- للإسف ..إذا ما بحثنا عن سورياالآن .. لن نرى إلا مشاهد الحرب والدمار , ولكن الأمر لم يكن كذلك في الماضي , حينما كانت سوريا جنة الرّحالة والمسافرين على مر التاريخ .
إذ كانت الجنة موجودة على الأرض .. فهي دمشق , وليس مكاناً آخر . . إبن بطوطة
سوريا في عيون إبن بطوطة
- وصل إبن بطوطة إلى سوريا ( بلاد الشام ) خلال فترة حكم المماليك المزدهرة بين ( (1250 - 1382 م) , حيث أن الجهود التي بذلها صلاح الدين , كانت قد أتت ثمارها من الإستقرار والتوحد , والرخاء , وقد تمكن الأيوببيون والمماليك من بناء دولة مسالمة .وكانت رحلة " إبن بطوطة " في ذلك الوقت قد بدأت من القاهرة , وزار بعدها مدن مثل غزة , القدس , والخليل على طول الطريق , وأراد أن يلحق بإحدى قوافل الحج التي ستمضي من دمشق إلى مكة .
مدينة حماة Hama
- في سوريا .. أقام أبن بطوطة في مدينة " حماة " في يوليو 1326 م , ويقول عنها أنها " مدينة ذات مراكز حضارية مبجلة وفخمة , تتجاوز حد الجمال , وتحيط بها البساتين والحدائق التي تغذيها عجلات الماء " .. وترسم كلماته البسيطة تلك , صورة مثالية لنبع صحراوي قديم , كان ملاذاً آمناً للمسافرين والسكان على حد سواء .وجدير بالذكر أن بعضأ من تلك العجلات المائية مازالت موجودة حتى الآن .
مدينة حلب Aleppo
- وصف ابن بطوطة حلب بإنها قلعة ضخمة ذات حصن قوي , لا يُخشى عليها من العطش , بسب وجود بئرين تغذيهما مياه الينابيع .ووصف المبنى الرائع بإنه محّصن بجدارين يمر بينهما خندق مائي .
ومازال ذلك الحصن قائماً إلى الآن , حيث نجا من حصار المغول , وتيمورلنك سيء السمعة في العصور الوسطى .
- ويستكمل ابن بطوطة وصف حلب بإنها واحدة من أفضل المدن في الهندسة المعمارية , وليس لها منافس في جمال التخطيط والترتيب العمراني , وفي المساحة الواسعة , والتنظيم المتناسق في الأسواق , والتي تتميز بوجود سقف خشبي لتوفير الظل .
وقد تغنّى ابن بطوطة شعراً بحلب مقتبساً شعراً من القرن الـ 11 قائلاً :
يا صاحبي إذا أعياكما سقمي فلقياني نسيم الريح من حلب
من البلاد التي كان الصبا سكناً فيها وكان الهوى من أربي
دمشق Damascus
- لا توجد مدينة أخرى كانت أقرب إلى قلب ابن بطوطة من مدينة " دمشق " , فقد عشقها ابن بطوطة , وإرتبط لسانه بإسمها وتغنى بها شعراً .يقول عنها " أنها جنة المشرق , ختم الأراضي الإسلامية التي قمنا بإستكشافها , وعروس المدن التي كشفنا عنها "
وقد كانت دمشق عاصمة للدولة الأموية , وأرض أول خلافة إسلامية وراثية ذات صفات ملكية في القرن السابع الميلادي بعيداً عن أراضي الحجاز , وعلى الرغم من أن العباسيين قاموا بنقل مقر الخلافة إلى بغداد , إلا ان دمشق لم تفقد بريقها الملكي .
- وقد قام ابن بطوطة أثناء زيارته لدمشق بزيارة قبر أم حبيبة ( زوجة نبي الله صلي الله عليه وسلم ) , وقبر بلال ( مؤذن رسول الله عليه الصلاة والسلام ) , والسيدة زينب ( ابنه علي بن أبي طالب كرم الله وجه ) , ومعاوية ابن ابي سفيان ( اول الخلفاء الأمويين ) .
كما وصف ابن بطوطة عدداً من كليات دمشق التي تنتمي إلى طوائف مختلفة ويتعايش روادها في سلام , ويتشاركون النقاش في الأمور العلمية والإجتماعية والسياسية .
- وصف ابن بطوطة أيضاً الدعم الإجتماعي للمواطنين في دمشق , فقال " هناك اوقاف تقوم بتجهيز ملابس الزفاف للفتيات اللاتي لا تستطيع عائلاتهن توفيرها , وأوقاف أخرى من اجل السجناء , وأخرى من أجل المسافرين , حيث يحصلون على الملابس , والطعام ونفقات النقل , كما أن هناك أوقاف لتحسين وتمهيد الشوارع والطرق , فجميع الممرات قي دمشق لديها أرصفة على جانبيها , يمشي عليها الناس على أقدامهم , في حين أن الطريق في الوسط لمن يركب الدواب وغيرها ".
- كما وصف ابن بطوطة الجامع الاموي الكبيرفي دمشق قائلاً " هذا هو أعظم مسجد على وجه الأرض من حيث الروعة , والأكثر إتقاناً في البناء " , حيث طلب الخليفة الوليد بن عبد الملك من الإمبراطور الروماني في القسطنطينية أن يبعث له بالحرفيين المهرة من أجل البناء , ويعتبر المسجد الأموي الكبير من أهم المساجد التاريخية في العالم الإسلامي حتى الآن .
وأخيراً .. ربما غبار الحروب قد أعمى أعيننا عن رؤية جمال تلك البلاد .. ولكن قريباً قد يشاء الله أن تعود جنة الأرض شامخة هناك في أرض الشام .. لتعود إليها أسفار عشاقها .