رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر
وعندما تتراكم عليك المصائب، وتزداد المشاكل، لتحاصرك من كل الاتجهات، تصبح أنت كالذى يُسحب منه الهواء تدريجيًا... سقطت الكلمة على مسامعه كالسوط الذي يتفنن في إيلامه، دائمًا هو المظلوم، دائمًا هو المغرور، دائمًا هو في وضع القوة، ولكن ماذا إن تبدلت الأدوار ليصبح هو الظالم؟! بالطبع لن يستسلم.. صاح فيهة بحنق: طلاق! اومأت وكأن لسانها يردد ما وصل إليه حالها:.
أيوة طلاق، طلاق لأنى اكتفيت من القهر، طلاق لأنى اتحرمت من أجمل يوم ف عمرى، طلاق لأنى مابكرهش حد قدك دلوقتِ ابدًا أهو ظالم لهذه الدرجة؟! ام هي تتفنن في رسم تلك الصورة له! فقال بصراخ مماثل لها: لأااا سألته ببلاهة غير مستوعبة رفضه: لأ أية؟ مط شفتيه يجيب ببرود حاول زجه في نبراته الغاضبة: لأ مش هطلق، لأن مش معنى كدة إنك مظلومة.
إتسعت حدقتا عيناها بصدمة حقيقية، رغبته في أنها عاهرة أقوى من اى شيئ الان!، لن يصدق مهما حدث، ومهما ترابطت الدلائل امامه سيفككها بكل برود ملقيًا بها في عرض البحر! خرج صوتها بصعوبة متساءلاً: أنت عايز دليل اية أكتر من كدة؟ رفع كتفيه ليقول بسخرية: أنتِ عايشة ف عصر أبو جهل ولا أية؟ نظرت له مستفهمة بعدم فهم: وضح كلامك ياريت اومَأ وهو يتابع بغل: يعنى أنتِ مش فاهمة قصدى؟ هزت رأسها نافية لتجيب ببراءة: لا والله.
للحظة كان سيصدقها! سينخدع في براءتها التي يعتقدها مزيفة، في بحر عينيها العميق الذي يجذبه يومًا بعد يوم، ليستفيق سريعًا وهو يزمجر فيها: يعنى دلوقتِ بقا في عمليات يا حلوة، ممكن ببساطة تكونِ عملتِ العملية ورجعتى زى ما أنتِ هزت رأسها نافية وقد بدءت دموعها بالأنهمار: لأ حرام عليك ماتظلمنيش للدرجة نظر لها من أعلى إلى أمحص قدميها ليقول بحدة واضحة: لو عملتى المستحيل عمرى ما هصدق عاهرة زيك.
أغمضت عينيها بقوة علها تمنع أذنيها من سماع تلك الكلمة، ولكن، جعلتها تنزف من الألم، من المفترض زوجته ويشبهها بالعاهرة! لا لا يشبهها بل يلقبها به وما أسوءه لقب حروفه لها عامل في إماتتها ببطء! همست بحروف خرجت متمثلة في معانى الألم الحقيقي: أنا عمرى ما كنت عاهرة ولا هكون ثم صمتت برهه تستجمع نفسها المبعثرة من هجومه الشنيع: بس أنا واثقة ف ربنا، وواثقة أنه هيجبلي حقه، وواثقة إن لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
تقوس فمه بابتسامة ساخرة بالرغم من إهتزازه ولو لثوانى داخليًا ثم قال: ماشي يا شيخة شمس نظرها موجه للأرض لا تقوى على رفعه، فتواجه سهام عينيه الحادة وظلت تردد: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إتجه للخارج وهو يقول بحدة باتت معتادة منه: أنا طالع، أجي ألاقيكِ قومتى ولميتى الدنيا وحضرتى لى أكل زى الناس وعندما لم يجد منها رد، أردف بقسوة: وأظن دى حاجة مش جديدة عليكِ، دى شغلتك اصلاً.
ولو كان للقلب صوتًا لكان خرج صوته من بين ضلوعها صارخًا برجاء: أرحمني معذبي سأتوقف حتمًا من الألم... وصمتت وهي تحتفظ بدموعها في عينيها التي لم تحتمل اكثر فأخرجت الدموع في صورة شهقات متألمة عميقة من داخلها منذ خروجه واخيرًا من تلك الغرفة اللعينة!
جالت نظرات مراد على وجه خلود المتورد، يتفحص صفحاته التي كادت تذبل بشدة من كثرة ما مرت به، نفس قسمات الوجه التي عشقها من قبل، ربما تختلف قليلاً لكنها تشبهها بحق، نفس الصفات المكتنزة، ودون ارادةً منه وجد نفسه يتذكر زوجته الحبيبة امام صورتها المشابهه.. فلاش باك..
كان في منزله ذو أثاث نظيف ومرموق، نفس المنزل الذي يعيش به الان، ولكن الأخر كانت به أطياف سعادة يومًا ما، ولكن الان يملؤوه تيارات مشحونة بالغضب والأنتقام الكاذب! كان يجول الصالون ذهابًا وإيابًا بجوار زوجته التي كانت تجلس على الأريكة تستند بيديها على ركبتيها والقلق يشع من نظراتها وملامحها الهادئة، نفذ صبرها فقالت منفعلة بعض الشيئ: مراد أهدى خلينا نفكر نظر لها يسألها مسرعًا بانفعال حقيقي:.
نفكر ف أية، احنا خلاص هنروح ضحية أغمضت عينيها تحاول تهدأة نفسها، تجبر نفسها على السير في السبيل الصحيح، ولكن على غفوةً منها عاد لسانها يردد نفس اللوم الذي يُحمله فوق طاقته: قولت لك يا مراد، قولت لك الناس دى مش سهلة ابداً، قولت لك شغلك مش هيجيب لنا غير الوجع مسح على شعره بقوة حتى كاد يختلعه بين يديه وهو يهتف:.
