هو طالب في السنة النهائية من إحدى الكليات شديدة التنافسية. كان – وما يزال – الطعام يمثل له متعة خاصة في حياته، خاصة في موسم الامتحانات الطويل الشاق. لكن يبدو أنه على أعتاب أن يُحرَم من تلك اللذة المتمثلة في أطعمته الشهية المفضلة. مؤخرًا بدأ تناول الطعام يمثل فاصلًا من المعاناة، ليس فقط الوجبات السريعة، أو الثقيلة، إنما حتى في السويعات التالية لتناول الطعام.
تتحول بطنه إلى ما يشبه البالونة، ويصاحب ذلك شعور غير مريح بالانتفاخ وآلام البطن والتقلصات، وبالرغبة الملحة في دخول الحمام، والتي لا تكون تجربة جيدة هي الأخرى، إذ لا يتمكن من إفراغ بطنه بشكل كامل، يذهب بالأعراض السلبية. كذلك أضحى يلاحظ أنه معظم الوقت إما يعاني من الإسهال، أو الإمساك، بالتبادل بينهما كل فترة.
ما سبق وصفه، هو أحد السيناريوهات المتكررة لحالة مرضية يمكن اعتبارها من أمراض العصر الحالي، وهي متلازمة القولون العصبي، والتي – دون أدنى مبالغة – يعاني منها مئات الملايين من البشر حول العالم.
يُقدَّر عدد المصابين بتلك المتلازمة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما بين 25 و45 مليون إنسان، غالبيتهم من النساء، وغالبًا ما تبدأ الإصابة بها في سن الشباب، أو أوائل الأربعينيات. في السطور التالية، وعبر بعض الأسئلة والأجوبة، سنعرف ما يهمنا عن هذا المرض، وكيفية التغلب عليه.
أولًا: ما سبب الإصابة بمتلازمة القولون العصبي؟
ما يزال العلم عاجزًا عن تحديد سبب مباشر وقاطع لهذه الحالة المرضية رغم انتشارها الكبير، بل ما تزال هناك العديد من الخلافات في تفاصيل تشخيصها، وحدود الأعراض، مما يجعلها بالأساس تحت بند التشخيص بالاستبعاد، بمعنى أن الطبيب يستبعد أولًا وجود ما يُرجِّح الإصابة بالحالات المرضية المزمنة الأخطر، ذات المعالم الأوضح، مثل سرطان الأمعاء، والتهابات القولون التقرحية .. الخ، فإذا لم يجد مثل هذا، فإن التشخيص الباقي هو متلازمة القولون العصبي.
لكن هناك بعض المسببات التي يُرجَّح – دون إثبات قاطع – علاقتها بالإصابة بتلك المتلازمة، أو على الأقل مفاقمة أعراضها، مثل أنواع أو عادات معينة من الطعام، أو عوامل وراثية – إذ وُجِد تاريخ مرضي لتكرارها في بعض العائلات – أو إدمان الكحوليات .. الخ.
هناك بعض النظريات أيضًا تتحدث عن دورٍ للبكتيريا الموجودة طبيعيًا في الأمعاء في الإصابة بهذا المرض، حيث تختلف أنواعها، وتفاعلاتها في بعض المرضى مقارنةً بغير المصابين بالمرض.
ثانيًا: ما علاقة متلازمة القولون العصبي بالتوتر العصبي، وضغوط الحياة؟
يعتبر الانفعال المستمر، ونمط الحياة الضاغط، من أهم العوامل التي يُرجَّح ارتباطها بمتلازمة القولون العصبي، ولعل لهذه العلاقة دورًا في الاسم الذي تحمله. لكن لا يلزم أن يُصاب بها كل من يتعرض لتلك الضغوط الحياتية، فهناك اختلافات فردية عديدة في استجابة الأجسام والأشخاص للضغوط، ويعتقد البعض أن مكمن المشكلة تحديدًا في تلك المتلازمة هو فرط حساسية أعصاب الجهاز الهضمي للمؤثرات الخارجية كالطعام وضغوط الحياة.
ثالثًا: ما أعراض متلازمة القولون العصبي؟
أبرز الأعراض هي آلام وتقلصات بالبطن، وانتفاخها بشكلٍ ظاهر يُرى بوضوح بالعين، مع شعورٍ بامتلائها بالغازات، والإصابة إما بالإسهال، أو الإمساك. وفقًا لذلك العَرَض الأخير، يتم تحديد 4 أنواع مختلفة من متلازمة القولون العصبي، الأول، يكون العرض الشائع فيه هو الإسهال، والثاني، يكون فيه الإمساك هو الشائع، أما الثالث، فيتبادل فيه الإمساك والإسهال كل بضعة أيام، أما الرابع، فيصعب تصنيفه طبقًا للأنواع الثلاثة السابقة. كذلك قد يصاب القليلون بأعراض بولية أو تناسلية، كما قد يعاني البعض من ميلٍ للقيء، أو صعوبة في إفراغ الأمعاء بشكلٍ كامل أثناء التبرز.
تختلف شدة الأعراض من وقتٍ لآخر، إذ قد تسكن لأيامٍ، ثم تتفاقم دون سبب واضح، أو مع التعرض لبعض المؤثرات مثل تعاطي الكحوليات، أو شرب المشروبات الغازية، والقهوة، أو تناول الأطعمة الدهنية أو ذات التوابل الحارة، أو الكرنب، أو بعض منتجات الألبان … الخ. أو التعرض لضغطٍ عصبي. كذلك تتفاقم الأعراض لدى بعض السيدات قبل حدوث الطَّمث.
من العلامات المميزة، تفاقمُ أعراض الجهاز الهضمي بعد تناول الطعام، وتحسنها ولو جزئيًا بعد التبرز.
رابعًا: ما خطورة الإصابة بمتلازمة القولون العصبي؟
لحسن الحظ، ورغم أنها حالة مرضية غير قابلة للشفاء التام، فإن متلازمة القولون العصبي لا تسبب مضاعفاتٍ خطيرة على الصحة كالإصابة بسرطانات الجهاز الهضمي، أو النزيف الشرجي، أو الالتهابات التقرًّحية ..الخ.
خامسًا: كيف يتم تأكيد التشخيص؟
للأسف لا يوجد اختبارات (تحاليل – أشعات .. الخ) لتشخيص القولون العصبي بشكلٍ قاطع، إنما يتم التشخيص بناءً على الأعراض، ومدتها، وما يصاحبها. في حالة الشك في وجود تشخيص آخر، قد يطلب الطبيب إجراء بعض الاختبارات، كتحليل الأجسام المضادة بالدم لاستبعاد متلازمات سوء الهضم مثل داء سيلياك، أو تحليل البراز لاستبعاد وجود التهاب بكتيري أو تقرحي بالأمعاء … الخ.
للمساعدة في التشخيص، تم تطوير بعد الأدلة، مثل دليل روما، والذي يرجح الإصابة بالمرض في حالة حدوث آلام بالبطن وشعور بعدم الارتياح، لمدة يوم واحد على الأقل أسبوعيًا، على مدار 3 أشهر، مصحوبة باثنتين على الأقل من الخصائص التالية (تغير في عدد مرات التبرز – تغير في طبيعة البراز بين السائل والصلب – الشعور بآلام أو عدم ارتياح أثناء التبرّز).
سادسًا: كيف يمكن علاج القولون العصبي؟
كما ذكرنا آنفًا، لا يوجد علاجٌ نهائي يشفي القولون العصبي بشكلٍ تام، لكن هناك عدة طرق للتعامل مع الحالة، لتخفيف الأعراض، وتقليل احتمالات التفاقم. جدير بالذكر، أن كل حالة لها خصوصيتها، وبالتالي نصائح وتوجيهات معينة هي التي يمكن أن تثمر فيها.
عمومًا، مدار الأمر على الطعام والشراب، ويمكن لتبني التعليمات التالية، السيطرة على أكثرية الحالات البسيطة والمتوسطة
1. احرص على تناول الأطعمة المعدَّة بالمنزل، من مكونات نظيفة، وغير مخزنة لوقتٍ طويل.2. اقسم طعامك على مدار اليوم إلى وجبات صغيرة عديدة، بدلًا من وجباتٍ أقل وأكبر. وحافظ على انتظام مواعيد وجباتك.3. اشرب كمية وافية من الماء يوميًا.4. أكثِر من الاطعمة الغنية بالألياف مثل الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، والتي تزيد من كثافة البراز، وتهديء من تحسُّس الجهاز الهضمي، وتسهل عملية الإخراج.5. قم بتسجيل ما تأكل وما تشرب، وتسجيل أوقات حدوث الأعراض، لتستطيع معرفة ما يسبّبها لك بشكلٍ محدَّد، وبالتالي تجنُّبه.6. تجنب القهوة والشاي والمشروبات الغازية، وامتنع عن التدخين.7. تجنَّب الأطعمة الأكثر تحفيزًا للأعراض مثل الفلفل الأحمر، والبصل الأخضر.8. تجنب الأطعمة المسببة لتراكم الغازات في الجهاز الهضمي مثل القرنبيط والكرنب والمشروبات الغازية، والكافيين.9. قلِّل من تناول منتجات الألبان.
أما التعليمات غير المتعلقة بالطعام، فهي تجنب التوتر والضغط النفسي ما أمكن، وتقليل آثاره، وممارسة الرياضة المعتدلة، والحصول على حصة كافية من النوم.
أما بالنسبة للعلاج الدوائي، فيأتي دوره في حالة عدم نجاح التعليمات السابقة في السيطرة على الأعراض. وكما أكدنا سابقًا، فهذه الأدوية لا تعالج الحالة جذريًا، إنما تخفف الأعراض. وهي مبنية على النظريات القائمة في تفسير الحالة ومسبّباتها، وتحتاج بالطبع لاستشارة طبية مسبقة ووصفة بالدواء والجرعات المناسبة من طبيب متخصص.
من هذه الأدوية:
1. تعاطي مضاد حيوي اسمه الريفاكسيمين لمدة أسبوعين، والذي يقلل نسبة البكتيريا داخل الأمعاء. في بعض الحالات قد يوقف هذا الدواء حدوث الأعراض لعدة أشهر.2. مضادات التقلصات قد تخفف الأعراض في بعض الحالات.3. مضادات الاكتئاب، قد يتم اللجوء إليها أحيانًا، وقد تحرز نتيجة.4. قد تفيد المليِّنات في الحالات التي يطغى عليها الإصابة بالإمساك، بينما قد تفيد مثبطات حركة الجهاز الهضمي في الحالات التي يغلب عليها الإسهال.
بوجهٍ عام، هناك مجموعات عديدة من الأدوية أكثر تخصصًا، ويختار الطبيب الأنسب منها لكل حالة. على سبيل المثال، هناك دواء ألوسيترون، والمعد خصيصًا لحالات القولون العصبي خاصة النوع الذي يغلب عليه الإسهال في السيدات فقط، وهو يعمل عن طريق تهدئة عضلات القولون، وإبطاء حركة الفضلات في نهاية الأمعاء الغليظة. أما دواء لوبي-بريستون، فيستخدم لدى السيدات فقط أيضًأ، لكن في علاج الحالات التي يغلب عليها الإمساك، حيث يزيد إفراز السوائل في الأمعاء، مما يسهل خروج البراز.
كذلك يمكن لمضغ أقراص تحتوي على زيت النعناع المركز، أن يسيطر على تكون الغازات والانتفاخات بالبطن. وأحدث استخدام الإبر الصينية تحسُّنًا في بعض الحالات. كذلك استفادت بعض الحالات من البكتيريا المفيدة الموجودة في الزبادي المعزز بالبروبيوتيكس.