رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والعشرون
بعد قليل عادت أسيل راكضة وهي تهبط لمستواه لتضع بعض من العطر عند أنفه ثم حملت رأسه لتضعها بين أحضانها وهي تردد بلا توقف بصوت مبحوح: -علي، علي ارجوك هيا لا تفزعني اكثر من ذلك، هيا حبيبي انت قوي لن يحدث لك شيء! وبالفعل بدأ علي يفتح عيناه رويدًا رويدًا وهو يتنفس بصوت مسموع، وبمجرد أن استعاد وعيه بدأت أسيل تبكي بصوت مسموع وهي تحتضنه بلهفة: -كدتُ أموت رعبًا سامحك الله.
سألها علي بصوت مشاكس وهو يتأوه من الألم: -ماذا كنتوا تطعموه في صغره أسيل؟ لقد جعلني كالكرة المُبسطة...! ضربته أسيل على كتفه وهي تضحك من وسط دموعها ليصيح هو بألم وهو يقول بمرح: -بدأتُ أصدق أنني اثير غريزة العنف! ضحكت أسيل بنعومة ثم بدأت أسيل تخرج الاسعافات الاولية ثم عادت لتفتح ازرار قميصه بتركيز لتسمع صوته الماكر وهو يتابع: -ولكن أتعلمين، يجب أن اشكره لم يجعلني اراكِ فقط بل...
ولكن قبل ان يكمل كانت أسيل تحذره بجدية مصطنعة: -علي.. عض علي شفتاه السفلية وتشدق بعبث متحسرًا: -الود ودي أنهض لأقول اللعنة على علي واليوم الذي وُلد به واخذ القبلة لك ولكن شقيقك كسر لي ضلعان ليضمن أنني لن اتحرك من الان لعشرون يومًا توردت وجنتا أسيل تلقائيًا وصدحت ضحكاتها الانثوية الناعمة، ثم أمرته من بين ضحكاتها: -حسنًا هيا حاول أن تجلس لأستطع مداواة تلك الجروح.
وبالفعل بدأ علي يحاول الجلوس وهو يتأوه مغمضًا عيناه، إلى أن جلس بالفعل فتنهد بارتياح وكأنه قد فعل شيء عظيم، اقتربت منه أسيل تنوي تنظيف جرحه ولكنه أشار لها بيداه بهدوء: -انتظري دقيقة دقيقة... عقدت ما بين حاجباها وهي تحدق به متساءلة: -ماذا حدث؟
وبحركة مباغتة كان يجذب رأسها له ليستطع إلتقاط شفتاها، يروي ظمأه الذي يزداد يومًا عن يوم حتى تأكد أنه لن يرتوي من شفتاها ابدا بل سيشتعل شوقه اكثر، وهي كالعادة كانت مستسلمة تشعر بفراشات تدغدغ معدتها لتتشبث بقميصه الدامي تلقائيًا، لم يبتعد إلا عندما شعر بحاجتها للهواء فقال بمكر مرح من وسط لهاثه العالي: -أيرضيكِ أن افوت علي تلك بدون قبلة تُذكر؟ الناس ستأكل وجههي...!
عضت أسيل شفتاها بحرج مبتسمة ابتسامة واسعة كادت تتحول لضحكات خافتة على مرح علي الذي بالرغم من أنها تعلم انه يداري ألمه بذلك المرح إلا انها تشعر ان هناك جزء مرتاح نوعًا ما داخله...!
بمجرد ان اخترقت جملتها أذن ظافر شعرت بالندم يتآكل اطرافها ولكن لم يعد له مكان من ساحة الموقف حيث جذبها ظافر من ملابسها من الخلف كالمخبرين وهو يصيح فيها بذهول: -ماذا؟ ماذا قلتي عيديها؟! هزت ريم رأسها نافية بخوف: -لا ابدًا، لم أقل شيء ثم سألته بنبرة طفولية وكأنها مدهوشة: -هل قلت أنت؟
لم يعلم ظافر أيضحك ام يبكي على تلك الطفلة التي تثير جنونه لقتلها ثم تعود وتخمده بطفوليتها التي تعطي المساحة لمنابت عشقه لتتربع على قلبه... ولكنه رسم الحدة والخشونة على ملامحه الرجولية وهو يمسك ذراعها ضاغطًا عليه بقوة وهو يسألها: -ريييييم، ماذا حدث وقضية ماذا؟ بللت شفتاها والتوتر يزحف لكافة جوارحها ببطء ثم خرج صوتها مبحوحًا يتحجزه القلق:.
-كنت اكذب اقسم لك، قضية ماذا وهل يتركني زوج أمي افعلها من الاساس؟ بالرغم من أن كلامها هدأه نوعًا ما ولكنه جذبها بعنف من ذراعها لتصطدم بصدره العريض ثم زمجر فيها بغيظ: -وهل كنتي ستفعلينها لو تركك؟! ازدادت ضغطته على ذراعها فتأوهت بصوت مسموع بينما هو الغيرة تنهشه كأعنف الوحوش ليعيد سؤالها بحدة عالية: -ومن هذا الذي تحبينه؟ مطت شفتاها للأمام بطريقة كوميدية وهي تقول: -حب ماذا يا رجل!؟ وهل ينظر لي قرد حتى...
جذبها ببطء وهو يسير نحو الاريكة مرددًا بصوت ماكر لم تغادره الغيرة المشتعلة: -كاذبة يا صغيرتي وسأضطر لمعاقبتك! اتسعت عيناها بفزع وهي تسأله: -أي عقاب هذا؟ جذبها بقوة ليضعها على قدماه ثم امسك بعصا صغيرة يعاقب بها عمار عندما يُخطئ، ليرفع حاجبه تزامنًا مع حروفه وهو يستطرد بخشونة: -هيا افتحي يداكِ صرخت به مستنكرة بشدة: -هل تراني طفلة يا ظافر لتعاقبني بتلك الطريقة اومأ مؤكدًا ببساطة:.
-واكثر من طفلة، الاطفال اكثر ذكاءًا منكِ ثم نظر لها بحدة مُخيفة جلعت كيانها يرتجف لتستسلم وتفتح له يداها فبدأ هو يضربها ولكن ببعض اللين وفي نفس الوقت ضربات جعلتها تتأوه بألم... إلى أن انتهى فرمى تلك العصا بينما هي تكاد تبكي كالاطفال تمامًا، لتزم شفتاها مغمغمة بحنق: -لن اسامحك طيلة حياتي وسأردها لك ذات يوم أيها اللعين قال هو بابتسامة واسعة وكأنه لم يسمع شيء: -أطياف خرجت من حياتنا نهائيًا.
إتسعت عيناها بعدم تصديق لتهمس تلقائيًا: -انت تكذب عليّ كالعادة هز رأسه نافيًا ببساطة لينهض وهو يسحبها خلفه متجهًا بها لقسم الشرطة: -لا، تعالي وسأريكِ أنني لستُ كاذب...! ومن يصدق أن تلك الطفلة التي كادت تبكي منذ قليل الان تكاد تقفز فرحًا وهي تسير معه كاالبلهاء متنساية كل ما خططت له...
مساءًا... غادر عاصي منذ الصباح لعمله وحتى الان لم يعد ينهي اعماله التي تراكمت عليه، وحور كانت حبيسة غرفتها ترفض الخروج من الغرفة منذ أن عادت من المستشفى وعلي لم يرد الصعود لها حتى لا يفزعها بمظهره المقلق واكتفى ب أن طمأنته أسيل عليها...! هي حتى لم تتناول الطعام معهم، بالرغم من محاولات حماتها التي اظهرت لها بوضوح مدى تضحيتها لتخرج الحروف من فاهها وتلح على حور لتتناول الغداء معهم...!
ولكن ازداد الجوع عن حده فنهضت بهدوء تخرج من الغرفة وهي تقنع نفسها أن الجميع يغط في نوم عميق الان وعاصي لن يأتي الان... دلفت للمطبخ وبدأت تبحث عن طعام وبالفعل جلست لتتناوله بشراهة، وفجأة وجدت من يحتضنها من الخلف هامسًا بصوت رجولي جذاب: -لماذا تفعلين بنفسك هكذا إن كنتي جائعة بهذا القدر؟!
كادت حور أن تسعل من الصدمة، أنفاسه الساخنة تداعب رقبتها وجسدها اللعين ارتعش تلقائيًا من لمسته وكأنه يستشف شوق الاخر الحار له، ولكنها حاولت تجاهل شعورها فتركت الطعام وهي تنهض متمتمة بصوت مكتوم: -الحمدلله... أزاحته بعيدًا عنها دون أن توجه كلمة واحدة له، أشعرته أنه منبوذ، أن عشقها هو من كان يُحيي حياته البائسة ولكنها الان تحرمه منها...! جذبها من يدها بسرعة قبل ان تغادر ليهتف بلهفة:.
-انا لم اقل ذلك حتى تنهي طعامك حور... لم تنظر له وهي تتابع بحدة: -اترك يدي زفر بعنف وهو يترك يدها بالفعل لتغادر بسرعة نحو غرفتها، نظر هو في أثرها وداخله شيء يردد مغموسًا باليقين لن تنال غفرانها بسهولة ركض مسرعًا خلفها ليتأكد شكه وهو يراها كادت أن تغلق باب الغرفة بالمفتاح ليدفع الباب ويدلف رغم ارادتها، كاد ينطق ولكنها تجاهلته وهي تتوجه للفراش لترفع الغطاء ثم تسطحت ودثرت نفسها أسفله وكادت تنام...!
ليسرع هو الاخر يتمدد جوارها ولكنه ابتسم بمكر وهو يغلق الانوار جميعها وهو يعلم انها تخشى الظلام جدًا، ولكنها كانت الوسيلة الوحيدة ليقطع ذلك الصمت بينهما، وبالفعل تشبثت به حور بسرعة وهي تردد بصوت مرتعد: -لماذا اغلقت الانوار انت تعلم انني اخاف من الظلام ردد ببرود مستمتعًا بيداها التي تمسك بقميصه واقترابها: -وانتِ تعلمين أنني لا احب النوم على الانوار حينها صاحت به بانفعال:.
-انا تزوجتك منذ ثلاث اشهر وكنت تنام على الانوار وفجأة اكتشفت انك لا تحبها -نعم اجاب ببرود لتقترب منه اكثر حتى اصبحت ملتصقة به تمامًا تتوسله بصوت منخفض: -عاصي ارجوك انا خائفة.
بينما عاصي شعر بمشاعر شتى وهي بين أحضانه، رائحتها تخدره وقربها يهلكه حرفيًا ويهيج تلك العاطفة الموقدة دائمًا داخله، ازداد من احتضانه لها يشعر بجسدها المرتعد ويلف يداه حول خصرها، لتداعب انفاسه وجهها حتى ادركت انه قريب جدًا منها يكاد ينال شفتاها التي يشتاق لها ثم همهم: -هكذا لن تشعرين بالخوف حاولت ابعاده بسرعة وهي تردف: -عاصي، انت تعلم انه ممنوع ما تفكر به بالاضافة انني لن اسمح لك أن تلمسني مجددًا.
داعب أنفها بانفه وهو يتابع مشاكسًا: -وكيف سأنفذ وعدي واملأ تلك الدنيا باطفال منكِ إن لم تسمحي لي...؟! عَلت انفاسها وكلماته تنال تأثيرها عليها ولكنه دفعته بعيدًا لتنام على طرف الفراش تحاول طمأنة نفسها واسكات ذلك الخوف... وبالفعل رغمًا عنها من الارهاق غفت في النوم ليقترب هو ببطء حتى احتضنها من الخلف ينعم بدفء احضانها ليغمض عيناه هو الاخر ويغوص في نوم عميق...
صباحًا في اليوم التالي... بدأت حور تفتح عيناها ببطء وهي تتحسس الفراش جوارها بتلقائية لتجده فارغ! نهضت بهدوء متنهدة لترتدي اسدالها كالعادة وهي تخرج من غرفتها متجهة للاسفل... بدأت تهبط السلم ببطء هادئ ولكن فجاة توقفت على صوت حماتها وهي تحدث عاصي وتسأله وسط حديثها: -ماذا بشأن ريهام؟ هل أحببت حور يا عاصي؟
صمت عاصي وطال صمته، يعلم أن اجابته بالتأكيد ربما تصبح كالسكين ينغرز بقلب والدته المسكينة حين تجد أن اخر اولادها يعشقون اعدائهم، فاجاب بصوت اجش: -لا يا امي، ولن أحبها يومًا بحياتي! فيبدو أن الحظ أختار أن يصبح السكين البارد من نصيب حور لينغرز بمنتصف قلبها بقسوة من اجابته!..
رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون
مرت دقيقة تقريبًا وهي متجمدة مكانها، جبل من جليد يعيق سير دقاتها الممسوسة باهتزاز روحها من الأساس...! بدأت قدماها تعود للخلف بتلقائية، الدموع متحجرة في عيناها ولكنها ترفض الخضوع لسطوة الانهيار.. وبالفعل وصلت لغرفتها وهنا سمحت لكل شيء يثور داخلها، يهيج ويضرب جدار روحها بعنف أن ينفجر... بينما في الاسفل... نظر عاصي متعنًا في والدته وهو يسألها: -ماذا إن احببتها يا أمي؟ همست بتلقائية مغموسة بالألم:.
-سأموت وانا حية يا عاصي اسفًا، تلقى ردًا لم يكن يتمناه ابدًا، رغم أنه يعلمه ولكنه كان يحاول حجبه عن طريقه، ولكن بنطق والدته بها أصبحت كالجدار في طريق ذلك العشق الدفين!.. ولكن رغم ذلك سألها: -لمَ يا امي؟ ألا تودين أن يعيش أبنك حياة سعيدة مع مَن يحبها حينها أغمضت عيناها باستكانة غريبة، وكأنها تسبح وسط احزانها وهي تجيب:.
-وهل يجوز ألا أتمنى يا ولدي؟! أود ذلك ربما اكثر منك، ولكني ايضًا لا أستطع أن أراها يوميًا باقي عمري، لا استطع أن اتعامل معها كأبنتي، لا استطع أن احب أطفالك منها، لا أستطع أن احبها يا عاصي! ثم رفعت عيناها الدامعة له وهي تستطرد بنبرة متحشرجة: -سامحني بني، ليس بيدي اقسم لك، أنا ام، ام حُرمت من طفلان لها وليس واحد حتى! احتضن كفاها معًا بين كفاه وهو يقبلهما بحنانه الفطري متمتمًا: -اعلم، اعلم يا امي، اعلم!
رفعت رأسه بيداها برفق وهي تخبره بنبرة صادقة مُذبذبة: -هل تظن أنني تقبلتها لأني لم اعد أوجه لها اهانة؟! ولكني حسبانًا لانقاذها لي ولما مرت به فقط احاول تجنبها، رغم أنني في احيان اخرى اود قتلها ليشعروا كما شعرت انا بفقدان ولداي تنهد عاصي بعمق، تنهيدة تصدر عن أعماق أعماق تلك الضجة التي تهتاج اكثر داخله شيءً فشيء...! ليسألها فجأةً بصوت هادئ خشن: -وأسيل؟ هل ستتقبلين عشقها ل علي؟
عضت على شفتاها بأسى وهي تخبره: -وهذا ما يشعرني أنني بين نارين عاصي، احيانًا أشعر بالذهول من حبها ذاك، كيف لها أن تحب قاتل شقيقها؟! ثم اعود لأخبر نفسي أن قلبها نجح في هزيمة عقلها شدد عاصي على يداها وهو يخبرها: -غير أنها امرأة، ليست مثلي وليست ام فقدت اولادها مثلك، وعلي، علي اكمل النواقص التي كانت كالثغور في روحها! اومأت والدته وهي تهز رأسها بقلة حيلة مرددة بصوت شارد:.
-لذا لا أريد أن أكسر قلبها ذاك يا عاصي، أسيل كُسرت مرة مع ثامر ولن تتحمل الثانية ثم ضربت على صدره عدة مرات وقالت بزهو: -ولكنك أسد، أسد يحمل قلبًا كالجبل يا عاصي لا يمكنه أن يُكسر! كز على أسنانه بصمت ولم يعلق، بدأ يشعر أن ذلك الجبل يهتز وسينهار قريبًا، قريبًا جدًا! وفجأة سمعوا صياح يأتي من غرفة حور وصوت تهشيم اشياء فركض عاصي للأعلى مسرعًا ووالدته نهضت تركض خلفه بتلقائية...
اخرج مفتاحه وفتح باب الغرفة بلهفة ليجد ما توقعه، حور تدمر كل شيء أمامها، حتى المرآة حطمتها، ركض نحوها بسرعة وهو يحاول الإمساك بها صارخًا بذهول مرتعد: -حور، حور ماذا تفعلين عودي لوعيك حينها زمجرت به في المقابل وكأن تلك القطة داخلها استعادت وعيها ومخالبها بالفعل: -عودت لوعيي وعقلي يا عاصي، عدت لدرجة أنني أشمئز من لمستك لذراعي هذه!
ومع اخر حرف لها كانت تنفض ذراعه عنها بعنف، لمحت بطرف عيناها والدته التي كانت تتابع الموقف بصمت لتتجه لها بكل هدوء، وقفت أمامها ثم بدأت تصفق فجأة وهي تضحك بشكل هيستيري مرددة: -مبارك، مبارك يا، يا حماتي! مبارك تحقق ما سعيتي له أنتِ وأبنك هذا، أرأيتي؟ ها أنا انهار... ثم امسكت يداها بعنف تضعها على قلبها وهي تصرخ: -أرأيتي، أرأيتي قلبي يرتجف من الألم وروحي تتلوى داخله...
ثم تعمقت النظر لعيناها المتحجرة بالدموع وأكملت صراخها الذي يحمل لونًا واضحًا من الألم والسخط خلفه: -عيناي جامدة تخفي الانهيار خلفها، أحبس دموعي بصعوبة وأشعر، أشعر، آآ... ثم تركت يداها فجأة وهي تضحك متابعة: -لا، انا لم اعد اشعر بشيء! كانت حماتها صامتة، تحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنها بتلقائية على تلك المسكينة...
هزت رأسها وهي تغادر بسرعة دون أن تنطق بحرف، بينما حور هبطت نحو الارض تمسك قطعة زجاج مهشمة من المرآة، كانت تحدق في الفراغ وعيناها تنطق بألف كلمة وكلمة... وفجأة سمعت صوت عاصي خلفها تمامًا وهو يهتف بصوت خالي من التعابير: -هذا تمامًا ما شعرت به انا ووالدتي حين قتلوا اشقائي، مثلك تمامًا الان.
حينها إلتفتت له بعيناها الحمراء، حينها فقط أن جرحها غائر، غائر اكثر مما توقع، شعر أنه يرى قناع جديد، قناع من القسوة يخفي كل بواطن الروح، قناع كان يمتقعه هو دائمًا، قبل ان يعشقها... فأدرك في نفس اللحظة، أنه بالفعل انتقم! وفجأة وجدها تشق قميصه بتلقائية ليظهر صدره الاسمر اللامع، امسكت بقطعة الزجاج جيدا ثم بدأت تجرحه بها مكان قلبه تماما، تغرزها عن عمد وهي تسير لتشكل خط عريض من الدماء!
حينها رفعت عيناها لملامحه المتألمة وهي تخبره هامسة بصوت جامد: -هذا بالظبط ما أشعر به حاليًا سيد عاصي، اشعر بشيء ك تلك يصيبني ولكن داخليًا...! وما إن انتهت حتى رمت تلك القطعة التي تلوثت بالدماء، دون أن تنظر له ابدًا... بينما هو جرحه ينزف وهو يضغط عليه مغمضًا عيناه لا يصدر آآه حتى... توجهت نحو المرحاض ولكن قبل أن تدلف قالت:.
-سأدلف لأستحم، عندما اخرج لا اود رؤيتك رجاءًا لأني حينها لن اتمالك نفسي وسأتقيئ بوجهك! ثم دلفت وهي تصفع الباب خلفها، بينما هو انظاره جامدة، ولكنها مهزوزة وهو يدرك أسفًا، أنها لم تعد تلك الحورية، وأن الألم جعلها نسخة اخرى من الشيطان!
وصل كلاً من ريم وظافر مقر قسم الشرطة، كان الحماس يقفز من حدقتا ريم وهي تُمني نفسها باللحظة التي سترى فيها أطياف تُعاقب على كل خطاياها... وبالفعل دلفوا فتقدم ظافر من الضابط وهو يُحيه، جلس ظافر وريم امامه ليبدأ ظافر الحديث بسؤاله الهادئ: -كنت اود سؤالك كم المدة التي ستتقضاها اطياف؟ تنهد الضابط وهو يخبره بهدوء:.
-من سنة الى ثلاثة، ولكن القضية لم تُغلق بعد، بالاضافة الى كونها تنكر ذلك والفحص الطبي لم يفيدنا لانه مر اكثر من اربعة وعشرون ساعة هز ظافر رأسه موافقًا: -حسنًا، اعلم ثم سأله بجدية: -هل يمكنني رؤيتها؟ اومأ الضابط مؤكدًا وهو يخبره: -ولكن لا تتأخر سيد ظافر اومأ ظافر مؤكدًا وهو يشد على يد ريم لينهض وهي معه، دلفا معًا وما إن رأتهم أطياف حتى اهتاجت اكثر وهي تصرخ:.
-ظافر، اخبرهم انني لم افعلها، انا لم افعلها يا ظافر لم افعلها تنفس ظافر بصوت مسموع وهو يقول ساخرًا: -وما ادراني؟! الذي جعلك تخونيني اول مرة يجعلك تفعلينها مرة واثنان ثم ضحك بسخرية وأردف: -المرة الماضية لم استطع اثبات أي شيء ضدك، ولكن هذه المرة لن اتنازل حتى اراكِ تقضين فترة جيدة بين تلك القضبان... حينها بدأت تهز رأسها نافية وهي تتوسله:.
-اتوسل إليك لا تفعل، إن بقيت هنا يوم آخر سأجن، اتوسل اليك ارحمني وسأغادر تلك البلاد وأترك عمار لك ولن تراني مرة اخرى اقسم لك شعرت ريم بالشفقة عليها رغم كل شيء، لتستغل أطياف ذلك وهي تنظر لها بسرعة مغمغمة بشكل هيسيتري: -ريم، ارجوكِ اقنعيه يا ريم، اخبريه انتِ، لن اعود ولكن لا اريد أن اظل بذلك السجن ريم! نظرت ريم للجهة الاخرى وهي تهمس لظافر: -هيا ظافر اريد أن اغادر.
اومأ ظافر مؤكدًا وهو يسحبها معه ليغادرا بالفعل... طوال الطريق ولم ينطق كلاهما بحرف، ولكن ريم نظرت له متساءلة بصوت شارد: -لمَ احضرتني لأراها بذلك الوضع ظافر؟ فلم يتردد وهو يجيبها بوضوح قاسي: -لأنكِ رأيتيني في وضع اسوء يا ريم، رأيتيني رجل مسكين يعاني مرارة الخسارة التي جعلت رجولتي بالأرض! حينها لم تنطق بشيء اخر، وعندما وصلوا امام منزلها توقف ظافر وهو يخبرها دون ان ينظر لها:.
-سأذهب للشركة هناك بعض الاعمال التي تحتاجني لأعوض الخسارة الشنيعة التي سببها لي ذلك اللعين اومأت ريم موافقة ثم اقتربت منه بخفة لتطبع قبلة رقيقة على وجنتها هامسة بنعومة: -انتبه جيدًا لنفسك وعد سريعًا لي ابتسم ظافر رغم التشتت الذي يفرق ثناياه... وبالفعل بعد فترة وصل الشركة وصعد لمكتبه مباشرةً ليغرق بين اوراقه يحاول إلهاء نفسه عن التفكير، عن ضميره الذي يخبره أنها ام طفله...!
انتبه لرنين هاتفه فامسكه متأففًا يجيب: -نعم؟! اتاه صوت ذاك الحقير وهو يردد ببرود قاتل: -اعددت مفاجأة لك ظافر... عقد ظافر ما بين حاجباه وهو يسأله: -ماذا؟ سمع ضحكات ذلك اللعين وفجأة فُتح الباب واحد الموظفين يصرخ بفزع: -حريقة، الشركة تحترق من كل الانحاء سيد ظافر! اتسعت حدقتا ظافر بعدم تصديق تزامنًا مع ضحكات الرجل التي ازدادت بانتشاء مريض!..
مساءًا... دلفت أسيل مع علي لمنزلهم، نظرت له بابتسامة حانية فقد جاؤوا من عند الطبيب الذي أخبرهم أن علي ليس لديه أي كسور، تحسست جانب وجهه بحنان وهي تخبره هامسة: -انتبه لنفسك جيدًا حبيبي ولا تذهب للعمل تلك الايام، حسنًا؟ اومأ مؤكدًا بابتسامة حانية رجولية تصرخ بالعشق ليُقبل باطن يدها وهو يقول:.
-حسنًا اسولتي ولكن هيا اصعدي ونادي حور لأراها قبل ان يأتي (هتلر) شقيقك ويكمل ما بدأه حينها لن أذهب للعمل بس سأذهب لقبري! ضحكت اسيل بخفوت ثم اومأت مؤكدة وهي تصعد بالفعل لتنادي حور ولكن اوقفتها والدتها وهي تناديها بهدوء: -أسيل اود الحديث معك كادت أسيل تعترض وهي تشير لها: -حسنًا امي ولكن... ولكن والدتها أشارت لها أن تأتي بحزم: -يجب ان اتحدث معكِ أسيل، والان!
اومأت اسيل وهي تسير معها حتى جلسا على الاريكة بهدوء فبدأت والدتها الحديث بجدية حادة: -يوجد بعض الاشياء التي يجب أن تعلميها إن اردتي أن تكملي حياتك مع ذلك القاتل قاطعتها أسيل قبل أن تكمل: -انا حامل يا امي، يجب ان تضعي ذلك في حسبانك!
بينما في الأعلى كانت حور تفرش بعض الافرشة لها لتنام على الارضية، اقسمت داخلها ألا تمس ذلك الفراش مرة اخرى، وألا تشاركه أي شيء! أقسمت ونزيف روحها يصك ذلك القسم بدماءه الباردة!.. دلف عاصي إلى الغرفة فلم تعطه اهتمام، اقترب منها ليمسك يدها هامسًا: -حور... فصرخت فيه بانفعال وهي تدفعه بعيدًا عنها: -اللعنة عليك وعلى حور، ألم اخبرك ألا تظهر امامي ابدًا؟!
زفر عاصي بصوت مسموع، يحاول احكام قبضته على اعصابه حتى لا تنفجر، وفي الوقت ذاته يعلم أنه سيعاني حتى ينال غفرانها! اقترب منها ثم تابع بخفوت ولأول مرة يتوسل: -حور، يجب أن نتحدث، ارجوكِ! انا لم افعل لكِ اي شيء يزيد ثورانك بهذا الشكل نظرت له بحدة لتنطق من بين أسنانها: -مجرد رؤيتك اصبحت تزيد ثوراني سيد عاصي ما إن انهت كلمتها حتى دثرت نفسها بالغطاء جيدًا وهي تعطيه ظهرها وكأنه هواء!
ليجلس هو على الفراش متنهدًا بعمق وهو يسألها مستنكرًا: -ألا يوجد امل لأنال ذلك الغفران؟ سمع كلمتها التي كانت كسهم قاسي انطلق ليصيب قلبه الذي يتلاطم بين امواج عشقها وقسوتها الغير معهودة اطلاقًا: -ابدًا...
صباحًا... استيقظ على صوت رنين هاتفه فعقد حاجباه بانزعاج وهو يلتقطه ليرد بهدوء وصوت خشن: -من يتحدث؟ جاءه نفس الصوت المتوتر قائلاً: -سيد عاصي هذا انا، المريض النفسي الذي أتاك يومها... نهض عاصي يعطيه اهتمامه فماج عقله بذكرى حارس منزله وهو يخبره أنه لم يستطع معرفة اي شيء عنهم سوى انهم اخ واخوه فقط وانه بالفعل مريض ولكن بالانفصام بالشخصية... انتبه له وهو يقول بجدية: -اريد ان اخبرك بشيء لأريح ضميري.
سأله عاصي: -تفضل ما هو؟ -انا مصاب بالأنفصام بالشخصية، وانا الذي قتلت شقيقك بعدما تركه علي الجبوري مصاب ولكنه كان على قيد الحياه فقتلته انا لأني مريض كما اخبرتك ولم اشعر الا بعد ان انتهى كل شيء! بينما عاصي كان متجمد، مصدوم، مذهول، يشعر أن دلو من الثلج سكب عليه...
رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والعشرون
احيانًا تأتيك الحقائق صافعة اياك، ويصبح الواقع كحلم لم يكن على هواك، وتصبح تلك الصدمة عكس تجاه صداك...! ظل عاصي يسب ويلعن، يتوعد ويثور بجنون، بينما الاخر صامت تمامًا! دقائق اخرى مرت وعاصي كالتمثال المنحوت، كسجد سلبته منه الصدمة روحه لتبقيه كأشلاء في عرض بحر الحقائق...! تذكر كل شيء، اهانته، قسوته، وصفعه لها تلك المرة، كل شيء جعله يكاد يبكي دمًا من الندم...
انتبه حينما أغلق المتحدث الخط وفي نفس اللحظة دلفت حور للغرفة فشعر أن القدر لن يتوانى عن صفعه ليسقط صريع صراعه!.. وكالعادة لم تعطه حور اهتمام بل إلتقطت بعض الملابس المتسخة وحملتها بهدوء ثم كادت تخرج من الغرفة ولكن أوقفها عاصي الذي نهض بسرعة وهو يتجه لها ليمسك معصمها بلهفة قائلاً: -حور، حور انتظري ارجوكِ اشتدت اعصابها التي كانت وكأنها موضوعة على مرجل فهمست بصوت حاد دون أن تنظر له: -اترك ذراعي!
حينها، وفي تلك اللحظة إنفجرت كل مشاعر عاصي، الندم غرق نبرته الأجشة والتوسل كان باطنًا سميكًا لها وهو يقول: -حور، لقد علمت شيء، علمت أهم شيء! نظرت له بطرف عيناها متساءلة: -ماذا؟ ابتلع ريقه بتوتر، شعر في تلك اللحظة أنه يقطع أخر خيط بينهما، ولكن شعور ما أخبره أنه ربما يهدم حاجز من الحواجز التي بُنيت مؤخرًا بينهما، وما بين إنعكاسات المشاعر تلك نطق بصوت هادئ ولكنه مشحون بمشاعر شتى:.
-علي لم يقتل شقيقي حسين، لقد كان مُصاب عندما تركتموه أنتم! ضحكة ساخرة عالية إنطلقت من بين شفتا حور بتلقائية متألمة، يا الهي، شعور مُحطم، شعور كاسر خاصةً ومرارة الخسارة تستقر ببواطن روحها...! عادت للخلف خطوتان، تحدق بعيناه اللامعة بوميض راجي، نادم، بينما عيناها هي جامدة، متخبطة ما بين الذهول و، الجنون! فنطقت اخيرًا بصوت مبحوح بدا وكأنه يرجوه النفي:.
-هل تعني أن، أن عذابي هذا لم يكن بوجه حق؟! لم يكن دين وانا سددته، لم يكن تضحية، لم يكن تسديدًا لأنتقام موحش داخلك! ثم رمت الملابس ارضًا وراحت تصرخ بهياج هيستيري: -هل تعني أن كل عذابي لم يكن له معنى! كان صفحة تُركت قليلاً فجاءت الحقيقة لتغلقها بكل بساطة!
حينها لم تتحمل فسقطت ارضًا وهي تنفجر في بكاء عنيف، نشيج كان أقوى من قدرتها على التحمل، ربما كانت اسبابها جدار يسندها، ولكن تلك الحقيقة دمرت ذلك الجدار تمامًا! رفعت رأسها وهي تصرخ وكأنها تناجي ربها باحتراق روحها: -يا الله... كانت شهقاتها تزداد بينما هو يتابعها بصمت، لن يكن كاذب إن قال أن روحه تحترق لأحتراقها، أن كل صرخة تخرج منها تنغرز كالأشواك بروحه التي ارتبطت بها دون شعور منه...!
خرج عن صمته ليهبط لمستواها بسرعة وهو يمسك وجهها بين يداه ويردد بصوت ملهوف يتوسلها التصديق: -لا، لم يكن كذلك صدقيني، تلك التضحية لم تصبح بالارض، لولاكِ ربما لكان شقيقك مقتول وربما عشت انا بعذاب نفسي يقتلني بمرور الوقت، انتِ قدمتي شيء ثمين حور، ثمين جدًا! دفعته بعيدًا عنها بعنف وهي تزمجر فيه بجنون: -ابتعد عني، لا تحاول لمسي ثم أشارت لتلك الملابس وتابعت بازدراء:.
-أنت اقذر من ملابس متسخة لم تُغسل منذ قرن، أنت اسوء شيء حدث بحياتي عاصي، انت ذنب يُكفره الله لي في الدنيا!.. وبالرغم من قساوة كلماتها التي جعلته كالبحر يبتلع في جوفه الكثير ولكنه سيود الانفجار حتمًا من كثرة ما ابتلع، الا أنه لم ينطق بشيء! كادت تنهض ولكن عاصي كان الأسرع فجذبها له فجأة بعنف ليحتضنها رغم اعتراضها، كادت عيناه أن تدمع حرفيًا وهو يهمس بصوت مذبذب متوجع:.
-حور، اغفري لي، لن استطع اكمال تلك الحياة بدونك، حور، حور أنا اعشقك! تصنمت مكانها للحظة وتلك الكلمة يتردد صداها داخلها، في تلك اللحظات رفع هو وجهها له ليستطرد همسه الخافت المُحمل بعاطفة خاصة لا يظهرها دومًا: -أعشقك، أعشقك أكثر من أي شيء بتلك الحياة، كنت كاذب بكل شيء أنا عاشق لكِ ولكنني كنت أضعف من أن أعترف حتى لنفسي بذلك... كانت جامدة، نظرتها خالية من شتى المشاعر، خاوية تحدق به فقط!
أعتقد أنها استجابة صامتة فاقترب ببطء منها ولكن بمجرد أن لامست شفتاه شفتاها حتى دفعته بكل قوتها ليترنح للخلف بذهول، فمسحت هي شفتاها بعنف بطرف ملابسها ثم بصقت ارضًا وقالت بتقزز واضح كان كنخجر إنغرز برجولته: -لا ادري كيف اقنعك أنني اصبحت لا امقت في هذه الدنيا سوى لمستك، ولم اعد أريد ذلك العشق بل اصبحت اتقزز منه! أتعلم لمَ تركتك تقترب؟ لتشعر بأحساس الرفض والتقزز الذي اشعرتني اياه مرارًا وتكرارًا!..
دفعته وهي تحاول تخطيه مرددة بصوت صلب قاسي: -أنا لن أبقى بهذا المنزل لحظة اخرى فرد هو دون تردد بخشونة واعصاب كادت تنفجر من بروزها وإنصهارها: -لن تخرجي من هذا المنزل إلا على قبرك يا امرأتي، ولن اتردد عن فعل اي شيء يبقيكِ معي حتى لو كَذبت ما قلته لكِ الان! ابتسمت له باصفرار قائلة: -وماذا كنت أتوقع منك! ثم تخطته دون كلمة اخرى ليتنهد هو بصوت مسموع مُعذب: -آآهٍ من ذلك العشق الذي لم يُكتب له سوى الوجع...!
بينما في الأسفل... كانت صدمة والدة عاصي كبيرة وهي تسمع خبر أسيل الذي دمر أي مخططات لها او تحذيرات!.. جعلها تشعر ان حديثها كله لم يعد له أي قيمة.. اخذت ثواني قبل أن تهمس مذهولة: -حامل! تحملين جنين قاتل شقيقك؟! لم تكن أسيل تتحدث بل كانت صامتة، مستكينة وكأنها تنتظرها ان تفرغ ما بجبعتها، بينما الاخرى اردفت بغل دفين:.
-اسمعيني جيدًا يا اسيل، لن تدخلي ذلك المنزل مع ذلك القاتل ابدًا، لن أعدك بمعاملة جيدة لأطفالك منه بل لن اعدك بمعاملة من الاساس! سينقطع كل شيء بيننا الا من السلام كل فترة... في تلك اللحظة اتت حور التي ضحكت ساخرة وبقوة: -إنتهت المسرحية يا حماتي العزيزة، انتهى كل شيء! لم تتوقف ولو لحظة للتفسير بل قالت بصوت جامد حاد: -اعطيني هاتفي الذي اخذتيه مني عقدت حماتها ما بين حاجبيها بتوتر ثم ردت: -ولكن آآ عاصي...
فصرخت فيها حور بانفعال حاد جعل التي امامها تشعر أنها بينها شعرة وبين الجنون..!: -لعنه الله ذلك اللعين، اعطيني هاتفي والان! بالفعل تنهدت وهي تسير بهدوء لتجلب لها هاتفها بينما أسيل ركضت للخارج شبه باكية وكلام والدتها يمزق روابط ثباتها شيءً فشيء!.. تفاجئ بها علي الذي كان ينتظر حور، طارت منه حروف المشاكسة ليحل محلها قلق ذريع وحروف متلعثمة تتساءل بلهفة: -ما بكِ حبيبتي ما الذي حدث؟ هل حور بخير؟!
اومأت أسيل بسرعة وهي تخبره شاهقة بحروف متفرقة كالشرق والغرب: -بخير بخير، ولكن انا آآ، عندما قلت لوالدتي أنني حامل اهتاجت واخبرتني ان كل صلاتي بهم ستنقطع! احتضنها علي بحنان بحت، يُشعرها أن قلبه هو من يحتضنها وليس جسده، أن بكاءها شيء يجعل كيانه الرجولي يرتجف بعنف!.. بدأ يربت على خصلاتها بحنان هامسًا وكأنها طفلته:.
-لا تقلقي صغيرتي، ألا تعرفين طبع الأمهات؟ كلهن نفس النسخة، اليوم لستي ابنتي وغدًا أنتِ حبيبتي! جميعهن مصابات بالأنفصام.
في نفس اللحظات كانت سارة صديقة ثامر تستمع لهم، كانت على وشك الدخول للمنزل وهي تحمل ظرفًا كانت تود إعطاءه لأسيل، ولكن ما سمعته الان اهم بكثير... اتسعت ابتسامتها الخبيثة وهي تتراجع بسرعة راكضة قبل أن يراها أي شخص لتستقل سيارة الاجرة التي كانت تنتظرها وهي تقول له: -عد للسجن بسرعة وبالفعل انطلق بها نحو السجن الذي يُسجن به ثامر...
عقلها الشيطاني يرسم لها العديد من الخطط التي سيرسمانها معًا بخطوط ذلك الخبر...! وبالفعل وصلت وتقدمت من الضابط تأخذ اذن الزيارة، وبالفعل دلفت لثامر وبمجرد ان رأته حتى همست بابتسامة خبيثة: -احضرت لك خبر سيجعلك سيعد جدًا عزيزي ثامر تأججت عيناه بلهفة وهو يسألها: -ماذا؟ هل اعطيتي صور خيانة علي ل أسيل؟ هل صدقتك! هزت رأسها نافية بكل هدوء: -لا بل شيء اهم من ذلك بكثير...
نظر لها باهتمام فتابعت بنبرة شيطانية تشعرك أن الشيطان هو ناطقها: -سمعت أن أسيل حامل من ذلك الوغد علي! للحظة تجهمت ملامحه بانزعاج واضح ولكن سرعان ما تبخر ادراج الرياح ليحل محله دخان شيطاني مُهلل وهو يهمس لها: -لنساعدها لتتخلص من ذلك العبء نهائيًا اذن!؟..
كانت ريم تقف امام ابراهيم الجبوري وهي تقول بصوت حاد ثائر: -انا اريد ان اتحدث مع حور او اراها، لن انتظر اكثر! رفع كتفاه بلامبالاة وكأنها تتحدث عن اخرى غير ابنته، ابنته التي ألقت بنفسها بين ذراعي الجحيم لأجلهم جميعًا...! ثم مط شفتاه وأخبرها ببرود ثلجي: -ماذا افعل انا؟ زوجها لا يريد ولا يمكنني ان اجبره حتى لا اخرب حياتها! حينها لم تتمالك ريم اعصابها بل صرخت فيه بجنون:.
-هل تعتقد أنك لا تخربها هكذا؟ أنت تدمرها بكل بساطة، أي اب أنت! وفي اللحظة التالية ودون تردد كان يصفعها بعنف وهو يزمجر فيها بشراسة: -اصمتي ايتها الحقيرة يبدو أنكِ لم تري تربية ابدًا!..
في الوقت ذاته كان ظافر يركض مسرعًا ليخرج من الشركة ولكن هذا الخروج كان حلم بعيد كل البُعد عن الواقع... فهو بمجرد أن خرج وجد النار بالفعل اشتعلت بكل ارجاء الشركة... اصبحت الدنيا مُعتمة من كثرة الدخان الذي انطلق بكل مكان في الشركة، بدأ ظافر يسعل بعنف وهو يرى احدهم ساقط والاخر يترنح والاخر يبدو أنه قطع نفسه تمامًا... بدأ يشعر أن كل شيء ينهار امامه، كل شيء يفقد قيمته في تلك الحياة!
بدأ اختناقه يزداد وهو يشعر بانقباض نفسه، حاول التماسك، حاول الثبات وهو يقفز من هنا لهنا لينجو ولكن اسفًا، لم تسعفه انفاسه او قواه فبدأ يلتقط انفاسه بصعوبة قبل أن يسقط مكانه فاقدًا للوعي وربما بعد قليل للحياه بأكملها!..
وبعد فترة... ريم كانت تمسك بهاتفها بعدما اغلقت مع حور، تنهدت بارتياح غائر واخيرًا استطاعت التحدث معها، شعرت ان نصف روحها الثاني عاد لها واخيرًا...! وفجأة صدح رنين هاتفها فأجابت بخفوت: -السلام عليكم سمعت صوت خشن حاد ولكنه ضاحك يخبرها: -كيف حالك يا صغيرة؟! سألته بتوتر: -من أنت؟ سمعت ضحكات عالية وهو يخبرها: -انا شخص يعرفك ولا تعرفينه، المهم انا اتصلت لأخبرك أن تعدي لعزاء زوجك فهو الان في عداد الموتى...!
كانت حور في غرفتها، تجلس شاردة تائهة بين بحور افكارها كعادتها مؤخرًا... تتذكر مكالمتها هي وصديقتها بعد أن قصت عليها كل ما حدث معها لتفجر كل المشاحنات المكتومة بين ثنايا روحها...
فلاش باك### سألتها ريم بصوت هادئ يحمل لونًا واضحًا من الحزن والشفقة: -ماذا سيحدث الان حور؟ بالتأكيد لن تظلي هكذا؟ هزت رأسها بيأس وكأنها تراها: -لا اردي، اشعر انني كاليتيمة بلا سند في غابة ممتلئة بالذئاب! سمعت صوت ريم الذي احتد وهي تنهرها: -اصمتي يا عمياء واين ذهبت انا؟ قسمًا بالله لو يتركوني لأقطع لكِ تلك الذئاب يا قلب أختك...!
ابتسمت حور باشتياق حقيقي لذلك الدفاع الحاني، ذلك الدرع الذي يمد روحها بقوة تلقائية تتوسلها هي لتجتاحها...! وفجأة نطقت بصوت شارد: -إما الطلاق او الانتحار شهقت ريم مصدومة: -ماذا تهذين؟ حينها ردت حور بثقة ولكنها بليدة جامدة: -كما سمعتي ريم، سأخيره بين ذلك وليس امامه خيار اخر انا جادة، ولكني واثقة أنه لن يتحمل عذاب ضمير آخر! وقبل ان تغلق قالت بسرعة: -حسنًا ريم لا تقلقي سأحدثك مرة اخرى.
ثم أغلقت بسرعة وهي تتصل ب علي الذي اجابها بعدم تصديق: -حور، لا اصدق، أهبطي لي بسرعة انا بالأسفل انتظرك ولكن حور قالت بسرعة: -علي، احضر مأوذن وتعالى سريعًا رجاءًا... وقبل ان تسمع اعتراضه كانت تغلق الخط... باك###.
نهضت متوجهة لغرفة عاصي، بمجرد أن رآها نهض منتصبًا وهو يهمس بلهفة: -حور! دون ان ترد عليه كانت تصعد بسرعة لتقف على الشرفة بحركة رشيقة وهي تردد بصوت لا حياة فيه: -إما الطلاق او الموت سيد عاصي!..