وانا قولتلك إن ده شغلى، يعنى حياتى وحق بلدر عليّ إنى أخلصها من أمثال الناس دى عشان ماتدمرهاش اكتر تنهدت بقوة تنهيدة تحمل الكثير وسألته مرة اخرى: طب هما قالوا لك أية بالظبط؟ جلس بجوارها وهو يتابع مغمض العينين: قالولى لو مادتهمش الفلاشة يبقي أقرأ الفاتحة على أرواحنا!
إتسعت حدقتا عينيها من هذا التصريح الفج، الذي لم يكن متوقع ابدًا، ولكن لنقل أنه متوقع نسبةً لأناس مثلهم، لكن غير متوقع بالنسبة لدرع الحماية الوهمى الذي رسمته هي، وهو وظيفة زوجها! رددت دون وعي: طب ما تديهم الفلاشة ونخلص نفسنا يا مراد وكأنه قرر مجارتها في ذاك الجنون: كان نفسي، لكن للأسف فعلاً الفلاشة مابقتش معايا صرخت فيه متساءلة بجزع: أمال مع مين يا مراد؟ اجابها بصراخ مماثل بل أكثر حدة:.
مع سيادة اللواء يا ليلي، مع سيادة اللواء ثم صمت برهه يسترجع ما حدث ليتابع بعمق: يعنى دلوقتِ هيخلصوا علينا على أعتقاد إنها معايا بالفعل وبكذب عليهم، ولما يعرفوا أنها مع سيادة اللوا هيقتلوه هو كمان! عادت بظهرها للخلف وهي تردد بحزن: لا إله إلا الله، يااارب أنت العالم بالحال عاد هو الأخر ليصبح موازتها ثم وضع يده على بطنها مستطردًا بألم حقيقي: أنا مش خايف على نفسي، أنا خايف عليكِ أنتِ وأبننا اللي جاى.
اومأت هي بشبح أبتسامة منكسرة وهي تهمس: عارفة يا حبيبي باك وكأنهم يعلمون تلك النقطة جيدًا، يعلمون كيفية إختراق حصونه لأحراقه فعليًا، وفعلوها لم يكن مجرد تهديد، قتلوها وطفله دون أدني رحمة، ولكن، بعد رحلة كاملة بشتي أنواع العذاب الجسدى والنفسي معًا! نظر لخلود المتسطحة أمامه ليهمس بصوت يكاد يسمع: والظاهر انهم هما كمان كانوا عارفين يا حبيبتي، عشان كدة كسرونى!
فييييين الصور؟ صرخ بها غريب الذي كان يسير ذهابًا وإيابًا في ذاك المنزل بجنون، بعدما قلب المنزل رأسًا على عقب، جن جنونه من عدم رد بسام عليه برد مقنع، ام أنه يتعمد إستفزازه واثاره جنونه فيرد عليه ب: امممم مش عارف، تفتكر ممكن تكون راحت فين يا شبح؟، يمكن العفريت أخدها وهرب! تتبعها ضحكاته المستفزة، فاقترب منه غريب فجأة يسأله بحدة غير معتادة منه تجاه صديقه الوحيد: بقول فين الصور يا بسام؟
رفع كتفيه ليقول بلامبالاة مصطنعة: وأنا أيش عرفني؟ صرخ فيه بجنون: أنت هتستعبط، محدش يعرف موضوع الصور ده غيرك أنت ويحيى، ويحيى عمره ما يعملها! نظر له بلوم حقيقي مردفًا: يعنى واثق ف يحيى ومش واثق ف صاحب عمرك يا غريب!؟ هز رأسه نافيًا وقال بنزق: لأ مش كدة، بس إذا كان يحيى هو اللي مدينى الصور دى، هياخدها من ورايا تانى لية يعنى؟ تنهد بسام وهو يتابع بيأس: ايوة أنا اللي أخدتهم يا غريب.
إتسعت حدقتا عينيه، لقد ضاع ما خطط له!؟، هُدمت أحلامه الوردية بفتاته ناصعة البياض! ذهبت هباءً وبسبب من؟! ذاك الذي يُدعي صديقه! أقترب منه فجأة يمسكه من تلاليب قميصه: ليييية، بتعمل كدة لية؟ أبعد يده وهو يجيبه بجدية: عشان أنقذك من المصيبة اللي كنت هتعملها ف نفسك وف بنت بريئة ملهاش ذنب ف اى حاجة زمجر فيه بغضب عارم يكاد يحرق من أمامه من شدته: وأنت مااااالك، هو حد كان أشتكى لك؟
هز رأسه نافيًا ليصدح صوته حازمًا: لأ بس لما أشوف صديقي وصاحب عمرى الوحيد وأخويا بيعمل حاجة غلط من حق الصحوبية دى عليا إني أنصحه ولو ماستجابش للنصيحة أتصرف عشان ألحقه قبل ما يقع! ضغط على يده لتظهر مفاصله من فرط عصبيته، وايضًا نفس تلك الصداقة اللعينة تقف حاجز بينه وبين رغبته في ضربه وتحطيمه لأشلاء! هنا دخل يحيى في نفس اللحظات ليقول بابتسامة هادئة: اية يا شباب عاملين أية؟ اومأ بسام بهدوء: تمام يا يحيى.
نظر لوجههم بتفحص متساءلاً: مالكم كدة في أية؟ هز باسم رأسه نافيًا بهدوء مفتعل: مفيش حاجة يا يحيى قاطعه غريب بغضبه اللانهائي: لأ في، الصور بعد ما عملتها ما بقتش معايا وراحت لشمس عيناه فقط كفيلة بأن توضح بين سطورها إشعال النيران الملتهبة بداخله! وفجأة دفع غريب بقوة وهو يصيح فيه حادًا: أزاى راحت لشمس، أنا سايبهم لك أنت! ولم يعد يشعر سوى ب غريب يسقط على الكرسي الحديدى من الخلفة والدماء تسيل من رأسه..
وصرخة بسام المفزوعة نحوه: أنت مجنووووون!
يكاد يطير فرحًا بموافقتها، سيكمل إنتقامه الأعمي على أكمل وجه، وبموافقتها هي شخصيًا!، حقًا لقد كان القدر معه بكل معانيه.. بينما هي التي لم تعد تشعر بما حولها بعدما خطفت منه الكيس الصغير الممتلئ بالهيروين، تلك المادة البيضاء التي تغيبها عن وعيها بالكامل.. وإن كانت وافقت تحت تأثيره البسيط، فبعدما اخذته سيطر عليها تمامًا ومد فروعه لتلاليب عقلها الاهوج لتوافق وتسلمه نفسها بكامل ارادتها!
غمز لها زياد بطرف عينيه وهو يقول بخبث: مش يلا بقا اخدتِ الهيروين، عايز المقابل بقا يلا؟ نظرت له بعيون ذابلة متساءلة: النهاردة؟ اومأ مسرعًا ورد بجدية: أيوة، أحنا اتفقنا خلاص تنهدت وقد بثت في نظراتها الرجاء وهي تتابع: طب ماينفعش نأجل الموضوع ده شوية؟ هز رأسه نافيًا ولمعت عينيه على تلك الغنيمة الشهية وأجابها: لأ مابأجلش حقي خالص اومأت وهي تستطرد باستسلام: طيب إتسعت أبتسامته الشيطانية مرددًا بحماس:.
كدة تعجبيتى يا زينتي ثم نهض بخفة، ومد يده يسحبها لتقف وهي معه كالعروس اللعبة يحركها كيفما شاء واينما شاء! وضع يده يحيط كتفيها ونظراته تكاد تُخلع لتأكلها اكلاً!
وإتجه إلى غرفة نومه، جلس على الفراش الخاص به وهي بجواره تعتبر جثه هامدة، ركز نظراته على شفتيها المنتكزتين، وفي اللحظة التالية كان يلتهم بنهم، يتذوق شهدهم بمتعة لا نهائية، يثبت لها رغبته المميتة فيها ويده تتحسس منحيات جسدها بشهوة عمت عينيه، وإدمان عمي عينيها عن ذاك المسار الذي تسلكه!
كان مالك يجلس في الصالون، على الأريكة الخشبية الصغيرة، عقله منشغل بالتفكير فيها بالرغم من كل ما يحاول إقناع نفسه به، ينظر على الباب كل لحظة علها تخرج من ذاك القفص الذي حبست نفسها به، أو ربما الذي حبسها هو به! يتساءل في نفسه ماذا إن كان كلامها صحيح؟! يومها سيحلق في سماء الندم طالبًا عفوها حتى تعفوا؟! بالتاكيد لا، فهذا مالك السُنارى، الجبل الشامخ الذي لا يهتز مهما حدث!
قطع تفكيره صوت طرقات على الباب لينهض متساءلاً بحدة وضيق: ميييين!؟ وفتح الباب ليتفاجئ بوالده أمامه بهيئته الجامدة وبعد هذه المدة الطويلة التي لم يراه فيها.. ليهمس دون وعي: اية ده بابا! اومأ والده وهو يردد خلفه بسخرية: ايوة بابا، غريبة اوى دى؟! هز مالك رأسه نافيًا ليبرر: لا بس انت اول مرة تيجي لي الشقة دى يعنى! أبتسم والده ابتسامته المعهودة والتي يكرهها مالك لأنها تنذره بعاصفة قوية مدمرة قادمة..
فتابع والده جادًا: أصلى جاى لك ف حاجة مهمة ومفاجأة هتعجبك اوووى سأله مالك بحاجبين معقدوين وصوت مقتضب: حاجة أية؟ ليشير والده بيده وهو يقول امراً: تعالي لتتسع حدقتا عينا مالك من هول وصدمة ما يرى أمامه وكأنه اليوم العالمي للصدمات الطويلة!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر
دلف أحدى الرجال إلى المنزل بخطوات هادئة، أوقفه مالك الذي أشار له بيده ليتوقف وكأنه تذكر تلك المسكينة بالداخل، فقال له بجدية: أقف هنا، أنت أية اللي جابك؟ سأله والده بصوته الأجش مستفهمًا: أية يا مالك مش عايزنا ندخل لية!؟ هز مالك رأسه نافيًا وهو يقول ببراءة مصطنعة: لا لسمح الله، أنا بس مش عايزكم تدخلوا شقة زى دى ثم وجه نظر للرجل متساءلاً بخشونة: وانت جاى لية عايز أية؟
واخيرًا نطق الرجل ليغمغم متوترًا تحت أنظار جمال: أنا جاى عشان أقولك الحقيقة يا أستاذ مالك وزع نظراته فيما بينهم وراح يسأله مرة اخرى بعدم فهم: حقيقة اية انطق؟ هنا خرج صوت جمال الصلب وهو يقول مشيرًا للرجل: مش هو ده اللي جه قالك إن انا اللي أتفقت مع مراتك إنها تسيبك أغمض مالك عينيه وكأنه يحاول منع وصول تلك الذكرى البائسة لعقله مرة أخرى، وكأنما يحاول إقتناص الحزن المتبقي في حياته!
هز رأسه وهو يقول بصوت متشنج: جايبه لية يا بابا، وعايز أية!؟ أشار والده للرجل وأجاب بصوت حاول إخراجه حازم: جاى عشان أعرفك إني مظلوم، وإن مراتك هي اللي باعتك صرخ فيه مالك بحدة: بسسس، مش هنفتح ف القديم تانى أشار جمال للرجل وهو يقول آمرًا: لا هتسمعه، مش بمزاجك، أنطق يا حُسنى هنا غمغم حسنى بتوتر: الصور والصوت اللي بعتهملك يا استاذ مالك كلهم تركيب، والدك ملهوش يد ف حاجة رفع مالك حاجبه الأيسر ساخرًا:.
لا والله، المفروض اصدق انا! إحتدت عينا والده وهو يقول بقوة: هتصدق غصب عنك، الدليل ادامك أيجبره حقًا على التصديق، وإن كان هذا شعور فطرى من الأنسان، سيجبره هو!؟ وما يقلق مالك أن هذا الأجبار ليس من الفراغ، بل بدافع هدف وهدف قوى! رفع مالك كتفيه مرددًا ببرود: اوكيه صدقت جز والده على أسنانه بغيظ وهو يقول: ماشي يا مالك ماشي همس مالك باستفزاز: بالسلامة يا والدى، خلى بالك من نفسك.
ثم استدار ليغادر على عقبيه، تاركًا مالك يفكر في كلامه وإصراره الذي لن يدعه يجلس بسلام!
طرقة خافته من الباب الذي اُغلق لتوه كانت كفيلة بأن تقلق إنغلاق جفني خلود الهادئ وتزعج نومتها المقلقة، لتنهض جالسة بهدوء وهي تتساءل في نفسها كم من المدة نامت؟! والأهم ماذا حدث؟! ولكن الأجابة مفروغ منها، هو أخبرها أنه لن يمسسها! نهضت بهدوء وهي تحك رأسها اثر الألم الذي يداهمها، جملته الوحيدة طارت على أفقها لهدف لا تعلمه الظاهر أن هما كمان كانوا عارفين عشان كدة كسرونى يا حبيبتي! ترى من هي؟! وكيف حدث!؟
ولم تتذكر كل هذا الان من الاساس!؟، أيتحداها عقلها ليثبت لها أن امره يهمها! نفضت تلك الأفكار من رأسها وأتجهت صوب المرحاض، أغتسلت وتوضأت لتصلي فريضتها.. انتهت ثم بدءت صلاتها بخشوع، تدعوا الله أن يترفق بها راعيها، وأن تعذرها والدتها وإن لم تكن تعلم ذاك العذر!
انتهت بعد دقائق، ثم نهضت تتنهد تنهيدة طويلة تحمل الكثير في طياتها، وفجأة اجبرتها عينيها على النظر على تلك الغرفة، وفضول الأنسان قاتل لدرجة الجنون! تتذكر تحذيراته وتتذكر حديثه عن عدم تخطيها لتلك الغرفة، ولكن، من يحركها الان فضولها وليس عقلها.. دلفت إلى الغرفة بترقب شديد، عيناها تسبق قدمها في كل خطوة،.
أقتربت شيئً فشيئ من ذاك الدولاب وفضولها ما هو إلا غشاوة على عينيها، فتحته بهدوء لان لم تجد غيره، الغرفة فارغة! مليئة بالأتربة، يبدو أنها لم يمسها بشر منذ فترة ليست قليلة!؟ وجدت الدولاب فارغ عدا درج وحيد، اتكأت برفق لتفتحه، لتجد دفتر متوسط، نفضت الأتربة عنه وهي تتفحصه، ثم فتحته، وكأنها فتحت ما جعل علامة الأستفهام في حياة ذاك الشخص مراد تزداد تباين أكثر!
أخذت تقرأ، ولكن توقفت عن القراءة، لا بل توقفت حواسها كلها للصدمة التي هاجمتها الان! وفجأة صدح صوته صارخًا فيها: أنتِ بتعملى اية هنا!؟ وقفت تطالعه بهيئتها المرزية، والصدمة باتت حاجز بين هدوءها وخوفها من مراد، فهمست دون وعي: ازاى!؟ سألها مقتضبًا: هو أية اللي ازاى!؟ رددت بصدمة تشربت ملامحها: أنت اللي قتلت مراتك مش حد تانى!
وقفت كريمة أمام جثمان زوجها تبكِ وتنحب، تصرخ بقوة وتصرخ امام بقايا زوجها الحبيب الذي عاصر معها كل شيئ بمُره قبل حُلوه، لقد أنتهي كل شيئ وانتهت الحياة معه عند تلك النقطة! وبعض كلماته وتوصياته على ابنتهم الوحيدة ترتكز في رأسها كالفجوة في الإبرة دائمًا!، ويبقي السؤال معلق في عقلها وكأنه قاصدًا تعذيبها.. ماذا ستفعل هي وابنتها وحدهم في هذه الدنيا!؟،.
بينما على الجانب الأخر، كان يقف حمدى يتحدث في الهاتف وهو ينظر كل ثانية على كريمة، فقال: ايوة يا باشا لسة قاعدة اهي خلي عينك عليها حاضر امرك الدفتر اللي صابر قالك عليه أخدتوا ولا لا؟ آآ بصراحة لأ يا باشا لا ازاااى يا حمار يا باشا ملقتهوش، دورت ف المكان اللي قالى عليه قبل ما يتكل لكن مفيش يعنى اية؟ يعنى شكله كان بيكذب عليا ويكذب عليك لية هو كان شاكك فيك؟ معرفش يا باشا والله.
اسمع بقا يا حمدى، الدفتر ده لو راح لبنته كلنا هنروح ف داهية وناخد اعدام، واكيد مش هنسيبك انت برة عارف والله عارف بس اعمل اية؟ معرفش اتصرف حاضر حاضر كلمنى لو في جديد مش هنبهك أمرك يا باشا طبعا سلام مع الف سلامة اغلق الهاتف ووضعه في جيبه مرة اخرى وهو يتنهد مرددًا بتوجس: ربنا يسترها!
جلست على السرير متكورة في وضع الجنين، دموعها تهطل بصورة مُقلقة، وجسدها المُعرى يرتعش بهيسترية مسيطرة عليها، روحها داخليًا تفتت لقطع متناثرة، مهشمة برغبة الادمان، ويرتكز العنوان الوحيد فوق كل هذا والسبب الرئيسي أخاها الوحيد مالك! تنطبق عليها لتكن هي الضحية!؟ اصبحت تتشنج وهي تتذكر إستسلامها القهرى له! أستيقظ هو ببرود، يتململ في الفراش بابتسامة احتلت ثغره..
لم تنظر له قط، وكأن النظر له يذكرها بكل شيئ فتنهدم كل محاولاتها للهدوء.. هتف هو بصوت هادئ يعلم تأثيره عليها: صباح الخير ولا مساء الخير مش عارف ضغطت على أذنيها ودموعها تزداد نزول وحرقة.. فقال هو بوقاحة: نمتِ كويس يا حبيبتي ولا لا؟ صرخت فيه بجزع: بس اسكت اسكت، مش عايزة اسمعك رفع حاجبه متهكمًا: لية هو انا صوتي وحش للدرجة لوت شفتيها مكملة بتقزز واضح: صوتك بيقرفنى، بيحسسنى بقذارتك قبل قذراتى.
ضم حاجبيه كأنما بدى متأثرًا، ثم تابع بسخرية خبيثة: لية منا كنت حنين من شوية! نهضت مسرعة من حواره فهى لن تحتمل المزيد، ما يحدث فاق قدراتها كأنثي فأمسك هو يدها قبل أن تبتعد وقال بجدية: أعملى حسابك إنى مش هديكِ حاجة بعد كدة إلا بمقابل نظرت له نظرة مغلفة بجميع معانى الكره والاستحقار لتغمغم: إستغلال، حقير هز رأسه نافيًا وأغمض عينيه دليل على تذكره ثم تشدق ب: تؤ تؤ، أصلى عيشت ليلة ولا ألف ليلة وليلة.
نهضت مسرعة وهي تجر ازدال خيبتها، وتلعن اليوم الذي ادمنت فيه! بينما همس هو وهو يتسطح بأريحية على الفراش: ولسة اللي جاى أحلي تنهد وهو يتذكر أخته الراحلة، ليقطع تفكيره صوت إصطدام قوى بالخارج وصرخة مدوية تسبب في فزعه جعلته ينهض ركضًا للخارج وحالة من الهلع قد سيطرت عليه!
كانت شمس تتسطح على ذاك الفراش الذي باتت تكرهه، الفراش الذي شهد إستسلامها المقزز، وهجومه المفاجئ لتنهار حصونها، وإن كانت حاولت الفرار من قبضته، ولكنها إستسلمت! تضم ركبتيها إلى صدرها وكأنها تحاول إستكات تلك الدقات التي تزعجها وتشعرها بالقهر، دموعها تود الإنزلاق أسفل لؤلؤتيها الرماديتين ولكنها تشد لجامها لتقف، ملامحها شاردة وواجمة كالجثة الهامدة خالية من أى روح!
دلف هو من الباب بهيئته الرجولية الجذابة، عطره الذي أنعش أنفها ولكنه جاء بمفعول عكسي عليها جعل قسمات وجهها تتشنج بشدة، ودون ظهور أى رد فعل صرخ فيه حادًا: قوومي إرتعش جسدها برعب حقيقي، الواقع يفرض عليها ذاك الخوف البادى على محياها بوضوح، لم تلتفت له وهي تحاول إختلاق بعضًا من شجعاتها، ولكنها فشلت عندما شعرت بقبضته تجذبها من الفراش كالقيد الحديدى، ولكنه موجع لحد كبير!
جعلها تقف أمامه ويداه تقيد ذراعيها البيضاويَن الذي كشفتهم تلك المنامة ذات البنطال الضيق القصير والتيشرت الخالى من الاكمام، ثم زمجر فيها غاضبًا: أية حابة تعيشِ دور الضحية كتير هزها وهو يصيح فيها هادرًا: ده جزء من اللي هيحصل فيكِ كل يوم، أنتِ هنا لرغبتي بس، يمكن عقد الجواز ده عشان يخرس اى حد! أقترب منها أكثر حتى اصبح ملاصق لها تشعر بسخونه جسده من قربها لهذا الحد، لتجده يهمس بفحيح أفعي:.
كل يوم لازم أخليكِ أنتِ اللي تستسلمي عشان تكرهي نفسك أكتر أبتعد عنها مسافة قليلة وهو يأمرها بنزق: ثم إنك قاعدة على السرير كدة لية وعاملة مناحة، قومي حضرى لى أكل لم تجيبه قط، كانت محدقة به كالبلهاء وهو يلقي قسم جديد يشهد على عذابها الحالي، والقادم! وقد تبلد جسدها من هول كلماته المفجعة، للأسف، لقد كان محق! عاد يقترب منها ليلاعبها على أوتارها الحساسة التي بدءت تعتاده، ثم قال بخبث دفين أمام شفتيها:.
ولا أنتِ قاعدة على السرير مستنياني لم ترد فقد ألجمتها الصدمة، ليضحك هو بسخرية متابعًا: اووه، قولى كدة بقا.
وبلمح البصر كان يدفعها على الفراش وهو فوقها تلفح أنفاسه الهوجاء الخشنة بشرتها الحليبية التي شحبت بهلع، ثم أقترب يقبلها بقسوة، عنف، وكأنه يفرغ شحنات الغضب التي تجتاحه كلما تذكر، لتلين قبلاته مع الثوانى قاصده إستسلامها، ولتنل ما قصدته وتستسلم هي أمام لمساته الحميمية الجديدة عليها والتي تثير فيها مشاعر لا تعرف لها معنى!
كان والد مالك جمال يجلس في احدى الكافيهات المعروفة، على الكرسي الخشبي يضع قدم فوق الاخرى بغرور وكبرياء لا ينتهي من حوله بعض الزهور الخضراء المشعشعة مزينة بأنوار زهية بشكل رائع، لتهدئه من بالمكان، ولكن كأنها بالنسبة تزيد من عصبيته فتجعله يدب على الارض بقوة اكبر.. نظره موجه نحو الباب ينتظرها بفارغ الصبر، هي التي ستنفذ له ما اراده وتحقق ما يسعي له على الفور..
واخيرًا ظهرت بهيئتها المعتادة، بنطال جينز ضيق وتيشرت يكاد يغطيها عدا ذراعيها البيضاويين، وجهها لا يخلو من مساحيق التجميل الكثيرة، تنهد وهو يراها تقترب لتجلس على الكرسي المقابل له، فسارع هو بالقول: كل ده تأخير؟ هزت رأسها وهي ترد بهدوء حذر: معلش مسافة الطريق اومأ متابعًا بارتياح: ماشي سألته مستفهمة بفضول: طلبتنى لية؟ ضحَك هو بسخرية، ثم رفع حاجبيه مجيبًا بتهكم يشوبه الخبث: وحشتينى يا مرات ابنى قولت اشوفك.
جزت على اسنانها بغيظ وهي تغمغم: جمال بيه، ياريت اعرف عشان معنديش وقت اومأ وهو يهتف بجدية: تمام تمام ندخل في الموضوع يا سمر اومأت سمر لتنظر له باهتمام.. فاستطرد هو بقوة فاجئتها هي شخصيًا: عايزك تدخلى حياة مالك تانى!
تم تحرير المشاركة بواسطة :زهرة الصبار
بتاريخ:03-01-2022 08:37 صباحا
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر
صمتت دقائق تحاول إستيعاب ما قاله له، لا لا، دقائق لا تكفي لأستيعاب تلاعبه بها!، يضعها امام مالك كطُعم وقتما شاء ويزيحها بكل برود كهامش وايضًا وقتما شاء! أى عدل هذا؟!، ولكن لا يهم، ما يهمها ويعمي عينيها عن كل هذا، هي الأموال التي تسحرها ولو قليلة! ردد مرة أخرى وكأنها لم تسمعه: عايزك تدخلي حياة مالك تانى فسألته هي ببلاهة متوقعة: لية؟ رفع حاجبه الأيسر يسألها هو الاخر: لية أية؟ تنهدت بنفاذ صبر:.
لية عاوزنى أدخل حياته تانى!؟ مط شفتيه مجيبًا بجدية وحدة غير محببة على قلبها: متهيألي شيئ لا يعنيكِ إنفعلت وهي تردد مقتضبة: لأ يعنيني، ويعنيني جدًا كمان، أنا مش تحت أمرك قهقه بسخرية أغاظتها بحق: مين اللي بيقول كدة! سمر؟ ضغطت على فكيها والغيظ يزيد من إحتلاله وسيطرته عليها: مالها سمر يا جمال بيه غمز لها بطرف عيناها متابعًا بخبث: فلة، بس في السرير بس صرخت فيه بحدة: كفاية تجريح لو سمحت.
وإن لم يكن له مصلحة معها لكان أراها التجريح بحق، ولكن، ليتوارى عنه قليلاً ويقتنص ذلك الوقت فيما أراده..! اومأ موافقًا ثم تابع بصوت هادئ بعض الشيئ: تمام عادت بظهرها للخلف وهي تسأله بنبرة يفهم مغزاها جيدًا: ممكن أعرف انا هستفاد أية؟ رد مسرعًا: هتستفادى كتير سألته دون تردد: أية بالظبط سألها متأففًا بحنق: عايزة كام يا سمر وتخلصينى؟ لمعت عينيها بجشع مألوف عنها: امممم، ممكن نقول ٥٠ ألف جنية؟ جحظت عيناه غير مصدقًا:.
نعممم، خمسين عفريت لما يركبوكِ هزت رأسها نافية وبدت وكأنها تنهر طفل صغير على تسرعه: اية يا جمال بيه، مستخسر ٥٠ بس ف سمورة حبيبتك من كومة الفلوس اللي تحت ايدك ده غير الملايين اللي هتكسبهم من ورة مالك! سألها بتوجس: أنتِ عرفتِ منين انى هكسب من وراه؟ رفعت كتفيها مكملة بدهاء يشوبه اللامبالاة: اصل اكيد مابتعملش كدة من الباب للطاق، اكيد ليك مصلحة كبييرة كمان اومأ بنفاذ صبر: ماشي اما نشوف اخرتها معاكِ.
ابتسامة شيطانية احتلت ثغرها المنفرج لتقول بحماس: إذا كان كدة موافقة بادلها نفس الابتسامة مرددًا: نتفق بقا...!
ويحاول تهدأت نفسه وقلبه الذي ثار غاضبًا من تكرار تلك الذكرى امامه وكأنها شريط سينيمائي، والأهم من ذاك الأتهام الشنيع!، أيمكن لشخص أن يقتل روحه؟! بالتأكيد لا، هي كانت روحه، كانت الهواء الذي يتنفسه ولكن..! نقطة ومن بداية السطر، هو كان يعشقها، هذا ما يرتكز بين جنبات عقله فقط! وكأنه استوعب ما قالته لتوه فصرخ فيها: لا انا معملتش كدة قالت بقوة لم تعرف من أين جلبتها: كداب، امال اية الكلام المكتوب ده!
هز رأسه نافيًا بسرعة: انا مقدرش اعمل فيها كدة اصلاً، دى كانت روحي لم تعرف لما شعرت بنغزة مؤلمة في منتصف قلبها!، ولما تشعر بالألم من الأساس؟! هي تكرهه فقط.. رفعت الدفتر في وجهه ملوحه بحنق: أنت اللي كاتب أو ايً كان مين اللي كاتب ده أطرق رأسه وهو يردد بخزى: انا اللي كاتب الكلام ده نظرت للدفتر بنظرة غير مفهومة وقرأت ما هو مدون بصوت عالي أخترق اذنيه كسهام حادة:.
أنا أسف يا حبيبتي، أسف يا ليلاي، الأسف لن يكفيكِ عمرى، قتلتك، قتلتك وقتلت روحى وقلبي معك، نعم انا قتلتك حبيبتي، أسف! نظرت له لتجده ينظر على الأرض كالطفل الذي أقترف خطأ شنيع في حق والده، فسألته ناهرة: قتلتها لييية؟ بدء يستوعب موقف الضعف الذي انحدر فيه ليحاول الخروج سريعًا: أنتِ ملكيش دعوة اصلاً سألته بدهشة: ازاى يعنى رفع كتفيه مجيبًا ببرود: زى السكر ف الشاى صرخت فيه بحدة: وانا مش هسكت على فكرة.
نظر في عينيها مباشرةً واستطرد: متقدريش تعملى حاجة هزت رأسها نافية بأصرار نبع من مبادئها التي تربت عليها منذ الصغر: لأ اقدر، واقدر اعمل كتير نظر في عينيها مباشرة، لتنطلق لغة العيون وقرأت هي بين سطور عيناه البنية ما عجز عن نطقه: بعمل ليكِ عمل خير، وأنتِ بتتهمينى بحاجة أنا مش قدها أنا مش مصدقة إنك تقدر تعمل كدة، بالرغم من كل اللي عملتهولى إلا إن البراءة اللي جواك مش ممكن تطاوعك صدقينى عينى بتجبرنى أكذبك! أسف.
