رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والعشرون
فقدان! لن يحتمل تلك الأحرف التي تحمل معنى الشناعة الفعلي.. لن يقف ويشاهدهم للمرة الثانية ينتشلوا منه سعادته ببساطة! وصرخ بكل طاقته الغاضبة التي اختزنت لسنوات: لااااا أرجوك يا جمال بيه أرجوك لأ تقوس فمه بابتسامة واثقة.. ابتسامة نبعت من ضمانه لرد فعل مالك الحتمي، ولكنه أحب أن يرى ذاك الذعر من التكرار ليتأكد!
بينما مالك، أنظاره مثبتة على شمس المذعورة ولكن عقله لم يكن بمكانه، سرح بين طيات الماضي الذي لم يجلب له سوى الألم! فلاش باك نفس المكان بل اشد ظلمة، وسقوط أرضي بجوار الاغماء الذي كان به هو و، سمر! وفزع مما يحدث، وهزة لسمر وهو يصرخ بأسمها.. واخيرًا استعادت وعيها، ولكن ما أشعل فتيل الغضب في روحه.. ملابسها الممزقة! نظرت له بأعين حمراء وهي تهدر بأسمه: مالك احتضنها بذراعيه بقوة قبل أن يسألها بخوف حقيقي:.
حصل أية يا سمر؟ رفعت رأسها بهدوء، ثم بدءت تسرد عليه ما حدث بارتباك: أعتدوا عليا يا مالك، أعتدوا عليا أنا اتدمرت جحظت عيناه بصدمة من حق له سُلب بلحظات! وقلب جهر بأعتراض شديد.. ثم اخذ يهزها بعنف وهو يهدر فيها بغضب جامح: ازاى ازاااااى، لا مستحيييل بدءت بالبكاء، ولم تأخذ الكثير لتنهمر شلالات خلف البداية.. ولكن، شلالات كاذبة تعصف بعينيها لتؤدى دورها بمهارة! ونظرة غريبة اجتاحت عيناه قبل أن يسألها:.
مين اللي عمل كدة رفعت كتفيها وقالت بعدم معرفة مصطنعة: معرفش يا مالك مشوفتهوش أخذ يربت على كتفها برفق يصطنعه.. للحق هو يحترق داخليًا بالفعل، يشعر بالدماء تغلي في عروقة.. نار كذبها أنطلقت كالسهم لتنغرز في روحه الثائرة! وبعد دقائق دلف أشخاص ملثمون ليأخذوا سمر معهم، وبالفعل لم يهدئ هو بل ثار وعنفهم ولكن، الكثرة تغلب الشجاعة كما يقولون! خرجت لتجد جمال يبتسم لها بسخرية مرددًا: هاايل يا فنانة.
نظرت له بحنق قبل أن تقول: نفذت اللي قولت عليه اومأ وهو يردد بانتصار: شاطرة يا سمورة سألته هو بتتوجس: يا ترى هتخليهم يغتصبونى بردو ولا هتسيبنى وتديني الفلوس زى ما قولت مط شفتيه وهو يشير لها أن تذهب وهتف: أكيد مش هرجع ف كلمتي، بس لما يجي الدور اللي هحتاجك فيه تأكدى إنك هتبقي تحت إيدى في لحظتها اومأت بابتسامة ثم قالت بحروف لم تتعدى شفتيها: كله بتمنه، يا باشا.
و احد الرجال كان ينصت لهم بتركيز وإلتقط لهم فيديو عن حديثهم! باك هز مالك رأسه نافيًا وقال بنبرة غاضبة شابتها الرجاء: أنت بتعمل كدة لية، هتستفاد أية؟! رد دون تردد بجدية: هستفاد كتير، أولهم المليارات اللي الحاجة والدتك كتبتهم لك جحظت عيناه بصدمة حقيقية! رغبته تعدت كل الأحتمالات وتفوقت على كل الطاقات! وشعور بالضعف الذي لم يعرفه سوى قليلاً عاد يجتاحه بأنتصار..
وما يزيد همه فعليًا، نظرات شمس المرتعدة كقطة تشاهد إفتراس الذئاب! وسحابات هالت امام عيناه وهو يراها الان ك غزالة في صحراء الذئاب! وحاول ترميم قوته المزيفة وهو يسأله بحدة: يعني انت عايز اية، بتعمل كل ده عشان الفلوس اومأ جمال وهو يجيبه بأسف مصطنع: ايوة، للأسف قولت لوالدتك بس هي ماسمعتش الكلام ف اضطريت أستخدم العنف وابتسامة ساخرة إرتسمت على ثغره تلقائيًا وهو يستطرد:.
ولما ساومت سمر على الفلوس بردو كان عشان الفلوس هز رأسه نافيًا ثم أقترب منه وهو يقول ببرود: بص بما إن كل حاجة بقت على المكشوف وانا بحبك ف هفهمك، سمر انا عارف إنها بتحب الفلوس زى ما بتحبك بالظبط، ف انا مجرد تهديد صغير مني خلاها تنفذ فوراً ثم مسح على كتف مالك الذي شعر بالأشمئزاز من لمساته وحاول الابتعاد وتابع:.
