رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر
وصل فهد احدى الشركات الكبرى... دلف إلى الشركة بخطى هادئة متزنة، لا ينسى فضل احد اصدقائه عليه عندما اخبره عن تلك الوظيفة... وكأنها طاقة إيجابية أخترقته بعد فترة ظلمة موحشة أهلكت روحه.. كقفزة طويلة مُرهقة إنتهت بالسقوط المؤلم..! إتجه الى الاستقبال يسأل الموظفة بنبرة هادئة: -لو سمحتي فين المكتب اللي بيكون فيه المقابلة بتاعت المتقدمين للوظايف هنا؟ اجابته بجدية:.
-الدور التامن المكتب التالت على اليمين، أركب الاسانسير اهو لو تحب اومأ لها موافقًا بهدوء: -متشكر جدًا وبالفعل إتجه نحو المصعد وهو يتنهد بقلق، وظيفة كهذه نسبة ل ماجيستير التجارة المُلقى في منزله تعد فرصة العمر...! ما إن دلف المصعد كاد يضغط على الزر ولكن فجأة وجد فتاة تدلف للمصعد بهدوء واُغلق المصعد... بمجرد أن رفعت عيناها له توقف العالم من حوله.. تمثلت أمنياته وآماله امامه الان...
بقعة سوداء عميقة اُزيلت من بين ثناياه في تلك اللحظات عندما رآها.. رأى من كان يحلم بها في غفوته ويقظته، رأى حبه الاول والاخير كلارا اقترب منها على الفور يمسك ذراعيها هامسًا بعدم تصديق: -كلارا! أنتِ هنا فعلًا يعني انا مش بحلم وهي الاخرى كانت مصدومة.. كان قلبها يضخ بعنف.. وتلك اللحظات تتكرر امامها باستمرار.. حاولت الاستعداد للمواجهة، حاولت رسم الثبات والصلابة... ولكن لا تأتي الضربة بهذه السرعة!
ضغطت على زر المصعد عدة مرات بتوتر ولكن أسرع يضغط على زر الطوارئ ليقف المصعد... شهقت هي تحاول ضبط أنفاسها ثم زمجرت فيه بحدة: -أنت ازاي توقفه! لو سمحت شغله دلوقتي أمسك وجهها بين يداه، وعيناه تغوص تحت شراسة عيناها، يسبر اغوارها المُغلغلة ببساطة هكذا! ليهمس بصوت مبحوح: -وحشتيني اوووي دقات قلبها اصبحت كصوت الطبول تدوي بعنف، فأسرعت تغلق عيناها بسرعة لتكسر تأثيره اللاسع عليها...!
حاولت إبعاده عنها وهي تردد بحنق: -وليك عين تقول وحشتيني؟ دا انت بجح أووي بصراحة أصبح يهزها بعنف وهو يصرخ بهيسترية: -ايوة وحشتيني، أنتِ متعرفيش اية اللي حصل فيا بعد ما سبتيني، أنتِ كسرتيني! أنا اقسم بالله اللي اغلى من اي حد كتبت عليها عشان رضا امي بس وكنت هتلكك وهطلقها وساعتها يبقى ليا حجة لكن مينفعش احرج امي قدام الناس واحسسها انها ملهاش لازمة ف حياتي! بس أنتِ ماصدقتي إنه حصل وعلى طول هربتي!
رفعت رأسها بشموخ، هدوء وإتزان ليسوا ظاهرتان بل هما مرحلة اساسية تخضع لطبيعتها: -انا ما هربتش، أنا اكتشفت إني ما ينفعش أبيع كرامتي عشان واحد! فكان لازم ابعد فترة قليلة على الاقل واحفظ كرامتي ودا لمصلحتي سألها بشراسة: -أنتِ كدا حفظتي كرامتك يعني؟ اومأت مؤكدة ببساطة ليقترب هو هامسًا بهسيس خطير: -وأنا كمان اللي هعمله دا لمصلحتي.
لم يعطها الفرصة فانقض على شفتاها يقبلها بعنف، يلتهم شفتاها بجوع ضاري وهي تحاول التملص من بين ذراعيه، ولكنهم كانا كالكماشتان تقبضان على خصرها وتضمها له.. مدت يدها تحاول دفعه عنها ولكنه كان يحيطها اكثر، يرفض ترك شفتاها التي كادت تتورم من هجومه.. الشوق والجوع خيوط متلازمة، إن سقطت بينها كبلتك كالسلاسل الحديدية! وهو كان كذلك مقيد بأسر شفتاها يأبى تركها..
ابتعد نوعًا ما يلتقط أنفاسه اللاهثة لتحاول هي الضغط على الزر ولكن يداه أفشلت مهمتها.. هبط بشفتاه لرقبتها يلثمها بعمق وعندها ازدادت قوتها في دفعه وهي تصرخ: -لا ابعد عني وبمجرد أن ارتد للخلف ضغطت على الزر بسرعة لينطلق المصعد مرة اخرى وقبل أن يعطي اي رد فعل كانت تخرج من المصعد لتُصدم ب مروان أمامها، ومن دون تفكير كانت تمسك يداه وهي تنظر لفهد مرددة بصوت لاهث: -الباشمهندس مروان خطيبي على فكرة!
ثم اسرعت من امامه فيما يشبه الركض قبل ان ينقض عليها...
دلفت كلارا إلى مكتبها لتغلقه خلفها على الفور قبل أن يلاحقها مروان بأسئلته عما حدث... وبعد دقيقة وجدت تالا تدلف بهدوء ضاحكة على مظهرها، ف تالا هي الطبيبة النفسية الخاصة بالشركة وصديقتها... فسألتها كلارا بغيظ: -بتضحكي على أية يا رخمة؟! رفعت كتفيها ترد ببراءة: -لا ابدا، أصلي شوفت مروان واقف برا مصدوم ومعرفش ماله وسألته مالك ماردش عليا فقولت اكيد أنتِ.
زفرت كلارا بعمق ثم بدأت تقص عليها ما حدث، لتشهق تالا مصدومة من جنونها: -يابنت المجنونة! ومروان سكت على الهبل دا؟ ردت بلامبالاة: -دا تلاقيه ماصدق اصلًا! تنحنحت تالا بجدية وهي تحدق بها مغمغمة بتساؤل: -طب بجد هتعملي معاه اية؟ اكيد مش هيسكت لانك لسه مراته! كانت كلارا تتنهد بعمق.. كلامه يتردد بأذنيها ك مفعلات زادت الطنين المؤذي داخلها...! لتتشدق بهدوء ناعم:.
-مش عارفة، أنا بحبه بس مش هينفع أرجعله بسهولة، لازم ادوخه السبع دوخات وبعدين ارجع! صفقت تالا بيدها بحماس صارخة بجنون: -ايوة بقااا شكلها هتولع وانا هجيب المطافي بنفسي! ثم نظرت في ساعة اليد خاصتها لتشهق متفاجئة: -يا خبر ابيض دا انا اتأخرت على المستشفى لازم اقوم دا يوم اجازة المرضى لازم انزلهم الجنينة أشارت لها كلارا بابتسامة هادئة: -اوكيه see you soon خلي بالك من نفسك.
اومأت تالا مسرعة وخرجت ركضًا لتبدأ تفكر في خطتها القادمة...
وصلت تالا الى مكتبها في المستشفى... تنهدت بأرهاق ثم بدأت تُغير ملابسها على عجالة... وفجأة فُتح الباب ليدلف عامل في المستشفى وهو يقول: -دكتورة ت... ولكن قاطعته تالا عندما صرخت فيه بفزع: -أنت مجنون اطلع برا! استدار يعطيها ظهره، ومظهرها وهي ترتدي تيشرت صغير دون اكمام يظهر ذراعيها البيضاويين ورقبتها المُغرية لم يطيرا من بين جوانحه... ليبتسم بخبث وهو يردد بندم مصطنع:.
-أسف يا دكتورة ما أعرفش إنك بتغيري هدومك هنا! تأففت بضيق وهي تنهي غلق ازرار البالطو، ثم هتفت بحنق: -في حاجة اسمها الاستئذان لو سمعت عنه قبل كدا! استدار الرجل وهو يقترب منها ببطء، لتبتلع ريقها بتوتر وهي تلحظ نظرته التي جعلت كالمُعراه امامه... وقبل ان يمد يده على جسدها وجدت من يدفع العامل بعنف بعيدًا عنها حتى صرخ متأوهًا، صُدمت تالا عند رؤية يوسف وهو يضرب الرجل بعنف مُخيف...
واخيرًا خرج صوتها مزمجرة بقلق: -خلاص يا يوسف سيبه كفاية وبالفعل تركه وهو يلهث بعنف ليركض العامل للخارج فأغمضت هي عيناها وهي تزفر بعمق... ثم سرعان ما قالت ليوسف بحدة: -ماكنش ينفع تتدخل بالهمجية دي، انا كنت هوقفه عند حده! أمسك ذراعها بعنف ثم أردف باشمئزاز: -اه كنتي حابه اللي هيحصل صح؟ صمت برهه يحدق بها قبل أن يقول بشرود: -اول مرة اقتنع إني ظلمت رودين فعلًا وإنها كانت بريئة فعلا بالنسبه لأفعالك ال.
دفعته تالا بعنف بعيدًا عنها، وصدرها يعلو ويهبط بتوتر.. لم تتعرض لأهانة مثيلة من قبل، الاهانة أحرقتها، لذلك قالت باندفاع حاد: -ملكش فيه، أنا حره، لما رودين كويسة اوي كدا قتلتها لية! فجأة وجدته يجذبها بقوة جعلتها تصطدم بصدره العريض وبصوته الخشن يرد: -لما تبقي مكانها هتعرفي!..
كانت تمارا في غرفتها اخيرًا بعد ان انتهت من اعداد الطعام ووضعته على النار بعد مُعاناة في المطبخ... لن تنسى ابدًا جملته التي همس بها عند اذنيها قبل قليل في المطبخ مش ناوية تقوليلي كنتي بتقتلي لية؟ عشان تسرقي صح؟ بعد ما بتقتليهم بتاخدي منهم اللي إنتِ عاوزاه! أنتفضت حينها مبتعدة عنه تهرول نحو الغرفة وهو تركها بإرادته...
جلست أنفاسها مختنقة لأبعد حد، وكأن عناصر سوداء مجهولة تتعاون لخنقها في تلك اللحظات..! أرتشعت تلقائيًا عندما دلف إلى الغرفة فأنكمشت كرد فعل تلقائي، قلبها ينبض بعنف وكيانها يرتجف متوسلًا الرحمة!.. اقترب منها ببطء كفهد سيفترس فريسته ولكن بأنياب تُعذبها بتمهل...! نظر لها من أعلاها إلى اسفلها، ليهمس بوقاحة مزدرئة: -اقلعي!
توسعت حدقتا عيناها، توقعت عقاب، توقعت صراخ، وتوقعت ايضًا إهانة، ولكن لم تتوقع جلد لروحها التي لطالما كانت في مخزون امن!.. نظرت له هامسة بصعوبة: -لا طبعًا أنت مجنون دنا منها ببساطة لتظهر ابتسامة مخيفة كانت كالزينة وسط عزاء اسود! ويردف: -الجنون لسه جاي ورا، إنتِ عارفه عادةً عقاب المجرمين بيبقى ازاي صح؟! الأعدام، بس انا مش هعدم جسمك، انا هعمل حاجة تانية لحد ما تعترفي بنفسك!
أغمضت عيناها بألم، لا تتخيل كونها مُعراه نفسيًا امامه، لذلك لم ولن تخضع له مهما كلفها الأمر!.. رفعت رأسها بشموخ هامسة: -اعمل اللي تقدر عليه، مايقدرش على الروح إلا خالقها لم تنل سوى سبة بذيئة وصراخ كالعويل المصدوم يردد ؛ -وهو أنتِ تعرفي ربنا! لم ينتظر لحظة أخرى فكان يجذب ذلك القميص الخفيف الذي يسترها ثم شقه بحركة خفيفة لتشهق صارخة.. نظر لها نظرة أحرقتها حية حرفيًا.. نظرة كعاهرة...
كحُثالة لا تستحق الشفقة! اقترب منها ببطء لتحاول هي تغطية ما ظهر من جسدها، اقترب من أذنيها حتى ظن أنه سيقبلها، لتجده يهمس بجمود قاسي: -عارفه، حظك إني مليش مزاج اقربلك أقربلك! أغمضت عيناها قهرًا... وفجأة شعرت بيداها تُقيد عند حافة الفراش فزمجرت مصعوقة: -أنت بتعمل أية؟! تقوس فاهه بابتسامة قاسية مُخيفة وهو يخبرها ببساطة قاتلة: -هاسيبك كدة زي ما أنتِ، يمكن في مرة تقدري تواجهي نفسك وتعترفي يا، يا مدام!
وبالطبع اصبح أصم عن سماع صرخاتها الحانقة بزمجرة حادة...!
رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر
بدأ الضيق يتغلغل لمسامها، والجنون يسيطر عليها، وعندما أصابها اليأس من تركه إياها، همست بصوت مبحوح: -خلاص طيب فكني وهقول وبالفعل من دون تردد كان يحرر يداها لتنهض مسرعة تضم قدماها لها ويخرج صوتها يكاد يسمع وهي تردد: -بدافع عن نفسي، وبنتقم منه ثم اصبحت تضربه بهيسترية على صدره والجنون يتملكها شيء فشيء... الألم اصبح متزايد، وكأنه قانون تسير عليه دقات قلبها! وصراخها نقض لذلك القانون القاسي وهي تكمل:.
-أية مش من حقي ادافع عن نفسي وانتقم منه زي ما آذاني! حاول تثبيت يدها برفق وهو يسألها بقلق حقيقي: -آذوكِ ازاي وامتى يا تمارا؟ تحولت عيناها للنظر للفراغ كأنما يحوي حقائق تقرها بصمت وقالت: -أذاني لما دبح ماما قدام عيني وكنت طفلة لسه مش قادرة ادافع عن نفسي ولا عنها، دبحها وهرب ولحد دلوقتي محدش قادر يمسكه، وانا برضه بدبحه وبهرب ومحدش هيقدر يمسكني ثم أصبحت تستطرد وكأنها تحدث نفسها بهيسترية:.
-طب هي اللي ترفض تبيع شرفها تستاهل الدبح رد عليا؟ -لا لا اكيد لا قالها وقد هز رأسه نافيًا بسرعة، وقلبه يتمزق لرؤيتها هكذا... لم يكن يتخيل أن حادثة موت والدتها ستُشكل لها هاجس نفسي!.. هاجس صعب عليها مهمة ترميم نفسها التي رُدمت بالحيا!.. ليضمها له بحنان، يحاول تعويضها بشتى الطرق عن الحنان المسروق من بين يداها..! استقرت رأسها على صدره لتسمعه يسألها مستفسرًا:.
-طب مافكرتيش تدردشي مع حد في الموضوع دا لية يا تمارا؟ ردت بفتور شارد: -جربت، حكيت لدكتورة تالا بس زهقت منها بتقعد تديني حِكم! زفر عز بعمق... روحه تصرخ بالأنتقام وكرامته تنزف لاستغلالها إياه ولكنه متجاهلًا نزيفها لأقسى حد...! نظر للفراغ بشرود ثم هتف بحزم: -طول ما إنتِ معايا مش هسمح لحد يكسرك تاني، وهبني الروح اللي ردمها الزمن!..
بعد مرور أسبوعان... إتجهت تالا إلى الحديقة في يوم الأجازة للمرضى تبحث عن يوسف بعيناها... لا تنكر إنشغالها القليل به، ولكنها تدفنه بتبرير واهي للعقل وكفى! نظرت للمرضة التي تمر ثم سألتها برقة: -هبه لو سمحتي ماشوفتيش المريض بتاعي؟ يوسف اومأت المدعوة ب هبه رأسها وهي تخبرها بجدية: -رفض ينزل مع باقي المرضى يا دكتورة وقعد في اوضته اومأت تالا موافقة بامتنان: -متشكرة ثم إتجهت لغرفته بهدوء...
طرقت باب الغرفة مرتان تقريبًا وعندما لم تجد مُجيب فتحت الباب ودلفت ببطء لتجده لم يتخل عن عادته في الجلوس امام الشرفة والطيران محلقًا وسط أفق اجنحة الخيال...! ما إن جلست جواره رأت أنفه تنزف وهو لا يعيرها إنتباه، فشهقت مرددة بقلق خفيف: -إيه دا مناخيرك بتنزف من إيه؟ لم يرد سوى بكلمة سخيفة: -ملكيش دعوة سبيني ف حالي..
تأففت من عناده اللامتناهي من وجهة نظرها ثم نهضت لتجلب علبة الاسعافات الاولية وتعود لتخرج -قطنة- وتبدأ تحاول وقف النزيف مؤقتًا... كانت مقتربة منه جدًا حتى كادت تلاصقه وهي تُطل عليه بهيئتها الجذابة التي تُسحرك بها بسحر ليس له ترياق... هتف بصوت بارد من المفترض أنها مشاكسة: -كدا لو حد دخل هيفكرنا بنبوس بعض على فكرة! ابتسمت وهي تتابع برقة منشغلة بما تفعله:.
-تؤ، محدش يقدر يقول حاجة لإن كلهم عارفين كويس إن محدش يقدر يعمل كدا وخصوصًا مريض موجود جذبها فجأة من ذراعها بعنف حتى اصطدم جبينها بجبينه واصبحت على بُعد سنتيمتر واحد منه، فقال وكأنه يُدخل الحروف بعقلها: -أنا مش مريض، أنا بقيت تمام! كانت هي كالمُخدرة من قربه... لا تدري أين الضبط النفسي الذي تعلمته..؟ أين الثبات والحدة!.. كان ينظر لشفتاها الصغيرة وهو يقول بشرود: -تحبي أثبتلك..؟
إنتفضت حينما لاحظت نظراته لتنهض مبتعدة وهي تقول بجدية مصطنعة: -بطل جنان، وخد اعمل لنفسك الدم دا! قالت اخر كلمة وهي تشير لعلبة الاسعافات الاولية... وقبل ان تستدير وتغادر كان هو يمسك يدها وبهدوء تام يردف: -بتهربي لية؟ عشان عارفه إني مش مجرد مريض وإنتِ الدكتورة صح!؟ والاجابة هنا ليست مُحددة، بل اجابة مفتوحة ومتعددة بدرجة مُخيفة!..
إتجهت كلارا نحو المكتب الذي يعمل به فهد منذ اسبوعان... وللحق هي من تسببت بقبوله في هذه الوظيفة ومعاملته بهذه الطريقة.. تعمدت تجاهله طيلة الاسبوعان الماضيان فلم يستطع التحدث معها على إنفراد ابدًا وهذا ما جعل فهد يغلي داخليًا... يموت توقًا لها ولا يطولها!.. كان باب المكتب ليس مغلقًا تمامًا فاستطاعت رؤية هند تقف امام فهد الذي يجلس مكانه ببرود ويقول لها: -ماكنش في داعي تيجي مكان شغلي خالص!
اقتربت منه حتى اصبحت امامه تمامًا تهتف بنبرة متحسرة: -مش عارفه اقعد معاك ربع ساعه على بعضها حتى! قولت مفيش حل إلا إني أجي هنا ثم كادت تحتضنه وهي تهمس بولع: -أنت وحشتني اوي لينتفض مبتعدًا عنها قبل أن تصل له، وبصوت حاد خشن قال: -قولتلك ماتحاوليش تقربي مني بأي شكل من الاشكال، انا بحب كلارا وندمان على اللي حصل.
وقبل أن تهتف بشيء اخر كانت كلارا تدلف متأرجحة في مشيتها المدللة وكأنها تلعب ببراعة على وتر حساس لدى كلاهما...! لتصل أمام فهد فتدنو منه لتقبل شفتاه بخفة متمتمة برقة: -وحشتني يا بيبي كان فهد متسع الحدقتان يحاول إستيعاب ما حدث للتو!.. ولكن شعر بالنيران تشتعل بجسده من قبلتها الخفيفة التي أظهرت ناره المتأججة...!
عاد بالكرسي للخلف ليجذبها بحركة مفاجأة جعلتها تشهق فجلست على قدماه، لينظر هو لهند مغمغمًا بصوت أجش: -روحي إنتِ يلا رفعت هند حاجبها الأيسر بغيظ، والحقد يتآكلها كفتيل لا يوقفه ثلج الرنين الذي دوى امامها بوضوح..! دبت بقدماها على الارض بغيظ مزمجرة: -ماشي يا فهد ماشي. بس والله ما هسكت وبالفعل غادرت كالأعصار... لازال يلف في مداره عدة مرات ثم مؤكد سينفجر في حينٍ ما!..
تنفست كلارا بعمق عندما صفعت هند الباب وغادرت تمامًا وما إن كادت تنهض وجدت من يمسك ذراعها هامسًا بصوت ملأته الرغبة والشوق الملتهبان: -على فين! هو دخول الحمام زي خروجه؟ وقبل أن تُعطي رد فعل كان شفتاهما يتعانقان عناق حار، ساحق وملتهب كأشتياقهما لبعضهما! كان يُقبلها بنهم يحاول التقليل من حدة جوعه اللانهائي لها...
ولكن بدت وكأنها محاولة فاشلة فازدادت سرعته وتلهفه وهو يقبلها يأبى ترك قطعتا العسل التي تكمن بين شفتاه...! تجرأت يداه يحاول فتح سحاب الفستان فحاولت هي الابتعاد هامسة بين شفتاه حرفيًا: -لأ مش هينفع، سبني يا فهد كانت شفتاه تتحسس شفتاها وهو ينطق بصوت أجش من فرط رغبته بها: -بعد فهد مستحيل اسيبك، مش النهاردة خالص! هبط بشفتاه يطبع علامات رقيقة على رقبتها وكتفها البيضاوان... ليعاود الهمس: -انا مشتاق، مشتاق اوي!
وهي مغمضة العينان تستمتع بسحر لحظاتهما..! يرتعش جسدها كلما شعرت بشفتاه التي تُفتح وتُغلق على رقبتها التي قاربت على الاحمرار... لينهض حاملًا اياها ويداه تعرف طريقها لفتح ذاك السحاب اللعين... حملها بذراع وأغلق الباب بالمفتاح بذراعه الاخر، ليضعها على الاريكة العريضة ثم بدأ يفتح ازرار قميصه بلهفة وهو يحدق بحالتها المضطربة التي اوصلها لها... ثم انضم لها لتشتعل ليلة اخرى من لياليهما مرة اخرى...
كان عز في مقر عمله... يجلس على كرسيه العريض يضع قدم فوق الاخرى ويشرد في السبب الذي تسبب بمعرفتهم أن تمارا القاتلة!..
فلاش باك#### كان يجلس نفس جلسته تلك باختلاف الوقت عندما دلف له صديقه المقرب كريم وهو متلهف يقول بعدم تصديق: -مش هتصدق اللي أنا شوفته يا عز ضيق عز ما بين حاجبيه بتعجب ثم سأله بجدية مستفسرًا ؛ -شوفت أية يا كريم؟ -استنى قالها كريم وهو يُخرج هاتفه من جيب بنطاله ثم فتحه على صورة ما ليمد يده لعز بالهاتف قائلًا بصوت أجش زحف له بعض التوتر من القادم: -خد شوف.
بدأ عز يتفحص الصورة التي كانت بها تمارا فاقدة الوعي، ليعاود النظر لكريم مرة اخرى هامسًا بعدم فهم: -اية المشكلة برضه؟ وانت لية صورت تمارت اصلًا لما أغمى عليها؟ تنهد كريم بعمق يحاول ترتيب حروفه ثم بدأ يتابع ب:.
-لو بصيت في الصورة كويس هتلاقي سلسلة كدا شكلها غريب شوية تمارا لابساها. العلامة الموجودة في السلسلة دي نفس العلامة اللي بنلاقيها على كل مجرم للقاتل دا، انا لاحظت إن تمارا كانت لسه جاية من برا وبعدها بيوم اكتشفنا الراجل بتاع كباريه ال اللي اتقتل وكان عليه العلامة، يعني تمارا مابتلبسش السلسلة دي الا لو رايحة تقتل حد، وبتقتلهم كلهم بنفس الطريقة، الدبح! بس طلعت زكية شوية وماسابتش ولا دليل، بس دايما بين الحقيقة والكذب شعرة خفيفة والشعره دي هي اللي كشفتها!
كان عز محدقًا به بوجه واجم... يعجز عن إخراج الحروف التي أصرت على محاربته والكتمان.. يرفض التصديق أنه عز الاسيوطي بجلاله وسلطانه كان مجرد لعبة في يد معشوقته!.. استفاق على جملة كريم المستفسرة بقلق ؛ -ها يا عز هتعمل أيية؟ اجابه بجمود أخاف كريم: -هعمل أية يعني؟ هقفل القضية ضد مجهول! باك###.
تنهد عز عدة مرات بضيق، لاول مرة يُضلل العدالة بمحض إرادته! ولكن إن كانت تلك العدالة ستقضي على حياته تمامًا، ف عذرًا لها!
كانت تمارا في غرفتها عندما رن جرس الباب فأعتقدت أنه عز عاد من عمله كعادته يوميًا... ولكن بمجرد أن فتحت الباب فوجئت برؤية ذلك الرجل الذي من المفترض أنه يعشقها منذ حين!.. حدقت به قليلًا تحاول إستجماع نفسها المشردة ثم قالت متأففة: -هو احنا مش هنخلص بقا؟ دفعها برفق ثم دلف وهو يقول بحنق عالي: -لا مش هنخلص. هو مش المفروض إن البيه خرج من حياتك نهائي؟ بيعمل إيه عندك تاني!
كان ينطق بأخر كلماته ممسكًا بذراعيها يهزها وهي مقربة منه كثيرًا... وقبل أن تنطق بحرف شهقت عندما رأت عز يدلف بخطى بطيئة تشبه خطوات فهد مُتنمر و...
رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر
إرتعدت تمارا حرفيًا من القادم، بدت رؤية ما سيحدث بالنسبة لها جمر ينتظر أن تسير عليه.. ابتلعت ريقها بتوتر شديد وهي تنظر لعز متمتمة بصوت مبحوح: -عز! اما المجهول بمجرد أن استدار ورأى عز تقلب وجهه بتوتر وهو يلعن الاغبياء الذين يعملون معه!.. سحب عز تمارا له بحركة مفاجئة تملكية ثم نظر لذاك الرجل شذرًا ثم هتف بنبرة ساخرة: -يااااه، جمال الدين المنصوري بنفسه شرفنا ف البيت؟!
شحب وجه جمال بشدة من معرفة عز هويته الحقيقية... شعر وكأنه في دوائر عميقة وطويلة، مظلمة ومخيفة بحيث تصبح اقسى عقاب لك!.. نظر له بتوتر لم يُخفى عن عز ثم أردف بنبرة حاول جعلها باردة برودة الثلج: -أنت تعرفني اصلًا؟ رفع عز حاجبه الايسر مغمغمًا بسرعة: -ومين مايعرفش جمال الدين بيه صاحب أكبر مصنع للسلاح في البلد! نظر جمال حوله بسرعة ثم كاد يسير للخارج وهو يقول بحروف تكاد تكون متقطعة من القلق:.
-طب انا لازم امشي ورايا مشوار ولكن فجأة ظهر أمامه رجال الشرطة ليعبئوا المنزل بالعساكر، واحد الضباط يهتف بخبث موجهًا حديثه له: - بالسرعة دي عايز الزيارة الحلوة تخلص يا جمال؟ دا احنا قعدتنا مع بعض مطولة يا راجل! عندها تقريبًا وصل جمال خط النهاية... خط الانهيار ومرحلة جديدة يصبح العقاب فيها هو العنوان الوحيد..! قطع افكاره ذلك الضابط عندما قال:.
-اكيد مستغرب ازاي رجالتك ماقالوش ليك إن في حد طالع! بس معلش هما مستنينك في البوكس عشان تتصافوا براحتكم، شوفت احنا كُرما اوي ازاي؟ إحتقن وجه جمال بالغيظ والغضب حتى كاد يصبح خريطة من عدة ألوان مختلفة وهو يستطرد مستنكرًا: -أنتوا مافيش بأديكم أي دليل ضدي، مش من حقكم تقبضوا عليا؟! بدأ الضابط يُقيد يداه -بالكلابش- ويجيب ببرود تام مُحرق للأعصاب ؛ -عيب عليك ودي حاجة تفوتنا برضه؟ ثم أشار للعساكر بجدية آمرة:.
-يلا خدوه على البوكس! تعالت صرخات جمال المستنكرة فزعًا ب أنا هاوديكوا ف ستين داهية ولكن بالطبع -الداهية- لم تأخذ الا سواه!.. نظر عز للضابط متمتمًا بارتياح: -بجد شكرًا ليك يا حضرت الظابط تعبتك معايا ابتسم الضابط وهو يربت على كتفه: -بالعكس احنا اللي لازم نشكرك، لولاك ماكناش هنعرف نكشف هويته الحقيقية ونقبض عليه! حياه عز بالابتسامة المحببة ليغادروا جميعًا...
حينها إلتفت لتمارا هامسًا بنبرة ضاحكة على مظهرها المصدوم: -إيه يا تمرتي الفيلم خلص خلاص!؟ استطاعت اخيرًا تحريك شفتاها لتخرج الحروف بصعوبة مرددة ببلاهه: -ازاي عملت كدا؟ أجابها ببساطة: -ابدًا ياستي. انا روحت لرسام ووصفتله شكل الشخص دا، ورحت القسم عشان أتحرى عنه اكتشفت إنه مجرم وعايش بهوية مختلفة وإنهم بيدوروا عليه بس هو بيغير إقامته كل فترة...
كل اللي عملته إني بعدت عن البيت شوية وكنت واثق إنه مسيره هيجيلك هنا عشان كدا ماقولتلكيش نرجع الڤيلا خالص! مع إن جدي حسن رجع من السفر ودوشني بيكِ أخذت تمارا دقائق تحاول إستيعاب الأمر، كان مظهرها مُغري وشفتاها منفرجتان وكأنها دعوة صريحة للتقبيل!.. ومحدقة باللاشيء.. فاقتطف عز قبلة صغيرة خفيفة يقتنص منها حرمانه في الأيام الماضية..! إتسعت حدقتا عيناها بشكل كوميدي وهي تهمس: -إيه اللي أنت عملته دا؟
اقترب منها نوعًا ما ليداعب أنفها بأنفه مرددًا بنبرة خطيرة: -كان شكلك حلو أوي وكل ما ألاقيكِ حلوة كدا هعمل اكتر من كدا همست امام شفتاه وكأنها تلحن اسمه: -عز! همهم مغمض العينين: -هو أنا قولتلك قبل كدا إني بحبك أوي؟ ونالت الاجابة المستحقة بالطبع، قبلة عميقة يلتهم فيها شفتاها المزمومة أمامه ليستطعم تلك الكلمة من بين شفتاها... وليخبرها بطريقته الخاصة أنه يحبها أكثر مما تكن هي له...
كانت يداه تغوص بين خصلاتها ليفردها ببطء ولم يقطع قبلته التي ازدادت تطلبًا وكأن في شفتاها شهد يخشى ضياعه إن أفلت شفتاها... فكان ينتقل ما بين شفتها السفلية مرة يلتهمها والعلوية اخرى، وهي لم تعترض هذه المرة بل كانت اكثر من مستجيبة! رفعت يدها ببطء تفتح ازرار قميصه لتزداد قبلته عمقًا وتتحول لعدة قبلات مجنونة متلهفة على كتفها وما بعده... شعرت بالهواء يلفح جسدها عندما أزاح عنها ملابسها ببساطة مسرعة...
لتلف يداها حول عنقه ولم ينتظر أكثر فرفعها مستمرًا فيما يفعله يشبعها تقبيلًا عله يشبع جوعه لها...!
بعد مرور أسبوع آخر... كان يوسف في غرفته، الافكار تدور في عقله من هنا لهناك بلا كلل او ملل! يخشى الاعتراف لنفسه بأمرًا ليس من حقه... بشيء حُرم عليه يوم قتل تلك المسكينة رودين... قانون حياته أصبح لا يتضمن ما يسمى الحب لذلك لا يمكنه أن يعترف ببساطة هكذا أنه وقع في حب تالا!.. أسرته بعيناها كغريق بين بحورها.. وكان هو اول من تأثر بأسحارها... فظل يندب نادمًا يقول يا ليتها ويا ليتها..
هو لا يستحق العيش كفرد طبيعي بعد فعلته الشنيعة مع رودين الموت أهون بمراحل من العذاب النفسي الذي سيتلقاه إن فعل... وعلى ذكر سيرة الموت كان ينظر للأدوية خاصته.. لينهض ببطء متجهًا لها، ومن دون تفكير كان يفتح ذلك الدواء ليضعه في فمه ويبتلع العلبة كلها... لتمر الدقائق ويسقط هو على الارض! غارقًا بين ذنوبه... وربما في طريقه للموت!
في الشركة التي تعمل بها تالا... كانت تالا تسير مع كلارا متجهين نحو المصعد... وتالا تتنهد بضيق كل دقيقة مرددة من بين أعماق حيرتها: -مش عارفه افسر مشاعري ناحيته يا كلارا، احيانًا احس اني مضايقة منه بسبب اللي عمله ف رودين، واحيانًا أحس إني معجبة بيه جدًا جدًا من غير سبب! ضربت كلارا كف على كف وهي تبتسم هاتفة بجنون: -يبقى وقعتي وماحدش سَمى عليكِ يا حلووووة،!
شهقت تالا مصدومة، وكأنها استوعبت للتو ما المسمى التي تحمله تلك المشاعر!.. أيمكن أن تكون أحبت يوسف بالفعل؟! لا تدري... بالتأكيد ليس الحب في مراحله العميقة، ولكن إن تركت للقلب حريته سيتعمق في ذلك العشق الذي بدأ للتو...! فُتح المصعد ليظهر فهد الذي حيا كلاهما بابتسامة هادئة، فأسرعت تالا تقول بخبث ؛ -طب معلش يا كلارا انا هرجع المكتب لازم اجيب حاجة نسيتها! وبالفعل ركضت مسرعة دون أن تنتظر ردها...
تأففت كلارا وهي تدلف للمصعد، وتوترت أكثر حينما ضغط فهد على زر الطوارئ ليتوقف المصعد بهم... فحاوطها بين ذراعيه يقول بيأس مُضحك: -هو العقاب لسه ماخلصش حرام عليكِ أنا بشوفك صدفة وحتى مش عايزة ترجعي معايا بيتك! ضمت يداها معًا لتتشدق بوجه متصلب ب: -أنت غلطت إتحمل نتيجة غلطتك حاول الإلتصاق بها وصوته كأعزوفة عابثة تليق به: -طب ما أتحملها وأنت جمبي يا جميل.
حاولت قتل ضحكتها قبل أن تظهر على ذِكر ما حدث في ذلك اليوم... ثم قالت بعبوس مصطنع: -لا ماهي كدا مش هتبقى عقاب خالص! دفن رأسه عند عنقها يغرق بين رحيق عطرها الذي يفقده قدرته على الحديث... يلثم عنقها بعمق ثم يردف بعد فترة من الصمت: -طب في حاجة يمكن تخليكِ تحني عليا شوية ضيقت عيناها بترقب ليُخرج من جيب بنطاله ورقة ما ثم فتحها امام عينا كلارا التي شهقت بعدم تصديق ؛ -طلقتها؟ طلقت هند بجد!
اومأ مؤكدًا وهو يرى الارتياح يتربع محتلًا فيروزاتها كعنوانًا لعهد نصرها هي... لتحتضنه بسرعة مرددة بفرح: -حبيبي حبيبي حبيبي خمسة حبيبي احتضنها هو الاخر هامسًا بابتسامة حنونة: -دا اللي كان مفروض يحصل من بدري بس اتأخر شوية ظلت كلارا بأحضانه سعيدة، مرتاحة تُحقق حلم تملكها الوحيد والابدي له!.. تسترد كرامتها المهدورة وتدعس من حطم بريق عشقها اللامع يومًا ما..
فُتح المصعد ليخرجا منه ولكن قبل أن يتحركا خطوة وجدا هند امامهم تقول موجهة حديثها لفهد: -هقطع عليكم اللحظة السعيدة معلش. انا وصلتلي ورقة الطلاق، بس أنت ماعملتش حساب إني حامل يا فهد!؟