روي أنه في قديم الزمان كان هناك ملكا عظيما يحكم إحدى الممالك العظمى، وقد عرف ذلك الملك بامتلاكه لقوى خارقة تفوق الخيال، لقد كانت قواه سرا لا يعلم بأمره إلا هو، لقد كان يجيد لغة جميع الطير وجميع الحيوانات لذلك كان دائم المعرفة بكل ما يحيط به من معلومات كبيرة وصغيرة، كان على اطلاع دائم بمخططات أعدائه وبما يدور بكل بلاده والبلاد المجاورة والبعيدة أيضا عن بلاده.
وقواه الخارقة كانت تجعل الجميع يحسب له ألف حساب ويخاف من ردة فعله عند غضبه لذلك كان الجميع يتساءل عن مدى قوته الخارقة ومن أين يستمدها؛ وكان ببلاده هناك فتى من أسرة معدمة وفقيرة للغاية، كان أكبر إخوته وكان والده دوما يجبره على العمل ليعيل إخوته ووالدته، ولكن الابن كان عاشقا لتعلم القراءة والكتابة وكل العلوم غير أنه كان يبقي ذلك الأمر بينه وبين نفسه رغبة في ألا يعرف بأمره والده الذي حذره دوما من ذلك.
كان الابن دائما ينحاز وراء رغبته والتي لا تنتهي مطلقا في التعلم وعندما يعود يوما دون أموال ينهال عليه والده بالضرب، كان والده يعتقد أن الأموال هي كفيلة لحل جميع مشكلات الحياة وأن العلم إنما هو مضيعة للوقت ليس إلا على خلاف ابنه الذي كان يوقن أن العلم مفتاح الحياة والعيش بسعادة بها.
وفي صباح باكر للإحدى الأيام دخل والده عليه فجأة فوجده منهمكا في دراسة ما تعلمه من معلم، كان يكتب في ورقة فأمسكه والده وأشبعه ضربا، بل وطرده من المنزل وتوعده إن عاد إليهم يوما؛ لم يجد الابن مفرا إلا ترك البلدة الصغيرة التي يعيشون بها ويتوجه نحو المدينة العامرة أملا في أن يجد مبتغاه هناك.
وبالفعل شد رحاله للمدينة وهناك ذهل من روعة المناظر الخلابة التي وجدها من مباني شاهقة وحدائق مليئة بالورود والأزهار وطرق نظيفة، وحياة مرتبة أكثر من اللازم.
وبينما كان الفتى يتجول في أنحاء المدينة ويلقي نظرة هنا وهناك على حياة لم يعهد مثلها من قبل، مر ملك البلاد وحاشيته من أمامه، لقد كان الفتى مولعا وشغوفا لأبعد الحدود بفضوله الشديد وحب الاستطلاع على كل ما هو جديد، لذلك تبع موكب الملك حتى اقترب من إحدى عرباته والتحق بها، لم يصدر أي صوت حتى وصل الموكب لقصر الملك.
وبعدما أحس الفتى برحيل الجميع نزل من العربة وبحث عن مكان أكثر أمانا ليختبئ به، وبالفعل وكلها لحظات قلائل حتى فتح باب القصر فذهل الفتى من جمال المنظر وقد أسر قلبه من شدة روعة ما رأى، وبعدها دخل كثير من التجار والفنانون للقصر، لقد كان منهم من يبيع أقمشة الحرير وأفخم أنواع الأقمشة، ومنهم من يبيع المجوهرات والحلي، ومنهم من يقوم بالرسم وكثيرون غيرهم، كانوا كل هؤلاء التجار يذهبون أولا للقصر الملكي يعرضون تجارتهم ويبيعونها قبل الذهاب بها للسوق.
وعندما قام جميعهم بعرض بضائعهم وقف الملك بشرفة قصره وشرع في النظر، وفجأة أُناء انهماكه بالنظر للسلع سقط مفتاح ذهبي مرسوم عليه ثعبان أبيض، لم يراه أحد ممن كانوا هناك ولم يلاحظه إلا الفتى حيث أنه كان يختبئ وراء الحائط أسفل الشرفة، ألتقطه الفتى وبعد انصراف التجار جميعا هم الملك بالانصراف، ولكن الفتى بكل جرأة ينادي على الملك قائلا: ” أيها الملك انتظر قليلا”!
التفت الملك خلفه وإذا به يرى فتى يقف وسط ساحة حديقة قصره، وبغضب شديد: “من أنت؟!، ومن سمح لك بدخول قصري الذي لا يليق بأمثالك؟!”
وعلى الفور أمر الحراس بالقبض عليه ومحاكمته، دب الرعب بقلب الفتى وبسرعة فائقة: “يا مولاي إن لا أحمل لك إلا كل خير، وليس بنيتي شيء إلاه، كل ما هنالك أنه سقط منك شيء يخصك عندما انهمكت بمشاهدة عروض التجار، وقد وجدته واحتفظت به لأعطيك إياه فور انتهائك من المشاهدة”.
أمر الملك الحراس بأن يجلبوه لداخل القصر ليمثل أمامه…
أمر الملك الحراس بأن يجلبوه لداخل القصر ليمثل أمامه، استحوذ الرعب وتملك قلب الفتى وأصبح في حيرة من أمره وكثير التفكير في مصيره المحتوم الذي ينتظره بالداخل عند مقابلة الملك والمثول أمامه لمحاكمته بعدما انقض عليه الحراس وأخذوه عنوة؛ ولكن سرعان ما أصبح أمام ملك بلاده، انحنى الفتى وشرع يتوسل إليه، فأشفق الملك على حاله …
الملك: “لا تقلق أيها الفتى فأنا لم أجعلهم يأتون بك إلى هنا من أجل محاكمتك، وإنما جئت بك هنا بسبب شجاعتك وجرأتك، أخبرني من أنت؟ ومن أين أتيت؟!”
أجابه الفتى قائلا: “اسمي آليكس، وقد قدمت من البادية يا مولاي”.
الملك: “يظهر على ملابسك أنك من البادية فقد زرتها أكثر من مرة، وأعلم كم أن أهلها أناس طيبون، يحبون العمل ويجتهدون في أدائه ولكنك لم تركت أرض البادية حيث الهدوء والراحة وقدمت للمدينة الصاخبة؟!”
الفتى: “جئت باحثا عن عمل يا مولاي”.
الملك: “ألم تكن تعمل بالبادية فعلى حد علمي لديكم بها الكثير من الأعمال هناك”.
الفتى: “لقد كنت أعمل بها ولكن والدي قام بطردي منها عندما وجدني مصرا على حرصي على التعلم”.
الملك: “ألا يريدك أن تتعلم والدك؟!”
الفتى: “إن والدي يفضل الأموال على العلم يا مولاي، فلي من الإخوة الكثيرين وأنا أكبرهم سنا لذلك أساعد والدي في إطعامهم وشرابهم وتربيتهم”.
الملك: “وجزاءا لأمانتك سأكافئك، من لآن فصاعدا ستكون مرافقي الشخصي والأمين على خزائني والمطلع الوحيد على كل أسرار المملكة، كما أنك ستكون مرافق ابنتي الوحيدة حيث أنها دائما تشعر بالوحدة ولا أثق بأحد هنا لأجعلها برفقته، أتعلم لو وقع هذا المفتاح بيد أحد غيرك لكانت المصيبة الكبرى بالنسبة لي، إنه مفتاح لمكان سري للغاية وبه سر أخطر منه؛ أما بالنسبة لتطلعك للعلم فسأوصي معلم القصر ليعلمك بنفسه”.
غمرت الفتى السعادة، لقد شعر بالسعادة من كل قلبه وكأنه لم يسعد يوما قبله، من كثرة فرحته عجز عن كيفية شكر الملك لدرجة أن الملك نفسه شعر بمدى مشاعر الفتى وعدم قدرته على الكلام وحسن التصرف، وبالكاد استطاع الفتى أن يقول لملكه: “لا أعلم كيف أشكرك يا مولاي، ولكني أتمنى أن أكون عند حسن ظنك بي، وأن أكون على قدر المسئولية التي أوكلتها لي”.
أمر الملك رجاله بتخصيص حجة للفتى بنفس الجناح الخاص به حتى كون على مقربة منه، وبالفعل في أقل وقت كانوا قد فعلوا ما أمرهم به ملكهم؛ لقد كان هناك من يحقد على الفتى ويحمل له مشاعر الغيرة والبغض والكراهية الشديدة لدرجة أنه لم يستطيع إخفاء مشاعره هذه حتى أمام الملك، فقد أبداها ولم يخفها عندما أخبر الملك قائلا: “يا مولاي أرى أنك لم توفق في اختيارك لذلك الفتى، فربما كان من أعدائنا وما فعله إنما هو ادعاء وتمثيل لتثق به وتملكه من نفسك، إنني أخشى عليك يا مولاي”.
ولكن الملك طمأنه وهدأ من روعه وأخبره أنه على دراية كاملة بما يفعله، وأنه لا يحق له حتى وإن كان قائد كل جيوشه وفرسانه التدخل في شئون ملكه، اغتاظ القائد من رد الملك فاستأذن منه بالرحيل بحجة نه يشعر ببعض الإعياء، ولكنه كان حاقد على الفتى وبخاصة عندما أمره الملك بمرافقة ابنته الوحيدة والتي معجب بها قائد الجيوش والفرسان.
وبهذه الطريقة أًصبح الفتى دون شعور منه العدو الأول والوحيد لقائد الفرسان نفسه، كان الفتى مجتهدا ومجدا في عمله الموكل إليه من الاعتناء بالملك شخصيا، ومرافقة ابنته الوحيدة علاوة على أوامره والتي إن تأخر فيها تتطبق عليه قواعد لقصر ولتي ممكن أن يكون فاقدا لحياته مثله مثل غيره من الباقيين أيضا، لذلك كان يكثف مجهوده ويجعل تركيزه وهمته دائما حاضرين لكيلا يقع في أي من الأخطاء المحذر عليه ألا يرتكبها.
كان أهم أمر من أوامر الملك أنه يوميا وبغروب الشمس يقدم للملك طبقا مغطى يوجد بحجرة سرية، والتي مفتاحها المفتاح بعينه الذي كان سببا فيما وصل إليه الفتى من آمال م يكن ليخطر بباله أن يصل إليها يوما، وقد كانت الحجرة السرية هذه …