رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر
فرار! وهل عرف الصقر معنًا للفرار يومًا؟! بالطبع لا، ولكن عندما يتجسد امامك أقتراب اكبر مكروهاتك ومخاوفك من القادم، تترجى الفرار ليسحبك معه! إلتفت لها بهدوء ما قبل العاصفة ليهمس: دارين! ولم تعطيه هي الفرصة للنفور او الابتعاد او غيره، قيدته بذراعيها كما قيدت عشقها عليه على أمال كاذبة! ليبعدها عنه بعد ثواني مرددًا بغضب: إية ده يا دارين، مش هتبطلي بقا الحركات دي.
ابتسمت بهدوء لتهمس بعدها بنعومة توازي هيئتها المهندمة: الله، أنت وحشتني أوي يا سليم لوى شفتيه متهكمًا: ماتشوفيش وحش ياختي وهنا تدخلت جميلة متنحنحة ببعض الهدوء: أزيك يا دارين استدارت لها مغمغمة بود لا يليق بها: أنطي، انا تمام إنتِ عاملة إية وحشاني جدًا يعني ابتسمت جميلة ابتسامة صفراء متمتمة: إنتِ اكتر يا حبيبتي تصرفات دارين لم تحلو لها ابدًا هذه الفترة...
حركاتها التي تقيد بها سليم واغواءتها الفاشلة كانت كعرض مسرحي لم يروق لها فقررت مسحه الابدي! استدار سليم وهو يقول بجدية: عن اذنك يا خالة، أنا طالع ورايا شغل كتير استوقفته دارين مسرعة: إية ده هو انا لحقت أقعد معاك يا سليم، مش كفاية مابتسألش عليا خالص تأفف وهو يجيبها ببرود: أنا بشتغل مش بلعب اما هي فكانت تحترق من ذاك التجاهل، هي لا تعشقه حد الموت ولكنها ترغبه.. وهذا يكفي في عُرفها لتحارب من أجله!
لا تعرف متى ستتمكن من أمساك مقاليد حياته، كاملة!؟ ليس الان، ولكنها ستتمكن، قريبًا! إنطلق متجهًا لغرفة سيلا بهدوء، قلبه يدعو أن تكون هدءت ولو قليلاً... نادت جميلة دارين لتقترب وهي تهمس بهدوء مع ابتسامة مجاملة: أقعدي يا دارين نتكلم، بقالنا كتير ما دردشناش مع بعض اومأت دارين بابتسامة: صح يا خالتو فعلاً سألتها جميلة بنبرة ذات مغزى: إنتِ جيتي لوحدك ولا إية؟ هزت رأسها نافية:.
لأ انا جيت مع يوسف أخويا، لأنه بيعمل شغل هنا وانا كمان كنت محتاجة أغير جو ف قولت أجي واشوف سليم بالمرة سألتها مرة اخرى بجدية: امال هو فين يوسف ماجاش معاكِ لية؟ اجابتها بفتور: محتاج يخلص شغل ضروري اول ما يخلصه هيجي يسلم عليكم اومأت جميلة موافقة: طب يا حبيبتي أطلعي ارتاحي إنتِ وبكرة نكمل كلامنا ثم سألتها: طبعًا عارفة اوضتك؟ اومأت دارين مؤكدة بابتسامة واسعة: أكيد يا أنطي ...
كان سليم مازال واقفًا امام الغرفة التي تقطن بها سيلا، التردد لا يتركه ابدًا! يدلف لتجربة لم تسطر بها بداية مفهومة!؟ تجربة لطالما كان يخشاها ويكرهها؟! أم يأسر قلبه وعقله بصمتًا ايضًا كان يكرهه! حسم أمره والسلطة كانت للقلب، ليطرق الباب بخفوت، وبعد دقائق تهندم ملابسها وحجابها الذي تدهور من كثرة البكاء فتحت الباب لتجده هو! ظلت تنظر له ببلاهة قبل أن تهمس: سليم!
وهمسة واحدة بأسمه من بين شفتاها الوردية كانت كفيلة لتمحي قطرات تردد شغوف! دلف ليغلق الباب خلفه، فنظرت له بتوتر قبل أن تسأله: في أية أنت عاوز حاجة؟! الان فقط ادرك لمَ جاء هنا.. لما أطاع قلبه وتقدم غير مبالايًا بتحذيرات عقله! هو يريد قربها، وهذا ما يعرفه، على الأقل حاليًا! اقترب منها اكثر وفجأة جذبها من ذراعها نحوه ليلصقها به، ثم سألها بهمس مماثل: لسة زعلانة وبتعيطي مش كدة؟
حاولت الفرار من بين أسر ذراعيه وهي ترد متلعثمة: لا، مش آآ مش زعلانة أبعد شوية هز رأسه نافيًا وراح يقول مداعبًا: تؤ تؤ، إنتِ لسة زعلانة وأنا لازم اصالحك، ماتعودتش ازعل حد مني بردو هزت رأسها نافية بسرعة: لا لا صدقني انا مش زعلانة خالص، مين قال أني زعلانة اصلاً! وهذه المرة لم يمنع ابتسامته الهادئة من الظهور، وكيف يمنعها وقلبه داخليًا يبتسم بفرح..
يبتسم على طفلة غضبت قليلاً ولكن قلبها لم يعد به مكانًا للغضب! مد يده يتحسس وجهها الناعم بأعين متلهفة، يتلمس كل أنش بوجهها وهي مغمضة العينين، تحاول الفرار منه ولكنه ربطها بسلاسل خفية! وصل لشفتاها التي يتوق لها، تحسسها بشغف وهو ينطق ؛ مش عارف إية اللي بيحصل لي لما بكون معاكِ فعليًا لم يكن يكذب في حيرته، في شغفه في القرب لسبب مجهول! أصبحت رغبته في قربها تسري بين دماؤه كشيئً يسكر روحه القاسية..
وهي كانت مغيبة بين يديه، تبحث عن رد فعل قوي لموقف هكذا بين جنبات عقلها ولكن فشلت! لم تتعرض يومًا للمسات أثرت عليها هكذا! لم تدري أين ذهبت قوتها وردها اللاذع!؟ واخيرًا ابتعد ليتركها تتنفس الصعداء من قرب كاد يزهق روحها من كثرة تأثيره.. لينظر في عيناها مباشرةً وهو يردف: إعملي لي قهوة وهاتيهالي في أوضتي هزت رأسها نافيةً دون تردد: هعملها وابعتهالك مع أي حد كاد يقترب وهو يسألها: لية؟
عادت للخلف تغمض عينيها وهي تهمس بضعف: أبعد بقا وأرحمني اقترب اكثر حتى أصبح امامها يبادلها الهمس الملتاع: مش أما ترحميني إنتِ وتسيبيني أرجع لطبيعتي ودلوف دارين كان من جعلهم يلتفتوا بصدمة! بينما وزعت دارين نظرها بينهم، لتلك الفتاة العادية، ولكنها ذات تأثير خاص! لمعان بين بحريها البنيان بشرة بيضاء كثوب ناقي... وجسد مرسوم حرفيًا ليعطيها نكهة الجذب! وأشارت نحوها وهي تقول لسليم بنزق:.
هو ده الشغل اللي سيبتني عشانه يا سليم؟ اقترب منها قليلاً وهو يسألها بخشونة: وإنتِ مالك، حد عينك واصي عليا؟ اجابته مزمجرة: ليا طبعًا، بما إني خطيبتك يبقى لازم اعرف إنت إزاي تسيبني عشان البت دي!؟ خطيبته! وقعت كلماتها على روحها كصوت الرعد الذي زلزلها داخليًا.. كيف خطيبته وهي قاربت على شهرًا كاملاً لم تراه يحادثها يومًا؟! كيف ولم يتحدث عنها مرة؟!
لا يهم الشكليات، ولكنها بالنهاية خطيبته اختارها زوجة وانتهى الامر! أستفاقت على صوته الحازم وهو يرد: ملكيش دعوة وإعدلي لسانك أحسن لك يا دارين، ويلا إطلعي شوفي إنتِ رايحة فين كادت تعترض متذمرة: بس يا سليم ولكن قاطعها بصرامة لاذعة: ماسمعتيش أنا قولت إية، اطلعي يلااااا اومأت وهي تسير متجهة للخارج، تتمتم بحقد وغضب: ماااشي، بس و رحمة امي ما هسيبك تتهنى بيها يا سليم!
بينما نظر سليم لسيلا التي بقيت متجمدة بمكانها، ليناديها بهدوء: سيلا! نظرت له نظرة ولأول مرة لم يستطع فهمها.. برود، أم غضب، ام لامبالاة وغيظ؟! ولكن غالبًا كلاهما معًا! اجابت بوجوم: نعم سألها: مالك؟ وردت بنفس الهدوء البارد: مليش خالص، روح صالح خطيبتك عشان ماتحصلش مشكلة بينكم بسببي اقترب منها مرة اخرى فعادت للخلف وهي تشير له: لو سمحت امشي بقا.
وهذه المرة كان الفوز لقسوته المعتادة التي قاربت على التحول معها ل شظايا قسوته لينصرف دون كلمة اخرى كأعصار صعب عليه التوغل لمنطقة يريدها!
وأشرقت الشمس تملئ الأرض بأشعتها الذهبية، تململ ياسين في فراشه ليحاول النهوض وجفناه يغادرا بعضهما! ولكنه - اسفًا - لم يحظى بنومه هنية، لم ترتاح اعماقه حتى في الفترة المخصصة لها! حلمًا، لا لا بل كابوسًا شنيعًا حلق بين زهور أمنياته الكثيرة ليلاً لينشر بينهم القلق والخوف منه! ... نادين تقف على حافة هاوية طويلة، ترتدي فستانًا طويلاً من اللون الأسود يغطيها حتى كاحليها..
والظلام سيد الموقف، ظلام لا يبدو له اولاً من اخر! خصلاته الناعمة كانت ثائرة على عيناها الحمراء بهمجية محببة.. وتبكِ وتنوح وهي تلوح له، تطلب المساعدة من اعماقها بصوت مكتوم! ملامحها أوحت بما رغبت حروفها التعبير عنه... ويريد هو التقدم نحوها، يريد التمسك بها قبل أن تسقط في حافة اللارجوع! ولكن شيئً ما يكبل يداه.. يقف امامه ويمنعه، نظر خلفه ليجدها هي ماهيتاب تنظر له نظرة لن ينساها يومًا ولو كانت مجرد حُلم!
ويحاول النطق بأسمها، الصراخ بها حتى ينقذها من السقوط! ولكن لم ينجح وهو يراها تسقط رويدًا رويدًا لتبتسم ماهيتاب بانتصار! ... عاد من شروده ليمسح على وجهه عدة مرات وهو يخبر قلبه بتأني لن يحدث شيئ، هذا مجرد كابوس ليس إلا .. نهض من فراشه ليتجه لمرحاضه يغتسل ويتوضئ ليؤدي فريضته.. وبعد قليل كان قد إنتهى فاتجه للأسفل بخطى هادئة وقد عزم على التوجه لسليم على الفور! بدت والدته شاردة هائمة بالأسفل وكأنها تنتظره..
فألقى التحية بود حقيقي: صباح الخيرات يا حجة، عاملة اية ابتسمت نصف ابتسامة وهي ترد: الحمدلله تمام ضيق عينيه متساءلاً بتوجس: مش باين يعني، مالك يا زوزو تنحنحت وهي تشير له ليجلس بجوارها ؛ مفيش يا حبيبي عايزة اتكلم معاك اقعد هنا تعالى جلس بجوارها يسألها: خير يا ماما قلقتيني؟ تنهدت قبل ان تبدء الحديث بما لا يروق له بالمرة: أبوك.. سألها بتوجس: ماله بابا؟ منا شوفته امبارح كان تمام اومأت متابعة بجدية:.
راح عزم ماهيتاب وأهلها على العشا عشان نحدد ميعاد كتب الكتاب والفرح جحظت عيناه بصدمة! لولا انه أبيه لكان أعتقد أنه يعشق تلك الفتاة! ما به يسرع بأجباره على الزواج ممن لا يخصها القلب بدقاته؟! بل تكتم دقاته وهي بجواره فيختنق! نهض وهو يصيح بغضب: إزاي بابا يعمل كدة، هو انا طفل بيحدد جوازي من غير ما يقولي حتى حاولت تهدأته بخفوت: ده لسة بليل يا ياسين هيحددوا كز على أسنانه بغيظ قبل أن يتابع:.
هو لية مصمم على ام الجوازة دي، لية مصمم يربطني بواحدة مش بكن لها اي حاجة ولا حتى اعجاب، عايز يدمر حياتي عشان مصالحه مع أبوها!؟ نهضت وهي تقترب منه بجدية: يا حبيبي ماهيتاب أي حد يتمناها، بنت أدب وجمال وحسب ونسب و... زمجر فيها باهتياج: اي حد يتمناها بس مش أنا يا امي مش انااا اللي متمنيها كادت تعترض إلا انه قاطعها بجدية خشنة:.
قولي للسيد الوالد إني مش هحضر العزومة دي، ومش هتجوز ماهيتاب، وهخطب قريب جدًا اللي قلبي أختارها قال كلماته الاخيرة وهو ينسحب، عازمًا على كون نادين زوجته في أقرب وقت!
وإنتهى العزاء لمن مازالت على قيد الحياة! انتهى ذاك العزاء الذي أعلن وبوضوح دمار قلوبًا لطالما كَنت عشقًا فطريًا ل سيلا... وانتهت معه رقية فانهارت! تحاصرها الموجات الحزينة الشاقة من كل زاوية من زوايا حياتها.. تحاصرها حتى باتت تشعر انها لن تتركها! حتى اصطدمت بصخرة الألم الفوق المحتمل فتحولت لشظايا مُحطمة وحطمتها معها!
كانت في المرحاض الخاص بغرفتها، تحديدًا تغمس جسدها بين المياة الباردة في ال - بانيو - علها تسترخي قليلاً فتستطيع النسيان! كلمات مجدي مع ذاك الخبر كانت كأشواك مميتة إلتفت حول روحها أرادت زُهقها! اصبحت تبكِ وهي تغمض عيناها، تبكِ بقهر وهي تزيل قناع القوة والتماسك المزيف! وفجأة شعرت بيداه الخشنة التي تحفظ لمساتها عن ظهر قلب.. قشعر بدنها قبل أن تلتفت له بشهقة قصيرة: خضتني يا مجدي.
ظهرت شبح ابتسامة على ثغره ليرد: سلامتك من الخضة أبعدت يده لتهمس ببرود ثلجي: إية اللي جابك دلوقتي!؟ رفع حاجبه الأيسر مغمغمًا بضيق: هو حرام أجي اشوف مراتي لما تكون محتاجاني ولا إية؟ إلتفتت له تهتف بحدة: وإنت عرفت ده دلوقتي، معرفتش أن عزاء اختي اتعمل وخلص وأنت محضرتوش، كأني مش متجوزة اصلاً نظر للأسفل بخزي قائلاً: كنت مشغول في الشغل ماحستش بنفسي لإن بقالي يومين مابروحش، ده غير إنك مقولتيليش، ده انا عرفت صدفة.
زفرت قبل أن تردف ساخرة: طب يستحسن تمشي لإن أبويا وخصوصًا جدي مش طايقك لانك محضرتش وكأنك مش فرد من العيلة يعني رمقها بنظرات مغتاظة فتابعت بجدية: بالعافية إمبارح أقنعتهم إن والدتك تعبانة جدًا جدًا وإنك مش هتقدر تحضر وبتعتذرلهم كتييير نظرت له ثم قالت بفتور: على العموم يلا اطلع بقا عشان أقوم ألبس منحها ابتسامى عابثة قبل أن يرد: ماتقومي هو أنا ماسكك، ده انا زي جوزك بردو.
وفي المقابل كانت نظراتها حادة كسيف قاطعًا لأي أمل بالعودة للسابق.. فتنحنحت قائلة بنعومة حادة: لأ، إطلع برة الأول يلا لو سمحت بقا وقيد وجهها بين يداه، يحاصرها بنظراته الكاشفة لها، ليهمس بما قد يذيب جليدها الثلجي: رقية إنتِ محتاجاني دلوقتي، أنا مستوعب سيلا كانت إية بالنسبالك، أستسلمي شوية بقا، شوية بس وبالفعل كادت دموعها لتنجرف لنبع حنان حلق في الأفق امامها...
هي الان بحاجته فعليًا، تحتاج لحضنًا دافئًا يحتويها بين يديه! ولكنها لن تستسلم، ابدًا مهما كان الثمن، هي لطالما كانت رقية القوية المتينة ولن تصبح غير ذلك! وشعرت بشفتاه تحوم على كتفيها العارين، ويداه تجول في جسدها بحرية، فشهقت وهي تحاول إبعاده: مجدي مينفعش لم يكن معها بالأساس، روحه متعلقة بحبيبته فقط والتي هي بحاجة لحنانه الان! بحاجة لرحلة عشق تأخذها في طياتها فلا تتذكر ذرة واحدة من الحزن!
وحملها عنوة عنها ليمسك المنشفة يلفها حول جسدها بعشوائية.. وهمسة بجوار اذنها: هششش، النهاردة ليلتنا بس، هننسى الدنيا ومافيها، هننسى كل حاجة بتقهرنا، هننسى كل مشاكلنا وهمومنا واسترخت بين ذراعيه، وإن كانت محاولاته لتخفيف مثقال حزنها على هيئة - رغبة زوجية - فلا يهم! ستحاول النسيان كما قال لها، وستفعل إن عاونها القدر! ووضعها في وسط الفراش، وهو فوقها ينظر لها بنظراته المتيمة عشقًا..
ازاح بيده خصلاتها الثائرة لسمع قولها: إحنا الاتنين بنغلط في حق بعض، ومازلنا، إحنا الاتنين مفكرين إن التاني غلطان، أحنا بنعااااند بس وأسكتها بشفتاه التي إلتهمت شفتاها بشغف، قبلة كادت تسحب روحها معها في سبيل العشق.. وتشعر بدقاته تعزف على أيقونة عشقها، وتكتم صوت اعتراضها بصخبها! ابتعد بعد قليل لحاجته للهواء، ليقول بصوت لاهث: إنسي كل حاجة النهاردة، إفتكري إن انا جمبك وبس!
ومرحلة اخرى تُدون في مدونة عشقهم - الغريب - ألا وهي اللامبالاة في المشكلات ...!
امممم، يا ترى جبت لي أخبار زي الناس ولا كالعادة.
قالها احدهم وهو يجلس في حديقة منزله الفاخر يضع قدم فوق الاخرى بملابسه التي تليق بمستواه الاجتماعي العالي، وأصابعه السمراء تقبض على سيجاره الكبير، وعيناه تتفحص ذاك الذي يقف امامه بهدوء ليجيب بثقة: طبعًا يا فهد بيه، جيبتلك كل الاخبار عنه رمقه بنظرة متلهفة: هاا قول زفر قبل أن يرد بجدية مناسبة:.
اللي عرفته يا باشا إنه زي ما تقول كدة ملوش غالي، عايش كدة مرسخ حياته للشغل وبس، طبعه قاسي مع كل الناس، معندوش الا واحدة بس في حياته اللي بيحبها شوية سأله مستفهمًا: مين دي؟ خالته يا باشا، هي اللي مربياه يعتبر من وفاة أهله، تعتبر هي كل حياته سأله مرة اخرى بخشونة: وخطيبته؟ اومأ وهو يسرع للرد: اه، عرفنا إنها جت لهم امبارح يا باشا، زيارة يعني تابع اسئلته كقاضٍ يستعد للحكم الحتمي بالموت على عدوه المنتقم:.
ومين البنت اللي دخلت عليكم الأوضة لما كنتوا هناك؟ أشار له بلامبالاة: لا دي طلعت حتت خدامة ملهاش لازمة يا باشا اومأ موافقًا وقد ظهرت أبتسامة خبيثه تلوح على ثغره الأسمر موازية عيناه التي تموج خبثًا لرجلاً خبرته الشيطانية طويلة، ليس بشابٍ في منتصف الثلاثينات من عمره: تمام، يبقى رقم واحد، خطيبته المصونة!
طفلاً في الثامنة من عمره، زهرة متفتحة في بداية حياتها، زهرة قُطفت في وقتًا مبكرًا، جدًا، كان يلهو في حديقة منزلهم الواسعة تحت أشعة الشمس التي تغطي معظم الأماكن في صعيد مصر! تقدمت منه والدته التي زمجرت فيه بغضب يناسب طفولته: إية ده يا سليم، مش قولنا ماتلعبش وتبهدل هدومك كدة؟ اومأ وهو يعتذر ببراءة: معلش يا امي، بنسى علطول ابتسمت له بحنان امومي فطري:.
طب يلا يا قلب ماما عشان تفطر بقا وتروح تشوف بابا في المسجد اومأ سليم بحماس وهو يمسك يدها: ايوة يلاااا أمسكت يده وساروا متجهين للداخل مرة اخرى، ولكن فجأة جُرحت والدته من احدى الزهور الخشنة فتأوهت بألم: آآه إيدي أمسك يدها بلهفة متساءلاً: مالك ياماا؟ نظرت له بعثب مرددة: حبيبي ماتتكلمش زي الناس اللي عايشين هنا، أنت صعيدي بالأقامة، لكن أصلك لا اومأ وهو يقترب من الزهرة مغمغمة بضيق: دي اللي عورتك صح؟
ابتسمت برقة لطفلها الحبيب وهي تهمس: خلاص يا قلبي ده جرح صغنن خالص ولم يبالي وهو يقطتف تلك الزهرة ليرميها ارضًا بغل، فصاحت فيه والدته: لية كدة يا سليم؟ اجاب دون تردد: عشان جرحتك، شيلتها خالص ملست على وجهه بحنان، ولم تدري لمَ وجدت نفسها تقول ببعضًا من الجدية: أوعى تكسر حد يا سليم في يوم من الأيام، أوعى تقسى مهما حصل، اوعي تكون قاسي يا سليم ماتخليش حاجة تغيرك يا حبيبي.
وفجأة، دوى صوت الطلق الناري لتسقط هي ارضًا والدماء من حولها تتدفق بغزارة، فشهق سليم صارخًا: ماااامااااااا لااااا لااااا.
هب منتصبًا يستيقظ بفزع من ذاك الكابوس الحقيقي... المشهد الذي يتكرر كل يومان تقريبًا، لا يتركه فيعذبه ولا يتركه سليم فيتذكره دومًا بحزن توغله! مسح على شعره عدة مرات وهو يهمس: أديني بقيت قاسي يا أمي والدنيا غيرتني أوي تنهد وهو ينهض متجهًا للمرحاض ليغتسل كعادته ثم يتوضئ ليؤدي فريضته بخشوع تام... وما إن انتهى وكاد يهبط بهدوء سمع صوت صراخ يأتي من الأسفل، فركض مسرعًا للأسفل بهلع...!
رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر
ركض سليم للأسفل بهلع، لم يعد هادئ عند سماع الصراخ، لم يعد كما كان! تمثل الصراخ بالنسبة له في عدادًا للخطر ليس إلا! ووجد الصرخة كانت من سيلا! كالعادة كانت من شخصًا يخشى عليه دائمًا! وامامها تجلس دارين وعلى وجهها علامات الإنزعاج.. أقترب سليم من سيلا التي كانت تبكِ وهي تمسك بيدها بألم ويسألها بلهفة متوجسة: إية اللي حصل في إية؟! والأجابة كانت من دارين التي قالت بضيق مصطنع رسمته بين حروف كلماتها بمهارة:.
عملالي قهوة طعمها زي الزفت يا سليم، وغير كدة بتسيبهالي وتمشي، بكلمها بتتشخط وتتنتر عليا كأن انا اللي شغالة عندها مش هي! كز سليم على أسنانه متساءلاً بغيظ: اممم وإنتِ عملتِ إية بقا؟ رفعت كتفيها ترد بلامبالاة: دلقت لها القهوة إلتفت لسيلا التي تبكِ بقهر ينظر على يدها ليلاحظ أثار الحرق! إحتدت عيناه وإشتعلت وكأن ذاك الحرق لم يكن إلا بجسده هو! ليقترب من دارين صارخًا فيها بغضب أعمى:.
إنتِ مجنووونة، مجنوونة ولا شكلك كدة، عملتلك قهوة وحشة بتحرقيلها ايديها بيها؟ تأففت وهي ترمقه بنظرات مغتاظة: ده بدل ما تزعقلها هي يا سليم عشان مابتحترمنيش بتزعقلي أنا؟ ضغطت على يده بقوة يحاول ربط أعصابه التي ستتلف حتمًا من كثرة التحكم بها! من كثرة الغيظ الذي يسري بينها! إستدار لسيلا التي قالت بشهقات متألمة كطفلة بريئة تدافع عن نفسها:.
والله العظيم ما عملت لها حاجة، أنا آآ اديتها القهوة لقيتها بتدلقها على إيدي أندفعت دارين تبرر كاذبة: بطلي كذب يا متخلفة إنتِ، اما إنك سوسة ومكارة، أكذبي دلوقتي ومثلي كويس أدامه يا حقيرة وكأن المرآة وجههت على نفسها تنطق بخطاياها وأفعالها هي الشنيعة! مرآة الكذب عكست صورتها هي وليست تلك البريئة! ولم يحتمل سليم كلامها الذي كان كسكين يمر عليه هو اولاً قبل أن يصل ل سيلا فدفعها للخلف بقوة مزمجرًا فيها:.
اخرسي بقاا إنت وبطلي الشغل بتاعك ده، أمتى هتهدي وتعقلي من الجنان ده، بحركاتك دي مفيش حد حقير غيرك، توقعت إنك هتعملي اي حاجة بسبب افكارك الهباب عن اللي شوفتيه امبارح بس ماتوقعتش توصل للأذية ابدًا ثم استدار لسيلا مغمغمًا بأسف وهو يتفحص يدها: روحي خلي أي حد من الخدم يحط لك مرهم للحروق نظرت له من أسفل اهدابها المبللة لتهمس: أنا آآ ب قاطعها بصرامة: قولت روحي، إية مابتفهميش عربي؟ اومأت بانكسار مجيبة: لا بفهم.
ثم استدارت متجهة للداخل، متجهة لمأواها ومسكنها الوحيد لم تعد تفهمه ابدًا، تشعر بالتناقضات تسري بين خلاياه! تارة تشعره حنون هادئ، وتارة يُوضح لها أنه قاسي وإن حاول تفتيت تلك القسوة!؟ متى سيُفك لغز حياته تلك؟! متى سيعاملها بتلقائية!؟ ولكنها لن تنتظر اكثر، ستهرب حتمًا ودون تردد أو انتظار! وهمسة شاردة في خلدها الحزين: إية كنتِ مفكرة هيجي يعالج لك إيدك بنفسه عشان دافع عن الحق بس!؟
نهضت رقية من الفراش وهي تلعن إستسلامها المخزي، تلعن ضعفها أمام عشقًا كان كالأدمان لها! تلعن محارب ضدها يهزمها بسلاح الاحتياج له، والعشق! بينما جلس منتصبًا في فراشه يسألها بجدية: مالك يا رقية؟ رفعت كتفيها بلامبالاة مصطنعة: مفيش منا عادي اهوو هز رأسه نافيًا بتصميم غاضب: لا مش عادي يا رقية، دي مش عيشة كل ما هقرب منك هتلوي بوزك كدة كأننا بنعمل حرمانية مش جوزك!؟
وقد إنفجر غضبها من غضبًا وغيظًا تراه يتطاير من جوفًا خاطئًا، فصرخت فيه بانفعال: لا والله وأنت عايزني أبقى أزاي، ابقى طايرة من الفرحة لأني في حضن جوزي حبيبي اللي بيعشقني انا بس، صح! اومأ مؤكدًا: ايوة لأن دي الحقيقة وأزدادت شرارات عيناها الحانقة وهي تزمجر فيه بنفاذ صبر: لأ يا مجدي لأ، الحقيقة إنك مش بتيجي هنا غير عشان رغباتك، أو زهقت من الهانم التانية بس.
- وعندما يكون الغضب ضبابة عامية أمام عينيك، وتسلك طريقًا خاطئًا من الأفعال، قد ترجو الندم أن يجدي نفعًا، ولكن، لن يستجيب -! ولم يدري بنفسه وهو يصرخ بوجهها: وإنتِ متوقعة الواحد هيجيلك غير عشان كدة يعني ولا إية، إنتِ فيكِ إية ولا عندك إية يخليني أجي لك غير كدة!؟ والصدمة لن تعبر عن ذرة واحدة من الصدمة التي احتلت كيانها... لم التكن الصدمة من الكلام المسموم، ولكن كانت، من صاحب ذاك السم!
وجحظت عيناها وهي تهمس ببلاهة: أنا يا مجدي؟ اومأ متابعًا بعصبية مفرطة: اه إنتِ، أنا كنت دايمًا بحاول أراعي مشاعرك، لكن خلاص، طفح الكيل منك وكادت تنهمر دموعها من عيناها التي تحجرت من الصدمة.. فأومات باستهانة: صح أنت عندك حق، وأنا كنت متوقعة إية اكتر من كدة يعني ولفت القميص الخاص بها على جسدها بعشوائية، لتتجه نحو المرحاض، والمياة تغمرها مختلطة مع بكاؤها الحاد!
بينما هو ظل يمسح على شعره الغزير عدة مرات بغضب أهوج هامسًا لنفسه: اووف، انا عارف أن ختامها مسك، لازم نتخانق كالعادة! وفتح ذاك الدرج يبحث عن دواءً لرأسه التي يشعر بها تكاد تنفجر... ولكن أزداد أنفجارها وألامها ولم يقل وهو يرى ذاك الدواء - مانع للأنجاب - وظل يحدق به للحظات، ترى هل كرهته لتلك الدرجة!؟ هل أصبحت تكره الأنجاب حتى لت تحتفظ برابطًا قويًا بينهم فيما بعد!؟
ليصرخ مناديًا بأسمها بانفعال حقيقي: رقيييييييية وفزعت هي بالداخل من صرخته التي ذبذبت الباقي من تماسكها امامه.. وبعد دقائق خرجت بمنشفة صغيرة تلفها حول جسدها.. لتجده ينهال عليها بالصفعات القوية دون توقف وهو يهتف بها بغل: حيووووانة، بتقولي إنك مابتخلفيش لكن إنتِ اللي مش عايزة تخلفي، حقييييرة حيوانة وهتفت بضعف: لأ يا مجدي أنا آآ قاطعها بعنف: إنتِ حيوانة ماتستهليش ذرة حب من اللي كنت شايلهالك ابدًا.
ولم تدري تحديدًا لمَ تصرخ بصوت مكتوم، من ألامها الجسدية التي ما عادت تشعر بها من كثرتها! ام من ألامها النفسية وفعلتها الشنيعة بحق نفسها قبله هو!؟ وعامةً، الأثنان أسوء من بعضهما!
جلس عزت في الصالون بمنزلهم، يتنهد بين كل حين والأخر.. هو رأى صورتها التي كانت - جثة هامدة - فيها، ولكن لم يدري ما ذاك الشعور الذي يعترض على تلك الحقيقة الخانقة! وشعر بأحدى رجاله الأقربون يقترب ليتنحنح بهدوء: عزت باشا، تسمح لي أقعد؟ اومأ عزت بهدوء مرددًا: أقعد يا فهمي أنت مش غريب أبتسم المدعو بفهمي - مجاملةً - ليسأله: مالك يا باشا؟ هز الأخر رأسه نافيًا بتنهيدة حارة: مليش يا فهمي، حاسس إني مخنوق بس.
سأله مرة اخرى متوجسًا ببعض الحزن: عشان الست سيلا صح، ربنا يرحمها برحمته يا باشا اومأ عزت بشرود: يارب، المهم خير أنت كنت عايز حاجة ولا أية؟ إبتلع ريقه وهو يسأله: كنت عايز أسأل حضرتك يا باشا نظر له باهتمام: خير يا فهمي أكمل تساؤله بتوتر: هتقول لنصار بيه على الحقيقة، إن أبن آآ.. قاطعه عزت بجزع: هششش وطي صوتك يا حمار، الموضوع ده أتقفل من سنين ومش لازم يتفتح ابدًا قال معترضًا بأشفاق:.
انا قولت بسبب تعب نصار بيه اللي بيزيد كل شوية أنت هتقوله، عسى تخفف عنه ألم الفراق هز رأسه نافيًا بشرود تام: مينفعش انا كدة هزيد عليه مش هقلل سأله ببلاهه: أزاي يعني يا باشا؟ قال بضيق واضح: هصدمه بأنه عايش في كذبة بقاله سنين، حد كان مفكره ملوش وجود اجي فجأة اقوله ده عايش وماشاء الله عليه!؟ هز الاخر رأسه بتعجب: براحتك يا باشا فتنهد عزت وهو يهمس بأصرار: مينفعش، مينفعش خااالص!
في غرفة جميلة تحديدًا على فراشها المتوسط، تسطحت بأريحية وكانت تمسك بالصورة التي تجمع افراد عائلة عدة.. دموع الاشتياق، والحزن والفرح تتجمع بين جحور عينيها في آن واحد! وهزيمة يتردد صداها بداخلها ستُرمم تلك المسافة التي هُدمت بينهم حتمًا ! ظلت تتلمسها وهي تهمس بشرود: هجمعهم تاني ومش هسيبهم كدة اومأت مؤكدة بأصرار: مش هقف أتفرج تاني وهنفذ وصيتك وبتصميم صادق وواعد قالت:.
لازم عيلة القاضي تعرف إن ليهم أبن عاايش وموجود! وفجأة دلفت دارين متذمرة وهي تقول بضيق: شوفتي اللي حصل يا خالتو سألتها جميلة ببعضًا من التوتر وهي تخفي الصورة: اية اللي حصل يا دارين؟ لوت شفتاها متابعة في إستنكار: بقا أنا اروح اشتكِ لسليم من الخدامة دي اللي اسمها بيلا ولا سيلا دي، ألاقيه بيبهدلني أنا بدل ما يبهدلها هي؟! عقدت حاجبيها قائلة بصدمة مصطنعة: اووه لا مش معقول إزاي سليم يعمل كدة زمجرت دارين غاضبة:.
خالتو أنتِ بتتريقي إنتِ كمان هزت جميلة رأسها متابعة بجدية: خلاص يا دارين هبقى أتكلم مع سليم حاضر ثم تركتها وخرجت وهي تتأفف من طفلة مشاغبة غير مرغوب فيها! بينما كزت الاخرى على أسنانها بغيظ مغمغمة ؛ اكيد دي عملالكوا سحر، بس أنا بقا هعرف أتصرف لوحدي!
طرق ياسين باب منزل سليم وهو يهندم هيئته الجادة دومًا.. وبين طيات نفسه عزيمة واحدة ولكن قوية، وسينفذها حتمًا! سيتزوج من دق القلب لها، من قرع شوقًا ولهفة لقربها، من كانت أجمل صورة بعيناه دومًا وأبدًا! وفتحت له سيلا الباب بهدوء، ليسألها هو بجدية: أستاذ سليم موجود اومأت مؤكدة بهدوء: أيوة مين حضرتك اجابها بلين: أنا ياسين الدكتور النفسي الخاص بالأنسة نادين أشارت له للداخل وهي تهمس بحبور:.
أتفضل وانا هنادي سليم، بيه وإنخفض همسها اكثر عن كلمة بيه وكأنها تخشاها بحق! ونطقها لسانها بتلقائية جادة ملتزمًا بتلك القواعد الحتمة التي رسمتها هي لنفسها مع ذاك الصقر ... دلف ليجلس بهدوء في الصالون خلفها، بينما اتجهت هي لغرفة سليم لأخباره وجدته يجلس أمام اوراقه الخاصة بالعمل كعادته، فتنحنحت قبل أن تدلف: ممكن أدخل اومأ بجدية ؛ خير؟ في حاجة ولا إية، كمن إنتِ مابتجيليش إلا لو في مصيبة!؟
إهانة اخرى ملغمة بطعم الإهانة! وهل تتوقع أن تخرج كلمات من الصقر يومًا دون أن تمر على فلتر الإهانة ؟! نظرت للأرض وقالت بصوت مختنق: الدكتور اللي اسمه ياسين بتاع نادين مستنيك تحت اومأ موافقًا بجدية: ماشي روحي حطي له حاجة يشربها وأنا جاي وراكِ اومأت هامسة: حاضر كادت تستدير لتهبط، ولكن فجأة وجدته يمسك يدها، مثبتًا نظراته على عيناها التي كالعادة - دامعة - ليهمس بخشونة لا تناسب نظراته اللينة:.
كفاياكِ دموع مابتزهقيش منها وما كان منها إلا الهرب! وهل تستطيع فعل غيره اصلاً؟! بالطبع لا، حصار الصقر لا تغادره سوى من ثقب واحد صغير يمنن عليها به! بينما تنهد هو وهندم ملابسه سريعًا يسترجع هيئته الشامخة التي يفقدها مع تلك الطفلة ليتجه للأسفل... ووجد ياسين يجلس بهدوءه المعتاد، فاقترب منه مرحبًا: اهلاً نورت يا دكتور ابتسم ياسين بحبور: تسلم منور بصحابه سأله سليم بهدوء جاد يلازمه في تلك الأوقات:.
الخدم جابولك حاجة تشربها ولا لا؟ اجاب ياسين ببساطة: الحقيقة مشوفتش حد غير مدام حضرتك ودق القلب معلنًا الانتصار، بالفعل هي خاصته، هي له ملكه على أي حال من الأحوال! هي من تربعت على عرش قسوته فعدلته كما تشاء! ونظراته كانت صَك ملكية صدر منذ فترة بحق تلك الجاذبة، وفي قانونه من أصبحت تحت خانة - المهمين - لا تنحدر منها، ابدًا! وللغرابة اومأ بشبح ابتسامة قائلاً: تمام، تحب تشرب اية عشان أقولهم يجيبولك؟
هز رأسه نافيًا ؛ لا متشكر، أنا جاي عشان الجلسة وعشان أتكلم معاك في حاجة و سيلا تقف على بُعد مسافة منهم، والصدمة أساس بناءها! كيف زوجته ولم يعترض؟! كيف ربطها به في ثوانٍ بكذبة لن تدوم!؟ كيف صمت عن المستحيل الذي زلزل كيانها حرفيًا وقابله بابتسامة وهدوء!؟ دوامة من الأسئلة عصفت برأسها حتى شعرت بالدوار فكادت تقع وهي تحمل الأكواب من هول ما يحدث!
رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر
وهل رأيت من أحب الكذب يومًا ؟! بالطبع لا، ولكن هي أحبته، لا بل هللت ورحبت بكذبة جعلت قلبها يكاد يخرج من بين ضلوعها من إضطراب دقاته العاشقة! دقاته التي لم يُعترف بها حتى الان!؟ وشم وشمًا لا يزول حتى بالنيران! وشمًا كان أساسه نيران - متملكة -! أقتربت منهم لتضع الأكواب امام ياسين الذي قال بابتسامة: تسلم إيدك يا مدام وردت بتلقائية ادهشته: أنا أنسة مش مدام رفع حاجبه الأيسر وهو يسألها متعجبًا:.
هو مش حضرتك مدام سليم؟ والأجابة لم تكن من حقها تلك المرة، تكفلت دارين بأجابة مخصبة بالإهانة كعادتها: لأ طبعًا، أنا مدام سليم، دي الخدامة، مش معقول مش باين على لبسها؟! هزة رأس بسيطة مع ردًا أكثر احراجًا لها: بصراحة اه مش باين، الأنسة ماشاء الله شيك جدًا واللي يشوفها يقول ست بيت، مش بتشتغل هنا خالص يعني وتعمد إزالة كلمة خدامة التي وضعتها هي مسبقًا من كلامه..
ربما شفقةً على تلك المسكينة التي تلون وجهها بألف لونًا ولون! الأحمر، لون الخجل والغضب معًا والأصفر، من إهانة باتت دورية تعاد عليها مرارًا وتكرارًا! وهنا نطق سليم بجدية: خلاص روحي إنتِ يا سيلا همس ياسين بابتسامة ودودة: كمان سيلا، أسم جميل أوي وأشتعلت نارًا بصدره من مغازلة صريحة لا يستطيع التغاضي عنها! تؤرق دقات قلبه الذي جهر بالأعتراض، وتكسح أي هدوء او راحة تقابلها! فصاح فيه بحدة:.
خلاص يا دكتور ياريت تحترم البيت والراجل اللي أنت قاعد معاه غمغم معتذرًا بصدق: معلش يا أستاذ سليم، أنا بس بديت إعجابي بالأنسة لكن مش قصدي أي حاجة تاني يعني نظر سليم لسيلا يزمجر فيها غاضبًا من إستقبالها لتلك المغازلة على وتيرة الصمت: ما خلاااص مش قولت إمشي مستنية إية، امشييي وهمست بصوت شبه باكٍ: عن اذنكم ثم أستدارت لتذهب وهي تكبح دموعها بصعوبة كعادتها..
أصبحت متيقنة أنها لن تكون في صراع مع تلك العقربة أو صقرها إلا وتخرج منهزمة مُهانة منه! هي لم تكن ضعيفة يومًا هكذا.. لم تكن تصمت عن الإهانة ابدًا، ولكن تلك الرهبة هي من تمنعها من الدفاع عن نفسها دومًا! نظر سليم لدارين يقول ببرود: يلا يا دارين روحي شوفي وراكِ إية، أنا ودكتور ياسين هنتكلم في حاجة خاصة اومأت موافقة بامتعاض لتنهض: أوكيه، هستناك في أوضتك يا سليم، عن اذنك، عن اذنك يا دكتور همس ياسين ببلاهه:.
أتفضلي اتفضلي أستفاق من الحوار الذي حدث امامه وكان أشبه ل - مسلسل مصري ساخر - على صوت سليم الأجش: أتفضل يا دكتور قول حضرتك كنت عايز إية؟ منذ ثواني كان المشاهد، الان سيصبح الضحية التي يشاهدها المشاهدون بالتأكيد! قال لنفسه هكذا قبل أن يرمق سليم بنظرة جادة قائلاً: بما إنك تعتبر أخو نادين، وأهلها وكل حاجة ليها، ف أنا كنت عايز أتكلم معاك في حاجة بخصوصها سأله سليم متوجسًا:.
إية هي، ادخل في الموضوع على طول من غير مقدمات يا دكتور اومأ ياسين متابعًا وقد تحلى ببعضًا من الشجاعة: أنا كنت عاوز أطلب ايديها منك رمقه سليم بنظرات متعجبة، أي زواج يريد حدوثه هذا؟! أي رابطًا يجبره على الزواج ممن قد لا تُشفى لاحقًا! زواج ممن لا تدرك ما يحدث حولها حتى الان!؟ وهمس بسذاجة: إزاي يعني؟ رفع ياسين كتفيه مجيبًا ببساطة: جواز على سنة الله ورسوله يا سليم أستعاد سليم رباطة جأشه وهو يسأله بجدية:.
لية يعني؟ إستحالة تكون دايب في نظراتها، أو تكون شايف فيها زوجة مناسبة وهي أصلا مابتعملش حاجة شرد في اللحظات القليلة التي جمعته بها، في لحظات خلدت بين جدران ذاكرته بحروف لامعة بعشقًا - غريب - إلى حدًا ما! ليتنهد مردفًا: اه، تقدر تقول دايب في نظراتها، أنا نفسي مستغرب نفسي إزاي ويعتبر الحوار ما بينا من طرفي أنا بس، لكن أساسًا انا كنت بشوف نادين من بدري، من ساعة ما أنت جيبتها الدار معاك.
اومأ سليم وهو ينظر له متفحصًا هيئته الشاردة فيما هو متأكد منه، ليهتف بابتسامة عادية: تمام، إن شاء الله هرد عليك قريبًا، وتكون قولت لأهلك عشان يجوا معاك لو في نصيب بأمر الله اومأ ياسين مهللاً بفرحة زالت نصفها من بروده كلماته الثقيلة: بأذن الله، أكيد ثم همس بخلده في حيرة تملكت منه: وأنا هقنع أبويا إزاي بس ياربي! عاد على صوت سليم المازح: طب يلا مش هتطلع تشوف شغلك ولا إية يا دوك، هنقضيها سرحان؟
ومن أكثر منه شوقًا لرؤية معشوقته التي لا يعادل ربعها حتى من ذاك الشرود المكروه أحيانًا!؟ رمق سليم بنظرات امتنان وهو يقول: لا طبعًا، أكيد هي فين أوضتها؟ أشار له سليم واحدى الخدم يقترب: علي هيوريهالك، والمساعدة معاها فوق عشان لو احتاجت حاجة اومأ ياسين بابتسامة مشتاقة: ماشي بعد اذنك هطلع انا بقا وغادر على عقبيه تاركًا ذاك الصقر الذي لمسته كلمات ياسين العاشقة بحق! واخذ يتساءل بحيرة شاردة، متمنية.
هل قد أقع يومًا فريسة لذلك العشق؟!
وعندما يصبح الألم جزءً لا يتجزء منك، لا تعترضه ولا يعترضك، فيتسلل لخلاياك كمخدر، مؤلم حد الموت ! لم تعد رقية تشعر بجسدها من كثرة الضربات التي تلقتها من هنا وهناك، شفتاها الوردية أصبحت حمراء كلون الدماء! ولكن، فلنحذف - كَ - فهي فعليًا أصبحت غلافها الدماء، تضامنًا مع اجزاء جسدها التي مالت للأحمرار الزائد.. ولا مانع من سباب وكلمات لم تطرق على أذنيها من قبل! وماذا كانت تتوقع رد فعلاً أقل من هذا؟!
حرمانه من شعور الأب، وتلك المعاناة التي عاشوها سويًا بالطبع امرًا لن يمر مرور الكرام! ولكنها في نفس الوقت لم تتوقع ألا يترك جزءً بجسدها إلا وترك عليه اثرًا يذكرها بفعلتها الشنيعة! جلست في أخر الفراش تضم ركبتيها إلى صدرها، تكتبت تلك الدقات التي تحاول تقديم عذرًا لعاشق كاد يزهق روح معشوقته ولكن لم تجد! وخرج هو من المرحاض ليجدها على هيئتها تلك..
لم يركض لها ولم يحبسها بإحضانه ولم يعتذر لها عن رد فعل كان عنيفًا بشكل مُقهر! بل أتجه للدولاب الخاص به ليرمقها بنظرات باردة قبل أن يقول بنبرة توازي تلك النبرة: إنتِ لسة قاعدة كدة لية؟ أوعي تقولي إنك موجوعة من الضرب!؟ لم ترد بالطبع، وأين لسانها السليط من الأساس ليرد الان!؟ جُرح وينزف كما جُرح قلبها قبل جسدها، لتتيقن أنها اصبحت عنده تحت خانة القمامة!
أقترب منها فعادت للخلف أكثر تتحاشى نظراته التي تُكمل عليها قتلاً لتسمعه يقول: لا لا مش من حقك خالص، إنتِ كدة اخدتِ نص الجرعة بس، لسة النص التاني مايخطرش على بالك أصلاً كز على أسنانه بغيظ يخرج مفترقًا منه ليتابع بغل واضح: إية يا حبيبتي، كنتِ متوقعة إية مني كراجل أتعذب واتضغط وحزن واتقهر لما عرف إن مراته مابتخلفش، وبعدها بمنتهى البساطة عرف إنها هي اللي حرمته وحرمت نفسها مش اكتر.
بدءت هي بالبكاء الحاد، ذاك البكاء الذي إختزنته لفترة طويلة إلى حدًا ما.. إزداد شعور الندم بجوار الألم فلم تعد لها قدرة أكثر على الأختزان! وأمسك ذراعيها يهزها بقوة صارخًا: لا يا رقية لاا، أنا مش بطل مسلسل ولا فيلم هقولك إتس أوكيه يا بيبي فداكِ ما كلنا بنغلط، إنتِ غلطك كان مع سبق الإصرار والترصد للأسف!
نهض وهو ينظر للجهة المقابلة ماسحًا على شعره بغضب، ليصدح صوته معلنًا أوامره بشخصيته الجديدة - القاسية -: اسمعي بقا يا بنت الناس، أهلك ناس محترمين على عيني وعلى راسي، لذلك هما مش هيعرفوا أي حاجة، كفاية عليهم موت بنتهم الوحيدة الأصيلة، قسمًا بربي اللي ما بحلف بيه كدب يا رقية، لو شموا خبر بس باللي بيحصل بينا لأخليكِ ماتشوفيش الشمس تاني، وماتنسيش إنك لسة مراتي، للأسف!
قال كلمته الأخيرة وهو يلتفت لها بنظرة عميقة متأسفة فعليًا.. واخيرًا خرج صوتها ضعيفًا مبحوحًا: خلصت كل كلامك وإهاناتك وأوامرك اومأ ساخرًا بجمود: اه، عند حضرتك أي تعليق هزت رأسها نافية وهي تنظر ارضًا: وأنا عليّ التنفيذ أشار لها متابعًا بحدة: هنزل تحت أعتذر لجدي واقعد معاه شوية، أطلع الاقي الأوضة دي زي الفل، وأنتِ محضرة لي الأكل بنفسك مش حد من الخدم ثم صرخ بصوت عالي إلى حدًا ما: سااامعة اومأت بضعف هامسة: سامعة.
استدار مغادرًا، كالأعصار الذي دمر كل شيئ بنجاح ثم غادر ببرود ظاهري! نهضت وهي تتأوه من الألم الذي يجتاحها كليًا.. ووقع نظرها على ذاك - الدواء - وفي قرارة نفسها تلعن ذاك اليوم الذي قررت فيه ذلك القرار المخزي! وبلا تردد اتكأت تمسك به ثم اتجهت للشرفة تفتحها لتلقي به مع زفرة قوية مشتعلة بشحنات حانقة من نفسها قبل أي شيئ!
بمجرد دلوف ياسين إلى الغرفة حتى وجدها كالعادة شاردة في مٰلكوت أخر! مٰلكوت لم تكن به ضحية.. بل كانت القاضي الذي يحكم كيفما شاء وأينما شاء! ملكوت هي به سلطانة متوجه على عرش القوة، وليست ذبيحة مُقدمة لذئاب بشرية! أقترب منها ينتحنح بهمس حنون: نادووو وحانت منها إلتفاته صغيرة مع نصف ابتسامة وهي تبادله الهمس المنقطع: ي ياسين! وإنفجرت أساريره من أستجابتها التي شعر انه سيموت حتمًا قبل أن يلقاها!
وفي قاموسه تجاوبت معه يعني أن قلبها كاد يمتزج بذاك الشوق والعشق الذي يعتصره وفي حد ذاته هذا يُعد إنجاز! جلس بجوارها ليبدء بسؤاله الهادئ: عاملة إية النهاردة؟ أكيد القعدة هنا أحسن من الدار مليون مرة ظلت كما هي فسألها بتوجس: لسة بتجيلك الكوابيس اللي بتصحي مفزوعة منها؟!
ظلت تهز رأسها مؤكدة بقوة، بدموع جاءت مجاورة لتيارات جارفة من الألم لتلك الذكريات أو المعنى الأصح - تلك الكوابيس - التي ترغب في محوها نهائيًا! ليمسد على شعرها بحنان صادق قبل أن يستطرد ؛ لو تحكي لي، لو تخرجي اللي جواكِ وتشوفي وتعرفي أنا حبيتك إزاي هترتاحي، والله هترتاحي وهتريحيني معاكِ تنهد قبل أن يبدء اسئلته النفسية المعتادة ؛ مين أكتر حد بتحبيه؟
لم تستجيب، صمت فقط من تلقاه كالعادة، ليسألها مرة اخرى بتركيز: طب مين اكتر شخص بتكرهيه، او اكتر شخص اذاكِ؟ صمت، يتبعه همسه مختنقة منها: حازم! أبتسم بسعادة وهو يتابع مترجيًا: طب لية يا نادين؟ لية بتكرهيه ومين حازم؟ أجابت بنفس الشرود المختنق: شيطان! وقد تكون تلائمت الخيوط مع بعضها إلى حدًا ما بين جنبات عقله.. الان أدرك ولو قليلاً، من أذاها - حازم -.
حازم فقط من ترك اثرًا عميقًا يتوسطه لقبًا قد يكون يناسبه - الشيطان -! مسح على شعرها بكل ذرة حنان يمتلكها ليهمس بعدها بتصميم: هاتخفي يا نادين، هاتخفي وهتنتقمي من اللي عمل فيكِ كدة ثبتت يداها على يده بابتسامة صغيرة زينت ثغرها الأبيض، وهي تهمس باسمه كأنها طفلة تردد: ياسين! زفر هو بقوة ليتمالك نفسه قبل أن يكمل جلسته العلاجية المعتادة، والتي يتجدد بها الأمل في شفاء تلك المعشوقة!
والذبلان، إحدى علامات قرب الأنهيار العام، قرب الدمار الكلي والمحتوم ! يبتسم ويتحدث ويتحاور ويهنئ وينام، ولكن، يبقى شيئً ما يُنغز عليه هدوءه المؤلم ليذكره ب - الغالية - التي لم ولن ينساها من الأساس! لم تكن حفيدته فقط، بل كانت أبنته وإن كره الاخرون! عاد بظهره للخلف يتسطح على الفراش، يغمض عيناه وهو يعود بذاكرته لسابقًا يتذكر ما كان قد يريده من - المحامي الخاص به -.
يتذكر رغبته في تغيير الوصية لتصبح بأسم ابنه وحفيدته رقية فقط بعدما كانت تستحوذ سيلا على النصيب الأكبر! يتذكر شعوره الذي نهره لتلك الفعله، شعوره الذي تأجج بداخله يدعوه للأنتظار، يصدح بداخله هي مازالت على قيد الحياة، تمهل وبالفعل انتظر، انتظر وسينتظر ما دام به نفس، سيظل يبحث عنها حتى يذهب لها، في عالمًا ليس به فراق أو حزن! وتنهد وهو يسترجع ما جعله يقوم بعزاء ل سيلا ...
عل هؤلاء الأوغاد إن كانت معهم يتركونها لأعتقادهم أن اهلها قد فقدوا الأمل! ولكنه لن يبعث الأمل في نفوس الاخرين بأحتمال استمرار سيلا على قيظ الحياة، فيأتي الخبر الصادم الحقيقي ويطفئ شعاع الأمل الوحيد، بلهيبًا من نار الفراق! و... فلاش باك ## لاااااا يا عثمان لاااا، قولت مش هتتجوز البت دي يا عثمان كله إلا دي.
قالها نصار بغضب حارق يحتل كيانه لأبنه الأكبر عثمان الذي يقف امامه متمثلاً لكل معاني الأصرار والرغبة.. ليرد هو مندفعًا برجاء: لية يا بابا، لية حرام عليك تحرمني من البنت الوحيدة اللي حبيتها هز رأسه نافيًا وهو يبرر: يا حبيبي عيلتها في بينا وبينهم مشاكل لا تعد ولا تحصى، وانت عارف كدة كويس، يبقى لية تفتح القديم تاني؟ صرخ بنفاذ صبر واصرار:.
لأني بحبها، انا مليش دعوة باللي حصل بينكم وبين عيلتها زمان، احنا ولاد النهاردة يا بابا هز نصار رأسه نافيًا بجمود: لا، حتى لو أنا وافقت اهلها مش هيوافقوا قال عثمان مسرعًا بلهفة: وافق انت بس يا بابا ارجووووك تابع نصار زافرًا بضيق: البنت لو هربت من أهلها العداوة هتتفتح تاني، ومش بعيد يبقى فيه دم كمان! وإن وُجد سدًا من جهة، وسدًا أقوى من الجهة الأخرى، لا يبقى امامك سوى اختيار واحد واخير المراوغة الٱجبارية !
تنهد عثمان قبل أن يقول عازمًا على الحفاظ على نبته نَمت بداخله لن يميتها بسموم الماضي: أنا هاتجوزها يا بابا، حتى لو اضطريت اخدها واهرب أنا وهي من البلد كلها باك... كادت تفر دمعة هاربة من أعين نصار وهو يهمس بندم: ياريتني سيبتك تتجوزها يابني مكنتش هربت وبعدت عني وعن أهلك ومعرفش عنك اي حاجة، غير إنك مُت يا ضنايا!
وإن كان القرار وحده لا يجدي نفعًا، فعندما يُغلف القرار بالإصرار القوي للفرار من أهانات مميتة، فسيجدي نفعًا بالتأكيد ! مسحت سيلا دمعة كانت كالدماء تقطر من بحر عيناها المشتاق، الملتهب! لتنهض وهي تنظر حولها هنا وهناك، هذه المرة لن يوقفها مخلوقًا! ستفر هاربة ولن تعود، وإن كان هذا الهرب تأخر قليلاً اجباريًا فهذه المرة ستدعو من كل قلبها أن تنجح في الهرب..
ستخلف وعدها بالانتظار لشهرًا حتى يجد الصقر خادمة اخرى.. ولكن لا يهم، لا وعوود ولا قلق ولا إنتظار سينقذها من قبضة الصقر عندما يعلم حقيقتها! الفرار افضل حل على أي حال... سارت على اطراف اصابعها نحو الباب وعيناها تتفحص المكان من حولها.. وفتحت الباب ببطئ شديد حتى لا تيقظ ذاك العامل، وما إن اخرجت قدمها لتسير حتى وجدت من يقيد حركتها من الخلف ويضع يداه على فاهها حتى يمنعها من الصراخ و...!