رواية القناع الخفي للعشق (مافيا الحي الشعبي) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والعشرون
أمواج البحار تتراطم ببعضها البعض كأنها بتحدى سافر له، كلماتها تتردد على مسماعه بقوة فتخترق القلب لتحطمه بلا شفقة أو إنسانية... ترددت كلماتها كالسهام المشتعلة بقلبه، لم يعبئ بتخفى القمر وسطوع الشمس الذهبية بأشعتها الحارقة، رنين كلماتها جعل جسده كالنيران المتأججة، خلع قميصه بقوة ثم ألقى بنفسه بين أحضان المياه الباردة لعلها تتمكن من شفاء قلبه العليل، ولكن علت صوت الكلمات بلا توقف.
أتعودت أشوف ناس كتير زيك لازم يكون ليهم مقابل لخدمتهم للأسف فكرت كتير أوي بالمقابل الا هدفعه مقابل خدمتك لأبويا وللمصدقية فمكنش فى دماغي أي أمل أنك تطلب تتجوزني هو طلب غريب حبتين بس بالنهاية أنت قدمت خدمة ولازم يكون ليك مقابل .. شُعلت النيران بوجهه فأنخفض أسفل المياه ليزيح أفكاره القاسية وكلماتها الأشد قسوة بوعد قاطع على معاقبتها.
بشقة آدهم.
فتح عيناه بتكاسل ليجدها تغفو بين أحضانه براحة كبيرة بدت له على ملامح وجهها، إبتسم وهو يتراقبها بعشق ليطبع قبلة صغيرة على جبينها ثم رفع الغطاء عنه لينهض للأستعداد لعمله ولكن سرعان ما عاد ليتمدد جوارها حينما وجد شيئاً ما يتمسك به بقوة، أستدار بوجهه بستغراب ليجدها تتمسك بقميصه الذي أستجاب لتمسكها به فأنفتح على مصراعيها، بقي النمر لجوارها يوزع نظراته بين يدها المتمسكة به بشدة وبين وجهها الملاكي وعيناها الغافلة ربما أن أستيقظت ورأت كم تتعلق به لقتلت خجلاٍ...
ظل لجوارها دقائق يتأملها ببسمة مبسطة لينظر لهاتفه بصدمة من تأخره الملحوظ، جذب يدها بهدوء من عليه ثم أسرع للحمام الملحق بالغرفة ليغتسل ويبدل ثيابه لسروال أسود اللون وقميصٍ أسود مصففاً شعره الطويل بأحتراف. هرول للأسفل بعد أن علم بخروج أحمد وعبد الرحمن فتأكد من شدة تأخره، أوقف سيارة أجرة لتنقله لشركات الزين..
بمنزل حنين .. كانت تجلس على الأريكة بصمت فزفر والدها بملل من معرفة أجابتها عن سؤاله المتكرر، خرج صوته بضيق: يابنتي ردي عليا ليه مش عايزة فرح وخلتيه يلغي القاعة لييه؟. خرجت عن صمتها أخيراً بأبتسامة مخادعة: يا بابا أنا منتقبة يعني هيكون ليا قاعة منفردة عنه وأحنا ملناش حد يعني ملهاش لزوم الكلفة دي.. تطلع لها بنظرات شك أنهاها بحديثه الحامل للحزن البادي: الا أنتِ عايزاه يا بنتي..
وتركها ورحل للخارج لتغوص عيناها بالدموع، أستندت برأسها على حافة الشرفة لتغوص ذكرياتها بما حدث حينما خرجت معه لأول مرة بأحد المطاعم... ## كانت تجلس مقابل له وعيناها تتطلع عليه بثبات، تعجب حمزة من هدوئها فأبتسم قائلاٍ بهدوء: لو المكان مش عجبك ممكن نغيره. بقت ساكنة للحظات لتقطع صمتها بكلماتها المباشرة: طلبت تتجوزني ليه؟ ضيق عيناه بستغراب: هو أيه الا ليه قولتلك قبل كدا حبيتك وأ...
قاطعته بأبتسامة سخرية: فاكرة كلامك بس أنا هنا عشان أسالك على أنفراد وأتمنى أسمع الحقيقة.. زُهل حمزة فخرج صوته بصدمة: حقيقة أيه؟
وضعت يدها على الطاولة من أمامه قائلة بهدوء: أسمع يا حمزة أنا أتعودت أشوف ناس كتير زيك لازم يكون ليهم مقابل لخدمتهم للأسف فكرت كتير أوي بالمقابل الا هدفعه مقابل خدمتك لأبويا وللمصدقية فمكنش فى دماغي أي أمل أنك تطلب تتجوزني هو طلب غريب حبتين بس بالنهاية أنت قدمت خدمة ولازم يكون ليك مقابل. صعق حمزة فبترت الكلمات على لسانه ليجاهد مراراً وتكراراً بالحديث: أيه الكلام الفارغ دا!.
أخفت دمعاتها قائلة بثبات: دي الحقيقة.. بقى صامتاً للدقائق يحاول أستيعاب ما أستمع إليه ؛فرفع عيناه بصدمة: أنتِ متخيلة أني عايز أتجوزك عشان كدا!. كادت بالحديث فقطعها حينما نهض بطالته المهيبة ليرفع يديه لها بحذم: بس خلاص مش حابب أسمع حاجه.. وجذب المال من جيب سرواله ليضعه على الطاولة قائلاٍ بنظراتٍ حادة لها: ممكن أكون كنت وحش بس مش لدرجة الواساخة دي...
وتركها وغادر وملامح وجهه تنقل لها شيئاً ما يصعب عليها التعامل معه، لا تعلم لما تبقت تتأمل طيفه حتى تخفي عنها!، تشعر بأنها حطمت قلبها هي وليس قلبه!، لا تعلم ما هذا الشعور الغريب الذي يطاردها كل ما تعلمه أنها تشعر بالأنزعاج... ##..
ازاحت دمعاتها بعد آنين الذكريات فبعد ساعات قليلة ستصبح ملكاً له، أسئلة كثيرة تطاردها ولا تجد لأي منهم أجابة مصرحة، نعم تركها منذ أخر لقاء بها بالمطعم لتتفاجئ به بعد عدة أيام يطالب بالزواج بها من جديد حتى بعد أن وضعت شرطها بعدما حاجتها لزفاف ضخم يكفي وجود العائلتين بقاعة منزله الخاص ؛ فتفاجئت بقبوله لشرطها دون الحديث معها، كما أن أرسل رهف إليها بكل ما يلزمها فكان يفضل البقاء بعيداً عنها..
جذبت حنين سجادة الصلاة وشرعت بأداء صلاتها بخشوع لتلقي بما يتحجر بقلبها بركعة سجود مطولة تشكى ما يضيق بصدرها لله الواحد الأحد..
وصل أدهم للشركة فتوجه لمكتبه سريعاً ليبدأ بالعمل على عدد من الملفات، ولج زين بعدما علم بوصوله فتطلع له بخوف: خير يا أدهم أول مرة تتأخر؟! رفع النمر عيناه قائلاٍ بأبتسامة هادئة: قلقت عليا ولا أيه؟ ضيق زين عيناه بشك فجذب المقعد ليجلس أمامه قائلاٍ بصوتٍ هامس: أول مرة تيجي الشغل متأخر لا وكمان بتضحك أعتقد كدا أن الشك أبتدى يتسلل لقلبي.. أستند بظهره على المقعد قائلاٍ بمكر: أنت عايز أيه يا زين؟
صاح بغضب ساخر: هكون عايز أيه غير أني أطمن علي سياتك! رمقه بنظرة خبث: لا أطمن أنا كويس أدامك زي ما أنت شايف.. كبت زين ضحكاته قائلاٍ بمكر بعدما توجه للخروج: طيب أستأذن أنا.. ثم توقف عن الخطى وتقدم لينحني بجسده على مكتب النمر قائلاٍ بصوتٍ منخفض للغاية: هي بتبتدي بكدا صدقني بعد كدا هتلاقي نفسك كرهت الشغل وهتخسر سمعتك البرفكت دي.. ضيق النمر عيناه بغضب ليكمل زين بتأكيد: أسمع مني أنا غرضي مصلحتك..
تحكم بذاته فقال بصعوبة بالحديث: متشكرين لنصايحك الغالية لو ممكن تروح تشوف شغلك أنت كمان بدل ما تخسر حاجة تانية.. كانت رسالة صريحة له بأنه على وشك خسارة حياته الغالية فنهض ليعدل الجرفات الخاصة به وهو يلقي بنظراته على المؤظفين بهيبة وثبات لا تليق بسواه ليتنحنح قائلاٍ بثبات مخادع: أحمم طب سلام أنا بقى يا نمر وأشوفك بليل فى فرح الواد حمزة..
كبت أدهم ضحكاته ليغادر زين لمكتبه بعدما عاد لجديته الطاغية، أقترب منه أحد العاملين قائلاٍ بأحترام: الأوراق الا حضرتك طلبتها يا فندم.. تناوله من زين بستغراب: يعني دا مكان نشوف فيه أوراق مهمة زي دي؟!. أجابه بحرج بعدما رفع يديه ليتناوله منه: بعتذر من حضرتك هسيبهم لحضرتك على المكتب.. أشار بوجهه قائلاٍ بهدوء: لا خلاص روح أنت. : الا تشوفه سعاتك..
قالها الراجل بعدما غادر لعمله بينما توجه زين لمكتبه وعيناه تتفحص الملف بفضول جعله كالأسير فلم يشعر بشيء جواره الا حينما تعال صرخات خافتة لجواره، رفع عيناه ليجد فتاة ما تتمسك به بعدما أصطدم بها عن دون عمد فعاونها على الوقوف قائلاٍ بهدوء: بعتذر منك مقصدتش..
وأنحني يلملم أغراضها المبعثرة أرضاً ليقدمها إليها، وقفت كالمتصنمة أمامه تتأمله بنظرات أعجاب لترفع يدها بصعوبة وتتناول منه الأغراض، جذب زين أوراقه الخاصة وتوجه للمغادرة ليتفاجئ بهمس أمام عيناه، نظراتها كالبركان الهائج ولجوارها صابرين تبتسم بخبث على ما حدث منذ قليل. أقترب منهم زين بستغراب: بتعملوا أيه هنا؟.
أجابته صابرين بأبتسامة واسعة حاملة للخبث: والله يا زيزو أحنا جينا نشوفك بس الظاهر أننا جينا بالوقت الغلط والمكان الصح.. ضيق عيناه بوعيد لها ليكمل طريقه إليهم قائلاٍ بهدوء: أنا مش لسه سايبك من 3ساعات؟! رفعت عيناها له بغضب ليخرج صوتها المميت: جيت عشان أشوف حقيقة سيادتك، جيت عشان أفوق من الوهم الا عايشة فيه وأكتشف خيانتك بنفسي.. صعق زين فردد بخفوت: خيانة مين؟.
أجابته صابرين بأبتسامة واسعة: خيانتك يا زيزو.. رمقها بنظرة مميتة فرفعت يدها على كتفي همس بتسلية: طب يا همسة هروح بقا أشوف عبد الرحمن وأسيبك تشوفي موضوع الخيانة دا بنفسك. وغادرت صابرين بعد أن غمزت لأخاه بمكر فأقسم لها بالوعيد.. أقتربت همس منه قائلة بنظرات مميتة: أنا عايزة أعرف أزاي كنت نايمة على وداني كل دا..
تطلع لجواره بنظرات متفحصه للمؤظفين ومن ثم جذبها بقوة لمكتبه، ألقت حقيبتها على المكتب بغضب لتقترب منه بنظرات ضيق: الا حصل من شوية دا أيه؟ أستند بجسده الرياضي على الحائط مربعاً يديه أمام صدره ونظراته تطوفها بتسلية بأنتظار رد فعلها الجنوني فأصبح الآن معتاد على ذلك. ضغطت على أسنانها بغيظ: هتبصلي كدا كتيير.. : والمفروض أعمل أيه؟
قالها ببرود جعل جنونها يتضاعف فجذبت المزهرية ودفشتها أرضاً قائلة بغضب: ماشي يا زين والله لوريك.. بقى كما هو يتراقبها بصمت وهى تحطم المكتب بأكمله أما هى فغضبها كان يتزايد أضعافٍ مضاعفة كلما رأته هادئ أمامها..
حاولت تحريك الخزانة الضخمة بالكتب فلم تستطيع فتراجعت للخلف بزعر حينما تحرر زين عن سكونه وأقترب منها، تراجعت للخلف حتى أصطدمت بالحائط وعيناها تتطلع له بخوفاً شديد، شهقت فزعاً حينما ألقى زين بالخزانة أرضاً ببرود.. أقترب منها وهى بصدمة مما فعله فرفع يديه جوارها مقرباً وجهه إليها هامساً بصوته الرجولي العميق: بقيتي أحسن..
أشارت إليه ببلاهة وصدمة فأبتسم قائلاٍ بسخرية: طب كويس، ممكن نقعد نتكلم زي البني أدمين؟ أشارت إليه مجدداً بموافقتها فتركها وجلس على الأريكة المتبقية جواره فأشار لها بعيناه لتجلس سريعاً جواره.. بقى قليلاٍ يتراقبها فجذبها إلي أحضانه قائلاٍ بهمس: لو مكنتش بعشقك بس كان تصرفي هيكون أقوى من كدا بس هعمل أيه مغلوب على أمري..
إبتسمت بين أحضانه فشددت من أحتضنه قائلة بسخرية: الزوج الأصيل هو الا بيستحمل مراته وقت غضبها.. ضيق عيناه الزرقاء بمكر فأخرجها لترى سحرهما الخالد مشيراً بيديه على المكتب الكارثي: طب أنا راضي ذمتك دا غضب ولا جنون؟ تطلعت لما يشير إليه بصدمة فرددت بزهول: جنون.. تدرجت ما تفوهت به فتعالت ضحكاتها بعدم تصديق فشاركها زين البسمة مقربها إليه بجدية وعيناه تفترس ملامحها: قولتلك قبل كدا أني مش شايف غيرك..
إبتسمت بخجل مرددة بصوتٍ يكاد يكون مسموع: بجد يا زين.. أقترب منها بخبث: أنا بقول أن المكان لطيف جدا... دفشته بعيداً عنها قائلة بغضب: أوعى تكون بتثبتني وأنت مقضيها رفع يديه يشدد على خصلات شعره كمحاولة للتحكم بغضبه ليجذب الحاسوب الخاص به ويكمل عمله مشيراً لها بهدوء: كملي تكسير وفرتي عليا أجيب حد يغيرلي ديكور المكتب..
تحاولت نظراتها لغضب مميت فأقتربت منه وجذبت الحاسوب لتلقي به أرضاً بعصبية وصراخ: بكرهك يا زين.. إبتسم غامزاً لها بعيناه الساحرة: وأنا بموت فيكِ يا قلب زين.. كبتت صرخاتها بصعوبة فحملت حقيبتها وغادرت سريعاً قبل أن ترتكب جريمة حمقاء بينما تعالت على ملامحه بسمة نصر لأمتصاص غضبها الهائج لا يعلم بأنها بمرحلة جنون الحمل المتعصبة...
تلاشت ضحكات زين حينما رأى أمامه أعضاء الوفد الأيطالي فكانت نظراتهم خبيثة للغاية وبالأخص الفتيات، إبتسم بسمة مصطنعة: طبعاً لو قولتلكم أن كل الأفكار الا فى دماغكم دي غلط محدش هيصدقني ولو قولت أنها مراتي الجريمة هتكون فى وشي خبط لزق.. أقترب منه أدهم بضحكات مكبوتة قائلاٍ بسخرية: دي المرحلة الأولى بس سمعتك حالياً بقيت فى الحديد. جلس على المكتب مردداً بوعيد: ماشي يا همس..
بالمشفى.. إبتسامته المرسومة على وجهه وهو يتابع عمله تنجح دائماً بأسر قلوب الصغار قبل الكبار فمن قال أن الداء دوائه الوقار أحمق ما فربما البسمة تصنع جانب بقلوب المرضي فتجعل آلمهم هين للغاية.. أنهى عبد الرحمن فحصه للطفل الصغير وتوجه لمكتبه ليستريح قليلاٍ قبل الجرحة، ولج للغرفة الخاصة بالأطباء ليتفاجئ بها بأنتظاره.. جلس على المقعد بأستغراب: فى حاجه حصلت بالبيت؟ أجابته بهدوء: أطمن كلنا بخير..
تطلع لها بغضب مكبوت بالهدوء لنظرات من حوله: أمال جاية ليه؟ أنكمشت ملامحها بحزن: هو حرام أجيلك؟ زفر بمحاولة للتحكم بذاته قائلاٍ بثبات: دا مش مكان فسحة يا صابرين دا مكان شغلي.. كادت الحديث فجذبها قائلاٍ بهدوء: تعالي معايا.. لحقت به للخارج ودموعها على وشك الهبوط فجلست لجواره بحديقة المشفى قائلة بدموع: واضح أن مكة كان معها حق، أنا أسفة. وحملت حقيبتها وكادت بالرحيل فجذبها قائلاٍ بهدوء: ممكن تقعدي..
أنصاعت له وجلست فأكمل حديثه بثبات بعدما جاهد للتحلى به: يا حبيبتي أنا مش مضايق من شوفتك هنا بالعكس أنا خايف عليكي.. رفعت عيناها له بستغراب فأكمل بهدوء: الناس هنا مش زي بلاد برة هنا فى عادات قاسية أو أتربينا لقينا نفسنا عليها وأنا مش هستحمل أشوف حد بيبصلك نظرة كدا أو كدا مش كل الا هنا عارفين أنك مراتي.. إبتسمت بأقتناع: مش هتكرر تاني..
ونهضت قائلة بخجل: هروح لماما بقى عشان قولتلها متعملش الطبيخ الا لما أرجع عشان أتعلم منها.. سعد كثيراً حينما لفظتها بأمي لأول مرة فأخرج من جيبه المال قائلاٍ بعشق: خلي بالك من نفسك وأنتِ راجعه لو مكنش عندي عمليات النهاردة كنت روحتك أنا.. إبتسمت بتفاهم: عارفة يا حبيبي ربنا يعينك يارب.. أقترب منها بضع خطوات قائلاٍ بمكر: حبيبي!، أنا بقول أخلي الدكتور أسامة ينوب عني النهاردة..
تعالت ضحكاتها بخجل فقالت بغضب مصطنع: عبد الرحمن الله.. وقف بثبات: أحمم خلاص روحي بقا، بس خدي الفلوس دي معاكي.. رفعت يديها إليه برفض: فلوس ليه؟ الا أنت أدتهوني أمبارح لسه معايا.. إبتسم قائلاٍ بنظرات تتفحص حجابها الهادئ وملامحها الرقيقة: ماليش دعوة باللي معاكِ دا مصروفك الشخصي غير مصروف البيت أعملي بيه الا تحبيه وتأكدي أني عمري ما هسألك بتعملي أيه بيهم..
رغم أن بحسابها البنكي الكثير من الأموال المحولة لها عن طريق زين الا أنها تشعر بسعادة لا مثيل لها حينما يقدم لها هو المال، أخذت منه المال بأبتسامة هائمة به، نعم فهي الآن تعلم الفرق بين رجال الشرق والغرب تراه للرجولة عنوان محتماً..
ودعها عبد الرحمن وولج ليكمل عمله الجاد بأخلاص رغم عمله بمشفي حكومي الا أنه يقدم ما يتمكنه بعطاء وسعادة، فربما مثلما يفعل بعمله يمنحه الله السعادة وراحة البال علي الدوام فيصبح المبلغ القليل من العمل رزقاً وفير يبعث السعادة لمن يقتضيه!.
بمنزل طلعت المنياوي . صعدت غادة من الأسفل حاملة للسجاد المبلل فتوجهت للطابق العلوي لتضعه، حاولت التماسك فكانت ثقيلة للغاية ولكنها حملتها رغم رفض نجلاء ذلك وطلبها أن تتركها حتى عودة الشباب، صعدت غادة الدرج ببطئ فتخطت الطابق الأول لتجده أمام عيناها، تطلع لها ضياء بصدمة فأسرع إليها قائلاٍ بلهفة: هاتي هطلعهالك..
تطلعت له قليلاٍ ثم حملتها وأكملت طريقها للأعلى غير عابئة به، تلونت عيناه بالغضب فلحق بها ليجذبها بقوة وغضب: مش بكلمك جذبت يدها منه بعصبية: لسه عايز أيه تاني؟. أقترب منها بصوتٍ كالرعد: بتكلميني كدليه أنتِ نسيتي نفسك ولا أيه.
لم تجيبه وأكملت طريقها للأعلى فجذبها بغضب لتسقط ما بيديها على الدرج وكادت هى السقوط فصرخت بفزع ليجذبها إليه، عيناها مقربة إليه نظرات طالت بالتأمل فظل هو ساكناً يتأملها بعشق يرتعد بقلبه وهى بعتاب قطع بدفات الدموع القاسية على وجهها، يدها تتمسك بصدره فتخترق ضربات قلبه روحها، ظلت هكذا إلي أن طال بها العناء فأبتعدت عنه تجفف دمعاتها لتهبط سريعاً وتحمل السجاد ومن ثم تصعد للأعلي سريعاً..
وضعتها أرضاً بالطابق العلوي وشرعت بغسلها مجدداً بعدما سقطت أرضاً أو كأنها تعمدت أن تفرغ غضبها بشيئاً ما، لحق بها ضياء فوقف يتأملها بحزن، تقدم منها فأنحني ليكون على مستواها الأرضي قائلاٍ بهدوء: ليه مش بشوف فى عيونك الندم زي كل مرة بترتكبي فيها غلطة..
رفعت عيناها القاتمة من أثر البكاء قائلة بسخرية: وليه أنت الا دايماً بتشوفني غلط؟ ليه ربطت كلام بنت خالتي أني أنا الا قولتلها ليه مربطتش كلامها أن ماما كانت زعلانه على الا حصل لأبنها وزي أيه ست بتتكلم مع أختها عادي ليه ربطت كل دا بيا..
عجز عن الكلام فنهضت تاركة المياه أرضاً: لأنك خدت دايماً أني غلط وأتعودت تتهمني بدون ما تسمعني وأنت كالعادة أجري وراك وأتأسف وأطلب تسامحتي لكن المرادي لا يا ضياء أنا مغلطتش أنت الا غلط.. وتركته وكادت بالهبوط ولكن تعثرت قدمها بخرطوم المياه القوي لتسقط أرضاً بألم، أسرع إلي المياه فأغلقها ومن ثم عاونها على الوقوف فخرج عن صمت تأملها قائلاٍ بعشق: ياه مكنتش أعرف أني وحش كدا..
تحاشت النظر إليه وبكائها يسري بشهقات تمزق القلوب، رفع يديه يجفف دمعها قائلاٍ بحزن: أنا أسف يا حبيبتي تفكيري كان غبي أوي.. جاهدت للحديث فأقترب بمكر: أحنا على السطوح وأنا ممكن أعمل المستحيل عسان تسامحيني أعقليها صح.. إبتسمت من وسط دموعها على كلماته فردد بهمس قطع عنها الضحكات: وحشتيني أوي.. رفعت عيناها بخجل: وأنت كمان وحشتني..
أبتعد عنها يحمل السجاد على السور قائلاٍ بمرح: أنا حبيت غسيل السجاد على فكرة أعتقد أنه وشه حلو.. تعالت ضحكاتها بعدما رأت ثيابه المبتلة قائلة بصعوبة بالحديث: لا مهو واضح جدا.. تطلع لملابسه بضيق فرفع عيناه عليه لتهرول للأسفل سريعاً قبل أن تهاجمه فكرة حمقاء..
بالأسفل... جلس لجوارها مع تحفظ المسافات قائلاٍ بعشق: مش مصدق أن خطوبتنا خلاص بعد بكرا وأننا هننزل بليل نجيب الشبكة.. وضعت عيناها أرضاً بخجل فتطلع لها بخبث: طب مش هتقوليلي عايزة دبلة محفورة بأسمي ولا مش مهم.. شعرت بأن وجهها كاد على الأنفجار من الخجل فحمدت الله كثيراً حينما ولجت صابرين بأبتسامة هادئة: مساء الخير. إبتسم يوسف هو الأخر قائلاٍ بثبات: مساء النور..
أقتربت منها مكة بفرحة: مساء العسل أتاخرتم ليه النهاردة دا العصر قرب يدن؟ جلست على الأريكة بستغراب: هو ياسمين وجيانا لسه مجوش؟ أجابتها مكة بزهول: أمال أنتِ جاية منين؟ وضعت عيناها أرضاً بخجل: روحت مع همس عند زين وبعدين عديت على عبد الرحمن.. يوسف بمرح: من أولها كدا؟. إبتسمت صابرين بخجل: أطمن مش هتحصل تاني. مكة بغرور: عشان تبقي تصدقيني أنا خبرة يا بنتي.. يوسف بهيام: أنتِ كل حاجة حلوة..
تطلعت لهم صابرين بمكر فصاحت بسخرية: واضح أني جيت بالوقت الصح.. تلون وجه مكة بالخجل فتركتهم وتوجهت للداخل سريعاً لتعلو الضحكات فيما بينهم..
خرج من المحكمة بسعادة تنبعث من القلب ليتقدم من العجوز قائلاٍ بأبتسامة واسعة: خلاص يا أمي كله تمام إبنك ساعتين تلاته وهيروح معاكِ بأذن الله.. سال الدمع من عيناها قائلة ببكاء: ربنا يكرمك يابني أنا ماليش غيره فى الدنيا هو الا بيصرف عليا وعلى أبوه المريض محدش رضي يترافع عنه عشان معيش فلوس الأتعاب لحد ما ربنا عتورني فيك.. رفع أحمد يديه على كتفيها: أنا فى خدمتك بأي وقت يا أمي..
كادت أن تقبل يديه قائلة بدموع: ربنا يجبر بخاطرك يابني زي ما جبرت بخاطري... قبل رأسها بدمع يلمع بعيناه وقلبه يرقص فرحاً لدعائها فحمل حقيبته وجلس بالخارج ليرفع هاتفه بمعشوقته فكانت بالصباح متوعكة قليلاٍ.. طال أنتظاره حتى أجابته بصوتٍ خافت: أحمد. أنقبض قلبه فقال بلهفة: ياسمين مااالك؟ خرج صوتها بصعوبة: مش عارفة يا أحمد حاسة أني هموت مش قادرة أقف على رجلي خالص ولا حتى أنادي لجيانا أو لماما..
حمل حقيبته وتوجه بالخروج قائلاٍ بخوف: متقلقيش يا حبيبتي أنا ثواني وبأذن الله وهكون عندك هتصل بجيانا حالا تجيلك أجابته بضعف: بلاش حد من البيت يعرف مش حابين نقلق حد وهما بيحضروا خطوبة مكة. أجابها على عاجلة من أمره: خالي بالك من نفسك بس وأنا جايلك اهو.. واغلق الهاتف معها ليطلب جيانا التى أجابته بنوم لتنتفض على كلماته فأسرعت إلي شقته المجاورة لها بعد أن أحضرت المفاتيح الخاصة به..
ولجت جيانا للداخل تبحث عنها إلي أن وجدتها بالفراش والتعب بادى عليها.. جيانا بخوف: مالك يا حبيبتي في أيه؟ رفعت عيناها بضعف: مش قادرة يا جيانا هموت.. جذبت جلبابها الأسود وأقتربت منها تلبسها إياه بحزن: بعد الشر عليكي يا قلبي ألبسي أحمد هيجي وهننزل مع بعض نكشف عليكِ..
أنصاعت لها وأرتدت الجلباب ومن ثم الحجاب فجذبت جيانا هاتفها وأخبرت أدهم بهبوطها مع شقيقها وعن وضع ياسمين فأخبرها أنه سيعود بعد ساعة تقريباً، وصل أحمد سريعاً فحملها بين ذراعيها وأوقفت جيانا سيارة أجرة ليتوجهوا معاً للمشفي..
بقصر حازم السيوفي أرتدى الحلى السوداء بملامح متخشبة فظل أمام المرآة يتطلع على ملامحه بغموض، ولج حازم للداخل وبيديه الجرفات فأدراه إليه ليضعها له قائلاٍ بهدوء: لسه برضو مش حابب تقولي مالك؟ إبتسم حمزة بثبات: هيكون مالي يعني يا حازم مأنا قدامك أهو عريس ومتشيك. إبتسم بسخرية: فاكرني غبي يالا يعني من حفلة لفرح سكتي كدا ومحدش هيحضره غير أصدقائك بس؟. أجابه بثبات: أنت عارف أن دي رغبة حنين عشان منتقبة.
رمقه بنظرة مطولة: هحاول أصدقك.. وتركه وتوجه بالهبوط: أنجز هستناك تحت رهف وحنين لسه بالبيوتي.. أكتفى بأشارة بسيطة له وعاد لرحلة سكونه من جديد..
تصنم محله بعدما أنتهت الطبيبة من فحوصاتها فعامت الفرحة جيانا لتحتضن ياسمين بسعادة: ألف مبرووك يا قلبي ربنا يكملك على ألف خير.. شعرت بحاجتها للبكاء من السعادة على عكس أحمد المتصنم محله من الفرحة لتزف كلمات العجوز بعقله.
ربنا يجبر بخاطرك زي ما جبرت بخاطري ، لما يشعر بدموعه فتلك الدعوة ثمينة للغاية ليكافئ فى ذات اليوم على ما فعله، نعم فمن يفعل المعروف يكافئه الله بأضعافه، فهل تستوى عطية العبد والرب؟!. أقترب أحمد منها بسعادة يعاونها على الهبوط للسيارة مرة أخري قائلاٍ بلهفة: على مهلك..
أكتفت بمنحه بسمة تحمل الفرح ليتوجه بالسيارة لمنزل طلعت المنياوي . علم الجميع بالمنزل بهذا الخبر السعيد وعلى رأسهم أدهم فكان على تواصل بأحمد طوال الطريق، أستأذنت جيانا لتتوجه لشقتها لتبدل ملابسها وتعود على الفور...
أنهى أدهم عمله على الملف الهام فتوجه لمكتب زين الجديد ليدلف بسخرية: تصدق دا أحلى.. رمقه بنظرة مميتة فجلس وضعاً قدماً فوق الأخرى بتعالي: عشان تصدق لما أقولك تتعامل معايا بحدود الدنيا محدش ضامنها يا صاحبي ساعه وبتلاقيها حدفت عليك كتاكيت.. زين بغضب: عايز أيه يا أدهم أنجز؟. وضع الملف أمامه قائلاٍ بمكر: الملف أهو هرجع بيتي بقا دا لو مفيش مانع عند سعاتك..
وتوجه للخروج فعاد لينحني على مكتبه مثلما فعل زين بالصباح قائلاٍ بمكر: المكتب دا لو شاف مصير التاني صورتك مش هتتهز أدام الوفد الأيطالي بس لا دا أدام مصر بحالها... شرار من عيناه لم يكن كافيل بأيقاف النمر فأكمل بخبث أسمع مني... وخرج قائلاٍ بأنتصار: أشوفك بليل بفرح حمزة. لكم زين المكتب بقوة: ماشي يا أدهم اصبر عليا بس..
توجه أدهم لمنزله سيراً على الأقدام بالهواء الطلق فوقف أمام النيل يتأمله بهدوء أنقطع برنين هاتفه، رفع الهاتف بستغراب للرقم المجهول فقال بثبات: ألو.. =أهلا بالعريس ألف مبرووك معلش هي جيت متأخر بس ملحوقة تتعوض.. ضيق عيناه بستغراب: مين معايا؟ =أخص عليك لحقت تنسى صوتي طب دانا من حبي فيك فاكر صوتك جدا رغم أني مشفتش ملامحك كاملة من القناع.. بدى لأدهم من المتحدث فقال بهدوء طاغي: لسه الحكومة مجبتكش!
=ومش هتوصلي أطمن الأمور بخير. زفر بملل: وأيه الا فكرك بيا؟ تعالت ضحكاته قائلاٍ بصوتٍ قابض: هو فى حد بينسى حبايبه وبالأخص لما يكون فى جمايل زيادة من عندهم أنا من النوع الا بشيل الجمايل أوى ولازم بردها.. بدى الخوف يتسرب لملامحه فقال بثبات: أنت تقصد أيه؟ أجابه بصوتٍ لعين: قصدي هيوصلك بعد دقايق من دلوقتي، كنت فاكر أنك عديت باللي عملته. وتعالت ضحكاته الخبيثة ليغلق الهاتف بوجهه صرخ أدهم بغضب: الوووو...
أنقطع الأتصال فشدد أدهم على شعره البني الغزير فى محاولة للعودة لثباته حتى يتمكن من التفكير بمغزى كلماته، ظل لدقائق يفكر فقطعهم بصدمة وهو يردد بفزع: جيانا لاااا.. وركض سريعاً بأتجاه المنزل وبيديه الهاتف يحاول الوصول إليها ولكن لا رد، أكمل ركضه ليطلب أحمد الذي أجابه سريعاً: أيوا يا نمر.. خرج صوته بعصبية: جيانا فين يا أحمد.. =راحت الشقة تغير هدومها وزمنها على وصول بتسأل ليه؟.
لم يجيبه وأغلق الهاتف ليعاود طلبها من جديد..
خرجت من غرفتها بعدما أبدلت ثيابها لتجذب الهاتف والمفاتيح وتتوجه للخروج لمنزل جدها، هبطت الدرج ومنه للحارة لتتفاجئ برنين أدهم الذي تعدى العشرون فرفعت هاتفها بطلبه بقلق ليجيبها على الفور وقد أوشك على الوصول إليها: جيانا أنتِ كويسة؟ أجابته بستغراب وهى تكمل طريقها: أيوا يا أدهم ليه؟ توقف ليلفظ أنفاسه قليلاٍ قائلاٍ ببعض الراحه: طب أنتِ فين وليه مش بترودي على أتصالاتي؟!
تعجبت من صوته المجهد ولكن أجابته سريعاً: مسمعتوش والله أنا فى الشارع راحه عندنا.. عاد الفزع لقلبه فأكمل ركض دون توقف قائلاٍ بصعوبة بالحديث: أطلعي الشقة حالا أنا جيالك أهو.. توقفت عن الخطي قائلة بستغراب: ليه؟. ظهر أمامها على الجانب الأخر فرفعت يدها ببسمة مبسطة لتلفت أنتباهه ليراها أدهم فزفر براحة، أغلقت الهاتف وتوجهت لعبور الطريق قائلة بأبتسامة هادئة: أدهم..
سُحب قلبه ببطئ حينما رأى تلك السيارة المتعمدة لقطع الحارة الضيقة لأجلها فأشار بيديه وهو يحاول الأسراع إليها: خاليكي مكانك..
لم تستمع لم يقول فعبرت لتصعقها السيارة بقوة لترتفع للأعلى وتهوى أرضاً ببطئ ومعها يتحطم قلب النمر رويداً رويداً ليتخشب محله لثواني وهو يراها أمامه منغمسة بدمائها، عيناها تجاهد الأغماء ولكن تقاوم لتراه بنظرة طعنته بقوة، يدها ترتجف بقوة فتمددها فى محاولة بائسة للوصول للمعشوقها لتردد بهمسٍ خافت: أ، د، ه، م، (أدهم)..
ركضت النساء اليها بنواح قوي عصف لمنزل طلعت المنياوي بينما تجمدت خطي أدهم ليرفع عيناه على السيارة فيري أشارة تحية من السائق ليعلمه بأن هدية ذلك اللعين قد أحاطت به، كسر ما به حينما هرول كالجسد المميت ليلقي بالناس يساراً ويميناً فى محاولة للوصول لمحبوبته.. سقط أرضاً جوارها حينما وجد الدماء تغلف جسدها بأكمله ليقربها لصدره بصدمة: جيانا..
فتحت عيناها بضعف والدموع تسرى على وجهها فرفعت يديها على وجهه كأنها تترك له رسالة غامضة ومن ثم هوت ذراعيها ليهوى قلبه بلا رجعة فصرخ بقوة عاصفة: جياااااااانا، جياااااانا..
ركضت ريهام بصراخ لمكان الحديث فأستلقت أرضاً فاقدت الوعى حينما رأت أدهم يحمل أبنتها ويركض لسيارة عبد الرحمن المنصدم مما يحدث بعدما عاد من العمل ليجد ادهم يهرول لسيارته ويطلب منه الأسراع للمشفى حتى أحمد بقى ثابت فأسرع لفتح باب السيارة الخلفي ليجلس بالأمام ويقود عبد الرحمن طريقه بمصير مجهول للنمر!.. وزع منزل طلعت المنياوي بصراخ عاصف ليهرع الجد والأباء إليهم ويعلمون بما حدث فتوجهون جميعاً للمشفي..
تمسك بيديها وهى بأحضانه يحتضنها بجنون غير واعى لما يحدث حوله همس بأذنيها فربما يعلم بأنها تستمع إليه: متسبنيش يا حبيبتي أنا ممكن أموت من غيرك، عشان خاطري يا جيانا عشان خاطري متكسرنيش، أنا السبب فى الا أنتِ فيه يارتني كنت أنا، أنا أسف بجد أسف أوي ومستعد أتحمل أيه عقاب فى الدنيا بس ميكنش فيكِ يا قلبي.. شدد من أحتضانها قائلاٍ بصراخ حينما شعر ببرودة جسدها: بسرعه يا عبد الرحمن...
أنصاع له وأجتاز أشارات المرور ليعبر سريعاً ولكن هل سيتمكن النمر من أجتياز ذلك الأختبار؟!.
رواية القناع الخفي للعشق (مافيا الحي الشعبي) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثلاثون
توقفت السيارة أمام المشفي فحملها أدهم وهبط مسرعاً للداخل ليصرخ بغضب بمن حوله: عايز دكتور فوراً..
أنقطعت الهمسات فيما بينهم ليتطلعوا له بأهتمام فأسرع إليه أحد الممرضات لتنقلها لغرفة الجراحه على الفور، لحق بهم عبد الرحمن ليستعلم عن حالتها بعد أن أخبرهم بأنه طبيب هو الأخر بينما ظل أحمد لجوار النمر الساكن بنيران تتأجج بداخله، يحتضن وجهه بيديه ونظراته تكاد تحطم الفراغ من شدة حقده على هذا اللعين ليقطع وعده له بالهلاك ولكن عليه أولاٍ أن يطمئن علي من ملكت أسارير قلبه، وصل رجال المنياوي وعلى رأسهم الحاج طلعت المنياوي الذي جلس لجوار أدهم فى محاولة لكبت أحزانه على ما حدث فقال بثباته المعتاد: هتبقى بخير يا ولدي متقلقش..
رفع أدهم عيناه بأشارة حاملة لليأس كأنه بحاجة للحديث أو الشكوى أو الصراخ فربما الحل الأمثل لما يشعر به.. دقات القلب بترطم صادح كلما يمر الوقت كأنه عهد من الزمان، صفون الآنين ينجيه بأن يثور يصرخ يبكي لعله ينال الشفقة والوجدان...
عيناه تراقب الغرفة كالصقر ذو البصر الحاد، يريد الركض بأقصى سرعة لديه ليحطم ذلك الحاجز ويحتضنها بقوة لعلها تستمع لخفق القلب المجنون فتنهض مسرعة لترتمى بأحضان العاشق المتيم، عاشق ميزه العشق بتاج الكبرياء ليصبح كالنمر المطعون بهوسٍ سحره خاص، سكنت الضربات وتعال الفزع حينما خرج الطبيب من الداخل، شعر بأن قدميه قد بترت فلم يعد بقادر على الحركة، بقى ساكناً كما هو يتراقب كلمات الطبيب التى ستكون بمثابة نهاية لمصير أو منحه الآذن للحياة مجدداً، مرت الثواني كالجمرات المشتعلة وهو يرى أحمد يتقدم منه بقى كما هو يتأملهم بصمت وعدم قدرة على الحركة لينهى الأمر سريعاً حينما ركض للغرفة غير عابئ بصيحات الطبيب له، ليرى معشوقته غافلة على الفراش، أقترب منها غير عابئ لمن يحاولون الصراخ عليه بالخروج ليقترب منها بصدمة وهو يضمها لصدره قائلاٍ بصوتٍ محطم: لو فاكرة أني ممكن أنساكِ أو هقدر أعيش من غيرك تبقى غلط يا جيانا، العشق الا بقلبي دا أنتِ السبب فيه ومستحيل هتخلى عنه بسهولة...
حاولت الممرضة الحديث فهى تعد المريضة للخروج من العمليات فصمت حينما منعها الطبيب من ذلك، نعم وقف الطبيب عاجزاً عن الحديث حينما أستمع لكلمات النمر وهو بحد علمه المتواضع أنهم من الطبقة البسيطة فخيل له أن العشق يترابط بطبقات المجتمع!.
بدأت بأستعادى وعيها بعدما زال مفعول المخدر لتصدر آنين خافت بين أحضانه ويدها تتحسس جسدها المغفل عن الحركة، شعر بهمسها الخافت فأبعدها عنه بخفة ليجدها تجاهد بفتح عيناها، تسللت السعادة لعيناه فأحتضنها بقوة قائلاٍ بعشق: كنت عارف أن ربنا كريم مستحيل هيأخدك مني وأنتِ سبب حياتي يا جيانا.. أقتربت منه الممرضة قائلة بحذر: لو سمحت يا أستاذ عايزة أجهز المريضة عشان تخرج لغرفة عادية..
أستدار بوجهه قائلاٍ بثباته الفتاك: أنا هجهزها.
كادت بالغضب فأبتسم الطبيب مشيراً لها بالخروج وبالفعل خرجت، تقدم منها أدهم ليبدل ثيابها فألقى الثياب الخاصة بالجراحة ليلبسها ملابس أخري ثم وضع الحجاب على رأسها بعدما طبع قبلة عميقة على جبينها، كانت بعالم أخر مظلم تجاهد بالخروج منه، مع فتح عيناها كانت تراه أمامها يعاونها على أرتداء ملابسها، جاهدت لتبقى الرؤيا واضحة فتزين برؤياه ولكن مازال المخدر أقوى منها..
هبطت دمعة خائنة منها وهى تستمع لكلماته، تلون وجهها بحمرة الخجل حينما طبع قبلة على جبينها فذهل أدهم كثيراً ليبتسم قائلاٍ بسخرية: حتى وأنتِ غايبة عن الوعي!. حملها برفق ثم خرج بها ليجد الممرضة أمامه تكاد تفتك من نظراتها الغاضبة فتطلع لها ببرود: فين الأوضة؟ أشارت له بتأفف فتوجه لها بخطى بطيئة حتى لا تتأذي معشوقته...
وضعها برفق وهدوء ثم داثرها جيداً ليأتي الطبيب ويشرع بتعليق المحاليل الطبية بيدها الهزيلة، وهو لجوارها يتألم لرؤية أنكماش ملامح وجهها ليحاول جاهداً بالأ يحطم عنقه!..
خرج الطبيب من الغرفة تاركه لجوارها ليجلس جوارها ويقترب ليهمس بأذنيها فتلفح أنفاسه وجهها بكلماته العطرة: عارف أنك سمعاني وعارف أنك بتحسي بيا زي ما بحس بيكِ، وعدتك أني هكون الحمى ليكِ لأخر يوم بعمري وللأسف فشلت الا حصل دا خالني أعرف الفرق بين حب أي زوج لزوجته وبين عشقي ليكِ المميز يا جيانا...
ثم رفع يديه يلامس ملامح وجهها بأصابع يديه الحنونة: أنا كنت بره بموت أكتر منك وبتعذب أكتر من وجعك عشان كدا ربنا رأف بيا.. تساقطت الدموع من عيناها كأنها أشارة له بأنها تستمع إليه ليقترب منها ويجفف دمعاتها الثمينة بسحره الخاص قائلاٍ بعشق: أنا جانبك وهفضل جانبك لأخر أنفاسي... لمعت عيناه بشرارة غامضة فأقترب ليهمس مجدداً: هسيبك دلوقتي عشان قبل ما ترجعي لوعيك أكون نفذت وعدي ليكِ..
ونهض النمر بعد أن طافت به شرارة غامضة تجعله كالثائر المتأهب للأنتقام.
بفيلا زين... تألق ببذلته الأنيقة ليطل بسحره الفتاك بعدما صفف شعره الحريري واضعاً البرفنيوم الخاص به، هبط للأسفل وعيناه تبحث عنها بتسلية، طافت عيناه القاعة فخطي ببطئ للداخل ليتسمر محله بصدمة أستحوذت عليه حينما وجدها تقف أمام البراد، تتناول الطعام بطريقة أفزعته وما جذب أهتمامه خصلات شعرها المربوطة بحذم لينتهي مصيرها بحبات الجزر كأنهن الرابط البديل!..
تناولت همس الشوكلا ثم وضعت العلبة بالبراد لتجذب ثمرة من الفاكهة بضيق وتتناولها بنهم... جذبت المقلاة ووضعت شرائح الدجاج ثم شرعت بالطهي وبيدها قطعة من الحلوي لتضعها بجانبها وتجذب الجزر فيتدلى بعض الخصلات على عيناها، تناولتها مرددة بغضب وتذكر: ماشي يا زين بتخوني لا وكمان أيه بتنكر بس على مين دانا هوريك صبرك عليا بس...
وجذبت الجزر تتناوله بنهم وغيظ، إبتلع زين ريقه برعب حقيقي فأنسحب برفق للخارج مردداً بصدمة من أمرها: فى حاجة غلط ثم أنحني بجسده ليراها مجدداً قائلاٍ بذهول: مستحيل اللي بيحصل دا.. شعرت بحركة خافتة بالخارج فتوجهت لترى ماذا هناك؟، رأته يقف على بعد منها يتحدث بصوتٍ يكاد يكون مسموع لها، أقتربت منه لترفع يدها على كتفيه قائلة بغضب: واقف كدليه؟!
أنتفض بفزع ولكن سرعان ما عاد لثباته الزائف قائلاٍ بصوته الرجولي الحاد: وأنتِ شاغله نفسك بوقفتي ليه خاليكي بنفسك وفى الا بتعمليه تطلعت له بنظرات كالسهام المشتعلة قائلة بغضب: أنت ليك عين تكلمني بالطريقة دي بعد اللي عملته! رمقها بنظرة مطولة ثم تقدم منها ليحاصرها بين ذراعيه والحائط قائلاٍ بسخرية: عندك حق أنا فعلا عملت غلطة كبيرة جداً عارفة هى أيه؟
تطلعت له كالبلهاء فأخذت تشق غبارها برحلتها المجهولة بين طواف عيناه الزرقاء، إبتلعت ريقها بصعوبة وهى تشير بكتفيها بعدم معرفتها ما يقوله ليكمل بغضب وغيظ: غلطتي أني أستحملت جنانك دا من الأول... هوت نظراتها ليحتلهم الغضب القاطع فدفشته بعيداً عنها بضيق لتصبح بصراخ: بقى أنا مجنونة يا زين عشان قفشتك على حقيقتك.. تبلدت ملامحه مردداً بسخرية: قفشتك! أنتِ ليه محسساني أنك أتبدلتي بالغلط؟
ضيقت عيناها بغرور: أنا لسه زي مأنا يا حبيبي شوف نفسك الأول... كبت غضبه بثبات فأقترب منها ببطئ لتتراجع للخلف بأرتباك وتوتر جاهد للتخفي بحديثها: عايز أيه؟. ظهرت بسمة الخبث على وجهه ليقترب أكثر مردداً بهمسٍ ساخر: عايز أشوفك وأنتِ متلخبطة كدا ووش القوة المصطنع دا بيتشال مع كل خطوة بقربها منك..
تأملت حركات شفتيه بفضول لمعرفة ما يقول ولكن فشلت بنهاية الأمر فكانت أسيرة لعيناه، رفع يديه لجوارها والمكر يحفل على ملامحه قائلاٍ بسخرية: كنتِ بتقولي أيه؟ حاولت الحديث ؛ فرفع يديه يحتضن بها وجهها لتغمض عيناها سريعاً فى محاولة بائسة بالتحكم بذاتها، تطلع لها زين بعشق أنقلب لهوس وجنون، فشعر بأنه أن ظل لجوارها أعواماً متفارقة لن يشعر بالأمر...
دفشته بخجل وسحبت نظراتها سريعاً فأعتدل بوقفته بأبتسامة مكر ليرفع يديه ويجذب أخر ثمرات الجزر من بين خصلات شعرها المموج ليضعها أمام عيناها بسخرية: متنسيش تزرعي المرة الجاية بتنجان.. جذبتها منه بنظرات نارية لتلتهمها بغضب بعدما توجهت للأعلى بتوعد له لتتعالى ضحكاته وهو يتبعها بنظراته الدافئة مشيراً برأسه بأستسلام لجنونها، رفع معصمه ليرى ساعة يديه بأستغراب: أدهم أتاخر أوي كدليه؟!.
فتحت عيناها ببعض التعب لتتضح لها الرؤيا بوضوح ؛ فوجدت الجميع لجوارها، مررت عيناها على الجميع ببطئ ولهفة لتراه ولكن أنتهت جولتها بالحزن، تفهم أحمد ما تريد فأقترب لينحني لمستواها قائلاٍ بأبتسامة هادئة: حمدلله على سلامتك حبيبتي أدهم شوية وجاي... أكتفت بالأشارة له لتستدير لوالدتها التى صاحت ببكاء: كدا يا جيانا تعملي فى ماما كدا أنا كنت هموت يابنتي..
رفعت يديها الهزيلة على يد والدتها تحتضنها كمحاولة للمواساة فلم تقدر على الحديث بعد. أقتربت منها نجلاء سلوي بدموع: خضتينا عليكِ يا ضنايا.. صاحت نجلاء بحذم: ما خلاص بقى منك ليها أحمدوا ربنا أنها جيت على أد كدا... ولج عبد الرحمن ليقدم الهاتف لنجلاء بغضب: شوفيهم بدل ما أتعصب عليهم. تناولت منه الهاتف بستغراب: هما مين يابني.
أقترب من جيانا يتفحص المحاليل بعناية مشيراً لها بغضب: البنات عايزين يجوا هنا وأنا بحاول أفهمهم أنه مينفعش جدكم مش هيسمح بوجودهم وكل شوية يزعق عشان مرتات عمي موجودين هنا معانا بس مفيش فايدة خرجوني عن شعوري.. أشارت له بتفهم وخرجت لتتحدث معهم بهدوء لتبث الراحه بنفوسهن بأن رفيقة الدرب بخير.. أنهى عبد الرحمن عمله لينحني قليلاٍ قائلاٍ بحزن: حاسة بأية يا جيانا؟.
أستدارت بوجهها له لتهوى الدمع بلا توقف قائلة بصعوبة بالغة بالحديث: أ د ه م. (أدهم). أشار لها بأبتسامة بسيطة: متقلقيش هشوفه فين وأطلبه يجي حالا.. أشارت بوجهها بدمع يتلألأ بعيناها، أستقام عبد الرحمن بوقفته ليستدير لأحمد بنظرات فهمها على الفور فأشار له بعدم معرفته بمكان النمر، زفر عبد الرحمن بغضب مما سيفعله أدهم بمفرده فخرج من الغرفة سريعاً ليتابعه أحمد على الفور للخارج.
عبد الرحمن بغضب: أزاي تسيبه يخرج من هنا لوحده يا أحمد.. أجابه الأخر بحزن: مجاش فى دماغي حاجه غير أني أطمئن على أختي.. زفر بمحاولات التحكم بذاته: ربنا يستر وميكنش وصل للحيوان دا.. : أيه الا حصول.. كلماته منبع للثبات تبث الرهبة بمن يستمع لصوته الصارم، أستدار احمد وعبد الرحمن على صوته ليجدوه يقف أمامهم بثبات، آبتلع أحمد ريقه بأرتباك: مفيش يا جدي.
ضرب الأرض بعصاه الأنبوسية كدليل على غضبه العاصف: هتكذب عاد!.. ثم تقدم ليقف أمامهم قائلاٍ بنبرة لا تحتمل نقاشات: واد عمك فين؟. حسم عبد الرحمن قراره ليقص عليه ما أخبره أدهم به ليتكور الغضب عين طلعت المنياوي فأخرج هاتفه سريعاً ليطالب معاونة رفيق الدرب...
بقصر حازم السيوفي .. أنهت الترتيبات بالقصر بزواج حنين وحمزة فتبادل البعض التهاني، وقف زين لجوار حازم قائلاٍ بقلق: مش معقول أن محدش منهم يجي كدا أكيد فى حاجة أعتدل حازم بوقفته قائلاٍ بلهفة: ربنا يستر كلم أدهم وشوف فى أيه؟ أجابه بضيق: تلفونه مقفول أردف الأخر سريعاً: خلاص كلم أحمد.. جذب زين الهاتف وبالفعل طلب أحمد ليخرج صوته الغاضب: أزاي يا أحمد متقولش.. طب أنت فين دلوقتي؟
خاليكم مكانكم أنا جايلكم حالا.. وأغلق الهاتف ليسرع لسيارته بعد أن قدم التهاني لحمزة ليرحل سريعاً، صعد لسيارته وكاد بالتحرك ليجد حازم لجواره، أشار له بغضب: مش هينفع يا حازم لازم تكون جانب أخوك.. رفع عيناه الرومادية بضيق: لو فاكر أني ممكن أتخل عنكم فى الظرف دا تبقى هتضيع كل وقتك هنا.. إبتسم زين بسخرية: مع بعض للجحيم..
تعالت ضحكات حازم ليقطعها صوت السيارة بعدما تحرك بها زين سريعاً ليلحق باحمد وعبد الرحمن...
ظلت لجوارها تشاركها البسمة حتى أنتهي الحفل فبحثت عن معشوقها بأستغراب من عدم وجوده، اقتربت من حمزة قائلة بتوتر: حازم فين يا حمزة؟ رفع عيناه الهائمة بشرارة غامضة: معرفش يا رهف بس تقريباً خرج مع زين، متقلقيش.. أشارت له ببسمة هادئة فكادت الصعود لغرفتها لتركهم بمفردهم، توقفت عن الصعود حينما صاح: رهف.. أستدارت قائلة بثبات: أيوا.. تطلع حمزة لمن تجلس جواره بصمت قائلاٍ بغموض: عرفي حنين مكان الأوضة.
تعجبت كثيراً فكادت الحديث ولكنها صعقت حينما تركهم حمزة وغادر بصمت، دمعاتها تخفت خلف ستارها الأبيض وهى ترى بعيناها مصيرها المجهول الذي كان أختيارها، نهضت عن الأريكة المزينة لتقترب منها بأبتسامة باهتة، أردت رهف الحديث معها لمعرفة الأمر الغامض بينهم ولكن فضلت الصمت حتى لا تكون غير مرغومة على الحديث.. أتابعتها حنين للأعلي فأشارت لها رهف على الغرفة ثم توجهت لغرفتها هى الأخري...
، جذبت النقاب عن وجهها لتنفجر بنوبة بكاء حادة تخرح بها ما يكبت بذلك القلب، لا تعلم لما تشعر بذاك الشعور المميت، كلماته تترنح بعقلها كأنها تتعمد أن تدعسها بلا رحمة، تعلم الآن بأنه سيتزوج بها للأنتقام عما تفوهت به فربما الآن صارت شكوكها حقيقة... أما بالأسفل... خلع عنه جاكيته والجرفات الخاص به بضيق ليجلس أرضاً بالهواء الطلق، يسارع هذا القلب العاشق والعقل المنتقم..
لا يعلم كم ظل هكذا من الوقت كل ما يراه أمامه طريقان أحداهما يسلكه قلبه والأخر أنتقامه اللعين، نعم هو بحاجة للقرار فالآن لم يعد هناك مفر له...
نهض حمزة بعد أن طال وقته بالتفكير الغامض فصعد للأعلى بخطاه المترنحة، فتح باب الغرفة ليجد الظلام الدامس حائل بالمكان والغرفة يطوفها السكون، لمحها تجلس أرضاً بركناً صغير محتضنه جسدها بذراعيها، أقترب منها حمزة بخطوات ثابتة بعض الشيء، تطلع لها طويلا ليتمكن من رؤية ملامحها بوضوح ولكن الظلام لم يمنحه الفرصة لذلك، قلبه عُصف بقوة وهى يرى تلك الفتاة التى لا طالما زرع صوراً لها وها هى أمام عيناه ولكن لا يتمكن من تحديد ملامح وجهها!، يرى فقط حورية تحتضن ذاتها بحزن، ملامح وجهها غامضة بعض الشيء ولكن شعرها الغزير كان أشد سواد من الظلام الكحيل فكأنه تعمد أن يحميها حينما أخفى حصرها ببراعة...
أقترب حمزة ليجلس بالقرب منها فكان الضوء متسلط عليه قليلاٍ كان يجلس بصمت مستنداً برأسه على الحائط متعمداً عدم النظر إليها... طال الصمت بينهم لتقطعه هى حينما قالت بدموع: مستنى أيه يالا خد حقك مني بعد الكلمتين الا قولتلهم أو الحقيقة الا وجهتك بيها عشان كدا قررت تتجوزني تاني.. إبتسم بسخرية لتكمل بدموع وهى تهم بالنهوض: مفيش فايدة من الكلام مع أمثالك لأنك أحقر ما يك...
إبتلعت باقي كلماتها بصرخة مداوية حينما جذبها إليه بقوة وغضب، أغلقت عيناها برعب من مصيرها على يديه، شُلت أصابعه وهو يرأها عن قرب، بقي ساكناً للحظات يتراقب ملامحها ببطئ كأنه يختم صورتها بعيناه قبل أن يختمها بذاك القلب المهوس بعشقها قبل رؤية هذا الوجه، شعرت بتحرر يديه ففتحت عيناها لتراه أمامها، عيناه تتأملها بنظرات كالمشروب فجعلها كالفاقدة للوعى تحت تأثير تلك النظرات الفتاكة، بقيت تتأمله وهو هكذا، غامت العينان ببعضهم البعض فشعرت بطوافة من الآنين تقذفها بقوة لأحضانه الدافئة...
نهض حمزة ليجذبها إليه فقطع تلك اللحظة قائلاٍ بألم: رغم ظلمك المتواصل ليا مش قادر أكرهك كل ما بحاول بفشل للأسف... أنتفض جسدها بين يديه فتركها قائلاٍ بنبرة محطمة كحاله: حبي ليكِ خالني ضعيف لدرجة أني بكره نفسي بجد.. وتركها وغادر بصمت لتجلس على الأريكة ببسمة رسمت تلقائياً بعدما أستمعت لسحر كلماته، ترنمت الكلمات بقسوة لتجعلها تفق على حقائق أعتقدت بأنها أطالت الأمور..
بمكانٍ أخر... صاح بخوف: المعلم لو شم خبر أن البضاعه أتمسكت ممكن يخلص علينا كلنا.. أجابه الأخر برعب: طب والحل مهو كدا كدا لأزم يعرف.. زفر بضيق: يعرف بطريقته هو أحسن ما نقوله أحنا. كاد الأخر أن يجيبه ولكن سرعان ما تخلي عن كلماته حينما ولج آسلام السلاموني للداخل ليجلس على مقعده المقزز قائلاٍ بغضب: فاكر أنك بقيت معلم وهتعرف تتحكم برجالتي يالا...
آبتلع ريقه برعب فى محاولات عديدة بالحديث ليقطعه بأشارة من يديه قائلاٍ بغضب: مش عايز أسمع صوتك غور هاتلي حاجة أشربها.. أنصاع له برعب: عيوني يا معلم.. وتوجه للخارج سريعاً قبل أن يطوف به الموت، شُعلت نظراته بضيق بعد ما حدث بأمواله الملوثة بدماء الأبرياء، طال أنتظاره فزفر بغضب: شوف الحيوان الا بره دا أتاخر ليه؟
أشار له سريعاً وخرج يتفحص هذا الأحمق الذي حطم أحد قواعد هذا اللعين آسلام السلاموني ولكنه صعق حينما رأه جثة هامدة، تراجع للخلف بصدمة حينما أقترب منه هذا النمر القاسي بعيناه الشييهة لزفاف الموتى، تعثرت أقدامه ليسقط أرضاً بعدما تراجع ليصبح بالداخل... أستدار أسلام السلاموني قائلاٍ بستغراب: فى أيه يا زفت؟
طالته بعدما ولج للداخل كانت رداً على كلمته لينهض عن مقعده برعب حينما رأى أدهم أمام عيناه، نظراته تكاد تحرق من أمامه من شدة غضبه، طالت صدماته قائلاٍ بصدمة: أنت؟ رفع قدميه ليحطم عنق أخر رجاله قائلاٍ دون النظر إليه: كنت متوقع حد تاني؟ إبتلع ريقه برعب فأستدار لجواره يتفحص السلاح الأبيض ليحمله قائلاٍ بصدمة: وصلت هنا أزاي؟
أقترب أدهم بخطاه الثابتة ليستند بقدمياه على المقعد قائلاٍ بسخرية: هو أنت كنت فاكر أن العشة دي هتقدر تحميك بعد الا عملته ولا أفتكرت أن مكاتك لغز خفي صعب الوصول له.. أرتعب كثيراً ليبدأ بالحديث بعنف: جيت لقدرك.. أستكمل حديثه الساخر: مستعجل على موتك وأنا هكرمك.. وصاح بصوت مرتفع ليلبي أحد من رجاله نداءه الحامل للجبن ولكن الخذلان كان مصيره حينما لم يستجيب له أحد..
إبتسم أدهم بسخرية: الميت أحياناً بيبقى سمعه تقيل.. تراجع للخلف برعب فكيف تمكن من القضاء على رجاله الأقوياء!. جذبه أدهم ليلتقى بعيناه الهائمة قائلاٍ بغضب: هديتك وصلتني بس وأنت جبان ومستخبي هنا زي الفار أنا حبيت أوصلك هديتي أنا كمان بس وش لوش زي أيه راجل ولكمه أدهم بقوة ليستلقى أرضاً فى محاولة للهروب ولكنه قد سقط ضحية نمر طاف به الغضب ليجعله كالفهد..
ناوله لكمات قاتلة فكان مغيب لا يرى أحداً أمامه سوى أخر نظرات لمعشوقته قبل أن تفقد الوعى كأنها تذكره بوعده لها، رؤية جسدها الهزيل بين يديه منحته قوة تفوق قوته ليحمله بذراعيه على أحد الحوائط لينهي حياته... طوفت الشرطة المكان فولج حازم وزين سريعاً ليتخشب كلا منهم من الصدمة، أسرع زين إليه فى محاولة بائسة بتحرير الرجل بينما صرخ به حازم بجنون: سيبه يا أدهم متوديش نفسك فى داهية..
لم يستمع لهم فكان مأسور من قبل نظراتها القاتلة، نظرات تمنى الموت والهوان على أن يتذكرها مجدداً.. نجح زين بصعوبة بمساعدة حازم بشل ذراعيه لتسرع الشرطة بالقبض عليه بعدما تمدد أرضاً يلتقط أنفاسه بصعوبة ونظراته تخترق أدهم بخوف كأنه رأى شبحاً ما يتوعد له!. خرج مع أحد عناصر الشرطة للسيارة بصعوبة بعد أن لقى جزائه من الضرب المميت.. حاول حازم تهدئة أدهم بينما وقف زين مع المقدم يستمع له بثبات...
المقدم بهدوء: وصلنا بالوقت المناسب والا كان أدهم ممكن هيكون له وضع تاني، الا حصل للحيوان دا أنا هسجله بالشرطة أنه حاول يهرب وأحنا قومنا معاه بالواجب إبتسم زين بأمتنان: بشكرك جداً يا سيادة المقدم.. أجابه الاخر بضيق: مفيش داعي للشكر الا زي دا حلال فيه الموت...
وغادر المقدم ليقترب زين من أدهم، جلس لجواره بفترة من الصمت يوزع نظراته بين النمر تارة وحازم تارة أخري ليقطع سيل الصمت بملل: متقولش أنك بتعز الحيوان دا لدرجة تخليك حابب تقعد بالمكان الزبالة دا كتير.. أستدار أدهم بوجهه له وكذلك فعل حازم لتطول نظراتهم لتنتهي بسيل من الضحكات الرجولية...
حازم بصعوبة بالحديث: هو بيعزه بس دا هيفتكره طول العمر، بعد الا شافه النهاردة أعتقد هيختم الأجرام بشهادة موقعة من وزير الصحة والبيئة.. زين بسخرية: أنا خايف المقدم يتوه عن الا حصل ويدخل سلاموني بسجن النسا.. لم يتمالك النمر زمام أموره لتتعال ضحكاته لأول مرة بينهم فكان فتاكٍ حقاً، شركوه الضحكات ليجذبه حازم بضيق مصطنع: قوم يا عم شوف مراتك ومتقلقش خالص حقك رجعلك كامل بدون تداخل الشرطة..
نهض النمر وتتابعهم للخارج ليصعد كلا منهم بسيارة زين ليتواجه للمشفي...
بالمشفي.. أحمد بقلق: مفيش جديد يا عبد الرحمن وضع الهاتف بسرواله قائلاٍ بأبتسامة هادئة: زين طمني الشرطة قبضت على الكلب دا هما بطريقهم لهنا.. سعد أحمد كثيراً ولكن سرعان ما تبدلت ملامحه للأستغراب: بس أزاي زين وحازم عرفوا مكان أدهم والحيوان دا؟ أجابه الأخر بذهول: والله الوقتي كل حاجه هتكون على المكشوف..
بالداخل... تراقبت عيناها الغرفة بتلهف لرؤياه غير عابئة بأوجاع جسدها المؤلمة، دقات قلبها تخترق صدرها بقوة لتلتقي به بعد أن شعرت بأن الموت كاد أن يفرقهما، منحها الله الصبر لتكون مكافأته رؤياه...
ولج للداخل بخطاه الثابت ليجدها أستعادة وعيها ونظراتها مركزة عليه كأنه لم يعد بالعالم أمامها سواه، أقترب منها أدهم ببطئ فرفعت يديها بتعب شديد وهى تردد حروف أسمه ببطئ شديد ودموع أشد، أحتضن يدها بين يديه ثم جلس لجوارها يحتضن وجهها بحنان يديه الأخري.. بكت نجلاء قائلة بصوت متقطع: هي كدا من ساعة ما فاقت منطقتش غير أسمك ورافضه تأخد أيه دوا..
تركتهم بمفردها وأغلقت باب الغرفة لتدع العاشق المتلهف من التوق برؤياها، جاهدت للحديث ولكن فشلت فأكتفت بالتطلع له بدموع وهمسٍ متقطع.. حملها لصدرها ليدفن رأيها بين رقبته حتي يتمكن من سماعها لتتعلق به كالطفل الصغير قائلة بدموع: ك ن ت خ ا ي ف ة ا م و ت و م ش ف ك ش ت ا ن ي (كنت خايفة أموت ومشفكش تاني )..
أغلق عيناه بقوة للفظها ذكر الموت فردد جوار أذنيها بهمسٍ حزين لآلمها: قولتلك قبل كدا مستحيل أتخل عنك وربنا عارف أد أيه بعشقك مستحيل يقبل يكسر حد بيقول يارب وأنا على طول بدعي يكون يومي قبل يومك يا حياتي ودنيتي وكل حاجة بملكها. أبتسمت بوهن وهي تتعلق برقبته لتهمس بأذنيه بضعفٍ أشد: أم ن ت ي ك ا نت أ نت د ل وقتي ما ليش امني ات تا نية... (أمنيتي كانت أنت ودلوقتي ماليش أمنيات تانية ).
أرتعب قلبه لحديثها فسعلت بقوة لتحاول الحديث مجدداً: أخ ر أ م ن ي ة أتمنتها من ك ا م ي و م كانت طفل منك، (أخر أمنية أتمنتها من كام يوم كانت طفل منك ).. عاد الأنهاك ليشكل معالم وجهها لتشدد من أحتضانه بجنون كأنها تحتمي من شيء ما يخترق جسدها، أخرجها من أحضانه قائلاٍ برعب: فى أيه يا حبيبتي؟ حاسه بأية؟.
رفعت يدها بصعوبة على وجهه كأنها بمحاولة مستميتة للبقاء فأردت بهم أن تحفظ عيناها وأصابعها ملامح وجهه لتسقط يدها ومعه جسدها على الفراش وهو بصدمة من أمرها ليحملها لصدره مجدداً بهدوء: جيانا.. لم يأتيه الرد فتطلع لملامحها المستكينة ليصيح بقوة وصراخ: جياناااا فوقي، أنتِ مستحيل تسيبني ردي علياااا...
ولجوا جميعاً من الخارج فأسرع إليها عبد الرحمن يتفقد أمرها بزعر بينما تمسك أدهم بذراعيها يقبله بجنون وعيناه تراقب أشارات وجه إبن عمه، تصنم محله ليكون وجهه أشارة للجميع حتى زين وحازم لتصيح بالغرفة نوبة صراخ وعويل، أغمض أدهم عيناه بقوة لتعصف دمعتين من عيناه كأنهن عهداً من الزمان فلأول مرة كان ضحكاته لها واليوم دمعاته لأجلها هي... صرخت ريهام بجنون وعدم تصديق: لاااا بنتي لاااااا.
حاول أحمد بالتحكم بها ولكن لم يستطيع فخر أرضاً مستسلم للبكاء فهى شقيقته وصديقته المقربة... وقف طلعت المنياوي يتأمل الوجوه بثبات مصطنع فأمر أحد الممرضات أن تخرج جيانا من الغرفة سريعاً حتى يتمكن من السيطرة على الجميع، أشار لعبد الرحمن فتفهم الأمر ليضع على رأسها الغطاء الأبيض كأعلان نهاية حياة للنمر... كان يجلس أرضاً جوار الفراش، يدها بيديه وكلماته تترنح بعقله فأغمض عيناه بألم لتصدح كلمات بداخله...
جذبت الممرضة التخت بقوة لتخرجها من الغرفة فلم يتمكن أحد من منعها فالجميع بصدمة مريبة مما يحدث، تخشب التخت محله فتصنمت الممرضة وأستدارت لترى ماذا هناك؟، تعلقت نظرات الجميع بصدمة بذلك الرابط القوي بين الفراش وأدهم، تمسك يديه بيدها كان حاجز للجميع، ظنوا أن أدهم من منع التخت بالتحرك ولكن زادت صدمتهم حينما فتح عيناه المغلقة بصدمة لينهض ويقترب من الفراش برجفة تسري بجسده فرفع الغطاء عنها ليجد نظراتها تطوفه ويدها مازالت تتشبس بيديه هكذا هو العشق، زرع بأعين الجميع الدمع والبسمة الصادمة، زاح الدمع بأعين الجبل طلعت المنياوي، سجل بتاريخ العشق ليكون مميزاً من نوعه، عشقٍ عصف بالأمد وتخطى الصعاب لتربطهن رابط عاصف ليس تعلق النبضات ببعضهم البعض ولا حاجز الروح السائدة عشقٍ بث من الأعماق فكان بحاجة لمن يزيح عنه الغمامة ليظهره للنور، ليحطم القناع الخفي عنه ليظهر بقوة لا مثيل لها...
أقترب منها أدهم غير عابئ بمن حوله ليحملها بين ذراعيه عن ذلك الفراش اللعين ومن ثم يطوف بها لأحضانه بدمع تناثر علي كتفيها فجعلها تعلم كم هي أغلي منه إليه كم هى أنشودة يختلط بها الدمع والوجدان كم هى أقصوصة عشقها وسيظل يعشقها للأبد...
رواية القناع الخفي للعشق آية محمد رفعت الفصل الحادي والثلاثون والأخير
تركها وخرج سريعاً ليقف أمام الشرفة بضيق ود أن ينجح ذاك الهواء البارد أن يخترق صدره ويخرج ما به، لا يعلم كم ظل هكذا فقط عيناه تتراقب الخارج بنظرة مطولة، أحتل وجهه الذهول حينما شعر بملامس أصابع رقيقة على كتفيه تكاد تخترق أضلاعه فتلمس ذاك القلب، أغلق عيناه بقوة يجاهد للبقاء على وعيه فما يحدث ليس سوى مجرد سراب!، هكذا نبش له هذا العقل اللدود، أستدار ببطئ ليحطم حاجز الحقيقة والخيال ليجدها أمام عيناه، تقف بحزن ودموع تغزو عيناها التى تفترش الأرض بخزي مما تفعله، فكيف ستخبره بأن كلماته حطمت حواجز القلب والوجدان؟، كيف تخبره بأنها رأت أن ما فعلته جُرم فاضح بحقه؟..
بقى حمزة يتراقبها قليلاٍ ليستوعب ما يحدث فلم يجد ذاته الا حينما لامست أصابع يديه وجهها لتزيح تلك الآلماسات الغالية بحنان طغي على كبريائها فنزعه عنها لتلتقي بعيناه الدافئة بعشقها، قربها لتقف أمام عيناه يتأمل صمتها بفضول ولهفة بسماع قرارها من المجيئ لخطاه، جاهدت لخروج الكلمات فوضعت عيناها أرضاً قائلة بخجل: أسفة يا حمزة أنا قسيت عليك بكلامي أوي و...
إبتلعت باقي كلماتها بخجل حينما أحتضنها بقوة هامساً بعشق: متعتذريش يا حنين اللي حصل دا كان سببه أنا مش أنتِ.. ثم أبعدها عن أحضانه لترى عيناه الملونة بالصدق والعشق: الماضي عمره ما كان بالأيد بس اللي جاي هغيره بحبك أنتِ أوعدك أنك مش هتندمي أبداً وأنتِ معايا.. وقربها لصدره لتستمع ضربات قلبه العاشق ومن ثم أصطحبها لترى صدق كلماته فى معزوفة عشق خاصة...
بالمشفي... أغلق عيناه بقوة ومازالت بأحضانه يحاول مسرعاً أن يمحى تلك الكلمة المريرة من ذهنه، لا معشوقته مازالت على قيد الحياة، بين يديه تهمس بأنفاسها المتقطعة من شدة أحتضانه لها، جذبها أدهم بأصابع يديه المرتجفة ليرى وجهها بتفحص ليراها تتأملها ببسمة ودموع تغزو وجهها بسعادة لعشق النمر المتمرد على هذا القناع الخفي فظهر بوضوح، أزاح دمعاتها بيديه قائلاٍ بصوتٍ مرتجف: ليه بتعملي فيا كدا؟، لييه؟.
تعلقت بين ذراعيه كالطفل الصغير لتقربه إليها حتى يستمع همساتها الضعيفة: عشان بحبك... إبتسم بتهكم علي حالها فأحتضنها مجدداً قائلاٍ بحزن: لو تعرفي أد أيه أنا بعشقك مش هتفكري تعيدها تاني.. وحملها أدهم لينهض ببطئ فجذب أنتباهه عائلته وأصدقائه فمنهم من يبكي والأخرون يتأملون ما يحدث بصدمة وذهول...
خرج بها لمكتب الطبيب فوضعها على الفراش الطبي ثم طلب منه أن يتفحصها مجدداً وأن يصرح لهم بالخروج فلم يعد يحتمل البقاء بذلك المشفي اللعين من وجهة نظره، تفهم الطبيب ما يمر به وقدم له الأشاردات للتعامل معها...
بمنزل طلعت المنياوي ... كانت تجلس كلا منهم بجانب معتم، البكاء يشكل على وجوههم بخوف على جيانا... زفرت ياسمين بغضب: أحنا هنفضل كدا كتير دا حتى تلفوناتهم مش بيردوا عليهااا.. أجابتها صابرين ببكاء: وأحنا يعني بأيدنا أيه نعمله؟ دا حتى مكان المستشفي منعرفوش!.. مكة بصوت متقطع من البكاء: طب حاولي يا صافي تكلمي عبد الرحمن تاتي يمكن تلفونه أتفتح..
أجابتها غادة مسرعة بدموع كالسيل: او شوفي ضياء ويوسف هما أكيد زمنهم وصلوا هناك.. أشارت لهم بهدوء ورفعت هاتفها فى محاولة للوصول له، تعجبن كثيراً حينما صدح صوت هاتف عبد الرحمن بالخارج فركضت مكة قائلة برعب: عبد الرحمن بينه بره...
خرجت لشرفة المنزل الخارجية لتجد سيارة بالخارج وأدهم ينحني بجسده قليلاٍ فخرج حاملها بين ذراعيه ليتوجه لشقته بالطابق الأول ووالدتها ونجلاء يلحقون به، هرولت غادة لحجابها ومن ثم توجهت إليهم بلهفة لترى شقيقاتها فلحقت الفتيات بها بلهفة...
صعد بها النمر للأعلى بحرص كأنه يحمل قلبه الرقيق بين يديه ففتح أحمد الباب سريعاً ليضعها على فراشه الوثير بعطره المختوم، تأمل وجهها الهزيل بحزن وحطام تربص به فرفعت والداته يدها على كتفيه بحنان: هتبقى كويسة يا حبيبي متقلقش.. أكتفى بأشارة بسيطة لها ثم رفع يديه لأحمد قائلاٍ بحذم وثبات: هات الرشته يا أحمد هنزل أجيب العلاج.. أشار له بهدوء: هنزل معاك..
لم يحتمل أن يتجادل معه فتوجه للخروج بصمت ليلحق به أحمد على الفور... صعدت ياسمين وصابرين للأعلي فأقتربت منه قائلة بقلق: طمني على جيانا يا عبد الرحمن. رفع عيناه ليجدها أمامه بوجهاً تعتليه حمرة من كثرة البكاء فأحتضن يدها بين يديه بحنان: متقلقيش يا حبيبتي جيانا بخير.. أشارت له بفرحة ثم أتبعت ياسمين للداخل ليجلسوا جميعاً جوارها...
صعد الحاج طلعت للأعلى بصحبة حازم وزين وأبنائه الثلاث فجلسوا بالقاعة الخارجية ليبدو عليه الحزن والقلق بعد يوماً قضوه بأصعب ما يكون.. خرج صوت زين بحرص: مفيش داعي للحزن دا يا جماعة الحمد لله أحنا أطمنا عليها والدكتور طمنكم!. أجابه طلعت بيقين: الحمد لله يا ولدي كنا فين وبجينا فين، أني كنت خابر زين أن الحيوان دا مهيسكتش غير لما يأخد بطاره من أدهم بس مجاش فى دماغي أنه يأخد طاره من حرمة!.
إبتسم حازم بخفة: دا مجرم حقير يا حاج معندوش فرق بين الست ولا الطفل لأنه معدوم الضمير والأنسانية... آبراهيم بأبتسامة رضا: الحمد لله أنها جيت على قد كدا ولج يوسف للداخل لينضم لهم قائلاٍ بعد تفكير لزين: بس أنا عايز أعرف ازاي قدرت تعرف مكان أدهم والحيوان دا بالسهولة دي الشرطة لو كانت أخدت وقت بالبحث عنه كانت هتأخد وقت ما يقلش عن ساعات!..
أجابه زين وعيناه على طلعت بفخر: أنا طلعت على المكان اللي أدهوني الحاج... تطلعوا جميعاً إليه بتعجب فرفع عيناه بهم بحذم: فكرني نايم على وداني إياك أني الحاج طلعت المنياوي متهغفلش واصل. ربنا رايد أن يحوصل إكده فى بنتنا وأنى مجدرتش أعرف كيف بيخطط لكني كنت خابر بمكانه وبراقبه زين عشان ميأذيش حد من أحفادي. زادت نظراتهم بالفخر والصمت حليف كلا منهم فحتى الكلمات لا تعلم كيف تثني على هذا الرجل!.
صعد النمر للأعلى بعدما جلب ما طلبه الطبيب، أمر طلعت المنياوي بعودة الجميع لمنازلهم فالوقت بات متأخر للغاية حتى مع رفض ريهام أن تترك إبنتها ولكن أمام أصرار أدهم وطلعت عادت لترتاح قليلاٍ...
وضع ما بيديه لجوارها ثم خلع عنه جاكيته، أقترب منها ليتمدد لجوارها يحرر عنها حجابها، ظل لجوارها يتأمل ملامحها بتفكيراً طال بخوف من فكرة قد شُعلت لتصديقها لا فراقها بعيد المحال عن ذاك القلب فربما سيكون بأقسى أختبار له... رفع رأسها ببطئ لصدره ليقرب منها زجاجة المياه والدواء قائلاٍ بهمساً خافت حتى لا يزعجها: جيانا.
فتحت عيناها بتعب شديد لتجد عيناه دوائها، ربما تسرب آلمها بأكمله وربما تعمد ان يمتص ما بها بنظرته المطولة لها، تناولت الدواء من يديه وبداخل قلبها قسم أنه سيكون سريع الشفاء فكيف لعاشق يتبعها بالدعاء لله وبعشقه النابع بأن يخذل؟!..
وضعها مجدداً للفراش حينما أستمع لصوت آذان الفجر يعلو بالأنحاء، ها قد حان وقت السكينة للطلب والرجاء، أسرع ليتهيئ بلقاء مع الله عز وجل فى علاه ليقترب ويلقى التحية مردداً بصوتٍ خاشع الله أكبر، نعم هو الأكبر والأقوى، نعم هو من سيلبي ندائك له، هو من سيجيب دعواتك فهو عند حسن ظن عباده وأنت ظننت الخير به، وقف النمر يردد الآيات القرانيه بصوته الخاشع بعد أن أختار البقاء بالمنزل ليكون جوار زوجته فأن غاب عنها للمسجد سيشعر بالقلق حيال أمرها...
طال بالسجود وهو يبكي ويتضرع لله أن يشفيها، أن يشفي من عشقها وتوجها فأصبحت الأختيار له على القلب، طال سجوده بألحاح لطلبه بأن تعود مثلما كانت أو يلقى بأوجاعها بصدره هو، فلن يحتمل صراعها كثيراً... أنهى صلاته وتمدد لجوارها بأعين تشتاق لرؤياها هي غير عابئ بعيناه التى تجاهد للراحة قليلاٍ فربما القلب كافي لشعوره بها...
عاد زين لمنزله بعد أن طلب منه طلعت ذلك فصعد لغرفته ليرتاح بعد قضاء ليلاٍ شاق... أغلق باب الغرفة ليجدها تجلس على الفراش بدموع أكدت له أن بكائها لمدة طويلة، أسرع إليها زين بلهفة فجلس جوارها قائلاٍ بستغراب: مالك يا همس في أيه؟
رفعت عيناه به طويلاٍ فى محاولة لكبح زمام أمورها فلم تتمكن من ذلك لتنهال عليه باللكمات الحاملة لغضب عاصف ودموع قوية فتكت بها، حاول زين التحكم بيدها ؛ فكورها بين يديه ببراعة ليتطلع لها ببرود فكيف ستصيبه بالآلم ويدها كالفراشة الرقيقة من قباع أنظاره؟.. رفعت عيناها له بدموع كادت أن تقتله ليقول ببرود: أنا كنت شاكك من الأول أن دي أعراض ما قبل الجنون ودلوقتي أتأكدت..
دفشته بعيداً عنها لتصرخ بغضب وبكاءاً جامح: أنت كنت فين كل دااا سايبني هموت من القلق ولا على بااالك تلفونك مقفول ومش عارفة أوصلك أنا كنت هتجنن من القلق... تطلع لها بملامح لانت لرؤية دموعها فحاول الأقتراب قائلاٍ بهدوء: موبيلي فصل شحن مش متعمد أقفله وبعدين أنتِ عارفة أنا رايح فين وأكيد كنت هتأخر... صاحت بصوت متقطع من أثر البكاء: تتأخر لوش الفجر!..
رفع يديه حول معصمها قائلاٍ بثبات: طب ممكن تهدي ونقعد نتكلم وأنا هحكيلك كنت فين؟.. دفشته بعيداً عنها لتصرخ ببكاء: مش عايزة أعرف حاجه... وتركته وكادت بالرحيل ولكن تعثرت قدماها لترفع يدها على رأسها سريعاً وتصرخ بصوتٍ خافت من الآلآم لتستقر أرضاً فاقدة للوعي وسالبة أوتار قلب الزين ليهرع إليها بلهفة وجنون ؛ فحملها للفراش وأسرع لهاتفها يستدعى أحد الأطباء الذي أتي بالحال...
ضربات قلبه تكاد تعلن الوقوف عن العمل وهو يتراقب ملامح الطبيبة فشعر بأنه هو الذي على وشك أن يفقد وعيه... نهضت الطبيبة بعدما أتت الممرضة لها لتزف لها نتيجة الأختبار فتحولت نظراتها لزين قائلة بهدوء: زي ما كنت شاكة.. أجابها بلهفة ورعب: شاكة فى أيه؟. أجابته بأبتسامة عملية: المدام حامل ألف مبروك..
وقع الخبر على مسمعه كالفرحة العارمة التى لا يستعبها الزين فأخرج من جيبه المال الوفير وقدمه لها فلا يعلم ما يفعله سوى أنها مازال واقفاً على قدميه... أقترب منها بعد رحيل الطبيبة ليحتضنها بثبات ففتحت عيناه بغضب حينما وجدته لجوارها فقالت بضيق: أبعد عني ليك عين؟ أجابها بأبتسامة هادئة: مبروك.. أجابته بأستغراب: على أيه؟. إبتسم وهو يتأمل موضع جنينها: أنتي حامل.. رمقته بنظرة سخرية: جبت حاجه جديدة مثلا!.
تطلع لها بذهول وغضب تلون بعيناه: يعني أنتى كنتي عارفة ومقولتليش؟. أجابته بعناد: أقولك ليه أنت اللي هتحمل فيه مثلا.. غضبه جعل الحزن يتسلل لها فوضعت عيناها أرضاً بخيبة أمل: كنت هقولك فى عيد ميلادك بس النصيب بقى..
إكتفى ببسمة صغيرة ليحتضنها لصدره بعشق ختمه بلهجته الساخرة: أممم كدا فهمت اللي بيحصل اليومين دول سببه أيه؟، بس برضو كان لازم تقوليلي أنا وصلت معاكِ لمرحلة أني كنت بخاف على نفسي وأنا نايم جانبك والظاهر كدا لازم أتأقلم.. لكمته على صدره بقوة وغضب فتعالت ضحكاته، وضعت يدها حول خصرها بغضب: برضو مجاوبتنيش كنت فين... عاد الحزن لوجهه فقص عليها ما حدث لجيانا لتهوى الدمعات على وجهها فعزمت على زيارتها بالغد..
صعد حازم للأعلى بعينان تشتاقان لرؤيتها، طافت الغرفة فباتت باليأس ليلمح نور مكتبه الخاص مشعل، وضع جاكيته على أقرب مقعد مقابله ثم توجه ليستند على باب الغرفة بهيام بمعشوقته وهى تحتضن مقعده الخاص تاركة الشرفة تنثر هوائها العليل لتخطف ضوء القمر على وجهها فتجعلها كالنسيم الدافئ، دميات الهواء تداعب خصلات شعرها بلا توقف فتجعلها كالنعام المرفرف بين أنسجة السحاب، ظلام الغرفة كالغيوم ولكن هالة الضوء تخطفها لتجعلها مميزة بالظلام...
أقترب منها حازم بهيام ليجذب المقعد المقابل لها ويجلس جوارها يتأملها بصمت، أطراف أصابعه تزيح الخصلات المتمردة علي عيناه فتقطع تلك اللحظة برؤية وجهها عن قرب، طال نظراته لها ونهاها بأن حملها للفراش ليتمدد جوارها مستيقظاً ليتأملها تارة وجنينه تارة آخري...
تميل القمر ليختفي بين زقاق الظلام ليعلن عن شمس يوماً جديد مميز للغاية، لتقطعه شمساً أنارت بنورها الذهبي العالم بأكمله... بشقة عبد الرحمن... أرتدى ملابسه سريعاً بعد أن أتاه أتصال هاتفي من المشفي لضرورة الحضور لجراحه متعجلة، خرج ليرتدى حذائه وعيناه تبحث عنها ليخبرها بأنه سيغادر الآن، وجدها تقف أمامه بالمطبخ شاردة للغاية، تحمل كوب من القهوة تعيد الملعقة به عدة مرات غير واعية لما هي به...
أقترب منها بأستغراب: صابرين... فزعت على صوته فسقط الكوب أرضاً ليصبح عدة أجزاء، أنحنت تلملم المحتويات بأرتباك: أنا اسفة كنت سرحانه شوية... وقف محله ثابتٍ لثواني يدرس ملامح وجهها بأتقان ليقترب منها ثم جذبها لتقف أمامه، حمل عنها الزجاج وألقاه بالسلة ليقف أمامها مجدداً قائلاٍ بجدية: مالك؟ رفعت عيناها بأرتباك فأعدت خصلات شعرها مراراً وتكراراً لا تعلم ما الذي عليها قوله...
ضيق عيناه بتفكير ليحمل حقيبته الصغيرة قائلاٍ بهدوء: عندي عملية حالا لما ارجع أشوفك.. وتركها وهم بالرحيل لترفع يدها على قميصه بتلقائية ودون وعي بما تقوله: أنا حامل.
تخشب محله لثواني ثم أستدار ووجهه متصلب بكامل قسماته، أنتبهت لما قالته فجذبت يدها ووضعت عيناها أرضاً بخجل، خرج عن صمته أخيراً بعد أن أحتضن رأسه قليلاٍ قائلاٍ بتوتر: أنتِ أيه؟، بدري كدا، أقصد يعني أنزل أجيب اللبس الوقتي ولا أجبله الببرونه، طب بقولك أيه متتحركيش خالص لحد ما أجبلك دكتورة نسا كويسة أه مش هتأخر... لم تتمالك زمام أمورها فتعالت ضحكاتها قائلة بسخرية: هو أنا بقولك أنا هولد!..
عاد لرشده بعد ثواني من كلماتها فأحتضنها بجنون ليقبل رأسها بعشق: ربنا يحميكِ أنتِ وهو يا حبيبتي ويكملك على خير.. إبتسمت بخجل فأحتضنها مجدداً ليهمس لها بالعشق فلم تحتمل كلماته لتسرع بالحديث الماكر: أنت نسيت العملية المستعجلة ولا أيه؟!. إبتعد عنها بزعر: يا نهاررر وهرول لحقيبته قائلاٍ ببسمة واسعة: هنزل وهرجعلك بسرعة الريح..
تابعته ببسمتها الرقيقة ففتح الباب وتوجه للخروج ولكنه عاد سريعاً قائلاٍ ببسمة واسعة: لو بنت هسميها ملاك ولو ولد سيف بأذن الله.. وغادر تاركها بأبتسامة وفرحة كبيرة وهى تحتضن جنينها الصغير...
فتحت عيناها بعد عدد من المحاولات لتجد الغرفة فارغة للغاية، أستندت على الحائط بصعوبة بالحركة فيدها ملتفة بشاش أبيض يحجرها عن الحركة، توجهت للحمام الملحق للغرفة ولكن لفت أنظارها ضوء المطبخ الخاقت، جاهدت للوصول إليه وبالفعل وصلت لتفتح عيناها على مصرعيها حينما وجدت النمر يعد الطعام لأول مرة ويحضر دوائها بعد أن قام بتنظيف المطبخ والشقة بأكملها...
لم تشعر بدمعاتها ولا ببسمتها ترسم ببطئ فكم ودت أن تحمد الله على هذا الزوج... شعر بها أدهم فأستدار بوجهه لينزع عن خصره الرداء الخاص بالمطبخ وأسرع إليها قائلاٍ بلهفة: فى ايه يا حبيبتي أيه الا قومك من السرير؟. تطلعت لعيناه مطولاٍ ثم جذبت عيناها عنه قائلة بخجل: أنا بس كنت هدخل الحمام أغير هدومي وكدا.. إبتسم قائلاٍ بمكر: بس كدا عيووني وحملها بين يديه لتصرخ بخجل: رايح فين؟
أجابها بخبث بعد أن وضعها برفق أرضاً: هساعدك تغيري هدومك... وضعت عيناها أرضاً بأرتباك وقد تلون وجهها بأكمله بصعوبة فأبتسم ليقترب منها ويحرر يدها بلطف من الرابطة المتصلة بالعنق قائلاٍ بهمس: أنا بره لو أحتاجتي حاجة متتردديش... أشارت له بوجه أشبه لحبات الكرز فأزدادت بسمته الجانبيه عليها وخرج حتى لا يحرجها أكثر من ذلك...
حمل الطعام ووضعه على الكوماد وجلس بأنتظارها فأخرج هاتفه يطلب ضياء الذي أجابه على الفور... ضياء بقلق: أيوا يا أدهم جيانا كويسة؟ أجابه بثبات: متقلقش عايزك تقول لمكة تلبس وتجي تقعد مع جيانا لحد ما أرجع من الشغل ولو تعبت ولا حاجه تتصل عليا فوراً. اجابه بضيق: شغل أيه يا أدهم دا وقته؟ أجابه النمر بحدة ممزوجة ببعض الهدوء: فى أدوية لسه مطلوبة لجيانا وأنا لازم أشتغل عشان أقدر أجيب باقيتهم.
تنحنح ضياء قائلاٍ بثبات: طب ما تفضل جانبها وتطلب من جدو أو من بابا ي... إبتلع باقي كلماته على صوت الرعد الذي قطعه: ليه فاكرني سوسن عشان أطلب مساعدة من حد مراتي محدش يصرف عليها جنيه غيري، قول لمكة زي ما قولتلك وياريت توفر نصايحك الغالية دي لنفسك.. وأغلق الهاتف فأبتسم ضياء بفخر لرجولة أخيه الطاغية نعم فهو ذات شأن وكيأن...
إبتسمت وهى تتأمله بعشق بعدما حطم قواعده لترتيب المنزل وأعداد الطعام لها، تناولت ما قدمه لها بأبتسامة مشرقة فتناولته بنهم كأنها لم تتذوق الطعام لسنوات فلديه طعم خاص حينما يكون مصنوع بحبٍ وحنان، أنهت طعامها بين النظرات والهمسات فشعرت بأن مرضها قد أوشك على هجرها لدلال معشوقها، رفع الدواء لها فأنكمشت ملامحها لتتناوله بضيق ملحوظ ولكن تعجبت كثيراً حينما وجدت الدواء شهي للغاية فصفنت قليلاٍ تجيب على الأسئلة بعقلها، هل مذاق الدواء جيداً أم أنه معسول يداه وتخدير عيناه الساحرة؟!..
بقيت لوقتٍ لا بأس به تتأمله إلي أن نهض ووضع المال لجوارها قائلاٍ بهدوء: أنا لازم أنزل الشغل النهاردة يا جيانا بس متخافيش يا قلبي مش هتأخر وزمان مكة على وصول.. أشارت له ببسمة رضا وسعادة فقبل جبينها قائلاٍ بعشق متلهف: ربنا يشفيكي يا حبيبتي... وغادر النمر بعد أن زرع السعادة بقلبها فتناست آلآم جسدها المبرح لما فعله هكذا هو الراجل كما ينبغي... وبالفعل ما هي الا دقائق معدوده حتى وصلت مكة وظلت لجوارها...
بمنزل طلعت المنياوي ... دقت على الباب كثيراً حتى فتح لها فزفرت بضيق: كل دا عشان تفتح؟!. تأملها ببسمة مشرقة: يا أحلى صباح عدى عليا بالبيت دا.. جاهدت لتخفى بسمتها كثيراً وبالكاد فعلت لتقول بحذم: مكة قالتلي أخدلها عباية بيتي وأنا راحه عند جيانا..
وقبل أن تستمع له تركته وتوجهت لغرفة مكة تنقى ما تريد ثم كادت بالرحيل لتتفاجئ به يقف أمامها مستنداً على باب الغرفة بجسده، عيناه الزرقاء كالبحر العاصف بليلة صافية تبرز لون المياه الزرقاء كالنسمات... عبث بحجابها قليلاٍ قائلة بأرتباك: فى أيه يا ضياء ليه بتبصلي كدا؟. اقترب منها قائلاٍ بهيام: مش عاجبك نظراتي؟. أجابته بأرتباك وهى تحاول التراجع: لا.
إبتسم بمكر: بحاول أكون محترم لأبعد حدود بس الفرحة خلاص مش سيعني بعد ما لقيت شغل جانب الجامعه ومش فاضل غير شهر الأمتحانات وأكون مؤهل للجواز ونتجمع بقى.. إبتسمت بخجل فأسرعت للهروب من أمامه ليتابعها بنظرات هائمة... & هبطت صابرين لشقة جيانا فأنضمت لهم ياسمين وهمس بعد أن أتت مسرعة لرفيقتها ليقضوا يوماً منيز للغاية بين المزحات والضحكات، فشعرت جيانا بأنها أصبحت على ما يرام فماذا تريد أكثر من ذلك؟!..
ولجت ريهام وسلوي ونجلاء بطعام الأفطار ليسود الجو النسائي العائلي بالمكان وتتعال الفرحات بمعرفة حمل صابرين وهمس...
توجه زين لمكتب أدهم فولج قائلاٍ بأبتسامة مشرقة: أنا هبقى أب يا نمر.. كبت أدهم ضحكاته ليقول بسخرية: سبحان الله الجنان جاي لواحد واحد فيكم.. جلس زين على المقعد المقابل له بأستغراب: ليه مين اللي أتجنن تاني؟! إبتسم بسخرية: قصدك تالت، أحمد كان من يومين وعبد الرحمن الصبح وحضرتك دلوقتي.. تعالت ضحكات زين بفرحة: عقبالك يا نمر..
نهض قائلاٍ بأبتسامة غرور: مش الوقتي يا حبيبي أنا مش مستعجل أعيشلي يومين تلاته كدا على هوامش العشق.. زين بسخرية وهو يهم بالرحيل: بكرا نشوووف.. وتركه ورحل والسعادة تنير وجهه..
عاد من عمله فتوجه لشقة النمر ليرى جيانا، طرق باب المنزل ففتحت مكة لتتخشب قدماها وهى تراه أمامها بملابس الشرطة لأول مرة، وسامته كانت تاج تزين ذاك الحلي الأبيض، عيناه كالطوافة فتجذب من حولها بلا رحمة لتنغرس بجمالها الآخاذ... تأملها بأبتسامة هادئة: عاملة أيه يا مكة؟. عادت لأرض الواقع على صوته فأسرعت بالحديث المرتبك: الحمد لله أتفضل..
ولج للداخل فأقترب منها قائلاٍ بثبات: مش عايزك تتديقي أن الخطوبة أتأجلت أن شاء الله هعوضك بخطوبة محصلتش ولا هتحصل قبل كدا صحيح يعني هخاف عليكي من العين لكن اللي مطمني أني هكون جانبك.. شعرت بأن تنفسها يصبح بطيء للغاية فقالت بأرتباك: هروح أعملك قهوتك.. وهرولت للداخل سريعاً قبل أن تفتك بها نظراته فتراقبها بعشق قطعه حينما ولج للداخل ليري إبنة عمه...
عاد أحمد هو الأخر من العمل حاملاٍ لأطباق متعددة من الحلوي فوضعها أرضاً ثم بحث عنها ليجدها تلج من الخارج بعد أن أستمعت لصوت باب شقتها يغلق فعلمت بأن معشوقها قد عاد.. تطلعت للأريكة بأستغراب: ايه دا كله؟!. أقترب منها بأبتسامة زادته وسامه ليضع يديه على رقبتها بعشق: مفيش حمدلله على السلامة يا حبيبي الأول؟.
رمقته بنظرة ضيق فزفر بغضب مصطنع ؛ وقسماً بالله أنا جوزك أدخل أجبلك القسيمة من جوا نفسي أسمع كلمة بحبك قبل ما أموت حرام يا سوسو والله.. تعالت ضحكاتها قائلة بمكر: هتسمعها بعون الله وقريب جداً.. شُعلت عيناه بالحماس فقال مسرعاً: أمته؟ وضعت يدها على جنينها بمكر: البيبي هيقولك بحبك يا بابا.. تلونت عيناه بجمرات الغضب ليصيح بسخرية: يعني مش كفايا أنتِ لا كمان عايزاني أستنى الولا لحد ما ينطق ويقول بحبك!
وجذب الحلوي قائلاٍ بغضب: خدي أدي علبة لصابرين وجيانا وأنا وديت عند الجماعه هناك.. ورمقها بنظرة أخيرة محتقنة قبل أن يخرج من الشقة لتعلو ضحكاتها بأنتصار...
أنهت صلاتها بخشوع لتجده لجوارها يتأملها بنظرات مطولة، لملمت السجادة الخاصة بالصلاة ووضعتها لجوارها بخجل، فنهضت قائلة بأبتسامة هادئة: أعملك حاجة تشربها.. جذبها إليه بأبتسامة مكر: هتعرفي تنزلي للمطبخ لوحدك؟ أجابته بسخرية: ليه فى هنا وحوش... تعالت ضحكاته قائلاٍ بمغازلة صريحة: أخاف على الصوابع دول من النار... تلون وجهها قائلة بخجل: أبعد يا حمزة.. أشار لها بأبتسامة خبث: هو أنا جيت جانبك؟.
رمقته بنظرة شك فأحتضنها ليطوف بها بعشق فتعالت ضحكاتها بعهد لتنفيذ وعده بأنها ستكون ملحقها ، بمكانٍ أخر مظلم للغاية... تلوت ألماً والغل يسكن بعيناها فلم يخمد نيرانها ما فعلته بل أزداد أضعافاً مضاعفة، ولج عثمان إليها بأبتسامة زرعت لرؤيتها هكذا: أيه رأيك بالأقامة هنا؟.
رفعت راتيل عيناها التى تشبه الحية قائلة بغضب وغل: هتشوف هعمل فيك وفيهم أيه يا كلب فاكر أنك راجل وأنت مقيدني كدا أنت متعرفش الشر الا جوايا دا ممكن يعمل فيك أيييه لسه فى كتير هعمله معاك ومع حمزة الكلب ورهف هقبض روحها زي ما قبضت روحي، لو فاكر أنك كدا هتضاف على قايمة الرجالة تبقى مهوم أنت ولا تسوى يا حيوان..
