رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر
إنتفضت ليال وسؤاله ينتشلها من ارض الحلم التي تثبتت عليها واخيرًا، ليُعيدها لتلك الليلة التي لا تتمنى سوى نسيانها فقط...! فابتلعت ريقها لتتنهد قبل أن تجيبه في ثبات غريب: -ايوه اخدت منها فلوس يا يونس فعقد يونس ما بين حاجباه والغضب يتجمهر بين ضلوعه مطالبًا بتفسير حتى يخمد ثورته، فدفعها بجسده للخلف وهو يضغط على ذراعها متسائلاً بنبرة اكثر حدة: -يعني معملتيش كده عشان الحب زي ما كنتي بتقولي.
فنفت ليال بلهفة متوجسة: -لا طبعا يا يونس انت عارف إني بحبك اوي، مين اللي قالك الكلام ده! فهتف يونس بما يعكر صفوه واصبح كالإبرة الحادة كلما استكانت دواخله توخزها بمخاوف جديدة!. -ملكيش دعوة مين اللي قالي، الفلوس هي اللي أغرتك! يمكن بقا بعدها حبتيني صح صُدمت ليال من منحنى تفكيره فهزت رأسها بعدها مسرعة وهي تخبره:.
-لأ طبعًا، العكس، حبيتك ووافقت عشان حبيتك، بس مكنش من الذكاء إني اروح بلد هروحها لأول مرة ومايبقاش معايا فلوس وانا معرفش إيه اللي هيحصل ولا اعرف موقفك ولا اعرف انا هترمي في الشارع ولا إيه اللي هيحصل..! تسللت حروفها لأعمق نقطة داخله لتنتشل تلك الإبرة مسمومة الأفكار التي غُرزت بين ثناياه، خاصةً حينما أكملت بنبرة ترآى له الجرح فيها من تفكيره الذي أستطاعت استبطانه من تعويذة غضبه التي حلت على عيناه:.
-أنا مش وحشة زي ما عقلك مصورلك يا يونس، أو بمعنى أصح انا مش كلبة فلوس، طمن قلبك يا يونس، انا مش شيطاني قوي زي ما عقلك مقتنع، مش مع اي ضغط هلجأ للغلط فهز يونس رأسه نافيًا بضيق لاعنًا ذلك القذر الذي عاد ليتلاعب بعقله..! فيما إبتلعت ليال ريقها ببطء وحاولت بصق ذلك الاعتراف الذي أخذته من بين مخالب الشراسة المتأهبة داخلها بصعوبة:.
-أنا ضعيفة من جوا، كنت محتاجة لحاجة تسندني، مكنش عندي اي دعم نفسي، كنت محتاجة حنان الأب والأم اللي اتحرمت منه، مكنش عندي الأب اللي يقولي من وانا صغيرة انتي جوهرة اوعي تيجي على نفسك او اللي هيجي عليكي هاكله بسناني، انا كان ابويا بيستهلكني نفسيًا من وانا صغيرة لحد ما بقيت ادور على ملجأ ومهرب منه ومن عذابه.
ثم رفعت طرف ملابسها عن ذراعها حتى ما بعد الكوع بقليل ليظهر حرق لازال أثره موجود لم يمحه الزمن، وقد كان مجرد نبذة عن الحروق التي شوهت روحها مرارًا وتكرارًا... ليخرج صوتها متهدجًا من الألم وهي تخبره لتثبت صدق ما تقول:.
-دي في مرة بعد وفاة ماما المايه المغلية اتدلقت على دراعي وانا بعمله الاكل، فجريت عليه وانا بعيط وماسكه العسل الاسود عشان يحطهولي على مكان الحرق، فـ من كتر عياطي ساعتها العسل وقع من ايدي على هدومه بهدله.. فابتسمت تلك الابتسامة ذبيحة الماضي ومن ثم تابعت:.
-قام ضربني وشال مني العسل عشان يعاقبني على عدم تركيزي وساب الحرق من غير علاج عقاب ليا لحد ما خف لوحده بس طبعًا بعد ما روحي طلعت من النار اللي حسيت بيها مع كل كلمة كانت تنطقها ليال كان قلب يونس ينتفض متلويًا وكأنما تلك الحروف تسقط على قلبه كالسوط فتلسعه ليحس بما تحسه صغيرته...!
لم ينطق وإنما جذبها له برفق ليرفع الملابس عن ذراعها ومن دون تردد كان يضع شفتاه على موضع الحرق يلثمه بعمق وحنان دفين، وكأنه يعتذر ويحاول إطفاء لهب الحرارة الباطني النفسي فيه والذي لم يُطفئ بعد...! ثم رفع رأسه ليهمس بصوت حاني عميق بينما إصبعه يتحسس ببطء وحنان ذلك الاثر دون ارادة منه: -انا اسف، حقك عليا يا ست البنات، انا عصبي ويمكن ده عيبي يا ليال مفيش حد كامل.
اومأت ليال موافقة برأسها بابتسامة شاحبة، ليجذبها يونس لأحضانه بقوة، يربت على خصلاتها السوداء الناعمة التي يعشقها وكأنها طفلته وليس زوجته ثم أخبرها مؤكدًا بنبرة خشنة حملت في طياتها الحنان الأبوي الذي حُرمت منه والعاطفة الجياشة نحوها: -ربنا يقدرني وأكونلك الأب والأخ والحبيب، حضني على طول هيفضل مفتوحلك حتى لو بينا مشاكل الدنيا يا بطتي!
تنهدت ليال بعمق وهي تدفن وجهها بين أحضانه اكثر بجوع لذلك الحنان اشتد وطأته عليها، فرفع يونس وجهها بعدها يسألها بابتسامة مشاكسة: -خلاص صافي يا لبن؟ حينها تنحنحت ليال مبتعدة عنه خطوة ثم عقدت ذراعيها معًا لتخبره بنبرة مترفعة بغضب مصطنع: -لأ على فكره احنا مش متفاهمين ولازم نسيب بعض! فسألها يونس بتلك النبرة الشقية العابثة التي باتت تعشقها منه: -طب هو هيوافق؟ فعقدت ما بين حاجبيها تسأله بعدم فهم: -هو مين؟
فتلاعب بحاجباه ليُجيبها مشاكسًا: -بعض! لتضحك ليال رغمًا عنها وقد نجح في سرقة تلك الابتسامة من مضجع آلامها الغائرة ليُعدل مزاجها بلحظات ودون مجهود يُذكر منه...! فضحك يونس هو الاخر وهو ينظر لضحكتها بحنان وقد أقسم داخله ألا يقتل تلك الابتسامة ابدًا، جذبها له لتقف أمامه وظهرها له ثم احتضنها من الخلف ويداه تحيط خصرها وهما يقفان امام المرآة، فنظر يونس للمرآة ليستطرد بعدها بأسف وتذمر مصطنع قاصدًا مشاكستها:.
-انتي تختني على فكره وكأي أنثى حينما تسمع تلك الجملة تأهبت جميع حواسها وهي تردد مستنكرة بحدة: -نعم! فرد يونس بسرعة مصححًا ببراءة: -إتخانتي، انا خونتك يا حبيبتي فكبتت ليال ضحكتها وهي تنظر لجسدها مرة اخرى بقلق وتعدل من ملابسها: -اه بحسب!
فتعالت ضحكة يونس على هوس الانثى القلق خلال تلك النقطة خصيصًا، فضحكت ليال هي الاخرى ثم استدارت تنظر لشاربه وذقنه النامية، فرفعت يدها تتحس ذقنه السوداء بإصبعها ببطء وعيناها مُسلطة على ملامحه بشغف كان متوهج ايضًا بسوداوتاه، ثم قالت وهي تتحسس شاربه بتفحص طفولي: -اوعى تفكر تحلق شنبك او دقنك.
فاقترب يونس بوجهه منها ببطء، حتى أصبحت شفتاه على عتبة شفتاها يتلمسها دون أن يُقبلها فعليًا ببطء داعب مشاعرها الحارة الدفينة وأربكها، ثم اردف بخشونة رجولية ماكرة: -ليه؟! ده انا كنت فاكر إنها رخمة بالنسبالك عشان بتشوكك! فابتلعت ليال ريقها وهي تبتسم ببطء ثم اجابت بصوت مبحوح بين شفتاه حرفيًا وأنفاسهما متلاحمة: -تؤ تؤ، انا بحبها فطبع يونس قبلة خاطفة لاهبة على شفتاها ليهمس لها بعبث:.
-وهي كمان بتحبك يا روح الروح فابتسمت ليال باتساع ثم أشارت لأوراق عمله الموضوعة على المنضدة لتسأله بنبرة ذات مغزى محاولة الابتعاد عنه: -إيه يا حبيبي الشغل خلص ولا إيه؟! ما تروح تشوف شغلك مش مطنش امي من الصبح وبتشتغل! روح اشتغل فعقد يونس حاجباه مصطنعًا عدم الفهم وهو يُقربها منه مرة اخرى: -شغل! يعني إيه شغل؟ فضحكت ليال وبحركة مباغتة ركضت من بين احضانه وهي تردد له بخبث انثوي قاصدة إغاظته:.
-تيكير بقا يا بيبي عشان حمايا قاسم باشا حبيب قلبي وحشني! فكز يونس على أسنانه بغيظ وبتذمر راح يصيح: -يااااه على غدر البشر ياااه، وقد حسبتُ أني لا أهون ولكني قد هُنت يا لياااااال.
في غرفة بدر وأيسل... دخل بدر الغرفة حاملاً بيده صينية افطار لأيسل التي أعربت عن عدم قدرتها على النزول، فاقترب منها وهو يهتف بمرح وحنو: -أحلى صينية فطار لأحلى جنية في الدنيا فابتسمت أيسل بوهن، كم هي محظوظة به، بحنانه، واهتمامه وحبه الذي لا يتوقف عن إغداقها به في محاولة لأن تلتئم جروحها..! جلس جوارها يضع الصينية امامها لتهمس هي برقة: -شكرًا يا حبيبي فداعب بدر أنفها بإصبعه متمتمًا بحنان وحب:.
-العفوا يا عيون حبيبك بدأا كلاهما يتناولان طعامها وبعد قليل قطعت أيسل الصمت قائلة بجدية بها رياح غضب: -اللي قتلها لازم يتحبس، مستحيل هو يتهنى بحياته وهي خسرت حياتها وكمان هرب وسابها فأومأ بدر مؤكدًا برأسه: -كنت متأكد إنك هتقولي كده، أنا بس مستني الدنيا تهدى ولما البوليس هيحقق ساعتها تقوليلهم بقا اللي حصل وإن شاء الله هيتجازى، ربنا مابيحبش الظلم.
اومأت أيسل مؤكدة برأسها تستشف عقلانية حديثه ليقترب بدر منها مقبلاً قمة رأسها بعمق... إرتفع صوت رنين هاتف أيسل فأمسكت به هامسة بابتسامة حانية لبدر: -دي مامي! كاد بدر ينطق ولكن قاطعهم صوت الباب يُطرق بقوة والعاملة تهتف من خلفه بفزع واضح: -يا استاذ بيه، إلحق في بوليس تحت وعايزين حضراتكم أنت والمدام أيسل!
تجمد كلاهما للحظات والخدر قد إنتشر بكافة خلاياهما، ولكن اول من استطاع سحب عقله من سطو خدر الصدمة كان بدر الذي نهض مسرعًا ليركض نحو الأسفل مع العاملة تتبعه أيسل التي كانت لا تفقه شيء...
اجتمع كل مَن بالبيت فور حضور الشرطة، وعلى رأسهم قاسم الذي سأل الضابط في احترام: -خير يا حضرت الظابط في إيه؟ فرد الضابط بصوت أجش: -بدر وزوجته أيسل الرافعي مُتهمين بجريمة قتل رآن الصمت بين الجميع وقد حلت عليهم الصدمة كلعنة كتمت افواههم وسرقت حروفهم، فتقدم العساكر يُحيطون بأيسل وبدر ليصيح بدر مسرعًا: -قتل! قتل إيه مستحيل فتقدم يونس هو الآخر متدخلاً وبنبرة مضطربة:.
-اكيد في حاجة غلط يا حضرت الظابط، جريمة قتل مين؟ فأشار الضابط برأسه بتقزز نحو أيسل: -والدتها! وليال هي الاخرى كانت متجمدة مكانها مثل أيسل التي بدأت تهز رأسها نافية والدموع تتسابق لعيناها بخوف، وبالفعل اخذت عناصر الشرطة كلاً من أيسل وبدر وسط صدمة وجزع وتهليل منهم وبالطبع لحق بهم البقية على مديرية الشرطة...
بعد فترة... إنتهت أيسل من قص كل ما حدث على مسامع الضابط بنبرة طبعًا يتخللها البكاء الهيستيري الذي عاودها بمجرد تذكر ما حدث بالاضافة لكم الضغط النفسي الذي تعرضت له وهي مُتهمة رسميًا بمقتل والدتها...! زفر الضابط مفكرًا وهو يخبرهم بجدية: -أحنا هنستنى برضو تقرير الطب الشرعي يمكن يثبت برائتكم، لكن لو محصلش فـ انتوا للاسف كل حاجة ضدكم وبشهادة الشهود! فشهقت أيسل وهي تخبره بوهن:.
-انا مستحيل اقتلها، دي أمي هنقتلها ازاي بس وليه اصلاً وما إن أنهت حديثها صدح صوت الهاتف معلنًا وصول اتصال فأجاب الضابط بنبرة دبلوماسية: -الوووو ثم ضاقت عيناه وهو يُعير المتصل كافة تركيزه، ليقول بهدوء: -تمام تمام ثم أغلق الهاتف لينظر لكلاً من أيسل وبدر بابتسامة هادئة مُهنئًا: -ربنا بيحبكم! ليسأله قاسم ويونس في صوت واحد بتوجس: -خير ان شاء الله؟ ليرد الضابط بهدوء يخبرهم:.
-تقرير الطب الشرعي وبعد التحقيق، إتطابق بصمات زوج القتيلة على العقد اللي كانت لبساه تقريبًا هو مسكه من غير قصد اثناء الشد والجذب بينهم قبل الوفاة وخلاص هيتقبض عليه وهنعيد التحقيق معاه هو والشاب اللي معاه -واخيرًا.. قالها بدر وهو يُدلك جبهته بإرهاق نفسي مفرط، ليقترب من أيسل يُحيط كتفها بحنان وكأنه يخبرها أن النهاية قد صكت صكيكها...
وما إن انتهى كل شيء، أعلن التوتر إنتهاء حصاره الذي فرضه على كل خلية بهم، فيما اخذت أيسل نفسًا عميقًا وكأن الهواء وجد مأواه بين ضلوعها واخيرًا فظلت تهمس لنفسها بصوت منخفض باكي: -الحمدلله يارب الحمدلله فيما ربت يونس على كتف بدر داعمًا إياه وقد اُزيحت تلك الصخرة عن قلوبهم دون اي تضحية...
وعلى الطرف الآخر وبعد فترة... تم القبض على طه وذلك الشاب وسط صراخ طه الهلوع وهو يدرك أن كل خيوطه التي حاكها لتكون الشبكة التي تحبس أيسل، تسربت لتحيط به من كل جانب خانقة إياه وسط أنفاسه... فكان طه يردد بهيستيرية وهو يدرك دمار كل شيء وقيام الفساد المُبطن أسفل الحياة التي بناها على ذلك الفساد لتتدمر تلك الحياة بلحظة: -لا سيبوني، انا مش هتحبس، لا انا ماقتلتهاش بقولكم سيبوني.
بينما ذلك الشاب وحينما أدرك إنهيار تلك الخطة السريعة التي وضعتها مريم غافلة عن إرادة القدر وتدخله لوضع نقطة النهاية لصفحات حياة مُظلمة بسواد خطايا تلك الدنيا... لم يفكر كثيرًا بل لم يكن امامه حل سوى الاعتراف بما حدث لينجو، فتشبث مخالب العقاب أكثر بـ طه، ناهيك عن العقاب في دار الآخرة...
في منزل فيروز... وقفت فيروز أمام جمال بعصبية هوجاء تسأله ولا تقبل بالرفض جواب، وكأن كبريائها اللعين يرفض الخضوع لرغبة اخرى ربما تكون غبار عليه..! -يعني إيه كأنه مسمعش حاجة؟! انت قولتله إيه يا جمال وهو قالك إيه؟ فزفر جمال ومن ثم راح يخبرها بخشونة:.
-قولتله إن ليال اخدت من مامتك فلوس وإن مامتك عرضت عليها مبلغ كبير عشان توافق وفهمته من تحت لتحت إن ليال ممكن تتهور وتغلط تاني طالما اول غلطة غلطتها بدافع الحب فظلت فيروز تتنفس بصوت مسموع وهي تتحرك ذهابًا وإيابًا في الغرفة بغضب، اللعنة، لم تستطع هز حجر واحد حتى مما بنته تلك الساقطة ليال...! فسمعت بعدها صوت جمال الصلب يتشدق بـ:.
-أظن عملت المحاولة اللي انتي عايزاها عشان ترتاحي وتتأكدي إن خلاص يونس مش هيبعد عنها فزمجرت فيه فيروز بجنون وكأن تلك الكلمات التعويذة التي تُحضر شياطينها: -ملكش دعوة يا جمال، امشي يا جمال امشي خلاص انا مش محتاجة مساعدتك ارجع امريكا تاني فاقترب منها جمال يسألها رافعًا حاجبه الأيسر بحذر: -على أساس إنك هتحاولي تدينا فرصة؟! ولا إنتي كنتي بتعملي كده عشان أعمل اللي انتي عاوزاه وبس وانا أصلاً مش فارق معاكي؟
بملامح جامدة باردة خالية من توهج صغير لأي شعور ردت: -اعتبرها زي ما تعتبرها، بعد اذنك اتفضل عشان انا تعبانة وعايزه أرتاح.
فكز جمال على أسنانه بغضب، كان يشعر، يشعر أن فيروز التي يعرفها لن يُهمها مشاعره التي رصها اسفل اقدامها يتوسلها أن تنتشل تلك المشاعر لتسمح لها بإختراق ثقوب قلبها المُصنم، ولكن كما توقع داست على تلك المشاعر لتجعل منها مجرد معبر يصلها بما تريد تحقيقه في سبيل ذلك الكبرياء اللعين الذي بات يمقته فيها...!
فتذكر مقابلته الحاسمة مع يونس... كما توقع تمامًا بمجرد أن رآه يونس حتى إنقض عليه يمسكه من تلابيبه وهو يهزه بعنف صارخًا فيه بانفعال مفرط: -أنت كمان ليك عين تيجي لحد هنا يا زبالة يا يا بجاحتك يا شيخ حاول جمال تخليص نفسه من قبضة يونس التي كانت بمثابة حديد أسهم هو في تسخينه بلهب الخيانة حتى أحمّر وأصبح في أوج إشتعاله... فقال بعدها مسرعًا بنبرة متوترة:.
-اسمعني يا يونس انا كلمتين وماشي ومش هتشوف وشي تاني انا عارف إنك مستحيل تسامحني فدفعه يونس بعيدًا عنه بازدراء مؤكدًا: -كويس إنك عارف، وحتى الكلمتين بتوعك مايشرفنيش إني اسمعهم فتنهد جمال ما قال عمدًا ثم تابـع بجدية: -هعرفك كل اللي حصل يمكن أقدر أكفر عن غلطي في حقك مع إني عارف إنه مستحيل، مامة فيروز هي اللي خلتني انا وليال نعمل اللي عملناه، ادتني فلوس وسفرتني امريكا وادت ليال فلوس وساعدتها إنها تتجوزك.
تجمد يونس مكانه يحاول إستيعاب ما يقول، كيف لم يشك بـ حماته المصون، حماته التي كانت ثعبان تغير جلدها من الرفض والمقت للقبول الزائف الذي صدقه هو بكل بلاهه..! وليال، ليال أخذت اموال في المقابل؟!، اعتقد أنها فعلت ما فعلت لأجل عشقها فقط، ولكن الان يشعر أن كلمات جمال كالمطرقة التي أطاحت باعتقاده هذا...
خاصةً حينما اكمل جمال بكلمات قصدها مُبرر لنفسه ولكنها تسربت داخل عقل يونس لتُسربل بالشرور الانسانية التي يخشى أن تكون في ليال... -أنت عارف يا يونس إن الانسان لما يكون فعلاً محتاج فلوس وتتعرض عليه الشيطان مش بيسيبه في حاله! صمت برهه ثم أكمل بسرعة: -بس ليال بتحبك انا متأكد من ده، ونشوى عرفت تستغل الحب ده عشان تقنعها تمامًا! فضغط يونس على قبضة يده بغل وهو يهمس متوعدًا إياها:.
-وديني وما اعبد ما هسيبها في حالها، وزي ما لعبت بيا وبحياتي هدمرلها شغلها وأخليها تلف حوالين نفسها ومتعرفش تلحق نفسها ثم نظر لجمال تلك النظرة المُشمئزة وهو يسأله بنبرة غليظة: -خلصت الكلمتين بتوعك؟ اتفضل من غير مطرود فاستطرد جمال بسرعة، لا يدري أيفعل ذلك بدافع الانانية حتى يضمن أن فيروز له، ام يفعل ذلك حتى يُعيد ضميره الذي استفاق قليلاً فقط لحالة الخدر التي كان عليها:.
-فيروز لسه عايزه تبعد ليال عنك بأي طريقة عشان تنتقم لكبريائها اللي من وجهة نظرها ليال داست عليه وانتصرت عليها وخدتك منها فضيق يونس عيناه يسأله بشك: -انت بتعمل كده وبتعرفني ليه؟ فهز جمال كتفاه بلامبالاة مصطنعة: -تقدر تعتبره تأنيب ضمير! ثم استدار ليغادر متمتمًا بتنهيدة عميقة حملت في طياتها الكثير والكثير: -سلام يا يونس.
عاد جمال من شروده لينظر لفيروز قائلاً بنبرة صلبة أجشة: -انا اسبوع وهسافر امريكا تاني يا فيروز، فكري كويس اوي لو حابه تدي نفسك فرصة لبداية جديدة ثم استدار ليغادر ولكن حينما كان يغادر سمعوا صوت اصطدام عنيف على الأرض فركضت فيروز بفزع نحو الاعلى لتجد والدتها ساقطة ارضًا فاقدة الوعي فأصابها الهلع وهي ترفعها بمعاونة جمال ليضعوها على الفراش...
ثم إتصلت بالطبيب الخاص بهم، ليأتي بعد قليل وبعد الفحص تنهد وهو يخبرها بحروف فاح منها الاسف: -انا حذرت والدتك ونصحتها تسافر امريكا للعلاج لكن هي ماسمعتش كلامي رغم إني قولتلها التأخير مش في مصلحتها خالص فسألته فيروز مستنكرة بملامح مبهوتة: -حالة إيه يا دكتور؟ -والدتك مُصابة بكانسر في المخ، وافضل حل إنها تسافر تقضي فترة العلاج هناك.
حينها شعرت فيروز أن الدنيا تدور بها، وأنها أصبحت امام خيران الاختيار بينهما لعنة أصابتها ويبدو أنها لن تتخلص منها، فهي وببساطة إما تكمل انتقامها لكبريائها او تسافر مع والدتها لأجل العلاج لفترة يعلمها الله...!
عودة لمنزل قاسم البنداري... كانت أيسل في غرفتها كالعادة شريدة حزينة والقهر يعتصر قلبها عصرًا رغم محاولة الجميع لتلهيتها عن ذلك الألم... إنتبهت لهاتفها الذي أعلن وصول رسالة على الواتساب ففتحتها لتجد صورة لــ بدر بين ومريم بين أحضانه، وفي منزلهم! بدت أيسل كمن يبحث عن أي خلل او ثقب لتفرغ الغضب الذي تماوج داخلها كأعتى الامواج...!
فنهضت بسرعة ممسكة بالهاتف لتجد بدر يفتح الباب فوضعت الهاتف أمام عيناه تسأله وهي تكز على أسنانه بغضب مكبوت: -إيه دي؟ ده أنت؟ فأغمض بدر عيناه لاعنًا داخله مريم التي لا تكف عن تخريب كل شيء، خاصةً وهي تعلم جيدًا بوضع أيسل الحساس بعد وفاة والدتها الذي لم يفوت عليه ثلاث ايام حتى..! بينما أيسل راحت تضرب على صدره بجنون وهي تزمجر فيه: -كداب وخاين وهتفضل طول عمرك كده، طلقني، طلقني وروحلها انا تعبت منك!
رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر
كانت الغيرة كالنيران الهوجاء تصاعدت في جوف أيسل حتى وصلت لقمم عيناها فشاب بُنيتاها دخان الغضب وهي تزمجر فيه بجنون: -ساكت ليه؟ طبعًا لازم تسكت ما أنت خاين فأمسك بدر ذراعاها برفق يحاول مراعاة حالتها وهو يتمتم في هدوء وحنان: -طب اهدي يا حبيبتي وهفهمك كل حاجة لتصيح فيه أيسل بانفعال: -متقوليش يا حبيبتي، أنت تحضنها وجاي تقولي حبيبتي ثم ضربت ذراعه بغل متابعة وعيناها تهدر بالغضب:.
-ومتقوليش أهدي برضو! مبحبش البرود فزفر بدر وهو يرفع كتفاه معًا مغمغمًا يهاودها وكأنها طفلة علها تهدأ: -خلاص ماتهديش، ومش هقول يا حبيبتي، حلو كده؟ فهزت أيسل رأسها رافعة حاجبها الأيسر وراحت تردد بعناد طفولي وهي تزم شفتاها معًا: -والله؟ طب طلقني يا بدر فدلك بدر جبهته يستغفر بصوت منخفض مانعًا ضحكته من إعلان وجودها على حواف ثغره بصعوبة، ثم رفع رأسه ليهتف في جدية مصطنعة:.
-اسمعي اللي حصل وبطلي شغل الهرمونات ده! فنظرت أيسل للجهة المقابلة بترفع مصطنع عاقدة ذراعيها وكأنها لا تهتم بما سيقوله بينما داخلها يتلهف لمعرفة ما حدث مع تلك السحلية لتهدئ من سعير الغيرة التي يكوي احشائها...
بينما بدر تذكر ذلك اليوم السابق لليوم الذي سافر به هو وأيسل...
دلف الغرفة التي كانت تقطن بها مريم في القصر، ليجدها جالسة على الكرسي امام الشرفة تقضم أظافرها بغل ويبدو أنها تخطط لشيء جديد...! اقترب منها بدر ليتنحنح قائلاً بابتسامة هادئة: -إيه الاخبار يا مريم؟ فلوت مريم شفتاها ساخرة وقد استطاع بدر سماع فحيح الغيرة الذي توارى خلف تلك السخرية وهي تقول: -هو أنت فاضيلي، ساحب ست أيسل معاك في كل حتة ودلوقتي جاي تقولي إيه الاخبار!
فتنحنح بدر محاولاً إيجاد ثغرة يدخل من خلالها لها حتى لا تزداد الضغينة في قلبها تجاه أيسل: -فاضيلك طبعًا عيب عليكي، أنا بس بتصدف إن أيسل تطلب مني حاجة فباخدها بالمرة وبعدين انتي عارفة الاتفاق اللي بينا حينها استدارت له مريم بكل جسدها لتردف بنبرة مشحونة: -أنت شكلك نسيت اتفاقنا احنا يا بدر، السبب اللي جينا عشانه القصر ده اصلاً.
فهز بدر رأسه نافيًا ثم تجلى صوته الخشن الهادئ وهو يخبرها محاولاً المساس بالانسانة القابعة داخلها في نقطة مُظلمة تكاد تختفي: -لأ مانسيتش، بس للحظة فكرت إن يمكن اللي عملته مش مقصود، او حتى لو مقصود قولت لنفسي ليه مانسيبش حقك عند ربنا واكيد هو مُطلع على كل شيء وحقك هيرجعلك لكن احنا كده ممكن نأذي نفسنا يا مريم ونتورط في قضية تانية مثلاً.
حينها تفجرت بؤرة الحقد المتكورة داخلها لتتناثر شظاياها وسط حروفها في وجه بدر وهي تهدر فيه: -ليه أنا اللي اتأذي واتعذب وهي تعيش حياتها عادي جدًا والمفروض إني أنسى وأسامح وأسيب حقي عند ربنا؟! اللي زي دي مينفعش معاها كده! فاقترب بدر منها ممسكًا بيدها يربت عليها في حنان ثم استطرد بجدية: -ده عشانك انتي مش عشانها، يمكن لو عملتي كده وسامحتي ترتاحي يا مريم، صدقيني لو سامحتي هترتاحي.
فسحبت مريم يداها من يده بعصبية ملحوظة وكأن شبح الحقد داخلها تلبسها كليًا فلم يعد بمقدورها إعطاء حيز آخر لشيء غير الحقد، فقط الحقد..! ثم قالت مستنكرة: -أرتاح! أنا قولتلك إيه اللي هيريحني يا بدر بس أنت مش عايز راحتي أنا، أنت بتدور على راحة المحروسة بتاعتك فهز بدر رأسه نافيًا بسرعة، وبصدق ينبض في عيناه راح يخبرها:.
-لأ يا مريم، حتى لو زي ما بتقولي بس إنتي اللي من دمي ولحمي، أنا خايف عليكي، نهاية الكره ولعبة الانتقام دي مش هتبقى حلوة ابدًا فهزت مريم رأسها نافية وبابتسامة نبعت من ينبوع الحقد الذي تنوي إغراق أيسل فيه، ردت: -لأ يا بدر، نهايتها هتبقى راحتي انا وحقي انا اللي هيرجع ثم اقتربت منه بعينان تلونتا بدموع مُزيفة، لتهمس له بصوت مبحوح جذب الاستعطاف جذبًا من بين أعماق بدر:.
-أنت ماتتمناليش إن حياتي ترجع طبيعية تاني ولعبة الانتقام دي تنتهي؟ وحينم لم تسمع من بدر سوى تنهيدة عميقة وهو يهمس: -اكيد اتمنالك كده فاقتربت اكثر لتحتضنه لافة يداها حول ظهره بنعومة وهي تصطنع نبرة الصوت المكتومة باختناق وتغمغم: -انا تعبت يا بدر أنا نفسي ارتاح بقا ساعدني بقا طالما تتمنالي الراحة.
ولم ينتبه بدر لها حينها اخرجت الهاتف خلف ظهره لتلتقط لهم صورة سريعة ثم اعادت الهاتف لقبضة يدها، وحينما وجدته متصنم لا يفعل اي شيء ولا ينطق.. دققت النظر له وكأنه متأهبة لأي رفض وسألته: -لأخر مرة بسألك هتساعدني ولا لأ يا بدر؟ فتأفف بدر بصوت مسموع، كلما سار لها من سبيل ليجد راحتها دون تلطيخ بسواد الخطايا تسبقه هي لتضع حاجز فتمنعه..! فأردف بعدها لأخر مرة علها تكون المُنجية:.
-طب بصي، هنروح لدكتور مرة واحدة بس تفضفضي معاه، لو محستيش إن رأيك اتغير صدقيني هساعدك ساعتها حينها رداء الهدوء الذي كان يُحيط بمريم تمزق لتهفو فقاقيع الغضب المُشابه بالحقد وهي تزمجر فيه بانفعال مفرط: -قولتلك انا مش مجنونة ومش هروح لزفت، واصلاً انا مابقتش محتاجة مساعدتك في ستين داهية، انا هعرف أتصرف.
فأغمض بدر عيناه يلتقط أنفاسه علها تُطفئ من شعلة الغضب التي اُضرمت داخله، كان يحاول تأدية واجبه تجاه ابنة عمه، كان يحاول إنتشالها والتحليق بها في أفق بعيدة كل البعد عن الحقد والغضب، ولكنها وبكل غباء، تُصر على غمس نفسها في وحل الحقد أكثر..!
إنتبه لها حينما دفعته نحو الخارج وهي تصيح فيه بحدة: -أطلع برا يا بدر، برا مش طايقه اشوفك أنت بياع وبعتني ونسيت حقي عشانها فأومأ بدر برأسه وهو يتمتم محذرًا بنبرة لم تخلو من ذرات الغضب والحدة: -ماشي يا مريم براحتك، بس افتكري إني حذرتك إن نهاية الطريق ده وحشة وإن اللي هتعمليه هيتردلك دي دايرة وبتلف.
ثم خرج من الغرفة صافعًا الباب خلفه، وصدره مُهتاج بمشاعر عدة، كان مترأسها الغضب؛ الغضب من كل شيء، الغضب من عنادها في ذلك الانتقام اللعين، والغضب من القدر الذي دفعها للذة الانتقام التي تبحث عنها والتي لن تأتي إلا بعد تنهب روحها كقربان...!
عاد من شروده بعدما أنهى قص كل شيء حدث لأيسل التي كانت تستمع له بأذان صاغية، وما إن انتهى رفعت أيسل حاجبها وهي تقترب منه مرددة في شراسة: -ولو ولو، ليه تسيبها تحضنك!؟ فتنهد بدر وهو يحاول الشرح لها: -يا حبيبتي كانت صعبانة عليا، وبعدين مهما حصل هي بنت عمي، ولو كانت حست إني حتى مش طايق لمستها وأكيد بسببك، حقدها هيزيد اكتر واكتر، انا كان نفسي اقدر أثر عليها.
ثم تجلى صوته بخشونة وهو يخبرها بنبرة أكثر جدية وتفكير: -وعمومًا أنا بحاول أوصل لخالها وهحكيله كل حاجة وأكيد هو اللي هيقدر يجبرها تروح لدكتور وهيفضل معاها لأن مريم محتاجة حد يقومها من غير ما تحس إن له هدف من تقويمها ده! هزت أيسل رأسها وتفكيرها يؤيد ما يقول، ولكن الغيظ قد تضخم بين شرايينها، لتهز رأسها نافية بعناد وهي تقول من بين أسنانها:.
-ماشي كل ده تمام بس حتى لو بنت عمك برضو ده ميمنعش إنك خاين وسبتها تحضنك عادي، طلقنييي يا خاين فمط بدر شفتاه بيأس مصطنع وهو يسألها: -طالما انتي شايفة كده ومُصممة يا أيسل تمام فسألته أيسل بنصف عين متوجسة كالأطفال: -تمام إيه؟ هتطلقني؟
فأومأ بدر بأسف مصطنع، فلم تتمالك أيسل نفسها لترتعش شفتاها بوهن كالأطفال والدموع قد شقت قناع الشراسة لتتناثر من بينه لعيناها البُنية، ثم فجأة شهقت بالبكاء عاليًا ليقترب منها بدر مسرعًا يمسح دموعها وهو يسألها بذهول: -طب مالك دلوقتي بس؟ فتمتمت وهي تمسح دموعها بطرف ملابسها كالأطفال: -عشان انت عايز تطلقني فضرب بدر كفًا على كف ولم يستطع كتم ضحكته وهو يردف من بين ضحكاته:.
-لا اله الا الله، مش إنتي اللي عايزه كده ومصممة، طب ياستي خلاص مش هطلقك ابدًا ابدًا حتى لو انتي قولتي كده حينها أثبتت أيسل أنها مجنونة حينما نفضت يده عنها وهي تصيح بعصبية منافية للدموع العالقة برموشها: -لأ ماهو مش بمزاجك على فكره! فضربها بدر على خلفية رأسها بغيظ: -يلا يا مجنونة يا بنت المجانين.
فرمقته أيسل بنظرة متذمرة غاضبة حملت قسطًا لا بأس به من اللوم الذي جعل بدر يُراجع نفسه ليلومها على عدم الترفق بصغيرته التي لازالت تنزف اثر جرحها...
فاقترب منها ليلكزها بذراعه بخفة هامسًا: -طب خلاص ولكن أيسل لم تجيبه بل عقدت ذراعها وهي تشيح ببصرها عنه، ليقترب منها اكثر وهو يلكزها متابعًا بنبرة مشاكسة: -خلاص بقا، بعد كده لو قربت مني هديها بالبوكس في وشها متخافش يا وحش أحكمت أيسل الحصار على ابتسامتها التي كادت تخونها لتظهر، ولكنها لازالت غاضبة منه، فلم ترد عليه ايضًا ليهز ذراعها بإصرار وقد أدرك أن صغيرته تود التدلل عليه:.
-طب ردي عليا طيب قولي أي حاجة حينها نظرت له بغضب مصطنع وغمغمت: -على فكره اللي بيحضن واحدة غير مراته تحت أي مسمى بيبقى حقير، وأنت كده حقير! فإتسعت ابتسامة بدر العابثة وهو يتشدق بمرح قاصدًا مشاكستها: -ده انا حقير من الفرحة.
هذه المرة لم تسيطر أيسل على ضحكتها التي ارتسمت على شفتاها ليصل بدر لمبتغاه، ولكنها اقتربت منه بينما هو يعود للخلف بقلق مُصطنع، فجلس على الفراش لتميل أيسل عليه بجرأة اكثر حتى أصبحت تطل عليه بجسدها دون أن تمسه، ثم أمسكت وجهه بين يداها لتهمس بنبرة تملكية والغيرة تنضح منها: -أنت ملكي، وحضنك ده ملكي، مش مسموح لغيري تكون فيه ابدًا تحت أي ظرف!
لم ينكر بدر السعادة التي وجدت مأواها بين جوارحه، تعجبه جدًا تلك النبرة التملكية اللذيذة من جنيته التي أرهقت رجولته بتصرفاتها الجريئة تارة والمُتحفظة تارة اخرى...
وبحركة مباغتة عدل من وضعيتهم ليجذبها أسفله ويصبح هو مشرفًا عليها بجسده الرجولي العريض، حينها فرت تلك الجرأة ادراج الرياح، لتترك تلك الأنثى المُحرجة في مواجهة تيار العاطفة التي أشعلته جرأتها...! ليقترب بدر من وجهها غامزًا إياها بعبث: -طب إيه؟ فابتلعت أيسل ريقها بتوتر وتمتمت: -إيه؟! اقترب اكثر حتى لامست شفتاه أذنها بعمد وهو يهمس لها بخشونة رجولية داعبت الأنثى المترنحة أثر تلك المشاعر داخلها:.
-على فكره في حاجات تانية أهم ملكك برضو، ولازم تأكدي ملكيتك ليهم يوميًا أحسن يروحوا لحد غيرك فضيقت أيسل عيناها بعدم فهم ليهمس بدر بنفس الطريقة ونفس القُرب المُهلك له ولمشاعرها ايضًا: -مثلاً يعني البوسة، أصل شفايف البني ادم غدارة فلو كل يوم الصبح مأكدتيش ملكيتك ليهم ممكن تلاقيهم بيبوسوا أي طفلة ٢٣، ٢٤ سنة! فرفعت أيسل حاجبها الأيسل بحنق: -والله؟!
فتجاهل بدر اعتراضها الواهن ليقترب بشفتاه من شفتاها ببطء مُثير وخرج صوته عابث مُثخن بالعاطفة: -وفي حكمة كده بحب امشي حياتي بيها بتقول لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، واختصارًا لوقتي ووقتك اللي ملهمش اي تلاتين لازمة لازم ابدأ انا اول مرة عشان اسهلها عليكي!
كانت أيسل مُسبلة أهدابها ببلاهه تحاول إستيعاب ما يقوله، ورغم توترها إلا أنه وحينما يكون في ثوب العابث الماكر يجعلها في أوج شعور وردي لذيذ متخم بالعاطفة التي لم تعرف معناها يومًا سوى معه...
ودون أن ينتظر لحظة اخرى كانت شفتاه تلتحم بشفتاها في قبلة كانت الاكثر شغفًا، الاكثر حبًا، كانت ملحمة عاطفية لروح وجدت مسكنها وراحتها في كنف روح اخرى...!
لتتشبث أيسل بلياقة ملابسه وكأنها ستغرق، وحينما ابتعد هو بأنفاس عالية حارقة تنم عن إحتراق داخلي، إلتقطت هي أنفاسها الثائرة لتهمس قاصدة تعنيفه وإبعاده ولكن حروفها خرجت ناعمة واهنة بلتكؤ مُهلك: -بدر... ليغمض بدر عيناه مستمتعًا بمذاق حروف أسمه من بين شفتاها، هامسًا بلوعة حارة: -بتقولي اسمي في اوقات غلط بطريقة غلط اكتر وبتجرجري رجلي للرذيله وأنا بموت فيها!
حينها بدت أيسل كمن استفاق من تلك الغيبوبة العاطفية لتدفعه بعيدًا عنها وهي تضرجت وجنتاها بحمرة قانية من الخجل: -طب اوعى يا وقح ثم نهضت بسرعة لتركض مغادرة الغرفة تاركة إياه يضحك وهو يردد بمرح: -عيب والله عيب، ده انا لو شاقطك كنت هاخد بوسة بطريقة اسهل واسرع من كده!
بعد مرور اسبوعـان... كان كلاً من بدر ويونس جالسان في الصالون يشربـا الشاي في هدوء ويتبادلا أطراف الحديث، حينما هز بدر رأسه متمتمًا ليونس: -والله يا يونس أنا حاسس كده إني متقل عليكم أنا والمزغوده مراتي! ليرفع يونس حاجباه ويجيب بمشاكسة صبيانية: -حاسس مش متأكد؟! فاصطنع بدر الصدمة متسع الحدقتان يُردد: -إيه ده إيه ده إيه الوقاحة دي ليضحك يونس وهو يخبره بنفس المرح التلقائي بينهما:.
-مش عايز افاجئك بس انت خنقتني! ليربت بدر على فخذه بعنف مقصود وهو يستطرد بابتسامة سمجة: -أنا بقول كده برضو كلك زوق والله يابن عمي ثم هز رأسه وراح يردد بنبرة درامية قبل أن ينطق يونس: -لا لا متتحايلش عليا يا يونس لأ مش هنقعد اكتر مش هينفع، طب طالما أنت مُصمم خلاص هنقعد كام يوم تاني!
فتعالت ضحكاتهم سويًا ويونس يحتضنه بحب اخوي رابتًا على كتفه، ليميل يونس نحوه متشدقًا بحروف كانت مفتاح لضرب الحب الاخوي الكبير المشترك بين كلاهما: -والله يا بدر انتوا ماليين علينا البيت بدل الفراغ اللي كنا عايشين فيه، وبعدين ده انا مش بشوفك غير كل فين وفين يا راجل! فابتسم بدر بود وهو يمسك بالكوب الخاص به، ثم قطع الصمت بينهما حينما سأل يونس بتركيز مفكرًا:.
-بس أنت متأكد إن خالها هيقدر يسيب اشغاله ويرجع القاهرة عشان يبقى معاها يا بدر؟ تنهد بدر بقوة ثم اومأ برأسه وقال: -متأمل كده والله يا يونس، في واحد المفروض هيجبلي رقمه النهارده وهتصل بيه وأشوف رد فعله -ان شاء الله خير تمتم بها يونس قبل أن يصدح رنين هاتف بدر فأخرجه ليجيب بصوت أجش: -الووو السلام عليكم -وعليكم السلام، أنا جبتلك رقم الحاج عبد الرحمن اهوه فأشرق وجه بدر كالبدر بابتسامة أمل وهو يسأله في لهفة:.
-والله ما عارف أقولك إيه تعبتك معايا كتر الف خيرك، مليهوني بقا -ولا تعب ولا حاجة، بص اهوه دون بدر الرقم بلهفة كبيرة ومن ثم أغلق ذلك الاتصال لينظر ليونس قائلاً بابتسامة واسعة: -الحمدلله عرف يجيبلي الرقم، استنى هتصل دلوقتي بيه اومأ يونس برأسه موافقًا ثم نهض ليغادر بعد أن أخبره بهدوء: -طب انا هروح أشوف ليال عقبال ما أنت تكلمه وهرجعلك نشوف اللي حصل وبأذن الله خير والموضوع ده يخلص على خير -يارب.
تمتم بها بدر وهو يكتب ذلك الرقم ليتصل به ومع كل رنة تصدح مخترقة اذنيه كانت نبضة هادرة تفلت من بين زمامه بقلق، والأفكار التي زاحمت عقله تلتهمه التهامًا...!
أتاه صوت الحاج عبد الرحمن الرجولي الرخيم وهو يقول: -السلام عليكم، مين معايا؟ -وعليكم السلام، أنا بدر الجمّال ابن عم مريم بنت اختك يا حاج عبدالرحمن ازي حضرتك -الحمدلله بخير يا بدر، ازيك انت وازي مريم؟ -الحمدلله احنا كويسين صمت برهه ثم عاد يُكمل وهو يستعير كافة تركيزه ليوازن بين حروفه: -كان في مشكلة بس كنت محتاج مساعدة حضرتك فيها فسأله عبد الرحمن مستفسرًا: -مشكلة إيه ربنا ما يجيب مشاكل.
بدأ بدر يقص عليه كل شيء من البداية، منذ مَن كان سبب بشكل غير مباشر في دخول مريم السجن حتى محاولاتها ليومنا هذا... وكان الآخر يستمع له مذهولاً مصدومًا يحاول إستيعاب ما يقوله، لم يتوقع ابدًا أن تصل مريم لخط اللاعودة..! نعم كان يعلم بشكل ما أن مريم ليست هينة، ولكن أن يُصبح الحقد كقطعة بالية تُغلق عيناها عن أي شيء سواه، هذا ما لم يتوقعه ابدًا...! وحينما لم يسمع بدر اي رد على ما قاله، تنحنح يسأله بتوجس:.
-حضرتك معايا؟ فابتلع الاخر تلك الغصة المريرة بحلقه وهو يجيبه: -معاك يا بدر، أنا هاجي على طول يا بدر متقلقش وبأذنك يارب كل حاجة هتتصلح حينها تنفس بدر بصوت مسموع وهو يدرك أن أخيرًا ذلك العبء الثقيل قد سقط عن كاحليه ليعطه حريته دون تأنيب قاسي من ضميره..!
بينما في الأسفل في نفس الوقت، في احد أركان الحديقة المنعزل بشكل ما عن الرؤية... كانت أيسل تضحك وهي تضرب كفًا على كف على طفولية ليال الغير متناهية التي جعلت الجنايني يصنع لها أرجوحة في حديقة المنزل، إنتهت ليال من تثبيت الاسفنجة على الأرجوحة لتقفز جالسة عليها وهي تهتف بانشكاح طفولي وابتسامة حلوة: -اخيرًا، يلا زوقيني بقا يا أيسل -حاضر ياستي.
وقفت أيسل خلفها وبالفعل بدأت تدفعها برفق بينما ليال تُحرك قدماها موازية حركة الارجوحة، وتطلق ضحكات عالية سعيدة، سعيدة هي جدًا، تشعر أنها بين أحضان يونس تُجدد جلد طفولتها المشوهه بالقسوة لتخفي تلك الحروق الضارية أسفله، وإلى الأبد..!
ثم نهضت وهي تشير برأسها لأيسل: -يلا يا أيسل اقعدي وهزقك فهزت أيسل رأسها نافية بسرعة وبتوتر ردت بـ: -لأ بلاش افرضي حد جه وشافنا شكلنا هيبقى وحش اوي فهزت ليال كتفاها بلامبالاة: -فكك، اللي ليه عندنا فلوس يجي ياخدها!
عضت أيسل على شفتاها وهي تنقل أنظارها ما بين الأرجوحة وليال، لم تكن أيسل يومًا تلقائية متهورة تفعل ما يقفز لعقلها لحظيًا، بل كانت تحسب خطواتها دائمًا حتى إذا تقدمت خطوة لا تجد الجمر تحت اقدامها في الخطوة القادمة..!
بينما ليال شخصية شفافة، ما يقفز لعقلها يُترجم في تصرفاتها دون التعمق في التفكير، لا تفكر كثيرًا في الغد بل تحاول جاهدة في رسم اليوم بأفضل شكل فقط ليمر دون عناء...!
جلست أيسل بالفعل وهي تلملم خصلاتها الحمراء على جانب واحد، لتقف ليال خلفها تلك المرة وتبدأ في دفعها وهي تخبرها بابتسامة مرحة: -غمضي عينيكي بقا وسيبي نفسك خالص واستمتعي، هتحسي بشعور جميل اوي اومأت أيسل برأسها وقد بدأت تفعل ما تمليه عليها ليال، تستمتع بذلك الشعور دون أي تدخل للعقل، فقط تحسه وتعيشه...!
وبعد قليل نهضت أيسل لتعود ليال وتجلس مرة اخرى، ثم خرج صوتها هادئ يميل للألم الذي رن في نبرتها بخفاء: -تعرفي إني طول طفولتي تقريبًا وأنا نفسي أعمل مرجيحة في بيتنا، وكل ما اكون مضايقة او حاسه بملل أركبها فتنهدت أيسل بابتسامة خافتة ولم تجد ما تنطق به وقد أدركت مغزى الحرمان الذي عانت منه ليال، لتغير ليال مجرى الحديث بعدها: -لكن مقولتيليش يا أيسل، انتي ليكي صحاب في القاهرة؟
فهزت أيسل رأسها نافية ومن ثم أخبرتها بصدق: -لأ، أنا اصلاً شخصية انطوائية مش اجتماعية، فتقريبًا كده مليش صحاب بالمعنى الحرفي، ليا معارف بس، مامي بس هي اللي صحبتي ثم ابتسمت وهي تستكمل وقد أغدق الحب حروفها: -وانتي طبعًا، ربنا يعلم إني مش باخد على حد بسهولة ولا بحكيله عن حياتي بس انتي ارتاحتلك بسرعة لانك تدخلي القلب من غير استئذان فبادلتها ليال الابتسامة المُحبة وقالت:.
-شعور متبادل والله يا بيبي، ربنا يديم المحبة وحينما كانت ليال تتحدث وبالطبع ظهرها لأيسل، لم تنتبه ليونس الذي أتى على أطراف أصابعه مُشيرًا لأيسل بإصبعه كعلامة للصمت ويهمس لها مُحركًا شفتاه دون أن يخرج صوته: -متتكلميش اومأت أيسل مبتسمة ثم ابتعدت ليقف يونس مكانها ويدفع ليال، فغادرت أيسل وهي تراقبهم بابتسامة رائقة متمنية لهم دوام السعادة...
بينما هتفت ليال باستغراب وهي تدير وجهها قليلاً للخلف ولكن لم تلحق رؤية يونس: -سكتي ليه يا أيسل مالك؟! فأوقف يونس الأرجوحة ثم اقترب منها ببطء ليُحيط بها من الخلف ويداه قد عرفت طريقها لخصرها تحيط به بتملك، ثم همس جوار اذنها بنبرة رجولية أجشة: -أيسل مشيت، مايمشيش معاكي يونس؟! شهقت ليال بعنف من المفاجئة وبحركة مباغتة تحركت لتنزل من الأرجوحة بفزع فسقطت على الأرض وهي تغمغم بتذمر تكاد تبكي:.
-حسبي الله ونعم الوكيل، في إنسان يخض جوزته الانسانه كده؟! فضحك يونس وهو يقترب ليجلس على الارض خلفها، يعدل من وضعية حجابها ثم مال نحو وجنتها ليطبع قبلة عميقة عليها ويهمس غامزًا إياها بطرف عيناه: -مساء الزبادي يا مُعذب فؤادي مفتقدني ولا عادي؟! فنظرت له ليال شذرًا ليميل يونس نحوها مقتربًا منها وتعود هي للخلف بتلقائية، حتى داعب يونس أنفها بأنفه متمتمًا بنبرة صبيانية: -شكله عادي، قولي اه اه متتكسفيش.
فحاولت ليال دفعه بعيدًا عنها وهي تنهره بحرج وتلقي نظراتها يمينًا ويسارًا خشية رؤية اي شخص لهم: -يووونس، ممكن حد يجي اتلم! فاقترب يونس أكثر يميل بجسده نحوها حتى بدأت تشعر بجسده المتصلب ضد جسدها الغض يلتصق بها وهو يردف بعبث: -طب ما احنا في بيتنا وقولتلهم محدش هيجي اتلم ليييه بقا ما احنا في بيتنا لتصيح ليال مستنكرة بابتسامة لم تستطع قتلها: -أنت بقيت قليل الادب كده امتى؟
ليعدل يونس من لياقة قميصه وهو يخبرها بفخر وكأنها تمتدحه بشدة: -لأ منا في شوية حاجات كده مدكنها للحبايب فضحكت ليال ومن ثم وضعت يداها على صدره تحاول إبعاده وكادت تنطق ولكنه قاطعها حينما وضع إصبعه على شفتاها يمنعها من نطق المزيد، لتذوب عيناه وسط عسل عيناها اللامع المتوهج بعشقه وهو يهمس لها بخشونة: -وحشتيني يا بطتي، بقالي كام يوم مش عارف استفرد بيكي!
لم يبعد إصبعه عن شفتاها بل كان يتلمسها تلقائيًا بشغف بينما هي تنطق بنعومة مستسلمة لشوقها له: -وأنت وحشتني اوي اوي ثم رفعت إصبعها في وجهه تستطرد بحذر: -بس ده ميمنعش إن أنت لازم تبطل تحصر تفكيرك في الانحراف كده! ليدنو يونس بوجهه منها، حتى أصبح وجهه أمام وجهها مباشرةً، فهمس بصوت رجولي عابث: -يعني أنا انتي لوحدنا وثالثنا الشيطان وانتي قدامي مفيش سنتيمتر كده، عايزاني افكر في إيه غير الانحراف؟!
فضحكت ليال عاليًا ليسرح يونس في ضحكتها الرنانة التي لاقت صداها هدير عنيف بين ضلوعه، اصبح يشعر أن ضحكتها أصبحت تمثل له الدنيا بما فيها من ملاذ وحلاوة شعور...!
لينهض يونس ساحبًا إياها خلفه متوجهًا بها نحو غرفتهما حتى لا يثير فضيحة امام الجميع، بينما ليال تردد معترضة: -يا يونس! فاستدار يونس سريعًا يرمقها بنظرة مشتعلة بالمشاعر الحارة التي تجيش بصدره، ليردف بمكر خالطه العبث الرجولي: -يا روح يونس، بقولك إيه انا زهقت من يونس حاف دي، إيه رأيك نخليها أبو يزيد مثلاً؟! جميل ابو يزيد..
لتزداد ضحكات ليال والخجل بدأ يُداعب دواخلها من مغزى كلماته العابثة، ذلك الوقح الذي تعشقه..! وكم تتمنى أن يأتي ذلك اليوم الذي سيصبح فيه ابو يزيد...!
اليوم التالي... في الحارة التي تقطن بها مريم... توجهت نحو باب المنزل لتفتحه بسبب الطرقات القوية عليه، عاقدة ما بين حاجبيها بغضب وهي تصيح مستنكرة الطرق المتلاحق: -في إيه براحة يخربيت كده! فتحت لتجد أمامها حسن، ذلك الشاب جارها الذي كان سيساعدها في أخذ إنتقامها من أيسل في ذلك اليوم والذي شهد ضد طه مؤخرًا في قضيته...! فارتسم الضيق على ملامحها وهي تسأله باستنكار: -حسن! أنت بتعمل إيه هنا يا حسن؟
ودون مقدمات دلف حسن للداخل بعدما دفعها ليُغلق الباب خلفه، ثم نظر لها نظرات زائغة أشعرتها بوجود خطب ما فيه، لم تكن تدري أنه ليس في كامل وعيه بسبب تلك المخدرات التي يتناولها احيانًا... خاصة حينما نطق بنبرة غريبة وهو يتفحصها: -أنا لاقيتك مابترديش على تليفوناتي فقولت لازم اجي اشوف في إيه فهزت مريم رأسها نافية وبملامح متجهمة أجابته:.
-لأ مفيش، الحوار اللي كنت هتساعدني فيه وهتاخد القرشين خلص خلاص! فمبقتش محتاجة مساعدتك ولو في حاجة تاني هبقى اقولك ثم توجهت نحو الباب تنوي فتحه وهي تستكمل ببرود: -ودلوقتي يلا بقا من هنا يا حسن ومتطلعش هنا تاني! فصاح الاخر بضيق واضح: -أنتي بتطرديني يا مريم؟ افهم إيه من كلامك ده يعني!؟ فعقدت مريم ذراعاها معًا ثم قالت وهي تضغط على كل حرف قاصدة إياه:.
-يعني مش عايزه أشوفك تاني يا حسن، ومتشكرة ليك ياخويا على محاولتك ليشيح حسن بيداه بطريقة همجية ويزمجر فيها بجنون كان وقوده المخدرات التي اذهبت عقله: -ده إيه اصله ده، هو انا لعبة في ايدك! تعالى يا حسن امشي يا حسن، لااااا مش انا اللي ابقى لعبة في ايد مَره! ثم اقترب منها ببطء وعيناه تُمشط جسدها بطريقة مُقززة، حتى أصبح امامها مباشرةً فهمس لها بنبرة تفوح منها نواياه القذرة: -هو انتي كل ده مش واخده بالك!
فابتلعت مريم ريقها وهي تسأله بريبة: -واخده بالي من إيه؟! فجذبها له بحركة مباغتة يلصقها به وهو يتابع همسه المُريب: -إني عايزك أنت يا جميل كادت مريم تصرخ وهي تدفعه بعيدًا عنها ولكنه أحكم قبضته على فاهها وهو يهز رأسه نافيًا بهدوء غريب مرضي: -تؤ تؤ خلينا حلوين مع بعض عشان منزعلش من بعض!
فارتفع الادرنالين لدى مريم وهي تحاول التملص من بين يداه بهيستيرية خاصةً حينما رأت الإصرار ينضح من عيناه، ولكنها شعرت أنه ليس هناك مهرب، اصبح قلبها ينتفض في فزع مُهلك، هي كانت تشعر داخلها أن النهاية ستأتي لا محالة ولكن لم تتوقعها أن تأتي سريعًا وتكون عقاب لها ايضًا...!
رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر والأخير
بعد مرور ثلاث أسابيع... خرجت ليال من المرحاض تجفف وجهها بعد عودتها من الخارج، وتلك الابتسامة اللامعة تشرق ملامحها، حتى تلك اللحظة لا تصدق نتيجة التحليل التي أكدت أنها، حامل!
نبضة هادرة عنيفة سيطرت على كلها وهي تحيط بطنها بيدها، وذلك الشعور اللذيذ الرائع ينثر وهجه الساطع بين ثناياها، يا الهي، تحمل قطعة منه بين احشائها، قطعة ستصبح القفل المتين الذي سيُحيط قلبيهما ليحفظ تلك العلاقة بعيدًا عن صدئ الماضي...
توجهت نحو يونس الذي كان جالس ممسكًا باللابتوب الخاص به يعمل بتركيز، لتتنحنح وهي تجلس جواره مباشرةً متمتمة بصوت خافت: -يونس فهمهم وتركيزه مُسلط على ما يفعله، فأكملت ليال بغيظ لأنه حتى لم ينظر لها: -يونس ركز معايا شوية فرمى نظرة خاطفة نحوها وهو يعود ببصره لما يفعل وتمتم في هدوء: -ايوه معاكي اهوه يا حبيبتي فكزت ليال على أسنانها ثم انتشلت اللابتوب من بين يداه لتغلقه وهي تقول من بين أسنانها بحنق:.
-اهوووه اللي مش مخليك تركز معايا، ركز معايا بقا لو مفيهاش اساءة ادب فزفر يونس على مهل وهو يستدير نحوها يسألها برقة محاولاً امتصاص غيظها وغضبها: -معاكي يا حبيبتي، في إيه لكل ده؟! فنهضت ليال لتقف امامه مباشرةً، ثم وضعت كفها على بطنها تتحسسه ببطء وتلك البسمة المُثقلة بالمشاعر تعود لتستوطن ثغرها، ولكن سرعان ما مُحيت تلك الابتسامة حينما سمعت يونس يردد قاصدا مشاكستها:.
-إيه ده، كرش؟! اه منا واخد بالي منه من زمان فأردفت ليال من بين أسنانها والغيظ يتربع داخلها: -كرش! هو ده اللي لفت نظرك؟! ثم نظرت لبطنها وهي تتلمسها من جديد ليهز يونس رأسه يتابع وهو يضرب كفًا على كف بنبرة مشاغبة: -طب والله كرش، يابنتي لو عامله رچيم والمفروض أقولك الكرش راح نبهيني طيب! لتزمجر ليال فيه بانفعال وهي تحيط عنقه وكأنها على وشك قتله في التو: -لأ انت فاكرني رقيقة ده انا قتالة قتلة.
فضحك يونس وهو يتلقفها بين أحضانه مردفًا من وسط ضحكاته بنفس النبرة الشقية التي استفزتها: -اهدي بس يا حبيبتي، الكرش علامة من علامات الجمال برضو لتصرخ فيه ليال بحنق طفولي وهي على وشك البكاء: -أنا حامل، حامل يا أبو النباهه يا عديم الرومانسية والاحساس والمشاعر!
ليتجمد يونس مكانه وتلك الهالة العنيفة من المشاعر تضربه مرة واحدة ليشعر بها كصاعق كهربائي أصاب بؤرة جوارحه، هو راوده شك حينما تحسست بطنها ولكنه لم يتيقن، ولكن حينما تيقن، أحس أن كل ذرة به تصرخ كالبوق في احد الحروب لتهلل بفرحة معلنة أحد اهم سطوره في صفحة هذه الحياه...!
فنهض من الأريكة، ينظر نحو بطنها تارة ونحو وجهها تارة وهو يسألها وقسماته تصرخ عدم تصديق وسعادة هل طيفها على الأبواب: -انتي بتتكلمي جد؟! حامل حامل يعني؟ فأومأت ليال مؤكدة بحماس طفولي وابتسامة حلوة واسعة وهي ترى تلك اللمعة تضوي كالقمر في ليلة مُظلمة: -ايوه والله العظيم حامل وبعد ٨ شهور بالظبط هتبقى ابو يزيد.
ودون مقدمات كان يونس يحملها ليدور بها بسرعة بجنون، وضحكاتهما تتعالى لتنشر البهجة في ارجاء الغرفة لتعلن أن الفرح الذي كان يستوطن حياتهم، قد تم تتويجه عليها في تلك اللحظات...! ثم أنزلها يونس ارضًا لتقفز وهي تصفق صارخة بفرحة طفولية عارمة والسعادة والحماس قد وصلت اقصاها حد السماء: -هنغير يونس وهتبقى ابو يزيد واخيرًا! فأمسكها يونس بسرعة من كتفاها يُثبتها مكانها ثم حذرها بنبرة أجشة لم يخلو منها القلق:.
-بت! متعمليش زي الفرقعلوز كده واهدي دلوقتي يزيد بيه يونس باشا هنا قال اخر كلماته وهو يهبط على ركبتاه ليصبح وجهه امام بطنها مباشرةً، وتحركت يده المرتعشة لتحط على بطنها، هنا، حيث طفلهما، هنا بذرة السعادة التي غابت عن ارض واقعهما طويلاً، بدا وكأنه يتحسس تلك السعادة، يشعر برجفتها وكأنه تلمس احدى الشهب في السماء العالية... بينما ليال غمغمت مستنكرة بحنق:.
-انا زي الفرقعلوز يا يونس؟! من اولها بتسخر مني ومن مشاعري عشان ابنك؟ لينهض يونس مبتسمًا ثم أمسك يدها ليلثم باطنها بعمق جعل فراشات عاطفية تداعب احشاء ليال التي سرعان ما استكانت ملامحها خاصةً وهو يستطرد بصوت مبحوح من فرط العاطفة: -مقدرش يا بطتي، ربنا يعلم إن فرحتي عشان هو منك انتي!
فرفعت ليال يداها تحيط وجهه الأسمر وإبهامها يتحسس ذقنه النامية ببطء، بينما عيناها تأججت بتلك العاطفة التي استوطنت كل خلية بها لتحرقها بشغف ذلك الشعور، وهمست بنعومة تتوهج عشقًا وشغفًا: -متتصورش أنا ازاي كنت بحلم باليوم اللي فيه هتبقى حتة منك جوايا، مكنتش متخيلة لو كان أبوه حد غيرك كنت هبقى فرحانة ولا لأ!
كلماتها غذت ذلك الرجل البدائي المُتملك الغيور المُفعم بالعاطفة العنيفة داخله، لتقبض يده على خصرها تلقائيًا وهو يجذبها نحوه بقوة جعلتها تأن في خفوت ليصبح وجهها أمام وجهه مباشرةً، أنفاسه الهادرة العنيفة تلفح ملامحها البيضاء المتوردة ليقول من بين أسنانه بانفعال عاطفي وهو يضغط على خصرها اكثر دون أن يشعر:.
-مينفعش اصلاً تتخيلي مجرد تخيل إنه يبقى من راجل تاني، انتي ليا انا بس، في الواقع وفي الخيال انتي ليا انا بس، فاهمة؟ اومأت ليال مؤكدة متجاهلة الألم الطفيف في خصرها، فتلك النشوة التي تبعثر كيانها فرحة ما إن ترى غيرته تُنسيها اي شعور آخر... فيما جلس يونس ثم أجلسها على قدمه، ثم رفع يونس يده ليُحيط جانب وجهها واقترب بوجهه ليلثم وجنتها بقوة ثم ابتعد ليهمس بخشونة تماوجت بها تلك المشاعر الفياضة:.
-انتي نصيبي، نصيبي الجميل اللي كان متشال ليا بس انا بغبائي كنت ماسك في التقليد وسايب الجمال الأصلي اللي ربنا اختارهولي! ثم تحركت شفتاه تنوي لقاء شفتاها لتؤكد لها صدق تلك الحروف الشغوفة، وحينما اوشكت شفتاه على مس شفتاها سمعوا صوت قاسم يصدح عاليًا وهو ينادي يونس، لتنتفض ليال مبتعدة عنه تهمس بتوتر: -ده عمو قاسم.
فاستغفر يونس بصوت منخفض ووالده يقطع عليه اهم لحظاته التي يحترق شوقًا لها، ثم اخبرها بصوت اجش: -اه ماهو المفروض كان مستنيني انزله حينها عادت ليال خطوتان بعيدًا عنه وهي تقول مبتسمة برقة: -طب خلاص انزل شوفه واهو بالمرة تفرحه بالخبر اللي هو مستنيه فغمزها يونس بطرف عيناه مرددًا بعبث: -طب مفيش Kiss كده وانا نازل لتقرر ليال مشاكسته كما فعل بها وأغاظها، فهزت رأسها وهي تشير نحو الداخل بدلال فطري:.
-في كيس زبالة اسود جوه خده وأنت نازل! ليجذبها يونس له حتى أصبحت شبه ملتصقة به ثم قال ليخبرها بنبرة ماكرة شقية: -لا يا بطتي في فرق بين الاتنين، شكلك مش عارفه وأنا هعرفهملك عملي حالاً، الkiss دي اللي بتتخطف من الشفايف زي اللي هموت واخدها دي اما الكيس ده خليهولك وقت حوجة!
ولم ينتظر لحظة اخرى بل اقتحمت شفتاه شفتاها بلحظة لتروي شوووق شاهق حار، شفتاه تعزف على شفتاها لحن الفرحة الذي صدح بين ثناياه، ليُترجم تلك الفرحة بين شفتاها بشغف وتمهل ليحسها ببطء، وهي تذوب فعليًا من فرط حلاوة ذلك الشعور...
ابتعد يونس يلتقط أنفاسه الثائرة ككله، وليال لم تكن اقل حالاً بل كان صدرها مُختنق بالعاطفة فكانت تشاركه أنفاسه اللاهثة، لاحظت حينما هبط إصبع يونس يتلمس بشغف رقبتها وما بعدها عند كتفها حيث الرسمة بالحنة، والتي اكتشف أنها جميلة، جميلة حد الهلاك! ليسألها بصوت متهدج: -ها عرفتي الفرق ولا لأ؟ شكلك معرفتيش وهضطر اوريكي عملي تاني اصلي راجل بحب الإتقان اوي.
وكادت يقترب منها من جديد فهزت هي رأسها نافية وهي تبعد خطوة بتمنع مُدلل وتهمس: -يابو يزيد! فهز يونس رأسه مستمتعًا برنين تلك الكلمة على اذنيه، وبصوت متحشرج مُثخن بالعاطفة همس: -آآه منك ومن حبك، هتموتي أبو يزيد! فاتسعت ابتسامة ليال وهي تقترب منه لتدفن نفسها بين أحضانه مغمضة عيناها بارتياح وسعادة غامرة تستشعر دفء احضانه بينما هو يضمها له بقوة متمنيًا لو تظل دائمًا هكذا...
بعد اسبوع آخر... في الولايات المتحدة، تحديدًا في احدى المستشفيات...
وقفت فيروز امام غرفة العمليات تعض على أصابعها بتوتر رهيب، ويقف بجوارها جمال، جمال الذي لم يبتعد عنها تقريبًا منذ أن وصلوا ارض الولايات المتحدة، لم تجد هي مفر أمامها سوى طريق واحد اختاره لها القدر، علاج والدتها والفرصة التي يطمح لها جمال، وقد سنحت له الظروف ليكن لها الكتف الذي تستند عليه حينما تميل بها الدنيا، واليد التي ترفعها حينما يُسقطها اليأس، ظل هذان الشهران السابقان يتسلل داخلها ببطء حتى استطاع لدغ قلبها بمشاعره التي استنكرتها هي سابقًا...
نظرت فيروز نحوه تسأله بعيون تلألأت بها الدموع وكأنها تتوسل مواساته: -تفتكر هتبقى كويسة؟ اومأ جمال مؤكدًا برأسه ليعطيها ذلك الأمل الذي تود أن تراه محلقًا بعيناه: -هتبقى كويسة باذن الله متفقديش الأمل اومأت فيروز وهي تنظر نحو باب غرفة العمليات تهمس بصوت مبحوح برجاء: -يارب، يارب يارب، انا مليش غيرها يارب لو راحت انا ممكن يجرالي حاجة.
فشعرت بذراع جمال يُحيط كتفاها يُغدقها بذلك الشعور الداعم القوي وهو يخبرها هامسًا بصوت حاني بزغ منه بعض العتاب: -ملكيش غيرها؟ كل ده وملكيش غيرها يا فيروز؟! فهزت فيروز رأسها بتوتر تنفي: -مش قصدي يا جمال أنت عارف فأمسك جمال يدها ليلثمها بقوة، وعيناه غائمة تحكي مشاعر لاهبة وجدت فرصتها اخيرًا لتتجلى أمام عيناها على ارض الواقع: -أنا جمبك وهفضل جمبك دايمًا لتبتسم فيروز هامسة له بنبرة استوطنها الامتنان:.
-ربنا يخليك ليا! بادلها جمال نفس الابتسامة الدافئة، ليستدير يجلب الطعام الذي أحضره لها، ثم مد يده لها بالطعام يردد لها وكأنها طفلته التي يهتم بها: -يلا بقا كُلي عشان انتي ماكلتيش من الصبح فهزت فيروز رأسها نافية بملامح متجهمه ثم اخبرته بصدق: -مش حاسه اني هقدر اكل دلوقتي يا جمال، لما أتطمن على ماما الاول على الاقل فقال جمال بإصرار وحنان وهو يمسك يداها ليضع الطعام بينهما:.
-مينفعش، انتي كده بقالك ساعات طويلة وممكن يجيلك هبوط، ينفع مامتك لما تفوق وتقوم بالسلامه يعني تلاقيكي مدروخه ومش فايقه حتى عشان تفرحيلها! لم تستطع سوى أن ترضخ لإصراره الدافئ الجميل، إصراره الذي إنتزع قلبها نزعًا ليغمسه بمزيج من العاطفة التي يكنها لها والحنان المصحوب بالاهتمام، ليجعله خاضع تمامًا لتلك التميمة من العشق والحنان...!
وبعد فترة خرج الطبيب فتركت فيروز الطعام فورً لتركض نحوه تسأله بالانجليزية بقلق واضح: -هل هي بخير؟ فأومأ الاخر مؤكدًا بابتسامة بشوشة: -نعم، لقد نجحت العملية!
لم تشعر فيروز بنفسها حينما إرتمت بين أحضان جمال باكية تحمد الله، بينما جمال يضمها له بقوة مستشعرًا حلاوة الشعور بها بين أحضانه، بعد عذاب، بعد صبر طويل، بعد حرمان أهلكه يأتي العوض والفرصة في آنٍ واحد، عوض الصبر والعذاب وفرصة للتوبة، التوبة من خطايا طواها ضمن صفحة الماضي وقد كانت باسم ذلك العشق!
فكلنا خطاءون لطختنا مُغريات الدنيا بسوادها لتغوينا وتبعدنا عن نعيم الجنة لولا ذلك الستر من الله الذي يفصلنا عن عيون البشر المترصدة، وكلنا مرضى نفسيين، ولكن بدرجات! ولكن الناجي هو من يتمسك بشراع التوبة لينقذ نفسه من الغرق بين براثن أمواج الخطايا العاتية...
تعالت ضحكات أيسل بين أحضان والدتها فاطمة التي اغدقتها السعادة ما إن اخبرتها أيسل هامسة بأذنها أنها حامل، تضمها لها بحب كبير وهي تربت على خصلاتها الحمراء متشدقة من بين ابتسامتها الفرحة الغير مصدقة: -مبرووووك الف مبروك يا حبيبتي فتمتمت أيسل بوجه متورد استوطنته السعادة: -الله يبارك فيكي يا مامي فسألتها والدتها: -انتي قولتي لبدر ولا لسه؟!
فهزت أيسل رأسها نافية وهي تخبرها بهدوء ولازالت بقايا تلك الابتسامة عالقة بشفتاها: -لأ لسه مجاش من الشغل انتي عارفه إن الشغل متراكم عليه في الورشة بسبب سفرنا للصعيد فهزت فاطمة رأسها تمط شفتاها وهي تتابع بلوم: -منا قولتله يشتغل في الشركة يديرها هو وهتبقى أريح له كتير وأحسن لكن هو عنيد لترد أيسل بجدية فخورة بما هو عليه بدرها الحبيب:.
-هو مرتاح في شغله يا مامي وحاسس إنه لو اشتغل في الشركة بتاعتك ده هيمس كرامته، عايز يبقى مُستقل ويكبر من غير مساعدة من اي حد اومأت فاطمة برأسها موافقة بابتسامة حانية وكل يوم يزداد يقينها أنها لن تجد رجلاً كـ بدر لطفلتها، رجلاً يُعنفها ويقومها حينما تخطئ كطفلة، ويحتويها بحنانه حينما تحتاجه كمراهقة، ويروي انوثتها بشغفه وعشقه الحار الدفين كامرأته...! ربتت فاطمة على كتف أيسل تخبرها بحزم:.
-يلا طب قومي جهزي نفسك عشان تستقبلي جوزك وتفرحيه، ومتنسيش تقوليله إنكم مش هترجعوا شقتكم وهتفضلوا معايا هنا لحد ما تقومي بالسلامة فاقتربت ايسل منها لتطبع قبلة على وجنتها هامسة بسعادة وحب: -من عيوني يا احلى طمطم في الدنيا ثم ركضت نحو غرفتها بحماس وفرحة لا تستوعب حتى التو أن حياة اخرى اصبحت داخلها...!
وبالفعل بعد فترة كانت قد إنتهت من تصفيف خصلاتها الحمراء النارية وتعطرت ليفوح عطرها الذي يعشقه في الغرفة، ثم جلست على الفراش منتظرة خروجه من المرحاض بعد عودته من العمل... خرج بالفعل بعد دقائق ليلاحظ بدر السعادة التي أنارت طرقات وجهها بعد حزن غيم فوقها طويلاً، فسألها مستفسرًا: -في حاجة يا أيسل؟! فاتسعت ابتسامة أيسل وهي تنهض مقتربة منه لترفع إصبعان وتشير له بنبرة حملت حماسًا مشتعلاً أصابه فتيله:.
-في حاجتين مهمين اوي لازم تعرفهم فسألها بدر بابتسامة استمدها من ابتسامتها الواسعة: -إيه اول حاجة؟ فعضت أيسل على شفتاها، والحماس يغلي داخلها والفرحة تخالطه، فأمسكت أيسل كف يده الخشنة الكبيرة لتضعها على بطنها هامسة وهي تضغط على حروفها ببطء وكأنها تزرع داخله زرعًا تلك الحروف المعبئة بعبق السعادة: -انا حامل يا بدر للحظات لم يستوعب ما تقول، حامل، صغيرته تحمل طفله...!
كلما استوعب كلمة كلمة شعر أنه يرفرف بأجنحة السعادة في جنة النعيم، إلتوت تلك الابتسامة على فاهه بعدم استيعاب وهو يسألها: -قولتي إيه؟ فهمست أيسل مستمتعة بالصدمة البادية على وجهه: -قولت أنا حامل يا بدر وهتبقى بابا! فتحركت عينـا بدر بتلقائية نحو بطنها وكأنه يود منها التصديق على ما يسمعه، ليهمس مبتلعًا ريقه بتوتر وقد بدأت الابتسامة تتسرب لشفتاه: -يعني بعد كام شهر ممكن تجيبلنا جنية صغيرة؟!
فضحكت أيسل وهي تومئ مؤكدة برأسها ليهبط بدر وبحركة مباغتة يطبع قبلة طويلة عميقة على بطنها ثم ضمها له من خصرها ضاحكًا وطعم السعادة الحقيقية يُداعب جوفه لأول مرة بذلك الشعور الرائع... فأغمض عيناه يتوسل واقعه ألا يكون ذلك حلم سيغادره بعد قليل، وخرج صوته مُحتلاً بمشاعر شتى وهو يخبرها بصدق: -مش مصدق، مش مصدق إن حتة مني ومنك عايشة جواكي دلوقتي! فهبطت أيسل لمستواه لتمسك وجهه بين يداها مؤكدة له:.
-لأ صدق يا حبيبي فسألها بدر بابتسامة مشرقة وقد استل بساط الحماسة والفرحة: -والحاجة التانية؟ أمالت أيسل رأسها وكأنها تفكر، ثم أجابت بنبرة حاسمة متأهبه لرد فعله: -الحاجة التانية إني قررت أتحجب، بقالي كام يوم بقرأ عن الحجاب وقررت أتحجب، مينفعش يبقى ربنا بيكرمني وأنا حتى أقل حقوقه عليا مبعملهاش! إن ظن أنه سعيد فهو الان يطير من فرط السعادة، بكلمات بسيطة صغيرته منحته مأوى في الجنة يتظلل بنعيمها...
جذبها له بعنف يحتضنها بقوة متأوهًا في أعماقه من لذة المشاعر المُهلكة: -آآه يا جنيتي، لو تعرفي انتي خلتيني اسعد مخلوق في الدنيا دلوقتي مش عايز اي حاجة تاني من الدنيا! ثم أمسك بخصلاتها النارية التي يعشقها يتحسسها بشغف ثم دفن وجهه عند رقبتها سامحًا لرائحتها المُسكرة أن تنساب بين مسامه لتخدره بذلك الشعور اللذيذ، ليخرج صوته خشن بهمجية عاطفية وهو يردف:.
-ده أحسن قرار اخدتيه، شعرك ده مش من حق اي راجل غيري أنه يشوفه ويستمتع بمنظره، من حقي انا بس يا جنيتي! اومأت أيسل مؤكدة بعينين تلمع فرحة ورضا، فيما تسلطت عينـا بدر على شفتاها التي تعض عليها حينما تكون في أقصى درجات حماسها، لتتكاتل عليه العاطفة حتى أصبحت أنفاسه عالية ثقيلة، فاقترب مستسلمًا لذلك الطوفان العنيف من المشاعر، يود أن يصك شفتاها بمذاق النعيم الذي أحسه بكل جوارحه بفضلها...
وبالفعل حينما تقابلت الشفاه، رُفعت راية الاستسلام لتتعالى الأنفاس ويعم السكون وتنساق القلوب خلف شعاع قوي من العاطفة بزغ بين قلبيهما ليربطهما... وحينما شعرت أيسل بيداه تتسلل لها هزت رأسها نافية تخبره بمكر انثوي: -لأ يا بيبي الدكتورة قالت مينفعش! فصاح بدر بتذمر: -دكتورة إيه إيش عرفها هي ثم نظر نحو بطنها لاويًا شفتاه بترفع مصطنع: -متفهمنيش غلط، جنيتي الصغيرة هي اللي عايزه أبوها يبقى قريب منها!
فضحكت أيسل براحة لتسأله بعدها مفكره: -ليه بتقول هي، ما يمكن يكون ولد فهز بدر رأسه بعينان متوهجتان شغوفتان يخبرها: -لأ، بأذن الله هتجيبلنا جنيات صغيرة مش جنية واحدة كمان!
بعد شهور طويلة، في المستشفى.. عضت أيسل على شفتاها بتوتر وهي تستمع لصرخات ليال المتألمة من داخل غرفة العمليات، بينما بدر جوارها يراقبها وهي تسير ذهابًا وإيابًا في رواق المستشفى بتوتر رهيب ليضرب كف على كف بسخرية ضاحكًا: -والله ما عارف مين اللي بتولد انتي ولا هي! لتزمجر فيه أيسل بغيظ:.
-بس يا عديم الاحساس، مش شايفها عماله تصوت ازاي شكلها بتتألم اوي يا عيني، ويجي واحد براس كلب يقولك هي الست بتعمل إيه يعني! وحينما تخيلت أنها ستكون مكان ليال بعد شهر تقريبًا أحست بالفزع يفرض زمامه عليها لتهز رأسها نافية بخوف طفولي أضحك بدر: -يعني انا هحس باللي هي حاسه بيه دلوقتي؟! لا لأ مش عايزه اولد وحينما نظرت لبدر ووجدته يضحك ضربته بقبضتها الصغيرة وهي تغمغم بحنق:.
-على فكره أنت بني ادم مستفز امشي من قدامي فتلاعب بدر بحاجباه يشاكسها وهو ينظر نحو بطنها المتكورة: -زتونة بتتكلم انا اول مرة اشوف زتونة بتتكلم! لتضحك أيسل هذه المرة رغمًا عنها وقد نجح في أن ينتشلها من بقاع خوفها الفطري ولو لدقائق...
بينما في الداخل يقف يونس جوار ليال والقلق والخوف يفتك به وهو يرى الألم المحفور على ملامحها، وفي نفس الوقت يحمد الله أنهم كانوا في زيارة للقاهرة بعد أن أصرت ليال على زيارة المعز وجاء موعد ولادتها دون مقدمات ليسحبها نحو المستشفى بعدما اتصل ببدر...
إنتبه لها حينما اشتدت قبضتها على يده وهي تصرخ فيه قائلة: -هاتلي ابويا، انا عايزه ابويااا دلوقتي فهز يونس رأسه بتوتر: -هجيبه ازاي بس يا حبيبتي دلوقتي، تقومي بالسلامه وهبعت حد يجيبه حاضر لتهز ليال رأسها وتزمجر فيه بانفعال ووجه محمر: -لأ بقولك دلوقتيييي مش هولد الا اما يجي فداعب يونس خصلاته السوداء بيده يزفر بعمق قبل أن يتمتم بسرعة: -حاضر يا حبيبتي حاضر.
وبالفعل خرج يونس ليخبر بدر بعنوان حامد ويؤكد عليه ألا يأتي من دونه ويقنعه إن رفض بأي طريقة وبالطبع لم يتأخر بدر بل إنطلق على الفور...
وبعد فترة... وصل كلاً من حامد وبدر المستشفى، كان حامد يسير بملامح متجهمه كانت قناع يخفي به لهفته في رؤية ابنته وحفيده، رفض في البداية أن يأتي نعم وعقله يرفض رؤيتها مرة اخرى كما اقسم، ولكن تلك النغزة القاسية بالشوق لرؤيتها بعد حرمان طال وهو الذي عاش نصف عمره وهي جواره، و الشوق لرؤية حفيده ايضًا، لم يستطع السيطرة عليها لتفجر بؤرة الفطرة التي كان يكتمها...
وبمجرد وصوله هو وبدر سمعوا صوت بكاء الطفل معلنًا وصوله تلك الدنيا ليصبح الخيط الذي سيسد تلك الرقعة بين والدته وجده...!
خرج يونس يحمل طفله بين ذراعاه بفخر وحنان أبوي يغدقه لأول مرة وهو يردد لهم برأس شامخة: -يزيد يونس البنداري..! فتوالت عليه التهنئة من بدر وأيسل التي برقت عينيها وهي تراقب ذلك الصغير، ليتقدم يونس نحو حامد ودون كلمة كان يمد يده بالطفل نحوه وبعد لحظات تردد إلتقطه حامد بيدان مرتعشتان وقد هجم عليه ذلك الطوفان من المشاعر ليقتلع سواد الحقد من جذوره... ولم تكن تلك النهاية بل كانت مجرد بداية جديدة..! تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم