رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر
مصائب! عندما تتكاثر وتزداد عليك تشعر وكأنك مغناطيسًا - خطيرًا - جاذبًا لها! وهو لا يعرف لمَ تركض ورائه المصائب واحدة تلو الأخرى، وكأنها ربطت شباكها الحديدية به فتعلقت به للأبد حتى تنتهي وتنهيه معها! نظر لياسين مسرعًا وهو يضع هاتفه في جيبه مرة اخرى وقال: قولهم يجهزوا كل حاجتها في الدار وهتخرج من المستشفى على هنا سأله ياسين بهدوء: إنت رايح فين؟ اجابه وهو يستدير ليذهب: لازم امشي دلوقتِ، سلام.
اومأ ياسين متنهدًا: ربنا يكون في عونك شكلك جات لك مصيبة تانية ونظر لنادين الهادئة، لأول مرة يلحظ ملامحها التي تنم عن الضعف! الهالات السوداء التي تكونت تحت عيناها - مؤخرًا - الجاذبية التي تختبئ خلف شحوب وجهها كستار عازل لمنع تلك النظرات التي تخشاها، وبشدة! ومد يده يتحسس وجهها الأبيض ليهمس بشرود: شكلك عانيتِ كتير أوي! وكأنها اصرت على الاجابة فصدر منها أنينًا خافتًا متألم..
أنينًا ذُبح حرفيًا كما ذُبحت هي تمامًا! هو يراها ساكنة نائمة تنعم بالراحة.. وهي تتعارك مع ذئابها البشرية في كابوسها الذي يتردد لها باستمرار... ظلت تعود للخلف وجسدها كله يرتعش، الظلام فقط من يحبسها مع هؤلاء الذئاب الجائعة... ودموعها تسبق كلماتها المترجية التي خرجت علها تجد شبرًا واحدًا من الرحمة أو العطف: ارجوكم ابعدوا عني، سيبوني ولكن بالطبع بينهم وبين رجاءها الحار سدًا منيعًا من رغبتهم الجامحة فيها!
ظلوا الاثنان يقتربا منها اكثر بهيئتهم الرجولية - اللثمة - ويترنجوا في سيرهم فتحاول الفرار.. فتجد واحدًا منهم يتمسك بقدماها قائلاً بخبث: رايحة فين يا حلوة، أحنا لسة معملناش حاجة ظلت تنحب وهي تترجاه مبتعدة قدر الإمكان: ارجوك، ارجوك سيبني أمشي، أبوس ايدك سيبوني وكانت ابتسامته تزداد إتساعًا وهو يراها مرتعدة هكذا! فتحسس وجهها بيده المقززة قبل أن يهمس: أسيبك اية، متخافيش يا حلوة، أنا هكون حنين أوي معاكِ.
ظلت تهز رأسها نافية بهيستريا... وكلما اقتربوا منها اكثر كلما إنقبض قلبها اكثر فشعرت به سيتوقف! وإنقضا عليها كذئاب مفترسة لم تصدق عيناها عندما وجدت فريستها! وهي تصرخ حتى ذُبحت احبالها الصوتية فما عادت تستطع الصراخ! ترى حياتها تُسحب منها كما يُسحب حق لم يكن لهم يومًا! ترى نفسها ذبيحة لذئاب افترست ما تركه الأخ! واستيقظت صارخة كعادتها تبكِ..
وياسين يهدئها كالعادة، ولكن تلك المرة الكابوس كان بجرعة أكبر من العذاب فلم يستطع تهدئتها! ويحاول الاقتراب منها ليهدئها: نادين اهدي انا ياسين؟! ولكن أبت الرضوخ، هي بعالم لم يكن ياسين فيه معها ليحميها! لم يكن سليم بجوارها ليحنو عليها! كانت فقط الذئاب تكشر لها أنيابها لأسباب مختلفة! وإن تركها هكذا حتى تهدئ فستصاب بأنهيار عصبي بالطبع..
فلم يجد سوى تلك - الحقنة - المهدئة التي منعها عنها من قبل حلاً لتهدأة ثورتها التي بدت لا نهاية لها!
وسليم، تقريبًا اعتاد على حالات الفزع تلك التي أصبح بها مؤخرًا، لا تتركه ولا يتركها! الألاف من الأسئلة تتشابك في سماء قلقه الذي يجتاحه إلى حدًا ما.. لمَ يقلق من الأساس، هي مجرد خادمة كما يقول لها، ماذا حدث اذًا؟! لا والله حدث، حدث الكثير والكثير في هذان الأسبوعان! دقاته التي تقرع مطالبة إياه بالإسراع تعني حدث... عقله الذي تشتت من كثرة التفكير فيما تكمن الاصابة يعني انه حدث!
اعضاؤه الجسدية التي تُسرع الى المنزل على غير عادته تعني انه حدث! ولكنه يجهل ما حدث، يعي انه ينجذب لها قليلاً فقط... لذلك يقلق قليلاً فقط! وصل الى المنزل فركض مترجلاً من سيارته، ليسأل صادق مسرعًا: إية اللي حُصل يا صادق؟ اجابه صادق متوترًا: والله ماعرفشي يا سليم بيه، أنا رچعت مكاني تاني أول ما كلمت حضرتك اومأ وهو يتجه للداخل، ليجد خالته بجوار سيلا التي مازالت فاقدة الوعي..
وبقلق إتضح في نبرته دون وعي منه سأل خالته: إية اللي حُصل يا خالتي مالها؟ اجابته بقلة حيلة وهي تمسح الدماء التي كانت تسيل من جبين تلك المسكينة: والله ماعرف يابني، انا ملقتهاش ف البيت ف قولت للخدم يدوروا عليها، فهما لاقوها مرمية في اوضتك بنفس الحالة اللي إنت شايفها دي اقترب منها بهدوء يرش عليها قطرات المياة.. كل قطرة تأمرها أن تُسرع في الاستيقاظ عن ذي قبل! يأس فنهض قائلاً بحزم:.
لأ انا مش هستنى اكتر، هتصل بالدكتور هو يشوف مابتفوقش لية اومأت جميلة مؤكدة: ايوة يا سليم بسرعة معلش أتصل بالطبيب ليسرعه بالقدوم، فلبى طلبه بالتأكيد.. ومن لا يقدر على عصيان أمر الصقر! هي فقط وحدها التي جعلت من امره من عصاه حديدية تسقط على الشخص فينفذ فورًا.. لعصا بلاستيكية تُشكلها كيفما شاءت! ربما هذا هو سر جاذبيته لها؟!
ومر الوقت سريعًا، او شعر هو به سريعًا فلم يشعر سوى بالطبيب يدلف من الباب متجهًا نحوه.. فسأله بجدية: إية اللي حصل يا استاذ سليم؟ تنهد مجيبًا وهو يشير لها: بيقولوا طلعوا لاقوها واقعة بنفس الحالة دي اومأ وهو يقترب منها ليتفحصها بهدوء، مرت دقائق حتى انتهى فنظر لسليم وقال بدبلوماسية: هي اخدت مخدر، مفيش اي حاجة أول ما وقته ينتهي هتفوق طبيعية، والأصابة دي سطحية، انا طهرتها لها وعملتها، يعني مفيش قلق.
تنهد بارتياح ممتنًا: متشكر يا دكتور تعبناك معانا هز رأسه نافيًا: لا شكر على واجب، انا في الخدمة ابتسم سليم ابتسامة صفراء وهو ينظر على سيلا.. قطته الشرسة التي بدت ضعيفة وساكنة الان! فقدانها لوعيها شكل واقعها الذي تحاول رسم غيره! وغادر الطبيب فبقى هو وجميلة معها ينتظراها بنفس الجلسة.. حتى أشارت جميلة لأحدى الخدم قائلة: تعال يا معتز شيل سيلا وديها أوضتها وتلقائيًا وجد سليم نفسه يعترض متنحنحًا:.
لا يا خالة، خليك يا معتز أنا هوديها ثم أقترب ليحملها بين ذراعيه بخفة، يشعر بتنفسها المنتظم الذي يلفح صدره فيشعره بسخونة اقترابها! وتنهد وهو يدقق النظر لها، وتعجبت خالته وابتسمت في آن واحد وهي تراه يتجه نحو غرفته هو! اما هو فوضعها برفق على الفراش الخاص به، وكأنها ماسة يخشى خدشها حتى!؟ مسح على وجهها بنعومة وهو يهمس: إية اللي حصل ياترى؟ قبل جبينها بهدوء ثم ابتعد! قبل جبينها؟!
هل فعلها يومًا ألا لوالديه او خالته؟! لم يفعلها ابدًا، والسؤال المعتاد الذي يجتاحه عند تلك المواقف ماذا يحدث معه؟! لفت نظره الغرفة التي كانت كما تركها تمامًا، لم يتغير بها اي شيئ.. نهض مسرعًا ليغلق الباب، ثم وقف في منتصف الغرفة ليدب بقدمه قليلاً، ففُتحت خزنته السرية! ظل يتفحصها ليطمأن على اوراقه.. اوراق انتقامه التي ستهدئه فوجدها كما تركها.. عقد حاجبيه وتساءل: امال إية اللي حصل!؟
نهض ليجلس لجوارها، منتظرها أن تفيق حتى يهدئ ثورته المرتعدة!
بعدما إنتهت رقية من تنظيم المنزل لعودة جدها الحبيب اتجهت لغرفتها والتي نام بها مجدي بكل برود.. برود قررت أن تصنع غلافًا له لتعتاد عليه مع الوقت حتى لا تُصاب - بجلطة - في القلب! بالطبع لم تنسى سيلا... وآآه من فقدان لم يتأكدوا منه، دائرة ينقصها التأكيد فتصبح دائرة مميتة فعليًا! زفرت وهي تنظر لمجدي بغيظ.. ينام هو بهدوء تام ويتركها هي الدماء تغلي بأوردتها بفعل كلماته اللعينة! وقررت وأنتهى الأمر!
ستنفذ ما قالته له أمنية ، على ما يبدو أن كلامها هو من سيجدي نفعًا مع ذاك ال مجدي ... وإن اضطرت التخلي عن شيئً اخر حتى تكمل مربع خطتهم النسائية! اتجهت لدولابها لتخرج قميصًا قصيرًا من اللون الأحمر اللامع يصل إلى ركبتيها ومفتوح من الجانب الأيمن، ذو فتحة عريضة عند الصدر.. ثم اتجهت للمرحاض لتغتسل، فتح مجدي عيناه، فهو من الأساس كان مستيقظًا يشعر بنظراتها تمطره فتود احراقه بغيظها! ضحك بخفوت ليهمس في خلده:.
هتلعبي معايا بسلاح ذو حدين، بس أشطا يا روكا هنستمتع أوي بينما هي بعد قليل إنتهت من حمامها الممتع وخرجت مرتدية - البكشير - القصير تلف به جسدها الناعم.. وشعرها المبلل يقطر قطرات من الماء.. كان مجدي يراقبها بعيناه التي كادت تفترسها.. وفجأة صدح صوته الأجش: فكرة حلووة بردو اللعب ده شهقت بصدمة فكادت المنشفة تقع منها ولكن أمسكت بها في أخر لحظة..
حاولت أن تصطنع ذاك الثبات الذي فقدته وهي تتقدم من - التسريحة - الخاصة بها، وجلست على الكرسي بدلال خاص.. دلال مقصود لذوبان جليد مجدي وكانت تهندم خصلاتها برفق... ثم نهضت لتدلف إلى المرحاض مرة اخرى لترتدي قميصها الأحمر.. انتهت وخرجت بطلتها المثيرة التي اجبرت عيناه على التحديق بها اتجهت للفراش وتسطحت بجواره، ثم نظرت له مشاكسة بجدية مزيفة: خير في حاجة باصص لي كدة لية؟
ومن دون مقدمات طل عليها بمنكبيه العريضين ليمنع انفاسها من الأنتظام! إبتلعت ريقها بصعوبة مغمغمة: في إية يا مجدي اقترب اكثر ليهمس: إنتِ اللي فيه إية، عايزة إية رفعت كتفيها ببراءة مصطنعة: مش عايزة حاجة طبعاً هكون عاوزة إية هز رأسه نافيًا: عليا بردو، ده انا عاجنك وطابخك يابت ودعوة الاقتراب المغري كانت تنضح من عيناها العسلية، فأجاب الدعوة وهو يقترب ناظرًا لشفتاها..
حتى أنقض على شفتاها يلتهمهم بنهم في قبلة طويلة عميقة، قبلة أوضحت لها ما حاول اخفاؤه خلف شظايا قسوته! وتحولت لقبلات متتالية لا تنقطع على رقبتها الظاهرة بنعومة اثارت قشعريرة جسدها، ثم لجبينها ووجنتيها ثم عودة لشفتاها مرة اخرى... كادت يده تعبث بقميصها، ولكن استعاد نفسه ليبتعد هامسًا بجمود بجوار اذنها: خلاص يا رقية، بطلت اضعف ادامك لو ده هيجيب الإهانة لأمي...! ثم تركها ونهض هكذا ببساطة؟!
وإتصال اخر يستقبله الخادم - الخائن - للمعروف من الخاطفين.. إنعزل في جزءً صغيرًا كعادته ليطمأن من عدم سماع أي شخص لهذه المكالمة التي يمكن أن تكون سوطًا يهبط عليه فيدمر حياته بلا رحمة! وبالطبع هذا جزاء الخائن عند الصقر! رد على الهاتف ليهمس خافتًا: الووو ايوة يا باشا اتاه صوت الاخر الأجش قائلاً: الوو أيوة يابني، في جديد هز رأسه نافيًا وقال: لا يا باشا لحد دلوجتي ماحاولتش تهرب سأله ببعضًا من التعجب:.
إنت متأكد من الكلام ده؟ اومأ بتأكيد: ايوة يا باشا، ده انا زي ظلها 24 ساعة من غير ما تاخد بالها تابع بجدية: طب كويس جدًا، استمر انت كدة، ولو حاولت تهرب اعمل المستحيل وهددها بجدها تاني لو أصرت، لاننا مش هنضحي بنفسنا عشان نرجعها لأهلها اومأ موافقًا: ماشي يا باشا ثم همس ببعضًا من التوتر شابه الأعتراض: بس يا باشا أنا كنت عايز اسأل، أكيد انا مش هراجبها طول عمري يعني نفى الأخر بصلابة:.
لا لا، أحنا اساسًا مسافرين برة البلد خلال شهر، والشهر اهوو عدى منه اسبوعين، هتراقبها اسبوع كمان بس لحد ما نطلع برة البلد وسيبها على راحتها اومأ بتنهيدة: طيب يا باشا، زي ما أنت عاوز ابقى بلغني لو حاولت تهرب حاضر يا باشا سلام مع ألف سلامة.
أغلق الهاتف وهو يزفر بقوة.. يزفر بضيق على أموال كانت ذراعًا لأجباره على ما لا يرغبه ولا توقع أن يفعله يومًا، وخاصةً مع الصقر!
وإستعادة وعيها بعد إنتهاء مدة المخدر كان أمرًا مفروغ منه.. وأبتعدا جفنيها عن بعضهما ليشرق بحر عيناها الساحر، تأوهت بألم وهي تضع يدها على جبينها بجوار الإصابة.. فنهض سليم متجهًا لها بهدوء، وما إن إرتكزت نظراتها امامها حتى رأته، كادت تصرخ قبل أن تعي انه سليم: اية ده انا فين!؟ اقترب منها بهدوء جاد ليرد: إنتِ في أوضتي وقبل أن تكمل تابع: اللي إنتِ جيتيها بنفسك.
وكأن كلمته داعبت ذاكرتها مطالبة إياها بتبريرًا واقعيًا يملي رغبة عقله في فهم ما حدث.. فسألته ببلاهة: أنتم لقتوني على السرير إزاي؟! هز رأسه نافيًا: لا إحنا لقيناكِ مرمية على الأرض ومتعورة كدة عضت على شفتاها السفلية بقلق وخوف، خوف مكبوت رأه يتفجر بين بحور عيناها كلما تعمقت في التذكر! فسألها متوجسًا: إية اللي حصل؟ رفعت كتفيها مجيبة بصوت مختنق: معرفش كز على أسنانه بغيظ وسألها مُصرًا:.
إزاي يعني أمال مين اللي يعرف، إنطقي يا سيلا إية اللي حصل؟ هي لا تكذب! بالفعل هي تجهل ما حدث.. تجهل كونها كأنها ارادت سبر اغوار غموضه لتجد نفسها بين دائرة تحطيها من الخطر! دائرة لا تعلم متى دخلتها ولا كيف دخلتها!؟ ولكن - غالبًا - رغبتها ما رمتها في تلك الدائرة، لتتعلم حرفيًا أن تُشدد قيودها عليها فيما بعد! فلا تضطر لمعاناة ما عانته من خوفًا حقيقيًا مرة اخرى! ونظرت للأسفل تفرك أصابعها بتوتر قائلة:.
صدقني انا معرفش تحديدًا إية اللي حصل، أنا كنت داخلة الأوضة وآآ.. قاطعها بسؤال هادئ ولكن جاد ؛ لية؟ تصنعت عدم الفهم: لية إية؟ أعاد سؤاله متحكمًا بغيظه فلا ينفجر بوجهها ضاربًا بأستفزازها عرض الحائط فيحوله لشظايا تخشى قسوته: لية دخلتِ أوضتي، وياريت ماتختبريش صبري كتير، إتقي شر الحليم إذا غضب إبتلعت ريقها بصعوبة لتهمس: معرفش، لاقتني عاوزة أدخلها أشار لها أن تكمل فقالت:.
وفجأة ماحستش غير بواحد بيخدرني وبس، صحيت لقتني هنا سألها بجدية: شوفتيه؟ هزت رأسها نافية: لأ ملحقتش تنهد وهو يمسح على شعره والغيظ يتشرب داخله أكثر فأكثر.. وما زاد - الطين بلاً - كما يقولون.. قولها الجاد وهي تنهض: أنا همشي من البيت ده، إستحالة اقعد هنا لحظة واحدة تاني!
رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر
ذهاب، و رحيل! كلماتان بمعنى واحد، وإجابة واحدة في قاموس الصقر .. لأ قالها ببساطة وهو ينهض مقابلاً إصرارها العازم على الهروب من الخطر.. بجمود حتمي يخبئ خلفه رغبة خلف رغبة يمنعهم بمهارة من الظهور! فرمقته بنظرات متعجبة من رفضًا غير مبرر بالنسبة لها ثم سألته بحدة: وإنت مالك أصلاً؟ رفع كتفيه ليرد ببرود: أنا صاحب الشغل اللي إنتِ بتشتغلي فيه وبقولك لأ عقدت ذراعيها متساءلة بغيظ مكتوم: لأ لية إن شاء الله؟
وكالعادة رسم الجدية الخشنة قبل أن يقول مشيرًا بأصبعه: واحد إنتِ ماعندكيش سبب مقنع، أتنين أنا صاحب الشغل وبقولك مش هينفع تسيبيه دلوقتِ لإني مفيش خدامة تاخد مكانك، تلاتة أنا مش فاضي لشغل العيال ده إطلعي برة جحظت عيناها بذهول حقيقي.. يرسم لها خطوط رغبته وإرادته، ثم يتركها وكأنه متأكدًا من سيرها حسب خطوطه - إجباريًا - دون تردد! ولكنها لن تفعل، لن تكون خائفة مرتعدة دائمًا وهي التي كانت لا تهاب شيئً!
فكزت على أسنانها بغيظ، ثم خرج صوتها جامدًا بصلابة: السبب المقنع وعندي إن انا حتى معرفش مين الناس اللي جم دول وعايزين مني إية او حتى عملوا فيا أية، أما انك بتقول الشغل فدة مش ذنبي إن مفيش حد عايز يشتغل عندك ورده كان حازم: اللي جم دول ماجوش عشانك إنتِ، رغم إني مش مضطر أبررلك بس دول جايين عشان ياخدوا ورق تبع الشغل اومأت بتصميم: بردو جلس مرة اخرى وقال بهدوء بارد: أبقي إمشي أول ما ألاقي شغالة مكانك.
ولا مفر مر فرمان صدر من الصقر.. فرمان إن خالفته بالتأكيد سيُصدر واحدًا مماثلاً له - للقضاء عليها - وللحق هي في غنى عن غضبه الجم! اومأت بنفاذ صبر: ماشي ماشي، بس أول ما تلاقي شغالة همشي فورًا اومأ بجمود: أبقي امشي، اكيد مش هشبط فيكِ زي العيل الصغير من جمال عيونك يعني ورمقته بنظرات مغتاظة.. لقد تيقنت أن مشاداته لها أصبح لا يستغنى عنها، وكأنها تصدر تلقائيًا كلما رأها امامه! فأجابت بسؤال مصحوب باللوم:.
هو أنت مابتعرفش تشوفني إلا وتنكشني يعني؟ لية بتجر شكلي نفسي أفهم يعني!؟ وهو نفسه يجهل ذاك السبب! يجهله أم يريد تجاهله عن عمد؟! لا يهم ايًا كان، هو بعنفه الدائم معها يستشف إنقطاع خيوط إنجذابه لها! والتي تقريبًا تأتي بنتيجة عكسية تمامًا! إبتسم من زاوية فمه ليهتف: الحقيقة مش عارف، بس ممكن تصدقي! وفغرت فاهه وهي تحدق به كالبلهاء! اصبح تجفل من تغيره المفاجئ هذا..
وكأنه شيئً ما مدهش ينتقل من مرحلة لأخرى قبل أن تبدء باستيعاب ما يفعله! عقدت ذراعيها لتغمغم بغضب: رخم كان مفروض يسموه الصقر الجارح مش الصقر بس وإقترب منها في لمح البصر يمسك ذراعها ليسألها بحدة مصطنعة: إنتِ قولتِ إية؟ إبتلعت ريقها بازدراء، ثم اجابت بعدم فهم مصطنع: أنا، هو انا قولت حاجة اصلاً، انا مقولتش خالص يعني كادت أبتسامة صغيرة تشق طريقها لثغره كعادته عندما يتحدث معها..
وأصبح يتعجب نفسه، لا يصبح على طبيعته ابدًا معها! وكأنه يُسلط عيناه على افعالها الجيدة فقط، حتى ينقذها من غضب الصقر المُدمر! هل تُشكله هو كقطعة صغيرة كيفما شاءت دون أن تدري؟! تركها وهو يشير لها للخارج ويقول: روحي على شغلك، وتجبيلي كوباية قهوة مظبوطة اومأت بحنق: ماااشي سارت وكادت تخرج إلا أنه اوقفها بصوته الأجش: أستني إلتفتت له متساءلة: نعم!؟ أشار لفاهها متساءلاً بعبث وخبث:.
مش ده اللي بينطق حاجات هو مش أدها، انا بعد كدة هعاقبه بطريقتي بقا وسألته بسذاجة: إزاي يعني؟! وفرصة للأقتراب يجب إغنتامها كعادته، فاقترب من شفتاها الوردية التي اصبح يتوق لأكلها.. لتبتعد هي صارخة بجزع: خلاص خلاص فهمت أنا اسفة قهقه على ذعرها ليشير لها: طب يلا يا طفلة أطلعي برة زمت شفتيها بحنق: أنا مش طفلة سألها بخبث: وإية اللي يثبت لي ونظراته أوحت لها ما يدور بخلده، فأشارت له وهي تركض:.
خلاص خلاص أنت مابتعرفش تفكر غير في كدة ليضحك هو هامسًا: والله طفلة، بس طفلة هتخليني أعمل حاجات كتير تندمني فيما بعد!
وعندما تكون مشاهد فقط تختلف عن كونك أنت المحاور ! وصل مجدي إلى منزله الأخر... لم يكن يعلم ضرر الزيجة الثانية، رأى وسمع المشكلات والغيظ الذي يكون ضبابًا حول الزوجة، وماسًا لمن يحاول مشاكستها ويسخر ويصمت! ولكن الان، فعليًا يجرب ذاك الغيظ الذي إنفجر من شخصًا غير متوقع! رقية التي كانت تُمثل المعنى الحقيقي للهدوء والرزانة! ولكن الغيرة فعلت فتيل الغيظ بداخلها!
فتح باب المنزل ليجد بدور تجلس بجوار والدته أمام التلفاز يشاهدون أحدى الأفلام بهدوء، بجوار ضحكاتهم العالية والتي كانت كالسهام تقصد هدفًا ما! وظل ينظر لوالدته باذبهلال... ألم تكن تلك من كانت تتجنب رقية دائمًا!؟ بل غالبًا لا تجلس معها وحدهم!؟ ألم تكن تلك قوانينها المعتادة مع زوجته، الان تنحدر عن تلك القوانين مع زوجته الاخرى، ولكن - الغاية تبرر الوسيلة -! اقترب منهم وهو يلقي التحية: السلام عليكم يا أمي.
اجابت بود: وعليكم السلام ثم سألته مصطنعة خطوط الحزن على قسماتها: عملت إية يا حبيبي؟ سألها بجدية: بتسألي لية يا أمي؟ رفعت كتفيها لتجيب بلامبالاة مصطنعة: عادي بسأل مش أكتر تابع بجدية ألزمتها الصمت: لو سمحتي ماتفتحيش الموضوع ده تاني، وتأكدي أن اخدتلك حقك وخلاص اومأت هامسة بهدوء: طيب إتجه للداخل كالأعصار الغاضب يكتسح من امامه، فلكزت بدور في ذراعها مغمغمة بخبث:.
قومي يابت ورا جوزك شوفيه، أكيد جاي متنكد من عند الهانم اومأت وهي تشير لها بنبرة خبيثة توازي خبثها الدائم: منا عارفة بس كان لازم أكون الزوجة المطيعة اللي مابتتدخلش بين الأم وأبنها ضحكت متابعة: طيب يلا ياختي قومي نهضت بدور وهي تعدل من هندامها، علها تنجح في إثارته وتتوغل لداخله ولو مرة واحدة فقط.. مرة واحدة تشعر فيها أنها انتصرت أمام من تتربع على عرش قلبه!
دلفت الى الغرفة ثم رمقته بنظرة ذات مغزى وهي تراه يخلع قميصه لتقول: إية يا حبيبي اجهزلك حمامك هز رأسه نافيًا: لا أنا بعرف لوحدي، روحي إقعدي زي ما كنتِ قاعدة سألته مضيقة عيناها بخبث: مالك يا مجدي شكلك متضايق؟! إبتعد وهو يرد ببرود: لأ مش مضايق فاجئته باحتضانها له من الخلف، لتشعره بسخونة جسدها، ومشاعرها المتدفقة الغزيرة نحوه، وإن كانت طريقتها خاطئة، يبقى هو أمنيتها وحبها الوحيد!
يبقى هو المنال والحُلم الذي لا يفارقها فيجعلها تتمسك برسم خططها الخبيثة اكثر! فهمست بجوار اذنه بطريقة حميمية: وحشتني على فكرة تقوس فمه بابتسامة ساخرة: أنا سيبتك يوم واحد شددت من احتضانه هامسة بسببًا مشتاقة يسخر منه كالعادة: إنت بتوحشني حتى وأنت معايا دلف الى المرحاض ثم همس: اه وماله، هنبقى نتناقش في الموضوع ده بعدين.
أغلق الباب بعنف في وجهها، وكأنه بتلك الحركة يعبر لها عن أغلاقه لكل الفرص لدلوفها وتعمقها في حياته! يذكرها بسبب قدومها لهذا المنزل، يذكرها كما يُذكر نفسه بسبب رابط الزواج الخانق بالنسبة له معها! بينما هي تأففت بغيظ: ماشي يا مجدي، أنت اللي اضطرتني لكدة وهاجيبك ليا راكع بردو فاتجهت للمكتبة الصغيرة فأخرجت زجاجة صغيرة، ثم اتجهت للفراش وهي تنظر خلفها كل حينٍ ومين.. ثم بدءت ترش على الفراش برفق وحذر!
جلست نادين تنظر من شرفة الغرفة للعالم الخارجي المشرق.. العالم الذي غادرته بفضل زجة الذئاب البشرية وفعلتهم الشنيعة! عيناها هائمة شاردة في نور الشمّس خلسة وكأنها ترجوه ألا يغادرها! أقترب ياسين الذي لم يغادر من جوارها ليصبح خلفها تمامًا.. وهمس بصوت عذب هادئ: يلا يا نادو عشان هتروحي تعيشي مع سليم لم يجد رد فعل كالعادة فهمس بهدوء: هسرحلك شعرك أكيد مش هتروحي كدة ولأول مرة يفعلها..
يهتم لأمر شخص او يهندم شخص، هذا ليس من عادته ولن يكون من عادته يومًا!؟ ولكن الاستثنائات تظهر، من أجلها فقط! أمسك بفرشاة الشعر ثم اقترب منهم يمسد على خصلاتها الناعمة كنعومة شخصيتها وهشاشتها.. ثم بدء يحدثها وكأنه تسمعه او ستتجاوب معه: إنتِ عارفة أنه انا اول مرة أسرح لبنت شعرها؟ صمت برهه يستشف رد فعلها ليردف: النهاردة الجوو حلو جدًا، رطب وهادي، أكيد إنتِ كمان حاسه بيه.
لم يعرف لمَ شعر أن تلك الجملة أخذها على وتيرة نفسه!؟ وكأن لسانه اخطأ مساره ووُضعت مرآة الحيرة فعُكست الجملة على نفسه! ولكن فعلاً، هل تشعر به ام لا؟! وكأنه اجابت بأمساكها ليده التي توقفت عن العبث بمنابت شعرها أثناء شروده! وكانت دعوة صريحة منها أن يُكمل ما كان يفعله... فابتسم بفرحة مهللاً: إنتِ فعلاً حاسه بيا يا نادو، حاسه بيا صح؟! أكمل ما كان يفعله ليتابع:.
عارفة يا نادين، لما جيت لك ماكنتش أول مرة أشوفك، كنت شايفك بقالي شهور من يوم ما جيتي هنا، براقبك غصب عني وكأن حاجة بتجبرني على كدة، مكنتش فاهم ولا عارف إنتِ فيكِ إية بس كنت عايز أبقى قريب منك وخلاص، كنت بستنى كل زيارة للدار عشان أشوفك واعرف اخبارك من الممرضات لحد ما شكوا فيا خلاص ضحك وهو يضربها على رأسها برفق وقال بمرح: عاجبك كدة انا الدكتور الهادي الشديد ياسين منصور أفضل اسأل على واحدة معرفهاش.
ولمح طيفًا صغيرًا من ابتسامتها التي حكمت عليها بالموت كصاحبتها! والأرتياح أنعش روحه القلقه، وزرع به أملاً جديدًا قويًا إلى حدًا ما... أي خيوطًا من الحنان تقابلها بسلاسل تتمسك به! انتهى ليجعلها تنهض، وما إن انتصبت امامه حتى وجد نفسه يستنشق عبير شعرها الجذاب... ويقيد خصرها بيداه الصلبة ليغرز رأسه عند خصلاتها التي تغطي رقبتها، ويغمض عيناه متأوهًا من ذاك القرب الذي لطالما تمناه منذ أن رآها...
بينما هي كانت ترتعش بين يداه.. ترتعش من لمسات لم تعهدها ابدًا من قبل... لمسات كانت كسحر يُصب عليها لأول مرة فيصيبها بدوار مفاجئ! أبتعد هو عندما شعر بحالتها تلك، ولام نفسه بشدة.. لام نفسه على إقتراب لم يأخذ مفتاحه منها، شعر أنه، مستغل! مستغل لتلك الحالة التي تجتاحها دومًا! أمسك بوجهها بين يديه ليهمس متأسفًا بحنق من نفسه: نادين أنا اسف، بجد أسف، مش عارف إية اللي بيحصلي وأنا معاكِ.
أقترب أكثر حتى ألصق جبينه بجبينها، ثم تابع همسه امام شفتاها بشغف: سامحيني يا حبيبتي، سامحي ضعفي قدامك! وفجأة وجد الباب يُفتح دون أن يُطرق، ودون فرصة له للأبتعاد حتى و..!
وعندما يأكلك الغيظ اكلاً بلا رحمة، كدعوة منه للتصرف مسرعًا، تحاول التمسك بحلاً سريعاً، وإن كنت لا ترغبه! جلستا كلاً من بدر شقيقة بدور بل وتؤأمها الثاني.. توأمها في الخبث، في الحقد وفي الرغبة، وكأنهم لم يتشابهوا في الشكل فقط، بل تشابهوا في الچينات والصفات ايضًا فولة وإتقسمت نصين كما يقولون! ووالدتها في منزلهم المتوسط، تحديدًا في الصالون، يتحاورون كعادتهم ويتدخلون فيما ليس لهم علاقة به!
يجلسا سويًا على الأريكة البنية الناعمة، و زفرت بدر وهي تخبط على قدمها قبل أن تقول بسخط: يا ماما قولتلك بدور مش هتعرف تتصرف مصمصت والدتها شفتيها بتهكم: لا والله، وإنتِ اللي كنتِ هتعرفي تتصرفي ياختي اومأت مؤكدة بغرور: أيوة طبعًا، أنا انصح منها شوية نظرت له باستهانة، لتشدد على قولها الجاد كتحذير واضح: خلاص، دلوقتِ هي اللي مراته وهي اللي لازم تتصرف عقدت ذراعيها مغمغمة بغيظ: منا قولت لك كنت أنا اللي اتجوزته.
رمقتها بنظرات حادة صراخة: إنتِ عبيطة يابت إنتِ، أمه كانت عاوزة أختك مش عاوزاكِ إنتِ! تأففت وهي تبرر: قال يعني هو بيعرف يفرق بين وبين أختي هو او أمه دي أشارت لها بيدها، خوفًا حقيقيًا ينبع بداخلها من تفكير أبنتها السام والذي تعرفه عن ظهر قلب! كيف تمنعها؟! كيف تكون واقي لحياة أبنتها الأخرى وهي من علمتهم الأصرار حد الموت على شيئً يرغبوه! فقالت حانقة بحزم:.
بدر خلاص الكلام خلص، أختك اكيد هتعرف تتصرف ده الحل بقا في إيديها! مااااشي يا امي مااشي همست بها بدر وهي تتابع خطاها بحقد بينما نهضت متجهة لغرفتها دون كلمة اخرى... لتحتد عينا بدر السوداء وهي تمسك خصلاتها - المصبوغة الصفراء - لتهمس بصوت اشبه لفحيح الأفعى: وحياة قصاقيصي دول لو ماعرفت تتصرف لهتصرف أنا وعليا وعلى اعدائي!
في مكان إرتياح جميلة المعتاد، في الحديقة الخضراء، تحديدًا وقت غروب الشمس لتودع الأرض بوعد العودة مجددًا جلست جميلة كعادتها على كرسيها الخشبي الذي يهتز.. يهتز ويهز معه تفكيرها الدائم فيصبح وكأنه يُقلل منه قليلاً! وسيلا امامها تجلس بابتسامتها المعهودة، يتحدثان سويًا.. حسب أول خطوة في خطة جميلة! يدردشان سويًا وبالطبع كانت اسئلتها حول حياتها تسقط على سيلا كسوطًا من الأشتياق الحاد!
وأرسلت جميلة احدى الخدم لشراء بعض الأشياء للتسلية، والذي تذمر باعتراض شديد على ذهابه بدلاً من صديقه المريض... ونظرت لها حتى فاجئتها جميلة بسؤالها الذي يحمل معنًا حاولت سيلا تجاهله: ها يا سيلا لسة مش ناوية تحكي لي عن حياتك بردو؟ هزت رأسها نافية، وطغى التوتر على ملامحها وهي ترد متلعثمة: وهو انا فاكرة اصلاً يا طنط عشان أحكي لك؟ اومأت جميلة مؤكدة بابتسامة: طبعًا فاكرة يا سيلا عزت ثم سألتها بخبث:.
مش أسمك سيلا القاضي بردو؟ وتلون وجهها باللون الأصفر على الفور... لون الأرتباك المعتاد الذي زحف لوجنتاها خوفًا من القادم! لتهمس بسذاجة: وآآ حض حضرتك ع عرفتي إزاي!؟ مطت شفتيها مرددة: طريقتي الخاصة بقا يا حبيبتي، المهم هاا قوليلي أبوكِ لسة زي ما هو ولا اتغير إبتلعت ريقها هامسة بارتعاد: أنا مش فاكرة اصلاً عشان أقول لحضرتك رمقتها جميلة بنظرة زادت من معدل القلق بداخلها، نظرة حذرتها واكدت لها أن مُعراة امامه!
فيما يعني أن كذبها شفاف امامها! أن معلوماتها كجهاز كاشف للكذب عن سيلا!؟ فتابعت: لأ إنتِ فاكرة كويس أوي، سيلا عزت القاضي، بنت عيلة القاضي الغنية عن التعريف، 23 سنة بتشتغلي محامية، رقية أختك الغير شقيقة، والدتك الله يرحمها معلومات بالرغم من انها عنها هي، إلا انها كانت كموجات كهربائية صاعقة تسري بجسدها! ماذا تفعل الان! لن تستطع الهرب، والمأزق اصبح مأزقين؟! ووجدت نفسها تسألها ببلاهة:.
ط طب هو حضرتك تعرفيني منين؟ عادت جميلة بظهرها للخلف لتستطرد: بطلي تقولي حضرتك تاني، قولي خالتو، ثانيًا مش مهم عرفت منين، المهم إن انا مش عدوتك ومش عاوزاكِ تخافي مني خالص بل بالعكس أفتحيلي قلبك وأحكي لي إية اللي جابك هنا؟ وما بين صدمة وحيرة.. ظلت هي عالقة، ماذا تفعل الان؟! وتخبرها وتُخاطر بحياة جدها الحبيب ام تصمت لتخسر درعًا قويًا كجميلة؟! وكأن سليم شعر بحيرتها فهبط من الأعلى بملابسه المهندمة كالعادة..
ليجد سيلا هكذل فقال دون تردد: أية ده إنتِ قاعدة كدة لية؟ ردت جميلة بهدوء: عادي يا سليم بندردش بس رمق سيلا بتلك النظرات القاسية والتي اقتربت على الاعتياد عليها وأردف: من أمتى وأحنا بندردش مع الخدم يا خالة؟ هه من امتى؟ كادت جميلة تعترض بغضب من إهانات باتت تشعر بها بلا نهاية: سليم مينفعش كدة إنت آآ قاطعها مشيرًا لسيلا بصوت آمر: خشي على شغلك يلا بلا دلع ماسخ.
وبالطبع نهضت سيلا دون كلمة اخرى متجهة للداخل، والدموع كانت كالغمامة امام عينيها البنية.. فكادت تلامس سليم دون قصد فإبتعدت على الفور كأنها لمست كهرباء مميتة! لتسير ببطئ متجهة للداخل هائمة حتى اصطدمت في زهرية كبيرة فكادت تقع، وكان أول من يمسكها من خصرها ليمنعها من السقوط هو سليم! نظر لعيناها التي امتلأت بالدموع، فلم تعطيه فرصة وهي تبعد يدها عنه متمتمة بصوت مبحوح: شكراً مش محتاجة مساعدة من حد.
ثم سارت للداخل بخطوات شبه راكضة، لينظر سليم لأثرها ببعضًا من الضيق! نهضت جميلة بغضب، غضب تكور داخلها كبركان سينفجر حتمًا في وجه ذلك الصقر، ما بالك بهذه الفتاة التي منذ مجيئها لم يكف عن قسوته المعتادة!
لتصيح فيه بحدة ولأول مرة: أية اللي أنت عملته ده يا سليم؟ لم يرد عليها ومازال ينظر لأثار سيلا، فاستلم هو الأمر هذه المرة وقد تبدلت الأدوار: تخش تعتذر لها دلوقتِ وحالاً، وإلا قسماً برب العزة قلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين يا سليم يابن وردة ولم يشعر بنفسه ألا وهو يركض متجهًا نحو غرفة سيلا!
رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر
وصوت بكاءها العالي الذي صدح من خلف باب غرفتها، كان كسهام قاصدة تأنيبه بسمها، ولكن لم تنجح سوى في القليل! وفعليًا هو طبعه ولا هيشتريه ! القسوة نبتة فطرية وُلدت معه، وكبرت مع مواجهته لهذه الدنيا التي تعلم منها القسوة حرفًا حرفًا...! حسم قراره ثم طرق الباب، وبالطبع لن تستقبل أي شخص بقلبًا رحب ابدًا! سترفض أي تدخل كما سترفضه هو حتمًا! وفتح الباب بمفتاح المنزل الذي يبقى بحوذته دائمًا..
ليجدها تتكور في ركنًا ما في الغرفة تأخذ وضع الجنين وتبكِ بقهر! قهر تشبعها بجدارة بعدما حاولت مرارًا وتكرارًا التغاضي عنه! ولكن شعرت كأنه سراب لا يمكن الهرب منه، يجدك أينما حاولت الهرب منه! وفجأة شعرت بمن يمسح دموعها بطرف اصابعه الخشنة التي لا تناسب نعومة لمسته.. نهضت وهي ترمقه بنظرات حادة مغتاظة، وحمراء من كثرة البكاء ثم هتفت ناحبة: نعم جاي هنا لية، جاي تكمل جرعة إهانتك هز رأسه نافيًا: لأ، مش كدة أنا آآ.
قاطعته وهي تشير له بحدة: أطلع برة عشان أشوف شغلي أقترب منها قليلاً لتعود للخلف هي مسرعة بقلق مرددة: ماتقربش مني أجاب بثبات: أما تهدي الاول كدة مش هقرب عقدت ذراعيها لتتابع بصوت مختنق: أنا هادية على فكرة ملكش دعوة ولم يعرف لمَ شعر بتأثير دموعها على قسوته المتحجرة؟! لمَ لام نفسه على عادة لديه مع الجميع!؟ أستفاق على صوتها الشبه باكِ: اطلع بررررة بقا هز رأسه نافيًا، ليقترب منها اكثر مغمغمًا بأسف:.
آآ أنا أ آآ ماتزعليش يصعب عليه نطقها، يصعب عليه الأعتذار! الصقر الذي لم يصيبه وباء الضعف والاعتذار يومًا الأن يحاول الوصول لذاك الوباء ولكن يفشل؟! بينما هي أنفجرت في البكاء الحاد.. يهين ويهين ثم يأتي ليرطب! أي كائن هذا بحق الله!؟ دفعته بقبضتها الصغيرة وهي تقول باهتياج: اطلع برة مش عايزة أشوفك ومش عايزاك تعتذر، سيبني لوحدي أمسك بيدها يثبتها على صدره ليستطرد بخشونة معهودة منه:.
الخالة جميلة هي اللي اضطرتني أجي اشوفك على فكرة أبتعدت عنه ولم تكف عن البكاء ثم صرخت فيه: لا ماتسمعش كلامها، أنا اصلاً مش عايزة أشوفك خالص، أنا بكررررهك، بكرهك يا سليم تكرهه! هل تكرهه فعليًا؟ سؤال تردد صداه بقلبه قبل عقله.. هل إزدادت إهاناته الغير مقصودة وقسوته إلى مرحلة اللارجوع؟! هل تحول صبرها من إحتمال عميق لكره اعمق وأعمق!؟ ظل محدق بها وهي تبكِ، وشعوران مختلفان يتأججان داخله.
احداهم يخبره أن يحتضن صغيرته ليهدئ من ثورتها! أن يخبأها بين ضلوعه فلا تنهار هكذا مرةً اخرى.. والاخر يخبره أن يعنفها أكثر على تلك الكلمة التي قالتها! ووجد نفسه يهمس بخفوت: بتكرهيني؟ اومأت مؤكدة بشراسة: بكرهك وبكره نفسي اللي فكرت اعذرك مرة، وبكره اليوم اللي شوفتك فيه كز على أسنانه وهو يغمض عينه هاتفًا: متقدريش تكرهيني دفعته مرة اخرى للخارج وهي تزمجر فيه بغضب حقيقي: أطلع بررررة بقا وأبعد عني أنا مش عايزاااك.
وكأنه سمع كلمتها معكوسة فاقترب حتى لفحت أنفاسه صفحة وجهها البيضاء.. احدى يداه تقيد خصرها بقيدًا متملكًا تعرفه جيدًا! والاخرى تمسك بيداها الصغيرة بين يده، ليهمس بجوار أذنها: مش بمزاجك أبعد عنك أو لا، ولا حتى بمزاجي للأسف! ثم ابتعد ليغادر دون كلمة اخرى تاركًا اياها في صدمتها تفكر في كلماته الغريبة!؟ ووجد خالته بالأسفل كما هي، تنتظره وتفضل عدم التدخل اكثر لترى رد فعل، وما إن رآته حتى سألته:.
عملت إية يا سليم لم يرد عليها وأنما انطلق مغادرًا بصمت تام أقلقها!
وإنتهى مجدي من أغتساله، أنتهى من إفراغ همومه التي من الواضح أنها لن ولم تنتهي، وخرج بهدوء يتنفس الصعداء ويملأ رئتيه بالهواء الطلق.. أستعدادًا لأغراء تلك الخبيثة بالخارج! وبالفعل خرج ليجدها تقف امام المرآة بكامل أناقتها المعهودة مؤخرًا.. ترتدي قميصًا من اللون الأزرق، قصيرًا جدًا لا يكاد يغطي فوق ركبتيها ذو فتحة واسعة عند منطقة الصدر...
ينظر للجهة الأخرى وهو يترجى عيناه ألا تستسلم لسحرًا من الأغواء يسيطر عليه فيعميه عن أوامر قلبه! قلبه الذي يضخ بعنف، وخوف من رجلاً يُحارب بأقوى الطرق لهزيمته! وبالفعل اتجهت هي نحوه لتتلمس صدره العاري وهي تهمس: لسة تعبان يا حبيبي؟ اومأ وهو يبتعد عنها مغمغمًا: اه وهنام دلوقتِ ذهبت وراءه تحايله بدلال: إية ده إحنا ملحقناش نقعد مع بعض يا مجدي هو بالأساس لا يريد تلك الجلسة..
تلك الجلسة التي حتمًا سيخرج منها فاقدًا جزءً من عقله بسبب كثرة التأنيب! رمقها بنظرات جادة وهو يستطرد: وانا أقعد معاكِ لية أصلاً، ياريت ماتنسيش إحنا متجوزين لية من الأساس اومأت هي مرددة بغيظ: ولما أنت مش ناسي أن احنا متجوزين عشان نخلف، ياريت تفتكر إن بطريقتك دي عمرنا ما هنخلف زفر بقوة قائلاً: لا هنخلف إن شاء الله تخصرت وهي تتمايل هاتفة بسخرية - غير خجلة - بالمرة:.
لا والله أذا كان انت مابتجيش جمبي إلا مرة واحدة يبقى أزاي بقا هنخلف، بالبلتووث ولا إية؟ إلتفت لها وهو يزمجر فيها غاضبًا: إنتِ عايزة اية دلوقتِ، عايزة تتخانقي وخلاص صح هزت رأسها نافية ببراءة مصطنعة: لا طبعًا يا مجدي، هو أنا عشان بتناقش معاك تقولي إنتِ عايزة تتخانقي يعني؟! رفع حاجبه الأيسر متهكمًا: طب يلا ياختي مش وقت مناقشات عايز اتخمد، احسن وربنا اسيبلكوا البيت ده واقوم اغور هزت رأسها نافية بسرعة:.
لا لا وعلى إية، الطيب أحسن، نام يا حبيبي نومة العوافي ثم إستدارت لتسير متجهة امامها، عيناها تكاد تختلع وهي تراقبه.. تراقبه وتدعوا الله في سرها أن ينام وحالاً! حتى أستقر على الفراش مغمض العينين، فتنهدت بقوة وهي تقول في خلدها: هيييح، نام نام بالشفى ياخويا ثم خرجت لتجد والدته تجلس كما هي، اقتربت لتجلس بجوارها، لتسأله الاخرى مسرعة بنزق:.
إية ده يابت إية اللي جابك دلوقتي، ده أنا قولت زمانك عايشة أحلى اوقات حياتك مطت الاخرى شفتاها مغمغمة بخفوت: وهو اللي مع ابنك دي هتشوف احلى اوقات غير في تربتها حدقت بها الاخرى بجدية: نعم! هزت رأسها نافية لتستدرك نفسها: لا طبعًا، أنا بقول يعني مفيش حاجة جايبة نتيجة، لا اغراء ولا غيره سألتها مستفسرة: طيب وحطيتيله البتاع على السرير اومأت بدور مؤكدة: ايوة طبعًا اول ما دخل الحمام.
تنهدت وهي تربت على يدها قائلة بحماس: خلاص يبقى إطمني، مفعول الحاجة باتعة مسمع ماشاء الله عقدت ذراعيها هامسة بغيظ: أما نشوف الحاجة نيلة دي، ده انا حاسه إني لو جبتله الجني بذات نفسه يقنعه مش هيرضى، مش اعمله سحر بس! هتشوفي ياختي هتشوفي قالتها والدته وهي تنتبه للفيلم الرومانسي الذي تشاهده باندماج! و - الغاية تبرر الوسيلة - مقولة استُخدمت في الغايات الجادة البريئة!
ولكنها الان، طبقتها حرفًا حرفًا فغايتها للوصول لذاك المجدي، من المفترض أن تبرر وسائلها الخبيثة التي لا تنتهي.. ولكن الان... استخدامها للسحر على زوجها كنوعًا من الاجبار للتوغل بداخله بجوار كرات دماء التي يسيطر عليها عشق رقية لا يُبرر، إطلاقًا!
وصل سليم إلى المستشفى ليترجل من سيارته بهدوء وجدية لا يتخلى عنهم، يجوارهم كظله غضب وحنق من نفسه ومن تلك الطفلة التي ندمته فعليًا!؟ إتجه إلى الغرفة التي كانت تقطن بها نادين بخطى مسرعة.. ودلف بعد أن طرق الباب وسمع صوت ياسين الهادئ: ادخل على طول نظر لياسين بابتسامة صفراء هاتفًا: أوعى اكون عطلتك عن حاجة عطله!
لا ابدًا، والعكس تمامًا رغب في شكره بحرارة على وقتًا ممتعًا مر عليه كدهرًا جميلاً عاد على قلبه بنسمات رطبة هانئة! وهز رأسه نافيًا وهو يجيبه: لا خالص، ماتنساش إن ده شغلي اصلاً يا استاذ سليم قال سليم بجدية: لا لو على الشغل فهو في مساعدة تفضل معاها، لكن كون إنك عايز تساعدها ده حاجة تاني اومأ ياسين ببعضًا من التوتر: مش هتفرق كتير يعني اومأ سليم وهو يقترب من نادين ليمسك يدها مقبلاً اياها بحنان وقال:.
إية يا حبيبتي عاملة إية دلوقتي؟ وبالطبع لم يجد ردًا فمسد على شعرها وهو يردف بهدوء: يلا بقا عشان هتيجي معايا البيت يا نادو سأله ياسين متدخلاً بجدية: الجلسات النفسية هتجبها لي العيادة ولا إية؟ أجابه سليم بجدية لازمة مماثلة: إنت تعالى البيت لها بدل ما كنت بتيجي الدار، اللي هيتغير الموقع بس اومأ ياسين موافقًا: تمام ماشي.
ونهضت نادين مع سليم متجهين للخارج، ياسين ينتظر، عيناه تقرع قلبها طلبًا لإلتفاته واحدة، نظرة تملئ خانة الصبر والشوق! ولكن لم تفعل، هي لم تراقبه منذ شهور دون أن يشعر ابدًا! هي لا تملك مكانًا، للعشق على الإطلاق! وغادروا هم، ليتركوه هو تحت تأثير محط ذاكرته فلاش باك دلفت تلك المساعدة، وإن كان لسانها لم ينطق بالشك فعيناها كانت تموج بالشك القاتل نحو ذلك الوضع! إستدار ياسين مسرعًا وهو يسألها:.
إنتِ آآ إنتِ إية آآ سألته بريبة: في إية يا دكتور؟ إية اللي بيحصل هنا!؟ رفع كتفيه يجيب متلعثمًا: مفيش، يعني هيكون في إية أشارت نحو نادين متساءلة: أمال حضرتك كنت ماسكها كدة لية؟! موضع الضعف الان لن يجدي نفعًا! فليتماسك قليلاً، من أجلهما معًا.. ونظر لها بجدية ليقول ءة فارق معاكِ كتير؟ رفعت كتفيها لتردف بلامبالاة خبيثة: لا بس انا يعني قصدي إن لازم اكون معاها 24 ف لازم أكون عارفة إية اللي بيحصل معاها.
أشار لها بيده قائلاً: أنا ونادين هنتخطب قريب، فمفيش داعي تخافي وهي معايا نظرت له بتعجب لثواني قبل أن تومئ موافقة: أوكيه يا دكتور ماشي ثم استدارت لتغادر على وعدًا لنفسها بإخبار سليم، على الفور!
هبطت رقية بعدما إرتدت ملابسها المكونة من جلباب للمنزل وحجابها الصغير يخبئ خصلاتها الناعمة.. وجهها لا يخلو من مساحيق التجميل الي وضعتها على أمل ان تخفي أطياف الحزن التي تلوح بوجهها! لتجد جدها يجلس بجوار أبيها، نظرت له ورسمت إبتسامة صفراء وهي تحييه: حمدلله على السلامة يا جدي، أن شاء الله ما تزورش المستشفى تاني إلا في الخير همس بحبور وهو يربت على رأسها: تسلمي يا حبيبتي يارب سألته رقية بهدوء:.
حاسس إنك احسن يا جدي دلوقتي؟ اومأ مؤكدًا بابتسامة صفراء: اه الحمدلله بقيت أحسن جلست بجوار والدها بعدما ألقت التحية عليه لتسأله بتوجس: لسة معرفتوش حاجة عن سيلا بردو يا بابا؟ هز رأسه نافيًا بأسف: لأ، خالص يا رقية وغامت سحابة من الحزن العميق في أعين كلاهما ليتنحنح نصار بجدية حزينة: بخصوص سيلا كنت عايز أقولكم نظروا له باهتمام: اتفضل يا بابا خير؟ تنهد قبل أن يقول بعزم منكسر: سيلا، اتأكدت إنها، ماتت!
نظرت له رقية بصدمة قبل أن تصرخ باهتياج: لاااااا مستحيل زفر وهو ينظر للجهة الاخرى متابعًا: للأسف المستحيل بقا حقيقة يا بنتي سأله عزت بحزن وضيق معًا: عرفت أزاي يابويا ضغط على يده وهو يجيبه بجزع: عرفت بالطريقة اللي عرفت بيها وخلاص، وياريتني ما عرفت سأله عزت: إية اللي هيحصل دلوقتي؟ هز رأسه بحزنًا تعمقه أكثر: هنعمل، العزاء في اقرب وقت!
وصل كلاً من سليم ونادين الى المنزل، بالطبع دون تلك المساعدة التي اخبرها سليم أنهم لم يصبحوا بحاجتها في هذا الوقت.. وكان سليم يحاول فتح اي حوار يجذب إنتباه نادين ولو قليلاً.. فيجبر أطياف التركيز المتبقي لديها على التجاوب معه! دلفوا بهدوء ليجلسا بجوار جميلة التي وجدوها تجلس باسترخاء في الحديقة، لتبتسم هي على الفور مغمغمة لنادين: اهلاً اهلاً نورتي بيتنا يا نودي.
نهضت لتقبل جبينها بحنان فطري قبل أن تقول: ماشاء الله عليها، جميلة وباينها رقيقة وحاجة هشة كدة اومأ سليم مؤكدًا وهو يجلس: اه طبعًا، وده اللي مخليني متمسك بيها كأني اعرفها من سنين مش شهور بس اومأت جميلة بابتسامة صافية: طب روح أنت وخليها قاعدة معايا شوية.
واجبره قلبه على السؤال بما على طرف لسانه: فين سيلا؟ سألته بخبث دفين ؛ بتسأل عنها لية يعني؟ رفع كتفيه بلامبالاة مصطنعة: عادي يعني كنت عاوزها تعملي كوباية قهوة مش أكتر مطت شفتيها بعدم رضا: ما ممكن أي حد يعملها لك يا سليم زفر بنفاذ صبر: لا يا خالة لا، هي اللي بتعرف تظبطها، هي فين؟ اشارت للداخل مردفة بهدوء ضاحك: جوة اكيد مع دادة فاطيما اومأ موافقًا بجدية: ماشي أنا طالع.
وكاد ينهض متجهًا لها، ولكن فجأة وبأقل من الثانية كانت عقبة حياته الوحيدة والدائمة تتجسد امامه... وصوت يعرفه جيدًا ينادي بهدوء مشوق: سلييييييم!