رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر
وإن تنازعا الاثنان، رغبة القدر ام رغبة بشرًا عاديًا، والرد الطبيعي والحتمي رغبة القدر التي إن وضعت حواجزها لشيئً ما قد يعجبك أو لا يعجبك، لن تجد لإصرارك مكانًا، ابدًا ! وسيلا في غرفتها المعتادة، تضم ركبتيها لصدرها وتبكِ بعنف، لم يتلاقى جفنيها تلك الليلة ابدًا، وبدت دموعها كبحرًا حُرم على أرضه أن تجففه!
تتذكر المانع الجديد بالنسبة لها الذي ظهر من حيث لا تدري ولا تحتسب ليجبرها على خُطى عكس اتجاهها تمامًا!
فلاش باك ## وشعرت بقيدًا اخر يُقيدها رغمًا عنها فيتسبب في زرع الذعر في أرض قلبها - التي كانت تخرب تمامًا - بلا منازع!؟ استدارت لترى ذاك البغيض، لتجده احدى الرجال الذين يعملون بالمنزل، وسحبها هو نحو غرفته الصغيرة ثم أغلق الباب برفق ليبعد يده عنها، فكادت تصرخ بهلع: ابعد آآ قاطعها وهو يضع يده مرة اخرى على فاهها ليقول بهمس تحذيري: إهدي يابت، أنا هاسيبك عشان أسمعك الكلمتين وابجي اعملي ما بدالك.
اومأت بخوف موافقة وهي تحرك شفتاها: حاضر وما أن ابعد يده حتى سألته بارتعاد: في إية؟ اجابها بخبثًا اقلقها: كنتِ عايزة تهربي مش كدة، وماسمعتيش تحذيرات الباشا بردو أبتلعت تلك الغصة المريرة من خاطرة عابرة مرت لتذكرها بهؤلاء الحمقى الذين اختطفوها، فهمست متوجسة بتساؤل: باشا مين، أنا معرفش انت بتتكلم عن أية! رفع حاجبه الأيسر متابعًا بتهكم: متعرفيش انا بتكلم عن إية ياختي، أنا هعرفك دلوقتي.
ثم أخرج من جيبه هاتفه، ليظهر صورة جدها الحبيب بنفس المشهد الذي رأته سابقًا مع رئيسهم.. ذلك المشهد الذي ترك فيها أثرًا واضحًا متخوفًا ممن قد يحدث! مشهد جعل قلبها ينتفض بين ضلوعها ذعرًا مميتًا! وسألته بضعف قهري: أنتوا لية مش عايزين تسيبوا جدو في حاله بقا ليجيبها ببرود:.
ومش هانسيبه لان إنتِ الواحد مايأمنلكيش، أسمعي بقا هو فترة قصيرة أقل من الشهر كمان وهنبعد عن جدك تمامًا لو سمعتي الكلام ومحاولتيش تهربي تاني سألته بدهاء: واشمعنا شهر؟ تأفف وهو يقول بغيظ: مايخصكيش بقا، أنا بصبرك بس وبعرفك إن فات الكتير ما باقي إلا القليل اومأت بحزن تعمق نبرتها المنكسرة اكثر فأكثر حتى كادت تنعدم: حاضر أشار لها بأصبعه محذرًا:.
إياكِ تعملي حركة كدة ولا كدة، أعرفي إنك متراقبة 24 ساعة، والناس دي مابتهزرش، ممكن يضحوا بجدك عشان يعلموكِ الادب، لكن مش هيخاطروا بنفسهم ابدًا! باك..
ومن غيرها قد خاطر؟! من غيرها ضحى وتنازل ومازال الخطر يفيد الأستمرار! من أخذ عهدًا قاطعًا وصامتًا على نفسه بعدم أذية من تحبهم ولو كان - كبش الفداء - هي فقط!؟ هي فقط التي حُشرت بين أشواك ليست لها، على الأطلاق!
وعندما تكون في بداية الطريق، وأنت علم علمٍا بفخ يُنصب لك، فالاستعداد أنسب فكرة، مؤقتًا ! دلف ياسين إلى المنزل وهو يملئ رئتيه بالهواء الطلق الذي سيختنق حتمًا بالداخل من المناواشات التي ستحدث! وكان والده تقريبًا يتشاجر مع والده، وبالطبع السبب لا يُخفى.. والجملة الرئيسية ومسمار وأسس الأتهام عند الخطأ لوالدته المسكينة اه ما إنتِ اللي عاملة فيه كدة بدلعك ده.
تقدم ليتنحنح بصوته الأجش معلنًا إختلاف توجه السهام لتُرمى عليه هو: في إية يا بابا، في إية يا ماما؟ أجابه والده صارخًا بحدة: اه اهلاً أنت نورت يا حبيب ماما، عايز تروح تتجوز من غير موافقتنا يا ياسين هز رأسه نافيًا ببساطة: لا طبعًا يا والدي، ده في حال أنكم رفضتم رفض نهائي، أنا مش هسيب البنت اللي حبيتها ابدًا رفع والده حاجبه الأيسر متهكمًا: لا والله، ده تهديد بقاا مش كدة سارع ياسين مبررًا:.
ما عاش اللي يهددك يا حج، بس أنا مش عايز أموت نفسي بالحياا، أو اعصي كلامك، لو عندك أختيار وسط هنفذه من غير ما اتردد أشار له والده مزمجرًا بغضب حقيقي نشب بين أوردته من تحدي إبنه الغير مباشر له: عندي إن مفيش حد بيموت من غير حد، وبعدين الحب عمل أية ياخويا، ما خلق الله كلهم عايشين اهم، بلاش وهم وكلام فاضي كز على أسنانه ليتمالك نفسه بصعوبة:.
لو سمحت يا حج، كله بالخناق إلا الجواز بالأتفاق، سيبني أختار شريكة حياتي بمزاجي أنا حاولت والدته تهدأة الموقف بجملتها التي ظنت انها سترطب الأجواء ولو قليلاً: يا حبيبي أبوك خايف عليك وعايز مصلحتك بس ومسح على شعره وهو يصيح باهتياج: أنا مش طفل انا اعرف احدد مصلحتي لوحدي، لية مش قادرين تفهموا يا أمي، لية مُصرين تبعدوني عنكم بتصرفاتكم دي!؟ ولم يجد ردًا سوى صفعة مدوية من والده شهقت على اثرها والدته بصدمة!
صفعة كان مبتغاها أن يعود لوعيه كما ظن والده أنه قد يحدث.. ولكنها قد تأتي بنتيجة عكسية، قد تجعل مكانها محفورًا ليخفيه فيما بعد بإهداء رغبته ما يحب! ونظر لوالده مطولاً بصدمة، ليسمع والدته تقول بجزع: إية اللي أنت عملته يا منصور ده واجابها بقوة باردة: بفوقه، عشان الظاهر ماكنش في وعيه ومحتاج يفوق! اومأ باستهانة: مكنتش في وعيي، صح عندك حق، أنا من دلوقتي مش هكون في وعيي في أي حاجة بعملها او هعملها!
ثم أولاهم ظهره ليغادر دون كلمة اخرى، ليهوى والده على الأريكة بهمدان قبل أن تقول والدته: ياسين مبقاش صغير يا منصور عشان تمد إيدك عليه، ده راجل وبيشتغب وبيصرف على نفسه! أشار لها منفعلاً وهو يردف بحرقة: هيدمر كل حاجة عشان تفاهه اسمها حب، الحب مش هيأكلنا ويشربنا يا ام ياسين نهضت وهي تضرب كفًا بكف بتعجب حقيقي! يرمي بطموحات وأمنيات ابنه الوحيد عرض الحائط، ليرمم جانب اخر..
جانب مصالحه وأنانيته التي بدت كالسراب لا نهاية له! بينما أخرج هو الهاتف الخاص به من جيبه ليتصل بشخصًا ما، وما أن اجابه حتى قال بجدية متساءلاً: هاا يابني عرفت كل حاجة عن البت؟ اجابه الاخر مسرعًا بتأكيد: اه يا باشا عرفت وأطقست كويس اوي على اد ما نفع اومأ منصور على الرغم من انه لا يراه ثم سأله بلهفة: طب قول انجز عرفت إية؟
يا باشا البت دي زي ماتقول كدة مقطوعة من شجرة، ميعرفولهاش اصل ولا فصل حتى، جابها واحد اسمه سليم الصقر لو حضرتك تعرفه، الدار اصلاً ملكه، واستاذ ياسين كان بيروح لها عادي يمارس مهنته كدكتور نفسي لانها بيقولوا متعرضة لصدمة شديدة وحالتها النفسية وحشة جدًا زفر وهو يقول بجمود: تمام، نفذ أنت اوامرك يا باشا واغلق الهاتف وهو يتنهد بأرتياح يشعر به على مشارف روحه لما قد يحدث!
هبطت رقية من الأسفل بدموعها التي لم تعد تفارق وجهها الأبيض.. اصبحت غلافًا دائم له لا يتركها! أقتربت من أمنية التي جاءت لها في وقتها المناسب تمامًا، هي بحاجة لتفريغ شحنات الغضب والغيظ من بين خلاياها لتهدئ تلك الثورة قليلاً! حاولت رسم ابتسامة مزيفة وهي تهمس بحبور: أزيك يا أمنية منورة.
شهقت أمنية من مظهرها المفجع، عيناها التي سطرت المعنى الشامل للألم والحزن، ملامحها التي كانت عنوانًا للجذب، اصبحت واجمة ذابلة.. ووجنتاها التي صُك عليها علامة أصابعه كوشمًا لخيانتها! وسألتها مسرعة: في إية يا رقية مالك ومابترديش علي أتصالاتي لية؟ رفعت كتفيها تحاول تصطنع اللامبالاة: ابدًا عادي كنت مضايقة شوية بس ومش قادرة أكلم حد ضيقت أمنية عينيها بشك لتتابع متساءلة بأصرار:.
لا لا باين عليكِ إنك معيطة، أحكِ لي يا رقية ده أنا زي سيلا؟! وعند تلك السيرة خاصةً كانت كمفتاحًا لإنفجارها الغاضب المأسور، والمكسور لتبدء بالبكاء، حتى سألتها امنية بفزع: لا لا في إية بس مالك يا حبيبتي قولي يمكن ترتاحي شوية كادت تنطق بصوت متقطع: أنا وآآ ومجدي.. سألتها بلهفة: اممم كملي ماله مجدي، إتخانقتوا ولا إية؟ اومأت وهي تحاول أستئناف ذاك الحديث الذي تشعر به يخنقها من مجرد تذكره: اه عشان آآ.
قاطعتها يدًا تسحبها بقوة، يدًا تحفظ ملمسها عن ظهر قلب، وتكره في آن واحد! لتجد مجدي يسحبها خلفه وهو يقول بجدية موجهًا حديثه لأمنية: معلش يا أمنية عايز رقية في حاجة ثم أستدار وهو يسحب رقية التي ألجمت الصدمة لسانها مرددًا: البيت زي بيتك بقا، enjoy! وإختفوا من أمامها في لمح البصر، لتكز على أسنانها بغيظ وهي تحمل حقيبتها لتغادر وهي تلعن ذاك ال مجدي !
بينما في الاعلى أغلق مجدي الباب، لتواجه رقية الشرارات الغاضبة التي تتطاير من عيناه بقلقًا إرتفع بين أفق عيناها وخاصةً وهي تسمعه يقول: كنتِ عايزة تحكيلها يا رقية صح، مع إني منبه عليكِ محدش يعرف؟ هزت رأسها نافية بسرعة: لا لا مش كدة، أنا بس كنت آآ قاطعها بصفعة أصبحت تعلم مجراها جيدًا! وصمة جديدة لن تشكل فارقًا بالنسبة لها، فالطالما كانت البدايات خير مُبشر! وبصوت مرتجف متزلزل كبركان أوشك على الإنفجار:.
مجدي أنا، آآ صدقني قاطعها وهو يقبض على ذراعها بقوة كجمرة مشتعلة اُلقيت عليها وقال: أسكتِ، أحمدي ربنا إني عارف أتمالك أعصابي شوية، كل ما افتكر اللي إنتِ عملتيه بحس إني مكنتش راجل كفاية عشان أخليكِ تثقي فيا! ورماها على الفراش بعنف ليهدر بعدها وهو يفتح ازرار قميصه: وأنا فعلاً مبقتش عايزك ألا عشان الرغبة بس زي ما قولتِ.
وبلحظات كان فوقها يقبلها بعنف وقسوة، قسوة هي من جعلتها تتفجر من بين جحور إحكامه، فلتواجهها اذًا!؟ يقتنص حقه - الشرعي - ولكن بطريقة غير شرعية، ابدًا!
ظلت بدور تسير ذهابًا وإيابًا بافتعال حقيقي، والسؤال الذي يسيطر عليها كليًا الان ترى لمَ لم يعود من عندها ؟! المزيد والمزيد من الموجات المغتاظة تعوم بين طيات روحها قبل عقلها! لم يفيد سحر، ولم يفيد إغراء ولم تفيد أسباب كاذبة! كلها كانت مجرد - محاولات فاشلة - سُجلت ضمن تاريخ رسوبها الدائم في امتحان حياتها الوحيد! ووالدته بالخارج تشاهد إحدى مسلسلاتها مع - فشار - وجوًا هادئًا بعيدًا عن أشتعال ابنتها!
توجهت لها وهي تصيح بنفاذ صبر ؛ اهوو لا سحر نفع ولا نيلة، ده انا حاسه إنه جه بالعكس سألتها ببرود: لية؟ اجابت بغيظ يشوبه الحدة وهي تقترب أكثر منها: اهو تاني ليلة يباتها عندها، وماكلفش نفسه يرد عليا يقولي حتى جاي ولا لا ثم ضربت على قدمها بغلب وهي تستطرد حانقة: ياريتني ماسمعت كلامك أو كلام أمي، بلا سحر بلا نيلة أنا كنت ناقصة هم لوت الاخرى شفتاها متهكمة: ياختي وهو حد أجبرك توافقي.
رفعت حاجبها الأيسر بغيظ وهي تكمل: أذا كان إنتِ اللي أسمك امه وافقتي، أنا اللي هموت على نظرة منه مش هوافق؟ هزت رأسها نافية قبل أن تبرر بجدية: لا لا، انا وافقت لانكم قولتولي مفيش ضرر ليه خالص، إنه هيحبك ويرضى بيكِ بس تأففت بدور وهي تسألها بنفاذ صبر: طب هنعمل إية بقا؟ هزت رأسها ولأول مرة تنطق بصدق وقوة:.
معرفش، أنا من دلوقتي برة اللعبة دي، مفيش حاجة بتيجي بفايدة وأنا ابني لو عرف هخسره للأبد، كفاية أني اجبرته عليكِ إتسعت حدقتا عيناها وهي تسألها مصدومة: نعم! يعني إية بقا الكلام ده؟ نهضت وهي ترد ببرود: كلامي واضح، وابعدي عن السحر ده خالص، سهر ممتعة، باي يا حبيبتي ثم تركتها لتغادر بكل برود، وكأنها سحبته ممن كان يملكه يومًا لتختزنه هي... بينما همست بدور بأصرار خبيث:.
بس أنا بقى مابستسلمش بسهولة، وهتشوفي يا حماتي!
وعندما تتيقن من كونك ستظل أسيرًا تحت رحمتهم حتى يمنوا عليك بذرة رحمة، فلا مانع من التمتع بالحرية ولو للحظات وحيدة لن تتكرر ! وفي غرفة سيلا، اخيرًا خلعت حجابها لتطلق الحرية لخصلاتها البنية الناعمة، تقريبًا في قرارة نفسها حسدته على الحرية التي ينعم بها! ظلت تتنهد وهي تأخذ نفسًا عميقًا.. هي لم ولن تتعب من العمل مع فاطيما ولكنها لم ولن تحتمل تلك التي تُدعى دارين !
لا تترك دقيقة تمر إلا وختمت عليها ختم أهاناتها المؤكد لسيلا ك خادمة! ومن دون مقدمات وجدت الباب يُفتح ليدلف سليم، - كعادته مؤخرًا - شهقت وهي تضع يدها على شعرها متساءلة ببلاهة: أنت إية اللي جابك هنا؟ ظل هو ينظر لخصلاتها الطويلة، لا بل الطويلة جدًا، تكاد تنتهي عند خصرها! وبقعة كبيرة من الرغبة في إستنشاق خصلاتها الناعمة تلك تتسع داخله رويدًا رويدًا مع مرور الثواني كنسمات من الهواء إزدادت فجأةً عليك!
يا الله، أية من الجمال خُلقت، له! قالها بين ثورته الهائجة ثم أستفاق على صوتها ليقول بثبات ظاهري: اولاً ده بيتي يعني أجي في أي حته وقت ما احب إنتِ مش هتقوليلي أعمل إية وماعملش أية!؟ وظل يرمقها بنظرات خاصة قبل أن يتابع بنبرة ذات مغزى حادة : ثم إنك إزاي ماتقفليش الباب زي الناس، افرض حد من الخدم شافك وأنتِ بشعرك كدة؟! ووجدت نفسها تبرر بتلقائية:.
أنا آآ كنت لسة هقفله كويس بس أنت دخلت، وأنا اتخنقت من كتر ما بشيلش الطرحة والجو حر جدًا فعليًا الجو كنارًا من حوله.. ولكن ليست كالنيران المشتاقة التي تغار والتي تندلع في قلبه بين ضلوعه الان! اومأ وهو يقترب منها ببطئ متعمدًا تلاعبها على وترها الحساس: شعرك، حلو أوي وأصبحت تكره تلك المسافة التي تنقص بينها، تخشى اقترابه الذي كاد يفقدها عقلها! اصبحت تخشاه هو شخصيًا!
تتخذ أقترابه على وتيرة خاطئة، على سبيلاً لم يتخذه هو يومًا - الرغبة - ليس إلا! اصبح امامها تمامًا وهي ملتصقة بذاك الجدار اليتيم تتمسك به، لتشعر بأصابعه تتخلل خصلاتها بنعومة ورقة غير معهودة منه، قبل أن يهمس: ماشاء الله ولا مانع من تنفيذ تلك الرغبة التي كادت تقتله داخليًا، ليقترب وهو بالكاد يحتضنها بين ذراعيه المفتولتين ويغمض عيناه وهو يملئ رئتيه برائحة شعرها الجذابة!
وهي ترتعش بقلق بين يديه، وتلقائيًا امتدت يدها تستند على صدر ذاك الجدار المتين! وبالخارج تقف دارين وهي تقبض بيدها على المقص الذي تمسكه، تود لو قطعت ذاك المشهد من سلسلة ذاكرتها، ولكنها ستقطع السبب لذاك المشهد حتمًا!
ودفعته سيلا عنها برقتها المعهودة، قبل أن تموت سَيلاً بين ذراعيه! وبالطبع من شدة تأثير لمساته وذوبانها بين يديه التي تعرف مبتغاها جيدًا! وهمست بضعف حزين بعض الشيئ: سليم، لو سمحت! أبتعد قليلاً رفقًا بها، رفقًا على خجلها وعذرية تلك اللمسات لها! على مشاعر متضاربة تعصف بها فجأةً دون رحمة! ليبادلها الهمس بابتسامة هادئة: حاضر وسرعان ما أختفت تلك الابتسامة لتتبدل بحدة ظهرت مكتسحة تلك الحروف:.
بس لو لقيت حد شافك ولو صدفة كدة بشعرك ده، هرتكب جنايتين ثم سألها بمكر: عارفة اية هما؟ هزت رأسها نافية ببلاهة: لا، أية هما! واجابته كانت مع اقترابه القلق ليهمس بجوار أذنها وكأنه سرًا يخشى افتضاحه: اول جناية هخرمله عينيه اللي بيبص بيها ويمكن اموته خالص، وتاني جناية هخدك أحبسك واتجوزك غصب عنك ثم غمز لها بطرف عينيه متابعًا بنفس المكر الذي يجتاحه: وإنتِ مش ادي بصراحة.
وقد تدافع مقصد أخر لعقلها جعل الدموع تترقرق بين بحر عيناها اللامع ليزداد لمعانًا! - هي ليست من مستواه الأجتماعي -!؟ تلك الجملة إرتكزت بين أطياف سماءها الخجولة لتمحي ذاك الخجل في ثواني وتحل محله الحزن المعتاد.. الحزن لإهانة قُدمت خاطئة لها، هي بالفعل مش أده ولكنها أكبر! فسألها متلهفًا للمحه تلك الدموع التي اصبح يكرهها بين عيناها: مالك في إية؟ اجابته وهي تنظر للأرض بصوت مختنق:.
أمشي عشان محدش يشوفك هنا مينفعش، أنت مش ادي مينفعش تقف معايا هتسوء سمعتك وقد وصله مقصد تلك الطفلة - الهشة - فعليًا، تحزن وتبكِ من كلمة غير مقصودة! كالماسة إن لمسها أي شخص بعنف من دون قصد - تنكسر على الفور -! ليمسح على أنفها التي كادت تصبح حمراء وهو يقول مشاكسًا:.
ماتبقيش زي الطفلة كدة، ولا زي إية، إنتِ طفلة فعلاً، انا قصدي مش قد عصبيتي، مش قد غيرتي على أي شخص يخصني ولو جدتي، مش قد قسوتي، اللي معاكِ، بتبقى مجرد شظايا! وتعجب من نفسه بالفعل، في البداية يبرر تصرفاته لعقله الذي ينهره على تلك الحماقات... وفي النهاية يداوي ما فعله، بترطيبًا خفيفًا ولكن قويًا ممن يشعر به! ختامها مسك كما يقولون ! وقالت بصوت مضطرب وهي تنظر حولها تتفقد المكان:.
طب آآ دارين، دارين ممكن تيجي او خالتو مط شفتيه بلامبالاة شقية ؛ عادي يعني، محدش يقدر يقولي تلت التلاتة كام اومأت بنصف ابتسامة قائلة: طب يلا، عشان عاوزة انام وقال بشقاوة: طب ما تنامي هو انا ماسكك؟ دفعته وهي تكمل ضاحكة بحزم: أطلع عشان انام ثم مسحت على شعرها بإرهاق واضح متابعة: بكرة ورانا شغل كتير في المطبخ، عايزة ألحق ارتاح.
وشهقت وهي تلاحظ انها مازالت خالعة حجابها، فركضت باتجاهه لتمسكه إلا ان سليم امسكه قبلها ليخفيه خلف ظهره، فتوسلته بخفوت: سليم لو سمحت هات الطرحة هز رأسه نافيًا، ثم بنبرة جعلت القشعريرة تسير في جسدها من مغزاها: طب ما تريحي بكرة، أنا مش عايزك مرهقة خالص ده لسة اللي جاي احلى إبتلعت ريقها، وتلك المرة اقتربت هي، رويدًا رويدًا حتى اختلطت أنفاسهم! تلك المرة هي مضطرة للمجازفة.
وسحبت حجابها وسط شروده الهائم في اقترابها، وكادت تبتعد مهللة بانتصار: اخدتها بردو ولكنه ألصقها به مرة اخرى، وانظاره مثبتة على شفتاها، ليردف بعبث: بس يا حبيبتي، هو دخول الحمام زي خروجه وفي لمح البصر ودون أن يعطيها الفرصة للصدمة او الاندهاش كان يقبض على شفتاها باشتياق لم يراعي في قوانينه قلقها العارم منه! يلتهم ما كان يتوق لالتهامه طيلة الأيام الماضية!
وهي تحاول التملص من بين حصاره الحديدي بذراعيه، لتدفعه اخيرًا لاهثة: بس بقااا اخرح برررررة يلا اومأ ببرود عابث: إيتس أوكيه، براحة يا حبيبتي حبيبتي ؟! همسة تصاحب تيارات مصدومة من الخجل، والتوتر، والخوف! هل هي حبيبته بالفعل، ام مجرد كلمة تلقائية خرجت هربًا دون المرور على - فلتر الإهانة والقسوة لديه -! ولمَ يهمها ذلك من الأساس؟!
أستفاقت من شرودها على صوت الباب الذي أغلقه قبل أن يغادر بعدما نال مبتغاه الذي أزداد بعدما حققه!
وجلست جميلة في الحديقة تهز الكرسي الخشبي الذي تجلس عليه بقوة.. تفكر وتفكر، التنفيذ خطوة ليست بالسهلة نسبةً مع الصقر ! تفكر وتدبر وتنصب الخيوط ولا تعلم أن القدر خير معاونًا لها! انه ادمى قلوبهم عشقًا مكبوتًا سينفجر من سهمًا واحدًا منها! ظلت تهمس وهي مرتكزة بنظراتها على اللاشيئ: قبل ما ادبسهم لازم أعرف أن كان سليم خلاص حبها ولا لسة صمتت برهه تفكر لتكمل بعدها متساءلة لنفسها ؛ طب هعرف ازاي بقا!
هزت رأسها وهي تردف بحيرة: بس ازاي اخليهم يتجوزوا وسليم مفكر إنها فاقدة الذاكرة مسحت على رأسها وهي تتابع شاردة: اجباريًا لازم سليم يعرف الحقيقة بس بعد التدبيس اتسعت ابتسامتها قبل أن تمسك بالهاتف الذي بجوارها ثم تتصل ب يوسف شقيق دارين الوحيد ليأتيها صوته بعد ثواني مرددًا: ست الحبايب بتتصل بيا مرة واحدة لا لا المفاجأة هاتموتني ضحكت قبل أن تقول: مش هاتبطل مشاكستك دي يا ولد لا اكيد، وحشاني صدقيني.
لو وحشاك كنت جيت تشوفني يا يوسف، مش مطنشني كدة وباعت لي اختك بس معلش والله الشغل متلتل فوق راسي لا مفيش اعفاء، عايزاك هنا النهاردة او بكرة بالكتير من عنياا، انت تؤمر يا قمر ماشي يا حبيبي، بس اكيد عشان عايزاك ضروري تمام تمام خير اللهم اجعله خير تقلقش خير ان شاء الله ماشي يا حبيبتي يلا عاوزة حاجة عاوزة سلامتك، سلام مع السلامة.
أغلقت ويجتاحها شعور باليقين أنها اختارت الشخص الصحيح تمامًا.. من سيشعل فتيل غيرة الصعيدي بداخل - ذاك العنيد - سليم!
كفاية يا مجدي، أحنا مابقاش ينفع نكمل مع بعض بعد كل اللي حصل.
قالتها رقية وهي تقف امام مجدي الذي خرج لتوه من المرحاض بصوت ضعيف واهن.. نبرة تخللها الألم والضعف درجاتها! إن كانت تعلم أن هذا هو جزاء ما ستفعل لما كانت فعلت ابدًا! إن وضعت العقاب والجزاء والفعل بينهما قبل أي شيئ، سيكون التردد المصير الحتمي! ليرمقها بنظرات ساخرة يتوارى خلفها الكثير والكثير من بذور القلق من قرار قد يصدر وهو لا طاقة له به و رد: اية ده معقول تعبتي بسرعة كدة.
ثم اقترب منها يربت على كتفها باستهانة ساخرة: معلش انا عارف إن رد فعلي كان قاسي شوية، لا شويتين، بس مش بعد ما تركبِ الوحش الجنان، تطلبي منه الهداوة! هز رأسها نافية لتتابع: لأ، أنا مش طالبة منك الهداوه، انا طالبة طلب وحيد واخير وعند ذكر النهاية، تتلف أوتار قوته وصبره! وهل ما زال يعشقها؟! بالتأكيد نعم، سنين وسنين من العشق لا يزيلها شهرًا من الألم! ولكنه سألها بثبات ظاهريًا فقط:.
ولو انك ملكيش طلبات، بس اطلبي خير؟ تنهدت وهي تنطقها بوهن: نتطلق، خلينا ننفصل بهدوء يا مجدي، أنت لا يمكن تنسى اللي حصل، وانا لا يمكن استحمل واكتم جوايا اكتر من كدة.
اقترب منها في لمح البصر يقبض على ذراعها بقسوة مرددًا: مش إنتِ اللي هتحددي ننفصل ولا لا ده اولاً، ثانيًا طلاق مابطلقش، ثالثًا انا حذرتك إن حد من اهلك يعرف، احنا ادامهم اسعد زوجين في العالم هزت رأسها نافية بأصرار وقوة نبعت من إهانة باتت لا تُطاق: لا كفاية، لازم يعرفوا بقا مش هخبي تاني خلاص وكاد يصفعها ولكن تماسك بصعوبة، كونها وصلت لمرحلة اللامبالاة في الخطأ.. هو لا يريد أن يصبح مثلها بالمرة!
اقترب منها يمسك يدها ولأول مرة منذ فترة برفق ليقول: اوعي تفكري إن أنتِ لوحدك اللي بتعاني، أنا يمكن تعبان أكتر منك، عمرك شوفتي طفل غلط واهله ماعقبوهوش؟ هزت رأسها نافية: لا بس أنا آآ قاطعها وهو يبتعد بصلابة وصرامة لاذعة: مابسش يا رقية، النقاش انتهى، طول حياتنا واحنا بتناقش لحد ما عملتِ اللي عملتيه، دلوقتي فترة الأوامر بس هزت رأسها نافية بجمود ؛ انا عمري ما هامحي شخصيتي يا مجدي.
اومأ ببرود وهو يخرج من الغرفة: وانا مش عايزك تمحيها اساسًا يا حبيبتي غادر ليتركها تكز على أسنانها بغيظ، لتهمس متوعدة له: و3 ايام ضعف خلصوا يا مجدي، وبس خلاص مش هاسكت تاني!
وكانت سيلا ساكنة بمكانها كالعادة، لتجد دارين تدلف دون أي اذن، كأعصار حارق يود النشب في كل من امامه، ثم سحبتها من يدها بعنف وكأنها عروس للعب! فسألتها سيلا بتوجس: في أية إنتِ وخداني على فين؟ اشارت لها دارين ان تصمت بصوت امر: اخرسي ماسمعش صوتك حاولت سيلا أن توقفها مرددة ؛ طيب هحط طرحة على شعري هزت الاخرى رأسها نافية بخبث شابه الحقد الدفين: أنا اصلاً وخداكِ عشان شعرك ده! سألتها سيلا ببلاهه ؛ يعني إية!؟
ووصلوا امام غرفة دارين، فدلفت هي وسيلا ثم اغلقت الباب، لتتجه نحو المقص تمسك به ثم اقتربت من سيلا مرة اخرى والشر يتطاير من بين عيناها.. بينما الاخرى تشعر بقلبها يُعتصر بخوف وقلق من تلك الخبيثة لتسألها متوجسة: إنتِ هتعملي إية؟ اجابتها ببرود حاقد: هادمر اي حاجة بتجذبه ليكِ!
طرق سليم باب الغرفة التي تقطن بها نادين، ليفتحه ببطئ ليراها تمسك القلم بين يديها البيضاء الناعمة، وامامها أوراق بيضاء ترسم عليها بشرود تام.. ولكن وكأن تلك المرة ذلك الشرود حاولت أخراجه على هيئة رسومات نابعة من فراشة يتحكم بها القلب! اقترب منها بابتسامة ليسأل المساعدة بجدية: أية الاخبار؟ اجابت بجدية متحمسة لطريقًا اُنير امامها:.
الحمدلله في تحسن يا استاذ سليم، أديتيها ورق وقلم ترسم لعلها تقدر تخرج اللي جواها في الرسم ده، ولقيتها استجابت وبترسم اومأ سليم بامتنان: طب الحمدلله، أن شاء الله تتشفى تمامًا وتخرج من الصمت ده رددت خلفه: إن شاء الله ثم تنحنح قائلاً بجدية شبه آمرة: أطلعي برة معلش وخدي الباب في إيدك عشان عاوز اتكلم معاها في حاجة اومأت بهدوء: حاضر.
غادرت بهدوء ليتجه سليم نحو نادين التي لم يهتز لها جفن، وما إن جلس بحوارها واستنشقت رائحته المنفردة حتى نظرت له وهي تهمس بابتسامة: سليم تهللت اساريره بفرحة عارمة لم تُبقى خلية من خلاياه إلا وتمرغت فيها، ليمسك يدها مرددًا بسعادة: عرفتيني يا نادين، يا الله ماتتخيليش فرحان بتطورك ده أزاي! جلس بجوارها ليبدء حديثه بسؤاله الهادئ: نادين، إنتِ عارفة ياسين صح؟ صمت، ثم صمت ثم هزة رأس مؤكدة بابتسامة!
وكأنها كانت تبحث بين جنبات عقلها عن اسم غيره ولكن، لم تجد سواه تتذكره كما كان، فاشقت الابتسامة ثغرها دون تردد! فأكمل سليم بحزم حنون: ياسين عايز يتجوزك يا نادوو، موافقة عليه؟ لم يجد رد فسألها بود: بتحبي ياسين يا نادوو؟ اومأت بلا تردد بنفس الابتسامة الشاردة، لتتسع ابتسامة سليم وهو ينهض قائلاً: كدة تمام اوي ثم اخرج هاتفه ليتصل بياسين وعيناه ترافق نادين التي عادت لرسمها مرة اخرى، ليأتيه صوت ياسين المتلهف:.
الووو ايوة يا سليم ياسين اية اخبارك؟ مستني ردك على احر من الجمر طب تمام، حيث كدة بقا هات الحاجة الوالدة والوالد ونورونا بجد، أنت مش متخيل فرحتني ازاي، روح اللهي ربنا يبتليك بواحدة تطلع عينك، آآ قصدي تفرح قلبك ضحك سليم قبل أن يردف بصوته الأجش ؛ ماشي يا مشاكس، يوم الخميس الساعة 7 بليل يناسبكم؟ يناسبنا جدًا، ده انا هقوم ألبس من دلوقتي ماااشي، يلا مع السلامة سلام يا برنس.
اغلق الهاتف وهو يتنهد بارتياح، إلتفت لنادين مرة اخرى لتقع عيناه على الرسمة التي رسمتها.. وما أن دقق بها حتى أتسعت حدقتا عيناه صدمة حقيقية! وهو يرى ياسين وكأنه يتجسد امامه.. الصورة تمثله حرفيًا! وكأن تلك الملامح حُفرت بذاكرتها بشكلاً من الذهب فكان من السهل أن ترسمها بذلك التطابق! اقترب منها يربت على شعرها بحنان خالص وهو يهمس:.
كدة أنا اتطمنت إنك هاتكوني مع الشخص الصح، من خلال معلوماتي عن ياسين، اقدر احط أيدي الاتنين في مياة باردة! وما إن انتهى من جملته حتى سمع صوت عالي بالأسفل و...!
رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والعشرون
هبط مسرعًا وقلبه يقرع بتساؤل متوجس من معركة قد تكون نشبت بين من لا يستطيع تفضيل احدهم عن الاخر، بين قلبه وعقله! وفي عُرفه، العقل يكسب بالطبع وهو لا يرغب ذلك! وصل الى مصدر الصوت ليجد خالته تقف بين دارين التي كان الجبروت يتمثل فيها، وتلك المسكينة التي كانت ترمقها بنظرات مذهولة! وبالطبع سيلا من جذبت انتباهه بمغناطيس براءتها.. اما الاخرى فهو يجهل لمَ غلف عيناه الجمود تجاهها!؟
لمَ التي من المفترض ان تصبح زوجته تزداد المسافة بينهم إتساعًا! وركضت دارين تتعلق برقبته محتضتة اياه كغريق كاذب اراد التشبث بطوق لم يعد له! أبعدها عنه بنفور ليسأل بجدية: إية اللي حصل؟ وهنا أندفعت جميلة ترد بغيظ من تلك التي تتلون في سرعة رهيبة حسب الموقف: جيت اتفاجئت إنها عاوزة تقص شعر البنت الغلبانة دي وجحظت عيناه بصدمة وهو يهمس: إية! هزت جميلة رأسها وهي تكمل باشفاق:.
ايوة والله يا سليم، جيت لقيتها بتحاول تقص لها شعرها وسيلا بتحاول تمنعها بس مين يقدر بقا وأندفعت دارين تبكِ وهي تردف بحزن مصطنع: لااا يا سليم كدابة، انا مكنتش هاعمل كدة وأمسكها من ذراعها بقسوة وهو يهزها ليصدح صوته مزمجرًا: إياكِ تنسي نفسك، دي تعتبر امي، فاهمة بعني إية امي، يعني اللي يمسها بكلمه اقطع له لسانه ولم تتوقع أن تنفجر تلك القسوة من أسفل قشرة رقيقة من الهدوء الذي كان يحاول الالتزام به!
أن يقتلها لو أراد من أجل شريكًا اخر! فاستدركت نفسها سريعًا ؛ لا لا أنا مش قصدي على خالتو، انا اقصد الخدامة الكذابة البجحة دي وإهانة اخرى لن يستطع التغاضي عنها في حق من هي تخصه، وبشدة! إهانة شعر بها تخترق روحه التي إرتبطت بروحها، للأبد! فكز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول محذرًا: قسمًا بالله كلمة تانية وانا مش مسؤل عن اللي هاعمله يا دارين كادت تتفوه بشيئ اخر ولكنه قاطعها بصرامة وهو يشير لها:.
تلفي وتلمي شنطة هدومك وترجعي على بلدكم فورًا، هبعت معاكِ سواق يوصلك لحد باب البيت هزت رأسها نافية: لا يا سليم أسمعني انا آآ قاطعها وقد إحتدت عيناه كسيف سيقطعها على الفور إن لم تطيعه واكمل: لما نكتب الكتاب تبقي تيجي تعيشي معانا، غير كدة مش عايزك في زيارة حتى.
نظرت للأرض بخزي، من سدًا بينها وبين قسوته هي من هدمته بغباءها! لتهمس بضيق وغل: ماشي يا سليم صمت برهه، ليصدح صوتًا معلنًا نهاية حروبها من أجله في لمح البصر: وعلى فكرة، أنا بعيد تفكير في الموضوع تاني، لأني اكتشفت اختلافات شاسعة بيننا يا دارين وراحت تبرر مسرعة: لا لا طبعاً مين قال كدة قال بشموخ وعيناه تتابع حركات سيلا المتوترة: اكتشفت أن احنا مش هانقدر نكمل مع بعض بالشكل ده ابدًا.
ومبررات اخرى كادت تخرج منها، مبررات ووسائل كاذبة ستحاول بيها نزع تلك الفكرة من بين جحور عقله الصلب ولكنه قاطعها مرددًا بخشونة ؛ خلاص، اللي عندي قولته واللي عندك عملتيه، السواق هيستناكِ تحضري هدومك ثم استدار لينصرف، ولكن قبل أن ينصرف إلتفت لسيلا يقول بهدوء يعكس تمامًا الإعصارات التي كانت تدور بين حروف حديثه مع دارين ؛ روحي حطي حاجة على شعرك، وماتكشفيهوش ادام أي حد لأن في ناس الله هو اعلم بنواياها!
وانصرف تاركًا واحدة تبتسم بارتياح غمرها اخيرًا والاخرى تكاد تحترق من غيظها الذي نشب بكل جزءً منها!
تحت أشعة الشمس، يومًا اخر يمر بعداد العمر، وضوء يسطع ككل ليلة على امل تجديد النقاء بأرواحًا ضائقة سوداء! جلست رقية بجوار والدها في الحديقة وهو يشرب قهوته بهدوءه المعتاد، ليسألها مستفسرًا: هاا يا رقية كنتِ عاوزاني في إية؟ إبتلعت ريقها وهي تهمس بفتور: موضوع بخصوص مجدي يا بابا ترك الكوب من يده وهو ينتبه لها متساءلاً: حصل إية يا رقية ادخلي في الموضوع على طول؟ اجابته متنهدة بضيق يشوبه الحزم في آن واحد:.
أنا عايزة أتطلق يا بابا جحظت عيناه وهو يسألها بصدمة إرتسمت على ملامحه من عشق سنين تكن نهايته، الفراق! : إزاي يعني يا رقية طلاق أية إنتِ مجنونة؟! هزت رأسها نافية بتصميم: لا يا بابا بالعكس انا عقلت، أنا ومجدي بدون سرد مواقف مش هينفع نكمل مع بعض، لازم ننفصل إرتشف من القهوة ليستطرد بجدية: اولاً لازم أعرف اية اللي حصل بالظبط، ثانيًا هو مجدي عارف بالجنان اللي بتقوليه ده؟
هزت رأسها نافية وهتفت بما يشبه الرجاء الحار: لا، ومش عايزاه يعرف إني قولتلك يا بابا لو سمحت اومأ بهدوء قائلاً: يبقى تحكِ لي كل حاجة، من طق طق لسلام عليكم زفرت بقوة إستعدادًا للرفض الذي تراه يتوافد بين سطور عيناه، لتبدء بسرد ما حدث عليه، وبالطبع لم تتركها الدموع إلا وصاحبتها مع شهقات وسط حروفها الضعيفة... وما أن انتهت حتى وجدته يضع الكوب على المنضدة ليرمقها بنظرات ذات مغزى ويقول:.
وإنتِ متوقعة بعد كل ده أقولك ماشي يا حبيبتي يلا تعالي نرفع قضية أطلقك منه هز رأسه نافيًا قبل أن يردف برزانة: لا طبعًا، إنتِ غلطانة والغلط راكبك من ساسك لراسك، يعني أية تاخدي حبوب منع الحمل عشان متربطيش نفسك بواحد مش واثقة فيه، هه فهميني في واحدة تمنع نفسها من كلمة ماما عشان كدة يا رقية؟ وراحت تبرر بقهر تشبعها: كنت عايزني أربط حياتي بيه للأبد وممكن في أي لحظة يدخل عليا شارب يموتني أنا او ابني يا بابا؟
هز رأسه نافيًا ليشرح لها هادئًا: بس بردو اللي إنتِ عملتيه عمره ما هيكون حل مناسب، مش مكتوب ليكم تتفرقوا، لذلك القدر عطاكم فرصة تانية سألته ببلاهه: ازاي يعني؟ تنهد وهو يرتشف من القهوة ليكمل: مجدي غلط بأنه أدمن المخدرات وده اللي كلنا عارفينه وهو اعترف بغلطه واتعالج، وغلط غلط بسيط جدًا لما مد ايده عليكِ بالطريقة دي، اما إنتِ ف بردو غلطتي غلطة تساوي الغلطتين بتوعه تساءلت بقلة حيلة: اعمل اية يعني يا بابا؟
اجابها بثقة: ترجعي تصلحي علاقتك تاني بجوزك وترجعوا احسن من الاول ظلت تفكر وتفكر، لا تنكر رغبتها التي تخفيها في إستعادة زوجها... لا تنكر روحًا هربت دون اذنًا منها لعاشق لن يزول عشقه مهما حدث! فهمست بشرود متنهدة: حاضر يا بابا، هحاول صدقني ثم نهضت لتعود لغرفتها وعقلها ليس معها من الأساس، يشرد في قرارات صدى وجب أتخاذها في اسرع وقت!
هبط ياسين من غرفته بهدوءه وهيئته الجذابة المعتادة، ليجد والدته تجلس امام - سفرة الطعام - بابتسامة لم يراها تشرق على شمس وجهها، ليقول بحب: صباح الأناناس على أغلى واحلى الناس ابتسمت بفرح لترد: صباح النور يا عيوني، تعالى أفطر يلا هز رأسه نافيًا بصدق: لا يا ماما إنتِ عارفة أني مبقدرش أفطر اول ما اصحى كدة ثم سألها بتوجس: امال فين بابا؟ اجابت وهي ترص الأطباق بعناية:.
في اوضته مستنيك، قالي ابلغك انه عايزك اول ما تنزل ضيق عيناه وهو يسألها مشاكسًا: أنا مش مطمن لك يا زوزو على فكرة، في أية اللي حصل؟ ضحكت وهي ترد مشيرة لمكتب والده: خليها مفاجأة، روح بس وهتعرف يلا اومأ وهو يسير مغمغمًا بابتسامة: هوووواااااا يا هووااا طرق باب المكتب بهدوء ليسمع والده يقول بجدية: ادخل يا ياسين دلف بهدوء وهو يلقي التحية: السلام عليكم أزيك يا حج!؟ ابتسم والده بود: بخير، اقعد يا ياسين.
جلس وهو يسأله بجدية مناسبة وقلقة: خير يا حج، ماما قالتلي أنك عاوزني اول ما اصحى تنهد قبل أن يلقي عليه بقنبلة باردة تهدئ ثوراته الداخلية: ماهيتاب صمت برهه ليردف بوجه واجم: فسخت الخطوبة! حدق به ياسين بعدم تصديق، هل عفت عنه تلك التي كانت تحاول أن تلتصق به أينما ذهب!؟ هل اخرجته من محراب عشقها المزيف لتفكك تلك القيود الضعيفة بينهم! مؤكد هذه من - عجائب الدنيا الثماني -! وسأل والده بسذاجة:.
ازاي يا بابا؟ هي تعبانة ولا إية؟ قهقه والده على صدمته قبل ان يبدء يشرح له: لا يا سيدي، كل الموضوع أنها لاقت غنيمة جديدة، ومش اي غنيمة ده هيموت عليها زي ما هي هتموت عليه غمغم ياسين بسعادة: حلة ولقت غطاهاا والنعمة عقد والده حاجبيه: بتقول حاجة يا ياسين؟ هز رأسه نافيًا بسرعة مرحة: لا خالص، كمل كمل يا وش السعد تابع بخيطًا من اللوم الذي لم يخفى على ياسين:.
وأنت عارف يا حبيبي الاهتمام زي ما بيخليك تنجذب لشخص بيخليك تمل وتزهق منه، وبما أنك يعتبر مش بتشوفها اصلاً فهي قالت لابوها تفسخ الخطوبة بما ان العريس الجديد في السكة نهض مهللاً بسعادة لم تكتسحه هكذا من قبل: عليا النعمة لولا سُمعتي انا كنت زغرطت، روح اللهي اشوفك محقق كل امانيك، اللهي يسعدك ويفرحك يا حج منصور زي ما فرحت قلبي ضحك منصور وهو يقاطعه:.
خلاص خلاص أنت هاتشحت، المهم اني سألت عن البنت وعرفت إنها ملهاش اصل ولا فصل بسبب حالتها النفسية وتظل تلك الحالة هي النقطة السوداء في بحرًا من السعادة، ليهمس بخفوت ؛ عارف، بس الشخص باين من عنوانه، حضرتك لو تعاملت معاها هتعرف انها استحالة تكون مش محترمة، كونها اتعرضت لصدمة خلتها بالحالة دي، ده معناه إنها حاجة هشة أوي اومأ والده بجدية: عارف وواثق في اختياراتك يا ياسين نهض ياسين بابتسامة وهو يغمز له:.
طب جهز نفسك الخميس الجاي الساعة 7 بليل ثم ركض باتجاه الباب وهو يتراقص بسعادة مدندنًا: يا ام نياااازي صحي نيااازي وقوليله ماهيتاب بعدت عن يااسين ولم يتخيل منصور أن تلك السعادة ستصبح طوفان يغرق فيه ياسين للأبد هكذا!
خرجت سيلا من غرفتها متجهة للحديقة، ذلك المكان الهادئ الذي يسمح لها ببوح كل ما في صدرها! تلك البقعة التي تشعر أن همومها تتشابك فيها مع الزهور الذابلة فتبتعد تاركة اياها دون رجعة! تتذكر جيدًا ذاك اليوم الذي دعتها فيه جميلة لغرفتها... فلاش باك جلست بجوار جميلة على الفراش بهدوء لتسألها متوجسة ؛ حضرتك قولتِ عايزاني في حاجة اومأت جميلة مؤكدة: اه يا سيلا.
نظرت لها باهتمام فنهضت جميلة لتجلب تلك الصورة التي تضم العائلة، فاعطتها لسيلا، لتحدق سيلا في الصورة بذهول مرددة بهمس: دي آآ دي ماما، وبابا، دول عيلتي! اومأت جميلة بتنهيدة حارة تحمل في طياتها الكثير والكثير: وعيلتي انا كمان! وسألتها سيلا ببلاهه تلقائية: ازاي يعني!؟ اشارت جميلة لنفسها لتقول غامزة: يعني انا في مقام خالتك شهقت سيلا مصدومة: ازاي، انا معنديش خالات خالص! نظرت جميلة امامها لتردف جميلة بجدية محذرة:.
هحكيلك يا سيلا بس أوعي تقاطعيني اومأت سيلا بلهفة: حاضر تنهدت وهي تسرد ما خزنته في ذاكرتها تحتفظ به لنفسها ولهم فيما بعد... بما كان حملاً ثقيلاً عليها وحدها، وما كان مصحوب بالشرود الدائم والخيوط المنصبة التي يجب ان تفعلها:.
زمان، جدك نصار القاضي، خلف ولدين زي ما إنتِ عارفة، عزت أبوكِ وعثمان أبو سليم، عزت وعثمان يشاء القدر إنهم يحبوا نفس البنت اللي هي ام سليم، عثمان كان بيحبها اووي، لكن عزت زي ماتقولي كانت عجباه مش أكتر، وعزت كان معروف عنه انه اناني اووي، عثمان فاتح ابوه في موضوع جوازه منها، وعزت اول ماعرف راح فاتح ابوه بردو، الحج نصار كان دايمًا زي ماتقولي بيحب يتقي شر عزت، فحاول يقنع عثمان انه يبعد عن البنت ويسيب اخوه يتجوزها بس عثمان طبعا ثار ومرضيش ابداً، نصار رفض بحجة انه من الاساس كان في عداوة بين عيلتنا وعيلة نصار القاضي، وان العداوة هاتتفتح لو اتجوزها، عزت حاول انه يفرق بينهم بكذة طريقة ف عثمان ملقاش غير الهروب معاها حل، هربوا وطبعا حاولوا يوصلوا لهم، بس كانوا بيتنقلوا من مكان لمكان وبلد لبلد، عزت اوهم نصار انه بيدور عليهم وبالفعل كان بيدور، وبعد فترة كبيرة سنين يعني عرف ان ام سليم ماتت بسبب عداوة بين ابو سليم وناس بتشتغل ضده، وبعدها بفترة اخوه عثمان مات من حسرته على مراته، كانوا بيهددوه لانه اكتشف انهم بيتاجروا فالأثار ومسك عليهم أدلة، لما مرضيش يديهم الورق حتى بعد مو مراته، قرروا انهم يصفوه خالص، وفعلاً مات عثمان بعد ام سليم بحاجة بسيطة، وتقريبا كدة قرى عزت انه ينتقم بانه ميحكيش حاجة لجدك عن حفيده، عشان يورث لوحده، وانا من ساعة موت والدتك اصلا يا سيلا كنت مرقباكِ، كانت خايفة عليكِ من عزت وخير صديقة ليا، كان في واحد بيجيبلي اخبارك، لما جيتي هنا استغربت اووي وسألته وعرفت انك اتخطفتي، بس مقدرتش افهم ازاي يعني جيتي هنا برجليكِ ومش قلقانة!؟
سألتها سيلا بوجه واجم: مش فاهمة، يعني اية برجلي وهخاف من اية، انا عارفة ان كان عندي عم بس مات هو ومراته، بس اول مرة اعرف انه خلف، حتى جدو مايعرفش اومأت جميلة وهي تردف: سليم حاطط كل اللوم على نصار، فاهم ان لو نصار ماكنش رفض ماكنش ابوه هرب بالتالي ماكنوش ماتوا واحد وره التاني ادامه، حالف لينتقم بس دايما انا بوقفه، خايفة يعرف ان إنتِ بنت عمه يقرر ينتقم من ابوكِ فيكِ وظلت تنظر لها بذهول حقيقي!
حقيقة خلف الاخرى تسقط على رأسها كمطارق تضربها بعنف دون رحمة! تضربها لتحطم صورة أباها اكثر واكثر! نهضت جميلة وهي تقول بجدية: إنتِ طبعاً مش مصدقاني صح وشيئً ما بداخل سيلا يهتف بضجر نعم، فوالله أبي لم يكن شيطانًا لهذه الدرجة شعور فطري يصدح مدافعًا عن اباها ولكنها أحكمته برابطة الصبر وهي تقول: لا بس مفيش مانع لو اتأكدت جلبت جميلة حاسوبها الخاص، لتهمس بشرود: انا مسمياه جهاز الذكريات.
وفتحت لها احدى - الفيديوهات - الذي يجمع جميلة ووالدة سيلا يمرحون بسعادة ويتحدثون مع بعضهم البعض، ثم وصية والدة سيلا لجميلة! لتترقرق العبرات بين مقلتيها.. الان ترابطت الخيوط بين جنبات عقلها، ترابطت لتهدم أسس وتبني اسسًا جديدة! باك.. وقيدًا بيد - سليم - حول عيناها جعلتها تشهق بصدمة: خضتني حرام عليك غمز لها بطرف عينيه متساءلاً بخبث: كنتِ سرحانة في إية؟ تنهدت وهي تجيب: ذكرياااااااااااااااات سألها بمرح:.
طب ما تحكي لي عن الذكريات دي؟ نظرت له بنصف عين متهكمة: بصفتك مين!؟ وشدها لتصبح جالسة على قدميه، وتلقائيًا زحفت الحمرة لوجنتاها، ليشبع رغبته في النظر لهاتان الثمرتان! ونظراته لشفتاها أوحت لها بما سيفعله، وقرأت بين سطور عيناه ما لم يستطع قوله...
ولكنه لم يفسح لها المجال وهو يحيط خصرها بذراعه، ليقبلها برقة لم تعهدها من قبل منه، رقة ابتلع فيها باقي اعتراضها، ويداه تتحسس ظهرها بطريقة حميمية أرعبتها، ود لو لم يترك شفتاها من بين قبضته فيأكلهم جوعًا بلا منازع! وبعد دقيقة تقريبًا كاد يبتعد الا انه فجأة سمع صوتًا يعرفانه جيدًا و..