رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والثلاثون والأخير
حاولت سماح ان تخرج من تلك الهوة السحيقة التي تسحبها بقوة تبغى ان تفتح عيونها، ولكن شيئا قويا يمنعها من أن تستطيع فعل ذلك، تناهى إلى مسامعها بعض الأصوات تعرفت عليها على الفور، فكان ذلك صوت ماجى التي تقول بقلق: -طمنونى عليها أخبارها إيه دلوقتى؟ لتجيبها سمر: -لسة مفاقتش. سمعت حسن يقول بحنق: -منه لله سواق الغبرة ده، لولا الناس حاشته من ايده كنت... قاطعته هاجر قائلة بغيظ: -كنت أكيد هتبات في التخشيبة.
ليقول هادى: -اهدوا ياجماعة، الحمد لله انها جت على أد كدة. قال مجد: -اللهم لك ألف حمد وشكر، كان قلبى حاسس والله، كان قلبى حاسس. استمعت إلى صوت نسائي غريب، تقول: -مينفعش التجمع ده في الأوضة ياجماعة، دكتور هادى، انت عارف ان ده غلط، من فضلكم تخرجوا عشان أدى المريضة الحقنة. قال يوسف: -خلينا نقعد برة في الكافيتريا، ونخف الزحمة دى شوية. ليقول رائف: -انا عايزك في موضوع مهم يامجد.
شعرت بلمسة على جبينها، وصوت أخيها قريبا منها وهو يقول: -طيب، تعالى نقعد برة ونتكلم. اختفت الأصوات ثم شعرت بوخزة في ذراعها قبل أن تستسلم لتلك الهوة السحيقة مجددا ويلفها السواد.
كان حسام يتطلع إلى الأوراق التي أمامه بتركيز شديد حين طرق الباب فسمح للطارق بالدخول، اقتربت الخطوات منه ثم توقفت امامه، ليرفع عيونه إليها، كانت تقف فتاة رقيقة الملامح تتطلع إليه بخجل، لا يدرى لما ذكرته بسماح، تراجع في مقعده قائلا: -انتى السكرتيرة الجديدة المنقولة من قسم الحسابات؟ أومأت برأسها قائلة برقة: -أيوة يافندم. ابتسم قائلا: -اسمك نسمة عبد العظيم؟مش كدة؟ أومأت برأسها فقال:.
-نسمة، اممم، اسم جميل. احمر وجهها خجلا فاتسعت ابتسامته قائلا: -طيب، هاتيلى ملفات شركة التيسير يانسمة وتعالى عشان أقولك هتعملى فيهم إيه؟ اومات برأسها موافقة قبل ان تسرع بالمغادرة يتابع خطواتها الرشيقة بعيونه، وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة رضا.
كانت سماح تخرج من تلك الغيمة التي تحيط بعقلها، تشعر بجفاف في حلقها، فتحت عيونها بصعوبة فرأت رائف يجلس على الأريكة نائما في وضع الجلوس بينما يحيط بذراعه اليمنى بيرى النائمة بعمق وبذراعه اليسرى مراد النائم بدوره، ابتسمت بحنان، تتأمل هذا المشهد لبرهة قبل ان تنظر إلى كف يدها اليسرى حيث تلك الكانيولا المتصلة بهذا المحلول الذي يتدفق إليها ببطئ، حاولت أن تحرك يدها اليمنى فشعرت بألم في كتفها حال دون ذلك، تأوهت فتململ رائف قبل ان يفتح عيونه مستيقظا، نظر إليها على الفور فرآها مستيقظة تعلقت عيونه بعينيها للحظة قبل أن يتحرر بلطف من الطفلين يعدل وضعهما كي يرتاحا بالنوم، يستندان إلى ظهر الأريكة ثم اتجه إليها بسرعة قائلا:.
-حمد الله ع السلامة ياسماح. قالت سماح بوهن: -الله يسلمك، أنا فين؟ جلس رائف بجوارها قائلا: -في المستشفى. قالت: -مية، عايزة أشرب. اسرع يملأ لها كوبا من المياه ثم ساعدها على الاعتدال كي تشرب، ليعود اللون الاحمر الى وجنتيها الشاحبتين وهي تشعر بقربه منها، شربت ثم أخذ منها الكوب لتقول متسائلة: -إخواتى فين؟ قال رائف: -ماجد راح يطمن على مراته، وحسن راح يودى سمر تجيب حاجات من البيت. نظرت إليه قائلة:.
-وانت مروحتش ليه يارائف؟انت أكيد تعبان ومحتاج تستريح. كانت تلك المرة الأولى التي تناديه باسمه مجردا ليقول بحنان وهو يمسك بيدها بين يده: -راحتى هنا في قربك ياسماح. طالعته برعشة في خافقها إمتدت لسائر جسدها، فقد نفضت كلماته عنها ذلك الوهن الذي تشعر به، ليستطرد قائلا: -مشاعرى ناحيتك بقت باينة لكل اللى حوالينا واعترفتلك بيها لما كنت في الأقصر، مش كدة؟ تحاشت نظراته الثاقبة وهي تطرق قائلة: -أيوة بس...
قاطعها وهو يرفع ذقنها لتواجهه عينيها الحزينتان قائلا: -بس إيه؟ قالت بألم: -بس أنا منفعكش يارائف. قال بحيرة: -ليه بتقولى الكلام ده؟ قالت: -عشان أنا من جوايا صورة مهزوزة مشوهة مشاعرها مكسورة، عمرها ماهترجع زي الأول، وانت تستاهل أحسن من كدة. قال بابتسامة حانية:.
-أنا مستاهلش غيرك انتى ياسماح، على فكرة بقى انتى مش شايفة نفسك كويس، بصى في عينية هتشوفى نفسك، هتشوفى أد ايه انتى انسانة رقيقة وخلوقة، أد إيه حنينة وقلبك طيب. تأملت عيونه بإضطراب ليستطرد قائلا بحب: -هتشوفى ست مفيش منها اتنين، ست رغم اللى عمله فيها طليقها لكنها متخلتش عنه وسط أزمته، وقفت جنبه وطلعته منها، بصى في عيونى ياسماح، اقرى مشاعرى جواها وانتى هتعرفى أنا حبيتك ليه. قالت بصوت متهدج:.
-شايفاها بقالى فترة، ونفسى أصدقها بس مش قادرة. ضم يدها قائلة بحزم: -لازم تصدقيها، لازم يكون عندك ثقة ان انتى تستاهلى الحب، وان البنى آدم اللى تكونى في حياته هو بنى آدم محظوظ، وانا محظوظ بيكى لانك في حياتى ياسماح ومش مستعد أتخلى عن وجودك في حياتى بعد مالقيتك أبدا، مستعد أحارب الدنيا كلها عشان تكونى لية، حتى لو هحاربك انتى شخصيا.
كاد قلبها أن يقفز فرحا من السعادة ولكن ماضيها أطفئ تلك السعادة في لحظات لتقول بألم: -أيوة بس الكسر اللى... قاطعها قائلا بحنان: -إيمانى بإن حبى هيجبر كل كسر جواكى، وايمانى بإنك بتحبينى بنفس القوة، هو اللى خلانى أتقدم لأخوكى وأطلب ايدك من غير ما اخد رأيك ياسماح. طالعته بدهشة ليبتسم مستطردا:.
-وهو نفس الإيمان اللى مأكدلى بإنك في اللحظة دى وأنا هنا، بحط قلبى بين ايديكى وبطلب منك متخيبيش رجاه، انك هتوافقى وتقوليلى موافقة أتجوزك يارائف؟ها قلتى إيه؟موافقة تتجوزينى وتنورى حياتى اللى معرفتش اد إيه هي ضلمة غير لما شوفتك وعرفتك ياسماح. غشيت عيونها الدموع وهي تقول: -هقول ايه بعد كل الكلام الحلو ده، موافقة طبعا أتجوزك يارائف. لتضيف بمرح: - بس عشان إيمانك.
كاد ان يطير من السعادة ويحتضنها ولكنه أدرك جرح كتفها وأنها مازالت ضعيفة الى جانب أنها لم تصبح ملكه بعد ليحرص على ان تصبح كذلك في القريب العاجل، فاكتفى بقبلة رقيقة على يدها لتبتسم بحنان ويبادلها ابتسامتها، غافلان عن نظرات مبتسمة تبادلها الصغيران اللذان استيقظا منذ أن ابتعد رائف عنهما وكانا شاهدان على تلك السعادة، يشعران بها في أعماقهما بدورهما ويوافقان على هذا الاتحاد، بقوة.
بعد مرور بعض الوقت... وعند عودة سماح إلى المنزل، اجتمعوا في منزل عائلة الصعيدى ليحددوا موعد الخطبة وكتب الكتاب، فقال حسن بحماس: -بتهيألى الكل متفق معايا ان موضوع الخطوبة ده بقى متأخر أوى على المرحلة اللى احنا فيها دلوقتى وعشان كدة أنا بقترح للتصويت على كتب الكتاب والفرح علطول. وكزته هاجر بخجل بينما سرت الهمهمات بين الحضور ليبتسم مجد بداخله وهو يلاحظ أن الفكرة مقبولة بينهم فقال بهدوء:.
-اللى موافق على اننا نعمل كتب كتاب وفرح علطول يرفع ايده.
لم يرفع أحد من الكبار يده سواها هي، طفلته البريئة والرقيقة زوزا، والتي انضمت الى هؤلاء الصغار الذين يرفعون أيديهم بحماس، بينما الباقين اكتفوا بإيماءات من رءوسهم امتزجت بالابتسامات، يتبادل كل منهم مع شريكه نظرة حب راضية، لتشعر زوزا بالخجل وتخفض يدها، فأرسل لها قبلة خفية مع ابتسامة عشق خصها بها جعلت وجنتها تزداد حمرة، تكاد أن تطيح الآن بعقله فيختطفها من وسطهم جميعا وينطلق بها إلى بيتهما يشبع توقه إليها والذي بعثر كيانه بالكامل الآن، ليتنحنح محاولا تمالك نفسه وهو يقول:.
-احمم اذا كان كدة، يبقى كتب الكتاب والفرح بعد أسبوعين. كاد حسن أن يعترض مجددا فأوقفه مجد قائلا: -مش أقل من أسبوعين وده عشان نقدر نظبط أمورنا ياحسن ده مش فرح واحد ولا اتنين. عقدوا حواجبهم بحيرة بينما نظر مجد الى هذا الثنائي(سماح و رائف)ليقول: -دول ٣ أفراح، رائف طلب أختكم منى وأنا وافقت، بعد إذنها طبعا. تهللت أسارير الجميع وأسرعوا يهنئونهما فتقبلا تهانيهم بسعادة، وبعد ان هدأ الجميع، قالت سماح لمجد:.
-يعنى لو مكنش عندك مانع يامجد، أنا مش عايزة أعمل فرح كبير معاهم، أنا هكتب الكتاب وبس. اقترب منها مجد يمسك يديها بين يديه قائلا بحنان:.
-اسمحيلنا انتى نفرح بيكى ياسماح، أول مرة اتجوزتى فيها محدش فينا كان راضى انك تتجوزى من غير فرح عشان ظروف حسام وسفرنا، بس وافقنا علشان خاطرك، المرة دى غير، علشان خاطرنا كلنا هتعملى فرح وهنفرح بيكى، أنا مطمن أوى المرة دى ونفسى أفرح قلبك معانا ياحبيبتى، كمان دى رغبة رائف وأنا أيدتها من كل قلبى.
استرقت نظرة إلى رائف الذي يقف بجوارها بعيون تشع بالأمل أن توافق على طلبه ذاك، لتجد نفسها تبتسم برقة وهي تعود بعينيها لمجد تومئ برأسها، ليحتضنها على الفور قائلا: -فرحتينا كلنا ياسماح. أغمضت عينيها على دموع مقلتيها قائلة: -ربنا يخليك لينا ياأجدع وأحن أخ في الدنيا.
حاولت أن تخفض صوتها قدر الإمكان وهي تقول: -قلتلك مليون مرة متكلمنيش، أنا هبقى أكلمك، متوديناش في داهية. إستمعت إلى محدثها وهي ترمق الباب بقلق قائلة: -لأ طبعا مش هقدر أجيلك النهاردة، طليقة البيه هتتجوز ومزاجه زي الزفت وأكيد مش هعرف أسيبه وأخرج. إستمعت إلى محدثها ثم إبتسمت قائلة: -عيب عليك، ده أنا نسمة، هنسيه طليقته واللى جابوا طليقته كمان، بس سايباه شوية لحد مايهدى، وهشوف شغلى.
إستمعت مجددا قبل ان تقول: -لأ طبعا، أسيبه إيه، ده أنا ماصدقت أوقعه وأخليه يتجوزنى، أصله فاكرنى نسمة الرقيقة الخجولة اللى بتقوله نعم و طيب وحاضر، ميعرفش اللى فيها ولا عمره هيعرف طول ماأنا مورياه الوش الكيوت بتاعى. إتسعت إبتسامتها قائلة: -انت كمان وحشتنى، بكرة يابيبى هنبقى نعوض النهاردة، روح بقى عشان بينادينى.
