رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الخامس عشر
إختنق تنفسها بصورةٍ غير طبيعية، سعلت بقوةٍ وهي تحاول التنفس، ففتحت عينيها بإستغراب حينما سادت الأدخنة بالغرفة بأكملها، جحظت عين سارة بفزعٍ، لما رأته من مشهد دامي كاد بأن يعصف بعقلها وعينيها التي تتطلع للغرفة التي صارت قطعة من الجحيم بنيرانه المستعارة، الأثاث، الستائر، السجاد، كل شيءٍ مشتعل، حتى طرف الأريكة التي تعتليها، تراجعت للخلف بزعراً حينما كاد فستانها أن يتلامس بنيرانٍ الستائر، فأسرعت بخطواتها تجاه باب الغرفة وهي تكبت أنفاسها بيدها حتى لا تفقد وعيها من فرط الدخان المتصاعد، صرخت بهلعٍ حينما سقطت الخزانة المشتعلة أمام باب الغرفة ليصنع حاجز من أمامها فمن الصعب الوصول للباب، بكت بخوفٍ وهي تتراجع للخلف بصدمةٍ من الموت للذي يحوم بها، موتة بشعة لم تتمناها لأحداً يوم، رددت بصوتٍ مرتفع للغاية وهي تبكي بحرقة:.
ريان...
وكأنها تطالب بنجدتها، كأن إسمه تعويذة ستخمد النيران من حولها، تراجعت للخلف بخطواتها المتعثرة ونظراتها الملتاعة وهي ترى النيرات تقترب منها بصورةٍ مفزعة، بكت بضعفٍ وهي تحاول حماية جسدها بعجزٍ تام، صوت تهشم زجاج قوي إخترق مسماعها، فتطلعت للشرفة لتجد أحداً يحطمه بمعصمه!، حاولت رؤية وجهه ولكنها فشلت من فرط الادخنة كل ما أسعدها بأنه يوجد امل بالنجاة، فخرج صوتها المضطرب وهي تصرخ: حد يساعدني...
تسلق ببراعة لحافة الشرفة بعدما حطم زجاجها، ولج للداخل يبدأ بالبحث بالغرفة الشبه محترفة، فوجد سارة تسعل بقوة وهي تحاول أن تتفادى النيران من حولها، ولكن سقطت طرف أحد الستائر المشتعلة لتشعل طرف فستانها، صرخت بخوفٍ وهي تحاول إضطرام النيران فحركت طرف فستانها وهي تصرخ بجنونٍ، إقترب منها جان باحثاً عما يمكن إستخدامه ولكنه فشل بإيجاد شيئاً فبدون أي تردد إستخدم يديه ليطفئ النيران البسيطة التي تكاد تتشابك بالثوب بأكمله، خبط بيديه على طرفه، فوجده لا ينطفئ فمزق طرفه الطويل عنها، ثم وقف أمامها لتبدو ملامحه أكثر وضوحاً، رددت بصوتها الخافت وهي تتطلع ليديه المحروقة أثر إطفائه للنيران الفستان:.
جان!.
تفحص الطريق من حولها ثم قال بثباتٍ لمحاولة تهدئتها: متخافيش يا سارة هخرجك من هنا..
أشارت له ببكاء وعينيها تستغيث، سقط العمود الحامل للستار فكاد بأن يصدمها ولكنه جذبها بقوة، ليتفاده بذراعيه الأيمن، فكبت صرخة مداوية كادت بأن تنفلت منه ليلقيه بعزمه أرضاً، تفحصت إصابته ببكاءٍ وهي تشعر بأن نهايتهم واشكة وخاصة حينما بدأت النيران تسلل لحمام الغرفة وبالطبع سخان الغرفة سينفجر بأي لحظة، جذبها برفق ليوقفها بمكانٍ لحداً ما آمن، ثم توجه لباب الغرفة فحاول إزاحة الخزانة المشتعلة عن الباب قليلاً، ولكنه لم يتمكن، بسرعة بديهية لقطت عينيه الشرفة التي تسلل منها، سيكون من السهل عليه الخروج للياقته البدنية ولكنها لن تستطيع، ولكن لا وقتٍ حتى للتفكير، لذا جذبها للشرفة مشيراً لها بذراعيه:.
سارة مفيش منفذ للخروج غير دا... تطلعت للمسافة الفاصلة بينها وبين شرفة الغرفة المجاورة بنظراتٍ خوف وهي تتفحص المسافة بينها وبين الأرض لتضع بإفتراضاتها لحظة سقوطها من هذا الإرتفاع، أشار لها جان بثقة: متخافيش مش هسيبك.. أومأت برأسها بدموعٍ، فدانا منها متسائلاً بجدية: جاهزة؟..
أشارت له بخفة فحملها بذراعيه ليقربها من حافة الشرفة، لتثبت اقدامها على طرفيها، فلحق بها هو الأخر ليتمسك بيدها حتى يعاونها على العبور للجهة الأخرى من الشرفة...
تحرر مقبض الباب جعل قلبه يخفق بقوةٍ، وكأنه نال وسام لمنتصف الطريق المقطوع، أبدل وجهته ليصعد للأعلى سريعاً، ثم ولج للداخل بشوقٍ يجرفه للداخل بخطواتٍ سريعة، ملتاعة لرؤياها، وجدها تجلس على المقعد تحاول إخفاء دمعاتها الواضحة على وجهها الشاحب، رؤيتها منكسرة هكذا حطمه للغاية، كانت تحاول التماسك، ورغم ذلك تتحاشى التطلع لوجهه، جذب سليم المقعد المقابل لها، ليضعه على مسافة قريبة منها، حينها بات الهروب ليس حل منطقي لمحاصراتٍ نظراته، الألم الذي نبع بداخله بذاك الوقت كفيلاً بهزيمة رجولته، فتمنى لو تمكن من البكاء، رفع أصابعه ليقربها من وجهها ليرفعه عالياً في مقابلة وجهه، بينما دقات القلب تهمس بخفوتٍ، إرفعي رأسك للأعلى فأنتِ لم تقترفين أي جرمٍ، إرفعي رأسك حبيبتي فأنا المخطئ بحقك وبحق نفسي، أنا من سمح لكِ أن تخوضي هذة التجربة القاسية.
كنت أمل أن نتشارك الآلآم سوياً، ولكني كنت أحمق، فأنا قويٍ، صلبٍ أما أنتِ فرقيقة لدرجةٍ أن ما رأته عيناكِ حطم قلبي قبل ان يصل لحصون قلبك، إرفعي رأسك عالياً فأنا المذنب البغيض وأنتِ فراشة لا يليق بها الحزن ولا تليق بها الهموم، قفي على قداميك وتمسكي بقوتك، جادليني بأعلى صوتٍ تمتلكين وحينها سأغفر لكٍ ما ستقولين، مهما فعلتي فأنا أستحق ذلك ولكن ما أراه أمام عيني يحطمني، فأن لم يتمكن الإبتلاء من كسر شموخي فرؤياكٍ هكذا أقسم لكِ حطم فؤادي، إرفعي رأسك بكبرياءٍ فأنتِ محبوبة القلب ومن ترجتها الروح لتتلبسها بعشقٍ دام منذ أول لقاء، أول نظرة، حينما كنتِ تخطين أول خطواتك وأنا لجوارك أشدد على يديكِ الصغيرة، كنت لجوارك منذ الوهلة الأولى، كنت أبتهج لرؤياكِ ترددين إسمي بطفولية تمكنت من فؤاد جوارحي، كنت صبي لا يتعدى الست سنواتٍ ولكني أشعر تجاهك بشيءٍ يصعب وصفه، إرفعي رأسك فإن كنت أنا الشوكة التي ستحني رأسك سأكسرها لتستكملين طريقك حتى ولو كان من دوني!..
أفصحت النظرات عن الكلماتٍ التي عجز اللسان عن قولها، فطافتها دمعة ريم الحارقة، منحها بسمة صغيرة، غامضة، ثم تركها ونهض ليغادر، تمسكت بذراعيه لتبدأ بالحديث بنوبةٍ من البكاء: خليك جانبي..
أغلق عينيه بقوةٍ يستلذ نبرة صوته الذي يطرب روحه، يدها التي تلامس يديه الصلبة أنعشت قلبه بلمستها التحفيزية لمشاعره، إستدار تجاهها، ثم إنخفض لينحني على قداميه، فكان مقابلها، يتأمل ملامح وجهها الباهت، فقالت بعذابٍ كلماتٍ تذبحها: محتاجة وقت يا سليم... ثم قالت بنبرةٍ باكية: محتاجة أنسى اللي شوفته... إقترب بوجهه منها ليستند بجبينه على جبينها، قائلاً بصوتٍ لفح وجهها ليستحوذ بتأثيره الرجولي عليها:.
اللي شوفتيه شخص مغيب عن الواقع، ميعرفش هو بيعمل أيه، سليم مفيش غير واحدة هي اللي بتحرك غريزته، هي اللي قدر إنه في لحظة ضعف منه قدر يتحكم في نفسه عشانها...
أغلقت عينيها بخجل حينما ذكرها بالليلة التي جمعتهم سويا من قبل حينما كانت تخشى لقاء رحيم بعدما هربت مع نغم، تذكرت كل ما حمل من شغف ورغبة ورغم ذلك لم يتمكن من كسر فرحتها المستحقة، إمتنع عنها لتزف له بالأبيض، حقها الطبيعي مثل أي فتاة، إنخفض ليتطلع لشفتيها المرتجفة بنظرة خفقت إليها جوارحه، فمنحها الآذن بإقتباس القليل من ريحقها، غمرها إحساس إفتقدته لفترةٍ، وها قد عاد ليحتضنها من جديد، تلقائياً وضعت يدها لتستند على صدره لتلامس دقات قلبه المشتعلة بجنونٍ، إحتضن وجهها بيديه بقوةٍ وكأنه يرفض تهربها الغير مقبول، إبتعد عنها بأنفاسٍ سرى صوتها برجفة باردة لجسدها، همس بصوته المتقطع:.
بحبك، قلبي مفهوش مكان لغيرك... إرتسمت بسمةٍ خافتة على شفتيها وهي تسترق النظرات لعينيه المتيمة بالشغف تجاهها، إبتعد عنها بإستغرابٍ حينما تسلل إليه صوت صراخ وضجيج مريب، فنهض مسرعاً ليخرج من غرفتها فأذا بدخانٍ مريب يقابله، سعل بقوةٍ وهو يشير لها بحزم: خليكِ جوا يا ريم.. ودفعها لغرفتها بالقوةٍ ثم أغلق بابها ليتجه سريعاً لمكانٍ الناشب به الحريق...
صعد لغرفته بتعبٍ شديد، بعدما إنتهى من امر والده، ورغم سخطه الشديد على ما يفعله الا إنه قدم له ما إحتاجه من مالٍ وسيارة وغيرهما، مرر ريان يديه حول رأسه بحركاتٍ دائرية تخف من حدة الصداع الساكن بها، كاد بتخطي الطابق للأعلى، ولكنه وقف يتأمل أثر الدخان القادم من نهاية الرواق بملامح منكمشة بذهولٍ، تتبع أثرها لينقبض قلبه ويوخز دقاته بخفقٍ مرعب، أسرع بخطواته الشبيهة بالركض لباب غرفتها، فوجد سليم يحاول فتح باب الغرفة الذي لا يستجيب إليه، هرع إليه وهو يصرخ بصوتٍ مسموع لمن بالقصر بأكملهم:.
سارة... تطلع له سليم وهو يحثه على معاونته بكسر باب الغرفة، فدفع معه بقوته حتى تحركت الخزانة فور قوتهم معاً، لينفتح باب الغرفة على مصراعيه، إندفع ريان للداخل بدون تفكير، فإنتبه سليم لإشتعال اسلاك سخان حمام الغرفة، فجذبه للخارج بالقوةٍ، صارخاً به: ريااان، حاسب...
وجذبه للخارج لتنفجر الغرفة بصوتٍ مدوي خرج على اثره الجميع من غرفهم، ليجدوا سليم منبطح أرضاً ويحاول شل حركة ريان الجنونية الذي يود الإندفاع للداخل وهو يصرخ بجنون: سارة... كاد بالدخول للغرفة فقيده فارس و مروان جيداً وحينما كاد بالتحرر من قيودهم إنضم إليهم آدم فقال بتأثر: إهدى يا ريان مش هتعرف تدخل الاوضة كلها والعة مفيش امل إن حد عايش!..
غزت كلماته قلبه المهزوم، فسقطت أرضاً بحالة محطمة لمن حوله، وهو يحاول ان يستوعب هذا الجزء الأخير، تجمعت حولهم الفتيات فبكت سلمى بتأثر لتذكرها طلب سارة بأن تمنحها الغرفة للإحتفال بعيد ميلاد زوجها، تجمهر حولهم التكتلات البشرية الحاملة لزي بإسم رحيم زيدان، يتفحصون ما يحدث وسبب هذا الحريق، جذب سليم مطفأة الحريق ليحاول إخماد النيران المشتعلة ليصرخ بهم ساخراً: بتتفرجوا على ايه، طفوا النار بسرعة...
إنصاعوا إليه جميعاً، فتركهم وتوجه لريان الساقط أرضاً والجميع يحاول التحكم به وكانه تحول لقوةٍ موقدة وهو يحاول إختراق النيران لإنقاذها، سعلة خافتة أتت من خلفهم لتجذب الإنتباه، تطلعوا جميعاً للخلف فأذا بجان يعاونها على الحركة وهي تستند على ذراعيه بعينيها الحمراء وأنفاسها البطيئة، فما أن لفح وجهها الهواء النقي حتى سقطت أرضاً مغشي عليها، إنتفض قلب ريان بنبضٍ منعش لحالته البائسة، ليقف على قدميه ويسرع ليجذبها إليه، رطم وجهها بخفةٍ اصابعه وهو يناديها بلهفةٍ:.
سارة!.. فتحت عينيها الثقيلة وهي تحاول إلتقاط أتفاسها، فمنحته نظرة مطولة تطمنه بها عنها، ثم فقدت الوعي بين ذراعيه، فزعت سلمى حينما رأت جان يقف أمامها بذراعيه المحروق ولائحة يديه التي تنزف بغزارة، هرولت إليه لتتفقد جروحه قائلة بدموعٍ: جان أنت لازم تروح المستشفى فوراً...
لم يعنيه جرح يديه ولا الحروق التي تؤلمه، رؤيتها تقف على قداميها بأفضلٍ حال جعل آلامه تخمد ببطء، جذبها لأحضانه بقوةٍ وهو يزفر براحة كبيرة، اللحظات الضيئلة التي إختبارها ليدخل الغرفة وظنونه تطارده بأنها بالداخل جعلته يموت ألف مرة لذا لم يتردد لثانية واحدة بإنقاذ سارة فهو يعلم كيف سيختبر ريان إحساس بائس هكذا، شددت سلمى من إحتضانه بإستغرابٍ لما يحدث معه فأخترقت نظراتها بعين ريان الذي عاد للحياة من جديد لتعلم ما الذي أصاب زوجها، أشار سليم لمروان بهدوءٍ:.
مروان، إطلب دكتور... أومأ برأسه: حاضر... حمل ريان، سارة وتوجه لأحد الغرف المجاورة له فوضعها برفق على الفراش ثم خرج ليجد جان يجلس على الأريكة المجاورو للغرفة، ولجواره كانت تجلس سلمى تحاول بيد مرتحفة ودموعٍ تغزو وجهها أن تضع الكريم المرطب للحروق على يديه المتأذية بغزارة ولكنها كانت تتراجع بخوفٍ، إقترب منها ريان ليمد يديه لها قائلاً: هاتي يا سلمى...
رفعت عينيها تجاه يديه الممدودة فقدمت له علبة الإسعافات الأولية بنظراتٍ ممتنة، جلس ريان جواره ليضع الكريم على حروق يديه والأخر يغلق عينيه بقوةٍ والألم يختلج صدره، تأمله بحزنٍ، فقال بإمتنانٍ: مفيش كلمة شكر توفي اللي عملته، إنقاذك لسارة رجعني أنا للحياة... فتح جان عينيه ببطء ليجيبه بثباتٍ: معملتش كدا عشانك.. إسترعى كلماته إنتباه الجميع إليهم فتطلعوا بإنتباه ليسترسل حديثه ببسمة هادئة:.
لأول مرة أحس إن ليا عيلة، كنت بعمل كدا لنفسي لإني حاسي إنها مسؤولة مني... ثم تكلع لآدم، فارس، مروان، سليم، الفتيات قائلاً ببسمة ساخرة: رحيم زيدان نجح إنه يخلينا عيلة... تطلع فارس لمروان بنظرة عميقة فبادله الأخر ببسمة واسعة بعدما حاوطه بذراعيه لبهمس بخبث: من ساعة ما إبتديت تساعدني في العيادة عشان أفاجئها وأنا حاسس إن كلام جان صح... لوى فارس شفتيه بضيقٍ: .
لا والله واللي امنلك حماية لما روحت تتخانق مع الكلاب دول!.. تطلع مروان تجاه ريان بخوفٍ ليصيح بغضب: ما تروح تسمع اخويا احسن كدا مش سمعك.. زفر سليم بغضب: إنتوا شايفين إن دا الوقت المناسب لخناقة الأطفال دي... وضع كلاً منهما عيناه أرضاً بأقتناع، فطوف آدم ذراعيه حول كتفي شقيقه ليسأله ببسمة مغتاظة: خناقة إيه دي يابو الفوارس، مش كنا عقلنا!. أجابه بتذمر: أنا عقلت إنتوا لا، أنا يدوب بساعد بس... رد عليه بسخرية:.
لا طول عمرك إبن أصول ومفيش إختلاف على كدا... أخفض ريان رأسه بضيقٍ من الصراع المتكرر وإزداد الأمر سوءاً بإنضمام آدم العاقل بعض الشيء، قابله جان ببسمة مشاكسة وكأنه يذكره بالجزء المصان بالأسرار تجاه مغامراتهم سوياً فربما شباب عائلة زيدان يحملون نفس العرق النابض بالمشاجرات الدائمة...
قيدوه على عمود متهالك بجوارهم بينما وضعوها في مقابله أرضاً، سُلطت نظراته عليها وهي تتحاشى التطلع إليه، بخزي بما فعلته بحقه وبحق ذاتها، إرتجف جسدها حينما إستمعت لصوتٍ خطوات تخترق الغرفة المتهالكة لتستقر أمام رحيم، نظراته الثاقبة لم تتأثر بتاتاً لمن يقف أمامه، إبتسم بسخرية وهو يتأمله مقيد، فقال بسخريةٍ: تؤ تؤ، معقول ينتهي بيك الحال كدا؟!.
بدت ملامحه أكثر إتزانٍ مما جعل بيبرس يثور غيظاً فحاول إستنزافه، حينما تحرك تجاه شجن فألقى عليها نظرة متفحصة قائلاً بإستهزاء: بصراحة ان متوقعتش إن حتة بت زي دي تجييك على ملى وشك، كان أخر توقعاتي وأنا بدورلك على نقطة ضعف تخليك تسلملي الفلاشة... ثم كاد بملامسة وجهها وهو يقول: رحيم زيدان مش بيسيب حقه، يمكن مصمم ينقذك عشان ينتقم منك بطريقته... إخترق صوت رحيم الشرس الغرفة ليأمره بحدة:.
إيدك لو لمستها هقطعهالك... إتسعت بسمته بإنتصار، فتركها وتوجه ليقف أمامه قائلاً بنظرة متفحصة على جسده الذي بات منتصب بعضلاتٍ إكتسبها بتمارينه المهلكة فقال قاصداً التقليل من شأنه: الله يرحم لما كنت بتدارى فيا من المساجين.. لاح على وجه رحيم بسمة شبه ساخرة، وهو يجيبه بثقة: أهو المواقف دي بقى ليها الفضل بتكوين الشخصية اللي قدامك دي، ولو أنت فعلاً شايف نفسك راجل فكني..
حاول يهينه فأهانه الأخر بتحدي صريح، حرر قيوده بغضبٍ، ثم بدأ بتسديد لكمته تجاه رحيم الذي قبضها بين معصمه بقوةٍ، ليناوله لكمة أسقطته أرضاً ومن ثم خنق رقبته بقدميه معاً ليسدد له ضربات متفرقة لكسر عظام جسده بحرافية جعلت فريسته يتلوى ألماً، تابعت شجن القتال فيما بينهما بخوفٍ عليه رغم أنه يتقدم ولكنها تخشى عليه من رجال بيبرس، أفرغ رحيم ما بداخله من غضبٍ ثائر ليصيح به بعصبيةٍ بالغة:.
كنت فاكر إن في يوم عقلك هيرجعلك وهتسيب الطريق الزبالة دا عشان كدا رفضت أسلم الفلاشة لحد بس الظاهر إني كنت غلطان... وإزداد من ضغطه على جلد رقبته ليستكمل سبابه: غلطت ودلوقتي بدفع التمن لما حيوان زيك ميعرفش يعني أيه رجولة بيستغل مراتي بكل أسراري اللي إستأمنتها مع كلب كنت فاكر إنه صديق... وناولة ركلة قاسية أسفل بطنه ليأوه من شدة الآلم بينما يستكمل الاخير تحكمه بمجرى تنفسه قائلاً بغضبٍ:.
الغلطة اللي إرتكبتها دي ملهاش عقاب عندي غير الموت.. كاد بيبرس بأخراج السكين من جيب جاكيته ليطعن رحيم حتى يتخلص من قبضته، فضرب الأخير يديه أرضاً أكثر من مرة حتى تحرر السكين من بين قبضته، فجذبه رحيم ليضعه على عنقه ثم كاد بقتله، ولكن تحولت نظراته تجاه شجن الباكية وقد ترددت كلمات حنين على مسمعه، فألقي بالخنجر بعيداً عنه ليوجه كلماته إليها وعينيه تتعمق بنظرات عينيها:.
بالنسبالك رحيم زيدان القتل عنده اسهل شيء في حياته، مفيش فرصة أحلى من دي إنك تشوفي بعيونك طبيعية الحيوانات اللي بتعامل معاهم، بس انتي صح انا لازم اكون شيخ جامع وقت ما بمارس مهنتي مع حيوان زي دا.. وألقى الخنجر من يديه، ليحرر بيبرس بإرداته ثم وقف ليشير لها بعصبيةٍ: أنا سيبته يعيش عشان تشوفي بنفسك قذارة الأشكال اللي زي دي..
اخفضت نظراتها الباكية لبيبرس الذي زحف بقدميه ليفتح باب الغرفة ويصرخ بالرجاله كالفأر الذي وقع أسير لمصيدة القط الشرس، وبالفعل تجمعوا حول رحيم الذي ضيق عينيه المندفعة بشراسةٍ مخيفة، ليرفع صوته بقوةٍ: مراد..
إشارة إنتظرها الجوكر من شريكه وما ان إستمع إليها حتى غمر الرصاص الحي المكان بأكمله، ليقضي على رجاله بأكملهم بثواني معدودة وكأنه كان يترابص لهما والدقائق التي غابها كان لرصد المكان جيداً والتعارف على أماكنهم حتى يصيبهم بحرافية عالية، جذب رحيم شجن خلف احد الحوائط ليحرر قيودها تاركاً المعركة للجوكر المصون الذي أنهاها بصدراً رحب...
حرر قيدها وهي تتحاشى التطلع إليه، فوضع يديه برفق على جرح جبينها، يحاول ان يوقف الدماء المندثرة، فقالت بدموعٍ وعينيها أرضاً: أنا آسفة يا فريد أنا كنت فاكرة آآ... بترت كلماتها حينما قال بنظرات عينيه الزيتونية الثاقبة: رحيم، رحيم زيدان، فريد مات خلاص، وبفضلك مبقاش له وجود.. رفعت عينيها تجاهه، لتجيبه بشهقاتٍها الخافتة: أنا كنت غبية فعلاً... وتمسكت بيديه بترددٍ لتستكمل بدموعٍ:.
إديني فرصة أصلح الغلط اللي إرتكبته.. تعمق بعينيها وبلمساتها التي قد كانت تسعده يوماً غير هذا اليوم، ليجيبها ببسمة ألم: أي فرصة يا شجن!، فرصة لإنك كنتِ على مشارف درجات الخيانه ولا لإنك خدعتني وإدتني أمل ارجع أعيش وأتغير، ولا لإنك فشلتي بعد كل اللي عملته إنك تتعرفي على فريد!.. وتركها ووقف ليتطلع تجاه مراد الواشك على قتل هذا اللعين فأشار له بحزم: لأ عايزه حي، القتل رحمة على اللي هيشوفه على ايدي...
ثم إستدار بجسده تجاهها ليستكمل كلماته الساخرة: مبسوط إنك سمحتي لنفسك تسمعي الكلب دا وأنتِ المفروض على ذمتي.. ثم إقترب ليقف على مقربة منها هامسٍ بسخرية: عارفة لو كنت إتاخرت عليكي كنت هجيبك منين؟!.. وتأمل عينيها الباكية ليرد على سؤاله بهمسٍ خافت حتى لا يستمع إليه أحداً: من أوضة في اي بيت دعارة.. شهقت بصدمةٍ وهي تحاول إستيعاب ما يقول فهز رأسه بتأكيد لما إستمعت إليه وبسمة الإستهزاء تعلو ثغره:.
كنا في زنزانة واحدة وإعتبرته صديق، يعرف عني كل كبيرة وصغيرة لحد ما عرفت سره القذر دا مقبلتش أكون معاه لما عرض عليا إنهم يهربوني معاه من السجن، رفضت الشغل دا ورفضت مساعدتهم وفضلت أعاني جوا حطان السجن دا عشان مشفش في عيونك نظرة إستحقار.. ثم إنحنى ليقترب منها هامس بآذانيها وصوته يلفح وجهها: عملت كل دا عشانك.. دموعها تمزق قلبه ولكنه بحاجة للحديث، فعاد ليسترسل ما قاله:.
وبعد السنين دي كلها ظهر في حياة رحيم زيدان لما مسكتهم متلبسين وهما بيخطفوا البنات الصغيرة وبيهربوهم برا مصر، وطبعاً هددني إنه هيفضح سر فريد فأنا كان ردي عليه ساخر زي ما سمعتي بالجزء اللي سجلهولي... ثم إبتعد عنها ليغمرها بنظرةٍ أخيرة ختمها بقولٍ: إعتبريه أخر تبرير مني مع أخر لقاء هيجمعنا...
وتركها رحيم وغادر من المكان بأكمله بعدما إمتلأت قوات الشرطة المكان، فجلست أرضاً تبكي بقهرٍ وهي تتأمله يبتعد عنها، أشفق مراد على حالها، فأشار للشرطي بتوالي مهامه بالقبض على هذا اللعين ثم توجه ليقف من أمامها، جذبها من ذراعيها ليعاونها على الوقوف قائلاً بهدوءٍ: قومي يا شجن.. نهضت لتقف امامه قائلة بصوتٍ مرتجف: أنا غلطت غلطة كبيرة يا مراد.. رفض أن يكون قاسياً بحديثه يكفي ما تلاقاه فقال بثباتٍ:.
غلطتي بس لسه في فرصة تصلحي غلطك... أجابته بيأس والدموع تبلل وجهها الأحمر: إعتذرت كتير وهو رافض يسمعني.. أجابها بلهجته الهادئة: في أخطاء ميغفرهاش الأعتذار يا شجن... وضعت عينيها ارضاً بحرجٍ لمعرفة ما يرميه عليها من كلماتٍ تحوم لأيجاد معنى غير صريح، حك طرف انفه بثباتٍ وهو يحاول رسم بسمة لطيفة: مستانية أيه، روحي وراه. وأعملي أي حاجة عشان تخليه يسامحك..
هزت رأسها بإقتناعٍ وهي تلاحقه، فأسرعت بخطاها وهي تبحث وسط حشد السيارات عنه، وجدته يتجه للسيارة المصفوفة بنهاية صف السيارات ليستقبله حراسه الخاص بفتح بابها، بعدما إرتدى نظاراته السوداء القاتمة ليحجب آلآم عينيه، كاد بالصعود للداخل ولكنه توقف حينما إستمع لصوتها المنادي: فريد!.
استدار للخلف، فخلع نظاراته ليتخشب محله بصدمةٍ حينما وجدها تسحب السلاح من يد أحد حراسه لتضعه على رأسها بدموعٍ تنساب ببطء لتقول وعينيها تتعمق بزيتونية عيناه: لو مقدرتش تسامحني إزاي هسامح نفسي!.. إنقبض قلبه وهو يتأملها بصدمةٍ وكأن جسده أصيب بشللٍ جعله عاجز عن الحركة، عاجز حتى عن النطق!
رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس عشر
راقبته بعيناها الغائرة بالدموع وأصابع يديها المرتجفة تشدد على السلاح، وهو يحاول الإقتراب منها قائلاً بثباتٍ ويديه ممدودة إليها: دا مش الحل. هزت رأسها بإنفعالٍ ليتحرك فكيه المرتجف: لأ، أنا أستحق الموت... قال وعينيه تتطلع إليها بألمٍ وقد خضعت لهجته للإنكسار قليلاً، فلا بأس بأن يهون عن ذاته:.
لسه مصممة توجعيني، كل اللي بتعمليه دا بيقتلني، لو أنتِ مش قادرة تستوعبي إنتِ بالنسبالي أيه يبقى على الأقل سيبني أتنفس...
كلماته حطمت أسوار قلبها العالية، إجتاحت مشاعرها لتعاتبها بقسوةٍ عما فعلته، وقفته الثابتة، شموخ قامته، تمنحها أمل خادع بإنه سيتخطى ألمها لقلبه، ولكن عينيه الحزينة تجلدها بسواطٍ لا مفر منه، تسلل الجوكر من خلفها بخفة، ليسحب عنها السلاح قائلاً بسخرية غاضبة: قولتلك خليه يسامحك بأي طريقة مش تقتلي نفسك!..
رفعت عينيها الباكية تجاه رحيم الذي تحرك للسيارة بعد ان انتشل مراد السلاح من يديها، أسرعت خلفه بخطواتٍ شبيهة بالركض قائلة بدموع: كان غصب عني...
لم يستمع إليها وأكمل طريقه لسيارته، ففتح السائق بابها ليستقر بالمقعد الخلفي أمر إياه بالتحرك، ركضت خلفه وهي تحاول الصراخ ليصل صوتها لمسمعه فقالت ببكاء: رحيم... إلتوت قدميها فأختل توازنها لتسقط ارضاً بقوة خدشت ساقها ويدها فصرخت بتوجع ولكن الم قلبها يضاهي عذاب الجسد، إنتبهت لصوت مراد حينما رفعه قائلاً: شجن..
إشارة عينيه نبهتها تجاه السيارة التي توقفت ليهبط منها رحيم الذي إقترب منها لينحني مقابلها يتفحص جرح يدها، إستغلت وجوده لجوارها فأحتضنته بتملك وهي تهمس بصوتها الملتاع: آسفة...
أغلق عينيه بقوة وهو يكبح عاطفة مشاعره تجاهها، تحتضنه بملئ إرادتها وهو كالعاجز حتى عن ضمها لصدره، رفعها عن الأرض ليجملها بين ذراعيه ثم وضعها بسيارته وهي مازالت تتشبث بجاكيته حتى لا يتركها ولكن ترى كلمات الأسف ستمحي آنين القلب!.
صوته الرجولي إقتحم عالمها المظلم، عالم لجأت إليه حينما غابت عن الوعي، لمسات يديه المشددة على معصمها بقوةٍ جعلتها تسترد وعيها ببطءٍ شديد، وجدته يجلس جوارها وينحني تجاهها ليمرر يديه برفق على ححابها المعقود بإحكام حول رأسها، همست بصوتٍ مضطرب للغاية: ريان... أتاها صوته المتلهف وهو يتطلع لها بعينيه العاشقة: جانبك حبيبتي... ثم طبع قبلة عميقة على جبينها، قائلاً بإمتنانٍ:.
الحمد لله إنك بخير، أنا قلبي كان هيقف... تمسكت به ببسمة هادئة رسمتها بالكد وهي تحارب دمعاتها التي تلمع بعينيها، فأي مصيراً مؤلم كانت ستناله منذ قليل، طرقات على باب الغرفة جعلت نظراتها المهتمة تصوب تجاهه، ولج جان للداخل وإتبعته سلمى، فأقترب من الفراش ليتساءل بحرجٍ: أحسن دلوقتي؟.. ردت عليه ببسمة صغيرة رسمت على وجهها المجهد: الحمد لله.. ثم قالت بإمتنانٍ لما بذله لإنقاذها:.
شكراً على كل اللي عملته عشان تنقذني من النار... أجابها جان بثباتٍ وقد بدى الحزن يتعمق بنبرات صوته: مفيش داعي للشكر أنتِ بالنسبالي زي فاطمة... إرتسمت على وجهها بسمة مشرقة، وكأنها كانت تراجع ذاتها بقرارٍ ما يخصه ووجدت إنها تمتلك الحق لمنحه الصفح عما إرتكبه بحق أخيها وخاصة وإنها رأته بعينيها تجابه الموت لأجلها، ولج شباب عائلة زيدان تباعاً للداخل، فبدأ مروان بالحديث قائلاً: ألف سلامة عليكِ يا سارة..
أجابته ببسمتها الرقيقة وصوتها المتقطع: الله يسلمك... قال آدم هو الأخر: ألف سلامة عليكِ يا أنسة سارة.. شكرته بنفس بسمتها الثابتة، فقال فارس هو الأخر: حمدلله على سلامتك يا سارة...
أجابته بأبتسامة مشرقة وهي ترى لأول مرة عائلة زيدان بمكانٍ واحد يجمعهما وخاصة لأجلها، وقف سليم على باب الغرفة يتابع ما يحدث ببسمة صدمة وعدم تصديق، لطالما كانت العائلة متفرقة ليس فقط بالتجمعات ولكن لكلاً منهما عالمه الخاص، فحتى إذا مرض أحداهما لا يعلم الأخر من كثرة المشاغل والطرق المتفرقة المتبعة، وقف مروان جوار فارس فقال بصوتٍ خافت وهو يتابع نظراته العاشقة تجاه منة التي ولجت للتو للإطمئنان على سارة بصحبة الفتيات:.
خلي عندك دم، أخوها واقف... أخفض نظراته عنها وتتطلع له بغضبٍ، كبت بلهجته الساخرة وقد إرتفع صوته ليكون مسموع من الجميع وعلى رأسهم يارا التي ولجت منذ دقائق: تعرف تخليك في نفسك ومذكرتك، أنا مش عارف بجد طالب أيه دا اللي سايب الجامعة بتاعته وقاعد يفكر في الإرتباط والحب!، دا أنا وأنا في سنك كنت بذاكر ليل نهار عشان ربنا يسهلها وأعدي للسنه اللي بعدها... انتصب بوقفته متناسياً من حوله، ليجيبه بضيقٍ:.
الله يرحم لما كنت بتعدي من بلكونة للتانية والعبد لله شاهد عليك... جذبه فارس من تلباب قميصه بعصبية بالغة: أنت كنت بترقبني يا حيوان!.. أومأ برأسه بتأكيدٍ فأضاف الأخر بشراسةٍ: كدا!، طيب شوف مين هيساعدك يا خفيف.. تنازل عن عصبيته ليتمسك بمعصمه ببسنة ترسم بغيظٍ: عيب ياسطا دا أحنا إخوات وستر بعض.. أجابه الأخر بحدةٍ: ألعب بعيد يا بابا شطبنا... جذبه مروان بغضبٍ:.
لا بقولك أيه هتتمادى في الكلام نرجع لنقطة الصفر ونبتديها خناق عادي جداً... ضيق فارس عينيه بتفكيرٍ ثم قال بعد دراسة الموقف جيداً: وعلى أيه، نرجع أخوات احسن بس قولي إحساسك ايه وأنت بتحب واحدة أكبر منك!.. رفع صوته بإعتراضٍ جلي: بسنة بس والكلام خارج المنهج المخصص ليك مرفوض إنت ليك تساعدني لحد ما أشقط المزة...
إنتبه فارس لريان الذي يقف خلف مروان كالذئب الشرس الذي يترصد لكل حرفٍ يقال، ليس عند هذا الحد فقط بل للجميع وخاصة سليم الذي منحه نظرة عدائية مصطنعة تجاه الجزء الأخير المعترف به بالتعدي على غرفة شقيقته، جذب ريان ياقة قميص مروان مردداً بسخريةٍ: الله دا أحنا فينا حيل نشقط مزز تانية أهو لكن نعيد سنة رابعة مرة رابعة عادي جداً... إنقبضت ملامحه بخوف، فقال بإرتباكٍ: هو أنا قولت كدا!.
أشار له آدم قائلاً بسخرية: دا انت لو عطينك حبوب شجاعة مش هتقول اللي قولته... تعالت ضحكات جان بمرحٍ ليؤكد على حديثه وهو يتطلع تجاه يارا الذي تلون وجهها بحمرة الخجل القاتلة لوضوح مقصد مروان بها، تدخلت سما بالحديث قائلة بسخرية: هو أنت خليت ولا بقيت يا عم مروان الحمد لله إني عمري ما أستمنتك على سر والا كان زمانه نازل على قناة المحور... رمقها بنظرةٍ غاضبة ليشير لها بمعصمه:.
معتش غير بسيوني كفة اللي عنده أسرار... هوى كف سداسي الأبعاد على رقبته ليجذبه آدم ببسمة عريضة متسائلاً بخفة: هو أنا من أول ما رجعت من اميركا إتعرضتلك في حاجة يا مروان؟. أجابه بثباتٍ وهو يفرك رقبته بألمٍ: لأ... عاد ليتساءل من جديد: ضيقتك بكلمة رغم إنك انت وأخويا زي القط والفار؟.. رد عليه بعد تفكير: لأ... هوى على رقبته بضربة أخرى ليجيبه ببسمة واسعة: أمال بتتعدى على مراتي وأنا واقف ليه؟..
أجابه بألم والخبث يسكن بلهجته: تصدق بالله لو رحيم زيدان مكنش جمعنا الجمعة السودة دي كنت نسيت فرق السن بينا عادي جداً ونزلت على قفاك بأحلى قلم... تمردت نظراته فعاد مروان ليعدل كلماته: شوف زعل إزاي وأنا بقوله كنت مش هكون... حرره آدم ببسمة مشاكسة على المرح السائد فيما بينهما، بينما راقب سليم ما يحدث بعدم تصديق فخرج من الغرفة ليرفع هاتفه بحماسٍ زف كلماته لمن يستمع إليه:.
نجحت يا رحيم، لو سمعت من حد مستحيل كنت هصدق الا لما أشوف بعيوني...
على الجهة الأخرى، الصمت يسيطر بقوته على معالم وجهه الخشبي، يتطلع من أمامه بسكونٍ عجيب، أغلق هاتفه فور سماع ما قاله سليم فكان الدافع إليه والمحمس لقراره المصيري، توقفت سيارته أمام باب القصر الداخلي فحملها بين ذراعيه ثم صعد للأعلى دون ان ينطق بحرفٍ واحد يهدئ عاصفة الأسئلة التي تلاحقها بلا توقف، وضعها رحيم بفراشها ثم كاد بالخروج من الغرفة فأسرعت خلفه لتحتضنه من الخلف قائلة بصوتٍ مبحوح للغاية: فريد...
أغلق عينيه بضعفٍ تكاد تخرجه من ثباته المصطنع، رفع يديه ليضعها فوق يدها الممدودة على يديه، ليبعدها برفقٍ عنه، ثم إستدار ليكون مقابلها، تأملته شجن بنظرةٍ عبرت عما يكبته القلب من مشاعرٍ جرحت بيدها، ففتكت بقلبها قبل أن تصل لقلبه، تمنت ان تعبر كلماتها عن جزءٍ بسيط يثور بداخلها فقالت: أنا عارفة إن اللي عملته صعب، بس كان غصب عني، أنا فعلاً كنت مرتبكة ومش عارفة آآ...
بترت كلماتها حينما إبتسم ساخراً على جملتها الأخيرة فقال بإستهزاء: مرتبكة!.. ثم تطلع لها بغضبٍ، فرفع صوته بجنونٍ: مرتبكة في إنك تميزي بين فريد ولا إنك تخوني ثقة الراجل اللي على ذمته... ضيقت عينيها بصدمةٍ من كلماته، فاستطرد بقسوةٍ: ولنفترض إن الكلب دا كان كلامه صح إزاي قبلتي على نفسك إنك يجمعك علاقة براجل وأنتِ ست متجوزة!.. تراجعت خطوة للخلف بخجلٍ مما فعلته، فعاد ليستكمل حديثه من جديد:.
أنتِ مش بس جرحتيني إنتِ كسرتيني وهنتي رجولتي قدام أخويا ورجالتي... وحدجها بنظرةٍ مميتة: متحلميش إني ممكن أسامحك في يوم من الأيام..
وترك الغرفة دون أن يضيف كلمة أخرى، ليتوجه سريعاً لجناحه الخاص، أغلق الباب من خلفه لتنهار حصون قوته، سمح لساقه بالإنسياب ليجلس أرضاً، شدد على خصلات شعره بقوةٍ وهو يحارب الا تسقط تلك الدمعة المحطمة لهواجسه، سقط لتزيح عنه قناع البرودة وتؤكد له بإنه يمتلك قلبٍ ينبض ويتلوى وجعاً مما فعلته، دقائق مرت عليه كالدهر، يحاول فيهما إستجماع قواه لينهض من جديد، جذب هاتفه ليطلب رقمٍ محدد فأتاه صوت المتصل بعد ثواني معدودة، فتحرك فكيه ناطقاً:.
أنا خلاص بقيت جاهز... إستمع قليلاً للمتصل، ليرفع صوته بعض الشيء: يا فندم أنت عارف كويس أنا أقدر اعمل أيه لوحدي ومن غير مراد... بدت تعابير وجهه غير راضية بالمرة عما يستمع إليه فقال على مضض: زي ما تحب بس ياريت تذكرة السفر والجواز يكونوا جاهزين لإني هتحرك بعد ساعة..
وأغلق الهاتف، ليتوجه لحمام الغرفة، خلع رحيم جاكيته ثم بدأ بتحرير زر قميصه الأبيض الملطخ بالدماء المنسابة من جروح صدره أثر الجراحة، جز على أسنانه بقوةٍ وهو يحاول تحمل ما يؤلمه، ازاح الرباط الطبي عن صدره العلوي ثم جذب المرهم الطبي في محاولة بائسة ليصل لظهره، جذبه احداهم ليفرد طبقة رقيقة على ظهره برفقٍ، فتطلع للمرآة بإستغرابٍ ليجده مراد، تماسك رحيم بقوةٍ في مجابهة الألم والأخر يحاول ان يخفف من ضغط يديه حتى لا يؤلمه، إبتسم وهو يتساءل بخبثٍ:.
وجودك هنا وبالوقت دا معناها إن اللوا كلمك... رفع الجوكر عينيه ليتطلع لصورته بالمرآة، معاتباً إياه: كان لازم يكلمني عشان أحاول أوقفك عن الجنان دا... ثم قال بحدةٍ: الناس دي ميتهزرش وأنت بتستهون بالموضوع يا رحيم فلو حابب تورط نفسك عشان تهرب من الألم اللي انا شايفه بعينيك دا فلاسف مفيش مهرب... وقف في مقابلته ليجيبه بصوتٍ مهزوز للغاية وقد طغت عليه أحزانه: ياريت أقدر أهرب، بس الألم اللي هنا ملوش مخبئ...
وكان يتحدث وهو يشير لموضع قلبه، رفع مراد يديه على كتفيه بحزنٍ: الحيوان دا إستغلها وهي ضعيفة مقدرتش تحكم عقلها فبلاش تقسى عليها لإنك بتقسى على قلبك أنت... لاحت بسمة شبه ساخرة على وجهه وهو يجيبه: الشيطان مبيسمحش يا مراد... وتركه وخرج لغرفته ليتطلع للفراغ بحزنٍ على كلماته، نعم فهي تراه شيطانٍ لعين فكيف سيمنحها الغفران وهو محاط بالهلاك!..
إتابعه للخارج فوجده يبدل ملابسه لبذلة أنيقة من اللون الأزرق، وجذب حقيبة صغيرة الحجم ليضع بها بعضٍ من ملابسه، مسح على وجهه بضيقٍ وهو يتابعه بنظراته فرطم الحقيبة قائلاً بغضبٍ: وانا مش هقعد اتفرج عليك وأنت بتقدم نفسك للموت بنفسك المهمة دي بتاعتي انا وانت وهنكملها مع بعض.. أجابه رحيم وهو يتطلع له بهدوءٍ:.
هتكون معايا يا مراد بس مش دلوقتي، في حاجات هنا لازم تكمل، لازم الكل يتقبل حقيقة وجود طلعت زيدان ودي مهمتك اللي هتكمل من غيري... وتركه ووقف أمام السراحة ليمشط خصلات شعره الطويل بإنتظام، فلحق به مراد لينفث عن ضيقه الشديد بقول: هو أنت فاكر إني هفضل هنا لحد ما أخليهم يتقبلوه!.. فرك جبينه بألمٍ ليستقيم بوقفته مقابله، قائلاً بثباتٍ:.
لأ، هتعرفهم الحقيقة وهتختفي عشان تساعدني لإني مقدرش أشتغل في مهمة زي دي من غيرك يا شريك... إبتسم مراد جراء كلمته المميزة تجاهه، فأحتضنه رحيم بقوةٍ ولأول مرة ليردد بصوتٍ محطم للغاية: وجودك بحياتي كعدو أو صديق فرق كتير... إبتسم مراد وهو يربت على كتفيه بمشاكسةٍ: عدو معتقدش صديق ممكن.. بسمة خافتة زارت وجهه، فأبتعد عنه وهو يجذب الحقيبة الصغيرة قائلاً بهدوءٍ وبلهجة ماكرة: مراد زيدان عدو مغرور وصديق خبيث...
غمز له بطرف عينيه الزرقاء بمشاكسةٍ: على الرحب والسعة... سحب الحقيبة ليستدير مقابله قائلاً بتذكار: فرح نغم و يوسف يتعمل في معاده، مش عايز أي تقصير يا مراد... اجابه بسؤالٍ: وأنت؟!.. إتسعت بسمته المخادعة التي تخفي الم كبير: أنا!، لأ خلاص فوقت من الحلم اللي كنت عايش فيه ورجعت لرحيم زيدان... ثم إلتقط الورقة المطوية الموضوعة على الكومود الصغير قائلاً بنظراتٍ هائمة بها: عشان كدا أخر صفحة هيقفلها رحيم مش فريد...
وزع نظراته بينه وبين الورقة بقلقٍ: ناوي على أيه يا رحيم... أجابه ببسمة صغيرة وهو يرتدي نظارته السوداء متوجهاً للخروج من الغرفة: هدفن فريد وبأيدي...
طرقت فاطمة على باب غرفتها، وإنتظرت حتى إستمعت آذن الدخول، فأخبرت ريم بأن يامن يريد رؤيتها، تعجبت ببدء الأمر من طلبه الغريب، ولكنها إنصاعت إليها بالأخير وإتبعتها للأسفل، لتجده بإنتظارها، الحزن يدمس كافة ملامح وجهه، يبدو بأنه لم يتخطى وفاتها بعد، جلست مقابله على الأريكة ولجواره جلست فاطمة التي تمسكت بيديه ببسمة صغيرة، بادلها الإبتسامة بحبٍ ينبع بداخله فمن الوهلة الأولى لأقصوصة عشقهما وهي لم تفارقه، قالت ريم بحزنٍ وهي تحاول فتح الحديث فيما بينهما:.
البقاء لله يا أستاذ يامن، ربنا يرحمها ويصبركم... أجابها بنبرته الهادئة: البقاء والدوام لله... ثم إعتدل بجلسته ليبدأ بالحديث الهام الذي أتى خصيصاً لأجله: بصي يا آنسة ريم، أنا مش هطول عليكي، أنا جيت النهاردة عشان اطلب منك إنك تسامحي هنا عن كل اللي عملته فيكي وكمان عشان أكدلك إن سليم برئ هي بنفسها قبل ما تموت أ...
عفت عنه تلك المهمة البشعة بقول الغير مستحب عن شقيقته المتوفاه، ولكنه مجبور لعل البوح بالحقيقة يخف من كفة حسابها، فقطعته قائلة: أنا سامحتها من أول ما عرفت إنها ماتت... سألها يامن بفضولٍ، وكأنه يحاول التأكد من مهامه: طيب وسليم! لمعت الدموع بعينيها رغماً عنها، فأزاحت العالق بأهدابها قائلة بصوتها الباكي: أنا واثقة من البداية إنه مستحيل يخوني بس لحد اللحظه دي مش قادرة أسامحه أو أتجاوز الموضوع..
وحينما شعرت بإنها على وشك أن تفقد تحكمها بدمعاتها العزيزة، إستأذنت سريعاً بالأنصراف، لتصعد لغرفتها لعلها تخرج عما يضيق صدرها...
الظلام يستحوذ على أركان الغرفة بأكملها، مازالت تجلس أرضاً مثلما تركها، تتطلع للفراغ بدموع تتلألأ بعينيها المنطفأة، تحرك باب غرفتها لتجده يقف من أمامها، لوعة الشوق والحنين زينت لها عما يسيطر على تفكيرها، تحملت شجن على ذاتها لتقف على قدمياها، إنبعث صوت خطوات حذائه بالغرفة بأكملها كالمعتاد، وكأنه عاد ليتآلق من جديد بثباته المرصع بتاجٍ الثقة والغرور، وقف من أمامها ليتعمق بالتطلع لقسماتٍ وجهها، الدقائق تمر ومازال كما هو، يشعر وكأن الأمر يروق له، رفع يديه تجاهها، ليقدم لها ورقة مطوية، تناولتها منه بأملٍ صغير، وهي تتساءل بإستغرابٍ:.
دا أيه؟!. أجابها بألمٍ وهو يقرأ ملامحها التي تبدلت فور قراءة ما بداخلها: إفراج من زنزانة الشيطان... سقطت الورقة أرضاً بصدمةٍ، وهي تتراجع للخلف بذعرٍ: لأ، أنت مستحيل تعمل كدا!.. جذب الورقة ليضعها على الطاولة ليرد عليها ببسمة صغيرة: لا عملت يا شجن.. ثم همس جوار آذنيها ببطءٍ: خلاص حررتك من العلاقة اللي كانت جمعنا... ثم استرسل حديثه: إمضي على ورقة الطلاق وهتكوني حرة للأبد...
ثم منحها نظرة عميقة لعينيها عن قرب قائلاً ببسمة ألم: اخر مرة اسمي واسمك هيجمعهم ورقة واحدة...
وطبع قبلة عميقة على جبينها محملة بآهات خافتة تمكنت من سماع صداها جيداً ثم إبتعد على الفور حتى لا تلاحظ دقات قلبه الصارخة، ليغادر من الغرفة بل من القصر بإكمله بعدما أزاح دمعة خائنة كادت بأن تسقط من زيتونية عيناه ليأمر السائق بالتحرك سريعاً للمطار، يكبح مشاعره، قلبه، عاطفته، فكل ما يمتلك بداخله ينبض لأجلها ولكنه وضع نهاية للحب الأسطوري أو ربما هناك إختباراً خفي ليعلم إن كانت تتوق للحرية ولكن ماذا أعد القدر لكلاّ منهما؟!..
رواية همسات بقلم العشاق للكاتبة آية محمد الفصل السابع عشر والأخير
رحلة شاقة مثل التي سيخوضها تحتاج للراحةٍ الجسدية التامة، فبعد إلحاح شديد من اللواء بأن يستريح بأحد الفنادق التي تقع على قربٍ بسيط من المطار للسفر بالغد، وبالفعل توجه رحيم للفندق المنشود لقضاء ليلةٍ واحدة قبل السفر لمهمته المرتبة، إرتخى جسده على الأريكة المفترشة بريش أبيض مريح للغاية، فأستند برأسه على حافتها، اغلق عينيه بقوةٍ وهو يجابه ذاك الجانب من الذكريات الذي يحن إليها فيرسم له طريقٍ مضيء بذكرياتهاٍ التي شتت عقله لتتخفى بجحيمه المتعمد لإبتلاع ما يخصها...
إستندت بذراعيها على باب الحمام بتعبٍ شديد وهي تسارع ثبات دقات قلبها المتوترة، تشعر بأن النيران تشتعل بجوفها، فحاولت الصمود قدر المستطاع حتى لا تسقط أرضاً، أفرغت ما بجوفها وقد أصبح وجهها قاتم للغاية من شدة التعب، إغتسلت بصعوبةٍ وهي تحاول تثبيت ساقها حتى لا تسقط بالمرحاض فيتأذى الجنين، هتفت بصوتٍ خافت: مراد...
على ما يبدو بأنه مازال يقاطعها منذ ما حدث أخر مرة وهو يكتفي بالتواجد بالجناح، ولكنه يتحاشى البقاء معها بنفس ذات الغرفة، تمكن منها الدوار بدرجةٍ مخيفة فتطلعت لساعة يدها المميزة، رفعتها تجاهها لتضغط على الزر الجانبي إليها لتصدر إشارات لساعة يديه التي لا يستغني عنها على إعتبار كون الوقت من أهم الكنوز بحياة الجوكر المصون، إلتفت حوائط المرحاض الأربعة من حولها بصورةٍ مخيفة فرفعت يدها تعيد خصلات شعرها للخلف بأصابعها المرتجفة، لتجلس على ركبتها حتى إن غابت عن واعيها لا ترتطم بشيءٍ حاد قد يؤذي جنينها، أتاها صوته الرجولي من خلفها وهو يسرع بخطاه بعدما تلاقى إشاراتها، فقال وهو يدنو منها:.
حنين!.. ثم حملها بين ذراعيه ليخرج بها من هذا المكان المغلق لعل الهواء المنعش يفيقها، وضعها برفقٍ على الفراش ثم حرر ستائر النوافذ، ثم إقترب منها ليسألها بقلقٍ: أحسن دلوقتي؟.
إكتفت بهز رأسها ومازالت عينيها مغلقة، ويدها تحتضن جبينها بألمٍ، أمعن التطلع بها بنظرة متفحصة، فتحرك تجاه براد الغرفة ليخرج مشروبها المفضل الذي يحرص على أن يعده لها يومياً حتى وإن كان لا يتحدث معها بسبب ما إرتكبته، سكب منه بأحد الأكواب ثم قربه منها قائلاً بثباتٍ: إشربي دا وهتبقي كويسة...
جذبته منه دون أن تتطلع له ثم وضعته لجوارها، وجذبت الغطاء ثم إستلقت بجسدها بأسفله متجاهلة إياه تماماً، رفع حاجبيه بسخريةٍ إتبعته بالحديث: هو مين فينا اللي المفروض يزعل من التاني بالظبط!.. أغتظت من حديثه الساخر، فأزاحت عن غطائها لتجيبه بلهجتها الحزينة: أنت مصمم تركبني الغلط... أجابها بحدةٍ وقد تبدلت ملامحه للغضبٍ: لإنك غلطتي يا حنين .. تساءلت بسخريةٍ: غلطت في أيه؟!. رفع صوته المتعصب:.
إنك تعرفي إنها بتقابل راجل غريب وتسكتي معناها إنك راضية والتصرف المبرر من وجهة نظرك يعني ممكن في يوم من الأيام ترتكبيه عادي جداً... صرخت بصوتها المبحوح وقلبها يعلوه صوت الإنكسار: مراد... ثم قالت بألمٍ وقد خذلاها هو بكلماته وخذلاتها دمعاتها مرة أخرى بالسقوط:.
أنا سكت وكان ممكن أسكت عشان دي صحبتي الوحيدة وإتمنتي على سرها، صحيح انا مكنتش معاها باللي بتعمله بس حاولت على ما أقدر أقنعها إنها متسمعش كلام الشخص دا، حاولت وفشلت ودا مش معناه إني هفضح سرها، كون إنك غلطت فدا مش مبرر إنك تخون الصداقة وتقول سر حد...
ثم تركته ونهضت عن الفراش، لتتجه بصعوبةٍ بالغة تجاه خزانتها، أخرجت فستان محتشم وحجاب ثم كادت بأن تبدل قميصها القطني القصير، لحق بها ليسألها بلهجته المتزنة بالثبات الطاغي: على فين؟. رفعت رأسها تجاهه، لتجيبه ببسمة ساخرة: متقلقش مش هقابل واحد بدون علمك... تمكن منه الغضب لأقصى درحة فجذبها تجاهه بحدةٍ: حنين أتعدلي أحسنلك..
جذبت ذراعيها بقوةٍ والدموع تسلل فتضعفها رغم القناع الزائف الذي ترتديه، فقالت بصوتٍ متقطع: هو انت فاكر إني ممكن أقعد معاك ثانية واحدة وأنا بسمع الكلام المهين دا... ثم جذبت الفستان وكادت بالدلوف للحمام فأستدارت تجاهه فقاطعها قائلاً: وهتروحي فين إن شاء الله... أجابته ببسمة ساخرة إكتسحت تعابير وجهها: لسه محددتش هروح فين بس اللي أقدر أطمنك بيه إني معايا ملايين تأمني أكتر من مكان...
وولجت لحمام الغرفة لتغلق الغطاء عنه ثم جلست على حافته لتبكي بقهراً على ما إستمعت إليه منه، حاول التحكم بذاته فوضع يديه على بابه لينشق قلبه وهو يستمع لدموعها الخافتة، فتح الباب وإستند بجسده على الحائط، يتأملها بصمتٍ، أخفت دموعها سريعاً ونهضت لتعنفه بضيقٍ: أنت إزاي تدخل كدا!.. حرر جسده المنتصب بوقفته بشموخٍ ليقترب منها وبحركة سريعة حملها بين ذراعيه ليخرج بها للغرفة، دفعته بيدها بشراسةٍ وهي تصيح به:.
نزلني... وبالفعل تركها وهو يرفع ذراعيه ببرودٍ وكأنه لا يعنيه ما قالته أو فعلته، صرخت به بأندفاع وهي ترأه يبتسم ساخراً: أنا هخرج من هنا يعني هخرج من هنا... وكادت بأن تتجه لحمام الغرفة مرة أخري فلف ذراعيه على جنينه بتملك، مردداً بهمساً وهو يقربها إليه: بس اللي في بطنك مش عايز يسيبني... ثم همس بخبثٍ: أمشي أنتِ وسيبه... صوته الذي لفح رقبتها جعلها ترتجف، فحاولت دفعه بعيداً عنها، ولكن كيف ستفعلها!.
فهي تعلم كلما ثارت وتمردت كلما عاند وحاصرها بتملك، قربها مراد منه وبحركة سريعة كان يقف مقابلها، يتعمق بنظرات عينيها المعاتبة إليه، طالت النظرات ومازال يبحث عن غايته بين دفء عينيها الغاىرة بالدمع، إقترب منها ليجفف دمعاتها الثمينة، ثم قربها لصدره قائلاً ببسمته الهادئة: الثقة اللي بينا صعب اي حد يكسرها يا حنين، بس كان لازم قرصة الودن دي عشان تتعلمي من الغلطة اللي إرتكبتيها..
رفعت رأسها إليه وهي تردد بغيظ من تصميمه: غلطة!.. جلس على طرف الفراش ثم جذبها لتجلس على قدميه ليبدأ بحديثه الهادئ حتى تفهم ما يلقيه على مسمعها: أنتِ كنتِ عارفة أن تصرف أشجان غلط؟.. أومأت برأسها بتأكيد فأسترسل ما يقول: وحاولتي توقفيها بس معرفتيش ومع ذلك سكتي عن اللي بتعمله، كان ممكن تدخلي حد تالت بالموضوع يحاول يعمل اللي أنتِ مقدرتيش تعمليه... قرأ ما تقوله عينيها فقال:.
عارف إن الموضوع حساس فدا كان هيعتمد على الشخص اللي هتختاريه زي ماما نجلاء مثلاً اكيد كانت هتقدر تقنعها وتحل الموضوع ومكنش كل دا حصل، كلامي صح ولا لأ؟!. أنحنى رأسها بخجل، فرفع ذقنها برفقٍ تجاهه، لتستقبل نظراتها بسمة مشرقة، إستند بجبينه على جبينها لتبدأ رحلة مكره وهو يردد بخبث:.
البعد بقى عندك سهل كدا، لأ وردك حاضر معايا ملايين وهقعد في أي مكان وكلام كبير كدا كأنك متجوزة واحد عادي وهيسيبك تخرجي كدا بمتتهى البساطة وخاصة بالبنوتة العسل اللي شيلاها معاكِ دي... تلاشت بسمتها، لتتطلع له بذهولٍ وضيق: بنوتة ايه أنا عايزة ولد مش بنت... رفع جاجبيه بسخطٍ: أعتبر إنك مش حامدة ربنا ولا مستانية اللي يبعته ولا دا تأمر كمان... جابهته بنظرة تحدٍ وهي تصرخ به بغضبٍ حقيقي:.
حمدينه وشكرين فضله، بس اجيب بنت تقاسمني فيك ليييه ما كفايا البنات اللي بتطلع مرة واحدة في اماكن مش ولابد وفي الأخر تصبرني بكلمتين دا بيخدم شغلي وقال أيه المفروض إني اطمن على إعتبار إنك متخوضش في العميق عشان متغضبش ربنا امال البصات ومسكات الأيدين دول معفو عنهم يعني ولا نظامك أيه؟!. ضحك بصوته كله وهو يقربها إليه قائلاً بمكرٍ: كدا أطمنت إنك بخير ادام رجعتي لسانك الطويل...
إبتسمت بهيام به وبضحكاته فقالت بصوتٍ منخفض: أنا هفضل كدا لحد ما تعتزل الشغل دا خالص... غام بشرودٍ بها وعقله يلمع بالشرار، فماذا لو علمت بمهمته التالية وبالاخص بالمرسوم إليه، تسلل ضوء القمر الخافت للغرفة التي طالها الظلام لإستسلام قلوب العشق بين راحة الأخر ليرتوي الفؤاد بوصام الشوق والحنان...
ألقت حذائها أرضاً، ثم ركضت على الحشائش الخضراء بسعادةٍ وضحكة افتكت بعقل من يلحق بها بخطاه المتزن، واضعاً كلتا يديه بجيوب جاكيته وعينيه مسلطة على زوجته الرقيقة فاستند بقدميه على السور الصغير المطل على المسبح ليتساءل بإستغراب: مش عارف ليه فرحانه أوي كدا؟.. إستدارت سلمى تجاهه، لتجيبه ببسمة ساخرة بعدما عقدت ذراعيها حول خصرها:.
ومأفرحش ليه، سارة سامحتك، و ريان وإتضح سوء التفاهم اللي كان بينكم، ومامتك وإبتدت علاقتكم ترجع زي الأول، أيه اللي هيخليني ازعل ومش أفرح؟.. منحها جان بسمة جانبية مهلكة، فرد عليها بخبثٍ يتربع بعينيه التي تدعي الحزن الكاذب: لسه الاهم من كل دا... إرتخت ملامحها بدهشةٍ، فأقتربت منه بجدية وقد تناست فرحتها: لسه أيه؟..
رفع جان عينيه ليطوف الحديقة من حوله فما أن تأكد من وجودهم بمفردهما، حتى قربها إليه، فرفعها عن الأرض لتصبح من أمامه، فقال بمكرٍ: لسه أنتِ... قالت ببلاهة وهي تنظر له من هذا القرب الخطير: أنا أيه!.. رد عليها ببسمة تتعمق بين التطلع لعينيها ورجفة جسدها المحمول بين ذراعيه: أنتِ حبيبتي اللي ساكنة قلبي... وتركها تقف من أمامه ثم إستكمل بغمزة عينيه المشاكسة وهو يمرر يديه على ذراعيها بحركاتٍ دائرية مثيرة:.
بس لسه مسكنتيش روحي وأظن إني إستنيت بما فيه الكفاية وإتحملت فوق طاقتي... تراجعت للخلف بصدمةٍ فسألته وهي تبتلع ريقها بإرتباك: يعني أيه!.. لحقها بخطاها فكادت بالركض لتخليص ذاتها من تلك النظرات التي لا تنذر بالخير، امسك معصمها ثم جذبها لتستند على جذع الشجرة فتطلعت له بتوترٍ، بسمته المشاكسة جعلت قلبها يرتجف بلطفٍ محبب إليها، تصنع بأنه يقترب ويقترب ليجعلها تظن بما اراد ثم إبتسم وهو يصرخ بها بغضب مصطنع:.
يعني يا هانم فرحنا الاسبوع الجاي ولازم تحضري نفسك بدل ما أخونك وأمشي شمال دا احنا بقالنا سنتين تعارف وسنة خطوبة وخمس سنين جواز قربت أعفن جانبك هنا يبقى أفضل ليا أتجوز مزة تشوفني ولا لأ... تحاولت ملامحها الخجولة لطاقة هائلة من الغضب، فلكمته بصدره بقوةٍ وهي تقول بصوتٍ مرتفع:.
محدش قالك يا حبيبي تستنى كنت طلقتني وإتجوزت وأنا كدا كدا كنت سامعه وشايفة كل حاجة فأكيد كنت هموت وحكايتنا الجميلة كانت هتنتهي بنهاية جميلة برضو بس ليك أنت... بدت ملامحه أكثر جدية وهو يقربها إليه بحزنٍ: قولتلك قبل كدا يا سلمى متجبيش سيرة الموت على لسانك... أجابته بتوترٍ وهي تتطلع إليه: ما أنت اللي عايز تتجوز وتشوف نفسك... ثم قالت بمرح لتمازحه:.
خلاص يا عم حدد براحتك معاد الفرح أنا معنديش مدام حالتك بقت صعبة كدا أهو احسن من الإنحراف... رفع حاجبيه بسخريةٍ فقال بخبث: حالتي صعبة!، وإنحراف! اكدت عليه ببسمة ساخرة وهي تؤكد على حديثها ببسمة ماكرة:.
والله أنا والدي شاكك فيا ومش مصدق أساساً إن في شاب يقضي السنين دي كلها مع مراته في بيت وأوضة واحدة وكان بمنتهى الاحترام والأخلاق اللي إنقرضت دي فبيقولي يا بنتي إعترفي عشان نلحق نلم الموضوع ونعلن جوازكم قولتله ياحاج أنت مخلف راجل بيعرف يخلي باله من نفسه كويس وآآآ...
بترت كلماتها بخوفٍ حينما أعلنت نظراته عن طوفان من الغضب الذي لا يطفئه سوى التهور التي نبشت كلماتها عنه، حملت طرف فستانها الطويل بطرف أصابعها ثم قالت ببسمة واسعة: لوحلفتلك أن الكلام دا من زمان مش هتصدقني صح.. وأنهت كلماتها بالركض للاعلى سريعاً وقلبها يخفق بشدة، كاد بأن يتبعها ليقتص مما قالته، ولكنت توقف فور سماع صوتٍ مألوف يخترق آذنيه.. جان...
إستدار للخلف بإستغراب حينما وجد ريان يقف من أمامه ويقترب منه بملامحٍ غامضة للغاية، فوقف من أمامه بصمتٍ قطعه بكلماته البطيئة: يامن إتنازل عن القضية اللي رفعها ضد إياد من فترة طويلة.. يعلم ما الذي يحاوط تفكيره فقال بهدوءٍ: ودي حاجة تزعلك!. أجابه بثقة تلحق بنبرة صوته الخشن: أنت اللي طلبت منه كدا صح... إرتبك ولم يعلم بما يجيبه، فعاد ريان ليسأله من جديد بشكٍ إعتلى ملامحه عن إصابة اخيه بالسوء فقال:.
إياد فين؟.. إحتفظ بصمته مطولاً، يتطلع له بسكونٍ، يجعل ظنون ما حدث تستحوذ على ريان، فحك طرف انفه وهو يحاول التحكم بذاته حتى لا يخسر الرابط القوي فيما بينهما، فقال بثباتٍ: بص يا جان أنا لما طردت أخويا من البيت كان بهدف إنه يتربى مفرقش معايا إنه يتسجن أو ينام في الشارع لإنه يستحق بعد اللي كان عمله في فاطمة و يامن بس اللي مش هتقبله باي شكل إنك تكون ورا إختفائه... ثم زفر بصوتٍ مسموع ليتطلع له بضيقٍ:.
خايف اللي بفكر فيه يكون صح... تخلى عن صمته قائلاً ببسمة صغيرة، رسمها بصعوبة: هو انت فاكر إني قتال قتلة! ثم تركه وتحرك تجاه الحديقة الرئيسية ليرفع يديه ويشير للحارس الذي اتى بسيارته فصعدها ليشير لريان بيديه: إركب، لو عايز تشوف أخوك... ضيق عينيه بإستغرابٍ، فصعد لجواره ليحرك مقود السيارة لتنصاع لاوامره بالتحرك تجاه غايته المنشودة...
رغم برودة الهواء الذي يلامس جسده ولكن مازال يغمر قلبه لهيب كاد بإحراق صدره بإكمله، كيف لها بذاك البعد الأجباري، كيف تخبره بأنها تصدقه ومع ذلك تبالغ بإبتعادها عنه، أشتدت تقلبات الرياح وخاصة بالليل المظلم من فصل الشتاء، فأغلق سليم عينيه عله يشفي جروح قلبه التي لا تلتئم مهما دواها، عاد ليشتاق إليها من جديد، فجسدها أمامه بصورةٍ ظنه خيال، إحتضنته من الخلف لتثبت يدها على صدره فشعرت بضربات قلبه العنيفة، مالت برأسها لتستند على ظهره، فتح سليم عينيه بصدمةٍ، فكأن لمساتها اعادته لواقع وجودها، بعد يدها عنه ثم جذبها لتقف أمامه بذهولٍ يكتسح معالمه، فردد بصوته الوخيم:.
ريم!..
رسمت بسمة رقيقة على محياها، فتعلقت برقبته قائلة بكلماتٍ مختارة جيداً: مش جايلي نوم، أيه رأيك نطلب أكل من برة ونسهر تحت جانب الدفاية... أشرقت على وجهه إبتسامة، فقد إستعادها من جديد، جذبها لأحضانه فخالفت دمعاتها تلك البسمة النابعة من القلب، شددت من إحتضانه فقال بهمسٍ خافت ومازال لا يصدق إنها أزالت عقبة الماضي: وحشتيني... أزاحت دموعها الحالقة باهدابها قائلة ببسمة واسعة وهي تتطلع له:.
وحشتك إزاي وانت كنت جانبي لحظة بلحظة مش بتفارقني... إحتضن وجهها بيديه ناطقاً بثورةٍ العشق الفتاك: كنت جانبك بس أنتِ اللي مكنتش معايا يا ريم... منحته نظرة عاشقة، ثم قالت ببسمة هادئة وهي تجذب هاتفه الموضوع على طاولة الشرفة البيضاء: طيب إطلب الاكل بقى جعانه الله... رمقها بنظرة قاتمة مدعي التذمر: أه، دا أنتِ جاية طمعانه فيا بقى!..
تعالت ضحكاتها مشيرة له بتأكيدٍ، فطوفها بذراعيه ببسمة ساحرة ليطبع قبلة صغيرة على يدها قائلاً بحبٍ: هجبلك أحلى برجر وهاكلك بنفسي كمان ها أيه تاني؟.. أشارت له بدلال: شيلني بقى... قال من بين ضحكاته العالية: لا انتِ عايشة فيلم عاد لينتقم... وحملها بين ذراعيه ليهبط بها للأسفل، ثم شعل المدفئة وجلسوا سوياً يتناولان شطائر البرجر الشهي بعدما أتى بها الحارس...
وضعت الطعام على الطاولة المقابلة إليه، ثم خطفت نظرة سريعة إليه بطرف عينيها، مازال شارداً، حزين، ملامحه منكمشة بقهراً على شقيقته، عاش تحت سقف منزل واحداً ولكن كان بينهما ألف حاجز وحاجز، حاول مساعدتها أكثر من مرة ولكن أبيه كان يتصدى له على الدوام، ظناً بأنه يغار من شقيقته!.. أفاق يامن من بحور شروده على صوت فاطمة وهي تشير له برجاء فيبدو بأنها تتحدث منذ فترة ولم يستمع إليها:.
يامن عشان خاطري كل أي حاجة، عمي بيقول إنك مأكلتش حاجة بقالك كتير... أجابها ونظراته مسلطة على باب الغرفة المقابل لباب غرفته، حيث كانت تقبع شقيقته: ماليش نفس يا فاطمة... زفرت بضيقٍ من عناده، فتركت الطعام وتوجهت لتجلس جواره، وضعت يدها على يديه برفق، فتحرك فكيها ناطقاً: انت المفروض اللي تقف جانب والدك وتقويه على اللي هو فيه مش العكس... إبتسم وهو يردد بألم:.
والدي!، والدي السبب في اللي إحنا فيه دا، يمكن لو كان شد على هنا او سألها في يوم بتعمل أيه او رجعة منين مكنش دا حصل من البداية ويمكن مكنتش إتعرضت للموتة البشعة دي... إعترضت على حديثه، قائلة بعتابٍ: كل واحد ربنا بيكتبله حياته من البداية للنهاية، بلاش نكفر بالله يا حبيبي لازم تفوق لنفسك، اللي تقدر تعمله دلوقتي صداقة جارية ودعائك المستمر ليها دا اللي هيفرق معاها صدقني...
نقل نظراته عن الفراغ، لتقابل عينيها الغائرة بالدموع، وجهها المنطفئ بحزنٍ عليه، كانت ومازالت جواره، ربما هي من تعاني أكثر منه، رفع يديه ليضعها على يدها قائلاً: أنتِ عارفة إنك أجمل حاجة في حياتي؟.. إبتسمت بخفوت، فأزاحت الدمعة العالقة بعينيها قائلة: عارفة... إرتسمت على شفتيه بسمة فاترة، فوقف ليشير لها وهو يتطلع لساعة يديه: الوقت إتاخر، هوصلك...
جذبت حقيبة يدها فلحق بها للاسفل، فتح باب سيارته ليغمز لها بعينيه فصعدت ببسمة خجل، وبصعوبة بالغة تمكنت من إقناعه بشراء البيتزا، ليتناولها امام عينيها شرطاً لنزولها للقصر، وما ان انهاها حتى هبطت مودعة إياه ببسمتها التي تخطف قلبه دون عودة...
وقفت تتأمل العمارات العملاقة من حولها بذهولٍ، فأستدارت تجاهه لتجده يستند على سيارته ويتابعها ببسمة واسعة، أشارت له بضيقٍ شديد: هي فين صديقك المريض دا يا مروان؟. هز قدميه بتسلية وهو يتجاهل سؤالها، سكن الغضب غرف وجه يارا، فصرخت به بعصبية: مروان بكلمك!.. تخلى عن مقدمة السيارة ليقف أمامها، ليخبرها بلهجة صوته الغامضة وعينيه تقابلها: ولو فضلتي تنادي بأسمي كتير مش هيكون في مروان أصلاً عشان يرد...
وقلد لهجتها الناعمة ساخراً: دا أنا مفتقد لرقة إسمي وعهد الله انا تقريباً اخدت أسمعه من الحيوان اللي إسمه فارس وحاسس إنه جالي تلوث سمعي... أخفت بسمتها بيدها، ثم رسمت معالم الجدية على وجهها، فجذبت هاتفها لتهدده بغضبٍ: هتقولي جايبني هنا وفي الوقت المتأخر دا ليه والا أتصل بمراد وأقوله على اللي بيحصل دا!.. لوى فمه بسخطٍ، فاشار لها بضيقٍ:.
أبو الفصلان اللي باللحظة الرومانسية، فرحانة أوي بيه، عرفنا إنه ابن خالتك ياحتي ومشغلك في مستشفى فايف ستار مش محتاجة كل شوية تفكريني... تعالت ضحكاتها بعدم تصديق، نعم علمت بأنه يبغض الجوكر كثيراً ولكن ليس لهذا الحد، فوضعت الهاتف بحقيبتها مجدداً ثم عادت لتسأله بتهذب: طيب قولي جايبني هنا ليه... اجابها بضيقٍ وهو يشير لها بالصعود للطابق الاول، فأرتبكت للغاية لتسأله بتوترٍ: وعايزني اطلع ليه؟!.
زفر بغضب وهو يردد بعصبيةٍ: إستغفر الله العظيم يارب، هو انا جايبك مثلاً أتحرش بيكِ في عمارة ملانه سكان وفي الجيزة أنتِ مجنونة ولا أيه يا بت!.. حملت حقيبتها واوقفت سيارة أجرة، لتلقي على مسمعه: شوف هتوقف تتكلم مع مين بأسلوبك دا... أغلق باب السيارة، ثم اشار للسائق بيديه قائلاً بلهجة سعى لجعلها لطيفة بعض الشيء: توكل على الله أنت يا ريس... ثم وقف مقابلها ليجز على أسنانه بغيظ:.
يا ستي انا أسف ممكن تتفضلي بقى وتطلعي معايا...
كبتت بسمتها ثم لحقت به للأعلى، اخرج مروان المفاتيح من جيب بنطاله، ليدثها بفتحة المفتاح ثم أدارها لتنفتح تدريجياً، دفع مروان الباب بيديه معاً ثم فتح الضوء لتطل من أمامها اللافتة الصغيرة المعلقة امام الباب الحاملة لإسمها مع إضافة مميزة لأخصائية الطب النفسي، نقلت نظراتها المتعلقة باللافتة لحلمها الذي دونته على ورق وحوله هو لحقيقة ملموسة، ولجت بخطواتها المرتبكة، وعينيها تتطلع لكل إنشنٍ بصدمةٍ جعلتها منعزلة عن نظرات مروان التي تتابعها بحبٍ، أدمعت عينيها بالدموع وهي ترى أصغر التفاصيل المدونة على ورقها منصوبة أمام عينيها، عيادة كبيرة للغاية بمساحة شاسعة، اللون الابيض المريح للأعصاب يغمر المكان كأنه حليب قد سكب ليعطي رونق أبيض ساحر، نقلت نظراتها للباب المتوسط للحائط المقابل لها..
فتقدمت بخطواتها البطيئة للداخل لتجد مكتب كبيراً للغاية، يتوسط الغرفة الشاسعة ليحمل لافتة صغيرة دكتور يارا، أمامه مقعدين من اللون الازرق المناسب للون الغرفة الممزوج بين الأبيض والسماوي الهادئ، لجواره كان يحتل الشزلونج الطيبي مساحة كبيرة، أمامه مقعد صغير مخصص للطبيب المعالج، دمعاتها إنسابت بلا توقف، نعم تمتلك المال الكافي لإنشاء ما تريد، ولكنها كانت تحتفظ باحلامها على أوراقٍ بيضاء لحين الإنتهاء من دراستها فتبدأ تحقيق ما تريد...
عملت كل دا عشان اشوف البسمة على وشك مش الدموع..
صوت مروان مزق صفحات السكون المستحوذ عليها، لتنتبه إليه، فقالت بصوتها المتقطع من أثر البكاء: أنت عملت كل دا عشاني؟.. إبتسم بجدية أخفت جانبه المرح، ليجيبها بصوتٍ رجولي: ومستعد أعمل اكتر من كدا عشان أشوفك سعيدة...
ثم إقترب من المكتب، ليفتح أول ادراجه، جاذباً علبة مغلفة بقماش الدانتل الاحمر، قطع الشريط ليفتح العلبة وهي تراقبه بدهشة، تحرك تجاهها ثم إنخفض على قداميه ليقرب خاتم الخطبة الالماسي منها قائلاً بثباتٍ:.
كنت فاكر إن الحب بيبدأ بنظرة إعجاب، كنت فاكر إختيار شريك الحياة بيكون بالشكل والإرتياح للمظهر الخارجي، ومع اول تجربة إكتشفت إن كل دا مش صحيح، القرارات اللي بنأخدها بشكل سريع بيترتب عليها ندم وعذاب أكبر، أنتِ كنتِ غير كل دا يا يارا، أنتِ اللي قلبي دق بوجودها، أنتِ القرار اللي فضلت أيام وشهور بقاوم الحب اللي إتولد بقلبي تجاهك، خوفت ارجع أغلط من جديد، خوفت أسلم قلبي من جديد، أنا بحبك يا يارا بحبك مش من نظرة ولا لقاء، والحب اللي إتولد بعد فترة دا خالاني اتأكد إنك إختيار بكامل إرادتي، موافقة تكملي حياتك مع الطالب الجامعي الفاشل!..
دموع سعادتها لما يقال إختلط ببسمة رقيقة على مزحه المحبب لها، فأشارت بالموافقة، قائلة بتحذير: موافقة بس لما تنجح في سنة رابعة اللي عدتها أربع مرات دي... وقف مقابلها ليجيبها بضيق: والله انا بتشائم من رقم أربعة دا فاله نحس معايا.. ثم قال ببسمة خبيثة: بس مدام زوجتي هتبقى دكتورة يبقى لازم اتخرج وبتقدير جيد كمان أمال أيه... هزت رأسها بالنفي قائلة باصرار: جيد جداً مش هتنازل... جز على أسنانه بتذمر:.
اه ليكي حق تتمارعي عليا.. وأغلق العلبة ثم توجه للخروج قائلاً بمزح: طب مفيش جواز... ثم استدار تجاهها ببسمة واسعة، فبادلته الإبتسامة قائلة بإرتباك:.
لما كنت بنازع، شوفت شريط حياتي كله بيمر قدام عنيا، مشفتش فيه حاجه مهمة او شخص مهم بالنسبالي، يعني مجرد عيلة بس كرابط مفيش، وفجاة ظهرت أنت عشان تنفذني وتديني أمل أن حياتي لسه مخلصتش، لما طلعت على سطح المية وإتنفست عرفت قيمة حياتي، وشك كان مطبوع في عيوني مقدرتش انسى ملامحك أبداً.. ثم إبتلعت ريقها بتوترٍ لتستكمل كلماتها ببسمة هادئة:.
أنت مختلف عن أي شحص إتعاملت معاه يا مروان، شخصيتك غريبة، اوقات بحسك شاب طايش وبتحب الهزار والضحك وأوقات تانية بشوفك أكبر من سنك، راجل وتصرفاتك مش بتعبر عن الطيبة اللي جواك...
حلق بسماءٍ عالية تلمع بلؤلؤ كلماتها الساحرة، لم يستوعب بأنها تقصده بكلماتها، هي تحبه مثلما يحبها، إختارته من قبل أن يختارها، وجهها الشبيه بحبات الكرز لأعترافاتها التي كبتتها بداخلها جعله يخفض نظراته عنها، فجذب الخاتم من العلبة وقدمه تجاهها، إقتربت منه ببسمتها الفتاكة لتضع اصابعها داخل الخاتم الذي يحمله فقال بمرح: ألف مبروك يا عروستي، لو ممكن شوية شربات بقى نبل بيه الريق أو أي حاجة..
تعالت ضحكاتها وهي تبحث من حولها، لتتساءل بدهشةٍ: هلاقي الحاجات دي هنا كمان!. اشار على المطبخ الصغير الموجود بغرفتها لتجده مجهز بكل المشروبات الممكنة، فاعدت لهما كوبان من القهوة معللة حبها لها، ثم خرجا على الفور للعودة للقصر بعدما تخطى أصعب مرحلة من وجهة نظره، فجذب هاتفه ليرسل برسالة شكر للفارس الذي عاونه بكل كبيرة وصغيرة..
طرقات خافتة على باب شقته، جعلته يخرج لرؤية من الطارق بهذا الوقت المتأخر، إبتسم يوسف بفرحةٍ يكسوها الدهشة وهو يردد بإستغراب: آدم!..
توقفت سيارة جان أمام مخزن شركاته، فهبط ليتبعه ريان بملامح واجمة، مجرد تخيل السوء بأخيه جعله يتأهب لخلق شجاراً عظيم، فجعدت ملامحه بشراسةٍ مخيفة تفتت بصدمةٍ جعلته يتصنم محله وهو يرى اخيه من مكانٍ محجوب يرأه وهو لا يستطيع رؤياه، رأه يؤدي صلاته بطريقة سليمة ووجهاً مشرق لتتخفى ملامح الأدمان عن وجهه نهائياً، صدمة جعلته غير قادر على النطق أو حتى الحديث، تحررت دمعة خافتة من رومادية عينيه لتنساب بصمتٍ وبعدم تصديق لما يحدث أمام عينيه!..
بغرفة شجن... تطلعت لها نجلاء بحزنٍ شديد وهي تقرب لقمة الخبز منها قائلة برجاء: عشان خاطري يا بنتي كليلك لقمة دا أنتِ على لحم بطنك من الصبح.. أشارت لها بوهنٍ، فبكت نجلاء بألمٍ عليها، قم إهتدت لفكرةٍ ربما ستحل الامر للافضل، فقالت بعزم: هروح اكلم مراد وأخليه يوصلني بفريد، أتكلم معاه عن اللي حصل.. إشرابت بعنقها عن الوسادة بأملٍ نبع بكلماتها فقالت بصوتٍ واهن للغاية يخرج من شفتيها الجافة: بجد!.
زرعت بسمة حزينة على وجهها، فربتت على كتفها بحنوٍ: بجد يا حبيبتي.. وتركت الغرفة وتوجهت لجناح الجوكر، إستندت شجن على الوسادة بتعبٍ يتغلب عليها، فأتت طرقات الغرفة المتتالية لتستحوذ على إنتباهها ليدلف من بعدها، خطى ثابت كالسيف، تتجه للغرفة ومن ثم للفراش حتى وقف امامها، نظرات الغضب والإستحقار تجوب عينيه الزيتونية، إبتلعت ريقها بإرتباك فقالت بخوفٍ: أنت مين؟!. اجابها بحنقٍ شديد:.
أنا اللي إنتِ ضيعتي ابنه مرتين، وبكل بجاحة جاية تهدي كل اللي بينته، أنا اللي مش هسمحلك تكوني الشوكة اللي هتكسر رحيم زيدان الشخص اللي انا عملته وبنيته من اول وجديد، أنا اللي مستعد ادمرك وأدوس عليكي لو فكرتي ترجعي ابني لنقطة الصفر، أنا طلعت زيدان اللي انتِ مش حطاه في حساباتك لأنه بالنسبة للكل ميت بس بالنسبالك كابوس!.. تمت