رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والعشرون
إقترب منهم جداً حتى أصبح على بُعد خطوات قليلة منهم، فكانت جملة شهد الخبيثة التي سمعها كأنهاء لمحاولة تدخل نفسي واهية لإنهاء عصبيته المفرطة: -خلاص روح أنت يا حزومه وأنا هابقى اتواصل معاك المرة الجاية اومأ الاخر بابتسامة بلهاء: -تمام جداً اتفقنا ما لبس أن انهى جملته حتى وجد من يمسكه من لياقة قميصه ويزمجر فيه بحدة مخيفة: -اتفقتوا على إيه ياخويا!؟
تربع الخوف على عرش قلبه وهو يشعر بقبضة عمر القوية، ولكنه جاهد لإظهار شجاعته وهو يحاول إبعاده مغمغمًا بغيظ: -إيه يا أخ هو حد بيمسك حد كدة؟! أنت لو قابض عليا موديني أمن الدولة مش هاتعمل كدة! رغمًا عنها إنفلتت ضحكات شهد على جملته، ليهمس لها بحنو صادق: -تدوم يا شوشو إتسعت عينا عمر مصدوماً وهو يسمع زوجته تُدلل من آخر!؟ ألهذه الدرجة أصبح وجوده في حياتها تماماً كعدمه...
إنحدرت علاقتهم لما بعد مرحلة الأعتبار فخسف بها رماد الارض! لم يتردد وهو يلكمه بقوة هاتفاً في حنق: -ودي بقا من جوز شوشو يا روح امك سارعت شهد تقف حائل بينهما قبل أن يكمل عمر ما بدأه وهي تقول بجدية: -اهدى يا عمر في إيه هو الواد عمل حاجة؟! صرخ فيها متعجباً: -نعم ياختي؟! لا ماعملش خالص، كان ناقص بس ياخدك بالحضن وساعتها يبقى عمل فعلًا! أبتسمت دون مرح لتردف بسماجة:.
-تصدق صح، وفيها إيه!؟ بس احنا ف حته عامة بقا لما نبقى لوحدنا وفجأة صرخ فيها بحدة جعلتها ترتعد: -خشي جووووة يا شهد، لحظة كمان لو لقيتك لسة هنا هطلع عينك إبتلعت ريقها بقلق ثم استدارت لتدلف ببطئ متعمد حتى تحرق اخر طرف للتماسك داخله كما يفعل هو دومًا! بينما أمسك عمر بالاخر يسألها بسخرية حادة: -ها بقا كنت بتقول إيه يا حبيبي؟ هز رأسه نافيًا بسرعة:.
-لا لا ده أنا كنت بقولها أنا هستأذن يا مدام شهد عشان جوز حضرتك لما ربنا يجيبه بالسلامة ضربه عمر ببعض اللين مزمجراً بخشونة: -اية ياروح امك هو حد قالك إني كنت بعمل حج وانا مش دريان؟ هز رأسه نافيًا بسرعة يحاول التملص من قبضته القوية: -لا لا، عن اذنك انا يا باشا انا لسة مادخلتش دنيا ثم ركض في ثوانٍ دون أن يعطيها فرصة للمزيد، فيما دلف عمر ل شهد التي وجدها تُراقب الموقف بعين الحظر..
وما إن تقدم منها حتى هتفت بحدة: -خليك عندك يا عمر ملكش دعوة بيا سألها بخشونة: -مين ده وكان بيعمل إيه هنا؟ ترددت في إخباره ولكنه لم يكن امراً إختياري فأجابت بهدوء جاد: -ده اخو واحدة بتاخد الكروشية اللي بعمله، بسلي نفسي بدل ماهموت من الوحدة كدة، وبعدين اهدى كدة ده يادوب 18 سنة يعني فرق شاسع بينا! برغم أنها نجحت قليلاً في تهدأة النيران المستعرة بقلبه، إلا أنه قال مستنكراً:.
-وهو يقف ويضحك معاكِ لييية إن شاء الله؟! ده من ضمن البيعة بردو؟ عقدت ذراعيها متمتمة ببرود ظاهري: -انا حره حاجة ماتخصكش ياريت تخليك ف حالك يعني! حاول تهدأة نفسه، ترويض ذاك النمر الذي خلقه عالم من ضغوطاته النفسية والقهرية... ليقول بجدية هادئة: -أنا مابقتش عارف ده اسمه اية، بس مش شايفه إنك المفروض خلاص بقا ولا اسبوع مابنشوفش بعض فيه يعتبر ولسة ماكتفتيش!؟ صرخت مستنكرة:.
-اسبوووع! اسبوع كفاية لما اعرف أن جوزي كان بيشتغل في المخدرات بعد ما ساب القتل.. كادت الحروف تندفع من بين ظلمة جوفيه للنور الحارق، ولكنها منعته وهي تتابع بجمود:.
-هتقول هما اجبروني ومضوني على اوراق وكنت مغصوب، هقولك وانا فين من كل ده يا عمر؟! أنا اية ف حياتك اللي كلها ألغاز دي! انا ولا حاجة ف حياتك يا عمر، انا مجرد آلة للخلفة ولحقوقك الزوجية وخدمة البيت بس! فابالتالي عمري ما هخليك حاجة ف حياتي يا عمر، طاقتي على الاستحمال خلصت... زفر بضيق حقيقي وهو يراها تغادر مسرعة للأعلى، ركض خلفها فأسرعت تركض لتغلق الباب قبل أن يمسكها.. طرق عمر الباب بعنف منادياً:.
-افتحي ام الباب يا شهد مش هاسيبك النهاردة سمع صوتها المختنق يُناجيه السكون اليعيد عن مرمى العين: -عمر ارجوك ماتضغطش عليا، انا فعلًا تعبانة قال بتعجب حاد: -كل ده وبضغط، منا بقالي اسبوع ماجتش جمبك، لكن كفاية كدة بقا كُتم صوتها كما كُتمت روحها أسفل رداء الجمود الرقيق! كم صعب عليها أن تنحرف علاقتهما نحو السكون من الطرفان، وحينها لن تُنتج حركة تشابكية بل نقطة وتنتهي تماماً...
ضرب الباب بقوة بقدميه قبل أن يغادر مرسلاً عاصفة الغضب خلفه... وكعادته هو يغادر وهي تبكي بعنف حتى تغط في سبات عميق!
مر الوقت وأسيل تبكي كما هي، تبكي الخسارة التي كانت تهددها منذ فترة بأنوارها الحمراء القاتلة ولكنها لم تُعيرها اي انتباه! تكاد تشعر أن الدنيا بأكملها تُعاندها وليس الحظ او القدر فقط.. كما لو أنها تسير نحو خط ما، والحياة بأكملها في الخط المعاكس تماماً! ولكنها لن تخبره، لن تضحي بأحتمالية خسارة ذاك الطفل قبل ان يولد، ابداً!
واخيراً سمعت صوت الباب يُفتح ببطئ، ليدلف جاسر الذي لم يختفي الغضب من بين ثنايا الروح ولكن طغى عليها لوناً اخر من الكسرة والألم! نظر لها شزرًا هاتفاً: -إنتِ إيه اللي مقعدك كدة!؟ إنكمشت في نفسها خوفاً على طفلها من ضرباته قبل أن يكون على نفسها.. هي تستحق ذاك العقاب وبجدارة، ولكن نطفة لم تعي النور ليس من العدل أن تنطفئ هكذا...! همست بصوت مبحوح وهي تهمس له: -جاسر أنت لازم تسمعني؟ صرخ فيها بحدة:.
-قولتلك مش طاااايقك مش طاايقك يابني ادمه افهمي عادت لبكاؤوها الحاد مرة اخرى يُلحن طعنات كلماته الغادرة! فزمجر هو فيها بعصبية يحاول التحكم فيها: -اسيل، قسماً بالله لو فضلتي ادامي كدة انا عارف إني مش هاسيبك الا اما اعمل فيكِ عاهة مستديمة! قومي... ولكن فجأة توقف يقول بجمود: -ولا اقولك، اشبعي بالبيت انا هغور في ستين داهية يمكن مارجعش اشرف لي! صارت ترجوه بهمس:.
-جاسر عشان خاطر أي حاجة حلوة، بلاش تمشي وتسبني، افهمني الاول طب لو سمحت لم يرد عليها وإنما استدار ليغادر مسرعاً نحو غرفته يعد.. وبالفعل خلال دقائق معدودة كان يخرج حاملاً حقيبته في يده، فأسرعت ترمي نفسها بحضنه مرددة بهيسترية: -انا حيوانة وكلبة وزبالة بس والله من ساعة ما حبيتك لا شوفتك ولا اعرف عنه حاجة، سامحني يا حبيبي تقوس فمه بابتسامة ساخرة قاسية وهو يبعدها عنه:.
-هشششش كفاية كذب بقا قرفت منك، وحتى لو كدة، إنتِ لو عندك ذرة احترام مش هتسمحي ل راجل تاني يقرب منك بالطريقة دي، بالطريقة اللي كنتي محرماها على جوزك، يا رخيصة! كاد يغادر مغلقاً الباب خلفه، ولكنها اوقفته ملقية بأخر كارت تملكه: -جاسر انا حامل، انا حامل ف ابنك! -هأ! بليه واشربي مايته، لا عايزه ولا عايز زبالة زيك ف حياتي! قالها وهو يغلق الباب مغادرًا دون كلمة اخرى...
دون كلمة اخرى تُرطب الشظايا التي تتحطم داخلها الان!
وصل كلاً من رضوى وعبدالرحمن وطفلتهم معهم بالطبع إلى عيادة الطبيب النفسي، نفس الطبيب الذي شكوا في امانته مع المريض! جاء دورهم ف دلفوا إلى الطبيب ليجدوا طبيبًا اخر، نظر له عبدالرحمن مضيقاً عينيه وهو يهمس: -مش هو ده! ابتسم الطبيب بهدوء مصطنع وهو يرحب بهم: -اتفضلوا الاول اقعدوا، إيه المشكلة؟ إندفع عبدالرحمن يخبره بحدة منفعلاً:.
-المشكلة إنكم نصابين، الدكتور صاحبك كنت مفروض بتعالج معاه من الشيزوفرينيا، والحالة ماكنتش بتظهر اعراضها، لكن فجأة لما ظهرت البنت اللي الشخصية التانية متعلقة بيها، تصرفاتي رجعت غريبة تاني! تنهد الطبيب بقوة وهو يقول بحزم ضائق:.
-اسمع يا استاذ عبدالرحمن، اللي قبلي كان المساعد بتاعي مكاني لحد ما ارجع من السفر، بس إكتشفت إن مش حضرتك بس ده اكتر من حالة كذب عليهم بخصوص إنتهاء العلاج عشان يكثف الفلوس ويقلل الوقت ضيق عبدالرحمن عيناه بعدم فهم، فبدأ يشرح له بخفوت:.
-بعض الحالات الشيزوفرينيا زي حضرتك كدة، بتكون متعلقة على سبيل المثال ب حبيبتك القديمة، اللي هي اثناء العلاج مش موجودة ف حياتك، هو قال إن كدة العلاج انتهى وماقالكش إن أنت عرضه لعودة المرض لو إختلطت بالبنت مرة تانية، وده نتيجة لعدم اكتمال فترة علاجك على اكمل وجه! صمت بره يستشف تعبيراتهم المطبوعة بطابع الصدمة من الجشع الذي اخذ وضعه في حياة البشر... ليكمل بنبرة اكثر اسفاً:.
-بعتذر لحضرتك وبأذن الله هنكمل العلاج سوا لو مكنش عندك مانع طبعًا وربنا يتم الشفا على خير نظر كلاً من رضوى و عبدالرحمن لبعضهم وكأن كلاً منهم يسأل الاخر... معًا نحو حياة جديدة، ببناء جديد ونواقي لازمة!؟ والأجابة كانت من عبدالرحمن الذي تنهد مجيباً بقوة للطبيب: -تمام يا دكتور..!
كان يدور حول نفسه هنا وهناك، بالكاد يصدق أنه بالفعل وقع في الفخ بين براثن قدرًا مسنونًا على أتم استعداد للقضاء عليه تماماً! هو الذي لم يتعرج ولو للحظة في سيره خطوات الضلال، الان هب النور، فكان إنتهاء عصر ظلمته وفساده... نظر للرجل الذي يجاوره يهتف فيه بحدة: -اتصرف يا طه، انا ماهخليش الشرطة تجبض عليّ ابداً هتف الاخر في حيرة:.
-ماعارفش هنعمل اية يا باشا! ده حتى السفر ماهنعرفوش نسافروا، زي ما تجول البوليس كان بيخطط من بدري عشان يجبضوا على البيج بوص! شعر بالأختناق يسيطر على خلاياه اكثر ف اكثر... بل شعر ان جميع فجواته اُغلقت فكانت الموت صاحبه الوحيد! اخرج هاتفه مسرعاً يتصل بشخصاً ما، فأجابه بعد دقيقة: -ايوة يا باشا -نفذ يا وِلد، نفذ النهاردة -متأكد يا ريس، دي بت اخوك برضك!؟ صرخ فيه بعنف:.
-آني كدة كدة هاتدمر خلاص، بس على الاجل هابجى نچحت إني انتجم لأبني الوحيد! -تحت امرك يا باشا اغلق الهاتف ليسقط من يده فجأة وهو يصرخ واضعاً يده على قلبه الذي يأن المًا من كثرة الضغوطات: -اااااه جلبي! وسقط صريعاً في مكانه! حتى في لحظات موته لم يسمح بالهزيمة أن تتخلل له، فأنهى نفسه بنفسه، او بمعنى اصح صُكت نهايته كما كان يتمنى دومًا!
صوت طلقات النيران هنا وهناك، عدد الهجوم اكثر من عساكر الدفاع التي تحيط منزل عمر! الموتى ملقون هنا وهناك بعشوائية مُرعبة، وشهد تركض مع عمر باكية على الامل الخروج من تلك المجزرة الهجومية بسلام! ولكن أعاق طريقهم طلقات النيران ليتفاداها عمر بصعوبة، إلتفت لشهد يصرخ فيها مسرعاً: -وطي بسرعة وادحرجي لحد بره واطلعي اجري فورا هزت رأسها نافية ببكاء حاد: -لا لا انا مش هاسيبك انت هتموت لوحدك دول كتير اوي.
كاد يصرخ فيها منفعلاً ولكن أصابه الذعر وهو يرى احدهم يحاول أن يُصيب هدفه وبالطبع هو شهد فأبعدها مسرعاً يرميها للجهة المقابلة، ليُرحب صدره بتلك الرصاصة فداءًا لتلك المعشوقة العنيدة..! فشق الصراع صوت صراخ شهد الهيستيري وهي تراه يسقط ارضاً مغمضاً عيناه ببطئ واهن: -لااااااااااااااااا عمممممممر!
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون والأخير
هبت من فراشها شاهقة تصرخ بصوت عالي، وكأن صرختها تلك حلقة الوصل بين الواقع الذي لأول مرة ينل الأستحسان عن عالم الأحلام والأوهام! بينما ركض عمر نحوها يربت على شعرها بحنان هامسًا بتساؤل قلق: -اهدي يا شهدي ده مجرد كابوس في إيه وكانت هي تضع يدها على صدرها تلهث بصوت عالي وكأنها تستجدي الهدوء.. إلى أن همست بشرود: -كان كابوس وحش اوي يا عمر سألها مستفسرًا بفضول: -حلمتي ب إيه بالظبط؟
هزت رأسها نافية، لتهمس مكملة بهدوء: -لا، الرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدث به الناس يعني طالما حلم وحش مش هحكيه خالص ابتسم عمر بحنان يملس على شعرها: -ماشي يا حبيبتي وبعد صمت دام لمدة دقيقة تجوب الروح بين مخاوفها الخالدة، لتسأله بجدية: -عمر هو احنا ممكن نروح أي حته؟ عقد ما بين حاجبيه بعدم فهم: -اي حته ازاي يعني مش فاهم؟
نهضت من الفراش ببطئ وهي تتابع مسرعة وكأنها تخشى فرار ذاك الوقت: -يعني قوم دلوقتي حالاً نروح ف أي حته، ان شاء الله نسافر البلد ونرجع فغر فاهه مندهشًا: -نعم! ازاي يعني، اولاً انا لسة بادئ شغلي الجديد ماقدرش اسافر، ثانيا القضية لسة ماتقفلتش لازم اكون هنا هزت رأسها نافية بأصرار: -عشان خاطري يا عمر أنا قلقانة مش عارفة لية! تنهد بقوة وهو ينهض: -لا يا شهد، ده وسواس من الشيطان مش اكتر، احنا مش هينفع نروح ف حته.
تأففت أكثر من مرة بغيظ لتسير تنوي المغادرة ولكن وجدت يده تسحبها له ببطئ حتى اصبحت متلاصقة به، لم يعطيها الفرصة فهمس: -لسة بردو زعلانة؟ كاذبة هي إن قالت لا، هناك فجوة داخل روحها لم تسد بعد، هناك ثقة كاد يُصيبها طوفان الحياة المُغرق! وهناك ايضاً نبضات هاربة من كتمان لدقات تتأرجح على ألحان عشقه... نظرت له وهي تهمس بخفوت: -عمر أنا محتاجة وقت كافي أحاول أنسى واتأقلم.
امسك وجهها بين يديه لتلفح عاصفة رمادية خفيفة مشاعرها المتحجرة، وتسير رعشة ساخنة بطول عامودها وهي تسمعه يخبرها بحرارة: -شهد صدقيني الأيام اللي فاتت كانت فترة مش هتتعاد ف حياتنا، كفاية، أنا محتاجك! أحتاجك ... كلمة لمست جوارحها المكشوفة بعمق مُخزي! سارت كالأدمان بين خلايا ترضخ للعقل فكانت نكسة لذاك الرضوخ! أبعدت يده ببطئ هامسة: -معلش يا عمر، سيبني لحد ما احس إني رجعت لطبيعتي وانا اللي هاجيلك بنفسي.
تنهد بضيق حقيقي ينظر لها بحروف صامتة تعجز عن الرفرفة بين سماء الواقع المزدحمة! ليسمعها تسأله بنبرة تحمل بعض السخرية: -بالمناسبة، طلقت حنان ياللي بتقول فترة ومش هتتكرر؟! وكأنها تصطاد النقطة الواهية بين دفاعاته فتصيبه فيها! إبتلع ريقه وهو يخبرها بهدوء جاد: -شهد احنا متفقين اول ماتخلص المدة هاطلقها، لكن ماينفعش أرجع ف كلامي مع الناس! صرخت فيه بحدة إنفلتت من أسر جمودها الظاهري:.
-خلاص ماتجيش جمبي ولا تكلمني طول ماهي على ذمتك يا عمر! تأفف بضيق وهو يراها تدلف للمرحاض، استدار ليغادر دون كلمة اخرى.. عله يترك لها المساحة للهدوء فيتضاءل ذاك العقاب، وكُلها أماني! لم تمر دقيقة حتى استدار ليلحظها تلف المنشفة حول جسدها وتتجه نحو الدولاب هامسه بضيق: -يخربيت الشامبو اللي دايما حارجني ده كادت تستدير ولكن فجأة وجدته امامها ابتسامته خبيثة متسعة، لتسأله ببلاهه: -اية في اية؟
اعاد هو نفس السؤال ولكن بقدمة خبيثة تُرتب لمَ يفكر به: -إيه يا حب عمري يعني انا راجل، وجوزك، وبعشقك، وإنتِ ادامي كدة ولسة بتسأليني!؟ نظرت ليداه التي كادت تقترب منها ببطئ فصرخت به بهيسترية مضحكة: -بقولك اية، ابعد عني بلا عشق بلا بتنجان ضحك بمرح على مظهرها، ليغمز لها بخبث: -لية بس يا حبيبتي ده أنا عايز امسي على البت لوزة حبيبة بابا هزت رأسها نافية وهي تركض نحو المرحاض مرددة:.
-وهي بتمسي عليك بس من بعيد يابو لوزة! لتسمع صوت ضحكاته الرجولية تتناثر بين الأجواء على تلك الطفلة العنيدة...!
بعد مرور ثلاثة اشهر... كانت أسيل تجلس متكورة بشكل الجنين في غرفتها تبكي كعادتها معظم وقتها.. اصبحت تمقت تلك الحياة وبقوة منذ أن غادرها رفيق الدرب والروح.. شهور مرت لم تره ولو صدفة! كيف مروا ولا متى، او حتى كيف لم يسه الشوق بالجنون فيأتي راكضاً لها!؟ ولكن ما تعرفه جيداً أنها كانت - ميتة - تحت مسمى الحياة الكاذبة...! ولا يجيب إتصالاتها وكأنه يثبت لها انه فعليًا لم يعد يرغبها في حياته !
ازدادت شهقاتها تأن بألم حقيقي، ألم رهيب إحتل جوارحها فلم تعد تشعر سوى به! وفجأة سمعت صوت الباب يُفتح، فنهضت مسرعة تركض له لتراه واخيرًا... وكأن النور طل على عمق سواد حياتها فجأة.. لم تتردد وهي تركض لترتمي بحضنه تتشبث به وكأنها تخشى فراره مرة اخرى... بينما هو في البداية كان جامد صلب، إلى أن لف يده حول خصرها ببطئ يضمها له، هوى الصمود صريع الاشتياق في تلك اللحظات!
بينما هي عَلى صوت شهقاتها وهي تضمه بقوة مرددة بصوت هيستيري: -انا اسفة، انا اسفة اوي بس ماتبعدش عني اكتر عشان خاطري لم يرد وإنما التزم الصمت، يكفيه بُعد ذاك الوقت.. هو تكفل بأقسى مهمة في حياته؛ تلائم جراحه منها، وطفو ذاك العشق على غضب مشاعره! دس رأسه عند رقبتها يملأ رئتيه بعبق رائحتها التي تسكر روحه ليهمس:.
-مش هبعد، مش هبعد عشان انا كمان تعبت من كتر التفكير والشوق، يمكن نعاني شوية عقبال ما انسى، لكن هنحاول ابتعدت قليلاً تنظر له بأنفها الحمراء توازي شفتاها من البكاء الذي عصف بها، لتتابع بحروف متقطعة: -أنا، بحبك اوووي والله ماحبيت حد زيك، وحبيته قبل ما يجي عشان منك أنت قالت كلمتها الاخيرة وهي تمسك بيده تضعها على بطنها برفق، ليتنهد هو مبتسمًا بحنان دفين وهو يخبرها مقتربًا ببطئ:.
-وانا اسعد واحد في الكون بيه، عشان إنتِ امه رمت نفسها في حضنه مرة اخرى تكمل بكاؤوها وكأنها اعتادت عليه فلا يتركها! فأبعدها قليلاً يمسك بوجهها بين يديه مردفًا بخبث: -هتفضلي تعيطي كدة كتير يعني؟ في حاجات اهم دلوقتي! شقت ابتسامة صغيرة ذاك العبوس الذي تفنن في إحاطة ملامحها، لتسأله بنبرة طفولية: -يعني أنت مصدقني ان من ساعة ما اعترفت اني بحبك مافكرتش في حد غيرك ولا هفكر؟ وصافي من ناحيتي خلاص!
تحسس وجنتاها بحنان مجيبًا: -مش هاكدب عليكِ واقول نسيت خالص لكن بتناسى، لاني لما فكرت عرفت إنه فعلًا كان ضمن الماضي ولو انه جرحني جدا التصرف ده! وبحاول اكون طبيعي رغم انه صعب، وجايز نتعرض لمواقف اكون فيها مش زي عادتي، بس لازم تستحمليني والزمن قادر يداوي اتسعت ابتسامتها وهي تردد في شجن: -أنت نعمة من ربنا هفضل احمده عليها طول منا عايشة.
طوقها بشدة ويداه تتسل لسحاب فستانها الخفيف، ليهمس بجوار اذنها باشتياق قاتل: -وحشتيني اووي على قد جرحي منك! قبلت رقبته بحركة مباغتة رقيقة لتبادله الهمس: -وانت وحشتني اكتر من كل حاجة واي حاجة لم يعطيها الفرصة اكثر فسحق رحيق شفتاها بقبلة عاصفة اهتز لها كيانها كله، فاقتربت منه اكثر تحيط رقبته بذراعيها، لتشعر بشفتاه تهبط لرقبتها تلثمها بعمق، حتى استمر لما بعدها وهو يزيل فستانها ببطئ مثير...
شعرت بالحرارة تتفجر في جسدها كله، ليحملها وهو يعانق شفتيها، يأكلهم بتمهل نهم مُشتاق كاسر! ليدلف الى الغرفة مغلقاً الباب بقدميه يغوص معها في رحلة جديدة من عشقهم المتيم رغم تحديات القدر...!
خرجت رضوى من المطبخ على صوت عبدالرحمن يصرخ بأسمها أن تأتي، لتسيى بخطوات شبه راكضة نحوه.. لتجده يمسك بطفلته ولكن يبعدها عن جسده وهو يقول بتقزز مرح: -الله يخربيت العيال على اللي عايزينها ضحكت بقوة على مظهره لتقترب منه مرددة بمشاكسة: -هي عملتها عليك؟ ده أنت كدة اتكسيت.
لوى شفتاه هامسًا بسخرية: -اتكسيت! ده كان يوم اسود يوم ما سبتيها معايا من غير بامبرز إتسعت ابتسامتها وهي تحمل ابنتها بحنان امومي فطري، تضمها لها بقوة، ليكمل عبدالرحمن بمرح: -اه وهي الجنة تحت رجليكي ببلاش يعني! ما إنتِ لازم يطلع عينك ضحكت بخفوت لتؤيده: -ايوة طبعا، بس ده انا مستنياها تكبر بفارغ الصبر احتضنها بحب يقربها منه...
لا يزال يتذكر تلك الأيام التي مرت عليهم يعيشون تحت مسمى الواجب ليس إلا، وكأنها هُدنه يحتاج كلاً منهم الى الانفراد فيها ليعيد حياته بالشكل الذي يرغبه!
وبالفعل نجحوا في بدأها من جديد، بطريقة جديدة وقوانين جديدة، ومشاعر جديدة تزداد داخلهم دون شظايا ماضي يُعيق تقدمهم للأمام!
كانت مها في غرفتها تتقافز بسعادة جنونية وهي تضع يدها على فاهها وكأنها مصدومة! تنتظر مجيئ احمد بفارغ الصبر، حتى فكرت كثيراً في الذهاب له، لتخبره بما جد في حياتهم.. بما سيعطيها نكهة اخرى بالتأكيد! واخيرًا سمعت صوت الباب فنظرت للمرآة بسرعة تتاكد من مظهرها الجيد.. شعرها المنظم وقميص النوم الذي ترتديه يتناسب بشدة مع جسدها...
وما إن فتح الباب حتى إتسعت ابتسامتها وهي تشعر بعيناه تغزوها من رأسها حتى اخمص قدميها.. تقدمت منه ببطئ ليهمس غامزاً لها: -هي الليلة عيد ولا إيه! اية الجمال ده احاطت رقبته بذراعيها، لتهمس لجوار اذنيه بدلال انوثي: -اصلي عندي ليك خبر بمليون جنية قبض على خصرها برفق يحيط بها ليسألها مستفسرًا: -خبر اية بقا؟ تنحنحت وهي تخبره بسعادة ظهر لونها وبوضوح على ملامحها لجوار حروفها التي وكأنها انعشت الحياة من جديد:.
-انا حااامل يا احمد! اتسعت حدقتاه وكأن الجملة صعقته بحق! لينظر في عينيها مرددًا ببلاهه: -بجد؟ اومأت مؤكدة بابتسامة واسعة: -ايوة والله انا اتأكدت.. لم يعطيها الفرصة لتكمل باقي جملتها فكان ينقض عليها يحملها مسرعاً وهو يدور بها بسعادة.. كما لو أنه الطفل الاول لهم؟! واخيرًا انزلها ولكن على الفراش لينزع قميصه مسرعًا وهو يغمز لها بخبث مقتربًا منها...
لتجف الاقلام وتُكتم الحروف، وتبقى المشاعر والعيون هم مصدرا الحياة؟!
في نفس اللحظات تم الإنتهاء للتو من عقد قرآن رودينا ليتم زواجها للمرة الثانية في حياتها.. ولكن تلك المرة لم يتم لمصالح مخبأة او رغبات مدفونة مؤقتاً! وإنما كان زواج عقلي، نعم لم يكن بسبب الحب بالطبع، ولكن إن فشلت هي في اول اختيار بسبب الحب والجشع.. فالعقل يبدي الصحيح بالتأكيد!
لم تدري كيف مر ذاك الوقت عليها، ولكنها لأول مرة كانت تتصرف بحكمة فتحتفظ بالجزء الاكبر من مرتبها القليل بالاضافة لبعض الاموال التي ترزق بها كفائض احيانًا... تلقت عقابها على اكمل وجه، حتى رأته هو، يعمل معها في نفس الفندق.. لم تبخل عليه بمعلومات عن حياتها السابقة وانفصالها عندما طلبها للزواج، وايضًا لم تتردد وهي تخبره بثقة متألمة انا مليش اهل، امي ماتت من شهرين زي ابويا تمام.
وهو تقبلها، بعيوبها قبل مميزاتها، وكأنه استطاع رؤية الانسانة بداخلها! لتدير لها الحياة الجزء الوردي منها ولو قليلاً!.
كان عمر يمسح على شعره عدة مرات وهو على باب المنزل... اللقاء الحتمي، ذاك اللقاء الذي كان يخشاه بعد كل ما حدث.. لأول مرة يتربص الخوف داخله، داخل كل خلية من خلاياه، يخشى أن تصبح نهاية المسار، فراق! تلك الكلمة التي لا يقدر على مجرد نطقها حتى، هالات عاشقة تحيط به لتهفو بالهرب، الهرب من ذاك اللقاء الذي تمثل له على هيئة وحش كاسر ضد العشق!
ينبض قلبه بعنف لوااام، يخرج عن مسار نبضاته العادية لتصبح دقاته تُسرع بهلع غير معتاد.. حسم الأمر وهو يجبر قدماه على الدلوف، ووصل امام غرفتها ببطئ مميت.. وما إن دلف ووجد الغرفة فارغة حتى إنقبض قلبه بقسوة.. ها هو سيخبرها انه طلق حنان كما تحب! ان جميع اتباع عمها فروا هاربين بمجرد ان علموا بوفاته..!
أسرع يبحث عنها حتى وجدها فجأةً تخرج من المرحاض ترتدي قميص للنوم قصير بالكاد يصل لفخذيها، يكشف بطريقة فاضحة جسدها... رفعت عيناها له ببطئ مثير، بطئ يتقصد البرود في حركته، فابتلع ريقه بصعوبة وقد وصله الرد على كل أفكاره! اقترب منها يهمس بأسمها: -شهدي! لم ترد عليه، وإنما كانت في حاجة كبيرة لحماية نفسها من الطوفان العارم ذاك الذي يجتاحها كلما نطق أسمها بتلك الطريقة...
فتحت عيناها فجأة لتجده قريب منها، قريب جدًا بطريقة مُهلكة لقلبها الذي تضغط عليه مرة بعد مرة، عادت للخلف سامحة لتلك المسافة بالدخول بينهم، ثم نظرت له بعدما استطاعت تكوين جبلاً من القتامة بين سطور عيناها، فهتفت بنبرة هادئة: -نعم؟! سارع بالأمساك بيدها التي زادت ارتجافتها ما إن لمسها ثم قال: -انا طلقت حنان، واعتقد ان إنتِ كمان صفيتي من ناحيتي؟ نبدا حياتنا من تاني بقا!
تقوس فاهها بابتسامة ساحرة، على تلك الثقة التي تجتاحه حتى الان نحوها، لتستدير له مقتربة و متابعة بحنو: -فعلاً، حاسه اني هديت كتير، وان عمر الطبيعي رجع لي لما قرب من ربنا وبقا مابيفوتش فرض تنهد وهو يلتف ممسكًا بكتفيها، نظراته تتكفل بمهمة اذابة قتامة عينيها البنية، ليهمس: -عشان حقيقي كنت بجاهد ل إني ابقى جدير بيكِ، جدير بحب عمري رفعت كتفيها تبادله الهمس بدلال: -ونجحت يا حبيبي!
أقترب اكثر منها، ليردف أمام شفتيها مباشرةً: -فاضل حاجة واحدة مانجحتش فيها لسة، وده عيب عليا اتسعت ابتسامتها لتقترب هي ولأول مرة تميل عليه لتقبله برقة تذيب الحجر... ليرفعها هو عن الارض يسير بها وهي ملتصقة به.. ليحاوطها والجدار خلفها، يشبعها تقبيلاً بنهم لا يزول ولا يقل حتى! بينما يداه تتحسس مفاتن جسدها برغبة كادت تحرق كلاهما... ليميل عليها هامسًا بأنفاس لاهثة: -بحبك!
لتحتضنها هي اكثر تدفن نفسها بحضنه مكملة بحرارة: -وانا بعشقك، بعشق استسلامك اللي محدش شافه ولا هيشوفه غيري وليا! تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم