أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى جنتنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





رواية طفلة في قلب الفرعون

كانت امام القصر... ظلت تأخذ شهيق وزفير.. تحاول تكميم قسمات وجهها النابضة بالقلق رغمًا عنها...!توجهت نحو الحرس تهتف بصوت ..



26-12-2021 08:48 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [7]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية طفلة في قلب الفرعون
نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن

رآن الصمت بين الجميع، صمت قاتل يحتضن صراع غامض من النظرات المبطنة بعشرات الكلمات...!
للحظات لمحت دنيا ذلك الطيف البراق يطوف بنظرات يزيد قبل أن ينطفئ تمامًا، فتشعر لأول مرة أنها أطفئت الشعلة الوحيدة التي كانت تنير طريقها لقلبه!.
إنتبهت لصوت يزيد المغلق وهو يغمغم:
-لما هي إتفقت معاكم ماسكينها كده لية؟!
حينها تراخى قناع البرود الذي كان يغطي ملامح سراج ليظهر الغضب في أوجه وهو يصيح مزمجرًا:.

-لأني حذرتها، قولتلها انا هقولك معلومات عن أمك بس اسمعي الكلام وماتطاوعيش مسعد الشامي في اللي هو عايزه بس هي ماسمعتش الكلام!
ولم يترك ليزيد الفرصة بل تابع بغضب اكبر:.

-من وقت ما مُسعد قال إن دنيا اختفت فترة وهترجع بمزاجها زي ما مشيت بمزاجها وانا عارف إنه كذاب وإن في حاجة غلط في الموضوع، بس مكنتش اعرف إنه بيجهز عشان يغدر بينا وعايز ياخد حاجة يقضي علينا بيها! ميعرفش أنه لو قضى علينا هيقضي على نفسه برضه!
اقترب من دنيا بخطى بطيئة، ومع كل خطوة تزداد، تزداد امامها خفقات يزيد التي كانت كمطرقة في حرب مجهولة النهاية!..

إلى أن وضع سراج يداه على خصلات دنيا يتحسسها وهو يكمل بهسيس شيطاني:
-بس مكنتش أعرف إن مسعد بالغباء ده عشان يبعت واحدة حلوه وصغننه زيك هي و واحد بس عشان ياخدوا الميكروفيلم..!
شيء نال نسيم الراحة اخيرًا داخل يزيد وهو يدرك أن ذلك اللعين يعتقد أنه هو ودنيا جاءوا هنا بأمر من مُسعد الشامي ولم يدري أنه ضابط...!

وربما ما زاد ظنه أنهم رجال مُسعد أن لا احد يعلم بوجود ذلك الميكروفيلم إلا اعضاء المافيا نفسهم، وبالطبع الشرطة لاحقًا...!
حينها فقط ادرك أهمية مرافقة دنيا له...
واخيرًا خرج صوته هادئ يحمل ذلك الايقاع المزيف من التوسل:
-غلطنا يا باشا...
ولكن سراج هز رأسه نافيًا والشر شرارة قدحت بين جحر عيناه، فأردف بصوت عالي آمرًا:
-اقتلوها.

إنتفضت دنيا بهلع حقيقي، وعينا يزيد اصبحت كرة من النار، كرة إنتفخت وإنتفخت بالجنون والحقد حتى كانت كلمته كالوغزة التي فجرتها فجأة...
ليضغط على ذلك الزر المُعلق بالسلسلة في رقبته وفي لحظة بدأ هجوم فريقه على المكان، لتندلع حرب دموية وتنطلق الرصاصات كأمطار غزت أزهار الربيع بقسوة...
قفز يزيد من مكانه بسرعة نحو دنيا التي أمسكها احد رجال سراج وهو يضعها امامه هو وسراج كدرع حامي لهم...!

ركضوا بها للأعلى في احدى الغرف ليركض يزيد خلفهم بجنون، إن أصابها مكروه لن يسامح نفسه ابدًا، ولن يسامحها!
دلف هو وسراج ودنيا وذلك الرجل الذي يكبلها، كان يزيد يصارع خوفه، يصارع عشقه ونبضاته التي اهلكها ذلك المنظر في مدارها...
يعطي عقله قيادة روحه وكيانه ليستطع التحرر من اشباح عشقها، ليتناسى الجزء العاشق داخله حاليًا، ويصبح الضابط يزيد المتزن دون أي عوائق من التوتر والجنون...!

وبالفعل استقام واقفًا امام سراج الذي أخذ يصرخ وكأنه على عتبة الجنون:
-بوليس، أنتوا بوليس استحالة تكونوا رجالة مُسعد، مُسعد معندهوش القوة دي!
ثم صرخ ليزيد صارخًا وعيناه تحيد نحو دنيا بتهديد واضح:
-لو مش عايزها تموت سيب سلاحك
كان يزيد يحدق بعينا دنيا المهتزة، يرسل لها رسالة خفية ويرجوها الاستقبال...!

وبالفعل، حينما كان سراج يمسك السلاح من رجله ويترك له مجرد سكين، ثم كاد يلتقط دنيا، ولكن دنيا وبحركة مباغتة أخرجت موس صغير من معصم يدها لتدفع ذلك الرجل عنها بعنف وتغرز ذلك الموس بعيناه فتعالت صرخاته المتألمة ثم ركضت نحو يزيد...
وفي نفس اللحظات أطلق يزيد رصاصه ليُصيب الرجل اولاً ثم سراج الذي لسوء الحظ أطلق هو الآخر رصاصته تجاه دنيا...!

وسقطت دنيا ارضًا دون اي مقدمات، سقطت كزهرة ذبلت عندما ازدادت قسوة المناخ عليها...!
ولكنها لم تسقط وحدها، بل مزقت وريد الحياة داخل يزيد الذي تصنم وكأن الروح غادرته...!
لحظة واحدة وكان يركض نحوها بلهفة مجنونة يمسك وجهها بين يداه ويصرخ بصوت مرتجف هيستيري:
-دنيا، دنيا قومي فوقي، دنيا ماتهزريش قومي أنتِ مش هتسبيني بعد ما لاقيتك، دنياااااا.

حروف أسمها خرجت من بين شفتاه كالحمم عندما تخرج من جوف البركان الثائر، يصرخ ويزداد نحيبه، يهز رأسه نافيًا وهو يحاول إفاقتها بكل الطرق...
لن تتركه، لن تغادر تلك الدنيا لعالم اخر وتتركه، لن تتركه عالق هنا في لظى الدنيا، مد يده اخيرًا متوقعًا نزيف غائر ولكنه لم يجد دماء...!

وفجأة هدأ صوت الرصاص بالأسفل، ثم بدا وكأن هناك علاقة طردية بين الادراك والهدوء العقلي ليزيد، فكلما عم الهدوء عم الادراك عقله، نهض بسرعة البرق يركض نحو جثة سراج يبحث عن اي مفتاح او شيء يدله على الميكروفيلم...
وجد ساعة عريضة في يده، فكاد يتخطاها ولكن لوهله توقف وهو يتفحص تلك الساعة بتمعن، ثم سحبها من يده، وضعها عند اذنه ليهزها ببطء فسمع حركة خفيفة حينها أدرك انها لم تكن مجرد ساعة...

بل كانت مخبئ للميكروفيلم، شتم بصوت عالي، تفكير شيطاني، فحينما يحدث هجوم عليهم يضع الميكروفيلم بتلك الساعة التي لن يتوقع أي شخص أن يكون به...!
سمع صوت زياد يخترق السماعة الصغيرة جدًا الموضوعة بأذنه، لاهث قلق يسأله:
-يزيد انت كويس؟ لو في اي خطر او لسة في حد عندك كح او اديني اشارة على الجهاز...
خرجت حروفه متحشرجة بضياع وهو يجيب:
-خلصت عليهم وخدت الميكروفيلم، هات اسعاااف بسرعة دنيا ممكن تكون اتصابت.

-تمام اهدى هي لابسه واقي من الرصاص، دقايق وهنكون قدامك
عاد يزيد يمسك وجه دنيا بلوعة، يمسح قسماتها بإصبعه بشغف واضح، لم يعد يحتمل، تلك العاطفة إما تشعله بجنون ليحيا دائمًا متوهج بعشقها، او تقتله عندما تنطفئ فجأة..!
ظل يطبع قبلات خفيفة يداعب بها وجهها الشاحب وهو يردد اسمها بهوس...
بدأت تأن بصوت مسموع وتلقائيًا كان اسمه اول ما خرج من بين شفتاها:
-يزيد..

تأوه بخشونة محتضنًا اياها بخوف حقيقي، يا الله، للحظات، فقط لحظات تخيل تلك الدنيا بدونها فلم يعد يطيق رائحة الحياة!
نظر لعمق عيناها، لبحر عيناها الراسي بتوهان، ليهتف بصوت مثخن بالعاطفة:
-روح قلب يزيد...
اقتحم زياد وعناصر الاسعاف المكان ولكن يزيد لم يهتم وهو يعود ليسألها بلهفة:
-إنتِ كويسة؟ حاسه بحاجة؟ طمنيني يا دنيتي؟.
هزت رأسها نافية بخفوت...
-انا كويسة.

فبدأ يلتقط أنفاسه، يضمها لصدره أكثر بينما أنفه تبحث بلهفة وشوق عن رائحتها التي تذيب ثوران روحه لتشعل به ثورة من نوع اخر...!

مصر
بدأ جسد عهد ينتفض بعنف أسفله، بدت وكأن روحها تصارع، ولكنها لم تكن تصارعه هو، لوهله ظن أنها تحارب شبحًا آخر في صورته هو..!
اهتزازتها تزداد وصراخها كان لحن شاحذ في حرب قاسية...!
حالها المثير للشفقة كان كصعقة الكهرباء لعقل ياسر ليستعيد توازنه، يستعيد ادراكه، يتذكر مَن تكون، يستعيد شريط الذكريات الذي مزقت الصدمة معالمه...!
رفع جسده ببطء عنها، ماذا كاد يفعل؟!..

إن دمرت هي جزءًا من كيانها، فكاد هو يحرق كيانها كله حرقًا...!
بدأ يرتدي ملابسه بملامح مبهمة، بينما هي اخذت تتراجع تلقائيًا للخلف تضم جسدها لها والرعب يلتهم روحها...!
لم يرتدي قميصه بل رماه عليها بقسوة والازدراء مشوب بالاشمئزاز يقطرا من نظراته وهو يهتف بحدة:
-امسكي استري جسمك، مش انا اللي اخد فضلات غيري!

لازال يجلدها، لازال يُصر على تعذيبها، مرة يجلد جسدها ليشوهه بضرباته والان يجلد روحها بكلماته المسمومة...!
ارتدت قميصه بلا وعي لينحني هو نحوها فجأة، فشهقت هي بخوف تلقائيًا، بدأت تهز رأسها نافية والدموع تعود لطريق عيناها، ولكن تلك المرة الهيستيرية زادت، فبدأت تصرخ وهي تهز رأسها نافية...
تغمض عيناها بعنف، تحارب تلك الذكرى المقيتة وما اقسى تلك الحرب عندما تكون حرب نفسية...!

ازدادت انفاسه حدة، وإنقسمت روحه لحزبان، احدهما يود احتضانها لتهدأ تمامًا، والاخر يحدق بها بعين الانتشاء والشماتة!
ولكن السيطرة كانت لحزب العقل، كانت للانتشاء المغموس بتلك القسوة!
ولكن عندما صرخت فجأة بصوت مبحوح وكأن احبالها الصوتية تمزقت:
-يا يااااااسر...
تجمد كل شيء، تجمد هو شخصيًا وذلك الاحتراق داخله بدأ يبهت شيءً فشيء، ليجهر قلبه بثورة عنيفة بين ضلوعه، تستنجد به، تستنجد به منه؟!..

ودون لحظة تردد اخرى كان ينحني لمستواها ليحملها بين ذراعاه دون كلمة واحدة، وبمجرد أن تغللت رائحته انفها حتى إنسابت وثورتها الغريبة تستكين بين احضانه...
دفنت رأسها عند رقبته، شفتاها تتلمس رقبته وهي تتحدث بصوت واهن لتزيد عذابه ويشتعل ذلك الحريق القاسي في مسام جلده:
-ماتسبنيش يا ياسر، خليه يبعد عني..

رفع رأسه يزفر بصوت مسموع، يحاول تهدأة شياطينه، ليضعها بحدة نوعًا ما على الفراش في غرفة متوسطة، ثم استدار دون ان ينتظر لحظة يخرج من تلك الغرفة...
لم يعد يحتمل حتى أن يشاركها نفس الهواء، تلك الرغبة العمياء بقتلها تسيطر على محور افكاره بشكل خطير، ولكنه لا يريد قتلها...!
وفجأة كان يطيح ليضرب تلك المرآة الموضوعة امامه، ودون اهتمام بيداه التي بدأت تنزف، كان يضرب الحائط بجنووون تام وهو يصرخ ولأول مرة:.

-ااااه ياااااااااارب!

بعد ساعات قليلة...
كل شيء اصبح جاهزًا، المأذون الذي سيعقد قرانهم، واصدقاؤه الشهود، وشخصًا ما ليكون وكيلها، الصورة المزيفة للزواج الكامل اصبحت جاهزة، ولكن ينقصها نقطة النهاية، ينقصها هي، عهد!
تركهم بصمت متعجبون من ذلك القرار بالزواج ومن حالته الغريبة، ليتوجه نحو غرفتها، فتح الباب دون استئذان ليستشعر تلك الرعشة التي هاجمت جسدها فور دخوله...!

اقترب منها بخطوات حادة وما إن وقف امامها حتى توجه نحو الدولاب ليُخرج فستان اسود طويل حتى كاحليها وذو اكمام ومغلق من كل الجوانب، رماه على وجهها بعنف ليستطرد بسخط قاسي:
-اتنيلي اغسلي وشك وإلبسي ده في ٥ دقايق بالظبط المأذون برا، هكتب عليكي حفاظًا على سُمعتي انا، لكن انتِ ولا تفرقي معايا بنكله!
ابتلعت تلك المرارة التي كانت كالعلقم بجوفها، لتنهض ببطء تترنح في خطواتها...

دلفت للمرحاض لتختفي خلفه حوالي ربع ساعة واخيرًا خرجت، مرتدية ذلك الثوب الاسود، رماها ياسر بنظرة شاحذة، يليق بها الأسود، تمامًا كمصيرها الذي خطته بفعلتها الشنيعة..!

وقفت امام المرآة وبيد مرتعشة حاولت تصفيف خصلاتها، ومن ثم استدارت لياسر هامسة بصوت شاحب:
-خلصت!
ولكن فجأة وجدته خلفها تمامًا، خلفها لدرجة أنها شعرت أن ظهرها سيذوب منصهرًا من النيران المندلعة بعيناه المصوبة نحوها...!؟
وجدته يرفع إصبعه ليسير به ببطء على رقبتها الظاهرة من الفستان، ببطء شديد اثار قشعريرة باردة بعمودها، ثم همسه الخشن عند اذنها بنبرة غريبة:.

-غطيها، مش عايز أي جزء ولو صغير جدًا منك يبان، إنتِ بقيتي ملكي من الليلة، كل جزء فيكي ملكي مش مسموح لحد غيري يشوفه!
وتلقائيًا ابتعدت خطوة لتبتعد عن ملمس إصبعه، ثم همست بخنوع:
-ح، حاضر، هغطيها بس ارجوك ابعد شوية
كلماتها كانت الشعرة التي تفصل بين إنفجاره وجموده، حررت ذلك الشيطان داخله الذي يجاهد ليكبله...!
فجذبها له بعنف حتى اصطدمت بصدره العريض، ليصرخ بانفعال قاسي قاصدًا تسميم روحها بكلماته:.

-إيه محسساني إن عمر ما راجل قرب منك، امال لو مش جايبك من كباريه من وسط ال* كنتي عملتي ايه؟ ولا إنتِ ملكيش غير في الحرام!
ثم ضغط على خصرها بيداه يقربها منه اكثر بينما هي مغمضة العينين تحاول الصمود امام شلالات الدموع التي تهاجمها بضراوة، عيناه انحرفتا نحو شفتاها بنظرات أشعلتها عاطفة يختبرها لأول مرة...!

لم يعد لعقله وجود في ظلال هجوم شفتاه على شفتاها يسحقها سحقًا، يدمغها بملكيته لها، يُقبلها بعنف محاولًا تجاهل ذلك السائل الحار الذي يحترق بشرايينه...!
ترك شفتاها عنوة عندما شعر بحاجتها للهواء، كل نفس يخرج منه اصبح يؤلمه، يؤلمه بشدة كلما تذكر أن احدهم لامسها بتلك الطريقة، قبلها هكذا، احتضنها، مس جسدها، أن رجلاً آخر سبقه لها ونال كل شيء، كل شيء!

عند تلك النقطة دفعها بعيدًا عنه فجأة بقوة حتى اصطدمت بالمرآة وكادت تتحطم، ليزمجر فيها بعدها بجفاف قاسي:
-إنتِ بقيتي ليا مع إن ده شيء بيخليني قرفان من نفسي لما افكر إن إنتِ اللي هتشيلي اسمي من وسط كل اللي عرفتهم، يعني اقرب منك وقت ما انا عاوز وماتفكريش تقوليلي ابعد! إنتِ اساسًا كرستي نفسك عشان تشبعي رغبة الرجالة، ف ماجتش عليا!

ثم استدار كالعادة يغادر كلما رمى قنبلة اخرى بين ثنايا روحها وينتظر رؤية الجرحى في عيناها النازفة...!

مهما بلغت قوة شخصيتك؛ هناك دائمًا شخص يمكن أن يجعلك ضعيفًا أمامهُ..
ليسَ ذلاً ولا خوفًا، وإنما هي مكانتهُ في قلبك..!

لبنان
في ذلك المنزل الذي اجتمع به فريق يزيد استعدادًا عودتهم لمصر، تحديدًا في الغرفة الخاصة ب يزيد ودنيا...
كانت دنيا جالسة على الفراش تضع يداها على رأسها بتوتر وعيناها على يزيد الذي يسير في الغرفة ذهابًا وإيابًا...!
وفجأة وجدته يقترب منها متمتمًا بتساؤل حاد:
-انا عايز اعرف كل حاجة حصلت، حالًا!
ابتلعت ريقها بتوتر لتسأله بعدها بعدم فهم مصطنع:
-تعرف إيه؟!
-دنيا.

صرخ بها بعيون حادة كصقر شرس ممزقة كل صلاتها بالمرح، لترد دنيا تلقائيًا بخوف مزيف وهي ترفع يدها عند رأسها كتحية عسكرية:
-باااشا...
صمتت لحظة ثم نظرت لعيناه المخيفة التي ازدادت حدتها لتهمس بنفس البراءة الطفولية:
-خلاص هقولك ماتزقش!
ثم بدأت تفرك يداها بتوتر والذكرى تتسرب ببراعة لعقلها النافر من احتلال ذكرى كتلك له...
اخذت نفسًا عميقًا ثم نطقت بصوت أجش:.

-فاكر اليوم اللي النور قطع فيه وانا حاولت اهرب، في اليوم ده كنت عمالة اجري كتير بعيد عن البيت وكنت خلاص في الشارع الرئيسي وهخرج، لاقيت حد فجأة ظهرلي معرفش منين تقريبًا شافوني صدفة، اخدوني في حتة معزولة وقالولي إنتِ بنت مسعد الشامي صح، في البداية سكت وكنت خايفة لكن لما شوفت التهديد في عينهم قولت اه، وقالولي زي ما سراج ده قالك، خليكي معانا وقوليلنا مسعد الشامي باعتك لية وكل اللي تعرفيه اول بأول واحنا مش هنأذيكي، ساعتها فهمت، مسعد الشامي المبجل مقدرش يعلن للناس إن ببساطة بنته اتخطفت ومابقاش عارف يوصلها لها، وإن اللي خطفها حد في نفس قوته يعني هيبان هو الضعيف طبعًا ومحدش هيعمله حساب في السوق تاني، فقال اني رحت سفرية وهرجع بعد فترة، ساعتها هما بدأوا يشكوا فيه لانه ماكنش بيستغنى عني وكان في شيء مُريب، المهم سايرتهم وأكدت لهم بطريقة غير مباشرة إن مسعد فعلًا هو اللي باعتني وادوني تليفون كده صغير عشان اتواصل بيهم من خلاله، وسابوني ومشيوا وانا كملت جري وانا بفكر وفجأة لاقيتك ف وشي، ده كل اللي حصل.

كانت ملامح يزيد مغلقة، غير مقروءة ولكن ضبابية سوداء تحيطها بشكل عام...!
ثم راح يسألها بجمود:
-عشان كده وصلوا للبيت اللي كنا قاعدين فيه، المهم هما ماحاولوش يتصلوا بيكي بعدها؟
اومأت مؤكدة برأسها:
-حاولوا طبعًا بس انا كنت بقولهم إن مسعد مش بيقول لينا كل حاجة مرة واحدة وإنه بيدينا الاوامر في ساعتها للاحتياط، وهما كانوا بيهددوني باستمرار اني مالعبش بديلي معاهم!

تشقق جمود يزيد ليرتسم ببقاياه الغضب، خيبة الأمل، والألم...!
ثم استطرد بعدها بنبرة هادئة يلسعها البرود:
-ماقولتيليش كل ده لية؟!
-مش عارفة
اجابتها كانت خاطئة، بل كانت اكبر خطأ، كانت مجرفة اخرى تزيد من عمق تلك الحفرة الغائرة التي فُتحت في منتصف طريق علاقتهم...!
رفع عيناه الباردة لها ليقول بعدها بنظرة خاوية:
-عمرك ما وثقتي فيا، وانا اللي مفروض ماثقكش فيكي اديتك جزء كبير من ثقتي بسهولة!

هزت رأسها نافية بسرعة:
-انا كنت...
وصمتت، مرة اخرى صمتت، لم تصرخ بلهفة كنت سأخبرك، وددت اخبارك، اي شيء يُعيد لكرامته روحها ويقتل ذلك الشعور بخيبة الأمل!..
بدأ يتنفس بصوت مسموع يعيد تريب بعثرته، ثم نهض من جوارها وهو يغمغم بملامح مغلقة:
-السفر بعد ٤ ساعات، خليكي جاهزة عالوقت
ودون تردد كانت تنهض هي بلهفة تمسك ذراعه وتلك الهمسة الملتاعة تخرج من بين شفتاها لتضرب حصونه مباشرةً:
-يزيييد...

أغمض عيناه بعنف دون أن يلتفت لها، صائحًا باستنكار:
-عايزه إيه تاني!؟
واخيرًا استطاعت مقاومة ذلك الثقل بلسانها فنطقت بما أملاه عليها شعورها:.

-انا كنت متلخبطة، مش عارفة مين عدوي ومين حبيبي، انا كنت عايشة سنين مع مسعد ومفكره إنه اكتر حد عايزلي الخير في الدنيا دي وطلع اكتر حد زبالة بيكرهني، انا مش هنكر واقول اني كنت متأكدة وواثقة فيك انت واللي معاك، انا كنت شاكه، بس كانت جوايا حاجة متأكدة انك حبيب مش عدو، حاولت اقاومها بس مقدرتش، فجأة لاقتني كده
حينها استدار لها ببطء يسألها ببحة خاصة:
-كده ايه!؟

عيناه تعود لتبحر كالعادة في بحر عيناها ينهل منها المزيد من الاعترافات التي تسقي شوقه لها، تنهدت هي وانفاسها تعانق محياه، ثم همست بكل العاطفة التي تستوطن جوارحها:
-لاقتني بحبك، حبيتك ازاي وامتى مش عارفة، بس لاقتني بحبك اوي يا يزيد...
أغمض عيناه يستشعر حلاوة مذاق تلك الكلمة التي ادرك لتوه أنه كان ينتظرها على احر من الجمر...!

وما إن فتح عيناه حتى رأت هي بوضوح العاطفة الحادة المغموسة بظلمة عيناه، تلك النظرة التي تزلزل كيانها وهي ترى الشوق والجوع الذي استقر بين ثناياها!..

يداه ودون اذن منه تسربتا لمنابت شعرها، يفكه ببطء بأصابعه لينسدل كالأمواج الناعمة، ازداد لهب الشوق بعيناه فكان يجذبها من خصلاتها فجأة ليقرب وجهها من وجهه جدًا ودون انتظار لحظة واحدة اخرى كان يلتهم شفتاها، بكل الشغف، بكل اللهفة، بكل العاطفة الجياشة التي تفجرت بين اوردته...!
لن ينتظر اكثر، يريدها، يريد امتلاكها دون اي انتظار اخر وتبًا لكل شيء...

دفعها بجسده ببطء نحو الفراش وشفتاه تأبى ترك شفتاها، فسقطت هي على الفراش اولًا، حينها همس هو بصوت خشن من ثقل عاطفته:
-اسف، مش قادر استنى اكتر، ومش هاقدر اوقف! إنتِ اللي بدأتي ف استحملي النتيجة!
من بين أنفاسها اللاهثة همست له تعطيه كافة مفاتيحها:
-ماتوقفش...

انضم لها بجنون يغرق بين بحورها ويُغرقها به، لم تكن مجرد ساعات من الغرام، بل كانت نوع آخر من تعانق روحان قيدتهما عاطفة قوية، كانت رحلة مجنونة، مشتاقة بلا جموح، كان ينهل من بحور عسلها باشتياق لا يقل بل يزداد...!

بعد ساعات...
في الطائرة العائدة لمصر...
كانت دنيا تجلس جوار يزيد الذي شابك كفها بكفه، لم يشعر يومًا بهذا الاكتفاء، لم يشعر يومًا أن روحه تتراقص في محور السعادة هكذا..؟!
وما إن أقلعت الطائرة حتى زفرت دنيا بارتياح واضح، لتهمس بعدها متساءلة بفضول:
-على كده بقا هما اتقبض عليهم ولا لسة؟ واللي كانوا بيجروا ورانا اتقبض عليهم؟
اجابها بهدوء:.

-زمانهم اتقبض عليهم طبعًا قبل ما يهربوا، وايوه اللي كانوا بيجروا ورانا اتقبض عليهم، الميكروفيلم ده كان خطر عليهم كلهم عشان كده كانوا هياكلوا بعض عليه..!
اومأت مؤكدة برأسها، تمنع ذلك السؤال عن والدها المزيف بإرادة من حديد...!
نظرت للظلمة المتوهجة بعيناه لتسأله مرة اخرى ولكن تلك المرة بنبرة مرحة عابثة:
-يزيد، بقولك ايه، إيه اكتر حاجة بتحبها؟
رد بابتسامة عريضة:
-محشي ورق العنب.

حاولت الحفاظ على تلك الابتسامة المرحة التي تهددت بالزوال، لتكمل:
-لا، اقصد من الكائنات الحية..؟
-بحب شجرة العنب عشان بتطلع لنا ورق العنب عشان نعمل بيه محشي ورق العنب
تبًا له، كم هو ماكر يرى بوضوح السؤال المتواري خلف حروفها الغامضة المرحة، ولكنه قرر أن يسلك طريق آخر متلاعبًا بأوتارها الحساسة...!
كزت على أسنانها والغيظ يحلق في عيناها:
-لا اقصد بتحب مين من ال** الناعم؟

حينها رفع رأسه لأعلى ويده تحك شعيرات ذقنه الناعمة كعلامة على التفكير، ليستطرد ببراءة مصطنعة بإجابة كادت أن تصيبها بشلل:
-كنت بحب خالتي الله يرحمها عشان كانت بتعمل محشي ورق عنب، انما اييييه عنب!
حينها صرخت بصوت عالي دون وعي:
-يزييييد
ضحك يزيد وبشدة من قلبه، وضحكاته دون أن يدري كانت تدغدغ احساسها لتصيبها بحالة من الذوبان في تلك الضحكات الرجولية...
عاد يحدق بملامحها الطفولية العابسة ليتابع مشاكسًا بمرح:.

-شليتك!؟ آني أسف...
هذه المرة هي مَن ضحكت بحرج من نظرات المحيطين بهم، ولكن تلك الابتسامة بدأت تتلاشى لتصبح بسمة خجولة مصاحبة تلك الحمرة التي زحفت لوجنتاها تلقائيًا عندما مال يزيد برأسه نحوها ليهمس عند اذنها بصوت رجولي خشن مُحمل بالعبث:
-اوعدك اول ما نوصل ونبقى لوحدنا هقولك أنا بحب مين، وهشرحلك عملي بالتفصيل كمان!

ابتلعت ريقها بتوتر، يتعمد أن يلامس اذنها بشفتاه، يدري جيدًا كيف يصل بها لأعلى قمة من الارتباك العاطفي...!
وبعدها، للحظة كادت تصيح به بحنق
ما احنا كنا لوحدنا ولا أنت بتحب قلة الادب عمال على بطال!
ولكنها كتمت ذلك الاعتراض المتبجح وقررت الخضوع لتلك الانثى الخجولة الفاقدة الوعي داخلها...!

واخيرًا وصلوا جميعهم أرض مصر بسلام...
فنظر زياد ليزيد بهدوء يسأله:
-تحب نوصلكم الاول على بيتك وبعدين نروح ولا إيه؟
هز يزيد رأسه نافيًا بنفس النبرة المرتاحة:
-لا لا، نزلونا هنا وهاخد تاكسي لحد البيت
سأله زياد مرة اخرى بحذر:
-متأكد؟
اومأ يزيد مؤكدًا:.

-ايوه متقلقش كده كده مابقاش في حد يهدد حياتي، وبعدين انا معايا سلاحي و GPS واول ما نوصل هيكون في حراس في القصر، ومتنساش إن اصلاً يعني محدش يعرف اني ظابط..!
اومأ زياد موافقًا، وبالفعل توقفت السيارة لينزل كلاً من يزيد ودنيا بصمت ليوقفا سيارة اجرة اخرى...
وبعد أن ركبوا تلك السيارة، إلتفتت دنيا ليزيد لتسأله بما جال في خاطرها:
-يزيد، انت كنت بتقولي في مرة اني ممكن يتقبض عليا، هو انا هيتقبض عليا فعلًا؟

زفر يزيد بصوت مسموع ثم اخبرها بجدية:
-لأ، لانك مش تبع المافيا وطالما مكنتيش بتعملي حاجة بأسمك وبأمضتك مع مُسعد يبقى متقلقيش.

اومأت بارتياح غمر كامل روحها، ولكن ذلك الارتياح لم يدم طويلًا إذ توقفت سيارة الاجرة فجأة، وظهرت سيارة اخرى امامهم وخلال لحظات قليلة جدًا كانوا يقفون حول سيارة الاجرة واحدهم يفتح الباب فهب يزيد يخرج منها وقبل أن يستطع التصرف بسلاحه كان رجل اخر يضربه بعصا عريضة على رأسه بعنف ليترنح ببطء ثم فقد وعيه امام عينان دنيا التي إتسعت بفزع وهي تصرخ بأسمه...
يزيييييد، يزيد قووم.

وفجأة ظهر امامها اخر شخص كانت تريد رؤيته...!

26-12-2021 08:49 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [8]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية طفلة في قلب الفرعون
نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع

ارتجفت كل خلية بجسدها، نعم، فقد كان اسوء كوابيسها ينشب اظافره بأرض الواقع الان...!
كان ياسر يقف امامها بكل برود، يضع يداه في جيب بنطاله وعيناه كصخرة على اعتاب بحر ثلجي...
رسم ضحكة سخيفة على ثغره وهو يهتف:
-مش عارف اشكر ازاي الراجل اللي في المطار اللي أكدت عليه من بدري لو شافك يكلمني، انا نفسي نسيت اني كنت قايله بس سبحان الله نصيبك إن هو مانسيش!

حاولت استجماع شجاعتها فصاحت فيه بحدة قطة أظهرت مخالبها:
-عايز إيه يا ياسر؟
لم يتخلى ولو للحظة عن بروده وهو يتمتم مجيبًا:
-إنتِ عارفة كويس أنا عايز إيه، عايز دنيا اللي حبتها وكنت ناقص ابوس ايدها عشان ترضى عني وفي الاخر راحت تحب ف عدوها!
صرخت فيه عاليًا وأعصابها بدأت تهلك من بروده:
-مايخصكش، احب عدوي احب عفريتي مايخصكش، ثم اني قولتلك مليون مرة اني مش بحبك ومش هحبك، هو البعيد ما بيفهمش؟!

عصبيتها، ودفاعها بتلك الطريقة عن شخص لم يكن يستحق قلبها الذهبي من وجهة نظره، إنتشلوه من قمة بروده المرسوم على محياه، ليسقطوه على الجمر المشتعل في ارض الواقع...!
اقترب منها بخطى مجنونة شبه هيستيرية وهو يصرخ فيها:
-انا بقا هوريكي إني بفهم كويس اوي
وفجأة كان يجذبها من خصلاتها بعنف يكاد يقتلعها بين يداه وهو يزمجر مردفًا:.

-خلاص خلصتي من مسعد الشامي وخلتيهم يقتلوه من غير تردد وحتى قبل ما البوليس يقبض عليه، ومفكره إنك هتخلصي مني بالمرة، لا يا دنيا انا عملك الاسود في الحياه طالما قررتي ماتكونيش ليا!
ملامحها التي كان الغضب يتأرجح في ساحتها اصبحت حجرية كوجهة صنم...!
في البداية لم تستوعب وعجز عقلها عن ترجمة تلك الكلمات التي اخترقت طبلة اذنها، لتهمس بحروف مرتجفة:
-ق، قتلوه!؟
لم يأبه بحالتها وهو يكمل زمجرته العصبية بوجهها:.

-ايوه قتلوه، قتلوه ومفكرين إنه غدر بيهم! ماتحسسنيش إنك اتصدمتي
نعم صُدمت، صُدمت وبشدة، هي تكرهه، كانت تتمنى أن تقتله بيدها ايضًا، ولكنها لم تستطع ترميم كافة جوارحها حتى لا يخترقها غبار حاني لذلك القاتل رغمًا عنها...!؟
رفعت رأسها له ببطء، عيناها موجهة عليه ولكنها لم تكن هنا، كانت عالقة في الماضي!
فهمست بشحوب:
-انا مكنتش اعرف انا لسة عارفة حالًا، بس عمومًا دي النهاية المناسبة ليه!

جذبها ياسر بعنف من ذراعها يدخلها في سيارة اخرى ويردد بصوت قاسي شيطاني:
-وانا بقا هوريكي نهايتك هتكون ازاي قبل ما البوليس يقبض عليا زي ما قبض على الكل!
بينما هي كل ما يشغل بالها هو يزيد الفاقد للوعي...
كانت تنظر نحوه بقلب ملتاع، قلبها يصرخ بأسمه قبل لسانها والدموع تواسي ألمه العميق...!

بعد فترة في منزل مهجور...
كان ياسر يجلس في غرفة ما ويضع اللابتوب امامه يراقب من شاشته ما يحدث في الغرفة الاخرى التي حبس بها دنيا جوار يزيد الذي لم يستعيد وعيه بعد...

بمجرد أن اُغلق عليهم الباب ركضت دنيا نحو يزيد بلهفة لم تصيب تصرفاتها يومًا، اصبحت امامه مباشرةً، بدأت تتحسس رأسه بلهفة امتزج بها القلق، زفرت بارتياح حامدة الله وهي تدرك أنه لم يصاب بنزيف...
رفعت وجهه بين يداه برفق تهمس بصوت مبحوح تأججت به مشاعرها التي ألهبها الخوف:
-يزيد، يزيد حبيبي فوق رد عليا، يزيد قووووم بالله عليك.

أخذت تهزه ببطء، تلح عليه أن يعود، فتعود إليها قشرة صلابتها التي تغطي كيانها امام هؤلاء الشياطين...!
وبالفعل اخيرًا بدأ يزيد يهمهم بألم شيءً فشيء، ضحك قلبها كما لم تضحك شفتاها والفرح يعلن إنتهاء حداد دقاته...
كانت دنيا تمسح قسمات وجهه الرجولية بإصبعها ببطء وأسمه يغادر شفتاها كهزيان عاشقة لم تدرك سواه وسط ضجة تلك الدنيا المأسوية:
-يزيد، يزيد انت سامعني، انا دنيا.

وما إن فتح عيناه لتشرق شمسها حتى هجمت عليه ترتمي بحضنه بلوع تكاد تبكي كطفلة صغيرة كادت تفقد والدها في حرب شنيعة، فضمها هو له اكثر وتلقائيًا يسألها بنبرة لم تخلو منها رائحة الغيرة الحادة:
-إنتِ كويسة؟ عملك حاجة؟ لمسك؟ ردي!
رفعت رأسها له تجيب بابتسامة مُرهقة:
-انا كويسة متقلقش ماعمليش حاجة
-عايزك باردة جدا قدامهم، ومتقلقيش احنا مش هناخد وقت هنا وهنخرج!

همس بها بصوت حاني وزاد من ضمها لحضنه، كلاً منهما يطمئن الاخر ولكن ليس بالكلمات، ولكن بالشعور، بذلك التوحد الروحي والانتماء الجسدي بينهما...!

نهض ياسر بجنون في غرفته يضرب تلك المنضدة بعنف صارخًا:
-انا هاوريكي يا دنيا...
يغااار نعم، ولكن ليست غيرة رجل على امرأته، بل غيرة من نوع آخر، غيرة زرعها الشيطان داخله وهو يجنيها بجنونه!
غيرة رجل يشعر بالفقد، فقد كل شيء، حتى صغيرته عهد التي كان يعتقد أنه ينزوي بها بعيدًا عن عالمه المتشبع بالظلم وجدها اول من تجرعت من ذلك الكأس...!؟
ركض بجنون نحو الغرفة التي يقطنون بها لينظر للرجل آمرًا:
-افتح الباب.

في تلك اللحظات أتى أيمن الذي لم يكن يدري بأي شيء يفعله ياسر إلا بعدما تم خطفهم، ركض مسرعًا نحوه يسأله بقلق:
-في ايه يا ياسر مالك؟
هدر بعنف فيه:
-ملكش دعوة انت يا أيمن
وبالفعل دلف لتلك الغرفة في اللحظة التي كانت دنيا تحاول فك السلاسل المقيد بها يزيد، ليقترب منهم بسرعة يسحب دنيا من ذراعها فصرخت هي فيه بشراسة بينما يزيد عروقه كادت تنفجر من شدة الانفعال الذي احرق دواخله، فزمجر فيه بهيستيرية:.

-ابعد ايدك عنها يا * لو راجل فكني
إلتوى فمه بشبح ابتسامة باردة وراح يتابع:
-مش هبعد، هقرب وهقرب وهقرب، هقرب لها وهلمسها أكتر من اي راجل ووريني ساعتها هتقدر تكمل معاها ازاي
ازداد صراخ يزيد المنبوح، يشعر أن وحش الغيرة يكاد يمزق احشاؤه بمخالبه القاسية بينما ياسر يجذب دنيا بعنف نحو غرفة اخرى وأيمن عاجز عن التفكير...

رماها ياسر على ارضية تلك الغرفة وبدأ يفتح ازرار قميصه ببرود وهو يقترب منها مستمتعًا بذلك الرعب المتجلي في عيناها والرعب المختلط بالجنون في صراخ يزيد الذي لم ينقطع...!

في منزل قديم جدًا كان يسكن به ياسر ووالدته وابنة خالته عهد قديمًا...
كانت والدته تجلس على الأريكة وعهد متمددة على الأريكة تضع رأسها في حجر خالتها، تشكيها همها بصمت، تصرخ تلك الألام بين احضانها ولكن ايضًا بصمت، الصمت اصبح يطبق على انفاسها فيخنقها كما لم يفعل يومًا...!

بدأت تشعر أن الألم يتضخم ويتضخم، حتى ما عادت قادرة على طرد اشباحه من بين ثنايا روحها...!
كانت عيناها مُسلطة على اللاشيء، عهد لم تفقد عذريتها وحسب، بل فقدت بريقها، فقدت ذلك الوهج الذي كان يميز خلفية عيناها، فقدت ذاتها! فعهد لم تعد عهد، بل اصبحت بقايا عهد تناثر برياح الخطيئة..!؟
انتبهت على يد خالتها التي اخذت تربت على خصلاتها بحنان تسألها:
-مش هتقوليلي برضو مالك يا قلب خالتك؟

عاكست كل شيء يتوجع داخلها وهي تجبر لسانها على ترديد:
-انا كويسة مفياش حاجة
ولكن خالتها لم تصمت بل تابعت بتساؤل مُلح:
-هتخبي عني انا برضو؟ ولا عشان بقالك فترة بعيدة عني، طب لو مفيش حاجة لية ياسر جابك تعيشي معايا فجأة وانتِ بالمنظر ده؟ وهو كمان شكله مش طبيعي..
لم تنل اجابة ايضًا من تلك الشريدة فزفرت بيأس وهي تمط شفتاها وصوتها يتأرجح ما بين التحسر وعدم الفهم:.

-مش عارفة ايه اللي حصل، من ساعة ما ياسر راح اشتغل مع الراجل اللي اسمه مسعد وكل حياتنا اتقلبت، ياسر مابيحكيش ليا اي حاجة وانتِ سبتينا ومشيتي لما هو مابقاش مهتم بيكي، وانا بقيت قاعده زي المقطوعة من شجرة هنا لوحدي!
كل حرف كان يخرج من فم خالتها، كان يصيب منتصف جراحها مباشرةً، ذلك الرجل، اللطخة الوحيدة التي صُبغت بحياتهم في الماضي وتأبى الزوال من الحاضر...

رفعت كتفاها ورغمًا عنها تنجرف كلماتها نحو هوة الحقيقة:
-مش عارفة إيه اللي حصل، بس اللي اعرفه اننا خسرنا كتير اوي، خسرنا حاجات منقدرش نرجعها خلاص، الراجل ده ما أخدش ياسر بس، الراجل ده سرق ارواحنا واحنا عايشين يا خالتي..!

وكعادة البشر، تُقابل الشكوى بالصمت، بالمواساة الخفيضة، بيد تربت على كتفك لتخبرك تحمل، ولكننا لن نجد يومًا تلك الشكوى تُقابل بالتغيير، تُقابل بحل جذري يقتلع المشكلة من بين جذور حياتنا، لذلك نصمت، وسنصمت...!

كان ياسر يجثم فوق دنيا التي بدت وكأنها تجاهد شيطان متمثل في جسد حجري لا ينكسر بضرباتها الهيستيرية المُرهقة...!
صراخ دنيا المستمر يعانق صراخ يزيد الذي كان اشبه بزئير ذئب كشر عن انيابه استعدادًا لإلتهام فريسته...
وفجأة كان أيمن يدفع ياسر عن دنيا بقوة وبالفعل ترنح جسد ياسر ليبتعد عنها بأنفاس مضطربة، ويأتيه صوت أيمن المزمجر:
-أنت اتجننت؟! إيه اللي كنت هتعمله ده يا مجنون فووووق.

كان ياسر في حالة غريبة، كان في مخض الجنون فعليًا، ما الذي كاد يفعله بها؟!
إلى أي درجة من حالة فقدان الوعي وهو واعي اوصلته غيرته..!
بدا غريبًا، غريبًا بحق، وكأنه كان طيلة يسير على طرف خيط رفيع، رفيع جدًا، ثم وبلا مقدمات تمزق ذلك الخيط وظلت بقايا فقط!..

نهض دون وعي يغلق ازرار قميصه، ومشهد دنيا التي كانت تبكي لأول مرة امامه لن يغادر ذاكرته ابدًا، ستظل تلك الذكرى تحفر في عقله حفرة غائرة تمتص اي بوادر سعادة تقتحم حياته...
ثم غادر بخطى بعيدة كل البعد عن الثبات...!
ليركض أيمن نحو دنيا التي إنكمشت تلقائيًا فأشار لها بيده برفق مرددًا:
-إهدي متخافيش انا مش هأذيكي.

مد يده بالچاكيت الخاص بها الذي كان ملقي ارضًا لتنتشله هي من يده بجنون تغطي الاجزاء التي ظهرت من جسدها...
خرج أيمن بهدوء وحذر ليرى إن كان ياسر مازال هنا ام غادر ليجده غادر بالفعل...
حينها اشار لدنيا بسرعة:
-تعالي ورايا بسرعة قبل ما حد من الرجالة اللي برا يجي
وبالفعل ركضت دنيا خلفه ولكن بحذر ودموعها لم تجف بعد، سار بها أيمن نحو الغرفة التي يقطن بها يزيد، وما إن دلفوا حتى صرخ يزيد في أيمن بانفعال:.

-اتأخرت لية يا ايمن؟ ايه اللي حصل لدنيا عملها ايه والله لاقتله ال* اللي اسمه ياسر
هز أيمن رأسه بسرعة يهدئ من روعه:
-متقلقش ماحصلهاش حاجة هو مشي، معلش ماقدرتش اتصرف غير لما مشي
وخلال دقائق معدودة كان قد فك قيد يزيد الذي ركض بلهفة يلتهم خطواته نحو دنيا التي كانت في حالة شبه هيستيرية، زرعها بين أحضانه بعنف، يضمها له بقوة ونشيج بكاءها لا يساعد ذلك الألم الذي استوطن قلبه ليهدئ...

دفعها اكثر له بشغف ملتاع وكأنه يود ادخالها بين ضلوعه ليكن ملمس جسدها مسكنًا لتلك الألام...
لم يستطع أن يمنع نفسه من سؤالها بقلب محترق وكرامة رجل شرقي تناثرت هنا وهناك:
-عملك حاجة؟ ايه اللي حصل فهميني ابوس ايدك انا هتجنن!
هزت رأسها نافية، وخرجت حروفها مشتتة كحالتها الباكية وهي تخبره:
-محصلش، حاول ي...

ولم تستطع نطقها، الكلمة كانت ثقيلة على روحها قبل لسانها، وازدادت السعرة احتدادًا بعينا يزيد حتى شعرت دنيا أن مصير ياسر كله متعلق بين شفتاها...!
اخذت نفسًا عميقًا تحاول تهدئة نفسها، ثم اردفت:
-بس ايمن ده جه وزقه وهو مشي
عاد ليضمها لصدره مرة اخرى بجنون اكبر ولكن الارتياح صاحبه، ولكن ذلك النداء العاجل لقتل ياسر لم يخفت، لم يختفي من عقله ولكنه يزداد علوًا وشحذًا...
نظر يزيد نحو أيمن متابعًا بجدية:.

-ايمن تعالى امن لنا طريق الخروج وهاتلي سلاحي، واما نخرج من هنا انت خليك على تواصل مع ياسر على التليفون واوعى تخليه يجي هنا تاني، يمكن يهرب، هو مش هيلحق يهرب المرة دي بس ممكن!
اومأ ايمن مؤكدًا وهو يقدم له سلاحه بسرعة، ليربت يزيد على كتفه كحركة معبرة عن امتنانه وشكره:
-ماخيبتش ظني فيك يا ايمن وماغلطناش لما زرعناك في حضن ياسر من بدري وكنت عارف إننا هنحتاجك كتير...

ابتسم ايمن ابتسامة عملية مفتخرة، ثم تقدم امام يزيد وخلف يزيد دنيا التي لم تخف ارتجافتها المصدومة، ليخرجوا جميعهم وما إن خرجوا لم يعطهم يزيد الفرصة للتصرف فانطلق الرصاص منه ومن ايمن لينبطح الخمس رجال ارضًا نازفين دماءهم...
ركض كلاً من يزيد ودنيا فسمع يزيد صوت ايمن يهتف:
-انا اتصلت بيهم وزمانهم وصلوا يا باشا.

اومأ يزيد برأسه واستمر في ركضه هو ودنيا حتى خرجا فوجد بالفعل سيارة شرطة تنتظرهم حينها صعدها هو ودنيا وهو يتنهد بارتياح، ولكن ذلك الارتياح مطعون بأشواك الحقد والجنون داخل يزيد تجاه ياسر...!

في نفس الوقت...
دلف ياسر منزله القديم بنفس الحالة الغريبة، عيناه تبحث عن كنه تلك الحالة التي بعثرت مكنونات حياته الساكنة...!؟
كان يبحث عن عهد، وقد كانت اسمًا على مسمى، هي عهد، ولكن عهد بالقسوة، عهد بالقتل!..
وجدها كما كانت متسطحة على الأريكة وقدمها على حجر والدته فتقدم منهم بخطى سريعة لتسأله والدته بقلق:
-مالك يا ياسر؟

لم يجبها وهو يمسك ذراع عهد يهزها بعنف صارخًا بغضب متهور شاحذ كان يلون ادراجه بالثبات امام والدته على الاقل:
-قومي، قومي يلا يا قذره
إنتفضت عهد من نومتها القصيرة تحدق به بعين قط مذعور، ولكن والدته لم تتمسك كثيرًا برداء الصمت المذهول بل راحت تهدر فيه بعدم تصديق:
-انت اتجننت! شكلك فعلًا اتجننت
وهو لم يكن بحالة اقل جنونًا من الوصف فكان يستطرد بصوت اجش عالي:.

-ايوه اتجننت، اتجننت بسبب بنت اختك الفاجرة العاهرة
لم تتردد والدته وهي ترفع يدها لتصفعه بعنف، تصفعه...!؟ ليت الصفعات تمحي الخطايا، ليت الصفعات تنتشل جذورنا من ماضي ملوث لتنبطح في ارض الواقع ولكن بصورة أنقى...!
كان ساكنًا للحظات فقط، ثم سحب عهد فجأة من ذراعها بعنف نحو الغرفة، دفعها نحو الغرفة ثم دلف واغلق الباب بالمفتاح متجاهلًا صراخ والدته المحتد عليه...

كانت نظراته تتفحص عهد التي كانت شاحبة، مرتعدة، قتل ولازال الخوف والعذاب يقتل فيها بريق الحياة الذي كان يلفت الانظار بأعجاب لها...!
بدأ يتقدم منها بخطى بطيئة، بينما هي تهز رأسها نافية ترجوه بضعف:
-ياسر انت هتعمل ايه، ابعد والنبي ماتقربش يا ياسر خلاص بالله عليك.

رفع يده عاليًا ينوي صفعها ليفرغ تلك الطاقة المشحونة بالقسوة، فصرخت وهي تخبئ وجهها بخوف، ولكن بلحظة إنقلب كل شيء، فوجد ياسر نفسه يجذبها لأحضانه بقوة، يدفعها بجسده نحو الحائط ويداه تشدد من عناقها لتنفجر هي باكية في طوق تلك العاطفة التي اغدقتهم فجأة...
تبكي ضياع شرفها، تبكي كره ياسر لها، تبكي خسارته، تبكي خسارة نفسها وذاتها...!

غرز وجهه عند رقبتها يستنشق رائحتها بشغف غريب، الوجع والدواء منها، كيف لها أن تكون بهذا التناقض في حياته؟..
قطع رنين بكاءها صوته الذي اتاها من وادي بعيد يسألها وكأنه ليس هو:
-عايز أعرف كل حاجة حصلت، ازاي وصلتي لكده؟!
رفعت رأسها على استحياء له، ببطء كطفلة مرتجفة تسأله بصوت متحشرج:
-هتصدقني؟
كان مستسلم لطوفان فطرته فهز رأسه يجيبها بما يريد أن يفعل:
-هصدقك.

وكاد يبتعد عنها ولكنها تشبثت بأحضانه وكأنها تستمد القوة والجرأة منه، فهمست واخيرًا:.

-ماتبعدش! خليني في حضنك، الموضوع بدأ من بدري اوي، كنت قاعده معاكم عادي بس انت ماكنتش مهتم بيا اطلاقا، حتى ماكنتش تعرف انا بروح فين وباجي منين، في مرة كنت راجعه من الكلية بس اتأخرت مع صحابي شوية، نزلت من الميكروباص وقررت اتمشى شوية وكنت مخنوقة جدا، بس حصل اللي ماكنتش اتوقعه، فجأة لاقيت واحد شكله غريب قدامي، تقريبا كان شارب حاجة، فضل يقرب مني، حاولت اهرب منه، حاولت اجري، حاولت اضربه، اعمل اي حاجة بس المهم ماسبهوش ياخد اغلى حاجة عندي، ماكنتش قادرة امنعه، حاولت بس كنت ضعيفة مقدرتش كنت عامله زي الفرخة اللي بيدبحوها، كنت شايفه كل حياتي بتدمر، مكنتش حاسه بالالم الجسدي على قد ما كان قلبي واجعني اوي، وكأنه بيعيط معايا، تخيل يا ياسر، ساعة كاملة وفي حد بينتهكك بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ساعة كاملة وفي ايد قذرة بتلمس كل حته في جسمي ببشاعة، ساعة كاملة بعيط وبصرخ لحد ما حسيت إن صوتي راح!

وضع يده بسرعة على فمها، يريد إيقاف سيل تلك الكلمات التي تنطلق من بين شفتاها لتنغرز واحدة تلو الاخرى كالسكاكين في منتصف قلبه، يكفي، يا اللهي لم يعد يحتمل سماعها اكثر، يشعر بروحه تنزف، تتوسل الرحمة، سيختنق حتمًا من تلك الرائحة بالعجز التي احاطت به من كل جانب وهو يستمع تفاصيل انتهاك حقه...!
خرجت حروفه مختلطة بدموعه التي بدأت تسقط رغمًا عنه وهو يهمس لها:
-اسكتي، كفاية، مش عايز اسمع ارحميني.

هزت رأسها نافية، ستخرج تلك الحكاية من بين ثنايا لتستطع التنفس حتى، ثم اخبرته دون روح:
-لا، انا عايزه احكي، سنة وانا شايله في قلبي ومحدش حاسس بيا!
لم تنظر لعيناه التي تقطر وجعًا وندمًا وراحت تكمل:.

-اخدت تاكسي في نفس الليلة بعد ما الحيوان هرب، مش هنسى في حياتي نظرة الشفقة اللي سواق التاكسي كان بيبص لي بيها، مع انها كانت شفقة بس انا كنت حاسه ان نظرته بتعريني، في اليوم ده ماكنش في حد في البيت وخالتي كانت شغالة في الفندق فكانت بتخرج من ١٢ الضهر وترجع ١٢ بليل، بمجرد ما دخلت البيت انهرت، حتى اني فكرت انتحر، بس حتى ده كنت عاجزه فيه ومقدرتش اعملها، فكرت فيك، كان نفسي تبقى موجود في حياتي زي زمان، كان نفسي اجري استخبى في حضنك، بس ماكنتش لاقياك، انت كنت بعيد اووي، وانا كنت في حالة غريبة، وفجأة لاقتني قررت اروح اعيش في شقة بابا وماما الله يرحمهم، رجعت اخد معاش بابا و اخدتلي حوالي شهرين مش بخرج من البيت وصحبتي كانت بتجيلي احيانًا وبتجبلي المعاش كل شهر، وفي مرة افتكرت ان واحدة اعرفها بتشتغل في كباريه! ومحدش كان يعرف بس انا عرفت منها في مرة صدفة، كلمتها، قالتلي إنها بتشتغل كجرسونة مش اكتر! ومن غير اي مقدمات لاقتني بشتغل معاها، ك جرسونة برضو بس بطريقة غريبة، اللي هو اقعدي مع الزبون اشربي كاسين واضحكي وهزري وممكن ترقصي وخدي منه النقطه وامشي، بس انا كنت في حالة مش طبيعية، زي اللي من غير عقل، خدت فترة بشتغل كده وبعد كده لاقتني بقول لنفسي طب ما انا اساسًا خلاص خسرت الحاجة اللي مفروض ما اعملش كده عشانها، يعني لو طورت شغلي وزودت مرتبي محدش هيعرف اصلا، واكيد انا مش هتجوز اساسًا ف عادي بقا، وفعلًا بقيت كده، بس مع اول ليلة واول زبون مقدرتش، مقدرتش اسيبه يكمل كنت حاسه كأن نار بتولع في جسمي والليلة اياها بتتعاد في ذاكرتي تلقائيًا، طبعا خربت الدنيا والزبون اتصدم وطفش وساعتها صاحب الكباريه بهدلني ورجعني مجرد جرسونه تاني، لحد ما انت شوفتني في اليوم اياه، شوفت الموضوع سهل ازاي يا ياسر؟

وما إن انهت كلماتها كان هو يهز رأسه نفيًا وهو يتراجع بسرعة نحو الخارج، بدا وكأنه يحاول التملص من بين مخالب الماضي القاسية التي ركض لها بقدماه...!
خرج من الغرفة دون كلمة اخرى، لا يحتمل اساسًا، يشعر أن كلماتها تحرق جلده، تخترق روحه لتنشر به سم اصعب من الموت، سم يشعره أن يموت وهو على قيد الحياه!
بمجرد أن رأته والدته صرخت فيه بجنون:.

-انت عملت فيها ايه؟ وايه اللي انا سمعته ده؟ ايه اللي انت بتقوله عن بنت خالتك ده انت اتجننت
تنعته بالجنون بينما هي التي بدت في قوقعة الجنون تمامًا، بالرغم من أنها سمعت كل اعترافات عهد ولكنها لا تريد الاستيعاب...!؟

فتح ياسر باب المنزل وكاد يخرج ولكن هاتفه رن فأخرج بصمت يجيب:
-خير يا أيمن؟
-انت في البيت القديم يا ياسر صح؟
اومأ ياسر مؤكدًا:
-ايوه لية حصل حاجة؟
ولكن بمجرد أن أطلق سراح سؤاله، قرر القدر عدم اطلاق سراحه فكانت طرقات حادة على الباب تصدح، فتح ياسر الباب ليصدم بوجود الشرطة امامه...
لم يتوقع قط أن يعلموا بمكان منزلهم القديم الذي لا يعلم مكانه سوى، أيمن!

صديقه الوفي الذي أعتقد أنه درعه الواقي، فوجده فجأة السهم الذي يصيبه بضراوة!..
كان متخشب مكانه صامت، لا يعلم كيف اتفقت دنيا مع الشرطة، ولا يريد أن يعلم...
خسر كل شيء، عمله الفاسد، رب عمله، صديقه، وصغيرته عهد!؟
رفع يداه امام الضابط بصمت فوضع الضابط السلاسل في يداه حينها انتبهوا على صرخة عهد باسم والدته التي سقطت ارضًا ممسكة بقلبها بألم...
حينها ادرك أنه خسر والدته ايضًا...!

في القصر الذي يقيم به يزيد...
كانت دنيا جوار يزيد الذي كان يجلس على الفراش ممسكًا برأسه المضمدة من الألم الذي لم يزول...
اقتربت منه دنيا حتى اصبحت ملتصقة به فابتعد هو بتلقائية بهدوء، ليجدها تقترب مرة اخرى، فابتعد مرة اخرى، فاقترب اكثر وهي تحدق به متمتمة بنبرة مشاكسة تخصه بها وحده:
-يا زانقني وجمبك فاضي، ازنقني كمان وانا راضي!

فانفجر يزيد ضاحكًا، وتلقائيًا تسللت الضحكة لثغر دنيا، عندما تفعل شيء وتصدح ضحكاته كهذا كأعزوفة ايقاعها الشغف، تشعر أنها فعلت شيء، فعلت شيءً كبيرًا...!
توقف عن الضحك وهو ينظر لذلك الضجيج العاطفي بعنياها، فاقترب هو بخبث هذه المرة يهمس بعبث واضح...
-من العين دي قبل العين دي!
اخذ يقترب ببطء منها فهتفت هي بنفس المرح الطفولي:.

-يا جارحني بلُقمه ناشفة والعيش عندك طري، تقلان عليا لية ما تحن يا مفتري! إيه بقا هفضل مستنيه كده كتير؟
ظل يهز رأسه نافيًا من وسط ضحكاته يخبرها مشاكسًا:
-لا لا إنتِ مش معقولة، بتفكريني ب دقدق القهوجي، نفس شقاوته!
حينها لم تتحمل فنهضت واقفة تتخصر وهي تهتز ببطء مزمجرة بغضب لذيذ:
-نعممم ياخويا! يعني انا بقالي ربع ساعة عماله اقولك حِكم واعاكسك عشان افكرك بدقدق القهوجي؟

ثم إنقضت عليه تمسكه من ياقة قميصه وتهز رأسها نافية بجدية مصطنعة:
-لا لا أنت ڤيروس عاطفي، أنت اللي زيك مش لازم يعيش!
مال يزيد للخلف ليتمدد على الفراش متنهدًا ولم يكتم ضحكاته الرجولية التي لم تكف عن التوغل لثنايا روحها فتجعلها أسيرة، اسيرة له، لضحكاته، اسيرة لا تريد حريتها!..

فاقتربت هي منه حتى اصبحت تطل عليه، خصلاتها الطويلة تحيط وجههما سويًا، تفصلهما عن عالمنا هذا، لينغمسا في جذور عالم آخر، عالم النظرة فيه بمثابة الكلمة، والتنهيدة فيه بمثابة حرف، حروف وكلمات منبعها العشق منسدلاً من خيط العاطفة...

اقتربت اكثر وهي تهمس له بما يشبه التوسل الطفولي:
-يزيييد، انت بتحبني ولا لا؟
لم يتخلى عن ابتسامته وهو يجيبها بنفس الهمس:
-لو ماحبتكيش احب مين غيرك؟!
رفعت كتفاها تصطنع التمنع متابعة:
-فيه بنات كتير
-كلهم بالنسبالي غفر!
ازدادت جرعة الحماس تدفقًا داخلها فاقتربت منه اكثر تسأله بابتسامة واسعة:
-وانا بالنسبالك ايه؟!
رد بنفس البساطة:
-شيخ الغفر..!

تجمدت تلك الابتسامة على فاهها لتنصهر شيءً فشيء تذوب بين ثورة الغضب التي اندلعت داخلها وهي تندفع تكاد تبتعد وهي تصرخ به بجنون:
-شيخ الغفر! انا مهزقه اصلاً عشان بحب واحد بارد زيك مفكر نفسه الخليل كوميدي..
ولكن يزيد التقطها قبل أن تبتعد ضاحكًا، كبل خصرها بيداه وهو يقربها منه عنوة، ولكن عندما وجدها تبتعد بتمنع مصطنع نهض في حركة واحدة لينعكس الوضع وتصبح هي اسفله وهو يطل عليها بهيئته الرجولية...

ليقترب منها ببطء، وعندما تتلمس ذلك العبث في بُطء حركته ونظراته الرجولية تشعر أن عظامها تذوب، بل تشعر بكيانها كله يذوب بين يداه...
شاكس أنفها بأنفه ثم غمغم بخشونة مثقلة بعاطفة حادة:
-مش بحبك بس، لا انا بعشقك، بعشقك بكل الجنون اللي في الدنيا، بعشقك لدرجة اني مش هخليكي تخلفي عشان مايجيش حتة عيل خلبوص يشاركني فيكي!

هذه المرة هي من ضحكت، والضحكة لم تكن من شفتاها فقط بل كانت من منابع تلك الروح التي طال بكاءها فحل الربيع ضاحكًا عليها اخيرًا...!
طبع يزيد قبلة عميقة على رقبتها ارسلت رجفة خفيفة لها، فهمست هي بتوهان عاطفي:
-يزيد
-روحه...

همس بها ولم يبتعد بل اقترب اكثر، وشفتاه تلقائيًا تبحث عن مأواها، يحلق بها في اعلى قمة للاكتمال العاطفي الذي يسكن كلاهما، ينسى بها ما مر به وما سمعه وما عاشه اليوم، وهي تنسى به كل مساؤها، بل تنسى به حياتها السابقة بأكملها، فتبقى هي بالجزء الحالي، ويبقى هو بجزء الحالي، ويكمل كلاً منهما الاخر يقيدهما ذاك العشق...!

26-12-2021 08:49 صباحا
مشاهدة مشاركة منفردة [9]
زهرة الصبار
عضو فضي
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس : أنثى
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
 offline 
look/images/icons/i1.gif رواية طفلة في قلب الفرعون
نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر والأخير

بعد مرور أيام...
وفي المنزل الجديد الصغير الذي انتقلوا له مؤخرًا...
كان يزيد يتحدث في الهاتف مع احد زملاؤه بخصوص القبض والحكم على ياسر وما شابه ذلك، فأوشك على الاغلاق عندما اقتربت منه دنيا تدندن كالأطفال بصوت مزعج ومضحك:
-علمني هواك إيه معنى الحيرة، علمني اشتاق أكلني فطيرة!

اقتربت منه اكثر فأكثر، حتى وقفت خلفه مباشرة، رفعت عيناها لخصلات شعره القصيرة الناعمة، لتمد إصبعها تتفحص تلك الشعرة التي طالت عن باقي الخصلات، ظلت تتفحصها بتمعن طفولي وكأن الكون يدور حول تلك المشكلة!..
أغلق يزيد الهاتف ليجذبها من خصرها يقربها له بحركة مباغتة صائحًا فيها بصوت ضاحك:
-اهدي يا حبيبتي أنا مش عايش مع بنت اختي!
هزت رأسها نافية بسرعة وهي تشير للشعرة وتهتف ببراءة:.

-لا لا بجد، في شعرايه طويلة جدًا عن باقي الشعر، هو انت بتحلقه وبتسيب دي؟!
كانت ملامحه مبهمة، مغلقة حتى شعرت أنه على وشك الإصابة بأزمة قلبية...!
فعض على شفتاه يتمالك نفسه قبل أن يخبرها بهدوء:
-ياسر اتحكم عليه ب ١٥ سنة
ظلت صامتة للحظة، تكاثرت عليها مشاعرها ما بين الشفقة على ذاك الشاب، والارتياح لأنه نال عقابه...!
-ربنا يهديه لنفسه
ثم ابتلعت ريقها بتوتر تستعيد مرحها تهمس له:.

-خلاص المهم بص عايزه اسألك سؤال بحق وحقيقي!
اجبر شفتاه على التمسك بازدال الابتسامة السمجة التي تهدد انفجار ضحكاته وقال:
-قولي، قولي يا عملي الاسود في الدنيا
مطت شفتاها بعدم رضا ثم سألته:
-هو انت مش بتخرجني لية من ساعة ما ام المهمة دي خلصت؟!
هز رأسه نافيًا بكل هدوء:
-معلش مش بخرج مع ستات متجوزه!
صاحت فيه بذهول طفولي:
-بس انا مراتك!
رد بنفس الجدية التي كادت تقتلها:
-اسف جدًا مفيش استثناءات...

إنفجرت ضاحكة بقوة وهي تبتعد عنه شيءً فشيء، استمرت ضحكاتها وهي تمسك بطنها من قوة ضحكاتها، لم تضحك يومًا بهذا الارتياح والسعادة، لطالما كانت السعادة كالجنة مُحرمة على الشياطين، ولكن عندما هجرت مكمن الشياطين شعرت أن جنتها اصبحت على الارض...!؟
وعندما انتهت لاهثة، استدارت تتركه بكبرياء مزيف ليرمي هو نظرة عابرة نحو المنزل المقلوب رأسًا على عقب، ليشير نحو تلك الفوضى مزمجرًا فيها بغضب مصطنع:.

-وبعدين ايه ده، انتِ مهملة وهتعلمي ولادك الاهمال، إنتِ عايزه الناس تقول عليكي ايه؟!
ردت ببساطة:
-ام المهملين!
وفجأة وجدته يركض خلفها وهو يضحك فركضت هي الاخرى، كالأطفال تمامًا في غمرة فرحهم، في ضحكاتهم، في عبثهم اللذيذ الذي يجذب كل من حولهم كالمغناطيس...!
سقطت على الفراش فكان هو خلفها يكبل خصرها وهي تردف له من وسط ضحكاتها:
-خلاص طب خلاص والله سبني.

ولكنه لم يتركها بل بدأ يدغدغها بقوة لتتعالى ضحكاتها المرحة، ضحكاتها التي تبثه طاقة من نوع آخر، تشعره بل وتؤكد له أن نصفك الاخر مهما تأخر، مهما أبتعدت السعادة عنك اميال واميال، ستأتي دفعة من حيث لا تدري تدفعك نحو رحاب تلك السعادة...!

في السجن...
كانت عهد في الغرفة التي سترى بها ياسر، مشوشة، يعتمل داخلها ضجيج فكري عنيف، أصبحت تشعر أنها داخل متاهات، لم تعد تدري تسلك أيًا منها؟!..
وصوت واحد يعلو تلك الضجة، صوت كان كالناقور في حرب لن تنتهي!
صوت قلبها، ذلك الصوت الناشذ الذي اصبح كالضوء الخافت ينير ظلمة عقلها...

قلبها يصرخ، بالرغم من كون ياسر ربما يكون مذنب فيما حدث لها، وبالرغم من صدمتها هي ووالدته ما إن سمعوا التهم الموجه له، ولكنها تبرر له، تبرر له كما لم تبرر لنفسها...!

فُتح الباب ودلف ياسر ببطء، لم تراه منذ أن حُكم عليه بخمسة عشر عامًا...!
نهضت بأقدام متجمدة، تحدق به، شعره الأشعث وملامحه التي ازدادت ظلمة، ولكن ربما تلك الظلمة تختلف عن سابقتها، تلك الظلمة ستزيد وتزيد حتى ينفجر من بين ثناياها النور...
اقترب منها ببطء ينظر لها بنظرة غير مفهومة بالنسبة لها، ثم سألها بخشونة:
-امي عامله ايه؟
اومأت برأسها بسرعة تطمئنه:.

-متقلقش هي كويسة جدًا والله وخرجت من المستشفى بس انا مرضتش اجيبها الجلسة بتاعتك عشان ماتتعبش اكتر
اومأ لها برأسه دون رد، فاقتربت هي اكثر، حتى وجدته يفتح ذراعاه لها ويومئ لها برأسه لذا ومن دون تردد ركضت نحوه ترتمي بين أحضانه بلهفة مغموسة بالشوق الدفين...

بينما هو يدفن رأسه عند رقبتها، يشتاقها حد الجنون، يشتاق رائحتها، يشتاق ضمها هكذا بين ذراعاه، يشتاق النظر لعيناها الغائرة، يشتاق ويشتاق كما لم يشتاق يومًا، يشتاق لدرجة أن هذا الاشتياق بدأ يحرق احشاؤه...!

رفعت هي عيناها له ببطء، تنطق بما صكه قلبه دون الرجوع لعقلها:
-هستناك
لم يستطع منع تلك الضحكة الصغيرة الساخرة من الظهور على ثغره وهو يستطرد مستنكرًا:
-هتستنيني ١٥ سنة يا عهد؟!
اومأت مؤكدة وهي تمسك يداه الخشنة بين كفاها الصغيران، تؤكد له بنظراتها التي توهجت بسيلان عشق تسرب لها منذ زمن قبل لسانها:.

-انت قولتها، عهد...! وكل واحد ليه نصيب من اسمه، عشان كده بقولك عهد عليا يا ياسر ما أبص ولا افكر في راجل غيرك لحد ما تخرجلي، وساعتها هنبدأ من جديد، وهتعملي فرح كبير اووي، بس هتكون ياسر تاني ملهوش علاقة بالأولاني وعهد تانية ماكسرهاش الزمن!
أغمض عيناه يُسكت ذلك الانفجار العاطفي الذي شعر به الان نحوها، لأول مرة يشعر أنه لم يعد ياسر الذي ينظر لها بنظرة الاخ الاكبر الذي يخشى على اخته فقط...

يشعر أنها اكثر بكثير من ذلك بالنسبة له، تراه هل كان يعشقها ولم يستطع عقله ترجمة هذا العشق؟!..
فتح عيناه التي استوطنتها مشاعره الجياشة ليهمس لها:
-عهد...
-عيون عهد...
ردت بلهفة لم تخفى عنه، ليتابع دون تردد بعينان تقطر شغفًا:
-بحبك...
لم تستطع أن تكتم تلك الدموع التي غزت عيناها فانحنت دون شعور تقبل يداه متمتمة من بين قبلاتها:.

-وانا بعشقك والله بعشقك وكان نفسي تحس بيا من بدري، كان نفسي تبطل تبص لي إني مجرد اختك الصغيرة الطفلة...!
جذبها لأحضانه مرة اخرى، يضمها له بقوة، يود دفنها بين ضلوعه ويكمل همسه الملتاع:
-اسف، اسف يا عهدي، عهد عليا إني هعوضك عن كل لحظة وحشة شوفناها!
فُتح الباب وظهر العسكري يغمغم بجدية:
-يلا يا ياسر
اومأ ياسر مؤكدًا ثم اقترب من عهد يلثم جبينها بعمق هامسًا لها:.

-تعالي زوريني على طول ما تغيبيش عليا، وسلميلي على امي وقوليلها تسامحني وترضى عني، قوليلها إن شيطاني كان اقوى مني...
اومأت مؤكدة ثم قالت:
-مسمحاك صدقني وبتدعيلك كتيير...
ظهرت شبح ابتسامة على ثغره قبل ان يبتعد ببطء عنها وهي تحاول الصمود امام شلال الدموع الذي يهاجمها حتى اختفى من امام عيناها...

بعد مرور حوالي ثلاث اسابيع...
كانت دنيا في غرفتها، إنتهت من اجراء اختبار حمل فاكتشفت أنها تحمل قطعة صغيرة من يزيد داخلها، نبتة صغيرة ستقوي جذور عشقهم اكثر واكثر...
خرجت من المرحاض تقفز بسعادة، كلما تقدمت خطوة من السعادة تشعر أنها اقوى من سابقتها، حتى شعرت أن العوض يأتي من الله بدون مقدمات او اسباب...!
بدأت تقفز تمامًا كالأطفال تهز خصرها يمينًا ويسارًا وهي تصيح مدندنة بسعادة حقيقية:.

-انا حامل، حامل، حامل، حامل!
ثم بدأت تضحك على جنونها، ستفاجئ يزيد ما إن يأتي من عمله، ستفاجئه بطريقتها الخاصة...!
ولكن فجأة وجدت يزيد يدلف الغرفة بإنهاك وكأنه قرأ افكارها...! فصرخت بحنق دون مقدمات وحتى قبل أن ينتبه لوجودها:
-يزييييييد
فصرخ هو فيها بانفعال متفاجئًا:
-الله يخربيتك وبيت يزيد في يوم واحد، قطعت الخلف!

ركضت نحوه ضاحكة بقوة ليجلس هو على الفراش متنهدًا وهو يضحك لتجلس هي على قدماه، ثم احاطت عنقه تهمس له بنعومة:
-اصلي عايزه اقولك حاجة مهمة جدا جدا جدا
عقد ما بين حاجباه بعدم فهم:
-حاجة ايه اللي تخليكي تفزعي امي كده على المسا؟
اقتربت من اذنه ببطء، لتهمس له برقة شعت ببريق الفرح:
-انا حامل!..

إتسعت حدقتاه بعدم تصديق، حامل، طفلته تحمل طفلًا منه داخلها، شعر بشيء عميق يدغدغ دواخله، شيء اعمق من اي شعور شعر به حتى عجز عن تفسيره او تسميته...!
نهض فجأة حاملًا اياها، يدور بها عدة مرات وهو يصيح بصوت أجش:
-حااااامل، المجنونة حااامل واخيرًا وهبقى اب يا نااااااااس.

تعالت ضحكات دنيا على جنونه الذي لم يكن اقل جنونًا منها، كل يوم يمر يصك تأكيدًا حتميًا، أنهم اصبحا مترابطان ببعضهما بطريقة عجيبة، برابط يزداد قوة ومتانة كل يوم عن سابقه...!
انزلها ببطء وهو يغمز لها بعبث حفظته عنه عن ظهر قلب:
-طب ايه بقا مش هنحتفل بالباشا الصغير؟!
هزت رأسها نافية وهي تخبره راكضة نحو احدى الغرف الاخرى:
-لا يا حبيبي ماهو بيبقى ممنوع في اول شهور الحمل
ثم غمزت له هي هذه المرة بشقاوة تردف:.

-خليكي يا كنكه على نارك، لا بن ولا سكر حطالك!
ثم أغلقت الباب عليها بسرعة وهي تضحك على الأنفجار الذي اقسمت أنها رأته في عيناه السوداء الضاحكة رغم كل شيء لتسمعه يصيح بصوت عالي لتسمعه...
-طب طالما ممنوع بقا اعملي حسابك هنروح لجدتي البلد قريب جدًا بالمرة!

بعد اسبوع آخر...
كانوا في منزل جدته الصغير، وكانت دنيا تجلس جوار يزيد على تلك الأريكة بتوتر تستشعر نظرات جدته المتفحصة لهم سويًا، صحيح أن يزيد أخبرها بكل شيء منذ فترة كبيرة، ولكن الدافع الأمومي داخلها يحثها لأستكشاف تلك الدنيا للأطمئنان على حفيدها الوحيد...
نظر يزيد لدنيا نظرة ذات مغزى فتنحنحت وهي تهتف بود ونبرة تلقائية:
-والله مبسوطة اني شوفتك يا حجه!

إتسعت عينا يزيد بذهول، ثم وبحركة مباغتة ضربها بكوعه بعنف هامسًا لها يزجرها:
-ماحبكتش تطلعي البيئة اللي جواكي دلوقتي؟! ايه حجه دي هي قاعده بتشوي دُره؟ اسمها تيتا او ماما...
رمقته بنظرة حادة تهمس له هي الاخرى ببراءة:
-ما أنت ماقولتليش!
كاد يبكي ويضحك في آنٍ واحد، طفلة، هي طفلة حرفيًا، طفلة ولكن تلك الطفلة تحيط به بهالة غريبة من الشغف، هالة تشعر أنه يُعزل في عالم اخر، عالم لا يريد به سواها...!

عقلها عقل طفلة حرفيًا، ولكن تلك الطفلة تجعله كجمرة مشتعلة عندما تظهر كل اسلحة الدلال والرقة له...!
انتبه لضحكات جدته التي صدحت وهي تخبره:
-سيبها يا يزيد والله انا حبيتها شكلها عسولة
نظف يزيد حنجرته بتوتر هامسًا لنفسه:
-ربنا يستر
ولكن عندما إتسعت ابتسامة دنيا وهي تربت على صدرها بعفوية متابعة:
-الله يكرم اصلك يا اصيلة يابنت الاصول!
لم يستطع كبت ضحكته التي صدحت وبقوة على تلك البيئة التي يعشقها وبجنون...!

لتشاركه جدته الضحك فقال هو مسرعًا يداري حرج دنيا الطفولي:
-معلش يا امي هرمونات الحمل انتِ عارفة بقا
لم تتحدث جدته ولكنها جذبت دنيا لأحضانها ولم تتوقف عن الضحك متمتمة بود حقيقي:
-دي جميلة اوي يا يزيد وبتضحكني ابقى هاتها لي كل اسبوع تضحكني شوية!

فتعالت ضحكاتهم جميعًا ودنيا هي الاخرى تضحك من قلبها، واخيرًا ذلك الدفئ الاسري مس قلب دنيا، مس اعماقها وجعلها متكاملة المشاعر، سليمة من كافة الجوانب...!

بعد انقضاء سنوات سجن ياسر...
كانت تنتظره هي ووالدته امام السجن، عيناها اُهلكت من كثرة الشوق وقلبها يدوي بجنون، وما إن رأته يخرج حتى ركضت نحوه بكل الجنون الذي عرفته يومًا لترتمي بأحضانه، فضمها له بكل قوته يستشعر بها اخيرًا وجسدها الغض يسكت أنين جسده...
رفعت عيناها له ببطء وبوجه ضاحك قالت:
-انا وعدتك استناك، ووعد الحر دين عليه!
ثم عادت تحتضنه، تهدئ لوع قلبها الذي كان يصرخ بالأحتياج والشوق له...
تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
قصة شباب طفلة زهرة الصبار
25 2252 زهرة الصبار
الطفلة فيروز – قصة حياة الطفلة فيروز إحدى عجائب السينما المصرية laila
0 502 laila
بدر الدين جمجوم – قصة حياة الفنان زوج الطفلة المعجزة فيروز laila
0 1408 laila
كريم عبد العزيز يكشف كواليسه مع الطفلة سوكا فى فيلم أبو على بعد 15 سنة Moha
0 780 Moha
أعراض إذا ظهرت عليك مراجعة الطبيب فورا.. بعد وفاة طفلة بسبب الإنفلونزا Moha
0 496 Moha

الكلمات الدلالية
رواية ، طفلة ، الفرعون ،


 





# فنون # مشاهير # صحة # منوعات # الأطفال # English # تفسير الأحلام ثقافة # قصص # سيارات Cars # صور # تقنيات # الاجهزة الالكترونية # المطبخ # كلام فى الحب # أبراج # رياضة # ازياء # حكم وأقوال تطوير الذات# خلفيات # صور بنات # مشاهير # ديكور # صباح الخير # مكتوب برقيات شهر رمضان # جمعة مباركة # حب رومانسية # عيد # ادعية # خلفيات كرتون # منوعات # موضة # الأم # أطفال # حيوانات # صور ورد # اكلات # New Year # مساء الخير # اللهم صلي علي النبي # القران الكريم # صور نكت # عيد ميلاد # اعلام # سيارات # تهنئة الخطوبة # حروف واسماء # الغاز # صور حزينة # فساتين # هدايا # خلفيات النادي الاهلي # تسريحات شعر # الاصدقاء # بوستات نجحت # خلفيات نادي الزمالك # حب رومانسية # تهنئه # ازياء # صور بنات # صوره وكلمه خلفيات # كرتون # بروفايل رمزيات # دينية # سيارات # مضحكة # أعلام # مسابقات # حيوانات # ديكور # أطفال # أكلات # حزينة صور شباب أولاد ر# صور # الطب و الصحة # مقالات عامه # CV المشاهير # وصفات الطبخ # العناية بالبشرة غرائب وعجائب # قصص روايات مواعظ # صور حيوانات # وصفات الحلويات # الرجيم والرشاقة # نكت مضحكة # صور خلفيات # العناية بالشعر # شروحات و تقنيات # videos # Apps & Games Free # موضة أناقة أزياء # سيارات # ديكور # رعاية الأطفال # نصائح المطبخ # موبايل جوال # الفوركس # التعليم والمدارس # الحمل و الولادة # اخبار الرياضه # وظائف # صحة المرأة # حوادث # صور بنات # صور اطفال # مكياج و تجميل # عناوين بنوك شركات محلات مطاعم # العاب الغاز # عيد # كلمات الاغانى # اشغال فنيه واعمال يدويه # مصر # أشعار خواطر # للنساء فقط # للرجال فقط # صور شباب # علاج النحافه # رسائل SMS # أكلات نباتية - Vegetarian food # برامج الكمبيوتر # المراهقة # جمعة مباركة # blogger # رعب # لعنة العشق # حب # اسلامية # قاسي ولكن أحبني # أحفاد أشرار الحرب لأجلك سلام # أسمى معاني الغرام # حقيقية # لقد كنت لعبة في يده # ملهمة # أباطرة العشق # عربية # حب خاطئ # لست مميزاً # من الجاني # مشاهير # راقصة الحانة # اغتصاب طفلة # عاشقان يجمعهم القدر # الطريق الصعب # خيال علمي # أشواك الحب # تاريخ # سجينة ثوب الرجال # لروحك عطر لا ينسى # أطفال # عشق وانتقام # لازلت أتنفسك # لقاؤنا صدفة # للحب معان أخرى # خاتم سليمان # ممن أنتقم # نجاح # أبواب وهمية # حلمى فى صفيحة قمامة # فيلم # مجنون بحبك # بين شباكها # حزينه # رحلات جوليفر # عذاب قسوته # عندما ينادي الشيطان # لعنة حبك # مريم وامير # هدوء في قلب العاصفة # الحاسة السادسة # المشعوذة الصغيرة # عباقرة # لوعة العشق # حروب # قدر بالإجبار # بنات مضحكه# فوركس Forex# صحتك # الصور والخلفيات # الطبخ والحلويات # منوعات # اخبار الفن # القصص و الروايات الألعاب الرياضية # الحياة الزوجية # أزياء وملابس # الأم و الطفل # دراسات لغات # افكار منزلية # انترنت تكنولوجيا # صفات الابراج # حيوانات ونباتات # تفسير الاحلام # معانى الاسماء # خواطر و اشعار # الكون والفضاء اجمل نكته# Mix # Forex # youtube # foods # Kids # Health education # stories # News # kitchen # woman # Famous # Sport # Animals

-------

الساعة الآن 07:28 مساء