عملت كدة لية لأن عايزك تكرهها والحمدلله انت كرهتها لانها واطية اصلاً ماتستاهلش، وبعدين انا بحتاجها ليا معاها مصالح يااااما ومكنتش هتنفذ غير لما تكون بعيدة عنك مط مالك شفتيه وهو يقول ببرود: أنتوا الاتنين صنف واحد بينما نظرات جمال صوبت نحو شمس، ولكن نظرات جائعة، نظرات لما تكتفي مما رأت فطمعت بالمزيد! ثم همس لمالك بخبث: بس حلو الصنف الجديد ده، مش عيب عليك تخليه ليه لوحدك؟
إحتدت عينا مالك واشتعلت من لهيب كلماته وحروفها التي يقطر منها الخبث الدفين الذي يعرفه: إلا دى، دى مش هسمحلك تقرب منها لو هموت هز جمال رأسه نافيًا وبابتسامة باردة أكمل استفزازه: لا لا جمال اية وعيون اية وجسم اية، فرسه بنت الأية، وبعدين أنا مبحبش احرم رجالتي من حاجة واشارة واحدة من يده لرجالة كانت كافية لتدمير كامل قوة مالك الوهمية و...
كانت زينة بجوار يحيى في سيارته، متجهين نحو منزلهم.. لم تكن زينة ل يحيى سوى فريسة جديدة تركها راعيها لتصطدم بصائدها خطأ! ولكن زينة لم تكن مجرد فريسة.. كانت فريسة ملغمة بالأنجذاب! الانجذاب الذي جعله ينسى لقاؤوه مع غريب ليوصلها لمنزلها! وقطع ذلك الصمت صوته الذي سألها وهو ينظر لها باهتمام مصطنع: هاا يا زينة عاملة أية دلوقتِ أحسن؟
كانت زينة تحك رأسها بطريقة مثيرة للقلق، رغبتها ف الهيروين بدءت بالظهور الان! وألم غير محتمل يعصف برأسها.. ولكنها حاولت السيطرة على نفسها وهي تجيبه بهدوء مصطنع: هبقى كويسة لما أرتاح اومأ بابتسامة هادئة وتابع وهو ينظر أمامه: عرفينى بنفسك بقى يا زينة؟ وضعها الان لا يسمح لأي تعارف بالطبع! ولكن، ستثير الشكوك إن اظهرت المها، ولكن أى قوة تلك التي ستصطنعها! هي تتدمر فعليًا! تشعر انها ستصبح قريبًا مجرد فتات انثى!
يا للسخرية ستصبح؟..! هي أصبحت وانتهى الامر! تعجب من صمتها فقال متساءلاً: زينة أنتِ كويسة؟ اومأت وهي تصرخ فيه بحدة: خلاص، زينة زينة في اية هو اسم شركة؟! لم يمنع ابتسامته من الظهور على كلامها، فقال مغمغمًا بضحك: خلاص حقك عليا يا ستي تأففت وهي تحك رأسها لتعتذر هادئة: أنا اسفة بس عندى صداع هيموتني اومأ وهو يردف بجدية: تحبي أنزل اجبلك دواء صداع؟ هزت رأسها نافية وهي تجيبه: لا لا أنا هبقى كويسة بعد شوية.
هندم ملابسه وهو يقول بغرور لا يصطنعه: أنا يحيى، 27 سنة، معايا بكالريوس تجارة، ساكن قريب من المعادى ثم نظر نحوها بابتسامة لعوب متساءلاً: هاا بقى عرفيني بيكِ اومأت بابتسامة صفراء: زينة السُنارى، 21 سنة كلية أداب والسكن انت عرفته اهو أوقف السيارة بالقرب من منزلهم ثم هتف بنظرات صوبت نحوها تمامًا فأربكتها ثم مد يده يمسك يدها: تشرفنا جدًا جدًا يا أنسة زينة حاولت سحب يدها برفق مجيبة: ميرسي.
تشبث بيدها وهو يسألها بخبث: هشوفك تاني؟ رفعت كتفيها وقالت: معرفش ربنا يسهل غمز لها بطرف عيناه واستطرد: اكيد هشوفك، يا، قمر كلفت نفسها بابتسامة هادئة، تمنع الألم بصعوبة من الأفتراش على ملامحها ثم استدارت وترجلت من السيارة مسرعة نحو الداخل.. وعاد يحيى لمقصده مرة اخرى ولكن فجأة اوقف السيارة لتصدر صريرًا عاليًا وهمس بتعجب: زينة السُنارى!
نورت، يا أستاذ حسام قالتها خلود التي كانت تجلس بجوار مراد على الأريكة بنفاذ صبر.. بنورك تسلمي ورد عليها حسام الذي كان يجلس بكل هدوء وراحة امامهم، وكأنه لم يكن يعرفها يومًا، بينما هي كانت تجد صعوبة لتبادل أطراف الحديث معهم.. تشعر بالأختناق الحقيقي! صوته يسبب لها إزعاج لا يمكن التغاضي عنه! ألم يكن هذا هو صوته الذي كان يسقط على اذنيها كموسيقى رومانسية تتمناها دومًا!؟
الان وكأنه سوط يقصد جلدها بلا رحمة! وما لا يعجبها ابدًا.. هو شعورها أن مراد يقصد دخولها في الحوار لتتحدث معه، ومع حسام!؟ وهنا وكأن مراد سألها ليثبت لها أن ما يدور بخلدها صحيح: أية يا خلود ساكتة مابتتكلميش لية؟ رفعت كتفيها وقالت بابتسامة صفراء: عادي يعني اومأ مراد ليشير لحسام قائلاً بمزاح: طب أية مش هتضيفي حسام ولا أية؟ واخيرًا نالت حكم الأفراج.. تنفست الصعداء قبل ان تردد وهي تتجه للداخل بهدوء:.
اكيد طبعًا رايحة اهوو اختفت من امام انظارهم، ليلكز حسام مراد في كتفه وهو يهمس له بلوم ؛ اية يابني ده انت مش شايفها مش طايقة نفسها، وانت قاصد تخليها تتكلم اومأ مراد قبل أن ينظر له بضيق متساءلاً: وانت متضايق لية؟ هز حسام رأسه نافيًا بسرعة وراح يبرر: لا والله مش متضايق، بس كدة هتبتدي تشك إن اللقاء ده متدبر رفع كتفيه بلامبالاة ونظر في المكان الذي كانت تجلس فيه بشرود: مش هتشك، وبعدين ما فعلاً اللقاء ده متدبر.
سأله حسام بجدية: يعني انت عادى لو عرفت أنك عارف كل حاجة قديمة وقاصد كل اللي بيحصل!؟
صرخ بحدة لو تمكنت لهزت جدران المكان من شدتها! صرخة ذبحت أحباله الصوتية حرفيًا! ولكن لمَ لا.. فقلبه سيذبح بسكينه الباردة إن لم يفعل! هز رأسه نافيًا وهو يسارع بالقول: لا لا هعملك اللي أنت عاوزه بس محدش يقربلها اومأ جمال بانتصار وهتف: كدة أنت تعجبني ثم نظر لشمس التي كانت مذبهلة للحظات.. اختارها هي! سيترك كل الأموال من اجلها!؟! صرخته وقوله هدأوا مخاوفها التي هبت بداخلها من اشارة والده.. ولكنه حقًا كما قال.
لن يتركها لهم مهما حدث! قال مالك بغضب: خليهم يغوروا بدل ما هما بياكلوها بعنيهم كدة ضحك جمال وهو يشير لهم: ماهى تستاهل بصراحة، يلا اطلعوا جز مالك على اسنانه بغيظ ثم زمجر فيه: بس ماسمحلكش ابدًا نهض جمال ثم عاد لقتامة عيناه وهو يقول: هروح اجهز الاوراق عشان تمضي على تنازل اومأ مالك ثم قال ساخرًا: طب ياريت يفكونا بقى عشان زهقت استدار جمال ثم اشار لأحد الرجال وهتف امرًا ؛ فكوهم بس اقفلوا الباب بردو.
اومأ الرجل وبدء بفكهم سريعًا ثم خرجوا جميعهم، ظلت شمس ممسكة بيدها التي كانت تؤلمها.. وفجأة بكت بحدة، بكاء كانت تختزنه بقوة جبارة لتنفجر الان.. تكاثر عليها الحمل والألم، والخوف.. هي مجرد غزالة تهشمت ستتحمل كل هذا!؟ بالطبع لا.. اقترب منها مالك مسرعًا ولأول مرة يحتضنها..! يعتصرها بين ذراعيه، يود ادخالها بين ضلوعه فلا يصل لها اى شخص! ظل يمسح على ظهرها برفق هامسًا: أنا اسف انا اسف.
ظلت تشهق وهي تتشبث بطوق النجاة خاصتها ثم بادلته الهمس: أنا خايفة اوي حرام كل ده دفن رأسه في رقبتها يملأ رئتيه بعبيرها الفواح الذي يسكر روحه.. ليقول بحنان اصبحت تتعجبه: عمرى ماكنت هسمح لهم يقربولك إلا وانا ميت وفجأة انفتح الباب لتدلف سمر مهرولة وهي تشير لهم بسرعة: قوموا بسرعة، يلا يا مالك لو عاوزين تهربوا من هنا!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون
لحظات مرت وهو لا يستوعب ما يحدث، يد العون الممدودة من سمر تلك حقيقية، ام مجرد وسيلة لتجذبه نحوها في لمح البصر؟! ولا يملك حرية الأختيار بالطبع.. حدق بها ببلاهة فاغرًا شفتاه: نعم! وكأنه استوعب ضرورة الإسراع في تلك اللحظات فنهض مسرعًا وهو ممسك بيد شمس التي سألت بتوجس: هنخرج أزاي بس سارت سمر امامهم بسرعة إلى حدًا ما وهي تهمس بجدية لم تتكلفها:.
أنا اتصرفت مع الحرس، يلا هطلعكم من الناحية التانية عشان محدش يشوفكم مساعدة! شيئ كان يفعله هو دومًا.. ولكن ماذا إن كان الان يُقدم له!؟ ومن شخص لم يتكن يتوقع المساعدة منه ابدًا! تعجب فعليًا، والسؤال الوحيد الذي يرتكز في سماء صدمته الحالية ماذا حدث لها لتفعل ذلك؟! خرجوا بالفعل ليجدوا الممر فارغ! ساروا مسرعين للخارج راكضين، تتبعهم سمر التي اخرجت بعض الأموال من جيبها لتعطيها لمالك مرددة بسرعة:.
خدوا أركبوا أي مواصلة من ادام شوية، أنتم مش بعيد اوي عن المعادي اومأ مالك ليشدد على يد شمس ثم استدار وكاد يسير إلا أن سمر فجأة جذبته من ياقه قميصه لتقتنص قبلة قصيرة من شفتاه قبل أن تبتعد قليلاً لتقول هامسة: هتوحشني أوي يا مالك وعينا شمس الرمادية التي لمعت ببريق الغيرة فضحتها بالفعل!؟ وحالة غريبة، تكره لتغار؟! حالة بقوانين وقواعد جديدة اساسها أنها تكره..
واخرها أنها تغار عليها وتحترق رويدًا رويدًا من مجرد اقتراب حارق من أنثي تجاهه! وتلقائيًا ضغطت بيدها على يد مالك ليستدرك مالك نفسه لسمر: سمر أنتِ آآ.. قاطعته سمر وهي تشير لهم مسرعة: مفيش وقت يلا بسرعة امشوا ممكن يرجعوا بسرعة سحب شمس راكضين.. شمس التي كانت كل خلاياه ملغمة بالقلق، قلق حقيقي لا تعرف من أين وأين!؟ ودقاتها التي لم تهدء للحظة.. وصمتها هذا الذي كان أصعب من الصراخ والحدة...
وبعد ركض طويل وصلوا إلى الطريق العام، ظل مالك يلهث، ورغم عقله المشتت من كل شيئ إلا انه سألها: شمس أنتِ كويسة؟ لا تعرف لهذا السؤال جواب، هي مشتتة، تحترق، تتأكل داخليًا، ولكنها بخير تمامًا! اومأت وهي تهمس له: ايوة أنا كويسة بعد قليل كانت سيارة كبيرة تقترب منهم اشار له مالك ليقف ثم سأله بنزق: اية واقف ادام العربية لية اسرع مالك بالاجابة: عايزين نوصل المعادي ضروري يا ريس.
وزع الرجل نظراته بين مالك وشمس التي تشبثت بقميصه بخوف ليومأ موافقًا: ماشي أركبوا ركب مالك اولاً ثم امسك بيد شمس ليعاونها على الطلوع، لتلتصق به تمامًا خشيةً من نظرات ذاك الرجل.. تنحنح الرجل ثم سأله بخشونة: اي خدمة نظر له مالك بابتسامة صفراء ثم قال: متشكرين وأخرج الأموال من جيبه ليعطيه، فأخذهم الرجل بصمت.. وبعد دقائق عاد يقول بمغازلة لشمس: عينك دي ولا لينزز يا أنسة؟
نظرت له شمس فاغرةً فاهها، لتهمس بعدها ببلاهة: لينزز!، أسمه لينسز بينما كان الغضب يسيطر على مالك كليًا، ولاحت في عيناه نظرة جعلت شمس تصمت تمامًا عن الحماقة التي كانت تتفوه بها.. ليقول بعدها للرجل بحدة: دي مراتي يا ريس، وياريت تبص ادامك أحسن من عينيها عشان مانعملش حادثة في ليلتك اللي مش فايته نظر له الرجل بضيق ثم غمغم: منا باصص اهو، مكنش سؤال، أنا ملاحظتش انها مدام لانها مش باين عليها من حلاوتها.
كتمت شمس سعادتها بصعوبة من تلك الغيرة التي ظهرت دون مقدمات.. نعم كلاهما يغير على الأخر.. ولكن غيرة غير معترف بها في قانون حياتهم - العنيدة -.. بعد ما يقرب من ساعة وصلوا للشارع الرئيسي، فنزلوا مسرعين.. وقبل أن يسير مالك أستدار ليوليه لكمة قوية نبعت فجأة من غيظه الذي حاول كتمه حتى يصلوا.. ثم زمجر فيه حادًا: دي عشان تفتكر إنك لازم دايمًا ماتبص لحاجة مش بتاعتك.
ثم سار هو وشمس التي لم تختفي الابتسامة من ثغرها بخطى سريعة.. تناقضًا للحالة التي كانت تجتاحها بلا منازع منذ قليل!
نظر مراد لحسام بتدقيق للحظات متفحصًا قسمات وجهه قبل أن يزفر وهو يهتف بضيق: ما أنت عارف يا حسام إني بعمل كدة عشان أشوف رد فعلها مش اكتر وكانت نظرة حسام بلا معنى، غامضة وكأنها طلاسم يصعب فكها.. فأردف بصوته الأجش: عشان شاكك إنها ممكن تكون لسة بتحبني مش كدة؟ هز الأخر رأسه نافيًا وراح يبرر بهدوء:.
عشان أعرف هي تستحق مشاعري اللي أنا حاسس بيها ولا لا، عشان أعرف هي زي ليلى ف الأخلاص والوفاء ولا زيها ف الشكل وبس! تأفف حسام ثم سأله بشكل مفاجئ: وأفرض حنت للقديم، وأهو بالمرة ترجع لأمها بدال ما انت مهددها؟ وشعر أن صوت ضربات قلبه العالية قد تكون مسموعة لحسام! صوتها القلق الذي يرفض هذا الأحتمال رفضًا باتًا.. ليست مشكلته أنها اعطى لعقله فرصة واستجاب لنداءه الغبي!
هي له ومعه، وستظل هكذا لطالما كان على قيد الحياة... نظر لحسام بحدة واضحة قبل أن يستطرد بنبرة تماثل نظرة عيناه السوداء في الحدة: أنت عايز أية يا حسام؟ رفع حسام كتفيه ثم اجابه ببراءة: صدقني أنا مش عاوز حاجة، أنا هنا مجرد نفسك اللي بتتكلم بصوت عالي، بتناقش معاك ف كل الجوانب، مش سايبك تشوف جانب أنت عايزه وجانب تاني بعدت عنه النور! نظر مراد امامه بشرود.. كلام حسام صحيح مليون بالمائة! ولكن، ما باليد حيلة...
هو سقط في تلك الفجوة بين القلب والعقل ليس إلا! وفجأة تردد في اذنه قول حسام الجاد: ولا أنت بتقول إنك حابب خلود عشان هي شبه ليلى بس!؟ واجابه مراد دون تردد بنفس الجدية والأتزان، و بقلب يتحدث على لسان بشر:.
يمكن لو كنت سألتني من يومين السؤال ده كنت قولتلك أه كدة او انا كنت مفكر إنه كدة، لكن لأ، أنا حبيت خلود مش ليلى، أنا دلوقتِ شايف خلود، وعايز خلود، أنا لما ساعدتها من طغيان اخوها كان لأني متعاطف معاها، مش لأنها شبه ليلى، ليلى أنا اتأكدت إنها خلاص ماضي وراح لما عاشرت خلود ابتسم حسام تلقائيًا على كلام مراد الذي شعر بكل خيط صدق وحقيقة ينسدل منه، فهتف بنبرة عادية: ربنا يقربها منك أكتر لو فيكوا الخير لبعض.