مش ليا، للغلبانة اللي اتقلت! قطع صوت الهاتف لغتهم الصامتة، ليخرج الهاتف من جيبه ويتربع الضيق على ملامح وجهه ما إن يرى اسم المتصل ابتعد وخرج مسرعًا وهو يرد: الووو اية يا برنس عاملين اية تمام، خير؟ بتعمل اللي وصيتك عليه ولا لا؟ ألقي نظرة على خلود التي كانت تحاول فهم ما يحدث: اكيد امممم تمام، انا بطمن كتر خيرك انا بعرف الاصول بردو، دى أختى الوحيدة امممم انت هتقولى، ده انا اكتر واحد عارف انت قد اية بتحبهااا.
طيب، يلا سلام أنت بقي مع الف سلامة والقلب داعيلك اغلق مراد وهو يتنهد بضيق، ضيق إعتراه منذ مقابلته لأخيها.. فلاش باك.. كان مراد يقف في احدى المناطق تحديدا امام النيل، ينتعش بالهواء الطلق وهو يتذكر مقابلته ل خلود لأول مرة، حتى فاجئته قبضة صغيرة تهزه ليجد طفل صغير يمد يده بظرف وهو يقول: عمو، في عمو ادانى الورقة دى وقالى اديهالك اومأ وهو يلتقطها من يده متساءلاً باستغراب: هو فين ده؟ مط شفتيه مجيبًا ببراءة:.
مشي خلاص ابتسم الاخر بحنان: شكرًا يا حبيبي استدار وذهب ليتركه يفتح الظرف بترقب ليجد ما لا يتوقعه.. البنت اللي أسمها خلود اللي انت قابلتها، مع العصابة وكانت بتكذب عليك ظل ينظر للورقة عدة مرات، يقرأها مرارًا وتكرارًا، وكأنه لم يصدق، تلك البراءة والخوف لم يكونوا مزيفين ابدًا! باك... تنهد بقوة، لا يرغب في تذكر ذاك الأحمق الذي يزج أخته في الجحيم بعصا لا يعرف ما هي، ولكنه، متأكد من براءتها!
نهض من الفراش بهدوء، وهي كالعادة وكأنها لوحًا من الثلج، جسد بدون روح، إستسلمت له لكنها لم تتجاوب معه! ظل ينظر لها عدة مرات، ويحاول قراءة سطور عينيها ليفهم ما تفكر به، ولكنها كانت كاللغز الغامض يصعب فكه.. ولأول مرة وجد نفسه يتنحنح بهدوء لم يعرفه معها ابدًا: شمس، قومي لم تنظر له ولم ترمش حتى، هي ليست شمس من الأساس لترد! هي اصبحت مجرد جزء عاتم ليس له فائدة ابدًا!
نادها مرة أخرى بحروف كانت مخارجها غريبة وهو يقولها: شمس واخيرًا نظرت له لينظر للؤلؤتيها الرماديتين، اللتان تلمعان دائمًا ببريق لم يستطع فهمه حتى الان ثم هتفت متساءلة بكلمة واحدة: لية!؟ صمت لدقيقة ورد كأنه لم يفهم: لية أية؟ بنفس النبرة عادت تسأله: لية بتعمل معايا كدة!؟ ظل يقترب منها ببطئ، وهي تتراجع للخلف أكثر، عضت على شفتاها مغمضة العينين وهي تلعن لسانها الذي نطق بشيئ سيقربهم!
اصبحت على طرف الفراش وكأنها قطة مرتعدة تنظر له بعينين مذعورتين، دقات قلبها تتقارع كالطبول في الحرب من هذا القرب، طل عليها بقامته العريضة وهو فوقها، ليطيل النظر في عينيها وهو يهمس: مش عارف، فيكِ حاجة غريبة شدانى أووى بادلته الهمس بتوتر لم تستطع خفيه: يعنى اية؟! رد بنفس الهمس: انا نفسي مش عارف سألته والدموع ترقرقت في عينيها لتلك الذكرى: ابعد عنى، مش اخدت اللي أنت عايزه؟
لم يعرف لما أهتز جبله الشامخ لتلك الدموع!، لما تأثر ولو قليلاً؟! لما استطاعت دموعها فرض سيطرتها على مقاليد قلبه بمهارة؟! نفسي ابعد همس بها قبل أن يقترب كثيرًا، حتى سمع أنفاسها الغير منتظمة، ولم تكن هي وحدها المتأثرة بذاك القرب! ثم قبل عينيها برقة وحنان استشفتهما فصُعقت!، ثم قبل عينيها الاخرى... ثم ابتعد قليلاً يكمل: نفسي ابعد عنك بس مش قادر نظرت له وبدت وكأنها لم تستوعب فتابع:.
أنتِ شدانى اووى، زى اللي عاملى سحر مش قادر ولا عارف أسيطر عليه مد يده يتحسس وجهها برقة بالغة لتسير قشعريرة كالكهرباء في جسدها، تحسس وجنتاها وشفتاها الكرزية وهو يستطرد حديثه الذي مازالت لا تستوعبه: أنتِ حلوة اووى اوووى واخيرًا استطاعت السيطرة على حروفها واخراجها ولو متقطعة: أب أبعد.
قالتها وهي مغمضة العينين، وكأنها منعت سحر عينيها عنه فاستفاق لنفسه ونهض مسرعًا لتتنفس هي الصعداء، ولم تشعر إلا بصوته وهو يقول بخشونة: قومي حضرى لى الأكل بسرعة لم تستجيب فصرخ فيها: قولت قوومي رجع لطبيعته، الحقير.
همست بها وهي تنهض مسرعة، لتجده يحدق بها نظرت لنفسها لتتذكر انها لم ترتدى سوى قميص قصير يظهر كل معالم جسدها!، زحفت الحمرة لوجنتاها وصدمت وتوترت، كثير من المشاعر ليقول وهو يستدير ليسيطر على نفسه بصعوبة: بس بس انا طالع، خلصي وف ثوانى ألاقي الأكل جاهز.
ثم خرج لترتدى هي ملابسها بسرعة مرتبكة حتى انتهت فخرجت متجهه للمطبخ، لتجده يجلس امام التلفاز بهدوء، ظلت تتفحص المطبخ بعينيها ولم تجد اى شيئ، زفرت وهي تغمغم: لازم اروح اسأله، استغفر الله خرجت لتسأله، وما إن رأها حتى سألها هو: في اية؟ ابتلعت ريقها بتوجس وسألته: فين الأطباق مفيش حاجة ف المطبخ؟ اومأ وهو يشير تجاه تلك الغرفة التي تكرهها: في الاوضة هتلاقي الاطباق ف كرتونة، وفي اكل في التلاجة.
اومأت بسرعة وهي تكاد تركض تجاه الغرفة، وجلس هو يأنب نفسه على تهاونه معها، يلعن عدم سيطرته على نفسه، يكره ذاك الشعور الذي نبع بداخله ولكنه لن يسمح له بالنمو ابدًا! جاءت وهي تحمل الأطباق الزجاجية وظل هو ينظر لها بغضب هادر، غضب تجهل سببه ولكنه أربكها حتى سقطت الاطباق من يدها وتهشمت، فشهقت وهي تردد مسرعة: اسفة، اسفة هألمهم.
هبطت تجمعهم ولكن إربكاها كان امر تلقائى من مالك الذي كان يتابعها بعيناه، فجرحت اصبعها ونزفت الدماء منه فصرخت هي متأوهه: آآه أيدى! نهض مسرعًا ليصبح مقابلاً لها ثم امسك اصبعها المصاب يتفحصه بهدوء ثم نظر لها ليجدها كالبلهاء لم تستوعب تغيره المفاجئ، فقال لها: مش تاخدى بالك.
نظرت ليدها وليده الممسكة بها بذهول حقيقي، كانت كالطفل البرئ وشفتاها الكرزية مزمومتين، ولم يتمالك نفسه فاقترب منها يفاجئها بقبلة هدمت ذهولها ليحل محله الصدمة والقلق من القادم، قبلة رقيقة هادئة تحولت لقبلات متتالية تأكل شفتاها...! واخيرًا استطاعت دفعه قليلاً عنها، لينظر في عينيها مباشرةً ويقول وهو يهمس بأنفاس لاهثة: أنا أسف! ولم تستوعب أن الجبل الشامح يعتذر! و...
حديقة متوسطة مجاورة لمنزل كبير قصر، اللون الأخضر يسيطر على انحاءها بمهارة، مزينة من الجانبين بنور القمر الزهي الذي ينعكس على اضواءها، وجلسة في الهواء الطلق على كرسيين خشبيين ومنضدة خشبية تتوسطهم، الجو الهادئ لا يخفف شحنة التوتر التي تملئ المكان ابدًا! رجلان يرتديان ملابس مهندمة نظيفة، احداهما طه والاخر معتز.. نظر طه له وهتف بشيئ من الحنق: انا معرفش أنت لية مخلتنيش أبعت رجالة يجيبوا البت.
هز رأسه نافيًا واجابه بخبث: يا باشا، سويها على نار هادية هو انا اللي هرسيك بردو!؟ تأفف بضيق قبل أن يأمره: قول قصدك على طول يا معتز أقترب قليلاً وهو يتابع: مش أحنا عايزين الفلاشة يا باشا؟ اومأ طه مؤكدًا: ده شيئ مفروغ منه! ابتسم معتز ليستطرد بتفكير: طب ما البت مش عارفة اصلاً حاجة عن الفلاشة، مش حمدى قالك ف السجن إن الراجل قاله يقول لبنته شمس على مكان الدفتر، معنى كلامه انه كان مخبى على بنته كل حاجة.
حك طرف ذقنه باصبعه وهتف: طب ما أحنا لو خدنا البت وساومنا امها ممكن تكون عارفة مكان الفلاشة وتقولنا عليها هز الأخر رأسها نافيًا واكمل: ولو الاتنين ميعرفوش ممكن تروح تبلغ البوليس وهياخدوا حذرهم ومش هنستفاد اى حاجة تنهد قبل ان يعاود سؤاله الحاد: يعنى اية!؟ استطرد معتز: يعنى كدة كدة يا باشا أنت مراقب ام البت، وحط مراقبة على البيت كمان، ومسيرنا هنعرف الفلاشة فين بس من غير تهور تقوس فمه بابتسامة ساخرة وقال:.
مسيرنا هنعرف اكيد واحنا ببدلة الإعدام هز رأسه نافيًا بسرعة واشار لنفسه بغرور فاضح: لأ لأ بعيد الشر، ثق فيا يا باشا اومَأ الاخر وهو يقول بضيق: اما نشوف اخرتها!
بعد فترة، وصراع من التفكير داخله، امواج متلاطمة تتخبط بداخله، وهو لا يعرف ما يجب أن يُفعل، تائه بين امواج هو من زج نفسه بها، تنهد والضيق يعتريه بشدة، هو خائف، خائف بحق من شعور ينبت بداخله فيجعله يحلق في سماء هو لا قوى له فيها! نظر لها وهي تتقدم لتضع الطعام على المنضدة امامه..
وهذا الشعور الذي يسيطر عليه عليه بلا هواده كلما رأها يشعر أنه يرغب في إمتلاكها، يتمنى أن يسير بشريانها كالدماء بلا منازع! ويا لها من معاناة عندما يحاول كبت جميع مشاعره.. طُرق الباب برفق فطُرق معه التوجس في قلب كلاهما، نهض مالك وهو يشير لها قائلاً: اهدى مفيش حاجة اومأت بهمس قلق: طيب اتجه للخارج ثم فتح الباب ليُصدم من تواجدها وفي هذا المنزل! نعم أنها سمر ترتدى ملابس خليعة كعادتها وكأنها تحاول إغراءه!
وقبل أن يستوعب الصدمة كانت تصيح بابتسامة ماكرة وهي تحتضنه: مااالك، Miss you so much يا حبيبي!