- ربما تعتقد أن كلمة أقزام تتعلق بكل ما هو قصير صغير كما هو متعارف عليه , ولكن الأمر لم يكن كذلك في بلاد بعيدة جداً منذ قديم الزمن !
في النرويج ( الأراضي الإسكندنافية قديماً ) , كانت ثمة
مخلوقات سحرية عملاقة تتجول ليلاً في الغابات والجبال .. ويالحظه السيء من يلتقي بإحداها في جنف الليل ! ... على الرغم من ضخامتها وحجمها المهول .. أطلق عليها النرويجيين إسم
الأقزام ..
الأقزام العمالقة
ولا نثتثنى من ذلك بعض أنواعها الصغيرة .. والتي وصفت بشراستها وشرها أكثر من أقاربها كبار الحجم .. فتعرفوا معنا على أصل تلك الأساطير الشهيرة عن
الأقزام في هذا المقال .
-
الأقزام هي
مخلوقات أسطورية من أصول أسكندنافية , تتميز بهيئتها القريبة من البشر , وقد أصبحت أساطير
الأقزام من الثقافة الشعبية في عوالم الأسطورة والفلكلور والخيال حول العالم .
وتختلف تلك المخلوقات في مظهرها وخصائصها وفقاً لأصل الأسطورة ولكن عادة ما تصّور بأنها غبية وخطيرة وشرسة نظراً لحجمها الكبير وقوتها الغاشمة , أو من خلال أساليبها السحرية المميزة .
وفقاً للأساطير : فإن
الأقزام غالباً ما يعيشون في المناطق النائية البعيدة عن البشر , كما هو الحال في الغابات أو في الكهوف , أو في الجبال والبحيرات , وبالتالي يتم تسميتهم وفقاً لمكان معيشتهم , فيقال قزم الغابات , قزم الكهف , قزم الجبل , أو قزم البحيرة ... وهكذا .
من أين جاءت حكايات
الأقزام ؟
- في الحقيقية فإن كلمة " troll" معناها غير مؤكد , فقد تعني " خارق " أو " سحري " أو " خبيث " أو " محفوف بالمخاطر " .. أو تعني " شخص يتصرق بعنف " .
ولكن في القانون السويدي القديم , كانت كلمة " تروليري trolleri " تُشير إلى نوعاً من السحر الذي يهدف إلى الشر , وتجدر الأشارة إلى أن المصطلحات الجرمانية الشمالية في اللغات الأسكندنافية الحديثة مثل ترولدوم trolldom ( السحر ) , وترولا / تريل ( أداء الخدع السحرية ) , ليس لها علاقة مع تلك الكائنات السحرية (
الأقزام ) , وعلاوة على ذلك , فإن كلمة " قزم troll " في مصادر الأساطير الإسكندنافية , يمكن أن تُشير إلى أي مخلوق غريب .
- وقد ظهرت القصص الشعبية النرويجية عن
الأقزام الخرافيين , منذ فترة طويلة جداً حتى أصبحت من التراث النرويجي .
وفي عام 1830 , وعلى غرار ما قام به الاخوان جريم من ألمانيا , قام رجلان يُدعيان أسبيورنسن Asbjornsen و مو Moe , بالسفر في جميع انحاء جنوب النرويج لجمع الحكايات الشعبية , وجزء كبير من تلك الحكايات كان متعلقاً بقصص
الأقزام الخرافيين .
والحكايات التي قاموا بكتابتها أصبحت مشهورة , ولا تزال معروفة حتى الآن من قِبل الاطفال النرويجيين .
-إحدى أشهر تلك الحكايات الشعبية في النرويج , تحكي عن شخص يُدعى أشلاد , إشتهر بدهاءه وذكاءه , حيث ينتصر دائماً على أعداءه بسبب مكره وفطنته .
أشلاد والقزم - source
وفي تلك القصة , يقابل أشلاد قزم عملاق , وفي محاوله منه لهزيمة القزم , يدعو أشلاد القزم إلى خوض مسابقة في تناول الطعام , وقبل ذلك , إرتدى أشلاد حقيبة كبيرة على ظهره , وأثناء مسابقة تناول الطعام مع القز م , قام أشلاد بقطع جزء من ظهره ( الذي في الحقيقة هو عبارة عن حقيبة ) وذلك ليفسح مجالاً لمزيد من الطعام أمام القزم , وبالطبع اراد القزم أن يقوم بفعل نفس الشيء , فقام بقطع جزء من معدته ومات على الفور !
وفاز أشلاد على القزم بدهاءه .
- كما أن إحدى الأساطير الأسكندنافية المتعلقة بالأقزام , ترافقت مع ظهور المسيحية بالأراضي النيرويجية, فيقال ان
الأقزام كانوا يكرهون المسيحيين , وهناك إقتباس شهير من بعض تلك القصص على لسان القزم فيقول " أنا أشم رائحة دماء الرجال المسيحيين " !
على الرغم من ذلك .. فإن الناس في النرويج لديهم إرتباط سحري مع تلك المخلوقات الأسطورية , فإذا قمت بزيارة النرويج , فستجد أن هناك تمثايل للأقزام في أماكن كثيرة مختلفة هناك , من متاجر الهدايا , إلى الشوارع إلى أسماء السيارات حيث أن السيارة الوحيدة التي تنتجها النرويج تُسمى troll " !
هل هناك أشكال مختلفة من
الأقزام الخرافيين ؟
على مر العصور , كان هناك فئتين متميزتين للأقزام في معظم الأساطير ...
النوع الأول : هو قزم الغابة أو قزم الجبل العملاق , وهي
مخلوقات كبيرة , وحشية ,غالبا ما توصف بإنها قبيحة , لديها ميزات بغيضة كالأنياب والعيون المخيفة , وهي من النوع الذي سيطر على الحكايات والأساطير في الغالب في النرويج
كما يشبه الإنسان ولكن أجزاء الجسم ذات أبعاد مختلفة وحجم كبير , فمثلاً , يكون حجم الهيكل كبير جداً , مثل بروز الفكين السفليين , وجحوظ الجبين أو مقدمة الرأس , وقد يكون لديهم رأس واحدة أو أكثر , وقد شبهه البعض بالإنسان البدائي ولكن بصورة ضخمة .
source
النوع الثاني : وهو الأبرز في جنوب اسكندنافيا , وهي عادة
مخلوقات صغيرة وغامضة تعيش في المساكن المظلمة , تحت الأرض , أو في الكهوف العميقة, وقد تكون اصغر من البشر , ولها خصائص أصغر أيضاً بشكل غير متناسب , مثل الذراعين الصغيرين , وقصر الساقين , على الرغم من أن بطونهم تبدو أكثر بدانة , وهذ ا النوع من الاقزام غالباً ما يتميز بقباحة المنظر , نظراً لسكنها تحت الأرض وفي الظلام . وهي مؤذية في كثير من الأحيان , وتجعل نفسها غير مرئية , ويقال أنها تسافر عن طريق الرياح , وتتسلل إلى منازل البشر .
ويعتقد أنها
مخلوقات إحتماعية تعيش معاً مثل البشر , ويقومون بإصطياد الحيوانات , والطبخ , والخبز , كما انهم بارعون في الحرف المختلفة , ويحبون إقامة الإحتفالات والمأدبات العظيمة .
ومثل العديد من الأنواع الاخرى في الفلكلور الاسكندنافي , يقال أن هؤلاء
الأقزام , يقيمون في مجمعات تحت الأرض , بحيث يمكن الوصول إليها من تحت صخور كبيرة في الغابات أو الجبال , ومن الممكن ان تكون تلك الصخور منصوبة فوق أعمدة من الذهب في أحياء مساكنهم تحت الأرض , حيث يقومون بتخزين الذهب والكنوز .
وقد إختلف الرأي حول ما إذا كان
الأقزام سيئيين بشكل كامل أم لا , لكنهم غالباً ما يعاملون الناس كما عاملوهم , ويمكن أن يتسبب الاقزام في إحداث ضرر كبير في حالة الإنتقام أواللعب ايضاً , كما يشتهرون بإنهم لصوص عظماء , فهم يحبون السرقة من الطعام الذي يخزنه المزارعون , ويمكنهم أن يتسللوا إلى البيوت خفيةً خلال الأعياد , ويأكلون من الأطباق حتى لا يكون هناك ما يكفي من الطعام , أو يفسدون الجعة والخبز .
ولكن إشترك
الأقزام بأنواعهم في بعض الصفات مثل ميلهم للعيش في الظلام , لإنهم يتحولون إلى حجر عند تعرضهم لضوء الشمس .
ومثل المخلوقات الأسطورية الأخرى , فإن
الأقزام كانت تخاف من بعض الأشياء مثل المواد الصلبة أو الحديدية , ووفقاً للأساطير , قام ثور Thor بطرد
الأقزام بإستخدام مطرقته Mjolnir , وقد تم إستخدام المطارق الحديدية كتعاويذ واقية من
الأقزام قديماً .
حقيقة أم خرافة ؟
- وضع بعض العلماء مثل الأسباني خوان أرو ساجا - أخصائي علم الإنسان القديم - نظرية تستند إلى وجود أدلة أحفورية تشير إلى وجود انسان النياندرتال والإنسان القديم في نفس المنطقة في أوروبا في ذات الوقت , وكما قام عالم الحفريات الفنلندي Bjorn Kurtén بتطوير تلك النظرية وتوسيعها , لتفيد بإن
الأقزام ما هم إلا ذكرى بعيدة لأسلافنا القدماء الذين عاصروا إنسان النياندرتال منذ حوالي 40000 سنة أثناء هجرتهم إلى شمال أوروبا .
- التفسير الآخر لأسطورة
الأقزام , يقترح أن
الأقزام يمثلون بقايا عبادة كانت موجودة في كل مكان في الدول الإسكندنافية قبل دخول المسيحية للبلاد في القرنين العاشر والحادي عشر , حيث كان يُعبد بعض الأسلاف القدامى , عن طريق الجلوس في بعض البساتين المقدسة أو فوق تلال بعض القبور , من أجل الإتصال بالمتوفى أو الأسلاف , ومع دخول المسيحية , دعى الدين الجديد إلى التخلي عن عبادة الأوثان , وإنتشرت على مر العصور فكرة أن الأسلاف المعبودين هم من الأشرار , ووفقاً لذلك ظهرت بعض القوانين في عام 1276 , توضح إلى أنه من غير القانوني محاولة إيقاظ ساكني التلال , وظهرت في تلك القوانين كلمة " troll " لأول مرة , وكانت تدل عل أي شيء وثني وغير مرغوب به بشكل عام , ويتضح مما سبق أن كل ذلك يشير إلى
الأقزام الخرافيين في ثقافة بلاد النرويج .
- من المحتمل جداً أن تكون تلك النظريات صحيحة , فعلى سبيل المثال , هناك نظريات تؤكد على أن أساطير التنانين ترجع إلى إكتشاف الإنسان القديم لبعض آثار وعظام الديناصورات الضخمة , لذا فمن الممكن أيضاً أن تستند فكرة وجود
الأقزام العمالقة على معرفة القدماء بإنسان النياندرتال , ومن ثم تحويل ذلك لأسطورة متوارثة .
ومع ذلك فإن نظرية الأجداد القدامي قد تكون بنفس القدر من الصحة , فكما الحال بالنسبة للمعتقدات الثقافية القديمة , قد يكون هناك أكثر من أصل واحد لكل
أسطورة .
جدير بالذكر ان
مخلوقات الأقزام الخرافية قد ظهرت في الكثير من الكتب والقصص والأفلام في جميع أنحاء العالم , مثل قصة معاز المرعى الثلاث Three Billy Goats Gruff fairy tale , وحديثاً في أفلام وروايات The Hobbit ، و Lord of the Rings ، وسلسلة هاري بوتر Harry Potter
جدير بالذكر أن - إنسان نياندرتال (Neanderthal man ) هو نموذج لإنسان ما قبل التاريخ الذي عاش في أجزاء من أوروبا وآسيا وإفريقيا من نحو 100,000 إلى 35,000عام مضت، ويطلق عليه أيضا إنسان الكهوف طبقا لحفرية إنسان الكهوف في وادي ـ نياندرتال ـ قرب دسلدورف بألمانيا , وليس هناك أي علاقة بين وجود هذا ال** البشري وبين نظرية النشوء والارتقاء ـ التطورـ حيث أظهرت هذه الحفرية أن طول هؤلاء الناس كان نحو 155سم، وأنهم كانوا يمشون معتدلي القامة تمامًا، وكانت لهم عظام ثقيلة، وأطراف مقوسة قليلاً، وحواف حواجب كبيرة، وأسنان قوية، وكان المخ كبيرًا مثل إنسان العصر الحاضر، لكنه يبدو أنهم كانوا يعتمدون على قوتهم البدنية بدلاً عن الاستخدام الماهر لأيديهم أو الاستخدام المبتكر للأدوات، إلا أن عظام الحيوانات التي وجدت مع حفرية الإنسان أظهرت أن ـ النياندرتاليين ـ كانوا قناصين مهرة في البيئات شبه القطبية في أوروبا وكانوا يعيشون في مأوى مؤقت بسيط عندما يتتبعون قطعان الحيوانات، ويعيشون أحيانًا في مغارات، وتظهر بقايا أحافير ـ النياندرتاليين ـ أن بعضاً منهم على الأقل، قد قاموا بدفن موتاهم بعناية كبيرة
وهذه الفروق بيننا وبين إنسان النياندرتال لا تعدو الفروق بين أجناس البشر المعاصرين، في الطول والقصر، والقوة والضعف، والحرف والصناعات، والتقدم والتخلف، وما إلى ذلك.