شُعلت النيران بوجهه فجذب السكين الموضوع لجواره لينهي بها حياتها بكره لا طالما زرعته بالنفوس وها هى تحصده بنجاااح..
بالمساء... عاد النمر لمنزل طلعت المنياوي بعد أن علم من مكة بأن أحمد حمل جيانا للمنزل بأمر من جده لتظل برفقتهم طوال اليوم... وضعت نجلاء الطعام على الطاولة العربضة لتلم شمل العائلة مجدداً، جلسوا جميعاً لتناول طعام الغداء سوياً ليترأس الطاولة طلعت المنياوي كعادته بينما تمددت جيانا على الأريكة بعد أن رفضت تناول الطعام مجدداً...
تطلع لهم بعين تحمل السعادة لسماع مزحات أحمد ومشاكسات ضياء ويوسف المعتادة... قطع حديثهم صوته قائلاٍ بوقار: جعدتي معاكم أهنه ووسطيكم بالدنيا وما فيها..
تطلعوا له جميعاً ليكمل الجد: من سنين كنت بنبه على عيالي أنهم ميخرجوش من بيتي ده واصل فى أوقات كنت بشوف بعيونهم أسئلة كتير جوي جوابها أني محبتش أشوف كل واحد بحاله فى دوامة الدنيا زمان أخواتي تركوني ولا همهم أمري لأننا أتربينا إكده كل واحد يأخد ورثه ويطلع يبني دار بره ويشتغل عشان عياله مكنش ليا حد غير جدكم فزاع هو مكنش صاحبي لع كان أجربلي منيهم كليتهم، عشان إكده خاليتكم ببيت واحد عشان ميكنش لواحد فيكم أخ ولا أخت واحدة لع تكون جيش وعزوة لبعض وزي ما ربيتكم على إكده هتربوا عيالكم على نفس تربيتي، أني تعبت كتير لحد ما خليتكم آكده مش بالعلام لع بالأخلاق...
زادت نظراتهم بالأعجاب والفخر فتطلع لأحفاده الثلاث قائلاٍ بأبتسامة ثابتة: أوعاكم تكونوا فاكرين أني أضيقت أني عرفت أنكم المافيا الا رعبين الحارة كلتها لع أني كنت واثق فى تربية عيالي ليكم أكتر من أي حاجة وخابر كل واحد فيكم كيف أخلاقه بجولكم الحديث ده دلوقت لأنه المناسب بعد ما سمعت منكم الخبر السعيد بالمولود أنتوا اللي بأيدكم تربوه كيف ما يكون الله أعلم أذا كنت هكون موجود ولا تحت التراب...
نهض أحفاده الرجال ليقبلوا يدي طلعت بوقار فرفع يديه على رؤسهم بسعادة ونظراته تطوف أبنائها بتهنئة لتربية هؤلاء الرجال... مرت أيام عديدة بتحسن جيانا الملحوظ وظهور الحمل لدي الفتيات فكانت كالحشد لا يترك بعضهم البعض...
بمكتب زين... جذب أحمد الفراش من على الطاولة قائلاٍ بمرح: شيل ياعم خالينا نعرف نأكل كدا بضمير... تعالت ضحكات حازم بسخرية: يخربيتك أحنا بالمكتب مش بالبيت.. أجابه يوسف بخبث: حد قاله يعزمنا بمكتبه.. تعالت ضحكات زين الرجولية قائلاٍ بنبرة مرحة: همس ممكن تأكل الأكل دا قبل ما تخطوا جوا عتبت البيت...
لم يتمالك عبد الرحمن زمام أموره فتعالت ضحكاته قائلاٍ بضيق مصطنع: تعال ياخويا شوف أختك بقيت عاملة شبه الكرنبة يالا هنعمل أيه؟. حمزة بضيق: النمر هو الا مرتاح وعايش حياته ملك.. رفع عيناه الخضراء عليهم بنظرات ثابتة كحاله قائلاٍ بنبرة تحمل البرود بين أزفاتها: خاليكم كدا أفضلوا أندبوا حظكم بدل ما تحمدوا ربنا! ثم أنكم لسه فيها أيه واحد حابب يعيش حياته بيعشها مش شرط الهبل دا...
تطلع حازم لزين ثم تبادلت النظرات بين أحمد وعبد الرحمن، فتطلع لهم يوسف وضياء بستغراب فلم يعلم كلا منهم ماذا يخططون؟. صاح أحمد بسعادة: النمر صاح نأخدلنا أجازة أسبوع كدا فى جمصه أو رأس البر... رمقه عبد الرحمن بنظرة مميتة: جمصه ولا رأس البر رايح تفسح خالتك يا حيوان... حمزة بسعادة: أمال هنروح فين؟ تطلع عبد الرحمن لزين فأبتسم قائلاٍ بغرور: أسكندرية.. حازم بأبتسامة واسعة: هو دا الكلااااام...
احمد: معااااكم... حمزة: وأنا كمان.. ضياء بلهفة: وأنا والواد يوسف هنيجي معاكم تعالت ضحكات حازم بمكر: للأسف مش هينفع دي خروجة للمتزوجون فقط كل واحد هيأخد مراته ويسافر.. رمقه بغضب فتعالت الضحكات فيما بينهم ليتطلعوا جميعاً للنمر الذي تحلى بالصمت طويلاٍ ليقطعه قائلاٍ بهدوء: على بركة الله حدودا معاد مناسب...
تعالت بينهم نظرات المكر فكلا منهم يفهم الأخر بنظراته فحينما يجتمع العمالقة يسود الخفاء بينهم لينثر كلا منهم أقصوصة عشقه الخاصة بتلك الرحلة التى ستطوف بهم بين سحابة الوجدان وترنيم الهوس والجنون فكلا منهم يمتلك طباعاً خاصة ومختلفة عن الأخر وملامح تفصله وتميزه عن الأخر ولكن يجمعهم قلبٍ عاشق يطرب العشق بلجانه الخاص ليأسر معشوقته براباط أبدي رباط تطوفه عاصفة العشق، بين النظرات والهمسات، بين خفق القلب وبين تردد الروح ليزيح أقنعة أرتداها البعض ليخفي عنوان العشق فاتت تلك الفتيات لتزيحه عن تعمد وتصنع بالعشق عاشق ختم أسمها بعيناه وقلبه وجوارحه ليظل أحضانه طوق نجأته.
رواية القناع الخفي للعشق آية محمد رفعت الفصل الختامي
بالأسكندرية عروس البحر المتوسط.. تميل الهواء بدلال على نغمات المياه المتقلبة على الشاطئ كأنه يزف حالة خالدة على مر العهود، الأمواج تتناغم فتعلو بأصواتٍ هاتفه بقنوان خاص... شواطئ الرمال تتقلص بين الغرف المزينة بالورد فى موجهة بين تغريدات المياه الزرقاء وبين السماء النابع لونها بالحياة...
فتحت عيناها بتكاسل ؛ فوقعت بين براثين نظراته الخالدة، تعمد أن يبقى ساكناً ليستمع لهمسات نظراتها الخجولة، عادت لأرض الواقع فحاولت النهوض سريعاً ولكن هيهات سقطت على صدره كرد فعل تلقائي لحركتها السريعة، تمردت خصلاتها لتسقط على عيناه كأنها تلجئ للرأفة من نظراته، إبتسم النمر بمكر ؛ فرفع يديه يعيدها خلف أذنيها بأطراف أصابعه قائلاٍ بخبث: قلبك مش سامح بالهروب...
تغلغلت حمرة الوجه فأكتسحت ملامحها بأحتراف، تركته وهمت بالتوجه لحمام الغرفة كمحاولة دائمة للتهرب من كلماته ولكن هيهات لم يسمح لها... وقفت محلها بعبث وهى تحاول جاهدة جذب يدها المحاصرة بين يديه، تعالت بسمته الجانبية ليقربها إليه ومازالت نظراتها بعيدة عنه، أغلقت عيناها بقوة حينما عاد للحديث الهامس لها: عادتك الهروب وأنا كالعادة بحاول أخليكِ جانبي على قد ما أقدر..
ثم أدراها لتكون أمام تلك العينان، تأمل عيناها المغلقة بقوة بأبتسامة مشاكسة: أفتحي عيونك.. أنصاع القلب له ففتحت عيناها ببطئ لتجده يجذبها بقوة عيناه لعالم يصعب وصفه بين تلك النظرات الخالدة فلم تجد سوى الأستسلام بين أمانه الخاص بنبع القلب القريب من صدره العريض...
بالجناح المجاور له... كانت تحتضن بطنها المنتفخة ببعض القلق من القادم لتجده يولج للداخل بالطعام وبسمته الجذابة تتسلل بملامحه الرجولية الوسيمة، وضع الطعام على الطاولة ثم أقترب منها قائلاٍ بهدوئه المعتاد: حبيبي سرحان فى أيه؟ أفاقت رهف على صوته فأستدارت إليه بأبتسامة رقيقة ويدها تتحسس جنينها: خايفة من الولادة الدكتور قالي أني هولد فى أول التاسع يعني هانت..
أقترب منها بتفهم ؛ فجلس على المقعد المجاور لها وجذبها لتجلس على قدميه قائلاٍ بمكر: المفروض تكوني متحمسة عشان هتشوفي البيبي ثم أنك كان نفسك تولدي عشان تنقذي نفسك برجيم قاسي يحل العقدة اللي بقيتي فيها دي! تحاولت نظراتها لدفعة من الغضب فلكمته بقوة على صدره قائلة بعصبية: أنا عقدة يا حازم؟!. ضيق عيناه بألم مصطنع: بعد الشر عليكِ أنا اللي ستين ألف عقدة ومنشار كمان..
رمقته بنظرة غاضبة فقطعتها حينما نهضت قائلة بحقد : على فكرة أنت أتخن مني ميغركش شكلك.. إبتسم ببرود: أعلم ذلك.. ضغطت على معصمها بغضب وتوجهت للداخل بعدما عادت بضع خطوات لتحمل الطعام بنظرة نارية تركتها كتذكاراً له لتتعال ضحكاته الرجولية بعدما غادرت بالطعام تبتلعه بغضباً جامح...
إبتسمت بسعادة حينما أندلعت قطرات المياه على جلبابها الأسود الفضفاض، رفعت عيناها تتفحص المكان بأهتمام فخلعت حذائها وهرولت على الشاطئ لتلمس قدماها حبات الرمال الذهبية بدلال فتتعال ضحكاتها بفرحة زُرعت بقلبها منذ اللقاء الروحي به...
أنتفضت بفزع حينما شعرت بالمياه على كتفيها فأستدارت بأستغراب لتجده يقف خلفها بطالته الطاغية، يديه منغمسة بالمياه فيرفعها بقوة لتصل إليها، أغلقت عيناها لتهوي القطرات على نقابها الأسود فتتسلل لعيناها البنيتان بحرافية، أقترب حمزة ليقف أمام عيناها قائلاٍ بعشق بعدما جذب بضع قطرات من المياه بين يديه: لو قولتلك أني بغير عليكِ من لمسة المية دي هتصدقيني ولا هتقولي عليا مجنون..
خفق قلبها بجنون فشعرت بأنها لم تستمع لكلماته لشدة طرب القلب بهواه، قربها إليه مستكملاٍ حديثه بصوتٍ منخفض ويديه تتلامس مع نقابها : يمكن الحاجز دا اللي مخليني صامد لحد دلوقتي حاميكِ ليا من كل حاجة...
رفعت حنين عيناها على يديه المطوفة لذراعيها بوجهاً كحبات الكرز فودت كثيراً أن تستعيد التحكم بذاتها حتى تلوذ بالفرار من أمامه ولكن هيهات سقطت أسيرة عيناه، طاف بهم نسمات الهواء العليل فنجح بالتسلل للقلوب ليزيح القناع الأخير المحبز بالخجل ويدع العشق هو السيد الأكبر...
بالغرفة المجاورة لهم.
خرج من حمام الغرفة يجفف وجهه بالمنشفة ليزفر بضيق حينما وجدها مازالت غافلة، توجه إليها بمكر لمع بعيناه ؛فجلس جوارها يتأمل ملامح وجهها بهدوء ومن ثم أقترب منها بأبتسامته الخبيثة، حرك رأسه قليلاٍ فتناثرت المياه على وجهها لتبدو علامات الضيق عليها فأعاد ما فعله لتستيقظ بأنفعال وعيناها تجاهد لعودتها للوعى، تعالت ضحكات عبد الرحمن بينما ترابصت له نظراتها بالضيق فتطلعت لجوارها بمكراً داهي، قطعت ضحكاته حينما شعر بالمياه تطوف بصدره العاري فتطلع لها بغضب...
وقفت على الفراش حاملة زجاجة المياه الفارغة قائلة بفخر وغرور: متحاولش تستعرض قدرتك عليا لأنك مش هتتوقع ردة فعلي.. لم تتبدل ملامحه كثيراً فأقترب منها لتسرع بالجلوس قائلة بصوتٍ مرتجف من الخوف: صلي على النبي يا عبده اللي حصل أرادة من الله هنعترض يا حبيبي . لم يتمالك ذاته وتعالت ضحكاته ليحملها بين يديه قائلاٍ بهمس: واللي هيحصل هنا برضو.. تعال الخوف وجهها لتسرع بالتشبس به: هو أيه اللي هيحصل؟.
أكتفى ببسمة صغيرة ليحملها خارج الغرفة بجناحه الصغير ومن ثم هبط بالمسبح المتسع بعض الشيء لتتعلق بجنينها وتصرخ بجنون... تعلقت برقبته قائلة برعب: المسامح كريم.. جذبها إليه قائلاٍ بتذمر مصطنع: مين كريم دا كمان؟. علمت بأنه تعمد مضايقتها فتعلقت برقبته بصمت لتتعال ضحكاته المشاكسة ليطوف بها بجو خاص به...
بغرفة أحمد..
ظل لجوارها بلهفة بعدما خرجت من حمام الغرفة بتعبٍ بدي عليها، فتحت عيناها بتكاسل حينما داعبتها أشعة الشمس الساطعة فوجدت عاشقها مازال يتوسد الفراش جوارها، أستندت بجذعها برفق تتأمله بسعادة وإبتسامة تسرى بالعشق الطائف بعد أن ظل لجوارها ليلاٍ غير عابئ بتعب جسده المتصلب، رفعت يدها على وجهه تلامس ملامحه الرجولية بأبتسامة تشق وجهها، تجمدت لوهلة حينما فتح عيناه ؛ فجذبتها بأرتباك وحمرة تكتسح وجهها بأجتياز، تطلع لها بأبتسامة واسعة: أنتِ صحيتي من أمته؟.
رفعت خصلات شعرها المتمردة على عيناها بأرتباك: من شوية... ترقب حركتها بشغف ليستمر بالحديث: أحسن دلوقتي؟. أجابته بأشارة رأسها البسيطة فأقترب منها هامساً بمكر: طب كنتِ بتعملي أيه؟. أشاحت عيناها بعيداً عنه بخجل كاد أن يقتلها فزفر بضيق مصطنع: مش ناوية تحني عليا بقا والله قربت أخلل جانبك.. أخفت بسمتها الرقيقة قائلة بتذمر مصطنع: مفيش فايدة فيك يا أحمد المفروض أنك محامي والمحامي على حد علمي ذكي..
ضيق عيناه بعدم فهم فأكملت بمكر: يعني لو مكنتش مرتاحلك مكنتش أتجوزتك... رمقها بنظرة غاضبة ؛ فجذب الجاكيت الخاص به وتوجه للخروج... : بحبك.. تصنم محله لثواني بفرحة كادت أن توقف نبضات القلب العاشق ليستدير إليها ببطئ وأبتسامته الوسيمة تفترش على وجهه الخمري، كادت بالتهرب مجدداً من نظرات عيناه الشبيهة بالليل الخاص الممتلئ بالتجوم المضيئة ولكن هيهات جذبها سريعاً لتقف أمام عيناه قائلاٍ بفرحة: أخيراً..
إبتسمت قائلة بمشاكسة مرحة: مش أبو إبني لازم أحبك الله.. حملها بضحكة مرتفعة قائلاٍ بسعادة رغم كلمتها المبسطة لتخفى خجلها: يعني بحبك وكمان أبو إبني لا كدا كتييير أبتديت أحب الواد زين أنه جابنا هنا لا وأيه أنا مكنتش موافق وأقوله المدام فى الرابع وتعبانه غبي هنعمل أيه.. تعالت ضحكاتها قائلة بصعوبة بالحديث: طب نزلني..
رمقها بضيق: أنزلك دا أيه أنا مصدقت أن ربنا فرجها عليا وأتكلمتي لأزم اسمع الكلمة مرة وأتنين وتلاته أحنا ورانا حاجه.. وحملها للتراس وسط رنين ضحكاتها الفرحة...
أمام شاطئ المياه الهائمة كانت تجلس بتذمر، عيناها تتنقل بين موجات المياه وبين الهاتف بضيق فكم ودت أن تصفع ذاتها بعد أن طلبت منه العودة للقاهرة ليحضر لها بعض الأغراض الخاصة بها، لعنت أصرارها حينما أقترح بشرائها ما يلزم من الأسكندرية فهي الآن بحاجته، مرت الساعات طويلاٍ ومازالت تجلس أمام المياه بأنتظاره حتى غروب الشمس وتخلد نور القمر الذاهي...
مسدت بيدها على بطنها المنتفخة قائلة بفرحة: لسه أقل من شهرين وأشوفك أدامي أنت اغلي حاجة فى حياتي كلها متشوقة أوي أني أشوفك وأشيلك بين أيديا... إبتسمت همس بسعادة وحماس للقادم فزادت لأضعاف حينما أستمعت لصوت سيارة تقترب منها، نهضت سريعاً وخطت تجاه فوجدته يهبط بطالته الخاطفة للأنفاس ولكن عيناه كانت تحملان لها أنذار بالعاصفة القريبة...
أغلق باب السيارة بغضب ثم أقترب ليضع حقيبة صغيرة بعض الشيء على الطاولة ليتمدد على المقعد البحري بضيق: أدي اللي طلبتيه لسه حاجة تانية؟ إبتسمت بدلال: شكراً يا زيزو..
تطلع لها بأستغراب وشك من القادم ولكن حبات العرق التي تكتسح وجهه جعلته يصرف تفكيره عن تلك المجنونة كما ينعتها ليخلع قميصه عنه ومن ثم يتقدم من المياه الباردة اللامع مياهها بضوء القمر ليرتمى بأحضانها غير عابئ ببرودتها فقط يسبح بمهارة وحرافية... أحتضنت حقيبتها بنظراتٍ هائمة عليه تجوب بها بعشق وإبتسامة تنير وجهها...
حبس انفاسه أسفل المياه لفترة طويلة فخرج يلتقط أنفاسه ومن ثم اكمل سباحة للشاطئ، أحتضن المنشفة و تمدد لجوارها بتعبٍ بدى على قسمات وجهه بوضوح... أقتربت منه بعد موجة تفكير عميق غير عابئة بأمواج المياه الهادئة التى تبعث الراحة بالنفس... وقفت أمامه بملامح تحمل الضيق ؛ فرفعت يديها على كتفيه تحركه بغضب: زين، زين...
فتح عيناه بصعوبة وخاصة بعد أن غفل على المقعد من شدة التعب فنهض ببطئ يعبث بعيناه الزرقاء حتى يعتاد على أستعادة وعيه، زفرت همس بغضب: أصحى عايزاااااك... رفع عيناه عليها بنفاذ صبر وخاصة بعد أن تملكها الجنون بأخر فترة، جلست جواره على الأريكة البحرية الصغيرة قائلة بأرتباك وتوتر: هو أنت ممكن عينك تزوغ هنا ولا هنا بعد ما جسمي زاد حبتين...
تطلع لها بنظرات تحمل سهام كم كان يود أطلاقها به، أتيقظه لتلك التفاهات!.. رفعت يدها بضيق وحزن: يعني حبتين تلاته بس هرجع زي الأول أه هي فترة وهتعدى بدون خساير.. شدد زين على شعره الغزير بقوة فكم كان يود أقتلاع جزوره ليحصل على الرحة الابدية من تلك الفتاة فلم يجد حل أسلم من الرحيل...
جذب المنشفة لجواره يجفف بها جسده الممتلئ بالعضلات بفضل تمرينته الشاقة غير عابئ بنظراتها المحفزة بالأهتمام ثم ألقاها بقوة أفزعتها فكاد بالرحيل ولكنه توقف وأنحنى ليكون على مستواها قائلاٍ ببرود مصطنع: أنا شايف أنك تدعى ربنا الفترة اللي جاية دي تعدى على خير وأنه يلهمني الصبر أني مخلصش عليكي...
وتركها وتوجه لجناحه وهو بحالة لا يرثي لها، تابعته همس بأستغراب ثم قالت بغضب وضيق: يلهمك الصبر ليه ياخويا منتجوز أم لهب دك نيلة وأنت عسل كدا طب حتى ياخويا كنت شيلتني ودخلتني أنام فى حضنك زي ما كنت بتعمل مش فارض عضلاتك علينا وخلاص.. توقف عن الخطى بأبتسامة تنجح دائماً ببثها على وجهه المتصلب فأستدار ليقترب منها، رفعت عيناها لتجده متوجه إليها فتملكها الرعب لتتراجع للخلف بزعر قائلة بخوف: مشتمتش والله..
زاد بالأقتراب فأسرعت للمياه لتحتضن جنينها: لو قربت هقتلك إبنك وأخلص.. لم يتمالك زين زمام أموره فخر ضاحكاً ليحملها بين ذراعيه قائلاٍ بصعوبة بالحديث: ناوية تعملي أيه فيا تاني يا همس أنتِ ناوية تدخليني السريا الصفرا بدل ما أفرح بالبيبي؟. إبتسمت براحة حينما رأته يبتسم فرفعت يدها حول عنقه بتفكير: يا راجل يا خايب بعملك جو مرح كدا دانت من غيري هتموت..
ضيق عيناه بأستنكار لتزيد من حديثها: أسمع مني بس والله بقى لو جبتلي جزر وشوية موز هدعيلك العمر كله ويمكن ابعد عنك يومين تلاته... توجه لغرفته قائلاٍ بغضب: جزر وموز مربي قرد أنا؟ كبتت ضحكاتها فولج ليضعها على الفراش ثم رحل بضيق... توجه للخارج بملامح شبه نارية ليتعثر بخطى النمر... رفع النمر عيناه بتفحص قائلاٍ بثبات: فى أيه؟. رمقه بنظرة مطولة: مفيش أنت رايح فين فى الوقت دا؟.
أجابه ببرود: أعتقد أنا اللي المفروض أسالك، بس أوك جيانا حابه تأكل أيس كريم فخرجت أجبلها... بدي وجه الزين ببسمة كبيرة ليصرخ بحماس: الله أكبر ايوا كدا عشان تتربى صح وتعرف ان الله حق.. بقى كما هو ليجذبه بضيق: تقصد أيه؟. إبتسم زين بخبث ؛ لا ولا حاجه يا حبيبي أنت تروح تجبلها اللي هى عايزاه وبعدين تأخدها على الدكتورة... وتركه وتوجه بالرحيل قائلاٍ بسعادة: هفرح وأنا شايفك بتتشحور أنت كمان يا نمر..
بقى أدهم كما هو يتراقب خطى زين المبتعدة ليضرب كف على الأخر قائلاٍ بشفقة: لا حولة ولا قوة الا بالله الواد أتجنن.. ورحل النمر ليجلب ما طُلب منه فربما لا يعلم أنها تحمل بأغلي الجواهر إليه...
بالقاهرة... وبالأخص بمنزل أحفاد طلعت المنياوي ... أنهى الرجل تركيب الطاولة قائلاٍ بأبتسامة هادئة: كدا تمام يا ضياء لو في حاجة تانية كلمني على طول.. إبتسم ضياء وهو يتأمل الشقة بعد أن أكتملت بالأساس: تسلم ايدك يا حاج بكر بجد شوية عزال عال العال.. تعالت ضحكات الرجل ذو الأربعون عاماً قائلاٍ بعملية: ربنا يتمم عليك بخير يارب... أخرج ضياء المال مقابل عمل الرجل قائلاٍ بأحترام: تسلم يا غالي تعبناك معانا.
تناول منه المال قائلاٍ بهدوء: تعبك راحه، أتكل أنا بقا ، سلامو عليكم . أجابه وعيناه هائمة على شقته المنتظرة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. وغادر الرجل تاركاً ضياء بأحلام وردية ينسجها للغد القريب الذي سيصبح حافل بزواجه من عشق طفولته الخالد، قطع أحلامه المنسوجة حينما ولج يوسف للخارج فوجده هائم بالفراغ فوضع يديه على كتفيه بسخرية: لحقت تسرح؟. تطلع لجواره بفزع: خضتني يالا يخربيتك..
تعالت ضحكات يوسف قائلاٍ بمرح: أيه اللي شاغل عقلك؟. إبتسم بهيام ؛ هو في غيرها اللي أخدة عقلي من أول ما فتحت عيوني على الدنيا.. أستند يوسف بجسده على الحائط مربعاً يديه أمام صدره بسخرية: والله شكلي هسحبك أداب لو ما أتلمتش.. رمقه بنظرة غاضبة: بكرا الحنة وبعدها الفرح يعني أخد حريتي وأسرح براحة راحتي محدش عنده ليا حاجة.. إبتسم يوسف بمرح: أه يا عم مين أدك..
جذبه بسخرية: ما بلاش أنت يابو خطوبة شهرين ونص هموت وأعرف عملتها أزاي؟. رفع تلباب قميصه بغرور: أنا طول عمري مميز ياض بس أنت اللي مش واخد بالك .. جذب المفاتيح وتوجه بالخروج قائلاٍ بغضب: طب يالا عشان نجيب الدعوات..
لحق به بوسف فأغلق باب الشقة وتوجه الأخر للشقة المجاورة له فأغلقها هو الأخر قائلاٍ بأبتسامة مرحة: محدش فيكم ذكي زيي جدك خيرني بين أنه يعملي خطوبة كبيرة وهيصه وبين أني البس دبلتين وأعمل الفرح معاك وبصراحه مترددتش ثانية... نظراته كادت أن تشتعل لجمرات فأشار له بالهبوط قائلاٍ بتذمر: قصدك عشان تقرف فى اللي جابوني أنزل بدل ما أخلص عليك وأرتاح تعالت ضحكات يوسف وهبط للأسفل بسعادة تغمره هو الأخر..
بالمنزل المقابل له.. صاحت غادة بحزن: يعني محبكش السفر لأسكندرية غير على فرحنا.. أجابتها مكة بأبتسامة رقيقة: فات الكتير ما بقى الا القليل على بكرا هيكون الأسبوعين اللي قالوا عليهم خلصوا وهيرجعوا ويحضروا معانا الفرخ أغلقت الحقيبة بعد أن وضعت بعض الثياب الخاصة بها: بس برضو كنا محتاجين البنات ينظموا معانا الحاجات بالشنط خايفة تتكسر...
حملت مكة الحقيبة فضمتهم لعدة الحقائب المجاورة لها بهدوء: يا غادة أنتي عارفة اللي حصل لجيانا لخبط الجو شوية وكمان فضلت شهرين نفسيتها كانت وحشة بدون أيه سبب وبعدين يا ستي ماما ومرتات عمك ظبطوا الدنيا بالشقة مش فاضل غير أننا نجهز حاجتنا.. أطلقت تنهيدة حارة بمأساة ما حدث قائلة ببعض الراحه: المهم أنهم هيكونوا جانبنا... شاركتها مكة البسمة بشرود بالقادم مع عاشقها المتيم...
هفوت تنقلت بالعشاق لسحاب من الغيوم طاف بها العشق لأمد فاض بالأبعاد ليقسم على أمسية باتت كالجمرات فأزاحت أقنعة تعمد البعض أرتدائها ... مرت الأجواء وجاء اليوم الميمون لتجمع أعضاء المافيا من جديد فربما الآن سيجمعهم أنشودة عزفها خاص من نوعه... تعالت الأضواء بالحارة البسيطة كأعلان عن أحد الأفراح الشعبية ؛ فطاف بالمنزل وابل من الأضواء والمصابيح أحتفال بزفاف يوسف وضياء أصغر أحفاد طلعت المنياوي...
شُعلت الزغاريد بالأنحاء ومعها صوت الألحان حينما توقفت السيارات ليهبط منها ضياء ويوسف ببذلتهم السوداء الخاطفة للمحة الوسامة المعهودة لكلا منهم...
أقترب ضياء من السيارة ثم عاون عروسه المزينة كأنها فراشة بيضاء خصصت له، تناول يدها بين يديه بفرحة لتسير معه بين الحشود للمنصة ثم جلست جواره وعيناها تتنقل بين معازيم الحفل بسعادة، لحقت مكة بها بعد أن تعلقت بذراعيه لتتبختر بفستانها الفضفاض كأنها ملكة هذا الحفل الشعبي لتنضم لهم على المنصة...
عاونتها جيانا وياسمين على الجلوس بينما ظلت رهف وصابرين وهمس جوار غادة وكلا منهم تتألق بفستانها الساحر وحجابها البسيط... بالأسفل... أقترب أحمد قائلاٍ بأبتسامة واسعة للشباب: مش هنولع الجو ولا أيه؟.. رمقه زين بنظرة محتقنة فتعالت ضحكات عبد الرحمن قائلاٍ بصعوبة بالحديث: معلش أصله مكتئب بعد اللي حصله أخر مرة... شاركه حازم التحفيل: رغم أن محدش فينا جاله فرصة ذهبية زي دي الا أنه كان فى قمة الغباء...
تعالت ضحكات حمزة فجذب زين أحمد قائلاٍ بوعيد: شكل أيدى وحشتك وأنا الصراحه نفسي أعلم عليك.. دفشه بسخرية: يا عم روح أنت هتشطر عليا هى ذكري سودا وهتفضل معاك طول ما في فرح فى العيلة أتقبل الأمر بقا عبد الرحمن بمرح: يا كسفتك يا نوسة حطيتي وشنا بالأرض.. حمزة بخبث: لا وأنت الصادق فوق بعد ما أتشعلق بالسما..
تعالت الضحكات لذكري ما حدث لزين فى ذكري زفافه وفي ذلك المكان المحدد، أنقطعت الهمسات بينهم حينما أقترب النمر منهم بنظرات ثابتة: فى أيه؟. تنحنح أحمد بجدية مصطنعة: مفيش يا نمر دا زين بس كان عنده شوية تفاعل هرموني بس الشباب قاموا بالواجب.. كبت حازم ضحكاته بصعوبة فتحلى بملامح ثابتة حينما رمقه أدهم بنظرة غامصة ليقطعها بحذم: وزعوا الكوكلا على الناس بدل وقفتكم دي..
لحق عبد الرحمن بأحمد الذي لحق بأوامر النمر علي الفور قائلاٍ بأبتسامة مرح: أنت تؤمر يا نمر... أسرع حمزة بالأنضمام إليهم بينما وقف النمر امام حمزة وزين بملامح منقبضة مما أثار لهفة زين فأسرع بالحديث: رفض يجي برضو؟. أكتفى بأشارة بسيطة إليه فزفر بضيق: فهد مش هيتغير ابداً هيفضل طول عمره كدا ميسمعش لحد ويعمل اللي فى دماغه هو وبس..
زفر النمر هو الأخر: المرادي منقدرش نتدخل يا زين لأن الموضوع صعب وحساس بس أنا واثق فيه وعارف أنه مستحيل يغلط . هنا قرر حازم التدخل بملل: لو ممكن نشوف العرسان اللي خللت على الكراسي دي وبعدين نفوق لسي فهد بتاعكم دا.. إبتسم زين بمكر: الواد دا معاه حق..
إبتسم النمر هو الأخر وأشار لهم بالتقدم ليعتلي خشبة المنصة كلا منهم وتتعال النغمات الشعبية بالزفاف ليتميل كلا منهم مع ضياء ويوسف حتى أحمد وعبد الرحمن سارعوا بالأنضمام إليهم ، غامت أعين الفتيات على عشاقهم بأبتسامة أعجاب مازالت ترسم مع مرور الوقت العافر بالعشق العتيق...
تميل ضياء بسعادة مع عروسه كأنه أعزوفة تنقل بنظراته لها، وضعت عيناها أرضاً بخجلا من أقترابه منها على عكس مكة كانت ضحكاتها تعلو المكان بأكمله حينما قدم لها يوسف سلاحه الخاص وعاونها على أرتداء سترته البيضاء ليلتقط لها صوراً عديدة... أنتهى الحفل بعد صعود طلعت المنياوي للمنصة ليقدم كعادته الذهب للعروس فقبلن الفتيات يديه بوقار لا يليق سوى به...
صعد كلا منهم لشقته الخاصة وتبقى بالطابق الأول الشباب بأكملهم لتتعالي بينهم جو المرح الرجولي... عبد الرحمن بزعل مصطنع للنمر: كنت زعلان أن الحيوان أحمد جانبك على طول وأنا لوحدي الوقتي بقا جانبي تو حيوان مش واحد تعالت ضحكات زين بشماتة: تعيش وتأكل غيرها يا عبود... أحمد بغرور: هو لسه شاف حاجة دانا جار طيب وحنين وخجول لكن اللي فوق دول يومين بعون الله وهتلاقيه معزل من الشقة بحالها.
حازم بسخرية: جار ايه ياخويا؟.. أجابه بعد أن اغلق جاكيته: حنون وطيوب... حمزة بمرح: ياعم أتلهي دانا واقف معاك ساعه واحده وعايز أعزل أقصد أروح . رمقه بنظرة محتقنة: بقي كدا يا معفن مكنش عيش وجمبري من أسكندرية اللي عزمتك عليهم.. حمزة بسخرية: تقصد المزلة اللي بتعلقها فى الراحة والجاية مكنتش أم عزومة دي يا معفن.. تعالت ضحكات زين وحازم بعدم تصديق فشاركهم عبد الرحمن الضحك حتى أحمر وجهه من شدة ضحكته...
تصنم حمزة محله حينما وجد النمر خلفهم يستند بجسده الممشق على الحائط فأقترب منهم قائلاٍ بهدوء: ممكن أفهم حضراتكم بتعملوا أيه هنا؟ زبن ببرود: واقفين هنعمل أيه يعني؟ أسرع أحمد بالحديث بعدما لكم زين بغضب: أحنا داخلين شقتي يا نمر أصلي عازم الشباب وكدا.. رمقه بنظرة مطولة ثم قال بثبات: مش هتبطلوا حركات العيال دي؟. أنفجر حازم ضاحكاً: بصراحه لا... ثم أستدار لعبد الرحمن قائلاٍ بصعوبة: ولا أيه يا عبود ..
صاح بتصميم: حد الله ما هتنقل من هنا غير لما أخد نصيبي من الحمام وحلة الأتفاق زي ما الحيوان يوسف عمل دا كان مستخبي جوا فى المطبخ وكرم ربنا أن مقطعليش الخلف وأنا داخل أشرب بعد ما المعازيم خلعت انا قتيل النهاردة... خسر النمر ثابته حينما إبتسم بسمته المبسطة ليرفع عيناه الخضراء على الدرج قائلاٍ بعد وهلة من التفكير: أنا بقول نطلع فوق أحسن.
تعالت الصيحات ليصعد كلا منهم للأعلي فى مشاكسات طفيفية للحصول على الوليمة... أما بالأسفل، وبالأخص بمنزل النمر... تعالت ضحكات صابرين بعدم تصديق: الله يخربيتك يا همس بقيتي واكلة أكتر من نص علبة الشوكلاته أرحمي نفسك هتروحي فين بعد كدا؟.
رمقتها بنظرة ضيق لتلقي بوجهها الأكياس الفارغة بضيق: هتعدى علينا ولا أيه يا تلمي نفسك كدا وتقعدي وأنتِ ساكتة يا تاخدي بعضك وتغوري فوق مع أخوكي عالم زنانة اوي بيبصوا فى أكل العيل.. تعالت ضحكات جيانا قائلة بصعوبة بالحديث: خلاص بقا يا صابرين الله.. شاركتهم رهف بالحديث: بكرا نشوف يا صافي لما البلونه تكبر كدا وتدخلي فى الأواخر...
أجابتها ياسمين بحزن: سبيها متعرفش حاجة أنا وأنا فى الأول كنت زيها لكن الوقتي بحس أني هأكل أيد أحمد وهو نايم .. تعالت ضحكات حنين بشدة حتي أدمعت عيناها: ما شاء الله لا بشروتنا والله.. فأستدارت لجيانا قائلة بمرح: من رأيي نخلينا كدا يا جوجو بدل ما نبقى مصاص دماء... وضعت عيناها أرضاً بخذلان مصطنع: كنت أبغي أقولك نفضل على كدا بس بعد الأختبار اللي عملته اليوم أستحي أقولك النتيجة...
تعالت ضحكات همس قائلة بفرح: الله اكبر علينا وانا اللي كنت فرحانه أن فى واحدة فينا لسه كيوت ومزة زي ما هي كدا حبس رسمي نخرج فين كلنا بالبلالين دي على رأي البت رهف... ياسمين بفرحة: ألف الف مبروووك يا قلبي.. قطعتها صابرين بحماس: سيبك من المباركات الوقتي لا بتأكل عيش ولا حلاوة خلينا فى المهم حنين بتفكير: اللي هو؟ أجابتها بأبتسامة واسعة: النمر عرف ولا لا؟. ضيقت جيانا عيناها بأستغراب: لا ليه؟
صابرين بمرح: ليه أيه دي فرصه ذهبية نقوله كلنا ونأخد الحلاوة ولا أيه يا بنات؟ .. : أكيييد.. خرجت الكلمة بصيحة جماعية لتعلو الضحكات وتعد الخطط لأخبار النمر بالأمر... أما بالأعلي... تعالت ضحكات حازم بعدم تصديق فخرج ضياء بتأفف من الداخل حاملاٍ لوفد هائل من الطعام والأواني وقدمه لحازم وحمزة والنمر بتذمر أما لجوارهم زفر يوسف بغضب بعدما فتح الباب للمرة العشرون: فى أيه تااااني؟
أجابه عبد الرحمن ببرود وتعمد: نسيت العيش يا خفيف.. رمقه بنظرة نارية: معاك حمام وبط وفراخ ولحمة وأكل يكفي مديرية وجاي تسأل على العيش!.. تطلع له بغرور: مالكش فيه هات وأنت ساكت.. ود أن يقتلع لقب أخيه الأكبر وينال من رقبته الغالية ولكن عليه الهدوء حتى يقضي وقت ممتع مع معشوقته، ولج للداخل ليحمل الخبز ومن ثم خرج إليهم ليلتقطه عبد الرحمن بأنتصار... يوسف بهدوء مغلف بالغضب: لسه فى حاجه تانية...
أستدار عبد الرحمن لأحمد وزين الحاملان الطعام ببرود: لا كدا تمام.. أجابه يوسف بسخرية: أجبلك التلاجة هنا عادي والله.. أحمد بمرح: لا هات بطاطين عشان بنخاف من البرد بس.. صاح بعصبية: نعم هو أنتم هتباتوا هنا كمان!.. تعالت ضحكات زين قائلاٍ بصعوبة بالحديث: كفايا كدا يا جدعان الواد هينتحر..
وجذبهم للهبوط مشيراً ليوسف بجدية أن يغلق الباب فأنصاع له ليتوجه معهم زين للأسفل قائلاٍ بأبتسامة مرتفعة وهو يرى ما بيد النمر والأخرون: يا نهار أسوح هنعمل أيه بالأكل دا؟. إبتسم النمر قائلاٍ بسخرية: ما تخافش عليهم دول يأكلوك وأنت واقف... حازم: يا ساتر حمزة: أنا بقول ناخد الاكل وننزل للبنات اهو لقمة هنية تكفي مية...
رمقه عبد الرحمن بنظرة ساخرة: أممم لقمة أه ما تقول أن العروسة وحشاك نديك جوز حمام ونجبلك شجرة وأتنين ليمون أحنا رجالة برضو ونفهم فى الأصول... تعالت الضحكات ليهبطوا جميعاً لشقة النمر... ولجوا للداخل بالطعام فجلس زين جوار أدهم قائلاٍ بستغراب: مش هتأكل؟ إبتسم بتسلية: أنا حبيت أوجب معاكم فساعدتكم لكن ماليش فى الأكل.. تعالت ضحكات الزين قائلاٍ بنفس لهجته: طول عمرك صاحب واجب يا نمر..
أشار له بغرور وشاركه الضحك، أرتدت الفتيات الحجاب وولجت للغرفة فصاحت ياسمين بتعجب: أيه كل دا؟ أجابها أحمد بأبتسامة هادئة: زي مأنتي شايفة أكل. أشار لهم عبد الرحمن بالجلوس: يالا نتعشا مع بعض.. رهف بسخرية: دا مش عشا دا أكل يكفي 100 فرد! تعالت ضحكات همس: والله الدكتور عبد الرحمن حاسس بينا يالا يا بت يا جيانا.. صابرين بصدمة: انتِ لسه هتأكلي بعد كل دا!..
رمقتها بنظرة قاتلة: وأنتِ مالك يا باردة أنتِ ما تشوف اختك يا زين.. همس بصوتٍ خافت سمعه أدهم فأخفى بسمته: أمال لو جيتي معايا البيت هتقولي ايه؟ وقال بصوت مسموع وغضب مصطنع: فى أيه يا صابرين خاليكي فى نفسك.. وتطلع لها قائلاٍ ببسمة هادئة: كلي يا قلبي.. حازم: أحمحم نحن هنا... حمزة بسخرية: هتأكل يا زين ولا هتقضيها محمحة جلس لجواره قائلاٍ بضيق: ودي فيها كلام..
وبالفعل جلسوا جميعاً يتناولان الطعام بجو المشاكسة والمرح بين الفتيات وعلى بعد منهم ليس ببعيد تناول الرجال الطعام تاركين الحرية بالمساحه للفتيات ولكن يجمعهم غرفة واحدة وقلباً واحد...
أما بالأعلى... بعد ان أنتهت من الصلاة جلست لجواره بخجل فأبتسم يوسف قائلاٍ بعشق وجدية بعدما قربها لصدره: من دلوقتي يا مكة عايزك تعتبريني كل حياتك مش بس زوج لا أخ وأب وكل حاجة متخافيش مني فى أيه شيء أنا سندك ودنيتك لو جيت عليكي فى أيه حاجة متسكتيش فوقيني ورجعيني تاني... ثم أخرجها لترى عيناه قائلاٍ بحزن: أنا عارف أني أحياناً بكون متسارع لكن أوعدك أني هحاول أفقد الصفة دي من شخصيتي عشانك يا مكة..
إبتسمت بخجل حينما وجهت النظرات بعضها البعض ليقطعها هو حينما جذبها برفق لعالمه الخاص لتصبح زوجة له...
بشقة ضياء... بعدما أنتهوا من أداء الصلاة حمل الطعام إليها قائلاٍ بمرح حتي يخرجها من خجلها الزائد: الحمد لله أني عملت حسابنا بالأكل قبل ما الوحوش يهجموا... أكتفت ببسمة صغيرة ثم جلست لجواره تتطلع للطعام بصمت، لاحظها ضياء فجذب الطعام وقدمه لها فتراجعت للخلف بزعر... وضع الطعام من يديه بضيق: فى أيه يا بنتي هو أنا هأكلك؟، اللي يشوفك الوقتي ميشفكيش فى الخطوبة هو أنا أتبدلت ولا حاجه ولا أيه النظام؟
رمقته بنظرة مطولة ثم قالت بتنهيدة: معرفش بقا اللي حصل.. كبت ضحكاته على تلك الحمقاء فجذبها إليه قائلاٍ بمغازلة صريحة: طب فكي كدا شوية دا النهاردة حتى فرحنا... عادت نظراتها للجمود فتعال ضحكاته قائلاٍ بمرح بعدما حملها: الموضوع كدا بيكبر مننا ولازم نلحق نداويه... وحملها لصدره لعلها تستمع لخفق القلب المتربع على عرش العشق المتمرد لتصبح ملكاً له...
بالأسفل... أنهوا تناول الطعام فوقفن الفتيات يتشاجران بصوتٍ خافت تحت نظرات أستغراب الشباب إلي ان أنتهوا بأن تحمل ياسمين المشروب له وبالفعل تقدمت من النمر بكوب واحد من العصير، استقرت أمام أدهم المتعجب منا يحدث فكيف تحمل له كوب وتنسى الأخرين تابع الشباب ما يحدث بتعجب قطعته حينما قالت بغضب: ما تأخد العصير يا ادهم..
حمل النمر الكوب ومازال التعجب سيد الموقف ليلمع عدد من الأوراق بأسفله، جذبه بتعجب: دا أيه؟. صاحت صابرين بحماس: أفتح وهتعرف.. عبد الرحمن بصوت منقبض: ربنا يستر. حازم بفضول: افتح يا نمر...
وبالفعل فتح أدهم أول ورقة ليجد بها صورة لرجل فرفع عيناه لهم بستغراب ليشير له زين بالأستكمال فجذب الأخري ليجد صورة لأحد النساء فقلب الأخيرة ليجد صورة تجمع الرجل والمرأة فعاد ليقلب ليجد نفس الصورة ولكن السيدة ببطن منتفخة والصورة الأخيرة لطفل صغير للغاية .. وضع أدهم الصور على الطاولة بستغراب: مش فاهم أيه الهبل دا؟.
أنفردت الصور أمام الشباب فتطلع حازم لزين وزين لأحمد بسعادة فقد حان الوقت لشماتة زين به كم كان يحلم منذ أيام لتعلو الضحكات بينهم بسعادة: هنشمت بالنمر أخيراً. ضيق أدهم عيناه بعدم فهم ليكمل زين بسخرية: مش قولتلك هى بتبتدي بالطلبات وبعدين بتفتح.. زفر بغضب: هتقولوا في أيه ولا هتفضلوا تحفلوا؟.. جذب عبد الرحمن الصور بضيق: ما العنوان أدامك أهو وانا اللي بقول عليك ذكي...
تطلع للصورة بيديه بغضب زال قليلا حينما تسرب إليه ما تود الفتيات قوله لترسم الفرحة بعيناه فوقف وأقترب منهم بهدوء، تراجعت الفتيات للخلف تاركين من تختبئ خلفهم تواجه عين النمر الساحرة ليجذب يدها بسعادة: بجد؟ أكتفت بالأشارة له بعد أن أصبح وجهها كحبات الكرز ليحتضنها أدهم بسعادة عمرته وغمرت الجميع.. أقتربت منه صابرين بضيق: عايزين الحلاوة يا نمر ملناش فيه ولا أيه يا بنات..
صحوا جميعاً بالهتفات فأقترب منهم حازم بمشاكسة ؛ دا حقكم ولا يمكن تتخلوا عنه ولا أيه يا زين؟. إبتسم بمرح: أعطي كل واحدة 500 ولا حاجة عشان تخلص تعالت ضحكات أحمد: دا كدا خراب بيت يا زيزو 500 أيه؟ حمزة: مش خسارة فيهم ياعم أه لو كان الخبر دا مزفوف ليا انا كنت ضحيت ب1000 شركة مش مشكلة... خجلت حنين للغاية بينما صاح عبد الرحمن بأبتسامته الرجولية: 1000 شركة مش بقولك أجرب..
أخرج النمر المال قائلاٍ بفرحة: يستحقوا أكتر من كدا.. وقدم المال إليهم مع رفض همس ورهف وحنين الا أنه أصر عليهم فأشار لهم أزواجهم بالقبول وبالفعل حملت كلا منهم المال.. حازم بأبتسامة مشاكسة: والشباب ملهمش حلاوة ولا أيه مأحنا حضرنا الحادث السعيد من أوله ولا أيه يا رجالة؟
كادوا أن يجيبوه ولكن عفت عنهم رهف حينما تعال صراخها بقوة وهى تحتضن جنينها بصراخ فأسرع إليها ليحملها قائلاٍ: يا نهار أسود أوعى تعمليها هنا وحماها وهبط سريعاً ليلحق به الشباب والنمر قائلاٍ بشماتة: أهو أنت اللي هتدفع يا خفيف...
وتوافد الجميع للمشفي ليزف إليهم مولود صغير يرحب به بجو المحبة والسرور ويزرع الأمال بداخل القلوب بشتياق لرؤية الجنين المنتظر لكلا منهم على عكس النمر الذي حمل المولود بين يديه بشرود أن من الله عليه بفتيات كيف سيسمح لهولاء بحملها وتقبيلها مثلما يحدث مع أبن حازم؟! وظل السؤال يتردد على مسماعه حتى مرأت الأعوام...
مر عاماً فتتابعه الأخر والأخر ومازال العشق الذي هز أرجاء المنياوي يتزايد مع وجود ثمرات العشق المتربع... صياح بمنزل الأحفاد خرج على أثره عبد الرحمن مسرعاً للأسفل ليجد المعركة بين أبنه وإبن أحمد قد أشتعلت كالعادة... سيف بغضب: وأنت مالك أضربها ولا لا خاليك فى نفسك . رمقه مالك بنظرة محتقنة: مالك في جيبك يالا لو مديت أيدك على كارما تاني هتزعل..
سيف بضيق: هى اللي كل مرة تكسرلي العابي وقولتلها كتير مالكيش دعوة بحاجتي أسرع عبد الرحمن بالتداخل: فى أيه على الصبح خلاص معتش ورانا غيركم؟!. تطلع له سيف بغضب: خاليه هو وكارما يبعدوا عني عشان مضربهمش.. جذبه عبد الرحمن بضيق: تضرب مين ياض محدش مالي عينك.. إبتسم مالك بسعادة: أيوا كدا يا عمو أديله . أستدار له بعين غاضبه: أنت تخرس خالص لما أخلص معاه وأشوف حكايتك أنت كمان.
رفع سيف عيناه لوالده قائلاٍ بضيق: يا بابا كل شوية تكسرلي ألعابي وأتكلمت معاها بالهداوة قبل كدا كتير.. رفع عبد الرحمن عيناه على تلك الطفلة الرقيقة الوضعة عيناها أرضاً وتحتضن أحد الألعاب الخاصة بسيف وتبكي بقوة... تملكه الغضب فتحمل الجدية ملامحه: أعتذر منها... كاد الصغير العنيد بالمجادلة ولكن مع نظرة والده وكلمته أنصاع له: فوراً.. أستمع إليه فأقترب الصغير منها قائلاٍ بهدوء: خلاص خدي اللعبة...
وأستدار لوالده فوجد أصراره على الأعتذار فتأفف قائلاٍ بضيق: أسف . وتركهم وصعد للأعلي... أقترب عبد الرحمن منها فحملها على ذراعيه يزيح دموعها بحنان: خلاص بقا يا كوكو مهو الواد اعتذر وأدكي اللعبة أهو نعمل ايه تاني أطلع أضربه يعني؟ . : يارريت يا عمو.. قالها مالك بفرح فتطلع له عبد الرحمن بضيق: اسكت أنت الوقتي. هدأت الصغيرة قائلة بخجل: لا خلاص مدام أدني اللعبة..
إبتسم عبد الرحمن وقبلها ليصعق محله على صراخ النمر. : بتعمل أيه؟. وضعها أرضاً بفزع ^ ايه يا جدع خضتني الله هكون بعمل أيه بنتي وبصالحها هرول مالك للداخل حينما رأى النمر أمامه حتى كارما حملت اللعبة وولجت للداخل، أقترب منه أدهم بغضب: لا تصالح ولا يحزنون خاليك فى حالك أنت وإبنك.. كبت ضحكاته بصعوبة ؛ كدا يا نمر ماشي أطير على شغلي أنا وأشوفك بعدين.
وبالفعل غادر عبد الرحمن ليدلف أدهم للداخل بأبتسامة رسمت حينما وجد معشوقته تجلس لجوار الفتيات حتى يكتبن واجبهم المنزلي...
بفيلا زين.. ركض خلف صغيرته حتى انقطعت أنفاسه فألقى بذاته أرضاً قائلاٍ بتمثيل: أه الحقيني يا نور مش قادر أتنفس هموت.. ركضت إليه بلهفة: بابي... أحتضنها ببسمة نصر ليحل الضيق ملامحها: كل مرة تفوز بالخداع أجابها بغرور: لا بذكاء والذكاء مطلوب فى كل شيء أسالي مامي.. وضعت همس طبق الفاكهة على الطاولة بسخرية: أيوا وبابي سيد الذكاء كله الناس بتتعلم منه.. إبتسم وهو يقترب منها بعشق: اللهجى مالها كدا غريبة..
رمقته بنظرة غامضة ثم همست بخجل: البنت الله.. أجابها بتفهم: لو زعلانه عشان منعتك من الخروج فدا لاني خايف عليكي وعلى ادهم الصغير وأشار على بطنها المنتفخة فذمت فمها ليبتسم قائلاٍ بمكر: خلاص مضطرين نجي معاكي انا ونوري لسلامتك بس مش اكتر.. تهلل وجهها بالسعادة لزوجاً هكذا...
بقصر حازم السيوفي .. جلس يزيد جوارها قائلاٍ بأبتسامة طفولية: فرحانه بالشوكلا يا حور.. أجابته الصغيرة بطفولية ؛ طعمها جميل يا يزيد بابي مش بيعرف يجبهالي قولتله يزيد اللي هيجبلي وأنا عارفة أنك مش هتنساني. إبتسم قائلاٍ بتأكيد: أنا اقدر صعق حمزة وحازم المتخشب لجواره فقال وعيناه عليهم: أبنك بيعلق البت من الوقتي. أجابه حازم وعيناه عليهم: واخد بالي.. حمزة: والحل بنتي هتضيع كدا. حازم: نجوزهم ونخلص.
حمزة: نجوز مين يا اهبل الواد 6سنين والبت 5!. أجابه بتفكير: نقرأ فاتحه الوقتي ولما يكبروا ربك يسهل. تعالت ضحكات حمزة وحازم سوياً فربما يخططان لأمرا ما خططه القدر مسبقاً.
بالمساء... عاد أدهم للمنزل فولج للداخل بملامح أشد من الجمرات لتزداد أضعافٍ مضاعفة حينما رأى إبنته يحتضنها وغد أخر من وجهة نظره... أقترب منه النمر قائلاٍ بصوتٍ كالرعد: بتعمل ايه عندك يا حيوان.. فزع الصغير فنهض مسرعاً ليبتعد عنها قائلاٍ بستغراب مصطنع: معملتش حاجة دي كارما كانت بتعيط عشان سيف ضربها وأنا جبتلها شوكلا عشان أصلحها.. : عشان أيه ياخويا؟.
أردف بها النمر وهو يتقدم منه بعينان مشتعلة بهلاك الصغير، إبتلع ريقه بصعوبة ليرسم بسمة مبسطة بعدما أتجه للخروج: بين كدا بابا بينادي عن آذن حضرتك... وهرول الصغير للأعلي فلحق به أدهم قائلاٍ بغضب: تعال هنا ياض مش بكلمك... وتوجه ليلحق به لشقة عبد الرحمن ولكن تخشبت قدميه حينما لمح إبنته الأخري تجلس على الدرج لجواره وتبتسم بخفة طفولية على حديثه المرح...
شُعلت عيناه بجحيم قد أوشك على الأنفجار ليقترب منهم بصوتٍ كعداد الموتى: أنت بتهبب أيه أنت كمان. رفع سيف عيناه ببرود مصطنع: هعمل أيه يعني قاعد! ضيق النمر عيناه بغضب: هو حد قالك أنى أعمي ولا حاجة.. وجذبه بغضب من تالباب قميصه قائلاٍ بنبرة تحذيرية: أسمع يالا قسماً بالله لو شوفتك أنت والحيوان اللي فوق دا بتحاولوا تكلموا أي بنت من بناتي لكون دفنك أنت وأبوك هنا سامعني ..
كاد الصغير بالحديث ولكن قطعهم أحمد المهرول من الداخل ليحتضن إبنه بتعجب مصطنع: فى أيه يا أدهم؟ أستدار بوجهه ليبث القلق بقلب أحمد ليسرع بالحديث برعب لأبنه: هببت أيه يالا.. رمقه بنظرة نارية: والله فيك الخير أنك لسه فاكر أنك ليك إبن وعايز يتربى كويس.. هبط عبد الرحمن مسرعاً فكبت ضحكاته على المشاكسات اليومية من النمر للحفاظ على تؤامه المدلل...
أقترب منه قائلاٍ بسخرية: ما خلاص يا أدهم هو معتش ورانا كل يوم غير بناتك واللي يكلم بناتك ياعم أنت عارف أخرتها أيه فيفي لعبده وعبده لفيفي.. : دا علي جثتك ان شاء الله. صاح بها النمر بعد أن لكمه بقوة، تراجع أحمد للخلف بعدما جذب إبنه بخوف ليسرع بالحديث: أنت صح يا نمر هنربي عيالنا.. ودفش أحمد سيف بقوة قائلاٍ بغضب: نهايتي على أيدك أنا عارف مش لقي غير بنات النمر!.
إبتسم الصغير بمكر بعدما أستدار قائلاٍ بطفولية: أشوفك بعدين يا كارمن.. أقتربت الصغيرة خطوات مبسطة بضيق طفولي: يووه مش هنكمل لعب.. أجابها سيف بأبتسامة واسعة: بعد ما أبوكي ينزل تلبش قلب أحمد ليحمله فوق كتفيه ويسرع لشقته قائلاٍ بغضب: الله يخرب بيت البيت الا جانب بيتك يا شيخ. وأغلق الباب سريعاً قبل أن يعصف بغضب النمر...
أستدار أدهم لأبنته الصغيرة فأنحنى ليكون على مستواها، رفعت عيناها الخضراء بوجهها الملون بحمرة الغضب من أبيها، خرج صوته الغاضب بعد وهلة من الصمت: أنتِ بتغافليني لما أنزل الشغل يا كارمن؟ أجابته بغضب وعناد بعدما ترنح خصلات شعرها بطفولية: للأسف مفيش حل غير كدا يعني هلعب مع مين وأنت كل حاجه بلاش تلعبي مع دا ولا دا مش ذنبنا أننا البنات الوحيدة اللي فى العيلة أفهم بقا..
وتركته بصدمة من أمرها وولجت للشقة، كبت عبد الرحمن ضحكاته بصعوبة فحطمت حينما هبط إبنه للأسفل قائلاٍ بسعادة لعدم رؤيته النمر بعد: قشطة الغول مشي... ثم صاح بصوت مرتفع: أطلعي يا كارماااا أبوكِ خلع .. هرولت الصغيرة من الداخل بسعادة لتصعق حينما رأت النمر امام عيناها بصدمة تكاد تفتك بالجميع. تراجع الصغير للأعلى برعب حينما هبط للأسفل وراى أدهم..
تعالت ضحكات عبد الرحمن وهو يرى إبنه يصعد للأعلي بسرعة البرق فصاح بسخرية: أسد يالا زي أبوك.. وأستدار بوجهه الضحك ليقابل عين ادهم الجامحة فأبتسم قائلاٍ بسخرية: الجري نص الجدعنه برضو.. وأنهى كلماته بأن ركض للأعلى هو الأخر بينما ولج النمر للداخل ليصيح بصوتٍ كالرعد حينما رأى كارمن وكارما تحتضنان جيانا برعب يسري بوجههم الملكية..
أغلق الباب بغضب قائلاٍ بصراخ جنوني: بقى أنا بنزل من هنا وأنا مطمن جداً أن سيادتك هنخدي بالك من البنات وأنتِ فاتحها كوسة.. أرتعبت جيانا فنهضت لتتراجع للخلف برعب حينما حطم أدهم المقعد ليحصل على عصا غليظة للغاية... جيانا بصعوبة بالحديث: أهدا يا أدهم دول بيهزروا يا حبيبي وبعدين دول ولاد عمهم هيلعبوا مع مين يعني أنت محرج عليهم ينزلوا الشارع.
إبتسم بسخرية: أه عشان كدا سيادتك سيبها أفراجات هنا بدل ما ينهشهم كلاب الشوارع تنهشم كلاب الشقق.. صرخت بقوة حينما كاد بالأقتراب منها، صاحت كارمن بغضب: هو أنت الوحيد فى المنطقة اللي عندك بنات!، أعقل شوية مش كدا.. صعق أدهم من حديث طفلته التى لا يتعدى عمرها الأربع سنوات!.
واقتربت منه لتشير له بأن ينحني قليلا فأنحنى لها لتكمل بضيق بعدما وضعت يدها على خصرها: ثم المفروض يعني يكون عندك ثقة فى بناتك مش كل يوم هتجرينا كدا وماما حامل يعني ريماس البيبي دي هتتعقد منك وأحتمال تغير رأيها ومتحبش البيئة دي أحنا حاليا بزمن متطور ومتقدم ياريت توزنها صح بدل ما تخسر بناتك التلاته..
وتركته وولجت لغرفتها، كاد فمه أن يصل للأرض من هول الصدمة فربما عليه خوض حروب عريقة ليحمى فتياته الثلاث من براثين أحفاد المنياوي. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم