء: -تفضل حينها دلفت امرأة بخطى واثقة نحو الداخل، وتلقائيًا كانت نظرات حور تتفحصها بتركيز انثوي غيور، بدءًا من خصلاتها الصفراء التي تصففها بعناية وتتركها تنساب على ظهرها ومساحيق التجميل الواضحة، حتى ملابسها الضيقة التي تبرز مفاتنها بشكل مقزز! وفي اللحظة التالية كانت تقترب من عاصي جدًا وتصافحه بابتسامة ناعمة مرددة:.
-سررتُ كثيرًا برؤيتك سيد عاصي، لم أصدق عندما أخبرني أسامة أنك أنت مَن ستتسلم العمل لفترة لحين عودته ابتسم عاصي ابتسامة عملية وهو يردف: -وانا اكثر سيدتي.. ثم اشار لها أن تجلس بلطف: -تفضلي ثم نظر لحور التي كادت النيران أن تخرج من اذنيها من شدة الغيرة التي بدأت تشتعل ببطء في فتيل عشقها الذي كانت تحاول دفنه داخلها، ليستطرد ببرود مصطنع: -يمكنكِ أن تنصرفي حور، نتحدث لاحقًا!
إتسعت حدقتاها بذهول، منذ دقيقة يُقبل يداها بحنان والان يأمرها بالمغادرة ببرود ليجلس مع تلك الشمطاء؟!.. رمتهما بنظرة حادة مشتعلة لو كانت تنتمي لخيوط الواقع لكانت إنغرزت بهما كالسهم السام، وبالفعل غادرت وهي تتمتم بصوت خفيض: -حسنًا سيد عاصي أنا سأريك كيف تخرجني لتجلس مع تلك اللعينة بمفردكما! ثم لوت شفتاها وهي تقلدها بغيظ: -سررتُ برؤيتك سيد عاصي!، لعنك الله عكرتي صفو مزاجي!..
وصل كلاً من علي و أسيل إلى أحدى العمارات لتشاهد اسيل احدى المنازل التي اختارها علي ليصبح منزلهما... توجها نحو المصعد بهدوء لتدلف أسيل اولاً ثم علي من بعدها، ولكن فجأة وبمجرد أن تحرك المصعد شعرت أسيل بدوار خفيف يداهمها فاستندت بتلقائية على علي فأحاطها هو بذراعاه دون تردد هامسًا: -ما بكِ حبيبتي؟
هزت رأسها نافية بصمت، حينها لاحظ هو ذلك الوضع، هي بين أحضانه تمامًا، وجهها امام وجهه مباشرةً، ابتسم بمرح ثم قال: -بدأت أشك أنكِ تتعمدين أن يمسكنا احدهم في حالة تلبس في المصعد! ضحكت أسيل برقة ثم رفعت رأسها بتلقائية لتصطدم مقدمة رأسها بشفتاه... حينها امسك وجهها بين يداه، ينظر لعيناها التي دائمًا تسحبه للغرق بها، ثم همس بصوت منخفص مثقل بالعاطفة الحادة: -القبلة لا تصبح هكذا عزيزتي، بل هكذا.
قال اخر كلمة وهو يغمزها بطرف عيناه بمكر، ليهبط لمستواها يسرق شفتاها في قبلة سريعة ولكنها عميقة اثارت زوبعة من المشاعر اللاهبة داخلها وداخله ايضًا... ابتعد بعد دقيقة يتنفس بصوت مسموع ليُفتح المصعد على مصرعيه، سارت أسيل امامه دون كلمة اخرى لتتجه للمنزل بسرعة.. دلف علي ليرحب بهم صاحب المنزل ثم بدأوا يشاهدون المنزل بتفحص...
ولكن فجأة امسكت اسيل برأسها ليزداد ذلك الدوار ومن دون مقدمات كانت تسقط مغشية عليها بين ذراعي علي الذي صرخ بأسمها فزعًا...
كان ظافر يقف امام ابراهيم الجبوري بهدوء يتوسله الانتباه للحظات فقط ليخبره ما اراد، بينما الاخر يتفحص شيء على اللابتوب ببرود، حينها زمجر ظافر فيه بعصبية خفيقة: -عمي، لن يحترق الجهاز إن نظرت لي دقيقتان فقط! لوى شفتاه بامتعاض يسأله: -هااا؟ اخبرني ظافر ماذا حدث؟ تنحنح عدة مرات قبل أن يخبره بجدية تامة: -اريد تحديد موعد زفافي انا وريم صمت ابراهيم للحظات، ثم سأله ببرود:.
-وهل أنهيت مشاكلك مع ذلك الرجل قبل أن تتزوجا؟! اومأ مؤكدًا وهو يحاول التمسك بخيوط الهدوء التي كادت تنساب من بين يداه: -نعم، في الغد في المناقصة سأدمره نهائيًا وآخذها انا كما حاول تدميري، بالاضافة الى كونه ربما يقضي شهور في السجن اومأ ابراهيم بلامبالاة متابعًا: -ليس لدي مانع، احضر والداك ولنحدد اقرب وقت مناسب بما أن المنزل جاهز وكل شيء اومأ ظافر مؤكدًا بحماس هادئ: -حسنًا عمي، غدًا في الثامنة نكون عندكم.