اومأ مراد مرددًا بابتسامة: امييين يارب وكانت خلود بالداخل تقف شاردة، تائهة بين شارع الحب ورصيف العقل! بين ذاك الرصيف الذي يحاول جذبها مرددًا بتلك الحجة إن طلبتِ المساعدة من حسام ستعودين لأهلك فورًا! وشيئ ما يرد عليه بحجة اخرى - كاذبة - سيجلبني إن أراد، هذا حقه، هو زوجي فعليًا امام القانون! افاقت من شرودها على صوت الغلاية، لتعد كوبان من القهوة..
وخرجت بهدوء لتضع امامهم الكوب بابتسامة صفراء ضغطت على نفسها لتظهرها امامهم.. ليقول مراد بابتسامة هادئة: تسلم ايديكِ يا حبيبتي حبيبتي! هل هي حقًا حبيبته!؟ أم تلك حروف خرجت بشكل عادي غير المسار الذي وصلها من تلك النبرة؟! ولكن، هو اعترف لها فعليًا! ما المانع إذاً لتصدقه؟ قطع شرودها القليل صوت حسام وهو ينهض بهدوء قائلاً: عن اذنكم بقا هتأخر لازم امشي.
اومأ مراد بهدوء، وبعد السلامات العادية كاد يلتفت حسام ليخرج إلا انه سمع صوت خلود التي نادته بهدوء متوتر: حسام!
وكان يحيى الأسم يلتمع بذهنه! عالق بين حبال افكاره الشيطانية التي لم يسلم منها اي شخص.. ظل ناظرًا امامه بشرود، في البداية كانت مجرد فريسة ممتعة ولكن الان اصبحت اكثر بكثير مما اعتقد.. اصبحت فريسة بنكهة الأنتقام الموجع! فريسة سيُمتع بها نفسه اولاً ثم يستمتع بقهر اخيها سيسلب منه سيطرته على شقيقته كما سلب منه سيطرته على شمس! ولكن ماذا إن كانت تلك الفريسة نالت قدرًا كافيًا من الأنتقام حد الجنون؟!
قطع افكاره صوت هاتفه الذي بدء يرن فزفر وهو يخرجه من جيبه بهدوء ليجيب: ايووة يا غريب اية يا يحيى عامل اية؟ تمام كويس سمعت إنك طلبت عنواني واخدته بقالك شوية ولسة ماجتش اممم لا ده كان عادي اية طب كان في حاجة ولا اية؟ لا كنت عايزك في مصلحة كدة بس غيرتها خلاص مصلحة تاني! لا لا المصلحة دي ملهاش علاقة بشمس خالص اومال مين؟ متقلقش هي حاجة سهلة جدًا، أنا عارف أنك معاك المكنة بتاعتك ف هتساعدنا وضح اكتر مش فاهم.
يعني انت كل اللي هتعمله إنك هتراقب واحدة كدة وهتجبلي كل حاجة عنها اممممم حلوو ومع ذلك هاجيلك عشان نظبط كل حاجة تمام ف الانتظار سلام مع السلامة.
أغلق وهو يتنهد تنهيدة طويلة وحارة حملت الكثير في طياتها.. ليبتسم ابتسامة عادية إتسعت مع مرور اللحظات لتصبح ضحكة طويلة تتقافز بينها السعادة الحقيقية! ليهمس لنفسه بانتصار: هييييح، حظي حلو أوي، فريستي جت لحد عندي عشان أنتقم، في اية احلى من كدة عشان الواحد يفرح وينبسط؟! ولم يكن يعلم أن الحظ يأخذ كما يُعطي!
كانت كريمة تجلس على الأريكة امام الشرفة كعادتها.. ولكن تلك المرة ليست كأي مرة، تلك المرة هي تتأكل داخليًا كالصدئ في الحديد، منذ ما حدث وهي لم تكف عن السب واللعن في مالك.. اختطف منها ابنتها ولم تستطع فعل اي شيئ.. نعم أختطفها، هي تعرف أبنتها جيدًا، لم تكن معه برضاها ابدًا! والحجة قاهرة فهو زوجها لا تعرف كيف حدث هذا الزواج ولا متى تم من الأساس.. وللحظات كانت ستطالبه بتلك القسيمة التي يتحدث عنها..
تلك القسيمة التي تعطيها كامل السلطة للسيطرة على غزالتها المسكينة.. ولكنها تتذكر جملته جيدًا لما تطلب البوليس أوعدك إني اوريهالك ادامه.. لم يكن كاذب وإلا لن يتحدث بهذه الثقة! وإن تدخلت الشرطة بالفعل لن يصبح اي شخص خاسر سواها.. فهي امام القانون امرأة تُبعد زوجة عن زوجها! نهضت وهي تهز رأسها بأصرار: لا منا مش هستسلم وأسيب بنتي كدة تروح مني، لازم اعمل حاجة ثم عادت تتساءل بقلة حيلة: بس هعمل اية طب ياربي.
وفجأة صمتت لتنظر امامها بشرود مخيف مرددة: الحقيقة والصراحة مش هيرجعولي بنتي، لكن اكيد في طرق تانية ارجعها بيها ومن اكثر معرفة بتلك الطرق الخبيثة وتلك الخيوط المميتة بالطبع لم يكن سوى يحيى الذي ذهبت للاتصال به، لتطلب منه المساعدة الفورية!
منذ دخولهم وهم صامتين، لم يتحدث ايً من مالك او شمس.. وكأن الصمت رُسم لهم اليوم بمهارة.. الصمت... تلك الكلمة التي تحمل الكثير والكثير بين طياتها.. كلاً منها يدور بداخله شيئ.. ولكنه قد يكون شيئ متشابه بعض الشيئ.. ونظر لها مالك بجدية ليفتتح الحديث بغيرته التي اسعدتها فعليًا: عجبك كلام الزفت ده، لأ وكمان بتصححيله كلمته رفعت حاجبها وهي ترد ببراءة لم تدعيها: طب ماهو كان بيقولها غلط!
كز مالك على أسنانه بغيظ حقيقي ليقول بعدها: يعني كل اللي لفت نظرك الكلمة دي بس!؟ عضت على شفاهها السفلية وهي تنظر للأسفل بحرج.. فيما ظل هو محدقًا بها لسبب لم يعترف به حتى الان! لتردف بعدها بصوت بدء يختنق مع التذكار: مش أحسن ما أقعد اعيط كل ما افتكر اللي حصل ومن دون قصدًا منها فكت قيود غضبه وألمه وحنانه، وخوفه معًا! فرغت الطريق لكل تلك المشاعر التي كان يحاول كتمها بكل الطرق.. ومن دون مقدمات جذبها لأحضانه..
وكأن ذاك الدفئ الذي عرفه بين احضانها لم يعد إلا ويسيطر عليه! ظل محتضنها بقوة، حتى كادت تتألم ولكنها صمتت فشددت على قبضتها على ظهره.. وكأن ذاك - الحضن - كان كأمتزاج لقلوب وقعت اسيرة تحت مرض العشق ليقول هامسًا بجوار أذنها بشكل اثار قشعرية جسدها: متعرفيش أنا كنت هموت أزاي من خوفي عليكِ!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والعشرون
دقات قلبها لا يُعلى عليها في هذه اللحظات، عقل يتهمه بالكذب وقلب يتهمه بالتأخير للأعتراف.. وإن كان إعتراف غير كامل حتى الان! ويطوف بين جنبات قلبها الذي اصبحت تتراقص دقاته تزامنًا مع نبرة صوته الهامسة الرومانسية.. حاولت التملص من ذاك - الحضن - الذي طال عن وقته، والذي تخشي هي أن يتطور لأمور هي غير مُهيئة لها نهائيًا وخاصة معه، هو الذي مفترض أنها تكرهه..
لتجده يشدد من احتضانها، إبتعد عنها بعد دقائق، لتجده ينظر في عيناها برومانسية لم تعهدها منه، فحاولت النطق ولو متلعثمة: مالك لو سمحت نظر في عينيها الرمادية التي أصبح يعشقها دون أن يلحظ، نظرات أذابت جليدها الذي حاولت بناءه بينهما، فإبتلعت ريقها بازدراء وفجأة شعرت بملمس أصابعه الخشنة وهو يتحسس شفتاها الوردية بحالمية مرددًا بخبث: هو أنا أسمي حلوو كدة ولا عشان منك أنتِ.
ومشاعر تعصف بكيانها، مشاعر لأول مرة تغمرها، لأول مرة لا تجد رد فعل مناسب لما يحدث...! حركات وكلمات غير معهودة، وكأنه قاصد إرتباكها حرفيًا!؟ حاولت أن تبتعد عنه وهي تنظر للأرض - هاربة - من تلك النظرات التي تؤثر عليها بشكل مُقلق.. لتسمعه يقول بهدوء: عايزة تروحي فين؟! لم ترد عليه، وبعد ثواني اخيرًا ألهمها القدر فرصة لترد بارتباك: عايزة آآ عايزة أغير هدومي أبتسم بخبث لا يجد، ليقول بنبرة ذات مغزى:.
أنا بقول كدة بردو، يلا نغير هدومنا إتسعت حدقتا عيناها وهي تردد ببلاهة: نعم! رفع حاجبه الأيسر وهو يقول بعدم فهم مصطنع: الله! مش أنتِ عايزة تغيري هدومك نظرت له بجدية واجابت: قولت أنا عايزة أغير هدومي، مش احنا وهدومنا! ضيق عيناه وهو يقول باندهاش مصطنع: اووه بجد!؟ كزت على أسنانها بغيظ وقالت: أيوة بجد ومن دون مقدمات احتضنها مرة اخرى، ولكن هذه المرة بشكل اذابها حرفيًا!
كانت رأسها بجوار قلبه، تسمع دقاته التي ازدادت والتي يتجاهلها مالك.. ترتبك هي أكثر مع كل دقة! وأين تلك الجدية؟! ذهبت أدراج الرياح، بمجرد فعل مفاجئ منه يفقدها سيطرتها على نفسها! وبعد ثواني سمعته يقول بنبرة سقطت بغرابة على اذنيها: أنتِ مكانك، هنا وبس تلك الحروف وتلك النبرة لم تكن خبيثة، لم تكن راغبة، ولم تكن غير مفهومة... بل كانت تملكية مُشددة!
اخيرًا استطاعت لملمة شتات نفسها المبعثرة لتدفعه بقبضتيها مرددة بغضب غير مفهوم: أبعد عني نظراتها كانت كفيلة بأن تفيقه من تلك الغيبوبة.. من تلك المشاعر التي أقسم ألا يجعلها تجتاحه مرة أخرى.. ليبتعد عنها مسافة واضحة وهو يقول بنفس جموده المعتاد: أنا مكنتش اقصد اللي قولته إرتسم على فاهها ابتسامة ساخرة وهي تقول:.
أكيد ده كان جزء من اللي انت بتعمله من ساعة ماشوفتني وعشان ابقى مستسلمة ليك بأرادتي وتثبت لنفسك إن مفيش حد يقدر يقف ادامك ولا يقدر يرفض مالك بجلالة قدره ظل ينظر لها مطولاً ثم هتف بوجه واجم: اعتبري زي ما تعتبري، أنا مش مضطر أبرر لحد ابدًا ظلت تنظر له بسخرية، بينما هو.. كان يلوم نفسه وبشدة، هو تزوجها ليجعلها تستسلم له بأرادتها، ولأنها مجرد عاهرة! الان يغار و...
لا لا هو لا يغار من الأساس، سيعود لقناع الجمود والقسوة الذي تلبسهم وهو يعطيها ظهره قائلاً: جهزي نفسك عشان هنسيب الشقة دي فورًا سألها وهي قاطبة جبينها: لية اجابها دون أن ينظر لها: مش من حقك أشرحلك أي حاجة هزت رأسها نافية وقد لمعت عيناها بدموع الحزن على والدها الراحل ووالدتها التي ابتعدت عنها، وربما للأبعد، ولكن بقيت تلك الدموع متحجرة كصخرة لن تذوب لتقول بقوة:.
لا، انا مش هبعد عن المكان ده، على الاقل ابقى قريبة من امي واعرف اتطمن عليها نظر لها بحدة مرة اخرى ومن ثم زمجر فيها منفعلاً: بلاش غباء، هما اكيد هيرجعوا هنا تاني عشان يجيبونا مش هيسيبونا بسهولة كدة ظلت تهز رأسها بأصرار مرددة: لا، روح أنت وانا هنزل لأمي، انت كدة كدة اساسًا حققت اللي اتجوزتني عشانه!
توقفت دقات القلوب مع ذاك النداء وانقطعت انفاس مراد وهو يرى خلود تقترب ببطئ من حسام لتقول بعدها بجدية: نورتنا، أبقى كررها اديك عرفت العنوان اومأ ومازال الذهول صاحبه ليرد بحروف لم تتخط شفتاه: أكيد إن شاء الله بادلته الابتسامة الصفراء المتوترة، ليلقي التحية ثم يغادر بكل هدوء... وبعد دقائق كانت تجلس بجوار مراد على الأريكة، تتنهد بهدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة.. لتنظر له قائلة بفتور:.
هو ممكن اسألك على حاجة؟ عقد حاجبيه متساءلاً: حاجة أية؟ دون أن تنظر له ردت مغمغمة بما اشبه الضيق: عايزاك تحكي لي عن ليلى ظل ينظر لها بعدم فهم.. عله يفهم تلك الرغبة - الخفية - للحديث عن زوجته الراحلة، والتي مازالت تعتقد هي أنه يحمل لها شيئً ما.. ليسألها بهدوء حذر: لية؟ رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة: عايزة اعرف عنها مش اكتر اومأ وهو ينظر لها بريبة: امممم يمكن.
نظر امامه وظهرت شبح ابتسامة حانية وهو يبدء السرد: ليلى اساسًا ملهاش أخوات، حاجة كدة فريدة من نوعها، طيبة أوى وتجذبك ليها بسرعة، اتعرفت عليها صدفة بردو، وحبيتها، لحد ما جه يوم اضطريت إني اخسرها اقتربت منه بهدوء تسأله بفضول برغم الضيق الذي بدء يفرض سيطرته على كيانها كليًا عند ذكر حبه لها لتقول: اية اللي حصل احكي لي؟ هز رأسه نافيًا وهو يتابع بألم: مش حابب افتكر اليوم ده، حابب افتكر الذكريات الحلوة بس.
كزت على أسنانها بغيظ، يقص عليها درجات ومدى عشقه لزوجته الراحلة، وما يثير السخرية.. هي من طلبت منه ذلك، هي من طلبت أن يبدء العزف على اوتار تخنقها رويدًا رويدًا وبلا سبب معترف.. وفجأة شعرت بيداه الخشنة تمسك بيدها بطريقة - حميمية - جعلتها ترتعش قليلاً من تلك اللمسات المفاجئة.. ومن ثم بدء يحرك يده بحركة دائرية على يدها وهو يهمس بحب صادق شعرت بمدى صدقه يخترق اذنيها:.
بس دلوقتِ مفيش غير واحدة بس هي اللي في قلبي فتحت عيناه ليظهر ذاك البريق الذي أسعده وهي تسأله: مين دي ان شاء الله! اقترب منها حد الالتصاق، اقتراب جعل دقاتها تبطئ... وأنفاسها تتضطرب لتكاد تنعدم من ذاك الأقتراب - الخطر - والحمرة تزحف تلقائيًا لوجهها الذي حاولت اخفاؤوه.. ليقول ووجهه امام وجهها تمامًا: أنتِ همس بها وهو يتحسس وجنتاها ليشعر بسخونتهما..
ولم يستطع كبح رغبته في أن يتلمسهم بشفتاه، واقترب يفعلها ليربكها اكثر.. يربكها؟! وهل مازالت في مرحلة الأرتباك! هي اصبحت في مرحلة ابعد من ذلك بكثرة.. مرحلة هي نفسها لا تعرف نفسها بها! وحاولت ابعاده وهي تقول متلعثمة: ط طب ممكن ت تبعد شوية؟ بعد! هو اصبح لا يعرف للبعد معنى بعد ذاك القرب، لا يعترف به من الأساس.. واقترب اكثر ليلتهم شفتاها في قبلة دامية، صكت ملكيته على شفتاها ليقول بعدها بأنفاس لاهثة:.
أنا بحبك، أنا عايزك!
كانت زينة حبيسة غرفتها حرفيًا، لا تخرج منها منذ اخر مرة.. واحيانًا تشعر بالموت على اعتاب بابها من شدة الألم.. وكلما كانت تكاد تستسلم حتى عادت مرة اخرى لتقنع نفسها بواجب الصبر والأحتمال... وإن لم يكن من اجل شخصها، سيبقى من اجل طابع كبرياؤوها الذي تلطخ بالذل مؤخرًا! وبكل مرة تشعر أن الألم يزداد ليحاربها حرفيًا! ستموت، وإن كان؟! تموت بكبرياؤوها افضل من الموت قهرًا امام ذاك الأحمق - زياد -...
ولكن الان وصلت لأقصى درجات الاحتمال، تود الصراخ ولكن من هنا ليسمعها ويساعدها؟! والدتها التي لا تراها إلا - صدفة - اما والدها واخيها الذي لا تعرف عنهم ولو أين هما بالأساس؟! نهضت وقد نفذ ذاك الصبر، لتمسك بهاتفها تتصل بزياد.. ليرد عليها بعد ثواني بصوته الأجش: زينتي وحشتيني اجابته على مضض: زياد انا مش قادرة هموت اجابها مشاكسًا: كنت عارف إنك هترجعيلي تاني صرخت فيه بنفاذ صبر: انا عايزة اي حاجة ارجوك هموت.
سألها متوجسًا: انتِ فين؟ لتجيبه بسرعة دون تفكير: انا ف البيت وجيالك حالاً في شقتك ليبادلها نفس السرعة التي خرجت دون تفكير: ماشي مستنيكِ أغلقت على الفور وهي ممسكة برأسها وقد اشتد الألم وتشنجت ملامحها.. ولكن لفت نظرها شيئ اخر لم يشترط، لم يطلب، لم يتمتع بألامها!؟ بل وافق مسرعًا دون أي شيئ؟! وياخوفها من ذاك التسرع!
نظر لها مالك بحدة، حدة حقيقية من كلامها الذي كان لا يتوقعه على الأطلاق!؟ وعلى ما يبدو أن - فعليًا - موت والدها أخرج الشراسة من داخلها لتقف في مواجهته وتطالبه بالأبتعاد! ولكن أي ابتعاد هذا.. هو لن يبتعد عنها ولو حتى بأحلامها! وإن كان السبب مجهول له حتى الان ولكن الاصرار على ذلك مازال موجود! وزمجر في وجهها بغضب: أنتِ قولتي أية؟ رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة برغم خوفها من رد فعله:.
قولت اللي أنت سمعته، عايزاك تديني سراحي يا مالك رفع حاجبه وهو يسألها بهدوء ما قبل العاصفة: ولو قولت لأ؟ هزت رأسها نافية وهي تقول بغلاف بارد اتقنت وضعه: ده مش اختياري، لأنك لو رفضت هرفع قضية قطب جبينه بتعجب حقيقي، ليستطرد بسخرية جارحة لم يقصدها: لا والله وده مين اللي هيقف معاكِ، امك اللي خايفة مني ولا ابن خالتك الواطي وزاد من جرحها الم حقيقي... لو كان ابيها معها لمَا كانت معه الان وتطالبه بأطلاق سراحها!
شعرت فعليًا وكأن ظهرها لم يعد له أمان، ذاك الشعور بالأمان الفطري افتقدته وانتهى الامر... وجسدت عيناها ما تشعر به وفضحتهت كالعادة لتتلقلق الدموع في لؤلؤتيها.. كانت تحاول تناسي الأمر حتى لا تنهار امامه، ولكن بالطبع فشلت! ما شعر به جعله يتراجع بأسف ؛ مكنتش أقصد على فكرة هزت رأسها وهي تقول بسخرية مختنقة: ولا تقصد، انت عندك حق وحاول ان يقاوم تلك الرغبة المميتة في احتضانها..
في تخبأتها داخله للأبد وٱن كان الجرح منه... ليعطيها ظهره قائلاً بهدوء: خلصي حاجتك وتعالي قوليلي في الاوضة...!
يعني ايييييية، اختفوا راحوا فين؟
قالها جمال بصراخ وهو ينظر لسمر التي كانت تجلس امامه على كرسي خشبي بهدوء تام في نفس المصنع المهجور الذي كانوا به، لتلوح له بيدها مغمغمة بلامبالاة: ما خلاص يا جمال بيه التمثيلية خلصت بدءت ابتسامته تظهر على ثغره الاسمر لتتسع رويدًا رويدًا.. لتصبح قهقهات عالية تموج بها الفرحة بتحقيق ما أراده.. لينظر لها مشيرًا بغمزة بعينه: بس أنتِ معلمة عدلت من وضعية التيشرت الخاص بها لتقول بغرور لا تتصنعه:.
عيب عليك ده أنا سمر اومأ وهو يعترف بتحية: صح بس انتِ تعبانة مش سمر، اللي يشوفك ساعتها مايشوفكيش دلوقتِ نظرت له بفخر.. لا تصدق أن ما سعت له سيتحقق، نفذت مخططهم ونجح بالفعل! اجتازت اول عقبة في ذاك المخطط؟! تنهدت بارتياح وهي تقول له: بس بجد كنت قلقانة ل مايسمعش كلامي ومايصدقنيش هز رأسه وهو يقول بجدية: بس اهو صدقك، واكيد صدق إنك اتغيرتِ، مايعرفش إنك متقدريش تعملي كدة ولو بأحلامك وتخونيني اومأت مؤكدة:.
طبعًا يا جمال بيه بينما سار وهو يقول بتعجب مما اصبح فيه: لحد دلوقتِ مش مصدق ازاي طاوعتك وسيبته يمشي من غير ما امضيه على الورق هزت رأسها وهي تشرح له بخبث: يا جمال بيه مالك عمره ما هيسكت لو مضيته وسبتهم، هيعمل المستحيل عشان يرجع كل حاجة ليه، لكن كدة، العبدة لله هي اللي هتتصرف ومن غير مايعرف اي حاجة، يمكن اللي يعرفه ان القطة بتاعته هي اللي اخدت الفلوس ومضيته ع الورق!