وربما يجب أن نتوقف هنا أمام هذه الحالة جيدًا، فالمراهق في الغالب لا يعي أن أسلوبه في التعبير عن نفسه ربما لا يتوافق مع الأمور المتعارف عليها والتي يمكن أن نعتبرها في حدود المعقول، فهو في كل الحالات يرى أن له الحق في أساليبة دون النظر في مدى صلاحيتها للآخرين، وهذا بالطبع خارج عن إرادته حين نتفهم نحن طبيعة المرحلة الذي يمر بها.
إن سعي المراهق نحو الاستقلال يعتبر أمرًا محمودًا، وهو في الغالب لا يطلب الكثير، وإنما يطلب بشكل مبطن أن نكون معه وأن نتقبله كما هو بعيدًا عن رغبتنا فيما يتوجب عليه أن يكون، وكثير من الأهالي أو المربين ينسون سريعًا أنهم مروا بنفس تلك الفترة لأنهم الآن في محل المسؤولية والتي ينزع فيها البعض إلى ألا تكون مسئولية بقدر ما هي وصاية يمقتها المراهق ويرفضها، وهذا هو موضع الاختلاف الذي يجعل الطرفين في طريق متواز لا يلتقيان فيه، والتعامل مع المراهقين لا يتطلب أن نسلك مثل هذه الطرق لأنها لا تقود إلى حلول، وإنما تتطلب أن يكون هناك العديد من التقاطعات التي لا بد أن نلتقي فيها.. وربما نستطيع هنا أن نلقي الضوء على بعض الإشارات التي تساعدنا في جعل مرحلة المراهقة مرحلة مضيئة ومشرقة في حياة المراهقين، لأننا في نهاية الأمر نهدف إلى إيجاد توازنات لديه تجعله يشعر بالأمن النفسي والحب والتقدير الاجتماعي الذي يسعى إليه ليخرج إلى المجتمع الأكبر وهو مهيأ لأن يكون إنسانًا سويًا غير متطرف في تفكيره، يقبل المختلف عنه ويستمع له ويتحاور معه بطريقة حضاريه تنمو بتطور المجتمع البشري.
ما الذي يريده المراهق؟
· منح الحب دون حدود والتسامح مع الأخطاء.. فهم حين يقعون في الخطأ لا يرغبون بسماع التأنيب، وإنما يميلون كثيرًا لأن نقول لهم نحن إلى جانبكم فلا تبتئسوا.. ومن الخطأ ينبغي أن نتعلم تصحيح الأمر أو تعديله ليقع الضرر خفيفًا، ومن ثم نحاول من جديد مرة وأخرى حتى نحصل على الهدف، وكل هذا يجب أن يكون مغلفا بالحب والصبر والتسامح حتى لا يتكرر الفشل.
· الاستماع الجيد والإصغاء واكتشاف ما بين السطور حتى لو لم يعلن عنها، وهذه المهارات في التواصل الإنساني من أكبر القيم التي تجعل المراهق يلجأ إلى والديه أو معلميه حين يشعر بارتكاب خطأ ما، ولا يتجه إلى جهات أخرى قد تكون غير مؤهلة وربما تقوده إلى خطأ أكبر.
· من المهم أن نجعل هناك قواعد وحدودًا واضحة للمراهق في البيت، وأن يكون هناك أنظمة في المدرسة توضح الحقوق والواجبات، والأهم أن يطلع عليها المراهق ويعرفها، وأن تكرر من وقت لآخر ليعرف حدوده والعقوبات التي تطبق عليه في حال تجاوزها، وأكثر من مهم أن نتدرج في تطبيق هذه القوانين ليحفظ لنا هذه المبادرة، وحين نلاحظ أي تحسن في سلوكه بعد ذلك ينبغي ألا نتجاهل الأمر، وإنما نعززه لديه ونشكره عليه، ليدرك جيدًا أنه لا يتلقى العقوبة فقط، وإنما قد يجد الجزاء الجميل.
· لنبتعد في تعاملنا مع المراهقين عن مقارنته بالآخرين، سواء في البيت عند مقارنته بأحد إخوته أو في المدرسة حين يقارن بزملائه.. فهو كائن مستقل تمامًا عن الآخرين وله تكوينه الخاص الذي لا يشبه أحدًا، وهذا الأمر لا يحقق هدفًا تربويًا بل إنه يخلق الكثير من العداوات بينه وبين من قارنته بهم، وهو في فترة نفسية يحتاج فيها للصداقات وليس لعلاقات مكللة بالكراهية.
· الاحترام..ثم الاحترام ثم الاحترام.. وربما لن يتحقق احترام المراهق لنا إن لم نبدأ بتقديمه له، وقد يتساءل البعض عن طرق تقديم الاحترام للمراهق، وهي غالبًا في أمور بسيطة تتمحور في احترام خصوصيته، فمخاطبته بكلمات لطيفة حين نطلب منه أمرًا ومسبوقة بجملة لو سمحت أو لو تتلطف أو إذا أمكن، تجعله يشعر أنه مخير وليس مجبرًا على التنفيذ، وأيضًا عدم الدخول عليه إلا بعد الاستئذان منه، وعدم الحديث معه في خصوصياته أمام الآخرين، إضافة إلى شكره على إنجازات حتى لو كانت بسيطة، تشعره بالاحترام، كما أن مخاطبته بصوت هادئ ومناقشته في أخطائه يجب أن تكون بعيدة عن الآخرين، وأن نكون فيها محددين أمر النقاش، وألا نتعرض معه إلى أمور سابقة قد مضى عليها وقت، ونذكره فيها بأخطائه لأن هذا يجعله يشعر أنه لا يعيش في جو متسامح وإنما أجواء مشحونة قد يحاول الهرب منها، ويلقي بنفسه في مناطق مجهولة أو خطرة ربما تتلقفه أيد عابثة تجعله يحيد عن الطريق السليم.
· اجعله صديقًا ورفيقًا..وهذا يتطلب أمورًا بسيطة، فمشاركة المراهق في لعبة معينة يفضلها تجعله يشعر بقبولك إياه، والذهاب به إلى مباراة لفريقه المفضل تجعله ممتنًا لك، ومصاحبة المراهقة إلى محلات تفضلها تجعلها قريبة منك، ومشاركتها في مشاهدة فيلم أو مسلسل مفضل تجعلها ممتنة أيضًا.
· اقبلوا نزقهم وتقليعاتهم..قد تجدهم يومًا يقصون شعورهم بطريقة لا تعجبنا، أو يرتدون ملابس نشعر أنها لا تلائمنا، أو يقلدون مشاهير في العالم ونشعر بالحرج منهم، وكل هذا من الأخطاء التي نقوم بها، لأن هذه الأمور جميعها تلائمهم ويرغبون بها، ولكن كي لا نشعرهم بنفورنا منها، نوضح لهم حدود الأمر، ونجعلهم يقومون بما يريدون في حدود معقولة، في المنزل أو أثناء صحبة أصدقائهم، وإذا وضعنا لهم الحدود لنتأكد من تطبيقها، وأن نعرف مسبقًا أن كل هذه الأمور لمجرد التجريب، ومن المستحسن ألا نقلل أو نسخر مما يفعلون لأنهم سيرغبون فيها أكثر، وكلما قللنا من كمية الانتقاد، قلَّ لديهم التوجه لهذه الأمور، فغالبًا يقومون بذلك كرغبة لديهم بتحدي السلطة وإثبات الذات، وحين لا نلقي للأمر اهتمامًا لا يعودون إليه من تلقاء أنفسهم.
· من الجميل أن نفاجئهم بأمر يحبونه، فهذا سيقربهم لنا أكثر، وهذا ما سيجعلهم لا يبتعدون عن محيطهم، فقميص يحمل رقم اللاعب المفضل، أو شريط للعبة إلكترونية، أو هدية مفاجئة للفتيات عن شخصية محببة، أو رحلة مدرسية خارجة عن المألوف ستجعلهم يمتنون لك لتقديرك واهتمامك بما هم يرغبون.
· اسمحوا لهم باتخاذ قراراتهم.. وخاصة في الأمور البسيطة التي لا تضر الآخرين، لون الثياب مثلاً، لون غرفته، حقيبته، أدواته الشخصية، قرار نوع الأكل الذي يرغبه، الذهاب إلى مكان أو استقبال أصدقاء، هواية يرغب فيها، مهارة يود أن يتعلمها.. لنجعلهم يختارون ما يقررون ولنقف على مقربة منهم لا للتأثير على اختيارهم بل لنقول لهم نحن قربكم حين تحتاجون لنا.
· احفظوا لهم حق العودة... سيخطئون كثيرًا، وربما يسرفون في الخطأ، وبعضهم قد يتمادى ويقوم بما لا نتحمله، وبعضهم قد يتورط في أمور لا نرضى عنها، وبعضهم قد لا ينجح في دروسه ويتكرر له الأمر كثيرًا، وبعضهم قد يتجه لرفاق السوء، وبعضهم قد يستمر في العناد والمكابرة.. وأمور كثيرة قد لا نتصورها.. ولكن لأننا الآباء والأمهات.. ولأننا المعلمون والمعلمات.. ولأنهم أبناؤنا إن أصابوا أو أخطأوا.. من المهم أن نحتويهم.. نغفر لهم.. نكرر أننا قربهم ومن أجلهم.. وأنهم مهما ابتعدوا فإن حق العودة مكفول لهم دون شرط أو قيد.