ثم استدار ليذهب حينها اقتربت منه ريم توعده بابتسامة واسعة تقطر سعادة وحماس ليس أقل منه، ليلتقط قبلة سريعة لشفتاها متمتمًا: -إلى اللقاء حبيبتي إتسعت حدقتاها وهي تزجره بحدة: -ظافر عض طرف شفتاه بمكر يخبرها بهمس عابث احرق وجنتاها من الخجل والحرج: -قلب ظافر، كلها ايام قليلة حينها سأفعل ما اشاء بكِ وليس مجرد قبلة يتيمة بريئة.
ثم غادر يضحك على وجهها الذي اصبح كحبة طماطم لامعة بينما هي تحدق في اثره بهيام لم تستطع اخفاءه...!
بعد إنتهاء العمل في الشركة... هبطت حور كعادتها تنوي التوجه لمنزلها كالعادة يوميًا، ولكن فجأة توقفت متسمرة مكانها عندما رأت تلك الشمطاء التي لا تعلم لها أسم حتى الان، تقترب من عاصي الذي كان يركب سيارته، قالت له شيء ثم ضحكت وهي تركب معه ببطء ناعم... ودون تردد او تفكير كانت حور تقترب منهم بسرعة البرق، دفعتها وهي تركب مرددة بدهشة مصطنعة:.
-اووه حقًا اعتذر لم ألاحظ انكِ تودين الركوب جوار زوجي في مكاني!؟ تلون وجه الاخرى بألف لون ولون وهي تنظر لعاصي وكأنها ترجوه أن ينقذها بأي كلمة ولكن عاصي كان مبتسمًا بصمت يراقب الغيرة التي تستوطن نظرات حور مشوبه بالشراسة الانثوية الحادة في تلك المواقف... فابتلعت ريقها بتوتر وهي تتابع قائلة لحور: -اعتذر سيدة حور لم اكن اعلم أنه ينتظرك.
تجاهلتها حور وهي تركب جوار عاصي، امسكت كفه الخشن العريض تخلل اصابعها في اصابعه وهي تهمس بابتسامة باردة دون أن تنظر لها: -ليست مشكلة، إن كنتي تودين المجيء تفضلي!؟ هزت الاخرى رأسها نافية بسرعة: -لا لا، شكرًا لكما حينها إنطلق عاصي بسيارته لينفجر ضاحكًا بصخب، تأففت حور بغيظ وهي تفلت يده ليهز رأسه نافيًا وهو يعود يمسك يدها: -لا، اتركيها، للحظة كدتُ اتوقف لأشكرها لأنها استطاعت تحريك جبل الثلج!
كادت حور أن تعترض بحنق مغتاظ ولكن فجأة إتسعت عيناها بفزع وهي تلمح احدهم لتصرخ بعاصي بسرعة أن يتوقف و...
رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون والأخير
وبالفعل خلال لحظة كان عاصي يقف، بدأت الحروف تهتز بعنف بين شفتاها وذكرى ما حدث تتماوج بين ثنايا عقلها دون توقف...! واخيرًا استطاعت النطق بحروف متقطعة لا يربطها سوى توترها وفزعها المفاجئ: -عاصي، هذا الرجل، هذا الرجل هو مَن أختطفني ذلك اليوم هو وبعض الاشخاص!
اتسعت عينا عاصي بشراسة مبطنة، الغل الذي هشم دواخله كالصدئ في الحديد عاد ليطفو على سطح جوارحه الغائرة ليسب بصوت مسموع وهو يفتح الباب يكاد يترجل من السيارة بسرعة: -لعنه الله ذلك الحقير سأقتله.. ولكن وجدوه يركب سيارة ما ويسير بها لذا ومن دون تردد كان عاصي يشغل المحرك وينطلق خلفه، بينما حور تردد بنبرة مرتعدة: -عاصي لا، دعنا نعود رجاءًا لا تذهب خلفه لا نضمن ماذا نفعل.
ولكن عاصي لم يعطي كلامها أي اهتمام، كانت عيناه تتحرك مع حركة ذلك المعتوه تلقائيًا، وعقله لا يسير سوى في نقطة واحدة يتمحور حولها، أن ذلك اللعين تجرئ عليه وعلى أهم شخص بحياته وبأسوء الطرق...! هبط ذلك الشخص بعد فترة امام احدى المنازل، نظر عاصي لحور بسرعة قائلاً بجدية حادة يُحذرها: -لا تنزلي من السيارة مهما حدث، أفهمتي حور؟
كادت تعترض ولكنه لم يعطها الفرصة، ترجل من السيارة وهو يغلق الأبواب بعناية، ثم إنطلق خلف ذلك الشخص... ولكن حور بالطبع لم تكن لتنتظر، القلق يدب باب مشاعرها في تلك اللحظات بعنف..! ترجلت خلفه بتهور تسير خلفه وهي تنظر يمينًا ويسارًا، لتهمس تبث نفسها الشجاعة التي فرت ادراج الرياح: -إن كان خيرًا فليكن معًا وإن لم يكن فأيضًا معًا...!
بينما عاصي تبع ذلك الشخص ولكن قبل أن يدلف لمنزله كان عاصي يسحبه من ملابسه بعنف وهو يصرخ فيه: -أيها ال ماذا تريد من زوجتي؟! والآخر كان مذهولاً يحدج بعاصي الذي كان كأعتى الرياح عندما تهاجم استكانة النسيم، بدأ عاصي يضربه بعنف ويكرر سؤاله بلا توقف: -ما الذي كنت تريده منها؟ بماذا أذتك تلك المرأة؟ دفع عاصي عنه بقوة ثم صاح يسأله مستنكرًا: -أي زوجة يا هذا؟! ومن أين لي أن اعلم مَن تكون زوجتك؟!
أمسكه عاصي من تلابيبه يزمجر فيه بجنون وكأنه سيرتكب جريمة حتمًا: -زوجتي الحامل التي اختطفتموها أنت وبعض الأوغاد مثلك وفي تلك اللحظة كانت حور تقف على بُعد مسافة قريبة منهم، تتابعهم بقلق رهيب وعيناها تكاد تخرج من مكانها لهفةً لتحتضن ذلك الوحش الكاسر الذي تعشقه...! حينها إلتفت لها عاصي يهدر بانفعال: -لمَ أتيتي؟ آآ...
وقبل أن يكمل باقي صياحه كان الآخر يُخرج سكين صغير مستغلاً إنشغال عاصي ب حور ثم ودون تردد كان يُصيب عاصي بها بعشوائية في بطنه...! صرخة حور إنطلقت لحظة ولادة صرخة عاصي التلقائية المتألمة، نقطة واحدة كانت غائرة، صادمة، وما بعدها مجرد فراغ! ولكن لحسن الحظ ان ذلك الرجل لم يغرزها بعاصي بل أصابه في جوف البطن فقط، أمسك به عاصي جيدًا حتى لا يفلت من بين يداه وراح يضربه بعنف اكبر واكثر...
وبالطبع كان الآخر يقاوم ولكن بنية عاصي الجسمانية ساعدته على الصمود، بدأ الرجل يلتقط أنفاسه اللاهثة بأرهاق مرددًا: -حسنًا، حسنًا سأخبرك أنتظر! امسكه عاصي بأحكام متجاهلاً ذلك الألم الذي يزداد داخله مع الحركة.. وبالفعل بدأ الرجل يتحدث ولكن بكلامه، كان ك من ينتقل من حقبة زمنية مشحونة لأخرى هادئة تفرغت من شتى الانفعالات الوهمية...! -خطيبتك هي التي جاءت لي مع شخص أعرفه وطلبت مني أن أفعل ما فعلته.
كان عاصي على حافة جنونه من الذهول ولكن رغم ذلك سأله بصوت مشدود: -خطيبتي مَن أيها اللعين؟ صمت الاخر برهة من الزمن ثم نطق بتوتر: -لا اذكر جيدًا ولكن أعتقد كان أسمها ريهام! حينها وبحركة مباغتة كان عاصي يضرب رأسه بقوة ليفقد الآخر وعيه بعد دقيقة تقريبًا، نهض عاصي يُخرج هاتفه ينوي الاتصال بالشرطة ولكن حور ركضت نحوه تنظر لجرحه بلهفة وهي تصيح فيه بخوف:.
-بماذا تشعر؟ هل يؤلمك؟ هل هو غائر؟ أنتظر لنراه قبل أن يزداد النزيف ويصبح الامر اخطر، لا لا بل هيا نذهب للمستشفى، ولكن انتظر لأربطها لك، عاصي آآ... قاطع عاصي ثرثرتها الطفولية المرتعدة وهو يرفع وجهها له ببطء يضع إصبعه على شفتاها لتصمت، تلوى ثغره بابتسامة ماكرة وهو يهمس لها: -أوتقولين أنكِ لا تحبيني؟ أنتِ تعشقيني حوريتي!..
للحظة توترت وهو يصل لأعمق احساسها مستغلاً تلك الزوبعة من المشاعر التي تتضادد داخلها، ولكنها اومأت وهي تعاود النظر لجرحه بنبرة طفولية: -لقد كنت أكذب كما كنت تكذب أنت أيها الأحمق هل ارتحت الان؟ نعم انا أعشقك ولم أستطع أن اجبر نفسي على كرهك!.. رمى عاصي نظرة سريعة لذلك الرجل الفاقد الوعي وهو يردف مشاكسًا:.
-ما رأيك عندما يعود لوعيه أخبره أنتظر رجاءًا لنكمل حوارنا ثم هاجمني مرة اخرى كما تشاء لأن زوجتي العزيزة وأخيرًا حنت عليّ ؟! بدت حور وكأنها انتبهت لتلك النقطة فابتعدت على الفور ليتصل عاصي بالشرطة وهو يبلغهم بما حدث بكل هدوء...
بعد فترة وبعد إنتهاء تحقيقات الشرطة كان عاصي يسحب حور بعد هدوء بعدما ساعده احدهم ووضع له ضمادة على جرحه... نظرت له حور بتوتر متساءلة: -إلى أين سنذهب الان؟ لم ينظر لها بل كانت نظراته تسبح في عالم آخر اتصاله مباشر بعقله فقط، ثم رد ب: -سنقوم بشيء تأخرت كثيرًا في فعله.
ابتلعت حور ريقها بازدراد ولم تنطق مرة اخرى، وداخلها يعلم أن كلامها سيصبح مجرد صفر على اليسار في معادلة لا يُحيكها سوى عقله المذبذب بشتى الأحداث...! وصلا امام منزل ريهام فأخرج عاصي خاتم خطبته من صندوق في السيارة وهنا ابتسمت حور تلقائيًا فهو لم يكن يرتديها ابدًا منذ أن ارتبط بتلك المعتوهه ريهام... ترجل عاصي من السيارة بهدوء هامسًا لها: -هيا تعالي حوريتي.
وبالرغم من القلق الذي لم تستطع منع وصول ألوانه لخلفية مشاعرها إلا انها سارت معه بكل هدوء بالفعل... دلفا تجاه المنزل فأطرق عاصي الباب عدة مرات بهدوء، فتح له زاهر والد ريهام الباب ثم هتف بدهشة: -عاصي! خيرًا تفضل هز عاصي رأسه نافيًا بكل برود وهو يخبره: -لم آتي لأتفضل... ثم ألقى نظرة سريعة تجاه ريهام التي ظهرت تراقب الموقف بحذر، ليرمي الخاتم ارضًا باشمئزاز متابعًا:.
-جئت لأخبركم بأسفي وتقززي من نفسي لأني ناسبت واحدة ك ريهام وإن كان شكليًا، وليكن بعلمكم لم اكن مَن أختارها ابدًا، بل حاولت بشتى الطرق الذوقية أن اخبرها أنني لا اريدها ولكنها كانت أخبث مما توقعت، لدرجة أن ترسل بعض ال ليخطتفوا زوجتي ويهددوني بها وحتى الان لم ادري ماذا أرادوا منها...! كان والد ريهام مذهول، يحدق بعاصي بأعين متسعة ترجوه النفي، لا يصدق أن ابنته الوحيدة تصل لهذا المستوى من التفكير...!
حينها زفر عاصي بصوت مسموع ثم استطرد: -لو أردت لكنت أتهمتها في محضر رسمي امام الشرطة، ولكني اكتفيت أن ذلك الشخص أعترف للشرطة واخبرهم بأسمها لأنك لست برجل سيء ولم تؤذني يومًا بل ساعدتني، لذا أنا اترك لك الفرصة، إن استطعت إنقاذ ابنتك من تلك القضية بمعارفك فافعل! ثم وبنفس البساطة امسك يد حور بحنان ليُقبلها بعمق امام أعين ريهام الحاقدة ليغادر معها بكل برود...
بمجرد أن ركبا السيارة نطقت حور هامسة بابتسامة عاشقة يُنيرها عشق عاد يصدح للنور وبقوة: -عاصي... همهم بصوت حاني وهو يبحث عن مفتاح السيارة بهدوء: -قلبه... لم تختفي ابتسامتها وهي تكمل متنهدة تنهيدة عميقة تصدر عن اعماقها:.
-هل أخبرتك يومًا أنك أفضل وأقوى الرجال بنظري؟ هل أخبرتك أنني اعشقك لدرجة أنني احيانًا اخشى أن احسد نفسي عليك، هل أخبرتك أنني عندما كنت اؤلمك بكلامي كنت امنع نفسي بصعوبة عن الارتماء بأحضانك والاعتذار منك...؟! حينها إلتفت لها، يمسك كفاها الصغيران برفق بين يداه بينما يتشدق بعبث جعلها الخجل يفرد أطرافه على وجنتاها:.
-هل أخبرتكِ أنكِ تقولين هذا الكلام في الاوقات الخاطئة وأنني إن تهورت سنُمسك بقضية آداب...! صدحت ضحكاتها الناعمة وهي تنظر للجهة الأخرى بخجل بينما هو يطبع قبلة عميقة في باطن كفها بحنان ثم شغل المقود ليعودا للمنزل بكل هدوء...
كانت أسيل تدلف مع علي الذي أصر أن يذهبا لطبيبة ليتأكد من شكه إن كانت اسيل تحمل طفله ام شوقه لذلك هو الذي يزرع تلك الأفكار بعقله... بينما أسيل تعض على شفتاها بتوتر قائلة: -علي، دعنا لا نهتم بشيء ليس له داعي، انا متأكدة أنه ليس حمل! حينها نظر لها علي نظرة شائكة يهمس لها بحنق متعجب ولكنه مرح: -لمَ؟ هل مكتوب على جبيني لا للإنجاب ؟! هزت رأسها بحرج مغمغمة بسرعة: -بالطبع لا، لا اقصد ذلك.
لم يعيرها اهتمام وهما يدلفان نحو الطبيبة ولحسن الحظ لم يكن هناك غيرهما فدلفا بسرعة... قابلتهم الطبيبة بابتسامة في البداية بالطبع ثم بدأت تفحص أسيل بهدوء ثم قامت لها ب -تحليل-... كانت أسيل تتنفس بعمق متوتر لا تدري لمَ، ولكن علي كان شيء داخله متحفز، متحمس لأن تحمل معشوقته طفله، تصبح أم لأولاده، يتحقق حلمه الاول والأخير...! وبعد فترة كانت الطبيبة تمسك بنتيجة التحليل وتبتسم قائلة بنبرة بشوشة:.
-مبارك سيدة أسيل أنتِ حامل في شهر! إتسعت عينا أسيل بذهول مغموس بالفرح، شعور آخر، شعور أن هناك نبتة لعشقهم تُزرع داخلها، قطعها منها ومنه تنبض داخله، شيء صغير سيجعل رابط العشق بينها أمتن وأطول...! لحظات فقط وكان علي يحتضنها صارخًا بانفعال عاطفي وقد تناسى أنه امام الطبيبة: -لقد اخبرتك، كنت أشعر، سأصبح أبًا! واسيل كادت تبكي من فرط السعادة وهي تحتضنه وتومئ بلهفة بلا توقف...
بعد دقائق كانا يهبطان بهدوء من عند الطبيبة، فكانت أسيل تسير بسرعة كعادتها ولكن البهجة تضفي لمعة خاصة عليها... حينها امسكها علي بسرعة يزجرها بقلق: -لا تسيرين بسرعة هكذا، الان يوجد صغيري!.. ابتسمت أسيل بدلال تهمس له: -حسنًا بعلولي كما تأمر..! اتسعت حدقتا علي وردد مستنكرًا: -بعلولك!؟ اومأت مؤكدة بنفس الابتسامة الطفولية: -نعم، بعلي زوجي ولكني أضيف لها لمستي واجعلها بعلولي !
وفجأة كان علي يحملها بين ذراعيه ويصيح بعبث اختلط بالحنو العاشق: -يا روح بعلولك أنتِ...! فأحاطته اسيل مبتسمة بسعادة لم تغمر كافة ثناياها يومًا كالأن...
بعد يومان تقريبًا... كانت والدة ريهام تعد حقائبهم بينما ريهام تبكي امام والدها الذي أصر على الرحيل من تلك المدينة نهائيًا... حاولت امساك يده وهي تردد بتوسل: -ابي ارجوك دعنا لا نذهب لا اريد أن اسافر كل شيء بحياتي متعلق بتلك البلد حتى اصدقائي كلهم... ولكن والدها قاطعها بصراخ حاد يزمجر فيها بعصبية حادة:.
-اصمتي لا اريد سماع صوتك، سنغادر رغمًا عنكِ، يكفي مصائبك حتى الان ولكن العيب مني يبدو أنني كنت متساهلاً معكِ كثيرًا... هزت رأسها نافية وهي تبكي هامسة: -ابي لا... ولكنه تجاهلها وهو يخرج من الغرفة بأسى بينما والدتها تلتزم الصمت لأنها إن نطقت ستزيد من جلد الكلمات لها بالطبع... ويستمر توسل ريهام ولكن بالطبع قد نفذ القرار وانتهى الامر...!
بعد فترة... سارت الحياة واخيرًا دون عقبات، حور منشغلة مع ريم تلك الفترة بالتجهيز لزفافها الذي تحدد خلال شهر واحد... واخيرًا رأت حور طابعًا ورديًا ناعمًا لتلك الحياة، رأت من حنان وعشق عاصي ما أشعرها أنها في حلم ستستيقظ منه على واقع مرير قاسي كالعادة...! بالطبع لم تتغير علاقتها ب حماتها العزيزة فذلك الحاجز بينهما لن يُحل إلا بمرور الايام والعشرة الطولية...
كما ابتهج المنزل بأكمله لخبر حمل أسيل التي تسع فرحتها العالم كله، صحيح أن علاقة علي وعاصي لم تصبح كالأخوات ولكنها ايضًا ليست سيئة... وفي احدى الأيام انتبهت حور لهاتفها الذي يرن فتوجهت له بهدوء تجيب: -السلام عليكم صمتت فجأة وهي تسمع صوت الطرف الاخر وحروفه التي سقطت على اذناها كالرعد القاسي فتجمدت مكانها للحظات قبل أن يسقط الهاتف من يدها بذهول و... رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي
دقيقة كانت المدة التي أستغرقتها حور لتستوعب ما أخترق اذنيها، فقد كان والدها يخبرها أن شقيقها الاصغر الهارب قد مات...! قد رحل دون مقدمات، سحبه ملك الموت من مسرح الحياة فجأة... شعرت بألم عاصي، شعرت بالنصل البارد الذي إنغرز منتصف قلبه ولكن مرتان وليس مرة..! ودت لو تصرخ، لو تطلق سراح تلك ال آآه المتحشرجة التي يحتجزها قسوة الموقف في جوفها...!
وفجأة ظهر عاصي يمسك بالهاتف وهو يحدق بوجهها الشاحب ثم سألها متوجسًا: -ما الذي حدث؟ ومَن الذي أتصل؟! في البداية كانت صامتة، جامدة بطريقة مُقلقة تغطي على اشباح الانهيار التي تحوم في منطلق جوارحها، لتنطق بصوت يكاد يسمع: -لقد، مات شقيقي أنور! والصدمة أخذت عاصي هو الآخر، ولكنه امسك بيداها تلقائيًا وهو يسألها: -مَن الذي أخبرك؟ ارتعشت شفتاها مجيبة: -والدي!..
سحبها عاصي معه برفق إلى أن جلسا على الأريكة معًا، حينها ضمها لأحضانه برفق، يربت على خصلاتها بحنان وكأنها طفلته، ثم خرج صوته حانيًا، مُطمئنًا وهو يهمس له بأشفاق: -ابكي، ابكي حوريتي واخرجي تلك الصرخة التي تكتمينها! حينها بالفعل بدأت دموعها تهبط رويدًا رويدًا، دموع حارقة كانت كالنقاط التي تُوضع على حروف الألم والانهيار داخلها، بدأت تضرب صدره وصراخها المتألم يزداد وهي تردد بهسيس هيستيري:.
-آآآه، لقد مات! مات لا ادري كيف او متى، رحل هكذا دون مقدمات، دون أن اودعه، دون أن احتضنه للمرة الاخيرة، دون أن اخبره أنني احبه كثيرًا رغم كل اخطاؤه، دون أن أخبره أنني أصدق أنه لم يقتل شقيقك عمدًا... رفعت رأسها تنظر لعيناه وهي تهدر بجنون وكأنها لا تعي ما تقول: -لقد مات يا عاصي، مات مَن كنت تتمنى ظهوره لتقتله بنفسك رغم اعتراف شقيقك قبل أن يموت أن انور لم يقتله عمدًا...!
تجمد عاصي أثر كلماتها، لم يتوقع أن تعلم ابدًا بما أخبره إياه شقيقه وهو على فراش الموت ولم يُخبر به أي شخص...! رمش عدة مرات قبل أن يسألها بصوت دون تعبير واضح: -من أين علمتي ذلك؟ لم تنظر له وهي تتشدق بصوت شارد في ذلك اليوم:.
-لقد سمعتك في اليوم الذي كنت تتحدث فيه مع والدتك بعد أن تزوجتك بفترة قليلة، كنت تخبرها أنك سألت شقيقك هل قتله انور عن عمد ام بالخطأ كما يدعي وأكد هو كلام أنور، ثم بدأت تخبرها أنك لست متأكدًا إن كان شقيقك تحت تهديد ام ماذا لذلك لم تخبر أي شخص بما حدث ثم رفعت عيناها له، تحدق بعيناه العاصفة برياح الذكريات العاتية، ثم تابعت بنفس النبرة:.
-حينها ادركت أن رفضك القاسي لي حتى بعدما احببتني كان بسبب ما حدث من ضمن الاسباب، لأنك ربما لو صدقت انور شقيقي وصدقت شقيقك لمَ كان مات شقيقك الثاني حسين، رفضك لي كان عقابًا لك قبل أن يكن لي، لذلك كان انتقامك من علي الاكثر شراسة، لأن انور لم يقتل شقيقك حرفيًا بل كان مجرد سبب لموته لا اكثر، رغم أنني حتى الان لا ادري كيف مات شقيقك من الاساس ولكني أثق بكلام انور رغم هروبه الفوري، اثق انه هرب لانه لن يصدقه اي شخص...
كان عاصي يستمع لها بهدوء تام إلى أن قال بجدية: -هيا انهضي الان وارتدي ملابسك وبالفعل نهضت حور بسرعة ترتدي اول ما يقابلها... وبعد فترة قليلة كانوا يدلفان معًا نحو منزل والد حور، رأت حور الجميع مجتمعين ومن ضمنهم علي الذي يبدو أنه أتى من عمله على منزل والده... ركضت حور تجاه والدها وصراخها الهيستيري يصدح ملطخًا بسواد روحها المتألمة:.
-كيف حدث كيف؟! ألم تكن تخبرني أنه يتحدث مع كل فترة واموره جيده، كيف مات؟ ما الذي حدث له أمسك ابراهيم يدها بحزم مزمجرًا بصوت لم يستطع إخفاء ترانيم الألم منه: -حور، يكفيني ما بي! الوضع لا ينقصكِ ابدًا، أنور اخذ جرعة زائدة من المخدرات أدت إلى وفاته، وصديقه مَن اتصل بي يخبرني بذلك ويخبرني بمكانهم لأتي وآخذ جثمان شقيقك!
مهما بلغت قسوة الرجل، مهما كان طبعه حادًا، مهما كان مُجرد من المشاعر الحانية والألفاظ العطوفة، يظل الأبن نقطة تفصل بين عالمان شتان بينهما، كالسماء والأرض..! بينما في نفس اللحظات كان علي يقف متجمدًا يمنع تلك الدموع عن حريتها بصعوبة، حينها أقترب عاصي منه بتردد يهمس له: -البقاء لله، عظم الله اجركم ظهرت شبح ابتسامة على وجه علي الذي همس له في المقابل: -ونعم بالله، امين.
ودون مقدمات كان عاصي يحتضنه، يربت على كتفه عدة مرات وكأنه يخبره اشعر بك ... لا يدري ما الذي دفعه لذلك ولكنه شعر أن علي يحتاج تلك الضمة الأخوية وبشدة... رن هاتف علي فابتعد قليلاً يتحدث في الهاتف مع احدهم بشأن السفر وامور الدفن وما شابه ذلك، بينما اقتربت ريم من حور تسحبها لأحضانها دون أي كلمة... فأحيانًا تعجز الكلمات عن تأدية الدور المناسب...! بعد قليل أتى علي ينظر لعاصي ويهتف متعجلاً:.
-لا تجعل أسيل تأتي ولا تخبرها بشيء لحين عودتنا عندما نأتي ب أنور، لا اريد أن تظهر امام الناس كونها زوجتي لاول مرة بدوني! اومأ عاصي مؤكدًا وبالفعل خلال وقت قصير كان يرحلون لجلب جثمان أنور... الأيام التالية كانت مُظلمة، كانت قاسية على حور وعائلتها الصغيرة، لم تكن بها شيء جديد او شيء يستدعي الحديث عنه بل كانت قاتلة للروح لدرجة تدعو لأن نسدل الستار عليها تمامًا...!
بعد شهران... طوال الشهران لم يترك عاصي حور لحظة واحدة، كان جوارها لحظة بلحظة حتى أنه قصر بعض الشيء في عمله، عندما يشعر بقرب انفجار إنهيارها يزرعها باحضانه ليمدها بعض من الطاقة التي تحتاجها... وعندما تبكي ليلاً يقرأ لها بعض آيات القرآن ويسحبها لأحضانه برفق وحنان يُحسبان له، الشهران كانا كالمجلد الشامل الذي يعطي نبذة مُبسطة عن بحور العشق التي تموج داخل عاصي تجاه حور...! وفي احدى الأيام...
كان قد وصلا إلى المنزل الذي أجره عاصي ليكون جوار حور في الوقت الذي هربت به، اقترح عاصي ذلك ليصبحا بمفردها بعيدًا عن ضغوطات الماضي التي تذكرهم بمآسيه...! كانت حور تتحدث مع ريم في الهاتف بينما عاصي يُدخل حقائبهم القليلة... هزت رأسها نافية وهي تهتف ل ريم: -لا داعي لتأجيلكما اكثر من شهران آخران يا ريم، سيكون قد مر اربعة اشهر على وفاته وهذا يكفي! سمعت صوت ريم المعترض بخشونة:.
-لا، ستة شهور جيدين وظافر لم يعترض ابدًا بل وافقني على الفور همست حور بهدوء حازم بالرغم من تنازع ذلك الألم داخلها: -الحي أبقى من الميت عزيزتي، وبالتأكيد لن تتوقف حياتنا بل سندعو له كلما تذكرناه ونكمل مسيرة تلك الحياة حتى نلحق به زفرت ريم بتوتر تخشى قول حور ولو داخلها أنها لا تهتم بحزنهم كون المتوفى ليس شقيقها..! انتبهت حور لعاصي الذي أنتهى من ادخال حقائبه فقالت لريم بهدوء:.
-سأحادثك مرة اخرى حبيبتي، إلى اللقاء الان اومأت ريم مؤكدة وكأنها تراها وردت: -إلى اللقاء نهضت حور تحدق ب عاصي الذي أتاه اتصال يخص قاتل شقيقه المريض الذي أدخله مستشفى الامراض النفسية عنوة عن أخيه بعد أن اكد له أنه لن يخبر أي شخص بتلك الجريمة...! ف بقي عاصي يتابع حالة ذلك الشخص مع الطبيب المتخصص حتى يتأكد أنه يؤدي علاجه بالكامل...
في حين أن نهضت حور تفتح حقائبها، اخرجت منها قميص نسائي قصير وضعته على جسدها وهي ترمي نظرة شاملة لنفسها في المرآة... بغض النظر عن جسدها النحيف وشحوب وجهها الذي يوازي شحوب الموتى في الايام السابقة... زفرت بصوت مسموع ثم توجهت للمرحاض لترتديه بهدوء تام، خلال الشهران لم يقربها عاصي ابدًا، كان مراعيًا لشعورها وحزنها حتى في قربه منها فلم يحاول، ينتظر عودتها اولاً...
خرجت ثم أسدلت خصلاتها على ظهرها برقة ولم تضع من مساحيق التجميل سوى بعض الاشياء القليلة جدًا.. في تلك اللحظات اقترب عاصي منها بهدوء فلمعت عيناه تلقائيًا بوميض خاص، وميض ينم عن عاطفته المدفونة مؤقتًا وشوقه...! اقترب منها ببطء امسك كفها البارد لشفتاه ليطبع قبلة عميقة على باطنه ثم نظر لعيناها التي يغرق بها ليهمس: -حور إن كنتي آآ...
ولكن حور قاطعته وهي تحتضنه، تحتضنه بقوة ثم همست بعمق من اعمق اعمق دواخلها: -أنا احبك عاصي.. ابتسم بحنان وهو يقترب منها ببطء، ولكنها ابتعدت فجأة وهي تهمس بدلال وتعطيه ظهرها: -ولكن لا، لم أنس ما فعلته بي، أنت فعلت بي أشياء لم يفعلها شخص يومًا معي ابدًا...! اقترب منها ببطء عابث يحتضنها من الخلف وهو يتمتم بمكر: -لا تقلقي سأتكفل بنسيانك، ثم إنك لم تكوني قليلة ابدًا، شهران وانا احاول أن اصالحك بشتى الطرق!
ظهرت ابتسامتها المنتصرة على حبال ثغرها، حينها وبدون مقدمات كان عاصي يلفها له، يمسك وجهها الصغير بين يداه وهو يقترب ببطء منها، شفتاه تعزف ترانيم الشوق لها بكل تمهل وعشق و، ولهفة!..
يوم زفاف ظافر وريم ... لأول مرة يظهر علي وأسيل في مناسبة سعيدة كبيرة كتلك امام جميع الناس ويُعلنا امام مَن لا يعلم أن اسيل قد تطلقت نهائيًا من ثامر وتزوجت علي وبل أعلنوا خبر حملها، وقد ظهر علي متماسكًا، صلبًا برغم الجروح التي خدشت روحه داخليًا، ولكن كالعادة كانت أسيل اقوى مرطب لتلك الجروح، فالأخرى لم تهمله اطلاقًا بل كانت كظله المرح تحاول أن تخرج الشحنات السالبة التي تعتمل داخله...!
بينما عند عصافير الحب ريم وظافر تقريبًا لم يكن هناك أسعد منهما على وجه الكرة الأرضية في ذلك اليوم... ريم كانت فرحتها واضحة للأعمى وظافر لم يقل فرحة عنها ابدًا بل أشد... استقبلها بفستان زفافها الأبيض اللامع، اعطاها مظهر جذاب رقيق فوق جاذبيتها ورقتها المعهودة التي تجعلها كطفلة على عرش قلبه تمامًا كما أطلق عليها...
بمجرد أن اقتربت منه ضمها لأحضانه بلهفة لتتعالى الزغاريد والتصفيق، امسك وجهها برقة ليطبع قبلة حانية على جبينها هامسًا لها: -مبارك يا زوجتي... فتبسمت هي بخجل ولم تعلق بل عيناها تعلقت بعيناه الهاردة بمشاعر جياشة تشعرها أنه يود اختطافها من وسط ذلك الحشد الكبير...
كان الجميع متجمع بذلك الزفاف، حور بفستانها الأسود الراقي المطرز برقة عند الخصر وواسع من الاسفل يبرز أناقتها بحجابها الفضي الرقيق ويعطيها ثقة وجمالا... كانت تسير مع عاصي بهدوء للداخل بابتسامة هادئة سعيدة لسعادة صديقتها وبمثابة شقيقتها ريم... توجها نحو ريم وظافر يباركا لهم بالطبع ويلتقطا بعض الصور لهم... فنظر عاصي لظافر بمكر وهو يردد له بصوت أجش خبيث:.
-لا تنسى، لن تحلم بأجازة طويلةلشهر العسل فهناك اعمال سنبدأها معًا تنتظرنا ضحك ظافر وهو يومئ مؤكدًا له، برغم علاقتهم التي كانت شبه معدومة كون ظافر ليس فردًا من عائلة حور او عائلته بل مجرد زوج ريم، إلا أن الفترة السابقة أتاحت لهم التعارف نوعًا ما وعندما علم ما أصاب ظافر في عمله عرض عليه الشراكة... اقترب كلاً من أسيل وعلي ايضًا منهما يبتسما بسعادة واضح وضعت لمساتها على وجوههم جميعًا...
ليلتقط لهم المصور صور جماعية خلفيتها سعادة لا أضمن أنها ابدية، ولكنها مطراق طارد للحزن، وجالب للسعادة، للفرح، ولروابط اخرى ستصك ذلك العشق بلعنة اللانهاية إن شاء الله...! تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم