رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الرابع عشر
مر يومان ولم تجيب على اتصالات مازن المستمرة بها، قررت ذلك بعدما داهمتها كوابيس باحلامها لحزن والدتها وغضب أخيها الاكبر منها، غادرت المدرسة وبحثت بعيناها عن سائقها الخاص وذلك بسبب غياب يارا اليوم من عملها بسبب عريسها المنتظر، وقعت عيناها الصغرتين عليه يقف بالاتجاه الاخر ينظر مباشرة لها وعلامات الضيق تحتل ملامحه، نظرت خلفها لزملائها وجدتهم مشغولين، حولت بصرها نحوه وقررت ان تعبر الطريق باقصى سرعتها، وبالفعل وصلت عنده تلهث قائلة بنبرة حانقة: انت مجنون يا مازن، جايلي هنا.
هتف غاضباً منها: ماهو علشان حضرتك مبترديش عليا. عقدت ذراعها امامها قائلة بصرامة: اه ومش هارد عليك تاني يا مازن. التوى فمه بتهكم: ده على أساس انك كنتي بتردي قبل كده، يابنتي احنا اصلا مكناش بنتكلم، اخرنا كان مسجات بس. نظرت نحو زملائها بتوتر ثم عادت ترمقه برجاء: مازن بلاش كلامنا ده غلط كمان، ماما لو عرفت هاتزعل اوي مني، وممكن ابيه مالك يموتني، انت متعرفهوش هو يبان طيب بس لما بيغضب كلنا بنخاف منه.
أخرج تنهيدة قوية من صدره بسبب غبائها قائلاً: يابنتي انتي خلاص قررتي انهم عرفو، ده مجرد مسج من واحدة هبلة او واحد اهبل بيخوفك بيها مش اكتر، وبعدين متخافيش انا كلمت واحد صاحبي اخوه بيشتغل في شركة اتصالات اللي اتبعتلك منها المسج ووعدني انه يعرفلي مين ده ولما اعرف والله منا سايبه او سايبها . ضغطت على شفتيها بتوتر قائلة بحزم: ماشي لغاية ما تعرف منتكلمش يا مازن خالص، لو سمحت انا بقالي يومين منمتش من قلقي، ولا حتى بذاكر، لو سمحت بلاش الفترة دي.
وقبل ان يتحدث كانت تشير له وتودعه وتنطلق نحو الاتجاه الاخر نحو سيارتها، زفر مازن بخفوت منها ومن خوفها. وضع نظاراته الشخصية على عيناه السوداء، وانطلق في وجهته.. كانت تظن انها قد أنهت لو جزء صغير من خوفها بعدما ابلغته بقرارها، ولم تكن تعرف ان هناك اثنان من زملائها يقفون لها بالمرصاد. أخفض هاتفه بعدما التقط لها العديد من الصور مبتسم بخبث لنجاح خطته، اقترب منه زميله قائلاً بانتصار: ايه يا زياد اخدت صور حلوة. أطلق صفيراً مستمتعاً بتلك اللحظة ثم قال بعدها: شوية صور انما ايه، هايبقوا في الجون.
هتف الاخر بحماس: طيب ايه قولي هاتبعتهم امتى لاخواتها. أشار له لكي يهدأ قائلاً: واحدة واحدة بالهداوة، لازم اسويها من الخوف الاول. صفق الاخر بحماس قائلاً: ايوه بقى شكل الحكاية هاتحلو، و ه نكسر مناخيرك يا ليلة قريب.
بجريدة الحرية .. راقبت زميلتها بالعمل وهي تتلقى طلباتهم عبر الهاتف المخصص للكافيه، احتدت ملامحها بغضب قائلة: هو انا مش عاوزه ازعلك يا قمر بس مش معقول يعني من وقت ما جيتي وانتي اللي بتاخدي طلباتهم، كده هايقولوا عليا مقصرة، وانا عمري ما قصرت معاهم في حاجة . هتفت الاخرى بهدوء: على فكرة والله ما ذنبي، استاذ عمار أمر انا اخد طلباتهم وانتي لطلباته هو بس. همت تقف بضيق قائلة بغيظ من افعاله المفاجئة: انتي بتقولي ايه!. وضعت الاخرى المشروبات على الطاولة قائلة: لو مش مصدقاني اساليه..
هتفت خديجة بشجاعة: هاساله طبعا. ذهبت صوب مكتبه وشجاعتها تزداد، وما ان دخلت غرفته حتى تبخرت في ثواني بمجرد ان رفع عيناه الزيتونية تقابلها، ليست فقط شجاعتها بل ايضًا لجم لسانها كالعادة وبقيت صامتة لعدة دقائق، حتى قطع هو صمتها قائلاً ببرود: خير!. هتفت ببلاهة: ها.. نهض من مقعده ثم توجه نحوها حتى وقف امامها مباشرة فرفعت وجهها لاعلى لفارق الطول بينهم، أشار برأسه قائلاً: نعم؟!. تلعثمت بحديثها قائلة: اه، يعني..
صمتت لبرهة ثم عادت تستكمل حديثها وهي توجه سبابتها بوجهه: انت ازاي يا عمار تصدر قرار زي ده، ازاي انا بس اكون مخصصة اجبلك طلباتك والبنت الجديدة دي هي اللي... قطع حديثها وهو يقبض على سبابتها قائلاً بصرامة: نزليه علشان متزعليش، واه انا حُر اعمل اللي انا عاوزو.
انزلت يديها وحاولت التحلي بالصبر امامه، فهذا أخر شخص بالعالم تقف وتجادله وذلك لتعنته وعناده...تنهدت بخفة ثم قالت بنبرة هادئة: عمار، لو سمحت انت كده بتسوء سمعتي يقولوا عليا ايه بقى، هايطلعوا عليا كلام وحش، لو سمحت علشان خاطري الغي قرارك ده ونرجع زي الاول، فكر في كلامي هاتلاقيه صح وعين العقل. رسم ابتسامة هادئة على وجهه ليقول: صح فعلا. زفرت براحة عندما وجدته هادئًا واقتنع أخيراً بوجهة نظرها وقبل ان تتحدث كان هو يضع اصبعه على ثغرها قائلا بنبرة جنونية: هششش، علشان انا هاعرفك عين العقل والصح.
شهقت عندما وجدته يجذبها خلفه بسرعة، وغادر غرفته وقف امام مكاتبهم قائلاً بصوت مرتفع: لو سمحتوا، بصولي كده ثواني . انتبه الجميع لهم، فحبست انفاسها في تلك الثواني مفكرة ماذا سيقول لهم، لم تعد تستطيع تكهن ردة فعله، عمار أصبح مفاجئ بكل شئ، شعرت به يمسك يديها ثم رفعها عالياً ليقول: انا وخديجة اتجوزنا، باركولنا.
ارتفت اصواتهم بالتهاني متمنين السعادة لهم، اكتفت بهز رأسها مع ظهور ابتسامة صغيرة على ثغرها، شعرت به يجذبها نحو مكتبه مرة أخرى، دلفت خلفه قائلة بصدمة: عمار انت عارف عملت ايه!. أجابها بلامبالاة: عارف كويس، انا مبخطيش خطوة الا وكانت عامل حسابها من زمان. عقدت ذراعيها قائلة بتهكم: واقدر اعرف ايه اللي انت ناوي عليه، من باب المعرفة بالشئ. ارجع ظهره للخلف مستنداً براحة على كرسيه الوثير قائلاً: وماله، الخطوة الجاية انك هاتطلعي دلوقتي تروحي لان مبقاش ينفع زوجة رئيس مجلس الاداره تبقى بتشتغل في كافيه ...
احمر وجهها بغيظ من عنجهيته، فاكمل هو حديثه: يالا هاتلاقي السواق واقف برة مستنيكي. هتفت باستنكار: سواق!. عمار بابتسامة مستفزة: اه، ومن هنا رايح هاتتحركي بيه، لغاية مانشوف هتحتاجي مهلة قد ايه وتبلغي ايلين وتيجى بيتي..
همت ب أن تعارضه، فقاال هو بحدة خفيفة: وقبل ما تعارضي، ده علشان حمايتك من ابوكي، لما نشوف اخرته ايه!، يالا علشان متتأخريش. وقفت كالصنم لا تتحرك، كل ما تفعله تحدق به فقط، تريد اختراقه ومعرفة ما يدور بداخله، أصبح مختلفاً كلياً عنها، لقد جن بالفعل، في الثانية الواحدة تشعر بمئات المشاعر المختلفة والمتناقضة منه، وكأنه يصارع نفسه لاظهار شخصية غير شخصيته الحقيقية.. انتفضت عندما ارتفع صوته أمراً اياها ان تغادر وتنفذ أمره، التفت لتغادر وضعت يديها على مقبض الباب وقبل ان تديره قالت: ايلين عازمك على العشا انهارده، هي قالتلي اقولك ... سلام.
جهز نفسه وارتدى قميصا باللون الاسود القاتم كحال ليلة ذلك المعتوه سراج، عدل من وضعية شعره وجعله مبعثرا، ف بدى كرجل مافيا خطير، راقبه مالك باهتمام وحاول كتم ضحكاته، التفت له فارس قائلا بضيق: بتضحك على ايه.. نهض مالك من جلسته ثم وقف امامه قائلاً: ايه يا فارس انا حاسس انك رايح تقتله فعلاً، ايه شغل المافيا ده. جز على اسنانه بغيظ: اقعد اتريق انت، وسايبني انا البس في الحيط . ربت مالك على ذراعيه قائلاً بمزاح: لا اجمد كده يا بطل، لسه قدامك ليلة عاوزه صبر.
نفض فارس يديه بغضب: بطل هزار، قولي اعمل ايه في خطتك الرهيبة، وريني شغل الظباط. رفع مالك أحد حاجبيه قائلاً: رغم ان انا حاسس انها تريقة، بس بص انا هابهرك.. تحرك صوب باب الشقة قائلاً: ابهرني يا مالك، ايه اول حاجة في الخطة بقى. غادرا الشقة ثم وقفا امام المصعد فقال مالك وهو يهز كتفيه: ولا حاجة .
انقض فارس عليه يمسكه من مقدمة سترته قائلاً بغيظ: انت عاوز تفرسني ياخي، انت اكيد ضدي. حاول مالك ابعاده عنه قائلاً: ابعد يا زفت، وضعنا مش ظريف. ابتعد فارس قائلاً بتوعد: لو مقولتش حالاً ايه اول حاجة اعملها، هاروح اخطف اختك واتجوزها غصب عنها وعنك وعن التخين. وقف مالك امامه ناظراً في عيناه مباشرةً ليقول بحدة وتحدِ: اعملها كده، وانا هاقتلك بعدها .
تراجع فارس ليقول بحنق وعصبية: طب قولي اعمل ايه!.. اتجه مالك صوب الدرج وخطى اول خطواته عليه قائلاً: قولتلك ولا حاجة، روح عادي واتعامل عادي جدا، واعرفه كويس ولما تيجي نتكلم بهدوء واكون عرفت رأي يارا. وصل المصعد فاستقله فارس قائلاً بغيظ: بارد اوي، اقسم بالله بارد قوي .
وصل امام منزل صديقه، قرع الجرس، فظهر امامه عمرو مبتسماً: تصدق كنت بحسبك العريس . تخطاه فارس قائلاً: ليه هو هايبقى حلو كده زي. غمز له عمرو قائلاً: يا واثق انت. دلف الى الصالون وجدهم جمعياً مجتمعين عدا هي، شعر بالغضب يتزايد بداخله، فكان يريد رؤية ثيابها اولاً قبل ذلك الفظ...اقترب من والد مريم قائلاً: ازيك ياعمي. نظر له شريف وحيّاه برأسه: ازيك يا فارس اخبارك.
جلس بجانبه قائلاً بسخرية حاول اخفائها في حديثه: انا زي الفل. قالت ماجى: لما عرفت ان شريف نزل اجازة قولتله يجي يحضر، انا اخويا وامي مسافرين ومالك في شغله وانتو مكانهم. هتف شريف مؤكداً: طبعا يا ماجى، احنا عنينا ليكي، ول يارا، الا قوليلي هي والدتك وأحمد اخوكي مش ناوين ينزلوا بقى . تنهدت بحزن: لا، اتحايلت عليهم كتير، المشكلة ان امي وحشتني اوي. هتفت ليلة: ان شاء الله يا مامي ينزلوا قريب ويستقروا معانا. قرع الجرس مره اخرى فنهض عمرو قائلاً: ده باين عليه العريس.
عدل فارس من وضعية جلوسه، وكأنه سيدخل حرباً لتو، رمقه شريف بتعجب، دلف سراج ووالدته خلف عمرو..نهضت ماجي ترحب بهم وايضاً شريف ماعدا هو لم يتحرك من مكانه ولم يحاول حتى تحيتهم، وكانهم هواء لا يراهم، احمر وجهه ماجى من فعلته، اما شريف فتعجب اكثر لفعلته تلك، نظرت ليلة وعمرو لبعضهم وعلامات الاستفهام تملئ وجوههم..بينما سراج جلس مكانه ورسم على وجهه ابتسامة النصر فمهما فعل خصمه الليلة هو المنتصر... بعد فترة من التعارف دلفت يارا ترتدي فستان أزرق يرسم جسدها ببراعة وحجاب ابيض انار وجهها، صافحتها والدته بحرارة كبيرة، وهي تنظر لها بسعادة فهى جميلة حقاً كما وصفها ولدها لها، تخطتها واقتربت من سراج فمد يده لكي يصافحها، نظرت هي ليده وشردت لثواني، اغمض فارس عيناه هامساً: متسلميش متسلميش .
انتبه للكزة شريف قائلاً بخفوت: انت كويس يا فارس. هز رأسه بنفي ليقول: لأ. قطب شريف ما بين حاجببه متسائلاً باهتمام: فيك ايه يابني .. قولي، عيان فيك حاجة . حول بصره نحو يارا وجدها تصافح سراج بجمود، لاحت بذهنه فكرة حقيرة يفسد بها تلك الليلة لم يعد باستطاعته ان يتحمل ما سيحدث، التفت لشريف واتقن التمثيل ليقول بصوت خافت: بطني بتموتني، معرفش حاسس ان هاموت، آه... آه خافتة، والاخرى كانت مرتفعة لدرجة انهم انتفضوا برعب نحوه حتى هي ... قالت ماجى بقلق: في ايه مالو يا شريف.
كان منحيناً صوب شريف وعندما رأى يارا تقف بالاتجاه الاخر، انحنى نحوها واصدر عدة تأوهات خافتة . نهض شريف ليقول بتوتر: شكل في بطنه حاجة، يالا نوديه المستشفى.. اتسعت عيناه رعباً، ماذا مشفى!، كان بمخيلته افساد الليلة بالتظاهر بالمرض وينتهي بتأجيل الموعد، ليست مشفى من الواضح انه اتقن التمثيل بزيادة، شعر بيدها تحاول مساعدته للنهوض قائلة: يالا بسرعة باين عليه عيان اوي. حسناً فشكراً للمشفى ولتمثيله ولشريف ولكل شئ ساعده في افساد ليلة ذلك الابله..
استقل السيارة بجانب شريف وفي الخلف جلست ماجى وعمرو، أين هي، يريد ان يسألهم، لما لا تأتي..لجم لسانه وحاول ان يستدير برأسه ناحية النافذة ليرى أين هي، وبالفعل نجح وجدها تستقل سيارة سراج ومعاها ليلة، اطمئن قلبه لوجود ليلة معاها... وصلا الى المشفى وحاول عقله ان يسعفه ان يخرج من ذلك المأذق دون ان يفقد وضعه وهيبته امامهم.. وقف الجميع بالغرفة حتى دلف الطبيب فقطب ما بين حاجبيه قائلاً: ده كله في اوضة الكشف لا لو سمحتوا كلكو برا. اطمئن قلبه قليلاً، وعادت الروح لديه، ولكن سرعان ما انسحبت عندما قال شريف: انا هاكون موجود، يالا اطلعوا انتو...
تعلقت عيناه بعيناها وهي تغادر الغرفة، أخيرًا شعر بخوفها وقلقها عليه، أخيرًا اطمئن قلبه انها مازالت تكن له بمشاعر، بعدما بدء بفقد الامل بها وخاصة بعد رفضها المتواصل له، رأى ذلك الفظ يدفعها للامام لكي تغادر الغرفة، فخرجت منه تأوه قوية قطب الدكتور جبينه بعدها: يا خبر انت عيان لدرجاتي.. قال شريف بقلق: اه جداً، بييصرخ من بطنه، طمنا لو سمحت عليه.. هتف الطبيب بهدوء: متقلقش هاكشف اهو ونطمن أراح رأسه على سرير الكشف واستسلم ليد الطبيب وسماعته التي تستمع لدقات قلبه، تمنى ان تستطيع هي ان تستمع دقاته لتعلم ما فعل حبها به..
بشقة مالك.. دلف للمطبخ وجدها تقف امام الثلاجة بحيرة وعيناها تنتقل من هنا الى هناك، اقترب منها ليقول: بتعملي ايه يا ندى. اغلقت باب الثلاجة قائلة: محتارة اعمل كيكة بالبرتقال ولا كيكة بالشكولاته. التقطت المكونات بين يديها تنظر لهم بحيرة، جذبهم من بين يديها ووضعهم على الطاولة: ولا دي ولا دي، تعالى هانخرج برة شوية. مطت شفتيها للامام قائلة: لأ ماليش مزاج اخرج.
هتف بتهكم: امال ليكِ مزاج تقعدي في المطبخ. ندى بضيق: ولا حتى المطبخ، انا عاوزه اعمل حاجة جديدة.. اقترب منها يشاكسها: طيب اهو قولتي تعملي حاجة جديدة، انتي بقى في اهم مرحلة من حياتك ياندى، انتي متجوزة جديد يا ماما.. وجدها شاردة بوجهه، فجعد جبينه ليقول بمكر: سرحانة في الجواز صح ... لم يكمل جملته بسبب تصفقيها الحار، لتقول: بس وجدتها احنا نلعب كوتشينه. رمقها بسخرية ليقول: هي دي فكرتك عن الجواز.
هتفت برجاء طفولي: يالا نلعبها علشان خاطري، انا شاطرة فيها أوي. ابتسم مالك ليقول بنظرة ماكرة: نلعبها بس باحكام، اصلها متبقاش ليها طعم الا بالاحكام. صمتت لبرهة تفكر لتقول بتحذير: ماشي بس اوعى تقولي انزلي السلالم او اطلعي بلكونة اصرخي، الاحكام في الشقة هنا. ضحك بقوة قائلاً: عيب عليكي، هو انا تافه لدرجاتي، انا هاحكم احكام عميقة . غادرت المطبخ لتقول: طيب هاروح اجيبها وانت تعال ورايا.. همس مالك بحماس: ياسلام، هاتلاقيني في ضهرك.
عدل الطبيب الابرة المثبتة بيد فارس، واطمئن على سريان المحلول ليقول: بس يابطل المحاليل دي هاتروقك. هتف شريف بقلق: خير يا دكتور. انشغل الطبيب بكتابة الدواء فقال: مفيش شوية مشاكل في معدته هاتتحل باذن الله. اعطى الورقة لفارس قائلاً: جيب الدوا ده وانت مروح وهاتبقى زي الفل . أكمل حديثه ووجه لشريف: لو سمحت تنادي حد من التمريض بس تيجي تراقب المحلول..
كان يحدثه تحت صدمة فارس التي لم يستطيع اخفائها، دواء ماذا، ومرض ماذا، ماذا يفعل ذلك الطبيب، غادر شريف، فالتفت اليه الطبيب يوبخه: مش عيب لما طويل كده وراجل قد الدنيا وتبقى اهبل. اتسعت اعين فارس بصدمة، ليكمل الطبيب حديثه: انا قولت كده علشان مطلعكش كداب وخصوصا انك زي الفل، محاليل دي جلكوز، والدوا ده فيتامينات مع انك مش محتاجهم...
دلفت الممرضة ومعاها شريف ودلف خلفه بقيتهم عدا هي انقبض قلبه، أيعقل ان تكون تركته وذهبت وشرد بتفكيره ولكنه عاد عندما وجدها امامه تجلس بهدوء على مقعد بجوار والدتها، انهت الممرضة عملها، فشكرها فارس: خلاص مالوش لزوم تقعدي معانا، شوفي انتي شغلك، معايا أهلي مش هايسيبوني. هزت رأسها باستيحاء ثم خرجت، فنهضت والدة سراج: طيب يالا بينا يابني، ونبقى نجتمع في وقت تاني انسب.
جز سراج على اسنانه بغيظ وخاصة عندما شعر بتمثيل فارس ليقول مؤكداً وهو ينظر بعيني فارس مباشرة والتحدِ يملئ عيناه ونبرة صوته: اكيد ياماما، لازم نقدر الظروف، المهم هاتصل بحضرتك يا طنط اخد معاد تاني عن اذنكوا... غادروا تحت نظرات فارس الحانقة، فخرج خلفهم ماجى وشريف وعمرو يودعوهم معتذرين عن ما حدث... ف بقيت هي وحدها معه... حاول استطعافها بنظراته وتمثيله للوجع لعلها تتحرك وتأتي بجانبه ولكن لا فائدة فبقيت هي ساكنة، تنظر له فقط..حتى قطعت هذا الصمت بوضعها سااق على الاخرى، فاشار هو للماء قائلاً: يارا هاتي المية دي وشربيني... تعبان اوي.
ظهر على وجهها علامات الامتعاض لتقول: متستعبطش يا فارس، انت زي الفل ما شاء الله..بس ان كنت فاكر انك كده ضيعت على سراج الليلة، ف متقلقش هاتخطبله بردوا .. نهضت واتجهت صوب الباب ليقول بحنق: على جثتي يا يارا. هزت كتفيها بلامبالاة قائلة باستفزاز: هانقرأ الفاتحة امتى؟.. غادرت الغرفة، فخرجت من فمه قذائف وسباب لاذع، حاول تهدئة نفسه والعودة لثباته قائلاً: اهدى يا فارس..،اهدى، هي عاوزه تعصبك. غادرت الغرفة فوجدتهم امامها، وجهت حديثها لعمرو: يالا اطمن عليه وتعال وصلني علشان تعبانة .
هز رأسه بموافقة، تقدمت من الدرج وهي تبتسم بنصر وخاصة بعدما علمت بامر تلك التمثيلية وتتذكر كلمات الطبيب وهي تقف امامه تستعطفه ليخبرها بحالته الصحية _ يابنتي اهدي هو كويس والله، والله كويس، ده بيمثل شكله عاوز يهرب من حاجة، ف مثل انه عيان.. عادت من شرودها، وضحكت باستمرار على تفكيره وفعلته الحمقاء تلك، اقسمت بداخلها ان تذقيه مرارة الفراق كما هو اذاقها من قبل بلا رحمة، حان الوقت ان يتذوقها ليعلم قسوة مرارته ومرارة وجعه.
بشقة مالك... جلست امامه ترمقه باهتمام وهو يتحدث ويشرح لها قواعد اللعبة، عقدت حاجبيها بعدم فهم قائلة: ازاي يعني علبتين فيهم احكام . وضع الصندوق امامها وبداخله عدد لا بأس به من الاوراق الصغيرة والمطوية: ده يا ستي العلبة بتاعتك فيها احكام تخصك لو انتي خسرتي هاتسحبي ورقة وتنفذي حكمها...
أكمل حديثه وهو يضع الصندوق الاخر امامه: وده بردوا علبتي وفيها احكام لو انا خسرت هاسحب ورقة وانفذها تمام.. رمقته بعد دقيقة من الصمت، لتقول بتحذير: بس اوعى يكون فيها ضرب. اعطاها ورق الكوتشينه بيدها ليقول: مبمدش ايدي على بنت، وبعدين قولتلك الاحكام اعمق من كده بكتير. أنهى حديثه بغمزة خفيفة من طرف عينيه، ليقول بحماس: يالا نبدأ.
هتفت يارا بنفس حماسه ولكنه مصاحب لخوف بسيط وخاصة عندما لاحظت تلك النظرة الوقحة بعيناه: يالا .. توترت ببدء الامر بسبب انشغالها بالتفكير بالاحكام التي كتبت بالاوراق الصغيرة، ف أدت الى خسرتها، حتى صفق هو بحماس: مبروك يا ندى، خسرتي اول جولة يالا بقى اختاري حكم.
نظرت للصندوق بتفكير، فحثها هو على الاختيار، اختارت ورقة فتحتها وقرأتها بهمس: بوس اللي قدامك. شهقة قوية كتمتها، رفعت عيناها له ترمقه بخجل، فرأته يبادلها بنظرات ماكرة، ليقول بحماس: يالا نفذي اللي في الورقة . القتها بعيداً قائلة بتوتر: لا هاختار واحدة تانية .
مدت اصابعها تلتقط ورقة اخرى مع تذمره الكامل لعدم تنفيذها للحكم الاخر، قرأت بهمس وعيناها تتسع تدريجياً من وقاحته: احضن اللي قدامك لمدة ربع ساعة، ها لمدة ربع ساعة . القتها هي الاخرى وكان التذمر من نصيبها لتقول: ايه ده ايه الاحكام دي. رفع حاجبيه مستفهماً ببراءة: مالها!. هتفت سريعاً: قليل...
بترت جملتها وصمتت، حتى قال هو حانقاً: لا انتي بتبوظي اللعبة، يالا اختاري واحدة تانية وهاتنفذيها. زفرت بخفة وهي تقرأ الاخرى، حمدت ربها ان حكمها اخيراً باستطاعتها تنفيذه: قول كلمة حلوة في حق اللي قدامك. اتسعت ابتسامتها لتقول: اممم، حاسة انك طيب اوي. بادلها بابتسامة مقتضة قائلاً: انتى بتكلمي ابن اختك، بعدين اشمعنا دي اللي نفذتيها، على العموم شكراً.. غمزت بطرف عيناها لتقول قاصدة اغاظته: العفو..يالا بقى نلعب جوة تانية وان شاء الله اكسبك.
اعطاها الاوراق بيديها ليقول بمكر: لازم تكسبيني المرادي. لم تفهم حديثه او بمعنى أصح ركزت باللعب حتى لا تخوض تجربة الاحكام مرة اخرى..اوشكت على الانتصار ودقيقة اخرى ستعلن انتصارها بسعادة، ولكن في الحقيقة هو من قصد الخسارة امامها.. ندى بحماس: اختار يالا حكم وهاتنفذه. ضحك مالك ليقول: طبعا، انا متشوق اصلا للاحكام بتاعتي .
قطبت جبينها و رمقته بعد فهم، حتى سمعته يقرأ: بوووس... اشارت له صارخة: لا والله ابداً انا عفيتك عن التنفيذ. هز رأسه بنفي ليقول: ابداً هانفذه.. وقفت بسرعة قائلة: خلاص انا مش هالعب،زهقت.. اتسعت عيناها عندما وجدته يقف ويقترب منها قائلاً بمكر: انا حاسس بتأنيب الضمير ان مخلتكيش تشمتي فيا، لازم انفذ الحكم. وضع يديه على خصرها، فتوترت هي حاولت الابتعاد ليقول باصرار: والله ابدا لازم انفذه وبااتقان.
حاول عقلها اسعافها للخروج من تلك الورطة، حتى قالت وهي تنظر خلفه: ايه ده مين ده. ابتسم بمكر: قديمة، العبي غيرها. همست باسمه باستعطاف: مالك.. اغلق عيناه زافراً بخفة ليقول: متقوليش اسمي كده. هتفت ببلاهة: ليه، مقولش ليه!. فتح عينيه ليقترب بوجهه أكثر منها قائلاً: بيخليني عاوز اعمل كده.
لثم شفتيها برقة، تراخى جسدها بسبب تلك العاصفة التي داهمتها بقوة فجعلتها في دوامة من المشاعر كلما حاولت ان تبتعد تغرق أكثر بها، اما هو فكان شعوره لا يقل عنها، بل ارتفعت حرارة جسده لملمس شفتاها الرائع، ابتعد عنها ببطئ وهو يتفحصها بهدوء، دفعته عنها بقوة وركضت صوب الغرفة تحتمي بها واغلقت الباب خلفها وهي تلهث، لمست شفتاها باصابعها قائلة: ده طلع مجنون، مجنون ايه ده قليل الادب. راقبها وهى تبتعد وتختبئ منه، تنهد ونظر للاوراق الملقاة ارضاً: لا حكايه الكوتشينه دي طلعت تحفه.
بشقة خديجة .. رفعت الاطباق من على الطاولة لتأمر الصغيرة: ايلين اغسلي ايدك يالا.. امتثلت الصغيرة لامرها، امسك عمار بعض الاطباق وذهب خلفها للمطبخ، استدرات هي تزامناً مع دخوله فاصطداما ببعضهما، ابعد الاطباق عنها حتى لا تسقط ف وضعت خديجة يديها على صدره كحركة تلقائية، رفعت عيناها ترمقه بتوتر فمن المؤكد سيوبخها عن فعلتها تلك، عقد حاجبيها عندما وجدته مستكيناً ينظر لها باشتياق، عضت على شفتيها السفلى خجلاً من نظراته وزاغت انظارها، مد اصابعه يحرر شفتاها ببطء وهي لا حول لها ولا قوة كل ما في وسعها هو اغلاق عيناها والاستمتاع بتلك اللحظة التي قد لا تتكرر، اقترب بوجهه منها وكاد ان يلتهم شفتاها كالمغيب لولا هتاف الصغيرة الذي ايقظه في اخر لحظة وجعله يعود لطبيعته القاسية، ابتعد عنها فشعرت هي بالفراغ، نعم فراغ قاتل بعد كم من المشاعر الدافئة التي شعرت بها تحت لمسته لها...
انتبهت على الصغيرة تقول له: عمار ممكن تبقى تيجي معاايا المدرسة بكرة، في حفلة وقالوا نجيب بباهتنا معانا وانا معنديش بابا، تيجي انت.. حولت خديجة بصرها نحوه ترمقه برجاء فوجدت وجهه خالي من اي مشاعر، اقتربت من الصغيرة لتواسيها عندما ايقنت انه بعد دقيقة سيرفض بشكل قاطع...اما هو فاغلق عيناه بغضب من ذلك الصراع الذي بدء لتو بداخله بين قلبه وعقله، فمن سينتصر في النهاية !.
رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الخامس عشر
سعل مالك بحدة بسبب حالة الضحك التي سيطرت عليه عندما أخبره فارس بما فعله، جذب فارس سجائره وأشعل واحدة ليقول بتهكم: لا وابقى شحط كده، واتهزق من الدكتور.. أشار له مالك ليصمت ليقول: يخربيتك يا فارس، هاموت، انت مجنون يابني.. التفت فارس نحوه قائلاً بسخرية: تخيل كده يا مالك امك مثلاً لو عرفت اللي انا هببته، دي هاتخليني حديث المدينة والمدن المجاورة. ضحك مالك بقوة ليقول: ولا عم شريف، كان عمره ما يحترمك تاني .
أشار له فارس بلامبالاة قائلاً: يالا مش مهم، المهم عندي ان بوظت الليلة على المعفن سراج. صفق مالك قائلاً: صح، بوظتها من هنا، واتعقدت من هنا، خليت يارا تعند معاك اكتر. أراح ظهره على الأريكة براحة ليقول: ياعم اهو كلام، هو الكلام بفلوس. التقط مالك كوب الماء يرتشف منه قليلاً ليخفف من وجع حلقه من كثرة ضحكه: اه بقى بفلوس، ماما كلمتني وقالتلي يارا موافقة وكانت بتستأذني في حاجة. ضرب فارس بكلتا يداه سطح الطاولة فتراقصت التحف عليها قائلاً بغضب: وافقت، تصدق بقى اختك دي غبية .
وضع مالك يده على صدره ليقول: متشكر لذوقك . اقترب منه فارس قائلاً باستفهام: اه وهي بتستأذنك في ايه بقى!. مالك بعند: مش هاقولك علشان طولة لسانك دي. نهض فارس وتحدث بعصبية: متستعبطش يا مالك، مش انت اللي هببت كده من الاول بموافقتك انه يتقدم، انت لو صاحبي بجد كنت رفضت وريحتني من الحوار ده كله. وقف مالك امامه ليهتف بهدوء: لو صاحب بجد!، تصدق انا...
قاطعه فارس بعصبيه شديدة: انت عارف كويس لما بتعصب مبقاش عارف انا بعمل ايه، ف اوع تقول كلام يزعلنا من بعض، انت مفروض تقدر اللي انا فيه. حاول مالك التحكم بغضبه واعصابه حتى لا تنفلت ليقول: وانت كمان مفروض تقدر انها اختي، ومينفعش افرض عليها حاجة هي وامي، انت اللي وصلت نفسك لكده، قولتلك اهدى ومتعملش حاجة ويارا هترفض انا متأكد، لكن لما اتصرفت التصرف الاهبل ده عاندت معاك، فهمت بقى من الاول ان كلامي صح. فارس بضيق: طب اقعد ومتزعلش من كلامي.
جلس مالك ليقول مصححاً: انا مزعلتش من كلامك، على قد ما زعلت من نظرة الاتهام اللي في عينيك، مش قادر تفهم انها بردوا اختي مفيش فايدة في ايدي غير انها ترفض بارداتها. تجاهل فارس حديثه ليصل لمراده قائلاً: امم عندك حق، طيب هي مامتك عاوزه ايه . هز كتفيه قائلاً: مفيش سراج ده طلب من امي يقابل يارا في اي كافيه انهارده يقعدوا ويتكلموا، قولتلها ماشي بس ليلة تكون معاهم.
كتم سبة كادت ان تخرج من فمه بمنتهى الاعجوبة، فقال متصنعاً الهدوء: اه وانت مش هاتقولي مكان الكافيه صح. هز مالك رأسه ببرود قائلاً: صح. مرت دقيقتان والصمت يسود المكان، حتى قطعه فارس قائلاً: انت مش هاتقوم تطلع لندى زمانها صحيت. رمقه مالك بنصف عين قائلاً: هو انت مفضلتش تزن على دماغي بالاتصالات علشان انزلك، جاي دلوقتي عاوز تطلعني. تظاهر بالنعاس قائلاً: اصل انا منمتش امبارح كويس، يالا بقى طرقنا واطلع لندى.
نهض مالك قائلاً بتحذير: هاقوم بس لو عرفت انك عملت حاجة هازعلك مني ... اعتدل فارس بجلسته واخذ وضع النوم قائلاً: لا هنام،مبقاش فيا حيل اعمل حاجة،كفاية امبارح.. راقب مالك وهو يغلق باب الشقة، اعتدل فوراً والتقط هاتفهه ثم اجرى اتصالا ب ليلة، فاتاه ردها بعد ثواني: _ ابيه فارس. فارس بمكر: كده يا ليلة ابيه ايه بقى، مبقاش في ابيه، هو انتي فكرتي تتصلي وتتطمني عليا.
انتهى الحفل مع تصفيق عائلات الاطفال بحرارة، ركضت الاطفال نحو عائلاتها، اما هي فركضت نحوه هو وخديجة تضحك بمرح وسعادة، أخيرا ستبقى كبقية زملائها الصغار ويكن لها أباً يحضر تلك الاحتفالات، وصلت عند عمار فحملها بين يديه وهي تضحك بسعادة قائلة: شكراً يا عمار انك جيت وبقيت بابا.. سرت رجفة بجسده لتفوها بذلك الحديث البرئ والنقي، أنب نفسه عندما تذكر خطته في الانتقام من الصغيرة، اقسم بداخله انه لن يمسها بشر، وسيعاملها بكل خير ويخرجها بعيداً عن حساباته مع خديجة، قبل وجنيتها قائلاً: انا اللي شكراً علشان بقيت بابا لبنوتة حلوة كده زيك.
احتضنته بسعادة تغمره بحنانها ودفئها النقي، كم يحتاج ذلك الحنان ليمحي شوائب الماضي، كم يحتاج لذلك الدفئ لينعم بداخله شاعراً بالراحة الكامنة به، راقبت خديجة ذلك المشهد بعيناها اللامعتين لاحتبساها لتلك القطرات التي باتت في الآونة الأخيرة تعبر عن سعادتها او حزنها...ولوهلة شعرت بالغيرة منهما وعليهما..فقالت بتذمر طفولي لا يليق الا بها: كده يا ايلين فرحانة بوجود عمار وانا لأ.
ضمتها الصغيرة لحضنها وهي مازالت بأحضان عمار فالتصقت به خديجة، رفعت وجهها وجدته ينظر لها بنظرات هادئة، احمرت وجنيتها، وارتبكت اكثر خاصة عندما سمعت الصغيرة تقول: انتي مامي ومعايا على طول، لكن عمار مبيجيش على طول. هتف عمار بحنو: انتي عاوزاني اكون معاكي على طول.
هزت رأسها بحماس، فقال هو: خلاص انا من هنا ورايح معاكي على طول ومش هاسيبك الا على النوم، وهالعب معاكي واعمل كل حاجة انتي نفسك فيها... رمقته بسعادة وهي تهتف بحماس طفولي: بحبك يا عمار. كم تمنت ان تنطق هي تلك الكلمة وتصرخ بأعلى نبرة لديها، لتخرج ذلك الحب الكامن بداخلها، كم تمنت ان توقظه وتشعل شفتاها بإثارة نطقها لتلك الكلمة التي شعرت في الآونة الأخيرة انها صعبة المنال.
بشقة مالك . جلس يتابع التلفاز بملل، ساخراً من حاله في هذه الفترة، لقد تحول كلياً يتابع افلام درامية حزينة، يلعب العاب غريبة وعجيبة، والان يتابع الاخبار، حاول تخيل نفسه بالخطوة التالية ماذا سيفعل..انتفض للوراء عندما رأى هاتفهه امام عيناه مباشرة، رفع بصره لاعلى وجدها تقف تهتز بعصبية قائلة: تقدر تقولي مين اللي على الخلفية دي معاك انت ومالك. ضيق عيناه متسائلاً: انتي بدوري ورايا .
زفرت بحنق لتقول: بدور ايه يا مالك، انا لقيت تليفونك منور جيت اجبهولك لقيت الصورة دي على الخلفية، مجتش جمب التليفون ولا الباسورد، انا استغربت انك عمرك ما حكتلي عنها، فجأة الاقي صورتك انت وصاحبك معاها، على العموم انا آسفة. استدرات بجسدها فمنعها هو قائلاً: تعالي اقعدي علشان احكيلك، ومتتقمصيش كده، مبقناش نقدر على قمصتك .
كتمت تلك الضحكة الغبية التي تظهر دوماً وتفشل جديتها، جلست على الاريكة امامه بوجه خالي من اي تعابير، فاشار مالك بيده بجانبه قائلاً: مش هاحكي الا لما تيجي تقعدي هنا جنبي. نظرت لتلك المسافة التي أشار عليها فهي لا تذكر أصلاً، أين ستجلس؟!، على ساقه مثلاً!، رمقته بتعجب، فابتعد انشاً واحداً، رمقته بتعجب أكثر، فقال: لا ماهو انا مش هاتحرك اكتر من كده، مش هاعرف اشرح صح. زفرت بضيق وتصنعت الجدية: مالك انا بتكلم بجد...
جذبها بقوة واجلسها بجانبه عنوة وتحديداً في تلك المسافة الصغيرة، حاوطها بيده ليقول بهدوء أثار الارتباك لديها: ومين قالك ان انا مبتكلمش جد. نظرت في عيناه فوجدتهم صافتين لدرجة رأت نفسها بهم، حاولت ان تبعد رأسها عنه قليلاً وذلك لقربها الشديد منه، انتبهت لتلك الصور التي جلبها عبر جواله قائلاً بنبرة حزينة: انا ومالك وياسمينا اصحاب من صغرنا، طول عمرنا مع بعض متفرقناش الا بالكلية، بس في اجازتنا مع بعض، طول عمرها كانت زي اختنا وبنخاف عليها، علاقتنا عمرها ما اتهزت بإي حاجة ..
همست بتساؤل: وهي فين؟!، مشوفتهاش ولا مرة !. خرج صوته حزين: ماتت.. بلعت ريقها لتقول: الله يرحمها... دققت النظر بالصور وهو يقلبها فقالت باستغراب: ايه ده هما اتجوزو ولا ده فرحها هي . أؤمى براسه ليقول: اه هي و فارس اتجوزوا.. هتفت بحيرة: انت لسه قايل انكوا اخوات.. اخرج تنهيدة قوية: حصلت ظروف واتجوزوا..
صمت وتابع بعيناه صور من اشتاق اليها وفرقهم الموت، انتبه الى تساؤلها: نظرات عيناها غريبة، حاسها كانها... قاطعها مالك واكمل حديثه: ياسمينا مرت بظروف كتير صعبة في حياتها، صعب ان اي حد يتحملها، حصلها دروبات كتير، امها واختها ماتوا في الشقة نتيجة لحريق، اختها التانية هربت على انجلترا وسابتها، اللي كان بيهون عليها وجودنا انا وفارس في حياتها، وعلشان كده عمرنا ما بعدنا عنها، هي كانت تبان لناس انها غريبة وتصرفاتها أغرب بس قلبها كان ابيض... همست بفضول: غريبة ازاي!. تذكر موقفاً لها ليسرده بحزن...
( فلاش باك ).. نهضت بعصبية في أحد المطاعم بالمول: انا عاوزه اعرف مين اتجرأت واخدت التوكه بتاعت شعري، انا لازم اروح للامن. أمسكها مالك من معصمها وحاول تهدئتها عندما لاحظ ظهور بودار النوبة عليها فقال: اهدي خلاص مش مشكلة، هانشتري غيرها. أبعدته عنها بعنف قائلة: ازاي دي غالية عليا اوي... اقترب فارس ليقول بقلق: في ايه صوتكوا عالي!.
ما ان رأت فارس حتى انفجرت بالبكاء قائلة: شوفت دخلت الحمام، ونسيت التوكه بتاعت شعري، ارجع مش لقيتها... التفت توجه حديثها لمالك: انت لازم تبلغ الامن يا مالك، دي المتبقية من امي واختي .. هز مالك رأسه قائلاً: حاضر اهدي انتي بس.. نظر لفارس حتى يتولى زمام الامور ويهدأها، فتولي فارس المهمة متحدثاً بهدوء وبحنو..فاستكانت تستمع له.. ( بااااك)..
عاد من شروده، على سؤالها وملامح وجهها المصدومة: زعلانه على توكه!. مالك موضحاً: هي بعد حادثة امها واختها، بقت تشوف كل حاجة حواليها اخر حاجة ليهم وبتتعامل على الاساس ده، حتى اختها من كتر خنقتها عليها هربت منها، بس انا وفارس مقدرناش نبعد عنها واحتويناها في كل حالاتها.. مطت شفتيها قائلة بتفكير: علشان كده هي وفارس اتجوزو..
هز رأسه نافياً متحدثاً بحزن: لا لظروف تانية خالص، هي طول عمرها كده معانا اقصد يعني بعد حادثة امها واختها، بس ظروف جوازهم كان قبل موتها بسنة تقريباً. شعرت بمدى حزنه عليها، ووجع صوته لفقدان صديقة واختاً له، تحملهم لفتاة مثلها بتلك الظروف هذا لا يعني الا شيئاً واحداً الا وهو ان تلك العلاقة كانت قويه جداً صعب انهاريها الا باشياءاً قدرية كالموت.. تجرأت واقتربت منه ثم وضعت قبلة حانية على وجنته،هامسة: ربنا يرحمها، متزعلش..
حول بصره نحوها وتعمق بعيناها الذهبيتن، وبريقهما اللامع الذي يثير ذلك البركان الخامد بداخله، ويهيج مشاعره ويجعلها تتخبط ببعضها، نتج عنه صراع ما بين ان يقترب منها ويلثم شفتاها بقبلة يروي عطش قلبه بها، ويطفئ نيران حنينه التي اشتعلت للتو بسبب ذلك الماس الذي ضرب قلبه نتيجة لقبلتها الحنونة او ان يبتعد عنها، نهر نفسه وهو ينظر لضعف عيناها كيف له ان يبتعد عن قطعة السكر الخاصة به بالتأكيد سيصبح معتوه من الدرجة الاولى، اقترب منها ولثم شفتاها برقة وحنو في قبلات متفرقة مستمعاً بتلك اللحظة التي قد لا تتكرر ثانياً، اما هي فتمسكت بثيابها تقبض عليهم بشدة، حاولت ارخاء اعصابها لم تستطع، لم تتعرض لتلك العاصفة من المشاعر المتدفقة من قبل، أصبحت بسببها متجردة من قوتها لا حول لها ولا قوة امام قوة عشقه ولمساته الحارة، حثت نفسها ان تبتعد عنه وتختبئ كالعادة بغرفتها، ولكن لم تعد قدماها تتحملها بعد عنفوان مشاعرها، وكأنه كان يستمع لها، فاحتضنها يمنعها من الهروب كعادتها، و طبع قبلات عديدة فوق شعرها المحبب له ممسداً بحنان عليه، داعياً ربه ان يعيطه الصبر ليتحمل تلك الفترة على خير دون ان يتهور اكثر من ذلك.
دلف للمطعم وبحث بعيناه عنهم، فوجدها تجلس وتنظر له وتلك الامتعاضة التي عرفها عن ظهر قلب تظهر بقوة على وجهها، ابتسم بخبث لقد سهلت عليه خطوات كثيرة، رفع جواله والتقط لها العديد من الصور وهي على تلك الحالة .. اقترب منهم بخطوات واثقة ثم قال باستفزاز وهو يضع يديه على الطاولة: مساء الخير... رفع سراج عينيه بصدمة ليقول: انت.
جذب فارس احد الكراسي ليجلس بجانب يارا متعمداً اغاظة ذلك الابله: لا هو. نظرت يارا بضيق لليلة التي لم ترفع عيناها من على هاتفهها خوفاً ان تقابلها يارا بنظرات غاضبة وتوبيخ حاد... هتف سراج بضيق موجههاً حديثه ليارا: هو مش المقابلة دي ما بينا، هو جاي ليه!.. وقبل ان يتحدث كانت هي تسبقه قائلة: امممم لازم يحضر ويطمن علينا يا سراج ده أبيه فارس بردوا.
انهت حديثها بابتسامة ماكره تحتل ثغرها، نظرت له بطرف عيناها، مصفقة لنفسها بداخلها على ذلك الانتصار الذي حققته حالاً عليه، فقال سراج باستفزاز: اها ابيه!. كتمت ضحكها بداخلها وتخيلت وجه فارس المختنق من شدة غضبه، شردت بذهنها اكثر عندما تخيلته يقف بشموخه وعضلاته البارزة يرفع الطاولة عالياً ثم ينزلها بقوة على رأس سراج بالتأكيد سيكون مشهداً قويا مستمعة فيه باغاظة فارس وتحطيم رأس ذلك الفظ، من جميع الجهات ستكون هي الفائزة، ولكن لم يعد الوضع هكذا طويلاً عندما وجدت فارس هادئاً يقول بضحكة خفيفة وباردة: خطيبها سابقاً وأبيه حالياً، وخلي في بالك يا سراج الماضي ممكن يتجدد في ثواني، والحاضر ده بندوس عليه برجلينا...
انهى حديثه وهو ينظر لعيناها بتسلية، فقالت يارا ببرود: قول لزمان ارجع يا زمان. همس بجانب اذنها قائلاً: هاقوله حاضر، هو أصلا بيتمنى يرجع لحنينه وحضنه اللي غاب عنه. احمر وجهها خجلاً منه، حولت بصرها في الجهة الاخرى تهرب منه ومن حديثه المفاجئ لها، اما هو فرجع برأسه للخلف وجذب سكيناً من على الطاولة واشار لخصمه عند عنقه كحركة قاتلة هامساً من بين شفتيه دون اصدار صوت: هاقتلك..
نظر للاعلى مفكراً بهدوء، حول بصره يميناً ويساراً، حسناً الطريق خالي من اي مارة، ساعده في ذلك قلة الإضاءة به، حسب المسافة بين الشرفه والارض، ليست بعيدة وليست قريبة، تتطلب منه الهدوء والخفة وعضلات يديه، تسلق انابيب الغاز بخفة ورشاقة حتى وصل الى شرفة غرفتها، نزل بجسده بها وهو يلهث هامساً: الحمد لله موقعتش ولا اتكسرت..
اعتدل في جلسته واقترب من الباب يستمع لاي شئ بالداخل، استمع لاغاني عمرو دياب وخاصة اغنيتهم المفضلة " لسه زي مانتي " تصدح بهدوء، طرق باب الشرفة بهدوء، عدة مرات حتى يجذب انتباها، بالفعل اطلت هي برأسها الصغير تبحث عن ذلك المصدر، حتى وجدته يقف باحد جوانب الغرفة في العتمة ظهر فجأة قائلاً: بخ..
كادت ان تصرخ لولا يده التي منعتها قائلاً: بس يخربيتك يا مريم هاتفضحينا... ابتعدت عنه بصدمة قائلة: ايه ده يا عمرو، انت اتجننت،انت طلعت ازاي.. هتف بفخر: تسلقت مواسير الغاز.. نظرت خلفها برعب قائلة: امشي، بابا هنا، هانروح في داهية .
وقف حانقاً: بقولك ايه، انا متجننش واطلع على المواسير زي الحرامية علشان اتنيل واشوفك، وتيجي في الاخر تقوليلي كده. همست بتلعثم من فرط خوفها اذا دخل والدها بين اللحظة والاخرى: عمرو، بابا، ممكن يقتلني، امشي. اخرج علبة صغيرة من جيب بنطاله وقدمها لها قائلاً: مش قبل ما اديكي دي. التقطتها من بين يديه تسأله وهي تفتحها: ايه دي.. اخرجتها من العلبة، فا لمعت عيناها لجمالها قائلة: سلسلة وفيها ورده ؟..
اقترب منها ليقول بعشق: امممم انتي عندي زي الورد اللي في الدنيا دي، منورة حياتي زيها بالظبط. توردت وجنيتهاااا خجلاً منه لتهمس: عمرو انا .. بترت جملتها عندما وجدت والدها يدلف منادياً عليها: مريم .. اغلقت عيناها لتستعد تلك المواجهة التي ستنتهي بقتلها، وحبست انفاسها خوفاً وهي تقبض على السلسال بيدها، استفاقت على يد والدها التي تهزها: في ايه واقفة في البلكونة مغمضة عينك ليه .
فتحت عيناها سريعاً وجدته قد اختفي، خرجت انفاسها ببطء ولكن بقيت محبوسة بسبب خوفها عليه، اين هو أيعقل ان يقفز تلك المسافة بهذه السرعة، خرج صوتها مختنقاً واشارت على حلقها بيدها الخالية: حسيت ان عاوزه اشم شوية هوا، فقولت اخرج اتنفس.. حاوطها والدها ليقول بحزم: لا تعالي ندخل، كده تاخدي برد. دلفت مع والدها وارادت ان تلتفت برأسها تتطمئن عليها ولكن كانت يد والدها تسبقها واغلق باب الشرفة ..
زفر سراج بحنق، لم يكن في مخيلته ان الليلة ستنتهي هكذا، حاول الانفراد بيارا جانباً ولكن فارس كان يقف له بالمرصاد، سراج بضيق: طب يا يارا قومي يالا علشان اروحك ونبقى نكمل كلامنا بعدين . وقبل ان تتحدث كان فارس يسبقها: ما شاء الله انت عندك كلام تقوله.. تجاهل سراج حديثه خوفا ان يفقد اعصابه ويتشاجر معه، فقال موجهاً حديثه ليارا: يالا نروح. همت بأن تقف لولا يده التي اجلستها بقوة قائلاً بحدة: لأ هاتروحوا معايا..
احتدت ملامحها بغضب، فاسرعت ليلة قائلة: خلاص يا جماعة احنا جايين مع عمرو وهانروح معاه.، هاتصل عليه. وبالفعل اجرت اتصالاً به حتى أتاها صوته وهو يتوجع: اه ياني عاوزة ايه يا ليلة. انتفضت برعب قائلة: مالك يا عمرو. عمرو: اه يانا، انا في المستشفى ادغدغدت يا ليلة . صرخت قائلة: في المستشفى، ايه .. فارس بحدة: في ايه فهمينا..
ليلة بخوف: عمرو في المستشفى، وبيتوجع جامد. نهضت يارا بقلق قائلة برجاء: يالا يا فارس، بسرعة وصلنا.. جذب يديها هي وليله وغادرا المطعم تحت نظرات سراج الحانقة ...ليقول بهمس: ابو شكلك، بس على مين يانا يانت .
نظرت ماجي عبر شاشة الجوال باشتياق لوالدتها الحبيبة، فهتفت بنبرة منكسرة: يعني انا يا ماما مش وحشتك خالص. _ لا طبعا يا ماجي وحشتيني أوي، بس انتي اللي عاوزه تبعدي. أشارت على نفسها باستنكار: انا يا ماما، انا عاوزه ابعد عن حضنك، فين ده.. _ قولتلك تعالي اقعدي معايا انا وأخوكي بس انتي اتمسكتي بمصر.
ماجى بضيق: اتمسكت علشان جوزي، وعيالي، وحتى بعد ما جوزي مات، ابني شغله هنا وبنتي وابني بيدرس لسه، وبنتي في ثانوي، يعني حياتي مترتبة هنا، تقدري تقوليلي انتي قاعدة انتي وأحمد عندك بتعملوا ايه، هو متجوزش لسه وحجته الوحيدة شغله، ينزلك حتى أجازة اشوفك وتقعدي مع عيالي. زفرت والدتها بغضب قائلة: بتتكلمي كده وكإنك مش عارفه أخوكي مش عاوز ينزل ليه، انا ماصدقت انه نسي وعايش حياته .
هتفت ماجي بعصبية وحنق: واحمد مش عيل يا ماما ده عنده ٥٥ سنه وكبير، بطلي بقى تعامليه كإنه عيل عنده اربع سنين خايفة عليه وبتحاوطيه في كل مكان. ظهر اخيها بجانب والدتها ينظر لها بغضب: عيل ولا مش عيل حاطني في دماغك ليه، ابعديني عنك، هي حابة تقعد معايا، وبعدين مش كفاية ان خليتها ترجع تكلمك تاني بعد اللي هببتيه زمان.
وقفت ماجي بعصبية وبيدها الهاتف تهتف بغضب شديد: تصدق انك لسه عقلك مريض زي زمان، انت اكدتلي بكلامك انك اللي مسيطر عليها متنزلش. كادت ان تكمل حديثها وتسمعه سيل من التوبيخ، وجدت الاتصال اغلق بوجهها، القت الهاتف بعصبية على الفراش وتنفست بعصبية قائلة: غبي، ضيعنا زمان، وبيضعنا دلوقتي، غبي.
رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل السادس عشر
دلكت ليله يده بنفاذ صبر من كثره آهاته المستمره لتقول بضيق: يابنى انت بقالك اسبوعين على الوضع ده خنقتنا. لكزها بيده السليمه قائلاً بحنق: دلكي يابت، الوجع هايموتني.. ضغطت بيدها بقوتها على يده فصرخ بها، دلفت ماجى على صراخه قائلة: انت يا مجنون بتجعر ليه!.
نهضت ليله تقف على الفراش متذمره: انا زهقت ياماما انا بقالي اسبوعين بعمله علاج طبيعي في ايده والبعيد مبيحسش حتى مفيش كلمه شكر.. اقتربت ماجي منه قائلة بشك: انا قلبي مش مريحني من ناحيتك يا عمرو، دي مش وقعه سلم ابداً، انت اتخانقت مع حد في الشارع. هز رأسه نافياً ليقول: كان هايبقى ارحم من العذاب ده، انا جسمي كله متكسر، كان يوم اسود لما فكرت اعمل كده . جلست ليله بجانبه لتقول بفضول: اه ايه بقى الي انت عملته، الوحي قالك نط من على السلم، فانت نطيت. زمجر بوجهها ثم جذبها من خصلات شعرها قائلاً: لا بيقولي اقتلك واخلص منك.
هزت ماجي رأسها قائلة: الهى ابوها يقفشك ياعمرو هاتبقى ليلتك سوده. غادرت الغرفه وخلفها ليله، اما هو فتحامل على نفسه وكتم الالامه المبرحه متجهاً صوب خزانته يخرج ثياب ليقول: اه ما هى لازم تيجي تلاقيني قمر معقول تلاقيني معفن كده.. تنهد باشتياق، لقد مر اسبوعان منذ تلك الواقعه، عندما قرر المجازفه والقفز من الشرفه، اسبوعان لم يراها، حتى مكالمتها التى تبكي بها باستمرار لاشتياقها له تزيده لوعه، اخيراً لقد وافق والدها على مجئيها معه..أخيراً سيرى من جعلته يفعل أشياءا مجنونه لمجرد ان يملئ صدره بحنينها ويزيد شغفه بنظراتها المحببه له.
راقب بعينيه انتهاء البرنامج الذي يعمل عليه مؤخرا لاحدى الشركات، وفور انتهائه أطلق تنهيده قويه وأغلق الحاسوب، لاحظ اضاءه هاتفهه، نظر فيه وجد العديد من اتصالات ليله..اجرى بها اتصالاً . _ ليله، اتصلتي كتير.. ليله: ايوه يا ابييه، كنت عاوزه اقولك ان سراج جاي هو ومامته انهارده. انتفض ليقول بصوت حاد: ليه في ايه؟!.
ليله: معرفش بس ممكن علشان يزورو عمرو اخويا.. دلف غرفته يحضر ثيابه قائلاً: طيب يا ليله متقوليش لحد زي ما اتفقنا ولا كإنك بلغتني ولا كاني عرفت، انا هاجى ازور عمرو عادي. هتفت ليله مؤكده: اكيد يا ابيه، انا بساعدك علشان انا بكره سراج ده أوي ومتمناش يارا اختى تبقى مراته. هتف مشاكساً: ويا ترى بتتمنى مين ليارا اختك؟!.
ضحكت بخفه قائلة: حد أول من حرف من اسمه فارس، يالا سلام قبل ما حد يقفشني. أغلق الهاتف، وتلك البسمه على وجهه، تذكر ما حدث منذ اسبوعان عندما عقد اتفاق مع ليله تخبره ما يحدث فيما يخص يارا وسراج معللاً لها بحبه وعشقه ليارا والبارده لا تشعر، وكالعاده رق قلب ليله وعقدت معه ذلك الاتفاق بصدر رحب، دلف للمرحاض يأخذ حماماً سريع ليفيق لذلك المعتوه وتربيته من جديد...
قبض على تلك الورقه بضيق بالغ، ناظراً بحنق لكثره الطلبات المكتوبه بها هامساً لنفسه: ايه ده كله يا ندى.. نظر حوله يميناً ويساراً وشعر كانه تائه في بحر من العلم، عاد ينظر للورقه قائلاً بتذمر: ايه ده، هاعرف انواع الدقيق دي منين، ياريتني خليتها تنزل معايا، كان لازم اتشك في لساني واتهبب اقول لا هانزل انا.. انتفض عندما وجد سيدتان يتحدثون بالقرب منه: انت تايهه كده ليه!. هتف ببلاهه: نعم!.
عادت الاخرى لتؤكد على حديثها: بقولك انت مالك متوتر كده ليه، بقالنا ساعه واقفين وراك عاوزين نوصل للمربى دي وانت واقف معطلنا... حمحم بحرج ليقول: اه اسف معلش. تحرك للامام قليلاً، ولكنه عاد واتجه نحوهم يسئلهم: هو انا اعرف انواع الدقيق ازاي.. التقطت منه احدى السيدتان الورقه تقرأها بتمعن، حتى انتهت واشارت له لكى يأتى خلفها قائلة: ورايا تعال..
تحرك خلفها مالك يجر العربه ويراها تنتقل من هنا الى هناك برشاقه وخفه وبعد عشر دقائق، كانت قد انتهت تماماً من الورقه: اتفضل كده كل الطلبات خلصت. ابتسم مالك ليقول باامتنان: بجد متشكر جداً لذوقك. بادلته السيده الابتسامه قائلة: عادي انت فكرتني باخويا لما مراته بتطلب منه حاجاات بيضرب لخمه كده .. ودع السيده ثم غادر الماركت متجهاً صوب سيارته ينقل الاشياء بها حتى رن هاتفه، نظر به وجده رأفت دق قلبه بعنف قائلاً: يارب استر، معقوله خلص القضيه.. أجاب على اتصاله: اهلا يا باشا .
رأفت: اخباركوا يا مالك، ندى فين،تليفونها مقفول ؟!. مالك بهدوء: كويسين، هى في البيت، ممكن يكون فصل شحن.. رأفت بضيق: خليها تفتحه، كنت عاوز اقولها كل سنه وهى طيبه عيد ميلادها انهارده وقبل ان يتحدث مالك قاطعه رأفت في عجاله: طيب سلام يا مالك، معايا مكالمه مهمه. اغلق الهاتف معه هامساً: عيد ميلادهاا.
استقل سيارته سريعاً مقرراً جلب كعكعه والاحتفال بها.. فهى تستحق ذلك،تستحق ان يغمرها بالسعاده، بريئه ونقيه جداً، لقد نجح في تشبيه لها قطعه سكر أضافت على حياته فجعلت منها حلاوه صعب ان يتذوقها مع امراه اخرى، فهى فريده من نوعها صعب ان تتكرر او يكن لها شبيها حتى، اكثر من اسبوعان مروا على زواجهم ويوميا يكتشف شئ جديد بها، شيئاً يجعله دوما يتمنى ان يصبح ذلك الزواج حقيقاً..
_ بس بس، بت يا ليله، انتي يا كلبه تعالي هنا. التفت بجسدها الصغير ترمقه بتعالى، تملك منه الغيظ فاتكأ على تلك العصا متقدماً منها قائلاً: انتي يابت مبتكلمنيش ليه.. التفت له تعقد ذراعيها متحدثه كسيده في عقدها الثالث: علشان انت عاوزني انزل تحت واعمل اي حجه واطلع البت مريم هنا. ضربها بخفه على رأسها ناظراً لها بمكر: طب مانتي طلعتي بتفهمي اهو، يالا روحي بسرعه وليكي عليا لما اخف من اللي انا فيه هاوديكي دريم بارك.. أشارت بيديها بنفي قائله: لا خليلك دريم بارك انا لايمكن اعمل كده، انت عاوز ماما تزغرلي بعينها ولا عمو شريف يالهوى ده احتمال يخنقني هو اصلا شايف ان مستهتره ف كفايه اوي فكرته عنى.
جز على اسنانه وهتف بتوبيخ: ياعني يا متخلفه انتي بقى بذمتك هاقولك هاتيها اوضتي، لا طبعا هاتيها اوضتك واقعدى معانا يا ستى ... رفعت رأسها قائلة برفض تام: بردوا لأ. أرسل اليها ابتسامه خبيثه قائلاً: براحتك، انا بقى هاقول لماما ان بسمعك وانتي بتملي فارس اخبار يارا..تخيلي كده معايا يا ليله لما ماما ويارا يعرفوا، لا وبالاخص يارا.. اتسعت عيناها رعباً: ايه ده انت سمعتني!.
هز رأسه بتأكيد، فقالت مبرره: ابيه فارس غرضه شريف، بيحب يارا ونفسه يخطبها بس هى دماغها جايه غلط، وانا حقيقي نفسي يخطبها.. تنهد عمرو: كلنا يا حبيبتي نفسنا يخطبها، كلنا مش انتي بس، يالا بقى نادي مريم واقعدى في الاوضه ورنيلي ماشي. زمت شفتاها بضيق: وان ابوها رفض ولا ماما بصتلي.. زفر عمرو قائلاً: محدش هاياخد باله مشغولين مع فارس وسراج وامه..يالا بقى.
دبدبت قدمها أرضاً ونزلت الدرج تمتم بكلمات غير مفهومه .. بحثت بعيناها الصغرتين عن مريم وجدتها تجلس بجانب يارا تنظر بحنق لذلك السمج سراج، اتجهت صوبها تجذبها من يديها.. مريم: ايه في ايه.. ليله: تعالي معايا فوق اوريكي حاجات جميله ابيه فارس جبهالي اخر مره وهو مسافر...
رفعت نبره صوتها في حديثها الاخير، راقبت رده فعلهم فوجدتهم منتبهين مع حديث سراج عن مشاكله مع اعمامه على ميراثه الضخم.. بينما يارا كانت تنظر له بملل، لقد سمعت تلك الاسطوانه مئات المرات منه، اغلقت عيناها بنفاذ صبر، فتحتها فوجدت فارس يجلس بمقابلها يحدق بها بصمت، ارتبكت من نظراته التى شعرت بها تخترقها بسهوله فتجعل قلبها يزيد من وتيره نبضاته، ارتفع صدرها وهبط بسرعه كبيره، وضعت يديها على جبينها وهى توبخ نفسها على سهوله سيطرته عليها بمجرد ان نظر اليها فقط..
رفعت وجهها عندما وجدته يتحدث لهم: هاقوم اعملي قهوه عن اذنكو.. راقبته بعيناها وهو يدلف للمطبخ شامخاً، تنهدت بخفوت فمازالت تلك الغبيه تعشقه وتعشق تفاصيله، انتبهت الى لكزات والدتها وهى تقول: يارا، عمو شريف بيقولك عاوز شاي من ايدك بسرعه يالا.
فكرت بداخلها هى وفارس معاً وحدهم بالمطبخ حتمًا ستنهار امامه، ضغطت على شفتيها بقوه وهى ترسم قناع الجمود على وجهها..دلفت للمطبخ تصدر صوتً بكعب حذائها العالى فانتبه فارس لها انزل بصره على حذائها وركز بصره عليه، زدات من ضغط شفتيها عندما لمحته بطرف عيناها يركز بصره على قدمها وهى تتحرك هنا وهناك، ارتبكت منه فكادت ان تتعثر اكثر من مره التفت له قائلة: ايه في ايه، شوز عاجبك لدرجاتي..
اعتدل بوقفته وسند بظهره على أساس المطبخ، ماسكاً للملعقه وقلب بهدوء البن في المياه حتى يمتزج كلياً فيها، ابتسم بثقه ليقول: بيقولوا لما تحس انك مسيطر على حد، بص عليه وشوف مشيته وانت هاتعرف مسيطر عليه قد ايه.. ضحكت بسخريه واقتربت منه تتصنع الثقه: كلام فارغ، طبعا اللي بتقوله كلام فارغ، محدش قال كده. أشار على نفسه قائلاً بثقه: مش انا قولت يبقى فيه..
وقفت بجانبه تجذب مسحوق الشاي وتضعه في الكوب، تسرب لانفها الصغير رائحته القويه، فشعرت بدوران الارض من حولها، خرجت منها تنهيده خفيفه، لاحظها فارس فاقترب منها اكثر يهمس لها: وحشتيني اوي.
تمسكت بالكوب بقوه وهى تغلق عيناها مستمتعه بنبرته ورائحته وطغيانه القوي عليها، استغل هو تلك الفرصه ليهمس ما بداخله: لو تعرفي انا بحبك قد ايه، مش هاتعملي فيا كده، والله بحبك وعمري ما حبيت حد غيرك، انتي كبرتي قدامي وعلى ايدي، انا حافظك زي ماحافظ نفسي، يارا متعمليش فيا كده، بالله عليكي، ارفضي الحمار الي بره ده ويالا نتجوز، انت مكانك معايا وجنب قلبي..
فتحت عيناها تستشف صدق حديثه فوجدته ينظر لها بعشق، فقالت بنفس همسه: هاتقولي سبب جوازك منها الاول.. ضغط على اسنانه بقوه قائلاً: عاوزه تعرفي سببه ليه، بتفتحى في القديم ليه، القديم فات وانتهى يا حبيبتي، كفايه اللي حصل زمان، كفايه عمري اللي ضاع . هبطت عبارات ساخنه على صفحه وجهها هتفت بنبره مبحوحه: مينفعش يا فارس، انا قلبي ده اتكسر منك، عشت ايام وليالي بعيط، مفيش ليله واحده نمت زي اي بنت طبيعيه، قولي على اسبابك القويه الي تخيلك تسببني وتتجوز صاحبتك، انت متعرفش ياعني ايه وجع بنت مجروحه، متعرفش ياعني كسره قلب، متعرفش ياعني ايه...
صمتت لبرهه وعادت تكمل وشهقااتها تقطعها بين كل جمله والاخرى: ياعني ايه الاقيها هى لابسه فستان فرحي، اللي انت المفروض جبته في سفريه علشان لما تخطبني ونتجوز البسه، انا لسه فاكره كل حاجه نظرتها ليك وفرحتها بيك، لسه فاكره ازاي كانت بتمسك ايدك بتملك، كنت بقعد اقول ده كله من حقي، انا معرفش عملتلك ايه علشان تكسرني كده، انا عملتلك حاجه يا فارس، طب انت شايفني وحشه، شايفني مستحقش افرح زي اي بنت، انت ازاي بتطلب منى اتخطى فتره كنت بموت فيها بدل المره الف، ازاي اتخطي ده كله من غير سبب مقنع واحد يبرد نار قلبي..
مد طرف ابهامه يمسح عباراتها، فابتعدت خطوه للوراء:. مش من حقك، مش من حقك تلمسني، ولا من حقك كل ما تشوفني تقولي حبيبتي ووحشتيني، انا خلاص قررت اكمل حياتي وافتح قلبي لسراج، بيحبنني ومُصر عليا..عنده استعداد يحارب علشاني، استعداد انت معندكش ربعه.. التفت تحمل كوب الشاي وقبل ان تغادر المطبخ كان هو يهتف بشراسه: هاقتله قبل ما دبلته تبقي في ايدك.. التفت بنصف جسدها ورمقته بسخريه، فقال هو بنفس شراسته: معنديش حاجه اخسرها يا يارا، صدقيني ممكن اقتله.
مطت شفتيها للامام قائلة: كنت زمان بصدقك، بس حاليا عرفت انك بوء.. غادرت من المطبخ، فالتفت هو نحو الحوض يلقي به الفنجان، تسارعت انفاسه فبدى كمصارع دخل للتو حلبه المصارعه يريد ان يفتك بخصمه، همس بشر ليقول: ماشي يا يارا ماشي..
بشقه خديجه وضعت ندى كوب العصير امامها وهى تنهض قائلة: انا مبسوطه اوي ان اتعرفت عليكي ياخديجه... هتفت ايلين بحزن: وانا لأ. ضحكت ندى قائلة وهى تقترب منها ترفعها لمستوها: لا طبعا انتى قبل خديجه... طبعت ايلين قبله صغيره على احدى وجنيتي ندى قائلة: انا حبيتك زي ما حبيت عمار.. اقتربت منها خديجه قائله بحزن مصطتنع: امم وانا بقى اتركنت على الرف. قالت ندى: لا ازاي ده انتي حتى مامي الخير والبركه،المهم انا هامشي بقى..
اتجهت صوب الباب فقالت خديجه: مش هاتبقى اخر زياره يا ندى، لازم نجتمع تاني. هزت ندى رأسها قائلة: اكيد طبعا لما مالك ينزل،وانتي جوزك لو مش موجود قوليلي من شباك المطبخ.. هتفت خديجه بتسرع: متقلقيش عمار مش موجود اصلاً. رمقتها ندى بعد فهم، فتعلثمت وهى تصحح حديثها: اقصد اغلب الوقت بسبب شغله..
هزت ندى رأسها بتفهم واتجهت صوب شقتها.. دلفت وجدت الاضاءه مغلقه، ماعدا اضاءه واحده فقط في منتصف الشقه، قطبت جبينها وتقدمت بخطوات بطيئه نحو الاضاءه، لفت نظرها تلك الطاوله الصغيره المزينه بورود حمراء وتتوسطها كعكه موضوع امامها ورقه من اللون الوردي، التقطتها تفتحها ببطء وقرأت بخفوت: انهارده عيد ميلادك كل سنه وانتي طيبه، في فستان جوه انا متأكد انك هاتبقى زي النجمه فيه..
ابتسمت بسعاده رفعت وجهها تبحث عيناها عنه، لم تجده، خفضت بصرها تكمل قراءتها: ملحوظه مدوريش عليا، وادخلي البسيه مستنيكي.. وضعت الورقه مكانها واتجهت صوب الغرفه، دلفت تبحث عنه وجدت الفستان على الفراش، جذبته تتفحصه وجدته قصير من اللون الاحمر الناري، عاري الكتفين ويتوسطه شريط أسود رفيع، ضغطت على شفتيها السفلى خجلاً كيف لها ان ترتدي مثل هذا الفستان امامه، وهى منذ زواجهم ترتدي ثياب مغلقه وطويله، ضغطت عليه بيديها من فرط توترها، جلست على الفراش تنظر له بتفكير، وفي أخر الامر حسمت قرارهاا، ودلفت للمرحاض وبداخلها عزيمه ان تتغير وتصبح ناضجه فهى الان امراه متزوجه، يجب عليها ان تستوعب مثل هذه الامور..وليس من المعقول ان تحزنه في يوم مثل هذا اليوم...
شهقت ليله بصدمه: ياعني انت موقعتش من السلم، ووقعت من البلكونه لما روحت لمريم.. كتم فمها بيديه قائلاً بحنق: لسه امك وعمك شريف مسمعوش..وبعدين انتي بتصتنى علينا ليه.. نظرت له نظرات مبهمه وكانه ابله تفوه باشياءا غبيه: انت مجنون انتوا قاعدين في اوضتي وانا قاعده في وسطكوا فلازم اسمع كلامكوا.. قالت مريم بارتباك: والله يا ليله ما كنت اعرف انه هايعمل كده، انا يومها كنت هاموت من الخوف. ابتسم عمرو وهو يقول بغمزه خفيفه من عينيه: على مين، خايفه على مين يا مريومه قلبي.
ابتسمت بخجل وهى تقول بلهفه بصوتها: عليك طبعا.. نهرتهم ليله قائله: بس بقى، بس،رومانسيتكو صايصه زيكو. وقبل ان يتحدث سمع صوت شريف يقترب من غرفه ليله، ليتنفض برعب قائلاً: يالهوى عمو شريف.. اهتزت صوت مريم بخوف: بابا، هايزعقلي، لو لاقاك هنا.. اراحت جسدها على الفراش قائله: لما انتو مش قد الحب، بتحبوا ليه يا خوافين.
تمنى لو القى تلك العصا برأسها فيكسرها لنصفين تلك الفظه سليطه اللسان، بحث حوله بسرعه، وجد خزانتها اتجه صوبها بسرعه يفتحها ثم دلف لها وساعده ذلك كبر حجمها، اغلق عليه الباب فانفجرت ليله ضاحكه على هيئته، طرق شريف الباب بهدوء حتى فتحت له ليله قائلة: خير ياعمو.. شريف بهدوء: نادي مريم علشان هانروح، انا طلعت اطمن على عمرو قبل ما امشي، بس مش لاقيته. جاءت مريم من خلفها قائله: انا جهزت يا بابا، يالا..
غادرت مريم وشريف، فاغلقت ليله الباب، ففتح عمرو الباب وهو يتنفس بصعوبه قائلاً: يالهوي كنت هاموت. هتفت ليله وابتسامه واسعه تحتل ثغرها: مشيوا.. نهض عمرو بصعوبه: أحسن كنت هاموت، انت بتستخدمي مزيل عفن الليالي.. تقلصت ملامحها بغضب وهمت ان تتجه نحوه تضربه، حتى أشار اليها قائلاً: بهزر والله بهزر...
بشقه مالك. خرجت من الغرفه، مدت قدماها ذو الحذاء الاسود متناسقاً مع لون فستانها الناري، مدت يديها تجذب طرف الفستان للاسفل قليلاً خجلاً من قصره الحاد، فتناثر خصلات شعرها الحريري على وجهها وهى تنظر للاسفل، سمعت همسه باسمها: ندى. رفعت وجهها بسرعه، فحبس هو انفاسه لهيئتها الجميله، كما تخيلها تماماً به، تمنى وقتها ان يراها لو لحظه به، وها هى الان تقف امامه ترتدي فستان من اختياره..اقتربت منه ورؤيته تتضح لها بسبب الاضاءه الخافته.. قميصه الابيض وبنطاله الاسود خجلت عندما وجدته قد حل اول ازرار من قميصه فظهرت عضلاته تحته... رجل مافيا بجسده وهيئته تلك..لاحظت اقترابه منها فاردات ان تعود للخلف ولكنها على أخر لحظه وقفت ثابته حتى لا تفسد الليله بتوترها وقلقها..
راقبت يده وهى ترتفع تدريجياً حتى وضعها على وجنيتها، نظرت بعينيه مباشرةً، فوجدت مجدداً تلك النظره اللامعه بهم، نظره لم تحدد هوايتها، لم تقو على تفسيرها، تحركت اصابعه برقه على صفحات وجهها فاغلقت عيناها لتستمع بتلك الهاله التى غرقت بها، كم من المشاعر الدافئه كانت تقفزها من هنا لهناك وهى لاحول لها ولا قوه مسلوبه الاراده تحت لمساته الحنونه تلك، كتمت انفاسها للحظه حتى شعرت بانفاسه الحاره تلفح وجهها عن قرب، ف توقعت نهايه تلك الخطوه وكما توقعت كانت شفتاه تلثم ثغرها بقبله رقيقه حنونه في بدايتها زدات حدتها شئ فشئ حتى وضعت هى يديها تدفعه برقه عنها، ابتعد عنها ببطء يتأمل ملامحها، فتحت عيناها بتمهل فبدت كعصفور صغير كان يتعلم الطيران لتو وعندما وطأت قدماه ارضاً أخذ انفاسه التى كتمها بداخله وها هى تأخذ انفاسها ببطء بعدما كتمتها تحت سطوه قبلته..تحركت يداه بحريه على خصلات شعرها تعيده للخلف وهو يقول: كل سنه وانتي طيبه.
همست بعد دقيقه من الصمت الذي سيطر عليها كلياً نتيجه للمساته وحديثه ونبره صوته الرجوليه: وانت طيب.. جذبها خلفه ثم تقدم من الطاوله، ازاح الكرسي حتى تجلس عليه فجلست كالاميره فوقه وقبل ان يتحرك صوب كرسيه كان ينحنى بجذعه العلوى خلفها يهمس باذنها: قعدت افكر كتير اجبلك ايه، واحترت، بس لسبب واحد انتي زي النجمه اللي في السما مفيش حاجه تتضاهي جمالك ورقتك، وقتها بس عرفت انا هاجبلك ايه..
ضغطت بيدها على قماش الفستان بسبب حديثه الذي بعثر مشاعرها وجعلها تتشوق للمزيد، شعرت به يجذب شعرها جانباً وقبل ان يضع برقبتها سلسال يتدلى منه نجمه صغيره، كان يطبع قبله بجيدها ثم وضعه برقه، هامساً: بحبك. التفت له عندما نطقها ونظرت له تتأكد نطقه لتلك الكلمه التى حلمت مؤخراً بها، جعلها تقف امامه واعادها مره اخرى وخاصه عندما رأى تلك النظره الملحه بعيناها لنطقها ثانيا: بحبك يا ندايا..
ابتسمت بسعاده عندما لقبها بهذا اللقب لتقول بتعجب: ندايااا. حاوطها بيده ليقول مؤكداً: اممم ندايا، لانك الندى االى نزل على قلبي وحوله من قلب مكنش يعرف الحب لقلب بيعشق ويحب... أشارت على نفسها قائلة بسعاده: الكلام ده ليا أنا . اقترب من ثغرها ينوى تذوقه قائلاً: امم ليكِ، ومينفعش يتقال غير ليكِ..
استكانت لقبلاته التى تخطت ثغرها ووجنيتنها وجيدها، استمتعت بهمساته وكلامه المعسول الذي جعلها في حاله من فوضى المشاعر والاحاسيس التى لم تمر بها من قبل الا على يده هو، لم يشعر بنفسه عندما حملها بخفه ووصل بها الى فراشه وقبل ان يضعها برقه عليه لاحت بذهنه حديث رأفت وما اتفق عليه معه، ولكن الان لم يستطيع التحكم بنفسه ولا بتلك المشاعر التى تتخبط بصدره فتجعله يتوق للمزيد والمزيد، وفي لحظات كان يضرب بكل افكاره عرض الحائط، وسلم نفسه لمشاعره وهو ينوى ان يجعلها زوجته قولاًوفعلاً ف سكتت شهرازد عن الكلام الغير المباح...
راقبه بهدوء وهو يساعد والدته ان تهبط من السياره، ادخلها البنايه ثم عاد واستقل سيارته وذهب بطريقه، ذهب خلفه فارس وملامحه تحتقن بغضب منه، وباحد الشوراع الجانبيه قرر ان يقطع عليه الطريق، فوقف سراج فاجاه واخرج رأسه من النافذه: انت متخلف.. هبط فارس من سيارته واتجه نحوه، فتح باب السياره وهو يجذبه خارجها قائلاً بغضب: اه انا متخلف، وهاوريك المتخلف ده هايعمل ايه لو مبعدتش عنها.. هتف سراج بعنف: ابعد ايدك، مش هابعد عنها واعلى ما في خيلك اركبه.
هتف فارس والشر يتطاير من عنياه: لا ده انا خيلي عالي اوي يا روح خالتك... ارجع رأسه للخلف بسرعه ثم اعادها للامام في لحظه ضارباً جبينه بقوه فترنح سراج للخلف وسقط ارضاً، فانقض فارس عليه يسدد لكماته القويه والهوجاء في كل مكان والغضب اعمى عينيه، امامه فقط تتجسد صورتها وهى عروس وبجانبها ذلك المعتوه..استفاق على صوت سراج وكانه يصارع الموت حقاً: هاموت، كفايه. ابتعد فارس عنه وانفاسه تتصارع مع بعضها البعض ليقول بتحذير قوي: ده اخر تحذير ليك المره الجايه هاقتلك..
ابتعد عنه ثم اتجه لسيارته وقادها باقصى سرعته، ضارباً على المقود بقوه لعناً بداخله الحب والعشق الذي يجعل من رجل سوى الى أخر مجنون على اتم الاستعداد الدخول للسجن او ان يُقتل ولن تكن حبيبته لاحداً غيره..