لتغلق الهاتف وتلقى نظرة على نفسها في المرآة، تسدل شعرها، وتتأكد من مظهرها قبل أن تضع في عينيها من قطرة العيون وتتجه إلى الخارج، ترسم نظرات حزينة على وجهها.
بعد مرور بضعة أشهر... كان الجميع يستعدون لحضور سبوع الطفلة (سحر مجد الصعيدى)والتي ولدت بملامح تشبه ملامح والدتها تماما ولون شعر خالتها الاسود الحالك، بينما تحمل لون عيون والدها الخضراويين.
كانت سمر ترتدى صندالها بصعوبة وهي تثنى جذعها، ترهقها بطنها المنتفخة قليلا من الحمل، فجأة وجدت يديه تجلسانها على السرير ثم جلس باحدى ركبتيه على الأرض يمسك صندالها ويلبسها إياه برقة ثم يرفع إليها عيون مبتسمة لتبادله إبتسامته بواحدة مثلها، ترى أن قلبها كان صائبا حين أدرك الاختلاف في هذا الزوج الذي يتناقض برقته وعشقه وتصرفاته مع والدها، يثبت لها يوميا أن جل ما يبغيه هو حبها فقط، لا غير.
نهض يمنحها يده لتمد يدها إليه تتشابك أصابعهما بحب وهي تنهض، تمشى بجواره تستند برأسها إلى كتفه وهي تبتسم برضا. ، بينما كانت سماح تطمأن على كل الاعدادات لاستقبال الضيوف في منزلها، فقد أصرت على أن تعود زوزا من المشفى إلى هذا المنزل الذي يجمعها برائف، لترعاها جيدا وتقيم حفل السبوع عندهما بالمنزل، ابتسمت حين وجدته يضمها من الخلف ويستند برأسه على كتفها يستنشق عطرها قائلا بهمس حار: -اممم، برفانك يجنن.
التفتت تواجهه وهي مازالت في محيط ذراعيه قائلة بعيون مشعة بالحب: -عجبك؟ تأمل ملامحها التي يعشقها قائلا: -كل حاجة فيكى بتعجبنى ياموحة. ليلمس شعرها الناعم وهو يقول: -شعرك. يهبط بأنامله على وجنتيها برقة قائلا: -بشرتك، ليميل مقبلا اياها بنعومة هامسا: -اممم، ملمسها زي الأطفال. شعرت بنفسها تذوب بين يديه لتبتعد بسرعة عن مرمى ذراعيه قائلة باضطراب: -رائف، حد يشوفنا. تأملها بعيون غائمة بالمشاعر قائلا:.
-وفيها ايه يعنى، مش راجل ومراته. ابتسمت وهي تقول مبتعدة: -قليل الحيا، أنا رايحة أشوف دادة تحية خلصت الأكل ولا محتاجة مساعدة وانت أخرج شوف الزينة اللى برة أخبارها إيه. ناداها قائلا: -طب والموضوع بتاعنا، احنا لسة مخلصناش كلام فيه. التفتت تقول بمرح: -موضوعنا نشوفه بعدين، على برة، يلا، أوام.
ابتسم يتابعها وهي تختفى في المطبخ، ليتجه إلى الحديقة وبداخله يطير من السعادة لاستطاعته إعادة البسمة إلى ثغرها مجددا، يراها تشرق كل يوم ويزدهر جمالها ليدرك نجاحه كزوج فإذا انطفأت الزوجة وبهتت ملامحها كان وراء ذلك زوج لا يسعدها أما ان أشرقت كشمس ساطعة ضحكتها فاعلم أن وراء تلك الزوجة زوج عرف كيف يسعدها، وسيسعدها أكثر بالغد حين يأخذها إلى تلك المفاجأة التي أعدها لها، بيت جميل وسط خضرة شاسعة بمدينة الفيوم، تماما كما أخبرته عن حلمها في تلك السفرة إلى ألمانيا، وسيسعى جاهدا لتحقيق أحلامها واحدا تلو الآخر، تماما كما أقسم أن يفعل.
أما في الطرف الآخر من المدينة كان حسن يقود سيارته بإتجاه فيلا رائف تجاوره هاجر العابسة قليلا، رنا إليها حسن بنظراته للحظة قبل أن يتوقف بسيارته على جنب، فتأملت هاجر محيطها بقليل من الحيرة ثم التفتت إليه متسائلة لتراه يطالعها بهدوء، قالت: -احنا وقفنا ليه؟ أمسك يدها بيده قائلا: -ممكن أعرف حبيبتى كانت مكشرة ليه من شوية، شاركينى أفكارك ياهاجر زي ما عودتينى.
تطلعت إليه للحظات قبل أن تبدو كمن حسمت أمرها قائلة: -حسن، انت لسة بتحبنى زي زمان؟ نظر اليها مازحا وهو يقول: -زمان ده اللى هو من امتى، هو انا اعرفك من كيندر جاردن ولا حاجة ياقلبى؟ نفضت يدها قائلة بعصبية: -حسن، اتكلم جد شوية، انا مبهزرش. أمسك يدها مجددا وهو يقول بهدوء: -حاضر ياستى هتكلم جد، بس ممكن أسألك سؤال؟ اومأت برأسها فاستطرد قائلا: -انت ليه بتسألى السؤال ده؟ ظهرت الدموع بعينيها وهي تقول:.
-عشان أنا مبقتش أنا، بقيت مكعبرة من الحمل وملامحى ملخبطة، وخايفة تكون مبقتش تحبنى عشان شكلى اتغير. ابتسم بحنان ثم رفع يدها يقبلها قبل أن يتركها ويمسح دموعها برقة قائلا:.
-انا لما حبيتك محبتش جمالك، حبيت فيك الانسانة اللى شافت فية حد كويس، الانسانة اللى آمنت بية وبحبى ووثقت فية، الانسانة اللى اتقبلتنى بعيوبى وخرجتنى من الحالة اللى كنت فيها، الانسانة اللى جبرت كسرى ورجعتنى لنفسى وأنا كنت فاكر انى مش ممكن في يوم هرجع. ليرفع كفه يضعه على خافقها مستطردا:.
-أنا حبيت القلب ده، الانسانة اللى جوة واللى شايفة نفسها دلوقتى وحشة ومكعبرة مع ان لو بصت في عينى هتشوف نفسها أجمل نساء الدنيا. قالت بعيون تشع سعادة: -بجد ياحسن؟ قال برقة: -بجد ياقلب حسن. لينظر إلى عمق عينيها مستطردا: -انا مبحبكيش زي زمان، لأ، انا بحبك أكتر واكتر من زمان. ليربت على بطنها المنتفخة قائلا: -ياأم عتريس.
ابتسمت بسعادة فمال مقبلا وجنتها بحب قبل ان يعود للقيادة وهو يشغل اغنية (اجمل نساء الدنيا لصابر الرباعى)، بينما هي تستمع الى كلمات الاغنية وتطالعه بعشق، تدرك عشقه لها وتنفض من قلبها الى الابد، كل شك.
قالت سمية بحزن: -لا حول ولا قوة الا بالله، برده يانبيلة مصممة تضيعى مستقبل بنتك وحياتها عشان خاطر الفلوس. قال يوسف: -المشكلة مش في سنه ياماما وانه أكبر منها ب ٢٠ سنة، المشكلة ان شركته بتحوم حواليها الشبهات، وانا ضميرى مش سامحلى أسيبها تتجوز واحد زي ده. قالت سمية بقلق: -هتعمل ايه ياابنى؟ قال يوسف: -متقلقيش ياماما، بعتلها فلاشة مع واحد صاحبى عليها معلومات كاملة عنه، هيحذرها منه وهي حرة بقى بعدها.
أومأت برأسها براحة قائلة: -عملت طيب ياابنى ربنا يبارك فيك. قال يوسف بمزاح: -ربنا يستر بقى ومتحطش عينها على صاحبى، وخصوصا انه ظابط ووسيم وغنى و...
قطع كلماته وهو يراها تقترب مع طفلته، تبدوان رائعتين كملاكين، نهض يتطلع إليهما بحب، بينما أسرعت الصغيرة تحتضن والدها، ليضمها دون أن يحيد بناظريه عن زوجته التي مالت تقبل رأس حماتها برقة خلبت لبه، تركته جيسى لتسلم على جدتها التي ضمتها بحنان، بينما اقترب هو من زوجته التي تطالعه بقلق ربما تتساءل عن مظهرها الجديد، قبلها من جبهتها هامسا لها: -قمر في الحجاب ياميجو، وكأنك حورية ماشية على الأرض.
احمر وجهها خجلا فابتعد عنها على مضض وصوت والدته يقاطع رغبته القوية بضمها بين أحضانه، وهي تقول: -ربنا يحميكم ياولادى، سلمولى على رائف ومراته ومتنساش تسوق بشويش يايوسف، عشان خاطر ماجى. ابتسم يوسف وهو يدرك خوف والدته على هذا الجنين الذي ينمو بأحشاء زوجته يمتزج بالخوف على ماجى التي تعدها الآن كابنة لها وتعاملها بحب، بينما قالت ماجى: -انتى برده مصممة متجيش معانا ياماما؟ قالت سمية:.
-مبقاش لية في جو الزحمة ياماجى وبعدين مسلسلى جايبين منه حلقات متجمعة، هتفرج عليه على ماترجعوا. قالت جيسى: -أقعد معاكى ياتيتة، أسليكى. قالت سمية بابتسامة: -يابكاشة، ده انتى من الصبح هبلانى عايزة تشوفى البيبى، روحى معاهم، بس متتأخروش علية. أومأو برءوسهم، ليمد يوسف يده ويشبكها بيد حبيبته وزوجته، بينما امسك بيده الأخرى صغيرته ليتجهوا الى الخارج تتبعهم دعوات سمية وبركاتها.
دلف مجد إلى الغرفة فرأى زوزا تنهى إرضاع طفلتها ثم تضعها على كتفها تجشؤها، ابتسمت ما ان رأته وهي تضع الطفلة في مهدها قائلة: -عارفة انى اتأخرت، معلش ثوانى هلبس الحجاب وأبقى جاهزة. اتجهت الى المرآة تحمل حجابها فتوقفت يديها قبل أن تضعه على رأسها وصوت مجد يصلها قائلا: -استنى. التفتت تنظر اليه في حيرة وهو يتقدم منها حتى توقف أمامها تماما ليقول بأبتسامة: -لفى.
عقدت حاجبيها بحيرة فأدارها بيديه لتواجه المرآة مرة ثانية تنظر له من خلالها فأخرج من جيبه سلسالا أحاط به جيدها برقة وأقفله جيدا فأمسكت زوزا ذلك القلب الرابض على صدرها برقة بينما يقول مجد: -القلب ده فيه كل حاجة تهمنى أنا وانتى.
ليمد يده يحيط بيدها، يفتح هذا القلب لينقسم، اتسعت عينيها في دهشة وهي ترى في جانب منه صورة تجمعها معه ومع طفلتهما في المشفى حيث أنجبت طفلتها، بينما بالجانب الآخر صورة لاختها سحر، أدمعت عيونها وهي تتلمس تلك الصور بأناملها ليديرها مجد لتواجهه، مسح تلك الدموع المترقرقة على وجنتها قائلا: -دموعك دى ياما نزلت بسببى، الظاهر انى غبى ومصمم أبكيكى. قالت من خلال دموعها: -دى دموع الفرح يامجد. قال مجد بحنان:.
-لو تعرفى كل دمعة منك بتنزل في قلبى تكويه إزاي، كنتى هتعرفى أد إيه بكره دموعك ومحبهاش تنزل لا في فرح ولا في حزن. قالت: -أعمل إيه بس، دمعتى قريبة وبتنزل بسرعة. لتمسح دموعها بأناملها قائلة: -بس أوعدك متنزلش تانى، لإنى مش ممكن هرضى قلبك ينكوى بسببى. قال بمشاكسة: -لازم توفى بوعدك، لانى المرة الجاية همسحهم بشفايفى، مش بإيدى، وساعتها هعرف انك محتاجة خدماتى بس مكسوفة تطلبيهم. وكزته قائلة بخجل:.
-مجد، بقيت قليل الحيا. اتسعت عيناه قائلا بإستنكار: -انتى مراتى ياهابلة. تعالى صوت صراخ الطفلة لتقول بمشاكسة بدورها: -طيب ياجوز الهبلة، سكت بنوتتنا على ما ألبس الحجاب لإنى إتأخرت.
ثم عادت لترتدى حجابها، بينما اتجه مجد على الفور للطفلة يرفعها بين يديه، يداعبها بحنان، لتطالعهما زوزا من خلال المرآة بنظرة حب امتزجت بسعادة، تلك عائلتها الصغيرة التي استطاعت رأب كل صدع بداخلها وجبر كسورها وتعويضها عن ماض مرير، تلك عائلتها الصغيرة التي لم تتمنى ولن تتمنى سواها، تدعوا الله بحفظها في سرها ليلا ونهارا، تلك عائلتها الصغيرة التي تتكون من طفلتها وزوجها والتي لن تتوانى عن منحهما السعادة بدورها تماما كما تمنحها رؤيتهما الآن معا، الى جوارها، للأبد.
اجتمع الجميع في منتصف الحديقة بالفيلا، يسمعون دقات الهون وهي تصدح مع كلمات المسئولة عن تنظيم الحفل: -اسمع كلام مامتك زوزا، ومتسمعش كلام باباك مجد... اسمع كلام عمتك سماح، ومتسمعش كلام عمك حسن.
وهكذا، تتعالى الضحكات والمباركات ثم تتعالى أغانى السبوع مع تلك الفرقة الموسيقية الشهيرة والتي أصر رائف على استئجارهم كهدية صغيرة لمجد وزوزا في سبوع طفلهم، تتسلل الكلمات الى وجدان الجميع فتغمرهم بالسعادة، بينما يدور الأطفال حول زوزا والمولود بالشموع، تنطلق ضحكات مراد وجيسى وبيرى السعيدة فتغمر الجميع بالارتياح.
وقفت سماح على أطراف أصابعها تهمس في أذن رائف ببضع كلمات لتتسع عينيه بدهشة ثم نظر إليها بفرحة ظللت ملامحه يمسك يديها بين يديه يسألها بعينيه عن صحة تلك الكلمات التي همست له بها لتومئ برأسها في سعادة، أحاطها بذراعه مقبلا رأسها بفرحة ثم اتجه بها الى حيث تلك الفرقة الموسيقية وسط دهشتها، ليأخذ المذياع من المطرب الشهير قائلا من خلاله بسعادة طاغية: -باركولى ياجماعة أنا هبقى أب، سماح حامل.
تقافز كل من مراد وبيرى فرحا لخبر قدوم طفل جديد سيقوى الرباط بين والدته ووالدها تشاركهما جيسى التي وضعت يدها على كتفيهما تضمهما سويا اليها، بينما انطلق الجميع الى (سماح ورائف) يباركون لهما ويتمنون لهم البنين والبنات، يهنئونهما تباعا، حتى اقترب مجد من سماح ليضمها بجانبه ويقبل جبهتها قائلا بسعادة: -مبارك يا أحلى وأرق أخت في الدنيا. ابتسمت قائلة بخجل: -الله يبارك فيك يامجد.
قال رائف وهو يسحبها من يدها إلى جواره: -دى مراتى على فكرة. ابتسم مجد وهو يعاود سحبها الى جواره قائلا: -ودى أختى على فكرة.
لتنقل بصرها بينهما بسعادة تمد يدها تمسك بيد رائف لتصبح محاطة بالإثنين، تدرك أنها محظوظة بوجودهما في حياتها فلطالما كان هذا الأخ إلى جوارها يدعمها في كل وقت، وكلما احتاجته، يغمرها بحنان لا حدود له، بينما جبر رائف كل شرخ وكل كسر في كيانها ومنحها فرصة أخرى للحياة، تنعم فيها بحبه وتدرك أنها لم تكن تحيا قبل ان تراه، تنقلت ببصرها بين الجميع (زوزا، هاجر، سمر، ماجى، ونفسها)لتدرك شيئا آخر، سمعته مرارا ولكنها لم تدرك معناه سوى الآن...
انظروا إلى أي إمرأة، تأملوا ابتسامتها، ان رأيتموها مشرقة تشع في عينيها فاعلموا أنها تزوجت رجلا أحبها... أما ان رأيتموها باهتة توقفت تلك الابتسامة عند ثغرها فاعلموا أنها تزوجت رجلا أراد فقط، امتلاكها... المرأة كائن رقيق قوي التكوين، تمنحك قدر ما تمنحها ثم تزيد أيها الرجل! لا تكسرها...
فقد تبدو خاضعة مستسلمة لإحتلالك كيانها وإرادتها، ولكن حذار من إنتفاضة إمرأة مستعمرة قد فاض بها الكيل، فستحرق الأخضر واليابس بنيرانها، وأول ضحاياها، سيكون أنت. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم