نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن
دقائق معدودة مرت وهي لازالت عاجزة عن إعطاءه الرد المناسب، تشعر أن مؤخرًا أصبحت تحشرها الظروف بين كماشتين يأبيا أن يُفلتاها..! سمعت صوته الذي كان كأعزوفة مُزعجة تصاحب موت محتوم وهو يسألها في برود: -هاا يا رورو مسمعتش ردك؟ التقرير اللي أخدته من المستشفى مستني، وبيثبت إن الهمجي بتاعك اتعدى عليا بالضرب المبرح.
كان لسان حالها يصرخ بالنفور والغضب، وعقلها مُلجم بالمفاجأة التي باغتها أحمد بها، لا تستطع حتى التفكير بطريقة صحيحة، بينما هو يتابع مواصلًا ضغطه على النقطة المهزوزة في قلق وتردد داخلها: -ومتهيألي أنتي عارفة عقوبته إيه، وحتى لو خرج بكفالة او ماتحبسش، بس يكفي الفضيحة الجديدة اللي هتحصل وأنتي عارفة الناس مابتسيبش حد في حاله.
جزء من كلامه كانت تصدقه وبقوة، فهي لم تصدق كيف أُغلقت صفحة الماضي المُلطخة، حتى تأتي هذه الفضيحة لتفتح تلك الصفحة مجددًا مُذكرة الناس بكل شيء، وحينها لن ينقذها أحد من أن تكون علكة مرة أخرى على ألسنتهم..! ولكنها أيضًا لن تستطع قتل علاقتها بمروان في مهدها، لذا إنتفض عقلها بحثًا عن مسار صحيح للتفكير تستطع فيه إنقاذ علاقتها بمروان وتحجيم الشر الذي ينبثق من أحمد تجاهما..
وخرجت حروفها متلبسة ثوب الفخ الذي يود إبتلاعه: انا عارفة إنه تقل عليك في الضرب شوية، أصل مروان إيده تقيلة. نجحت في استفزاز الرجولة داخله وفك لجام البرود الذي كان يفرضه على أعصابه في تعامله معها، فخرجت اجابته مشحونة بالغضب: -انتي هبلة هو مين دا اللي تقل عليا في الضرب، هو ماعرفش ولا عمره يعرف يتقل عليا، أنا اللي ظبطت التقرير وأنا اللي كنت سايبه بس يديني ضربتين بمزاجي عشان القضية تبقى على مقاسه.
شيء من الراحة غمر دواخل رهف، فصدرت عنها تنهيدة قصيرة غير مسموعة قبل أن تتمتم ببرود مشمئز شابه ما يتلبسه: -متتصلش بيا تاني أحسنلك، أنت واحد مريض ولازم تتعالج. سمعت جملته المطلية بغضب باردة نيرانه: -تمام أوي، أنا هاوريكي بقا المريض دا هيعمل إيه يا رهف. -في ستين داهية.
غمغمت بها في غل وهي تغلق الخط، ثم أمسكت الهاتف تتأكد أن المكالمة قد تسجلت، ثم زفرت في راحة بعد أن تأكدت، لا تدري متى يغادر ظل أحمد وماضيه حياتهما، متى تخلو صورة حياتهما الجديدة من شوائب عبثه الذي لا ينتهي؛ عبث باسم الحب..!
نهضت تسير في الغرفة دون هدف، وحديث صامت يدور بعقلها عن فكرة إخبارها لمروان من عدمه، وكعادة الظروف تحشرها دائمًا بين اختيارين لا تستطع الإقدام على نيران أيًا منهما بسهولة، فقط تتحرق بين أطراف ألسنة تلك النيران.. فهي إن أخبرت مروان ربما يُحركه غضبه نحو بلاء جديد لا يحسب حسابه، وإن لم تخبره ربما يفعل أحمد أي شيء وتُفضح تلك المكالمة وحينها سيسقط بلاء غضب مروان على رأسها هي..!
رفعت رأسها لأعلى تهمس متوسلة مشتتة: -يارب أعمل إيه أنا تعبت. وكأن الإشارة الإلهية جاءتها سريعًا متمثلة في حضور مروان الذي بدأ يطرق بهدوء باب المنزل، فتحركت رهف مسرعة لتفتح الباب..
دلف مروان بخطى مرهقة يلقي السلام تلقائيًا: -السلام عليكم. -وعليكم السلام. جلس مروان على الأريكة في إنهاك يُحرك أكتافه بملامح مشدودة قائلًا بوهن: -تعبان أوي النهارده كان في ضغط شغل. تنحنحت رهف تحاول استرجاع نبرتها وتعبيراتها العادية حتى لا تثير شكه لحين أن تقرر ماذا ستفعل: -طب أحضرلك تتغدا عشان لو عايز تدخل تريح؟! اومأ مروان مؤكدًا برأسه: -اه ياريت يا حبيبتي.
ولكن قبل أن تتحرك رهف كان يقبض على يدها برفق يجذبها نحوه وهو يسألها عاقدًا ما بين حاجبيه: -مالك يا غزالة؟ هزت كتفاها بلامبالاة زائفة لم تخدعه ولو ثانية: -مالي؟ منا عادي اهوه. فهز مروان رأسه نافيًا ثم أشار بيده لوجهها الذي يحفظ اختلاجاته ويشعر بما يتوارى خلفها: -لأ مش عادي، حاسس إن في حاجة وأنتي كتماها في قلبك. رفعت رهف حاجبيها معًا بصدمة مصطنعة وبراءة: -أنا؟ لا ابدًا.
ضيق مروان عينيه وهو يميل برأسه في حركة مشاكسة مغمغمًا: -يا رهف. عضت رهف على شفتيها بعدما أدركت أنها قد كُشفت أمامه، ثم زمت شفتيها كأنها طفلة تخشى عقاب والدها، وهمست ترجوه في براءة تعمدت طرحها على ساحة ملامحها المتوترة: -بس أحلف إنك مش هتتعصب وتتجنن وتعمل حاجة متهورة. رسم ابتسامة هادئة زائفة وقد أدرك أن القادم لن يعجبه ابدًا: -مش هتعصب ولا هتجنن ولا هعمل حاجة متهورة، قولي؟ هزت رأسها نافية بعناد الأطفال:.
-لأ أحلف الأول. -والله العظيم. -لأ قول والله العظيم مش هتعصب ولا هتجنن ولا هعمل حاجة متهورة. أردفت في إصرار وجدية غريبة أشعرته أنه يحادث ابنة اخته ذات الخمس سنوات وليست زوجته الناضجة! منع بصعوبة ابتسامة كادت تطول ثغره واستحضر خشونة متعمدة وهو يزجرها: -إنطقي يا رهف على طول من غير مقدمات.
تنحنحت عدة مرات مبتلعة ريقها، تحاول بزق الكلمات المحشورة في جوفها تأبى مواجهة التأهب المتربض لها داخل عيني مروان السوداوتان.. واخيرًا أطلق بلعومها قنبلته التي خرجت دفعة واحدة: -بصراحة كدا أحمد اتصل بيا وكان عايز يقابلني وفضل يبتزني إن لو ماقابلتوش هيروح يعملك محضر تعدي بالضرب ويحبسك.
للحظات لم يبدي مروان أي رد فعل حتى شكت أنه قد سمعها، فاقتربت ببطء بوجهها من وجهه ثم مالت برقبتها قليلًا تنظر له و بدأت تلوح بيدها أمام وجهه بنفس الرتم البطيء وكأنها تختبر قدرته على الرؤية والشعور بها، ولكنها إنتفضت متفاجئة حين قبض على يدها التي كانت تتحرك أمام وجهه وبعصبية طرقت أبوابه للتو كان يسألها كازًا على أسنانه بعنف:.
-أنتي قولتي إيه؟ أتصل بيكي؟ واديتيله الفرصة أصلًا إنه يتكلم مقفلتيش في وشه السكة؟! فصاحت رهف بسرعة مبررة تحاول التصدي لإنفجار حتمي: -والله العظيم كنت لسه هقفل راح قالي اسمعي في حاجة تهمك وأكلني بالكلام، إتصدمت في الأول معرفتش أتصرف ولا أنطق وبعدين شغلت مخي واستفزيته وسجلتله عشان لو راح عمل المحضر فعلًا. ترك مروان يدها على مضض، ولكن لم يتزحزح الغضب عن مقلتيه وهو يسألها:.
-فين التسجيل دا وريني، عشان ليلة أهله طين إن شاء الله. تحركت رهف مسرعة تحضر هاتفها، وبالفعل فتحته وشغلت ذلك التسجيل ليصدح صوتها وصوت أحمد الذي جعل أعصاب مروان تهتاج في رغبة مُلحة بالقتل.. انتهى التسجيل، ومروان عيناه مُثبتة على رهف بينما عقله يدور في ملكوت آخر؛ يطوف الماضي بحثًا عن اجابة تخص شخصية أحمد التي من المفترض أن مروان عاشرها فترة ليست بقليلة، ترى هل يفعلها أحمد؟!..
إنتشلته رهف من صمته تسأله بقلق حصده مروان من عينيها البُنية: -إيه يا مروان سكت لية، أنا خايفة يبلغ فعلًا ويعملنا مشكلة جديدة. أجابها نافيًا وهو يتنهد بعمق: -ماعتقدش إن أحمد من الشخصيات اللي ممكن تعمل كدا، هو كان بيحاول يبتزك بس، لكن أصلًا غروره هيمنعه يروح زي الستات يعمل محضر في راجل ضربه. -صح، أنت صح، أكيد هو كان بيحاول يبتزني بس.
قالتها رهف وهي تبلل شفتيها وتهز رأسها محاولة كتم طنين القلق الذي فرضه عليها أعصابها المُنهكة من كثرة الصدمات مؤخرًا.. فلاحت ابتسامة متهكمة على ثغر مروان الذي تابع بعدها بلامبالاة حقيقية: -وحتى لو، أعلى ما في خيله يركبه، بأصغر محامي هخلص الحوار، خصوصًا إنه اتأخر في عمل المحضر ودا هيبقى في صالحي، وفي نفس الوقت بيثبتلك اللي قولته وإنه مش هيعمل كدا.
تعالت زفرة رهف الثقيلة، ولازالت ملامح مروان متغضنة تبوح بالضيق والغضب الذي هز أرجاء صدره من جديد.. فحاولت رهف تخفيف الجو الذي عكره كابوسهما المعتاد المُسمى أحمد، وراحت تشاكسه بابتسامة واسعة: -بس إيه رأيك في مراتك لما تشغل الجمجمة؟ -قال وأنا كنت مفكرك ورور طلعتي مش سهلة يا شقية.
رددها مروان قبل أن تنبأ قسماته بضحكة إقتحمت سماء وجهه المُلبدة بالغيوم لتشرقها من جديد، ضحكت رهف هي الآخرى ومن ثم رددت مستنكرة: -ورور؟ أنا ورور يا مروان؟ فهز مروان رأسه نافيًا حتى ظنت أنه سينفي ما قاله منذ ثوانٍ، ولكنه أكمل ضاربًا كل توقعاتها عرض الحائط وابتسامته المشاكسة لم تغادر مقر شفتيه: -لأ، أنتي ست الوراوير كلهم. لتلوي شفتاها في ضيق مصطنع ثم طرقت بأصابعها على رأسها برفق مستطردة في زهو متعمد:.
-قال ورور قال، دا بدل ما تشكر دماغي الألماظات دي وتشكرني إني أنقذتك من سجن كنت ممكن تتبهدل فيه. ضاقت عينا مروان وهو ينظر لها في صمت لم يدم طويلًا، إذ إنبثقت تلك اللمعة العابثة التي تعلمها جيدًا من بين ثنايا سوداوتاه، وبدأ يقترب ببطء منها وكاد يُحيطها بجسده هامسًا بنبرة صبيانية: -طبعًا هشكرك، دا أنا هشكرك بطريقة ماشكرهاش شاكر في تاريخ المشكورين.
ولكن رهف تراجعت مسرعة ونهضت هاربة من أمامه وهي تصيح في حرج من وسط ضحكتها: -لأ، تشكرني بأدب، بأدب يا مروان، الشكر العادي بتاع كل الناس مش القليل أدب بتاعك. فهز مروان رأسه نافيًا في أسف زائف: -لا حول ولا قوة الا بالله، على فكره كنت هشكرك بأدب، البت دماغها بقت تحدف على طول ناحية حاجات استغفر الله، أنتي ازاي تفكري فيا بالطريقة القذرة دي؟ ما تصفي النية شوية أنتي معندكيش أخوات صبيان ولا إيه!
تعالت ضحكات رهف عالية حتى جلست أرضًا غير قادرة على السيطرة على أقدامها لتظل ثابتة، استغل مروان الفرصة لينهض مسرعًا وفي لحظات كان يُحيط بها ويدفع جسده تجاهها حتى اضطرها للرجوع للخلف فأصبحت هي متسطحة أرضًا وهو يُطل عليها دون أن يمسها، ثم إنحنى بوجهه نحو اذنها يهمس بنبرة رجولية مغمورة بعبث لا ينتهي: -هو أنا قولت إني هشكرك بأدب أوي يعني؟!
في المنطقة الشعبية التي يقطن بها والدا رهف... تحديدًا في المقهى التي تتوسط الشارع العمومي والتي يقضي بها عماد والد رهف أوقات ليست بقليلة بعد أن ينتهي من عمله ليقضي على الفراغ الذي يستوطن حياته..
كان عماد يشرب كوب الشاي وهو يطالع الشارع والمارين أمامه بلا هدف، لمح بطرف عيناه أصدقاء اللعين المدعو أحمد يجلسون على الطاولة المجاورة له، ولكنه لم يعطهم أي اهتمام منذ جلوسهم... ولكن حديثهم التالي سرق منه رغمًا عنه خيطًا غليظًا من الاهتمام، حيث احدهم كان يسأل بقية الجالسين: -محدش شاف الواد أحمد من قريب ولا إيه يا رجالة؟ فأجابه آخر نافيًا في لامبالاة:.
-لأ خالص، هو بقاله فترة مختفي في شغله اللي سافرله دا. صدرت ضحكة ساخرة عن صديق ثالث قبل أن يتشدق غير مراعيًا حتى كونهم بمنتصف الشارع يستمع مَن يستمع لهم: -مختفي في شغله برضو ولا بيهرب من البت اللي أسمها غادة دي. هز واحد منهم رأسه بضحكة متهكمة مشابهه، فيما عقد الآخر بين حاجبيه وراح يتسائل: -غادة مين؟ رد الأول بصوت أجش وهو يتلقط كوب الشاي الذي يشربه: -غادة البت اللي مروان إتجوزها.
إتسعت عينا محمود مرددًا دون تصديق وقد اعتدل في جلسته منتبهًا للحديث الشيق الذي لم يكن سوى خوض في عِرض احد اصدقائهم: -بتهرج؟ أحمد ماشي مع مرات مروان؟ اومأ مؤكدًا وكأنه شيء أكثر من عادي: -أيوه ياض أنت مكنتش تعرف ولا إيه؟ فنفى برأسه مسرعًا يتابع تساؤلاته الفضولية: -لأ محدش قالي قبل كدا، طب وازاي مروان ماقفشهمش؟ أردف الآخر وقد إلتوت شفتاه والمكر ينضح من بؤبؤي عينيه:.
-أنت عارف أحمد مش سهل ابدًا، وبعدين هو مروان فاضي أصلًا من العروسة الجديدة. -دا أحمد دا ربنا يعينه على المهلبية اللي في دماغه وربنا. تمتم بها محمود وهو يضرب كفًا على كف ومن ثم أخذ يردد وهو يهز رأسه لا يصدق تلك الدائرة الغير منتهية التي رسمها القدر لجميعهم، ولا يدري حتى ما النقطة والمغزى التي تدور حولها، ولكنه متأكد أنها لن تنتهي نهاية عادية على الإطلاق...!
تابع الآخر بعدها بنبرة شيطانية وهو يربت على كتف محمود يحسد أحمد على حياته التي ما هي إلا مكمن للشياطين والذنوب: -دا واحد بيحب يلقط رزق من هنا وهنا ومش سايب للملل فرصة في حياته.
فيما نهض عماد من مقعده يسير بخطى متجمدة ثقيلة وقد كانت صدمته لا توازيها صدمة، يخشى أن تتوه رهف وتتلطخ في المتاهات السوداء التي تحتل حياة مروان... بل يخشى أكثر أن يكون مروان بحد ذاته هو المتاهة بالنسبة لرهف، أن يكون وجوده في حياتها فخ كبير سيبتلعها وعقاب من القدر يتربض لها، وليس عوض بعد شقاء كما ظنوا..!
وصل عماد منزله بعد قليل بملامح شاخت فجأة بشكل مبالغ به من كثرة الهموم وليس كبر السن، وأكتاف تثاقلت كثيرًا بعد أن ظن أنه رمى كافة الهموم عنها. تلقته زوجته التي خرجت من المطبخ على صوت الباب الذي فُتح، لتقول متسائلة بتعجب: -إيه دا أنت رجعت يا حاج! غريبة يعني ماطولتش زي كل يوم. جلس عماد على أقرب أريكة قابلته، ثم ضرب على جواره برفق يشير لزوجته مردفًا في نبرة خافتة مرهقة نوعًا ما من كثرة التفكير:.
-تعالي اقعدي يا ام رهف عايز أتكلم معاكي في حاجة. جلست ثناء جواره بالفعل، عاقدة ما بين حاجبيها تتفحص ملامحه التي لا تبشر بالخير ابدًا، وسألته وقد بدأ القلق يُطلق صافرته داخلها: -في إيه يا حاج خير اللهم اجعله خير. هز عماد رأسه يدعو بقلب أب مفطور من القلق الذي غزاه من جديد: -يارب يكون خير، خير وبس. لم تنطق ثناء في انتظار ما سيقول بعينين متلهفتين، وبالفعل هتف عماد بجدية وحذر:.
-أنا هقولك عشان مش عارف أفكر لوحدي، لكن إياكي تتصرفي أي تصرف مش ولابد من ورايا. اومأت ثناء مؤكدة بسرعة: -لأ طبعًا يا حاج متقلقش. بدأ عماد يقص عليها كل ما سمعه من اصدقاء السوء، الذين جاورهم في جلستهم بمحض الصدفة، او ربما لم تكن صدفة، ربما كان ضوء خافت سُلط على حقيقة متخفية مُظلمة لهدف إلهي مازال لا يعلمه.. وما إن انتهى حتى بدأت تضرب ثناء على فخذيها بعدم تصديق لما تسمعه:.
-لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يرحمنا برحمته، من أمتى كان هتك عرض الاخ حاجة عادية كدا؟! لم ينطق عماد بل كانت عيناه تحكي عن مخاوف ضارية لم ينطق بها لسانه، ولكن ثناء أحستها تنبض بعينيه ولم تستطع تفسيرها فسألته: -طب أنت بتفكر في إيه بالظبط يا حاج؟
هز عماد رأسه وتابع بخشونة مغيرًا مسرى سؤالها، فهو لن يخبرها بمخاوفه التي لم يتأكد منها بعد فينتفض قلب الام المرتعد داخلها انتفاضة لن تسكن بعدها حياة رهف ومروان بسهولة إلا بعدما تتأكد من عدم صحة تلك المخاوف: -لسه مش عارف، المهم دلوقتي تتصلي برهف وتعرفيها اللي عرفناه، وهي تعرف مروان.
فإن كان مروان يعلم سابقًا ستعلم رهف وبالطبع ستخبرهم وسينكشف كل شيء، وإن لم يكن يعلم ها هو أرسل المرسال الذي سيكشف له كل خفي يطعن في عرضه دون أن يدري..!
سألته ثناء في تردد تجلى بعينيها: -أنت متأكد من دا يا حاج؟ اومأ عماد مؤكدًا برأسه، ثم تشدق بجدية وإصرار: -أيوه طبعًا متأكد، دي حاجة تخص حياتهم هما الاتنين ولازم يعرفوها، خصوصًا مروان، دي مش حاجة ينفع تستخبى ابدًا. اومأت ثناء مؤكدة برأسه تيقن صحة كلامه، فوكزها بذراعه برفق مغمغمًا: -قومي كلمي بنتك يلا.
وبالفعل نهضت ثناء مسرعة تحضر هاتفها، ثم اتصلت برهف منتظرة اجابتها، حتى أتاها صوت رهف الرائق الناعم وهي تقول: -صباح الفل على أحلى ماما في الدنيا. -صباح النور يا حبيبة ماما، عامله إيه؟ -الحمدلله أنا بخير انتوا عاملين إيه وبابا عامل إيه؟ -كويسين الحمدلله يا حبيبتي. ثم صمتت برهه تستحضر إطار مناسب تغلف به حروفها التي لم تكن سوى قنبلة موقوتة: -عايزه أقولك حاجة مهمة يا رهف، انتي بتعملي إيه؟
-مش بعمل حاجة، قولي يا ماما.
بدأت ثناء تقص عليها ما حدث، وكانت رهف تشعر أن صفعات تتوالى عليها مع كل حرف يخترق اذنيها... -هتقولي لمروان يا رهف؟ صدح السؤال عن والدتها بعد أن أنهت قص كل شيء على مسامعها، فخرج صوت رهف مبحوح تجيبها: -مش عارفة يا ماما. -متهيألي لازم تعرفيه يا رهف. -تمام، بعد اذنك هقفل دلوقتي وهكلمك تاني. غمغمت بها رهف بصوت مكتوم وبالفعل أغلقت الخط بعد أن وافقت والدتها دون أن تجد القدرة على الاعتراض...
وكانت رهف في حالة لا تحسد عليها، عقلها مشوش بأفكار شتى لا تدري حتى أتخبر مروان وتجرح رجولته ام لا تخبره وربما يعلم وتخسره؟!. شعرت أن عقلها أصبح ساحة معبئة بظلال فكرية سوداء شتى تطوف عقلها، ولكن الظل الأكثر سوادًا وسيطرة على عقلها والذي جعل أنفاسها تثقل حتى بدأت تجد صعوبة في التنفس بشكل سليم، هو أن، هل يا ترى يعلم مروان وتزوجها خصيصًا ليكوي قلب أحمد بالإنتقام من خلالها؟!
ازدادت سيطرة ذاك الظل حتى شعرت فجأة أن دنياها كلها أصبحت سوداء، وبدأت الدنيا تدور من حولها ولم تجد حولها ما تستند عليه حتى لا تسقط، فازداد الدوار أكثر من اللازم حتى بدأت الظلمة تبتلعها لتسقط أرضًا فاقدة وعيها...
نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع
بدأت رهف تفتح عيناها شيئًا فشيء ليجابه الضوء عيناها البُنية، نظرت حولها ببطء متفحصة وكأنها تستكشف الشقة لتجد نفسها في نفس المكان الذي سقطت مغشية فيه فاستنتجت أن مروان لم يأتي من عمله، نهضت جالسة ممسكة برأسها تشعر بكل خلية بها تأن بألم، والدوار لم ينتهي حصاره الضاري لها بعد، أغمضت عينيها وفتحتها عدة مرات تحاول نفض غبار الدوار عنها لتنهض، وفي تلك الأثناء سمعت صوت مفتاح مروان يتحرك في الباب، فنظرت تلقائيًا نحو الطرقة التي سيظهر منها..
وبالفعل ما هي إلا ثواني حتى ظهر مروان ويبدو أنه كان يبحث بعينيه عنها، فهمست هي بأسمه في وهن بشبه ابتسامة مرهقة: -مروان. بمجرد أن نطقت أسمه أحست أن رصاصة التذكير إنطلقت لتُصيبها كطائر حاول الإقلاع بعيدًا عن أرض الواقع فأتت تلك الرصاصة وأسقطته جريحًا بين ثنايا الواقع مرة أخرى..!
اقترب مروان منها وجلس جوارها أرضًا عاقدًا ما بين حاجبيه يسألها في تعجب جلي: -مالك يا رهف قاعدة كدا لية؟ هزت رهف رأسها نافية، وأجلت صوتها بصعوبة لتخرج بحته متعرجة عن الخط الطبيعي لها: -مفيش، أنا تمام. كذبتها عيناه التي استندت بأدلة جسيمة من ملامحها الشاحبة ويدها التي تمسك برأسها تدلكها دون أن تعي حتى أنها تفعل، ثم أردف في شك مصممًا: -حصلك إيه يا رهف إنطقي؟ شكلك مش تمام خالص.
خشيت أن يظن ما هو أسوء، فأجابت في هدوء مبتلعة ريقها: -صدقني مفيش حاجة حصلت، أنا فعلاً تمام، أنا بس كنت بتكلم في التليفون مع ماما ودخت فجأة ووقعت من طولي. أحاط مروان وجهها بين كفيه يُدلك جانبه بإبهامه بحركة تلقائية، ثم همس بصوت رجولي قلوق جاءها كطرب مُزيين بتلك اللوعة القلقة التي تتألق بعينيه: -الف سلامة عليكي يا غزالة، طب إيه اللي خلاكي تدوخي أنتي ما أكلتيش؟ هزت رأسها نافية وأخبرته في خفوت:.
-الله يسلمك، لأ أكلت والله. ازداد قلقه تربعًا على عرش قلبه الموشوم بعشقها، وتابع اسئلته التي لم تكن غايتها سوى اجابة تسكن حالة الهرج والمرج التي تسود بين ضلوعه: -امال إيه اللي حصل، والكلام دا أول مرة يحصل ولا حصل قبل كدا؟ أرادت تهدئة قلقه فردت في تلقائية: -لا متقلقش دا لسه أول مرة من شوية. ازداد انعقاد ما بين حاجبيه وهو يردد مستنكرًا كلمتها: -من شوية؟!
أمسك هاتفها ليفتح سجل المكالمات ويرى وقت المكالمة، فتفاجئ أنها ظلت فاقدة للوعي لمدة عشرون دقيقة، تعالى صياح قلبه بالقلق عليها ورفع عيناه مصدومًا مستنكرًا: -بقالك تلت ساعة مرمية الرمية دي؟ أحنا لازم نروح نشوف دكتور. هزت رهف رأسها نافية بسرعة، ثم أمسكت كف يده تربت عليه في حنو وراحت تستطرد في هدوء محاولة إثناءه عما يقول: -مفيش داعي نروح حتة يا مروان صدقني أنا هبقى كويسة.
ولكنه لم يرضخ بل واصل في نبرة حازمة: -أنتي مش قادرة تنزلي طيب أجيبلك دكتور البيت هنا؟ أدركت أنه لم يترك لها طريق مفتوح للوصول لعقله سوى بالرضوخ والموافقة، فأومأت موافقة على مضض وهي تزفر أنفاسها: -لأ يا مروان أنا هقوم أغير هدومي. وبالفعل بدأت تنهض في بطء نوعًا ما، فنهض مروان معها وهو يسندها خشية من نيل ذلك الدوار منها من جديد، وما إن كادت تتحرك حتى سألها بتلقائية: -أجي أساعدك؟
عاد وجهها ينبض بالخجل بعد أن شحب شحوب الأموات، ثم تمتمت مستنكرة بشدة: -لا مش للدرجادي. ثم رمقته بطرف عينيها متابعة بنبرة ذات مغزى: -وبعدين أنا تعبانة نبطل وقاحة بقا شوية. فلتت من حصار وجوم وجه القلِق ابتسامة مشاكسة وهو يتشدق بنبرة رجولية ماكرة مغلفة بالبراءة: -لأ متفهمنيش صح، يوه قصدي متفهمنيش غلط، أنا هساعدك بأدب وعد. إرتسمت ابتسامة باهتة لم تكن زاهية كطبيعتها وأردفت تجاريه:.
-لا يا سيدي شكرًا أنت مساعداتك كلها بقلة أدب. -أنا يابنتي؟ تمتم بها مروان ببراءة زائفة وهو يضحك، مراقبًا إياها وهي تبادله ضحكة خافتة هي الاخرر و تتجه بهدوء وبطء نحو غرفتهم وتدخل مغلقة باب الغرفة خلفها.
في الشقة التي تقطن بها غادة...
توجهت غادة نحو الباب لتفتح للطارق الذي لم يكن سوى والدها الذي استدعته بشكل عاجل وضروري حتى دبت بالقلق بين حنايا عقله وروحه، وما إن دلف حتى إرتمت بين أحضانه بسرعة تضم نفسها له بقوة تود زرع شعور أنها تفتقد الأمان والحنان في هذا المنزل بقلب الأب داخله علها تزيح صخرة العقل القاسية التي تقف بمنتصف الطريق آبية السماح لها أن تفعل كل ما تود فعله في استسلام شنيع من قلب أب قلق.
أبعدها فايز عن أحضانه برفق، ثم بدأ يطالع قسمات وجهها التي حرصت غادة أن تكون خالية من أي نور ينم عن أي سلام نفسي، بل جعلتها ملتوية وكأن الحزن شقق أطرافها شقًا بهجومه الضاري المستمر والذي لم يكن بسبب احد بالطبع سوى مروان.. سألها فايز مستفسرًا بنبرة لم تخلو من القلق: -مالك يا غادة حصل إيه؟ فأجابت في اندفاع وأعصاب مهتاجة: -حصل إيه، قول ماحصلش إيه يا بابا.
أمسك كتفاها معًا يضغط عليهم برفق مكررًا سؤاله في صرامة: -إنطقي على طول وقولي حصل إيه؟ إنعقد ما بين حاجبيها تلقائيًا وبصوت مختنق كان على أعتاب قليلة من البكاء قالت: -أنا خلاص يا بابا تعبت ومبقتش قادرة أستحمل أكتر من كدا. زفر فايز بصوت مسموع عدة مرات قبل أن يتحرك من أمامها ليجلس على الأريكة وهو يتشدق في سخط: -تاني يا غادة هنرجع لنفس النغمة؟!
أسرعت نحوه تجلس على الأرض أمامه مستندة بيداها على أقدامه، وبعينين لامعتين بدموع زائفة تشبهان عينا قطة بريئة تعاني: -لا يا بابا، صدقني أنا حاولت أصبر وأستحمل زي ما قولتلي، بس الموضوع بيزيد سوء مش بيتحل ويهدى. -بيزيد ازاي يعني؟ سألها فايز مستفسرًا بتركيز في ترقب لإجابتها، فاستطردت هي في قهر زائف وتمثيل بارع تخبره بما لم يحدث سوى بخيالها الخبيث فقط:.
-مروان شوفته، كنت عايزه أتكلم معاه، كان لازم نشوف حل للوضع اللي أحنا فيه دا، لقيته هب فيا وفضل يزعق جامد وأهاني جامد أوي وفضل يقولي إنه هينتقم وهياخد حقه مني تالت ومتلت، وإنه هيسبني متعلقه زي البيت الوقف وإنه هيفضل يعاملني أزبل معاملة زي العبيد ومش هقدر أنطق وأقوله بم.
تجمدت ملامح فايز للحظات ولم يستطع عقله ترجمة ما تقول من غدر خرج عن إطار الصورة التي كان يرسمها بعقله لمروان، فنهض من مكانه يهز رأسه وهو يسألها في استنكار تملق بين حروفه: -أنتي بتقولي إيه! مروان عمل كدا؟ ازاي! وقالك إنه سايبك عشان ينتقم وإنه هيعاملك زي العبيد؟ اومأت مؤكدة برأسها لتتابع بكلمات كانت أشبه بمسامير هدفها الأوحد دق الصورة الجديدة لمروان بين جدران عقله:.
-ايوه والله، هو انا هكدب عليك في حاجة زي دي يعني يا بابا. هز فايز رأسه نافيًا وقال وقد بدأ عقله يشرد مفكرًا: -لا مش موضوع هتكذبي بس عمري ما توقعت إن تفكير مروان يكون بالطريقة دي.
وبدأ يسبح في بحر الذكريات والتي ليست ببعيدة كثيرًا؛ في البداية حين حادث مروان بعد شكوى غادة وأخبره مروان أنها تحب شخصًا آخر، وأنه رغم ذلك سيعطي حياتهما فرصة اخرى، لم يُكذب مروان بالطبع لأنه كان يعلم ذلك، وفضل الإنسحاب وترك مروان يتعامل مع المعضلة بينه وبين غادة، فربما كثرة تدخله يزيد من المشاكل بينهما وليس العكس، وحين ازدادت شكوى أبنته وإصرارها على ما تقول، بدأ يتدخل مرة أخرى ولاحظ تهرب مروان منه، ولكنه لم يكن يتخيل أن يكون تفكيره قد وصل لهذا الحد، وأن تكون ابنته مُهانة عبدة له كما قال ابدًا، مهما اخطأت أبنته فهو لن يقبل أن تُذل أو تهان..
بدأ يشعر أنه ولأول مرة في هذا العمر الكبير يُخطئ بالحكم والتعامل مع شخص ما..!
استفاق من شروده على صوت غادة الذي كان يميل لإستعطاف الأب الذي يجلد ذاته في تلك اللحظات: -هو مفكر إني مليش حد يقفله وإنه هيعمل ما في هواه. حينها إلتفت لها فايز، وقد نجحت بمكرها في الاستحواذ على فتات التحكم العقلي المتبقي داخله، وبدأ يربت على ذراعها في حنو بدلاً من الذي يظن أنها تفتقده، وقال في صوت حاني حازم يحاول طمئنتها:.
-لأ طبعًا يا يا حبيبة بابا، محدش يقدر يعمل فيكي كدا طول ما أنا على وش الدنيا. بدأت ابتسامة متصنعة الذبول تصافح ثغر غادة والدموع لازالت تصر على استكمال دورها على أكمل وجه، وتمتمت: -كنت متأكدة إنك مش هتسيبني ليه يبهدلني. اومأ فايز دون تردد مؤكدًا على كلامها: -طبعًا يا حبيبتي. فتجرأت على سؤاله بعينين صقريتين مترقبتين تراهن على الوصول للنتيجة التي تزحف لها زحفًا بمكرها اللامتناهي: -طب هتعمل إيه يا بابا؟
فأتتها الاجابة التي ودت سماعها منذ حينٍ، لتُسقط الستار على المسرحية التي مثلتها، معلنة استحقاق تمثيلها الخادع لوصولها لما تريد: -مش هاسيبك ليه تاني وهيطلقك غصب عنه وهيديكي كل حقوقه كمان. حاولت إخفاء فرحتها رغم أن عيناها كادت تصيح بها، وسألته في توجس: -بس هو ممكن ميرضاش؟ -مش هيقدر يرفض تاني خلاص. قالها والتصميم ينضح من عينيه، قبل أن يُخرج هاتفه ويجري اتصالًا ببعض الرجال...
على الناحية الاخرى، ليلًا.. -الف مبروووك المدام حامل. صدحت جملة الطبيبة كالمفرقعات النارية التي أشعلت مُضيئة قلب كلاً من رهف ومروان اللذان تصنما مكانهما للحظات دون القدرة على إعطاء أي رد فعل وقد تشنجت حواسهما وتشابكت مشاعرهما التي تأججت فجأة..!
ومع كل ثانية تمر كانت قطرة من الاستيعاب تستقر بعقل كلاً منهما، وكان الأسرع مروان الذي لم تستأذنه ابتسامته الواسعة وهي تحتل ثغره، وقد عَلت نبضات قلبه على كل شيء حوله، وكأنه في دنيا خالية من البشر، ولا يسمع سوى تلك الجملة التي كانت بمثابة مزمار يصدح أخيرًا مهللاً بعد أيام عديدة من الحداد، والسعادة التي ظن أنه قد نسي مذاقها، تستقر الان بحلقه ليتلذذ بمذاقها بعد غياب، وقلبه المنفطر يربت على جرحه هذا الخبر ليُرطب ملوحته اللاسعة وبالتأكيد سيُعيد لكرامته المُهدرة سابقًا حقها...!
اما رهف فكانت في حالة غير مسبوقة من إنفلات المشاعر، شتى المشاعر التي لا قدرة لها على تفكيك تشابكهم، بل تشعر أنها إنخرطت في تلك الدوامة، ولكن الشعور الأهم والذي كان يسري مسرى الدم داخلها الآن، هو الفرحة، الفرحة التي زُرعت داخلها دون سابق اذن ما إن سمعت جملة الطبيبة، وترقرقت الدموع في عينيها لتزين تلك الفرحة العارمة التي غمرتها.
إنتبهت رهف لمروان الذي بقي ينظر لها وكأنه غير مصدقًا، ثم إلتقط كفها برفق ليطبع قبلة عميقة على ظاهره، وكأنه يعبر لها عن امتنانه لتلك السعادة التي منحتها له بعد صيام وتوق، ثم خرج صوته خشنًا مثخنًا بالعاطفة: -الف مبرووك يا حبيبتي. لتهز رهف رأسها بابتسامة رائقة تشابه حلاوة ابتسامته وهمست بتأثر: -الله يبارك فيك يا مروان.
وبعد فترة، بعد أن غادرا عيادة الطبيبة بعد إنتظار طويل لتظهر نتيجة التحليل الذي أجرته الطبيبة لرهف، وبعد أن إنتهت الطبيبة من املائهما بعض التوصيات الخاصة بالحمل، وصلا اخيرًا أسفل العمارة التي يقطنا بها، وما إن دلفا مدخل العمارة حتى أوقف مروان رهف جاذبًا إياها لأحضانه، يضمها له بقوة مغمضًا عيناه يهمس والشوق ينحر حروفه: -اخيرًا، اخيرًا يا غزالة.
اشتدت قبضتا رهف تمسكًا بملابسه، لم تكن تتخيل أن هذا الخبر سيجعله شخصًا آخر، وكأن السعادة فعلاً هي وهب الحياة، وما الحزن والشقاء إلا موت إكلينيكي للقلب..!
ابتعدت عنه بعد لحظات لتهمس وهي تنظر حولها في قلق خشية من رؤية أي شخص لهم بهذا الوضع: -مروان احنا في المدخل ممكن أي حد طالع ولا نازل يلاقينا كدا. جذبها مروان برفق ليُدير جسدها ويسندها على الحائط من خلفها، ثم وضع ذراعاه حولها يُحيط بها، مُقربًا وجهه من وجهها قائلًا بصوت رجولي مثير:.
-محدش ليه عندنا حاجة أنتي مراتي، ثانيًا أنا في قمة سعادتي، وعايز أعمل كل حاجة مجنونة، لدرجة إني دماغي بتهفني أبوسك دلوقتي حالاً. تلقائيًا وضعت رهف يدها على شفتيها وهي تهمس متسعة العينين: -أنت مجنون. اومأ مروان مؤكدًا وبابتسامة واسعة وعيناه مُسلطة على يديها التي تغطي شفتيها أكمل: -جدًا، ومفضوح، وبعدين أنا عايز أعبر عن سعادتي الله! رفعت رهف حاجبها الأيسر تحدق به بنصف عين مغمغمة:.
-وهي سعادتك دي مابيتعبرش عنها غير بقلة الأدب؟! اومأ مروان برأسه، ثم اقترب منها اكثر حتى اختلطت أنفاسهم وبدأت ابواق الخطر تطرق أبواب عقل رهف، ثم خرج منه هسيس خطير يحمل ايحاءات وقحة جعلت الحمرة تزحف لوجنتاها: -هو في زي قلة الادب، وجمال قلة الادب، وحلاوة قلة الادب وطعام، إيه قلة الادب دي ما تيلا ياست انتي دا انتي عايزه تجرجريني للرذيله جدًا.
قالها وهو يبتعد بسرعة وقد تحولت نبرته فجأة للمرح المخلط بالجدية الزائفة حين سمع خطوات قادمة من الأعلى.. فضحكت رهف بملأ فاهها وكادت تصعد بالفعل ولكنه أوقفها ممسكًا بذراعها وتابع مسرعًا: -استني استني، أنا اللي هاطلعك. لتهز هي رأسها نافية وضحكت وهي تخبره: -مروان أنت فاهم غلط، أنا حامل مش اتشليت، هطلع لوحدي عادي. -والله ما يحصل لازم أنا اللي أطلعك.
غمغم بها في عناد وكاد يقترب منها ليحملها بالفعل، ولكنها أسرعت تستطرد محاولة إيقافه: -بلاش يا مروان احسن تتكعبل ونقع. نالت منه بعدما رمته بداء القلق من جديد، فأومأ موافقًا لها على مضض، وحين تحركت وبدأت تصعد أمامه، بدأ يصفق لها برفق وهو يتمتم بنبرة فكاهيه وكأنه يداعب طفلته ذات العام، وليست زوجته: -ايوه براحه، تاتاااا خط العتبة.
إنطلقت ضحكة عَلى صداها من رهف التي لم تستطع خفض صوتها على طريقته وما يقوله، فضحك مروان هو الآخر وهو يقول بشقاوة: -لا يا حبيبتي كدا هنتاخد اداب.
وبعد دقائق كانا قد صعدا بالفعل، سمع مروان صوت رجال يأتي، ولكنه لم يستطع تحديد مصدره، وحين وصلا الدور الذي به الشقة وجدا باب شقة غادة مفتوح، وخرج منه والدها الذي قال بجمود: -حمدلله على السلامة يا مروان، ياريت تيجي ضروري. اومأ مروان برأسه دون كلام، ولكن لم يستطع كبت دهشته من رؤيته الآن تحديدًا ومناداته له هكذا، فأشار لرهف نحو الشقة مردفًا في هدوء:.
-ادخلي أنتي يا حبيبتي وانا هاجي وراكي كمان خمس دقايق. اومأت رهف برأسها موافقة ودلفت لشقتها بالفعل، ودلف مع والد غادة، ليجد بعض الرجال من معارفه هو وعائلته، ومعارف والد غادة..
بعد أن جلس وسطهم ورحب بهم، كانت ملامحه تصرخ بالتساؤل الذي لم ينطقه لسانه عن تواجدهم الآن، حتى قال كبيرهم عمرًا بهدوء مسببًا صدمة سداسية الأبعاد لمروان: -بص يا مروان من غير لف ودوران، أحنا جايين كفاعلين خير، أبو غادة وغادة بيقولوا إنك مابتديهاش حقوقها الزوجية من وقت جوازكم وإنك رافض تتعالج ورافض تطلقها كمان...!
نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر والأخير
تجمد مروان مكانه دون أن يبدي رد فعل، فقد نالت منه الجملة الأخيرة حين تشكلت بقبضة حديدة ضربته بحركة مباغتة مُخلة بتوازنه النفسي..! وأخيرًا استطاع صوته العودة لنطاق الاستجابة حين صدح قائلًا في استنكار غير مصدق: -أنت أكيد مش واخد بالك أنت بتقول إيه يا حاج محمود صح. وسرعان ما اُزيح حجر الصدمة الثقيل لتشتعل النار بلسانه مُشكلة حروف تشع غضبًا:.
-أنتوا ازاي أصلًا تصدقوا عني حاجة زي دي، وخصوصًا لما يكون الكلام من شخصية كدابة ومريضة زي بنتك. قال أخر كلماته محيدًا بعينيه نحو فايز في نظرة ذات مغزى، فاندفع فايز يدافع عن ابنته التي لم تكن مجتمعة معهم: -أنا بنتي مش كدابة ومريضة يا مروان، وأعرف لكلامك أحسنلك. صاح مروان في انفعال حقيقي:.
-لا كدابة، وزبالة، وأنت عارف كده كويس، من ساعة ما قالتلك إن ماحصلش بينا حاجة وشككت في رجولتي مع إنها هي اللي مانعة نفسها عني. ثم مال رأسه قليلًا ينظر لفايز بسخرية وابتسامة باردة ظاهريًا بينما في باطنها تغلي كالمرجل: -وأظن أنت عارف هي مانعة نفسها عني لية من أول جوازنا، وضحكت عليا وحسستني إني هفأ لما جوزتني بنتك وأنت عارف إنها بتحب واحد تاني ومش عايزة ولا عارفة تنساه.
ثم بدأ يشير بيده متابعًا وتلك الابتسامة الميتة لازالت متعلقة بفمه بينما نبرته ينضح منها المرارة والشعور القاهر بالاستغفال: -وكانت بتعمل كل حركاتها ومش عايزاني أقرب منها عشان طبعًا الهانم عايزه تروح تتجوز البيه بتاعها وتطلق من جوزها الطيب الأهبل اللي استغفلتوه واللي سابها بمزاجه وفكر إنه بيديها وبيدي حياتهم فرصة ووقت عشان تنسى اللي بتحبه.
جزء من فايز كان مقتنع بصحة حديث مروان وشعوره، خاصةً أنه رجل مثله، ولكن الأب داخله أبى الاستسلام فراح يستطرد بحدة: -ماتفسرش كل حاجة على مزاجك، في أول جوازكم فعلاً أنا كلمتك بطريقة غير مباشرة وأنت قولتلي إنها هي اللي بعيدة عنك عشان كانت بتحب واحد تاني، لكن بعد كده بدأت معاك على نضافة وأنت اللي عندك مشكلة. أشار مروان لنفسه متسائلًا مستهزئًا في استنكار: -أنا اللي عندي مشكلة؟
اومأ فايز مؤكدًا ومن ثم تابع محاولًا تخليص ابنته من شوائب سوداء تحوم حول سُمعتها في تلك اللحظات: -أيوه عندك مشكلة، أنا عارف إنها حاجة صعب على أي راجل إنه يعترف بيها وخصوصًا وسط قاعدة رجالة زي دي، لكن معلش بنتي مش مضطرة ابدًا تضيع الباقي من سنين عمرها مع واحد ماقدرش إنها صابرة وساكتة وكمان معاملته ليها زي الخدم والعبيد.
هز مروان رأسه غير مصدقًا طريقته في الدفاع عن ابنته وتلك القصة التي حُبكت من وحي خيال غادة لتضعه هو في موضع الخسة! ثم بدأ يهز رأسه وهو يقول: -والله العظيم أنت وبنتك اللي عندكوا مشكلة في دماغكوا. ولم يعطه فرصة الرد إذ تحرك ليمسك بالأوراق والتحاليل التي تثبت أن رهف حامل، ثم بدأ يفتحها بحركات سريعة عشوائية ويُحركها أمام وجوه الجميع متشدقًا بصوت عالي صلب أعطاه الصدق صدى قوي:.
-التحاليل اللي بتثبت إن مراتي حامل اهيه، والحمدلله إني مكنتش أعرف أصلًا إنكم جايين، دا تدبير من عند ربنا عشان عارف نوايا كل واحد. تحركت الأعين تجاه تلك الأوراق تستشف منها الحقيقة المكتوبة في عيني مروان بحرقة والتي لم يكن ينقصها سوى ختم بدليل يوثقها، فتنحنح الحاج محمود في شيء من الحرج وقال: -الف مبروك يا مروان ربنا يبارك ويقر عينكم بيه. ثم استدار ينظر تجاه البقية وأكمل:.
-الظاهر إن وجودنا هنا ملهوش داعي فعلًا.
اومأ مروان برأسه دون رد، بينما عيناه تتابع فايز الذي تهاوى جالسًا على الأريكة، يشعر وكأن الهواء قد إنحسر عن رئتيه مسببًا له صعوبة قاتلة في التنفس.. لم يكن يتخيل أن يباغت بأول رد فعل هجومي بغاية انقاذ ابنته من الوحل، فيكتشف أنه هو الذي سقط مكتوم الأنفاس صريع ذلك الوحل الذي لم يكن سوى من تدبير أبنته...! تحرك احد اصدقاء فايز نحوه، يربت على كتفه مرددًا في نبرة مشفقة: -قوم يا فايز بينا نمشي يلا.
ثم رفع رأسه نحو مروان وتشدق معترفًا: -الحق يتقال كده أحنا محقوقينلك يا مروان. هز مروان رأسه نافيًا ودون أن يفكر مرتان كان يجيب بما يحوم رأسه في تلك اللحظات من أمنية وحيدة بخل عليه الزمن بتحقيقها: -لا لا، ولا حد محقوقلي ولا أنا محقوق لحد، أنا عايزكوا بس تسيبوني في حالي وتسيبوني أعيش حياتي بهدوء من غير مشاكل وضغط نفسي وقهر.
اومأ الآخر دون أن يجد رد مناسب، لم تكن توجد كلمة مناسبة واحدة حتى يمكن أن تنتشلهم من بين بقاع الاحراج القهري، خاصةً فايز الذي لم يكن يحس سوى بألم ينخر قلبه نخرًا وصداه يصل لكل خلية بجسده حتى تخدر كله ولم يجد القدرة حتى على التأوه معلنًا عن ألمه، فكُتم وكُتم حتى تعظم الألم..
والفضل يعود لأبنته التي كانت تستمع لما يحدث من غرفتها بالداخل... تضع يدها على فاهها والصدمة تستبيح ملامحها، لا تصدق كيف إنقلب السحر على الساحر بتلك الطريقة.. لا تود حتى تخيل رد فعل والدها تجاهها بعدما حدث، بدأت تضغط على رأسها، علها تسعفها بأي شيء يُنقذها بورطة من صنع يداها، ولكن لم تكن تملك سوى الجلوس متصنمة الملامح، في انتظار القادم المُبهم، والذي أدركت أنه بداية النهاية لها..!
بعد قليل... كانت رهف جالسة على الأريكة أمام الباب في منزلها، تائهة بين أمواج الصدمة المتلاطمة، سمعت ما دار بين مروان وباقي الرجال، تحديدًا ما قاله مروان ووقع على الصور التي رسمها خيالها سابقًا ليبث بها الروح وتصبح أشباح فكرية تتمختر بين ثنايا عقلها دون توقف.. أصبحت متيقنة أن مروان طالما أنه يعلم بخيانة غادة، فهو تزوجها لينتقم من أحمد ويقهره بها..
برغم شكها سابقًا ولكن كانت تتمسك بالحبال الذائبة لأمل طفيف يخبرها أنه لا يفعلها.
دلف مروان للمنزل متوجهًا نحوها يردد في هدوء والارهاق يستوطن معالمه: -السلام عليكم. -وعليكم السلام. ردت دون أن تنظر نحوه حتى، متظاهرة بالإنشغال في مداعبة أظافرها، فجلس جوارها مروان، ثم مد يده ليمسك كفها محيطًا إياه بكفيه، ثم أردف بعدما تنهد بعمق: -يااه يا غزالة آآ... قاطعته رهف التي سحبت يدها من بين يديه بعنف وراحت تردد مستنكرة في تهكم صريح: -خلاص كفاية تمثيل كل حاجة بانت وبقت واضحة. -تمثيل!
رددها مروان غير مستوعبًا دون فهم عاقدًا ما بين حاجبيه، فأومأت رهف مؤكدة وبنبرة حاولت جعلها قوية حتى لا تخونها دموعها: -أيوه تمثيل، كل حاجة بقت مكشوفة وأنا سمعت. هز مروان رأسه وللحظات أحس أنه فقد القدرة على الفهم او هي التي أصبحت لغز يصعب حله، فسألها بصوت أجش: -هو إيه اللي بقا مكشوف وإيه الكلام دا ما تقولي يا رهف في إيه؟! أجابت والثبات يتقهقر من حروفها شيئًا فشيء: -أنا سمعت اللي حصل جوا من شوية. -يعني؟
سألها مروان ولم يصل عقله لقلب الخيط المتشابك بعد، فتابعت رهف بعدها والقهر يحجز مكانًا لا بأس به في حروفها: -يعني عرفت أنت متجوزني لية. رفع مروان حاجباه معًا في شيء من السخرية والاستنكار: -بجد والله؟ ومتجوزك لية بقا يا ام العريف؟ -واضحة، متجوزني عشان غادة. ردت رهف بجدية متجاهلة السخرية في طريقته، ازدادت العقدة بين حاجبي مروان الذي عاد يكرر سؤاله وكأنها تتحدث بلغة غريبة:.
-يعني إيه متجوزك عشان غادة، وهي غادة مالها بجوازي منك؟ أكملت رهف في اندفاع دون أن تستطع ملامحظة التعجب الحقيقي المرسوم على وجه مروان: -عشان تنتقم من أحمد بيا وتقهره. بهتت معالم السخرية عن وجه مروان، وحلت اخرى مصدومة هادئة كمعالم شيطان استفاق لتوه مغادرًا مغارته يتخبط بين الصحوة والغفوة ولم يبدأ عبثه بعد، وراح يسألها بنفس الهدوء المُريب: -إيه علاقة أحمد بغادة؟
ابتلعت ريقها بقلق وقد بدأت عصبة الغضب تُزاح عن عينينها لترى حقيقة عدم معرفة مروان بتلك الخيانة بالفعل..! وبدأت تبلل شفتيها لا تجد ما تقوله، فأمسك مروان ذراعها ضاغطًا عليه متابعًا هدير وصلة اسئلته العالية: -إيه علاقة أحمد بغادة إنطقي يا رهف. -مروان بص آآ... تمتمت رهف بصوت مبحوح ولكنه قاطعها في حدة وقسوة يده على ذراعها تزداد: -مش عايز أسمع إلا اجابة السؤال دا، إيه علاقة أحمد بغادة؟
حينها لم تجد رهف مفر من سلك مسار الاجابة والذي لا تدري أين ستكون نهايته، وردت بصوت مُلجلج: -غادة بتحب أحمد وآآ... ازداد تأهب ملامح مروان جابرًا إياها على الإكمال، وبالفعل استطردت متابعة: -ولسة على علاقة بيه ماقطعتش علاقتها بيه. للحظة لم يبد مروان أي تعبير واضح على وجهه، ولكنها استطاعت رؤية مارد الغضب بين سوداوتاه يعلن استفاقته التامة وخروجه عن بؤرة السكون! ثم سألها بنفس الملامح الجامدة المخيفة:.
-أنتي عرفتي الكلام دا منين؟ بدأت رهف تقص عليه كل ما قاله لها والدها، وهو كان يستمع لها بهدوء ما قبل العاصفة، وطبول الخطر تدق معلنة قرب الإنفجار المحتوم.. وما إن أنتهت حتى نهض مروان دون كلمة واحدة على كل ما قالته، وهتف مخالفًا كل توقعاتها: -قومي جهزي هدومك. سألته رهف في قلق وعدم فهم: -أجهز هدومي لية؟ -هاوديكي عند أهلك. رد بنفس الجمود، فاستفسرت رهف والقلق يزداد داخلها: -هتوديني عند أهلي لية يا مروان؟
أتتها الاجابة جامدة قاسية دون أن تمر على فلاتر العقل داخله ولو لحظة: -أعملي اللي بقولك عليه مش عايز رغي كتير. ثم استدار متوجهًا للمرحاض دون أن يعطها فرصة الرد او المجادلة، فتحركت رهف مجبرة نحو غرفتهم وبالفعل بدأت تجهز ملابسها في حقيبتها...
وبعد فترة ليست كبيرة إنتهت، وخرجا من منزلهما سويًا، فوقعت أنظار مروان على سلة القمامة الموضوعة أمام منزل غادة، هبت ذكرى عاصفة من الماضي القريب على عقله، حين رأى نفس سلة القمامة ولكن حينها رأى بها اختبار حمل ملقي، ووسوس له شيطانه بأفكار لم يطل التفكير بها حينها بل استبعد كل شياطينه مرددًا لنفسه أنها من سابع المستحيلات أن تتجرأ غادة على خيانته، وأن تكون خيانة جسدية أيضًا..!
عاد من بين براثن ذكرياته الموحشة التي زادت من سعير غضبه وجنونه حين بدأ عقله يربط الاحداث ببعضها، فكز على أسنانه وضغط قبضة يده بعنف حتى برزت عروقه...
وكما قال أخذ رهف لمنزل أهلها في ظل استسلامها الإجباري وخوفها الرهيب من القادم، تحديدًا من رد فعله التي تأكدت أنها ستكون صادمة كارثية.
بعد فترة ليست كبيرة... كان مروان يطرق بعنف على باب منزل أحمد والذي لم يكن بعيد عن العمارة التي يقطن بها بل كان قريب، فتح أحمد الباب وهو يصيح في غيظ من الطارق: -أيوه جاي في إيه!
وما إن فتح الباب حتى صُدم من تواجد مروان الذي كانت ملامحه تنذر بكل الشر والإجرام الموجود في العالم، ودون أن يعطه أي فرصة للإستيعاب او السؤال كان يدخل ويغلق الباب خلفه ثم هجم عليه يكيل له الضربات بجنون وعشوائية بغل وغضب تفجرا كالقنبلة الموقوتة في وجهه ويصيح مزمجرًا كليث جريح: -يابن ال**** يا واطي يا زبالة أنا تعمل فيا كدا.
حاول أحمد بالطبع التصدي لهجوم مروان، ولكن مروان كان في حالة فريدة من نوعها لأول مرة تتلبسه، كان في حالة هياج تام للأعصاب، يداه تستجيب لنيران الغضب بين ضلوعه وتستخلص الثأر من ذلك اللعين علها تطفئ تلك النيران، ولكنها لا تنطفئ بل تزداد... كل ثانية تمر وهو ينظر لملامحه فيرى انتهاك عرضه يشعر أنه على حافة الجنون فيزداد جنون ضرباته التي تسببت بألآم مبرحة لأحمد الذي اُنهكت قواه تمامًا...
وما إن افرغ مروان جزء لا يستهان به من طاقته حتى نهض جاذبًا أحمد بعنف من خلفية ملابسه ساحبًا إياه معه نحو المطبخ، بحث بسرعة عن مراده وبالفعل وصل لأحد الأدراج وأخرج منها سكين، ثم وضعه على رقبة أحمد وقال بتهديد صريح إجرامي من بين لهاثه: -وديني وما أعبد لو ما لبست دلوقتي جاكيت ولفيت أي كوفية على وشك ومشيت معايا بكل هدوء لادبحك، انا خلاص مش فارق معايا حاجة تاني ومجنون وأعملها. -حاضر اهدى بس يا مروان.
صدح صوت أحمد المتعب كهذيان مرتعب، والألم بقدمه لا يحتمل، فتقريبًا مُزقت قدمه او ربما كُسرت!. فصرخ فيه مروان ضاغطًا على ذراعه: -اخلص يالا. وبالفعل قام بما أملاه عليه مروان، ووضع مروان السكين في يده أسفل الچاكيت الخاص به وباليد الاخرى أمسك بإحكام بأحمد، وتوجه نحو العمارة التي يقطن بها قاصدًا منزل غادة، وما إن دلف للعمارة أخرج هاتفه وأتصل بفايز الذي أجاب بعد دقيقتان تقريبًا، قائلًا بصوت أجش شبه آمر:.
-تعالى على الشقة اللي بنتك قاعدة فيها دلوقتي حالاً. وبالفعل صعد مع أحمد للأعلى حيث الشقة التي تقطن بها غادة، طرق بعنف على باب المنزل ففتحت غادة وشهقت متفاجئة مرتعبة مما تراه امامها، فألقى مروان أحمد داخل الشقة وكاد يدخل ولكن فتحت رهف الباب مسرعة تناديه في هلع: -مروان. فسألها مروان بلهجة غليظة أشعرت رهف أنها تحادث شخصًا آخر غير مروان الذي عرفته وأحبته، :.
-أنتي إيه اللي جابك هنا أنا مش قولتلك هتقعدي هناك؟ بادلته السؤال بسؤال آخر مهزوز من القلق وهي تسترق النظر نحو داخل الشقة ونحو السكين التي يمسك بها متجاهله الاجابة عن سؤاله: -مروان أنت هتعمل إيه؟ تحرك مروان نحوها وبسرعة دفعها داخل الشقة وهو يتشدق بجمود: -ادخلي جوه وإياكي تطلعي مهما حصل.
أمسكت رهف ذراعه بسرعة قبل أن يدخل متوسلة إياه تحاول الوصول لأي خيط من العاطفة داخله علها تفلح في تحجيم مارد الغضب الهائج داخله: -بالله عليك ما تعمل فيهم حاجة يا مروان، مش عشان خاطرهم هما مايستاهلوش، عشان خاطري وعشان خاطر أبننا، هتخلي أبنك يجي الدنيا مايلاقيش أبوه يا مروان؟
للحظة استكانت ملامح مروان والكلام يدور بعقله، ولكن غضبه لم يهدئ بعد، ولا يستطع الوصول لحل يهدئ سعير غضبه سوى الانتقام منه لشرفه... أدخلها عنوة لداخل الشقة وسط اعتراضاتها وأغلق الباب بالمفتاح بسرعة، في نفس الوقت الذي وصل به فايز مسرعًا ويبدو أنه كان يركض خوفًا على ابنته جالبة المصائب... فأشار مروان له بالدخول وبالفعل دخلوا جميعهم، سأله فايز مسرعًا وعيناه تهتز بخوف: -أنت هتعمل إيه يا مروان؟
للحظة كاد مروان يهجم على أحمد ذابحًا إياه، ولكنه بدأ يتنفس بصوت مسموع متذكرًا كلام رهف محاولاً التحكم في أعصابه، فأمسك بأحمد واضعًا السكين على رقبته متابعًا بنفس التهديد المخيف: -إنطق قوله كل اللي بينك وبين وال**** بنته. وبالفعل بدأ أحمد يقول كل ما يخص علاقته هو وغادة ومروان مثبتًا إياه بالسكين، بينما فايز تتوالى الصدمات كالصفعات على وجهه بلا رحمة..!
وما إن أنتهى أحمد حتى دفعه مروان أمام قدمه كالقمامة، ومد السكين لفايز قائلًا: -أديك عرفت كل حاجة، وعرفت ازاي بنتك ال**** هي وال**** التاني دمروا شرفي وشرفك، شوف بقا هتغسل عارك ازاي كراجل.
ثم استدار ليغادر وهو يسمع هذيان غادة المرتعب: -بابا لا أنت أكيد مش هتعمل كده. فيما كان فايز ينظر للسكين بيده تارة، وينظر لأحمد وغادة تارة اخرى بينما فتيل الجنون الذي أشعله مروان بدأ يفتك بثباته... نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي
في اللحظات الأخيرة التي تسبق خروج مروان، والتي كانت الثانية فيها فتيل يُلف حول غادة وأحمد ببطء شديد استعدادًا لحرقهما حيان..! صاحت غادة بأعصاب منفلتة بكل الغضب والخوف الذي تأجج داخلها: -أنت كده مبسوط خدت حقك.
استدار مروان نحوها، ولم يقاوم تلك الرغبة العنيفة ليصفعها مرات عديدة بعنف أسقطها أرضًا، ولكن تلك الصفعات لم تشفِ غليله، وكأنه في أوج الجحيم أينما إلتفت يلاحقه ذاك الاحتراق المُهلك ويفشل في الخروج منه..!
ثم صدح صوت طرقات رهف على بابها من جديد بعنف تخبره أنها لن تيأس، زفر بصوت مسموع وهو يلقي عليهم نظرة أخيرة؛ راضيًا عن الرعب الذي كان يتراقص في ملقتيهم في احتفال اسود يُنبئ بالقادم أرضى رجولته المُهدرة نوعًا ما.. توجه نحو شقته وفتح الباب لرهف ثم دلف، لتمسك هي به مسرعة تسأله بنبرة هلوعة: -عملت إيه؟ عملت إيه فيهم؟ فتنهد قبل أن يجيبها بصوت قاتم غير راضٍ عما ينطقه: -ماعملتلهمش حاجة. -امال إيه؟
سألته مستفسرة بعدم فهم، فأجابها بنفس النبرة: -أبوها هو اللي هيعمل. تخطاها ودخل ليرمي بثقل جسده على الأريكة، مغمضًا عينيه متمنيًا لو تُطرد أشباح صورتهم من ذهنه، لو أنه كان في كابوس شديد السواد وبمجرد أن يفتح عينيه سيهب متحررًا من بين خيوط ذاك الكابوس الثقيلة الموجعة..
بينما رهف كانت تلقي نظرة نحو الباب، وعقلها مغلقًا كفيه على صورة أحمد وهو مُهان مشبع بالضربات يفعل كما يُقال له، وربما يكون بعد قليل في عداد الموتى! وكأن تلك الصورة تخفف من وطأة ألم الجرح المدفون الذي فتحه فيها أحمد قديمًا، والذي كان ينزح بالصدئ.
ورغمًا عنها بدأ عقلها يستحضر تفاصيل ذلك الجرح...
تحديدًا يوم عقد قرانها على عريس جاءها ووافق أهلها عليه وغضوا البصر عن رفضها والذي كان بسبب حبها الأعمى لأحمد بالطبع، فقطعت هي حينها علاقتها بأحمد مضطرة خانعة، ولكنه لم يفعل مثلها، بل لم تتوقع في حياتها ما فعله..!
حين كانوا جميعهم جالسين قبل عقد القران، صدح صوت أحمد عاليًا عبر أحد الميكروفونات ينادي بأسم والدها، فهرع والدها ووالدتها ليروا مَن هذا، وما إن خرج والدها من الشرفة حتى رأوا أحمد الذي كان واقف على سيارة والميكروفون بيده و بدأ يقول: -اسمعوووا يا جدعان، رهف بنت الحاج عماد كانت ماشيه معايا بقالها ٣ سنين.
ثم بدأ ينظر حوله يمينًا ويسارًا وكأنه يتأكد من أن الناس في شرفاتهم يشاهدون الفضيحة التي تحدث، وتابع ساخرًا: -٣ سنين مكالمات وخروج وفسح وعشق ومعشقة، وفي الاخر سابتني عشان جالها عريس. تجمد عماد مكانه، متنفسًا بصوت مسموع، وعقله بدا كأنه في منطقة محظورة من الاستيعاب، فيما استغل أحمد صدمته المتوقعة وراح يكمل متشفيًا:.
-تسيبني أنا عشان عريس جالها بعد ما قعدت معايا ٣ سنين ولا في الاحلام وكأننا مخطوبين واكتر. ومن ثم عَلى صوت صاحبه الذي لم يكن بكامل وعيه تقريبًا فتشدق بصوت غير متزن يؤيد أحمد: -هما كدا يا صاحبي خاينين لما يزهقوا من اللعبة اللي في ايديهم يرموها بحجة العريس المغفل اللي جاي وميعرفش أي حاجة. فأشاح أحمد بيداه وهو يردف في نبرة مقيتة:.
-مهو أنا جاي بقا عشان أعرفه وأعرفهم كلهم، إنها مش ملاك زي ما بتوهم الناس، دي خبيثة، وكانت عايزه تعلم على أحمد بس لا، مش أحمد اللي يسيب حقه. حينها انتفض عماد يزمجر فيه في انفعال مفرط وكأنه استفاق من الغيبوبة المؤقتة التي ابتلعته لدقيقتان: -اخرس يا كلب، أنت كداب. أخرج أحمد هاتفه من جيبه بسرعة، وفتح على بعض الرسائل بينه وبين رهف، ثم قال: -مش بنتك رقمها اوله ٢٣ واخره ٤٠؟ وآدي الرسايل بينا اهي.
وتحولت نبرته لدرامية بحتة تحمل تهكمًا صريحًا مرير وهو يستطرد مقلدًا صوت رهف وبدأ يقرأ رسائل عشوائية بينهما: -بحبك يا أحمد والله وعمري ما هبعد عنك. ثم ضحك بصوت مسموع قاصدًا دون مرح، واستأنف: -امال انتي دلوقتي عملتي إيه؟ واخده اجازة مني؟
غمامة سوداء حلت على عيني عماد الذي أمسك بقلبه يتأوه بصوت خفيض خاصةً وهو يسمع بعض الهمهمات من العريس وأهله في الخلف، وكل حرف كان يخرج من أحمد كان يطعن فيه بسكين بارد بلا رحمة.
وحين لمح أحمد عماد وقد تحرك من الشرفة وبالطبع توقع أنه سينزل له، تحرك مسرعًا لينزل من أعلى السيارة وركبها هو وصديقه ثم بدأ ينطلق متحركًا بالسيارة وهو يصيح في زهو والانتصار الوهمي يتشعب بين ثناياه: -الف مبروك يا عرووووسة.
كانت رهف في الأعلى في حالة يرثى لها، حالة متفاقمة ما بين الصدمة والألم الرهيب، ألم لأول مرة تختبره؛ كل خلية فيها تأن بوجع الغدر، ومرارة الفضيحة وعلقم الاستغفال، لم تكن علاقتها بأحمد سوى وهم، سراب مشت هي خلفه مصدقة مشاعر المراهقة اللعينة ونست كل شيء سواها، نست ثقة والديها، ونست أنها تضع ثقتها بغريب، وتعجلت بالبحث عن الحب ووضعته في موضع شريك العمر متناسية أنه قدر ونصيب وتوقيت محدد من الله.
وبعدها في ظل مغادرة العريس وأهله ونظراتهم التي كانت بمثابة خناجر مسمومة ترشق بمنتصف قلوبهم، صعد عماد خائر القوى مُستهلك نفسيًا لأبعد حد، ركض نحو رهف يصفعها بعشوائية دون توقف جاذبًا اياها من خصلاتها بعنف شديد يلقيها أرضًا أسفل أقدامه بينما والدتها تلطم خديها في فزع شديد من كل ما يحدث، ورهف مغمضة العينين مستسلمة تبكي بصوت مكتوم فقط.
عادت رهف من تلك الذكرى المقيتة تمسح دمعة ساخنة فرت متحررة من بين أهدابها، وقد عادت تلك المرارة بحلقها وكأنها تعيش ذلك اليوم من جديد.. ذلك اليوم الذي كان من صنع يديها، يوم لم تتوقع قط أن تعيشه وأن تجعل والدها يعيشه، كان عقاب مُهلك لا قدرة لها على احتماله، وكان حفرة سقطت فيها مُزهقة الأنفاس..!
اقتربت من مروان وتلقائيًا وجدت نفسها تدفن نفسها بين أحضانه، أحضانه التي صارت الملاذ الوحيد من وحشة الأيام وقساوتها، والبلسم الذي هدئ من إلتهاب جراحها.
بعد مرور حوالي شهر... شهر كانت رهف تلتزم فيه بالخصام الزائف مع مروان، لتشعره بتأنيب الضمير لكتمانه السبب الوهمي الذي تظن أنه تزوجها من أجله، ولكنها في الحقيقة لم تكن تشعر بالغدر منه، والأسباب الواقعية تحط بينها وبين الحزن الذي من المفترض أن تشعر به فتذيب إياه ببطء... وهو الآخر طيلة الشهر كان في قوقعة من العزلة يحاول فيها معالجة تلك الشروخ التي أحدثتها فيه الأيام.
إنتبهت لمروان الذي دلف للمطبخ مقتربًا منها وصدح صوته مشاكسًا: -قمر عليا الطلاق قمر يا جماعه وهلفه ساندوتش وأكله دلوقتي. رمقته رهف بنظرة ملولة في ظاهرها سعيدة في باطنها من خروجه من حالة الثقل والجمود التي كانت تستعريه: -ايه العسل دا! -عسل وطحينه هاهاها. قلبت رهف عينيها ورمته بنظرة مصطنعة الحنق من اعلاه لأسفله، فتنحنح مروان ثم قال بجدية زائفة:.
-احم، انا كنت عايز أقولك حاجة مهمة جدًا يا رهف كنت مخبيها عنك بس خلاص مش قادر أخبي أكتر. إتسعت حدقتيها في اداء درامي بحت واستدارت نحوه مسرعة تسأله في شك: -اتجوزت عليا؟! انا كنت حاسه اصلا انتوا ملكوش أم... فقاطعها مروان مرددًا في مرح وتلقائية: -اتجوزت عليكي ايه بس وحدي الله ف قلبك هو اللي يتجوزك هيبص لصنف الستات تاني اصلًا. -إيه؟
رددتها مستنكرة غاضبة، فابتسم ابتسامة تنضح بالحنو ليُخفي أسفلها فداحة ما نطق به وأكمل: -قصدي يعني يا حبيبتي من الحب، مش هيبص لواحدة تاني عشان مفيش منك تاني اساسًا. اومأت رهف مؤكدة في زهو وسألته: -اه بحسب، امال ايه اللي مخبيه بقا؟ أطرق برأسه أرضًا وتشعب الأسف محتلًا قسمات وجهه وهو يهتف بصوت خافت: -أنا عليا جنية عاشقة. تصنمت رهف مكانها وسرعان ما رفعت حاجبها الأيسر وهي تتابع مستنكرة متهكمة:.
-جنية إيه؟ عاشقة! مروان يا حبيبي أنت محدش طايقك من الانس عشان يعشقك من الجن! -فيه كلام اشيك من كدا وبيدي نفس المعنى. زفرت رهف بصوت مسموع، ثم رسمت ابتسامة زائفة خالية من المرح وهي تقول: -يا الله يا ولي الصابرين، كمل يا مروان، ها وإيه كمان؟ هز مروان رأسه في اسف وبجدية أكمل: -يظنوني الجميع أنني أنهار ولكني في الحقيقة بحيرات. -اممم طبع، نعم؟
-انتي قفوشه اوي على فكره يا رهف، أنا بضحك معاكي عشان تفرفشي لاحسن الجنيه العاشقة اللي وراكي دي موتها وسمها الناس القفوشه، اه اسأليني انا دا احنا عِشرة!
للحظة وبتلقائية ألقت رهف نظرة خاطفة خلفها وعادت لتنظر له وهي تستطرد في غيظ: -ورايا إيه اللهم احفظنا وبعدين إيه اللي موتها وسمها الناس القفوشه! هز مروان رأسه وراح يردف في جدية تامة مُضحكة وهو يخبرها: -امال انتي فاكره إيه، احنا نسيبها تنتقم من الناس البومه القفوشه واحد واحد والبقاء للفرفوش! زفرت رهف وهي تحذره بصوت أجش: -بلاش هزار في الحاجات دي يا مروان الله يرضى عنك.
أشار مروان لنفسه رافعًا حاجباه معًا متمسكًا بدور الجدية الزائف: -هزار! انا برضو ههزر في الحاجات اللي زي دي يا رهف، انتي شيفاني تافه للدرجة؟! قال وانا اللي جاي احذرك احسن تصحي تلاقيكي اتسخطتي قردة. عقدت رهف ما بين حاجبيها بعدم فهم وسألته: -تحذرني من إيه يعني مش فاهمة! اقترب منها جوار اذنها ثم همس وكأنه يخبرها بأخطر سر في العالم: -اصلها اللي بيضايقني او يزعلني وينرفزني ب، آآ... زجرته في حنق:.
-ب إيه ما تنطق؟ ضم شفتاه معًا وهو يهز رأسه في قلة حيلة: -أنطق أقول إيه، أصل الخبث والخبائث مبيحبوش حد يطلع اسرار المهنة برا، وعمومًا أنا ماشي وهاسيبك تشوفي بنفسك انا بهزر ولا لا. وبالفعل تحرك يوهمها أنه سيغادر بالفعل، فدارت عينا رهف حولها نحو الغرف المُظلمة، ثم صرخت منادية بتلقائية وهي تسرع نحوه: -مروان استنى. كتم مروان ضحكته بصعوبة وحاول الحفاظ على جدية ملامحه وهو يسألها: -ايه خوفتي يعني؟
هزت رأسها نافية بسرعة، ثم تنحنحت تتشدق في استنكار: -انا؟ لا طبعًا، بس انت رايح فين؟ وبعدين انت عارف اني مش بحب سيرة الحاجات دي ابدًا.
أغلق مروان الباب ثم استدار نحوها ليقترب منها ببطء وهي تعود بتلقائية للخلف حتى إلتصقت بالجدار من خلفها وهو امامها يُحيطها بذراعيه ويقترب منها أكثر حتى أصبح ملتصق بها تقريبًا فابتلعت هي ريقها بتوتر وهي ترمقه بحذر متساءلة ونبضات قلبها ترتفع أكثر فأكثر: -أنت بتقرب كدا لية؟ لم يجيبها وإنما كانت عيناه تخبرها عن شرارة الشوق التي إندلعت بين ضلوعه، وكل خلاياه التي تأن توقًا ولهفة لوصالها.
فانحنى بوجهه نحو وجهها ببطء حتى كادت شفتاه تلتقي بشفتيها في لهفة وشغف أنهكه، ولكنها سارعت لتبتعد بتمنع مصطنع وتوتر، ولكنه لم يعطها الفرصة بل ثبتها بذارعيه وهو يهمس بسرعة محذرًا بخشونة: -اثبتي مكانك لاتولعي.
ولم يعطها الفرصة للابتعاد او الاعتراض بل كتم اعتراضها بشفتيه الاكثر من متلهفة، يلثم شفتاها بتأنٍ مغمضًا عينيه متلذذًا بحلاوة ذلك الشعور اللاهب الذي صار كفقاعة وردية متأججة العاطفة من حولهما، ولم تكن تملك هي اصطناع التمنع فاستسلمت لطوفان عاطفته التي ابتلعتها غير سامحة لها حتى بالتقاط أنفاسها.
وابتعد اخيرًا حين شعر بكتمان أنفاسها، و من ثم راح يهمس بعبث لمع بعينيه: -دي مش لأجلي لأ دي لأجل الجنية اللي واقفة بتتفرج علينا دي وهتموت وتحرقك. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم